ج1وج2. تاريخ الخلفا للسيوطي
ج1.كتاب تاريخ الخلفاء عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطيي
خطبة
المؤلف و فيها بيان الداعي إلى تأليف الكتاب أما بعد حمد الله الذي وعد فوفى و
أوعد فعفا و الصلاة و السلام على سيدنا محمد سيد الشرفاء و مسود الخلفاء و على آله
و صحبه أهل الكرم و الوفاء فهذا تاريخ لطيف ترجمت فيه الخلفاء أمراء المؤمنين
القائمين بأمر الأمة من عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى عهدنا هذا على ترتيب
زمانهم الأول فالأول و ذكرت في ترجمة كل منهم ما وقع في أيامه من الحوادث
المستغربة و من كان في أيامه من أئمة الدين و أعلام الأمة
و الداعي إلى تأليف هذا الكتاب أمور :
منها أن الإحاطة بتراجم أعيان الأمة مطلوبة و لذوي
المعارف محبوبة و قد جمع جماعة تواريخ ذكروا فيها الأعيان مختلطين و لم يستوفوا و
استيفاء ذلك يوجب الطول و الملال فأردت أن أفرد كل طائفة في كتاب أقرب إلى الفائدة
لمن يريد تلك الطائفة خاصة و أسهل في التحصيل فأفردت كتابا في الأنبياء صلوات الله
عليهم و سلامه و كتابا في الصحابة ملخصا من الإصابة لشيخ الإسلام أبي الفضل بن حجر
و كتابا حافلا في طبقات المفسرين و كتابا وجيزا في طبقات الحفاظ لخصته من طبقات
الذهبي و كتابا جليلا في طبقات النحاة و اللغويين لم يؤلف قبله مثله و كتابا في
طبقات الأصوليين و كتابا جليلا في طبقات الأولياء و كتابا في طبقات الفرضيين و
كتابا في طبقات البيانيين و كتابا في طبقات الكتاب ـ أعني أرباب الإنشاء ـ و كتابا
في طبقات أهل الخط المنسوب و كتابا في شعراء العرب الذين يحتج بكلامهم في العربية
و هذه تجمع غالب أعيان الأمة و اكتفيت في طبقات الفقهاء بما ألفه الناس في ذلك
لكثرته و الإستغناء به و كذلك اكتفيت في القراء بطبقات الذهبي و أما القضاة فهم
داخلون فيمن تقدم و لم يبق من الأعيان غير الخلفاء مع تشوق النفوس إلى أخبارهم
فأفردت لهم هذا الكتاب و لم أورد أحدا مما ادعى الخلافة خروجا و لو لم يتم له
الأمر ككثير من العلويين و قليل من العباسيين
اعتذار المؤلف عن كونه لم يذكر الفاطميين بين الخلفاء
منها : أنهم غير قريشيين و إنما سمتهم بالفاطميين جهلة العوام و إلا فجدهم مجوسي
قال القاضي عبد الجبار البصري :
اسم جد الخلفاء المصريين سعيد و كان أبوه يهوديا حدادا
نشابة و قال القاضي أبو بكر الباقلاني : القداح جد عبيد الله الذي يسمي علماء
النسب و سماهم جهلة الناس الفاطميين قال ابن خلكان : أكثر أهل العلم لا يصححون نسب
المهدي عبيد الله جد خلفاء مصر حتى إن العزيز بالله ابن المعز في أول ولايته صعد
المنبر يوم الجمعة فوجد هناك ورقة فيها هذه الأبيات :
( إنما سمعنا نسبا منكرا ... يتلى على المنبر في الجامع )
( إن كنت فيما تدعي صادقا ... فاذكر أبا بعد الأب السابع )
( إن ترد تحقيق ما قلته ... فانسب لنا نفسك كالطائع )
( أو لا دع الأنساب مستورة ... و ادخل بنا في نفسك
الواسع )
( فإن أنساب بني هاشم ... يقصر عنها طمع الطامع )
و كتب العزيز إلى الأموي صاحب الأندلس كتابا سبه فيه و
هجاه فكتب إليه الأموي [ أما بعد فإنك عرفتنا فهجوتنا و لو عرفناك لأجبناك ] فاشتد
ذلك على العزيز فأفحمه عن الجواب ـ يعني أنه دعي لا تعرف قبيلته ـ قال الذهبي : المحققون متفقون
على أن عبيد الله المهدي ليس بعلوي و ما أحسن ما قال حفيده المعز صاحب القاهرة ـ و
قد سأله ابن طباطبا العلوي عن نسبهم ـ فجذب سيفه من الغمد و قال : هذا نسبي و نثر
على الأمراء و الحاضرين الذهب و قال : هذا حسبي
و منها : أن أكثرهم زنادقة خارجون عن الإسلام و منهم من
أظهر سب الأنبياء و منهم من أباح الخمر و منهم من أمر بالسجود له و الخير منهم
رافضي خبيث لئيم يأمر بسب الصحابة رضي الله عنهم و مثل هؤلاء لا تنعقد لهم بيعة و
لا تصح لهم إمامة
قال القاضي أبو بكر الباقلاني : كان المهدي عبيد الله
باطنيا خبيثا حريصا على إزالة ملة الإسلام أعدم العلماء و الفقهاء ليتمكن من إغواء
الخلق و جاء أولاده على أسلوبه : أبا حوا الخمر و الفروج و أشاعوا الرفض
و قال الذهبي : كان القائم بن المهدي شرا من أبيه زنديقا
ملعونا أظهر سب الأنبياء و قال : و كان العبيديون على ملة الإسلام شرا من التتر
و قال أبو الحسن القابسي : إن الذين قتلهم عبيد الله و
بنوه من العلماء و العباد أربعة آلاف رجل ليردوهم عن الترضي عن الصحابة فاختاروا
الموت فيا حبذا لو كان رافضيا فقط و لكنه زنديق
و قال القاضي عياض : سئل أبو محمد القيرواني الكيزاني من
علماء المالكية عمن أكرهه بنو عبيد ـ يعني خلفاء مصر ـ على الدخول في دعوتهم أو
يقيل ؟ قال : يختار القتل و لا يعذر أحد في هذا الأمر كان أول دخولهم قبل أن يعرف أمرهم
و أما بعد فقد وجب الفرار فلا يعذر أحد بالخوف بعد إقامته لأن المقام في موضع يطلب
من أهله تعطيل الشرائع لا يجوز و إنما أقام من أقام من الفقهاء على المبانية لهم
لئلا تخلو للمسلمين حدودهم فيفتنوهم عن دينهم
و قال يوسف الرعيني : أجمع العلماء بالقيروان على أن حال
بني عبيد حال المرتدين و الزنادقة لما أظهروا من خلاف الشريعة
و قال ابن خلكان : و قد كانوا يدعون علم المغيبات و
أخبارهم في ذلك مشهورة حتى إن العزيز صعد يوما المنبر فرأى ورقة فيها مكتوب :
( بالظلم و الجور قد رضينا ... و ليس بالكفر و الحماقة )
( إن كنت أعطيت علم غيب ... بين لنا كاتب البطاقة )
و كتبت إليه امرأة قصة فيها : بالذي أعز اليهود بميشا و
النصارى بابن نسطور و أذل المسلمين بك إلا نظرت في أمري و كان ميشا اليهودي عاملا
بالشام و ابن نسطور النصراني بمصر
و منها : أن مبايعتهم صدرت و الإمام العباسي قائم موجود
سابق البيعة فلا تصح إذ لا تصح البيعة لإمامين في وقت واحد و الصحيح المتقدم
و منها : أن الحديث ورد بأن هذا الأمر إذا وصل إلى بني
العباس لا يخرج عنهم حتى يسلموه إلى عيسى ابن مريم أو المهدي فعلم أن من تسمى
بالخلافة مع قيامهم خارج باغ
فلهذه الأمور لم أذكر أحدا من العبيديين و لا غيرهم من
الخوارج و إنما ذكرت الخليفة المتفق على صحة إمامته و عقد بيعته و قد قدمت في أول
الكتاب فصولا فيها فوائد مهمة و ما أوردته من الوقائع الغريبة و الحوادث العجيبة
فهو ملخص من تاريخ الحافظ الذهبي و العهدة في أمره عليه و الله المستعان
بيان أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يستخلف أحدا يلي
الأمر بعده قال البزار في مسنده
: [ حدثنا عبد الله بن وضاح الكوفي حدثنا يحيى بن
اليماني حدثنا إسرائيل عن أبي اليقظان عن أبي وائل عن حذيفة قال : قالوا : يا رسول
الله ألا تستخلف علينا ؟ قال : إني إن أستخلف عليكم فتعصون خليفتي ينزل عليكم
العذاب ] أخرجه الحاكم في المستدرك و أبو اليقظان ضعيف
و أخرج الشيخان عن عمر أنه قال حين طعن : إن أستخلف فقد
استخلف من هو خير مني ـ يعني أبا بكر ـ و إن أترككم فقد ترككم من هو خير مني ـ
يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ
و أخرج أحمد و البيهقي في دلائل النبوة بسند حسن عن عمرو
بن سفيان قال : لما ظهر علي يوم الجمل قال : أيها الناس : إن رسول الله صلى الله
عليه و سلم لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئا حتى رأينا من الرأي أن نستخلف أبا
بكر فأقام و استقام حتى مضى لسبيله ثم إن أبا بكر رأى من الرأي أن يستخلف عمر
فأقام و استقام حتى ضرب الدين بجرانه ثم إن أقواما طلبوا الدنيا فكانت أمور يقضي
الله فيها
و أخرج الحاكم في المستدرك و صححه البيهقي في الدلائل عن
أبي وائل قال : قيل لعلي : ألا تستخلف علينا ؟ قال : ما استخلف رسول الله صلى الله عليه و
سلم فأستخلف و لكن إن يرد الله بالناس خيرا فسيجمعهم بعدي على خيرهم كما جمعهم بعد
نبيهم على خيرهم
قال الذهبي : و عند الرافضة أباطيل في أنه عهد إلى علي
رضي الله عنه و قد قال هذيل بن شرحبيل : أكان أبو بكر يتأمر على علي وصي رسول الله
صلى الله عليه و سلم و ود أبو بكر أنه وجد عهدا من رسول الله صلى الله عليه و سلم
فخزم أنفه بخزام ؟ أخرجه ابن سعد و البيهقي في الدلائل و أخرج ابن سعد عن الحسن
قال : قال علي : لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم نظرنا في أمرنا فوجدنا
النبي صلى الله عليه و سلم قد قدم أبا بكر في الصلاة فرضينا لدنيانا عمن رضي رسول
الله صلى الله عليه و سلم عنه لديننا فقدمنا أبا بكر
و قال البخاري في تاريخه : روي [ عن ابن جمهان عن سفينة
أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لأبي بكر و عمر و عثمان : هؤلاء الخلفاء بعدي ]
قال البخاري و لم يتابع على هذا لأن عمر و عليا و عثمان قالوا : لم يستخلف النبي
صلى الله عليه و سلم انتهى
و الحديث المذكور أخرجه ابن حيان قال : [ حدثنا أبو يعلى
حدثنا يحيى الجماني حدثنا حشرج عن سعيد بن جمهان عن سفينة : لما بنى رسول الله صلى
الله عليه و سلم المسجد وضع في البناء حجرا و قال لأبي بكر : ضع حجرك إلى جنب حجري
ثم قال لعمر : ضع حجرك إلى جنب حجر أبي بكر ثم قال لعثمان : ضع حجرك إلى جنب حجر
عمر ثم قال : هؤلاء الخلفاء بعدي ] قال أبو زرعة : إسناده لا بأس به و قد أخرجه
الحاكم في المستدرك و صححه البيهقي في الدلائل و غيرهما
قلت : و لا منافاة بينه و بين قول عمر و علي أنه لم
يستخلف لأن مرادهما أنه عند الوفاة لم ينص على استخلاف أحد و هذا إشارة وقعت قبل
ذلك فهو كقوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الآخر [ عليكم بسنتي و سنة الراشدين
المهديين من بعدي ] أخرجه الحاكم من حديث العرباض بن سارية و كقوله صلى الله عليه
و سلم : [ اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر و عمر ] و غير ذلك من الأحاديث المشيرة
إلى الخلافة
بيان الأئمة من قريش قال أبو داود الطيالسي في مسنده : [
حدثنا سكين بن عبد العزيز عن سيار بن سلامة عن أبي برزة أن النبي صلى الله عليه و
سلم قال : الأئمة من قريش ما حكموا فعدلوا و وعدوا فوفوا و استرحموا فرحموا ] أخرجه
الإمام أحمد و أبو يعلى في مسنديهما و الطبراني
و قال الترمذي : [ حدثنا أحمد بن منيع حدثنا زيد بن
الحباب حدثنا معاوية بن صالح حدثنا أبو مريم الأنصاري عن أبي هريرة قال : قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : الملك في قريش و القضاء في الأنصار و الأذان في الحبشة ]
إسناده صحيح
و قال الإمام أحمد في مسنده : [ حدثنا الحاكم بن نافع
حدثنا إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح عن كثير بن مرة عن عتبة بن عبدان
أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : الخلافة في قريش و الحكم في الأنصار و الدعوة
في الحبشة ] رجاله موثقون
و قال البزار : [ حدثنا إبراهيم بن هانئ حدثنا الفيض بن
الفضل حدثنا مسعر عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن ربيعة بن ماجد عن علي بن أبي
طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الأمراء من قريش أبرارها أمراء
أبرارها و فجارها أمراء فجارها
]
في مدة الخلافة في الإسلام قال الإمام أحمد : [ حدثنا
بهز حدثنا حماد بن سلمة حدثنا سعيد بن جمهان عن سفينة قال : سمعت رسول الله صلى
الله عليه و سلم يقول : الخلافة ثلاثون عاما ثم يكون بعد ذلك الملك ] أخرجه أصحاب
السنن و صححه ابن حيان و غيره
قال العلماء : لم يكن في الثلاثين بعده صلى الله عليه و
سلم إلا الخلفاء الأربعة و أيام الحسن
و قال البزار : [ حدثنا محمد بن سكين حدثنا يحيى بن حسان
حدثنا يحيى بن حمزة عن مكحول عن أبي عبيدة بن الجراح قال : قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم إن أول دينكم بدأ نبوة و رحمة ثم يكون خلافة و رحمة ثم يكون ملكا و
جبرية ] حديث حسن
و قال عبد الله بن أحمد : [ حدثنا محمد بن أبي بكر
المقدسي حدثنا يزيد بن زريع حدثنا ابن عون عن الشعبي عن جابر بن سمرة عن النبي صلى
الله عليه و سلم قال : لا يزال هذا الأمر عزيزا ينصرون على من ناوأهم عليه اثنا
عشر خليفة كلهم من قريش ] أخرجه الشيخان و غيرهما و له طرق و ألفاظ : منها [ لا
يزال هذا الأمر صالحا ] ومنها [ لا يزال الأمر ماضيا ] رواهما أحمد ومنها عند مسلم
[ لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا إن أول دينكم بدأ نبوة و رحمة ثم يكون
خلافة و رحمة ثم يكون ملكا و جبرية حديث حسن
و قال عبد الله بن أحمد : [ حدثنا محمد بن أبي بكر
المقدسي حدثنا يزيد بن زريع حدثنا ابن عون عن الشعبي عن جابر بن سمرة عن النبي صلى
الله عليه و سلم قال : لا يزال هذا الأمر عزيزا ينصرون على من ناوأهم عليه اثنا
عشر خليفة كلهم من قريش ] أخرجه الشيخان و غيرهما و له طرق و ألفاظ : منها [ لا
يزال هذا الأمر صالحا ] ومنها [ لا يزال الأمر ماضيا ] رواهما أحمد ومنها عند مسلم
[ لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا ؟ فقال : سألنا عنها رسول الله صلى الله
عليه و سلم فقال [ اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل ] ]
قال القاضي عياض : لعل المراد بالاثنى عشر في هذه
الأحاديث و ما شابهها أنهم يكونون في مدة عزة الخلافة و قوة الإسلام و استقامة
أموره و الاجتماع على من يقوم بالخلافة و قد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن
اضطرب بني أمية و وقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد فاتصلت بينهم إلى أن قامت
الدولة العباسية فاستأصلوا أمرهم
قال شيخ الإسلام ابن حجر في شرح البخاري : كلام القاضي
عياض أحسن ما قيل في الحديث و أرجحه لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحه : [
كلهم يجتمع عليه الناس ] و إيضاح ذلك أن المراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته و الذي
وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي إلى أن وقع أمر الحكمين
في صفين فتسمى معاوية يومئذ بالخلافة ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن ثم
اجتمعوا على ولده يزيد و لم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ثم لما مات يزيد وقع
الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل الزبير ثم اجتمعوا على
أولاده الأربعة الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام و تخلل بين سليمان و يزيد عمر بن
عبد العزيز فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين و الثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن
عبد الملك اجتمع الناس عليه لما مات عمه هشام فولي نحو أربع سبين ثم قاموا عليه
فقتلوه و انتشرت الفتن و تغيرت الأحوال من يومئذ و لم يتفق أن يجتمع الناس على
خليفة بعد ذلك لأن يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمه الوليد بن يزيد لم تطل
مدته بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمد بن مروان و لما مات يزيد
ولي أخوه إبراهيم فقتله مروان ثم ثار مروان بنو العباس إلى أن قتل ثم كان أول
خلفاء بني العباس السفاح و لم تطل مدته مع كثرة من ثار عليه ثم ولي أخوه المنصور
فطالت مدته لكن خرج عنه المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس و استمرت
في أيديهم متغلبين عليها إلا أن تسموا بالخلافة بعد ذلك و انفرط الأمر إلى أن لم
يبق من الخلافة إلا الاسم في البلاد بعد أن كان في أيام بني عبد الملك بن مروان
يخطب للخليفة في جميع الأقطار من الأرض شرقا و غربا يمينا و شمالا مما غلب عليه
المسلمون و لا يتولى أحد في بلد من البلاد كلها الإمارة على شيء منها إلا بأمر
الخليفة
و من انفراط الأمر أنه كان في المائة الخامسة بالأندلس
وحدها ستة أنفس كلهم يتسمى بالخلافة و معهم صاحب مصر العبيدي و العباسي ببغداد
خارجا عمن كان يدعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية و الخوارج
قال : فعلى هذا التأويل يكون المراد بقوله : [ ثم يكون
الهرج ] يعني القتل الفاشي عن الفتن وقوعا فاشيا و يستمر و يزداد و كذا كان
و قيل : إن المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدة
إسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحق و إن لم تتوال أيامهم و يؤيد هذا ما أخرجه
مسدد في مسنده الكبير عن أبي الخلد أنه قال : [ لا تهلك هذه الأمة حتى يكون منها
اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى و دين الحق منهم رجلان من أهل بيت محمد صلى الله
عليه و سلم ] و على هذا فالمراد بقوله : [ ثم يكون الهرج ] أي الفتن المؤذنة بقيام
الساعة : من خروج الدجال و ما بعده انتهى
قلت : و على هذا فقد وجد من الاثني عشر خليفة الخلفاء
الأربعة و الحسن و معاوية و ابن الزبير و عمر بن عبد العزيز هؤلاء ثمانية و يحتمل
أن يضم إليهم المهتدي من العباسيين لأنه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أمية و
كذلك الطاهر لما أوتيه من العدل و بقي الاثنان المنتظران أحدهما المهدي لأنه من آل
بيت محمد صلى الله عليه و سلم
أحاديث منذرة بخلافة بني أمية قال الترمذي : حدثنا محمد
بن غيلان حدثنا أبو داود الطياليسي حدثنا القاسم ابن الفضل المدني عن يوسف بن سعد
قال : قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية فقال : سودت وجوه المؤمنين
فقال : لا تؤنبني رحمك الله فإن النبي صلى الله عليه و سلم رأى بني أمية على منبره
فساءه ذلك فنزلت : { إنا أعطيناك الكوثر } و نزلت : { إنا أنزلناه في ليلة القدر *
وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر } يملكها بعدك بنو أمية يا
محمد قال القاسم : فعددنا فإذا هي ألف شهر لا تزيد و لا تنقص قال الترمذي : هذا
حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث القاسم و هو ثقة و لكن شيخه مجهول و أخرج هذا
الحديث الحاكم في مستدركه و ابن جرير في تفسيره قال الحافظ أبو الحجاج المزي : و
هو حديث منكر و كذا قال ابن كثير و قال ابن جرير في تفسيره : حدثت عن محمد بن الحسن ابن زبالة حدثت
عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل حدثني أبي عند جدي قال : رأى رسول الله صلى الله
عليه و سلم بني الحكم ابن أبي العاص ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك فلما
استجمع ضاحكا حتى مات و أنزل الله في ذلك : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا
فتنة للناس } إسناده ضعيف لكن له شواهد من حديث عبد الله بن عمر و يعلي بن مرة و الحسين
بن علي و غيرهم و قد أوردتها بطرقها في كتاب التفسير و المسند و أشرت إليها في
كتاب أسباب النزول
أحاديث تبشر بخلافة بني العباس قال البزار : [ حدثنا
يحيى بن يعلي بن منصور حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد ابن إسماعيل بن أبي
فديك عن محمد بن عبد الرحمن العامري عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم للعباس : فيكم النبوة و المملكة ] العامري ضعيف و قد
أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة و ابن عدي في الكامل و ابن عساكر من طريق عن ابن
أبي فديك
و قال الترمذي : [ حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا
عبد الوهاب بن عطاء عن ثور بن يزيد عن مكحول عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للعباس : إذا كان غداة الاثنين فأتني أنت
و ولدك حتى أدعو لهم بدعوة ينفعك الله بها و ولدك فغدا و غدونا معه و ألبسنا كساء
ثم قال : اللهم اغفر للعباس و لولده مغفرة ظاهرة و باطنة لا تغادر ذنبا اللهم احفظه
في ولده ] هكذا أخرجه الترمذي في جامعه و زاد رزين العبدري في آخره [ و اجعل
الخلافة باقية في عقبه ] قلت هذا الحديث و الذي قبله أصلح ما ورد في هذا الباب
و قال الطبراني : [ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة
حدثنا إسحاق عن إبراهيم بن أبي النضر عن يزيد بن ربيعة عن أبي الأشعث عن ثوبان رضي
الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : رأيت بني مروان يتعاورون على
منبري فسائني ذلك و رأيت بني العباس يتعاورون على منبري فسرني ذلك ]
و قال أبو نعيم في الحلية : [ حدثنا محمد بن المظفر
حدثنا عمر بن الحسن بن علي حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبيد حدثنا محمد بن صالح
العدوي حدثنا ابن جعفر التميمي حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي أخبرني علي بن
زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال خرج رسول الله صلى
الله عليه و سلم فتلقاه العباس فقال : ألا أبشرك يا أبا الفضل ؟ قال بلى يا رسول
الله قال : إن الله افتتح بي هذا الأمر و بذريتك يختمه ] إسناده ضعيف
و قد ورد من حديث علي بإسناد أضعف من هذا أخرجه ابن
عساكر من طريق محمد بن يونس الكدمي ـ هو وضاع ـ [ عن إبراهيم بن سعيد الأشقر عن
خليفة عن أبي هاشم عن محمد ابن الحنفية عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه و سلم قال للعباس : إن الله فتح هذا الأمر بي و يختمه بولدك ] و ورد أيضا من
حديث ابن عباس أخرجه الخطيب في التاريخ و لفظه [ بكم يفتح هذا الأمر و بكم يختم ]
و سيأتي بسنده في ترجمة المهتدي بالله و ورد أيضا من حديث عمار بن ياسر أخرجه
الخطيب
و قال في الحلية : [ حدثنا محمد بن المظفر حدثنا نصر بن
محمد حدثنا علي ابن أحمد السواق حدثنا عمر بن راشد حدثنا عبد الله بن محمد بن صالح
عن أبيه عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم : يكون من ولد العباس ملوك تكون أمراء أمتي يعز الله بهم
الدين ] عمر بن راشد ضعيف
و قال أبو نعيم في الدلائل : [ حدثنا الحسن بن إسحاق بن
إبراهيم بن زيد حدثنا المنتصر بن نصر بن المنتصر حدثنا أحمد بن راشد بن خثيم ثنا
عمي سعيد بن خثيم عن حنظلة عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : حدثتني أم
الفضل رضي الله عنها قالت : مررت بالنبي صلى الله عليه و سلم فقال : إنك حامل
بغلام فإذا ولدت فأتيني به فلما ولدته أتيت به النبي صلى الله عليه و سلم فأذن في
أذنه اليمنى و أقام في أذنه اليسرى و ألبأه من ريقه و سماه عبد الله و قال : اذهبي
بأبي الخلفاء فأخبرت العباس و كان رجلا لباسا ـ فلبس ثيابه ثم أتى إلى النبي صلى
الله عليه و سلم فلما بصر به قام فقبل بين عينيه فذكر ذلك لرسول الله صلى الله
عليه و سلم فقال : هو ما أخبرتك هو أبو الخلفاء حتى يكون منهم السفاح حتى يكون
منهم المهدي حتى يكون منهم من يصلي بعيسى ابن مريم عليه السلام ]
و قال الديلمي في مسند الفردوس : أخبرنا عبدوس بن عبد
الله كتابة أخبرنا الحسن بن فتحويه حدثنا عبد الله بن أحمد بن يعقوب المقري حدثنا
العباس بن علي النسائي حدثنا يحيى بن يعلي الرازي حدثنا سهل بن تمام حدثنا الحارث
ابن شبل حدثتنا أم النعمان عن عائشة رضي الله عنهما مرفوعا [ سيكون لبني العباس
راية و لن تخرج من أيديهم ما أقاموا الحق ]
و قال الدار قطني في الأفراد : [ حدثنا عبد الله بن عبد الصمد بن
المهتدي حدثنا محمد بن هرون السعدي حدثنا أحمد بن إبراهيم الأنصاري عن أبي يعقوب
بن سليمان الهاشمي قال : سمعت المنصور يقول : حدثني أبي عن جدي عن ابن عباس رضي
الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال للعباس : إذا سكن بنوك السواد و
لبسوا السواد و كان شيعتهم أهل خراسان لم يزل الأمر فيهم حتى يدفعوه إلى عيسى ابن
مريم ]
أحمد بن إبراهيم ليس بشيء و شيخه مجهول و الحديث ضعيف
حتى إن ابن الجوزي ذكره في الموضوعات و له شاهد أخرجه الطبراني في الكبير : عن
أحمد بن داود المكي عن محمد بن إسماعيل بن عون النبلي عن الحارث بن معاوية بن
الحارث عن أبيه عن جده أبي أمه عن أم سلمة رضي الله عنها مرفوعا : [ الخلافة في
ولد عمي و صنو أبي حتى يسلموها إلى المسيح ] و أخرجه الديلمي من وجه آخر عن أم
سلمة رضي الله عنها
و قال العقيلي في كتاب الضعفاء : حدثنا أحمد بن محمد
النصيبي حدثنا إبراهيم بن المستمر العروقي حدثنا أحمد بن سعيد الجبيري حدثنا عبد
العزيز بن بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه عن جده أبي بكرة رضي الله عنه
مرفوعا [ يلي ولد العباس من كل يوم تليه بنو أمية يومين و من كل شهر شهرين ]
هذا حديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات و أعله ببكار و
ليس كما قال فإن بكارا لم يتهم بكذب و لا وضع بل قال فيه ابن عدي : هو من جملة
الضعفاء الذين يكتب حديثهم ثم قال : و أرجو أنه لا بأس به و لعمري فليس معنى
الحديث ببعيد فإن دولة العباسيين في حال علوها و نفوذ كلمتها في أقطار الأرض شرقا
و غربا ما عدا أقصى المغرب كانت من سنة بضع و ثلاثين و مائة إلى سنة بضع و تسعين و
مائتين حتى تولى المقتدر و في أيامه انخرم النظام و خرجت المغرب بأسرها عن أمره ثم
تتابع الفساد و الاختلال في دولته و بعده كما سيأتي فكانت أيام شموخ دولتهم و
مملكتهم مائة و بضعا و ستين سنة وهي ضعف أيام بني أمية الشامخة فإنها كانت اثنتين
و تسعين سنة منها تسع سنين الأمر فيها لابن الزبير فصفت ثلاثا و ثمانين سنة و كسرا
و هي ألف شهر سواء
ثم وجدت للحديث شاهدا قال الزبير بن بكار في [ الموفقيات ] :
حدثني علي بن صالح عن جدي عبد الله بن مصعب عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما
أنه قال لمعاوية : لا تملكون يوما إلا ملكنا يومين و لا شهرا إلا ملكنا شهرين و لا
حولا إلا ملكنا حولين و قال الزبير في
[ الموفقيات ] : حدثني علي بن المغيرة عن ابن الكلبي عن
أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الرايات السود لنا أهل البيت و
قال : لا يجيء هلاكها إلا من قبل المغرب
و قال ابن العساكر في تاريخ دمشق : [ أنبأنا أبو القاسم بن بنان أخبرنا
أبو علي ابن شاذان حدثنا جعفر بن محمد الواسطي حدثنا محمد بن يونس الكديمي حدثنا
عبد الله بن سوار العنبري حدثنا أبو الأشهب جعفر بن حيان عن أبي رجاء العطاردي عن
عبد الله بن عباس عن أبيه رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له
: اللهم انصر العباس و ولد العباس قالها ثلاثا ثم قال : يا عم أما شعرت أن المهدي
من ولدك موفقا راضيا مرضيا ] الكديمي وضاع
و قال ابن سعد في الطبقات حدثنا محمد بن عمر حدثنا عمر
بن عقبة الليثي عن شعبة مولى ابن عباس رضي الله عنهما قال : أرسل العباس بن عبد
المطلب إلى بني عبد المطلب فجمعهم عنده و كان علي عنده بمنزلة لم يكن أحد بها فقال
العباس : يا بن أخي إني قد رأيت رأيا لم أحب أن أقطع فيه شيئا حتى أستشيرك فقال
علي : ما هو ؟ قال : تدخل على النبي صلى الله عليه و سلم تسأله إلى من هذا الأمر من
بعده ؟ فإن كان فينا لم نسلمه و الله ما بقي في الأرض منا طارق و إن كان في غيرنا
لم نطلبها بعد أبدا قال علي : يا عم و هل هذا الأمر إلا إليك ؟ و هل أحد ينازعكم
في هذا الأمر ؟
قال الديلمي في مسند الفردوس : أخبرنا أبو منصور بن
خيرون حدثنا أحمد ابن علي حدثنا بشرى بن عبد الله الرومي حدثنا أبو بكر محمد بن
جعفر الفامي ـ يعرف بغندر ـ قال : قرئ على أبي شاكر مسرة بن عبد الله : حدثنا
الحسن بن يزيد حدثنا ابن المبارك حدثنا الأعمش حدثنا إبراهيم بن جعفر الأنصاري
حدثنا أنس بن مالك مرفوعا : [ إذا أراد الله أن يخلق خلقا للخلافة مسح على ناصيته
بيمينه ]
مسرة ذاهب الحديث متروك و قد ورد من حديث أبي هريرة
أخرجه الديلمي من ثلاث طرق عن ابن أبي ذئب عن ابن أبي صالح مولى التوأمة عن أبي
هريرة رضي الله عنه مرفوعا و أخرجه الحاكم في مستدركه من حديث ابن عباس رضي الله
عنهما
البردة النبوية التي تداولها الخلفاء أخرج السلفي في
الطوريات بسنده إلى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أن كعب بن زهير رضي الله عنه
لما أنشد النبي صلى الله عليه و سلم قصيدته [ بانت سعاد ] رمى إليه ببردة كانت
عليه فلما كان زمن معاوية رضي الله عنه كتب إلى كعب : بعنا بردة رسول الله صلى
الله عليه و سلم بعشرة آلاف درهم فأبى عليه فلما مات كعب بعث معاوية إلى أولاده
بعشرين ألف درهم و أخذ منهم البردة التي هي عند الخلفاء آل العباس و هكذا قاله
خلائق آخرون
و أما الذهبي فقال في تاريخه : أما البردة التي عند
الخلفاء آل العباس فقد قال يونس ابن بكير عن ابن إسحاق في قصة غزوة تبوك : [ إن
النبي صلى الله عليه و سلم أعطى أهل أيلة بردة مع كتابه الذي كتب لهم أمانا لهم
فاشتراها أبو العباس السفاح بثلاثمائة دينار ]
قلت : فكانت التي اشتراها معاوية فقدت عند زوال دولة بني
أمية
و أخرج الإمام أحمد بن حنبل في الزهد عن عروة بن الزبير
رضي الله عنه أن ثوب رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي كان يخرج فيه للوفد رداء
حضرمي طوله أربعة أذرع و عرضه ذراعان و شبر فهو عند الخلفاء قد خلق و طووه بثياب
تلبس يوم الأضحى و الفطر في إسناده ابن لهيعة و قد كانت هذه البردة عند الخلفاء
يتوارثونها و يطرحونها على أكتافهم في المواكب جلوسا و ركوبا و كانت على المقتدر
حين قتل و تلوثت بالدم و أظن أنها فقدت في فتنة التتار فإنا لله و إنا إليه راجعون
فوائد منثورة تقع في التراجم و رأى المؤلف ذكرها مجتمعة
أنفع قال ابن الجوزي : ذكر الصولي أن الناس يقولون : إن كل سادس يقوم للناس يخلع
قال : فتأملت هذا فرأيته عجبا أعتقد الأمر لنبينا صلى
الله عليه و سلم ثم قام به بعده أبو بكر و عمر و عثمان و علي و الحسن فخلع ثم
معاوية و يزيد بن معاوية و معاوية بن يزيد و مروان و عبد الملك بن مروان و ابن
الزبير فخلع ثم الوليد و سليمان و عمر بن عبد العزيز و يزيد و هشام و الوليد فخلع
ثم لم ينتظم لبني أمية أمر فولي السفاح و المنصور و المهدي و الهادي و الرشيد و
الأمين فخلع ثم المأمون و المعتصم و الواثق و المتوكل والمنتصر و المستعين فخلع ثم
المعتز و المهتدي و المعتمد و المعتضد و المكتفي و المقتدر فخلع مرتين ثم قتل ثم
القاهر و الراضي و المتقي و المستكفي و المطيع و الطائع فخلع ثم القادر و القائم و
المقتدي و المستظهر و المسترشد و الراشد فخلع هذا آخر كلام ابن الجوزي قال الذهبي
: و ما ذكره ينخرم بأشياء :
أحدهما : قوله : و عبد الملك و ابن الزبير و ليس الأمر
كذلك بل ابن الزبير خامس و بعده عبد الملك أو كلاهما خامس أو أحدهما خليفة و الآخر
خارج لأن ابن الزبير سابق البيعة عليه و إنما صحت خلافة عبد الملك من حين قتل ابن
الزبير
و الثاني : تركه لعد يزيد الناقص و أخيه إبراهيم الذي
خلع و مروان فيكون الأمين باعتبار عددهم تاسعا
قلت : قد تقدم أن مروان ساقط من العدد لأنه باغ و معاوية
بن يزيد كذلك لأن ابن الزبير بويع له بعد موت يزيد و خالف عليه معاوية بالشام فهما
واحد و إبراهيم الذي بعد يزيد الناقص لم يتم له أمر فإن قوما بايعوه بالخلافة و
آخرين لم يبايعوه و قوم كانوا يدعونه بالإمارة دون الخلافة و لم يقم سوى أربعين
يوما أو سبعين يوما فعلى هذا مروان الحمار سادس لأنه الثاني عشر من معاوية و
الأمين بعده سادس
و الثالث : أن الخلع ليس مقتصرا على كل سادس فإن المعتز
خلع و كذا القاهر و المتقي و المستكفي
قلت : لا انخرام بهذا فإن المقصود أن السادس لابد من
خلعه و لا ينافي هذا كون غيره أيضا يخلع و يقال زيادة على ما ذكره ابن الجوزي :
ولي بعد الراشد المقتفي و المستنجد و المستضيء و الناصر و الظاهر و المستنصر و هو
السادس فلم يخلع ثم المستعصم و هو الذي قتله التتار و كان آخر دولة الخلفاء و
انقطعت الخلافة بعده إلى ثلاث سنين و نصف ثم أقيم بعده المستنصر فلم يقم في
الخلافة بل بويع بمصر و سار إلى العراق فصادف التتار فقتل أيضا و تعطلت الخلافة
بعده سنة ثم أقيمت الخلافة بمصر فأولهم الحاكم ثم المستكفي ثم الواثق ثم الحاكم ثم
المعتضد ثم المتوكل و هو السادس فخلع و ولي المعتصم ثم خلع بعده بخمسة عشر يوما و
أعيد المتوكل ثم خلع و بويع الواثق ثم المعتصم ثم خلع و أعيد المتوكل فاستمر إلى
أن مات ثم المستعين ثم المعتضد ثم المستكفي ثم القائم و هو السادس من المعتصم
الأول و من المعتصم الثاني فخلع ثم المستنجد خليفة العصر و هو الحادي و الخمسون من
خلفاء بني العباس
فوائد
يقال : لبني العباس فاتحة و واسطة و خاتمة : فالفاتحة
المنصور و الواسطة المأمون و الخاتمة المعتضد خلفاء بني العباس كلهم أبناء سراري
إلا السفاح و المهدي و الأمين
و لم يل الخلافة هاشمي ابن هاشمية إلا علي بن أبي طالب
رضي الله عنه و ابنه الحسن و الأمين قال الصولي
و لم يل الخلافة من اسمه علي إلا علي بن أبي طالب وعلي
المكتفي
قال الذهبي : قلت : غالب أسماء الخلفاء أفراد و المثنى
منهم قليل و المتكرر كثير : عبد الله و أحمد و محمد و جميع ألقاب الخلفاء أفراد
إلى المستعصم آخر خلفاء العراقيين ثم كررت الألقاب في الخلفاء المصرين فكرر
المستنصر و المستكفي و الواثق و الحاكم و المعتضد و المتوكل و المستعصم و المستعين
و القائم و المستنجد و كلها لم يتكرر غير مرة واحدة إلا المستكفي و المعتضد فكررا
مرة أخرى فتلقب بها من الخلفاء العباسيين ثلاثة و لم يتلقب أحد من خلفاء بني
العباس بلقب أحد من بني عبيد إلا القائم و الحاكم و الظاهر و المستنصر و أما
المهدي و المنصور فسبق التلقب به لبني العباس قبل وجود بني عبيد
قال بعضهم : و ما تلقب أحد بالقاهر فأفلح لا من الخلفاء
و لا من الملوك
قلت : و كذا المستكفي و المستعين لقب بكل منهما اثنان من
بني العباس فخلعا و نفيا و المعتضد من أجل الألقاب و أبركها لمن يلقب به
و لم يل الخلافة أحد بعد ابن أخيه إلا المقتفي بعد
الراشد و المستنصر بعد المعتصم قاله الذهبي
قال : و لم يل الخلافة ثلاثة إخوة إلا أولاد الرشيد :
الأمين و المأمون و المعتصم و أولاد المتوكل : المستنصر و المعتز و المعتمد و
أولاد المقتدر : الراضي و المقتفي و المطيع
قال : و ولي الأمر من أولاد عبد الملك أربعة و لا نظير
لذلك إلا في الملوك
قلت : بل له نظير في الخلفاء بعد النبي صلى الله عليه و
سلم فولي الخلافة من أولاد المتوكل محمد أربعة بل خمسة : المستعين و المعتضد و
المستكفي و القائم و المستنجد خليفة العصر
و لم يل الخلافة أحد في حياة أبيه إلا أبو بكر الصديق و
أبو بكر الطائع بن المطيع حصل لأبيه فالج فنزل لابنه عنها طوعا
قال العلماء : أول من ولي الخلافة و أبوه حي : أبو بكر و
هو أول من عهد بها
و أول من اتخذ بيت المال و أول من سمى المصحف مصحفا
و أول من سمي بأمير المؤمنين : عمر بن الخطاب و هو أول
من اتخذ الدرة و أول من أرخ من الهجرة و أول من أمر بصلاة التراويح و أول من وضع
الديوان
و أول من حمى الحمى : عثمان و هو أول من أقطع الإقطاعات
أي أكثر من ذلك و أول من زاد الآذان في الجمعة و أول من رزق المؤذنين و أول من
أرتج عليه في الخطبة و أول من اتخذ صاحب شرطة
و أول من استخلف ولي العهد في حياته : معاوية و هو أول
من اتخذ الخصيان لخدمته
و أول من حملت إليه الرؤوس : عبد الله بن الزبير
و أول من ضرب اسمه على السكة : عبد الملك بن مروان
و أول من منع من ندائه باسمه : الوليد بن عبد الملك و
أول ما حدثت الألقاب لبني العباس
و قال ابن فضل الله : زعم بعضهم أن لبني أمية ألقابا مثل
ألقاب بني العباس
قلت : و كذا ذكر بعض المؤرخين أن لقب معاوية : الناصر
لدين الله و لقب يزيد المستنصر و لقب معاوية ابنه : الراجع إلى الحق و لقب مروان :
المؤتمن بالله و لقب عبد الملك : الموفق لأمر الله و لقب ابنه الوليد : المنتقم
بالله و لقب عمر بن عبد العزيز : المعصوم بالله و لقب يزيد بن عبد الملك : القادر بصنع
الله و لقب يزيد الناقص : الشاكر لأنعم الله
أول ما تفرقت الكلمة في دولة السفاح
أول خليفة قرب المنجمين و عمل بأحكام النجوم : المنصور و
هو أول خليفة استعمل مواليه في الأعمال و قدمهم على العرب
أول من أمر بتصنيف الكتب في الرد على المخالفين : المهدي
أول من مشت الرجال بين يديه بالسيوف و الأعمدة : الهادي
أول من لعب بالصوالجة في الميدان : الرشيد
أول من دعي و كتب للخليفة بلقبه في أيامه : الأمين
و أول من أدخل الأتراك الديوان : المعتصم
و أول من أمر بتغيير أهل الذمة زيهم : المتوكل
و أول من تحكمت الأتراك في قتله : المتوكل و ظهر بذلك
تصديق الحديث النبوي كما أخرج الطبراني بسند جيد [ عن ابن مسعود قال : قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : اتركوا الترك ما تركوكم فإن أول من يسلب أمتي ملكهم و
ما خولهم الله بنو قنطوراء ]
أول من أحدث لبس الأكمام الواسعة و صغر القلانس :
المستعين
أول خليفة أحدث الركوب بحلية الذهب : المعتز
أول خليفة قهر و حجر عليه و وكل به : المعتمد
أول من ولي الخلافة من الصبيان : المقتدر
آخر خليفة انفرد بتدبير الجيوش و الأموال : الراضي و هو
آخر خليفة له شعر مدون و آخر خليفة خطب و صلى بالناس دائما و آخر خليفة جالس
الندماء و آخر خليفة كانت نفقته و جوائزه و عطاياه و خدمه و جراياته و خزائنه و مطابخه
و مشاربه و مجالسه و حجابه و أموره جارية على ترتيب الخلافة الأولية و هو آخر
خليفة سافر بزي الخلفاء القدماء
أول ما كررت الألقاب من المستنصر الذي تولى بعد المستعصم
في الأوائل للعسكري : أول خليفة ولي في حياة أمه عثمان
بن عفان رضي الله عنه ثم الهادي ثم الرشيد ثم الأمين ثم المتوكل ثم المنتصر ثم
المستعين ثم المعتز ثم المعتضد ثم المطيع و لم يل الخلافة في حياة أبيه غير أبي
بكر الصديق رضي الله عنه و زيد عليه الطائع
و قال الصولي : لا نعرف امرأة ولدت خليفتين إلا ولادة أم
الوليد و سليمان ابني عبد الملك و شاهين أم يزيد الناقص و إبراهيم ابني الوليد و
الخيزران أم الهادي و الرشيد
قلت : و يزاد أم العباس و حمزة و أم داود و سليمان أولاد
المتوكل الأخير
فائدة : المتسمون بالخلافة من العبيديين أربعة عشر :
ثلاثة بالمغرب : المهدي و القائم و المنصور و أحد عشر بمصر : المعز و العزيز و
الحاكم و الظاهر و المستنصر و المستعلي و الآمر و الحافظ و الظافر و الفائز و
العاضد و كان ابتداء أمر مملكتهم سنة بضع و تسعين و مائتين و انقراضها في سنة سبع
و ستون و خمسمائة قال الذهبي : و هي الدولة المجوسية و اليهودية لا العلوية و
الباطنية لا الفاطمية و كانوا أربعة عشر متخلفا لا مستخلفا انتهى
فائدة : المتسمون بالخلافة من الأمويين بالمغرب كانوا
أحسن حالا من العبديين بكثير إسلاما و سنة و عدلا و فضلا و علما و جهادا و غزوا و
هم كثير حتى إنه اجتمع بالأندلس في عصر واحد ستة كلهم تسمى بالخلافة
فائدة : أفرد تواريخ الخلفاء بالتأليف جماعة من
المتقدمين : منها تاريخ الخلفاء لنفطويه النحوي مجلدان انتهى إلى أيام القاهر و
الأوراق للصولي ذكر فيه العباسيين فقط و انتهى إليه
قلت : و قد وقفت عليه و تاريخ خلفاء بني العباس لابن
الجوزي رأيته أيضا انتهى إلى أيام الناصر و تاريخ الخلفاء لأبي الفضل أحمد بن أبي
طاهر المروزي الكاتب أحد فحول الشعراء مات في سنة ثمانين و مائتين و تاريخ خلفاء
بني العباس للأمير أبي موسى هرون بن محمد العباسي
فائدة : أخرج الخطيب في التاريخ بسنده عن محمد بن عبادة
قال : لم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء إلا عثمان بن عفان رضي الله عنه و المأمون
قلت : و هذا الحصر ممنوع بل حفظه أيضا الصديق رضي الله
عنه على الصحيح و صرح به جماعة منهم النووي في تهذيبه و علي رضي الله عنه ورد من
طريق أنه حفظه كله بعد موت النبي صلى الله عليه و سلم
فائدة : قال ابن الساعي حضرت مبايعة الخليفة الظاهر فكان
جالسا في شباك القبة بثياب بيض و عليه الطرحة و على كتفه بردة النبي صلى الله عليه
و سلم و الوزير قائم بين يديه على منبر و أستاذ الدار دونه بمرقاة و هو يأخذ
البيعة على الناس
و لفظ المبايعة : أبايع سيدنا و مولانا الإمام المفترض
الطاعة على جميع الأنام أبا نصر محمدا الظاهر بأمر الله على كتاب الله و سنة نبيه
و اجتهاد أمير المؤمنين و أن لا خليفة سواه انتهى
أبو بكر الصديق رضي الله عنه أبو بكر الصديق خليفة رسول
الله صلى الله عليه و سلم اسمه : عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن
كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي يلتقي مع رسول الله
صلى الله عليه و سلم في مرة
قال النووي في تهذيبه : و ما ذكرناه من أن اسم أبي بكر
الصديق : عبد الله هو الصحيح المشهور و قيل : اسمه عتيق و الصواب الذي عليه كافة
العلماء أن عتيقا لقب له لا اسم و لقب عتيقا لعتقه من النار كما ورد في حديث رواه
الترمذي و قيل : لعتاقة وجهه ـ أي حسنه و جماله ـ قاله مصعب بن الزبير و الليث ابن
سعد و جماعة و قيل : لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به
قال مصعب بن الزبير و غيره : و أجمعت الأمة على تسميته
بالصديق لأنه بادر إلى تصديق رسول الله صلى الله عليه و سلم و لازم الصدق فلم تقع
منه هناة ما و لا وقفة في حالة من الأحوال و كانت له في الإسلام المواقف الرفيعة
منها قصته يوم ليلة الإسراء و ثباته و جوابه للكفار في ذلك و هجرته مع رسول الله
صلى الله عليه و سلم و ترك عياله و أطفاله و ملازمته في الغار و سائر الطريق ثم
كلامه يوم بدر و يوم الحديبية حين اشتبه على غيره الأمر في تأخر دخول مكة ثم بكاؤه
حين قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن عبدا خيره الله بين الدنيا و الآخرة
فاختار الآخرة ثم ثباته يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم و خطبته الناس و
تسكينهم ثم قيامه في قضية البيعة لمصلحة المسلمين ثم اهتمامه و ثباته في بعث جيش
أسامة بن زيد إلى الشام و تصميمه في ذلك ثم قيامه في قتال أهل الردة و مناظرته
للصحابة حتى حجهم بالدلائل و شرح الله صدورهم لما شرح له صدره من الحق و هو قتال
أهل الردة ثم تجهيزه الجيوش إلى الشام لفتوحه و إمدادهم بالأمداد ثم ختم ذلك بمهم
من أحسن مناقبه و أجل فضائله و هو استخلافه على المسلمين عمر رضي الله عنه و تفرسه
فيه و وصيته له و استيداعه الله الأمة فخلفه الله عز و جل فيهم أحسن الخلافة و ظهر
لعمر الذي هو حسنة من حسناته و واحدة من فعلاته تمهيد الإسلام و إعزاز الدين و
تصديق وعد الله تعالى بأنه يظهره على الدين كله و كم للصديق من مناقب و مواقف و
فضائل لا تحصى ؟ هذا كلام النووي
و أقول : قد أردت أن أبسط ترجمة الصديق بعض البسط ذاكرا
فيه جملة كثيرة مما و قفت عليه من حالة و أرتب ذلك فصولا
اسمه و لقبه تقدمت الإشارة إلى ذلك قال ابن كثير :
اتفقوا على أن اسمه عبد الله بن عثمان إلا ما روى ابن سعد عن ابن سيرين أن اسمه
عتيق و الصحيح أنه لقبه ثم اختلف في وقت تلقيبه به و في سببه فقيل : لعتاقة وجهه ـ
أي لجماله ـ قاله الليث بن سعد و أحمد بن حنبل و ابن معين و غيرهم و قال ابو نعيم
الفضل بن دكين : لقدمه في الخير و قيل : لعتاقة نسبه ـ أي : طهارته إذ لم يكن في
نسبه شيء يعاب به ـ و قيل : سمي به أولا ثم سمي بعبد الله و روى الطبراني عن
القاسم بن محمد أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن اسم أبي بكر فقالت : عبد الله فقال
: إن الناس يقولون عتيق قالت : إن أبا قحافة كان له ثلاث أولاد سماهم : عتيقا و
معتقا و معيتقا و أخرج ابن منده و ابن عساكر عن موسى بن طلحة قال : قلت لأبي طلحة
: لم سمي أبو بكر عتيقا ؟ قال : كانت أمه لا يعيش لها ولد فلما ولدته استقبلت به
البيت ثم قالت : اللهم إن هذا عتيق من الموت فهبه لي و أخرج الطبراني عن ابن عباس
قال : إنما سمي عتيقا لحسن وجهه و أخرج ابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها قالت :
اسم أبي بكر الذي سماه به أهله عبد الله و لكن غلب عليه اسم عتيق و في لفظ : و لكن
النبي صلى الله عليه و سلم [ سماه عتيقا ] و أخرج أبو يعلي في مسنده و ابن سعد و
الحاكم و صححه عن عائشة رضي الله عنها قالت : و الله إني لفي بيتي ذات يوم و رسول
الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه في الفناء و الستر بيني و بينهم إذ أقبل أبو
بكر فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ من سره أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر
إلى أبي بكر ] و إن اسمه الذي سماه أهله عبد الله فغلب عليه اسم عتيق و أخرج
الترمذي و الحاكم [ عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر دخل على رسول الله صلى الله
عليه و سلم فقال : يا أبا بكر أنت عتيق الله من النار ] فمن يومئذ سمي عتيقا و
أخرج البزار و الطبراني بسند جيد [ عن عبد الله بن الزبير قال كان اسم أبي بكر عبد
الله فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنت عتيق من النار ] فسمي عتيقا
و أما الصديق فقيل : كان يلقب به في الجاهلية لما عرف
منه من الصدق ذكره ابن مسدي و قيل : لمبادرته إلى تصديق رسول الله صلى الله عليه و
سلم فيما كان يخبر به قال ابن إسحاق عن الحسن البصري و قتادة : و أول ما اشتهر به
صبيحة الإسراء و أخرج الحاكم في المستدرك عن عائشة رضي الله عنها قالت : جاء
المشركون إلى أبي بكر فقالوا : هل لك إلى صاحبك ؟ يزعم أن أسري به الليلة إلى بيت
المقدس قال : أو قال ذلك ؟ قالوا : نعم فقال : لقد صدق إني لأصدقه بأبعد من ذلك بخبر
السماء غدوة و روحة فلذلك سمي الصديق إسناده جيد و قد ورد ذلك من حديث أنس و أبي
هريرة أسندهما ابن عساكر و أم هانئ أخرجه الطبراني
قال سعيد بن منصور في سننه : [ حدثنا أبو معشر عن أبي
وهب مولى أبي هريرة قال : لما رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة أسري به
فكان بذي طوى قال يا جبريل : إن قومي لا يصدقوني قال : يصدقك أبو بكر و هو الصديق ] و أخرجه
الطبراني في الأوسط موصولا عن أبي وهب عن أبي هريرة
و أخرج الحاكم في المستدرك عن النزال بن سبرة قال : قلنا
لعلي : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن أبي بكر قال : ذاك امرؤ سماه الله الصديق على لسان
جبريل و على لسان محمد كان خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم على الصلاة رضيه
لديننا فرضيناه لدنيانا إسناده جيد
و أخرج الدار قطني و الحاكم عن أبي يحيى قال : لا أحصي
كم سمعت عليا يقول على المنبر : إن الله سمى أبا بكر على لسان نبيه صديقا
و أخرجه الطبراني بسند جيد صحيح عن حكيم بن سعد قال :
سمعت عليا يقول و يحلف لأنزل الله اسم أبي بكر من السماء الصديق و في حديث أحد [
أسكن فإنما عليك نبي و صديق و شهيدان
]
و أم أبي بكر بنت عم أبيه اسمها : سلمىبنت صخر بن عامر
بن كعب و تكنى أم الخير قاله الزهري أخرجه ابن عساكر
مولده و منشؤه ولد بعد مولد النبي صلى الله عليه و سلم
بسنتين و أشهر فإنه مات و له ثلاثة و ستون سنة
قال ابن كثير : و أما ما أخرجه خليفة بن الخياط عن يزيد
بن الأصم أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لأبي بكر : [ أنا أكبر أو أنت ؟ ] قال
: أنت أكبر و أنا أسن منك فهو مرسل غريب جدا و المشهور خلافة و إنما صح ذلك عن
العباس
و كان منشؤه بمكة لا يخرج منها إلا لتجارة و كان ذا مال
جزيل في قومه و مروءة تامة و إحسان و تفضل فيهم كما قال ابن الدغنة : إنك لتصل
الرحم و تصدق الحديث و تكسب المعدوم و تحمل الكل و تعين على نوائب الدهر و تقري
الضيف
قال النووي : و كان من رؤساء قريش في الجاهلية و أهل
مشاورتهم و محببا فيهم و أعلم لمعالمهم فلما جاء الإسلام آثره على ما سواه و دخل
فيه أكمل دخول و أخرج الزبير بن بكار و ابن عساكر عن معروف بن خربوذ قال : إن أبا
بكر الصديق رضي الله عنه أحد عشر من قريش اتصل بهم شرف الجاهلية و الإسلام فكان
إليه أمر الديات و الغرم و ذلك أن قريشا لم يكن لهم ملك ترجع الأمور كلها إليه بل
كان في كل قبيلة ولاية عامة تكون لرئيسها فكانت في بني هاشم السقاية و الرفادة و
معنى ذلك أنه لا يأكل و لا يشرب أحد إلا من طعامهم و شرابهم و كانت في بني عبد
الدار : الحجابة و اللواء و الندوة ـ أي : لا يدخل البيت أحد إلا بإذنهم و إذا
عقدت قريش راية حرب عقدها لهم بنو عبد الدار و إذا اجتمعوا لأمر إبراما أو نقضا لا
يكون اجتماعهم إلا بدار الندوة و لا ينفذ إلا بها و كانت لبني عبد الدار
كان أعف الناس في الجاهلية اخرج ابن عساكر بسند صحيح عن
عائشة رضي الله عنها قالت : و الله ما قال أبو بكر شعرا قط في جاهلية و لا إسلام و لقد ترك
هو و عثمان شرب الخمر في الجاهلية
و أخرجه أبو نعيم بسند جيد عنها قالت : لقد كان حرم أبو
بكر الخمر على نفسه في الجاهلية
و أخرج ابن عساكر عن عبد الله بن الزبير قال : ما قال
أبو بكر شعرا قط
و أخرج ابن عساكر عن أبي العالية الرياحي قال : قيل لأبي
بكر الصديق في مجمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم : هل شربت الخمر في
الجاهلية ؟ فقال : أعوذ بالله فقيل : و لم ؟
قال : كنت أصون عرضي و أحفظ مروءتي فإن من شرب الخمر كان
مضيعا في عرضه و مروءته قال : فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : [
صدق أبو بكر صدق أبو بكر مرتين ] مرسل غريب سندا و متنا
فصل في صفته رضي الله عنه أخرج ابن سعد عن عائشة رضي
الله عنها أن رجلا قال لها : صفي لنا أبا بكر فقالت : رجل أبيض نحيف خفيف العارضين
أجنأ لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه معروق الوجه غائر العينين ناتئ الجبهة عاري
الأشاجع هذه صفته
و أخرج عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر كان يخضب
بالحناء و الكتم
و أخرج عن أنس قال : قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم
المدينة و ليس في أصحابه أشمط غير أبي بكر فلفها بالحناء و الكتم
إسلامه أخرج الترمذي و ابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد
الخدري قال : قال أبو بكر : ألست أحق الناس بها ؟ أي الخلافة ألست أول من أسلم ؟ ألست صاحب
كذا ؟ ألست صاحب كذا ؟
وأخرج ابن عساكر من طريق الحارث عن علي رضي الله عنه قال
: أول من أسلم من الرجال أبو بكر
و أخرج ابن أبي خيثمة بسند صحيح عن زيد بن أرقم قال :
أول من صلى مع النبي صلى الله عليه و سلم أبو بكر
و أخرج ابن سعد عن أبي أروى الدوسي الصحابي رضي الله عنه
قال : أول من أسلم أبو بكر الصديق
و أخرج الطبراني في الكبير و عبد الله بن أحمد في زوائد
الزهد عن الشعبي قال : سألت ابن عباس أي الناس كان أول إسلاما ؟ قال : أبو بكر
الصديق ألم تسمع قول حسان :
( إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما
فعلا )
( خير البرية أتقاها و أعدلها ... إلا النبي و أوفاها
بما حملا )
( و الثاني التالي المحمود مشهده ... و أول الناس منهم
صدق الرسلا )
و أخرج أبو نعيم عن فرات بن السائب : قال : سألت ميمون
بن مهران قلت : علي أفضل عندك أم أبو بكر و عمر ؟ قال : فارتعد حتى سقطت عصاه من
يده ثم قال : ما كنت أ ظن أن أبقى إلى زمان يعدل بهما لله درهما ! كانا رأس الإسلام قلت
: فأبو
بكر كان أول إسلاما أم علي ؟ قال : و الله لقد آمن أبو بكر بالنبي صلى الله عليه و
سلم زمن بحيرا الراهب حين مر به و اختلف فيما بينه و بين خديجة حتى أنكحها إياه و
ذلك كله قبل أن يولد علي و قد قال : إنه أول من أسلم خلائق من الصحابة و التابعين
و غيرهم بل ادعى بعضهم الإجماع عليه
وقيل : أول من أسلم علي و قيل : خديجة و جمع بين الأقوال
بأن أبا بكر أول من أسلم من الرجال و علي أول من أسلم من الصبيان و خديجة أول من
أسلمت من النساء و أول من ذكر هذا الجمع الإمام أبو حنيفة رحمه الله أخرجه عنه
وأخرج ابن أبي شيبة و ابن عساكر عن سالم بن أبي الجعد
قال : قلت لمحمد ابن الحنفية : هل كان أبو بكر أول القوم إسلاما ؟ قال : لا قلت :
فبم علا أبو بكر و سبق حتى لا يذكر أحد غير أبي بكر ؟ قال : لأنه كان أفضلهم
لإسلاما من حين أسلم حتى لحق بربه
و أخرج ابن عساكر بسند جيد عن محمد بن سعد بن أبي وقاص
أنه قال لأبيه سعد :
أكان أبو بكر الصديق أولكم إسلاما ؟ قال : لا و لكنه
أسلم قبله أكثر من خمسة و لكن كان خيرنا إسلاما
قال ابن كثير : و الظاهر أن أهل بيته صلى الله عليه و
سلم آمنوا قبل كل أحد : زوجته خديجة و مولاه زيد و زوجة زيد أم أيمن و علي و ورقة
انتهى
و أخرج ابن عساكر عن عيسى بن يزيد قال : قال أبو بكر
الصديق : كنت جالسا بفناء الكعبة و كان زيد بن عمرو بن نفيل قاعدا فمر به أمية بن
أبي الصلت فقال : كيف أصبحت يا باغي الخير ؟ قال : بخير قال : و هل وجدت ؟ قال :
لا فقال :
( كل دين يوم القيامة إلا ... ما قضى الله في الحقيقة
بور )
أما إن هذا النبي الذي ينتظر منا أو منكم قال : و لم أكن
سمعت قبل ذلك بنبي ينتظر و يبعث قال : فخرجت إلى ورقة بن نوفل و كان كثير النظر
إلى السماء كثير همهمة الصدر فاستوقفه ثم قصصت عليه الحديث فقال : نعم يا بن أخي
إنا أهل الكتب و العلوم إلا أن هذا النبي الذي ينتظر من أوسط العرب نسبا ـ ولي علم
بالنسب ـ و قومك أوسط العرب نسبا قلت : يا عم و ما يقول النبي ؟ قال : يقول ما قيل
له إلا أنه لا يظلم و لا يظلم و لا يظالم فلما بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم
آمنت به و صدقته
و قال ابن إسحاق : [ حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد
الله بن الحصين التميمي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ما دعوت أحدا إلى
الإسلام إلا كانت له عنه كبوة و تردد و نظر إلا أبا بكر ما عتم عنه حين ذكرته و ما
تردد فيه ] عتم : أي لبث
قال البيهقي : و هذا لأنه كان يرى دلائل نبوة رسول الله
صلى الله عليه و سلم و يسمع آثاره قبل دعوته فحين دعاه كان قد سبق له فيه تفكر و
نظر فأسلم في الحال ثم أخرج عن أبي ميسرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان
إذا برز سمع من يناديه : يا محمد فإذا سمع الصوت ولى هاربا فأسر ذلك إلى أبي بكر و
كان صديقا له في الجاهلية
و أخرج أبو نعيم و ابن عساكر [ عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : ما كلمت في الإسلام أحدا إلا أبى علي و راجعني الكلام إلا ابن
أبي قحافة فإني لم أكلمه في شيء إلا قبله و استقام عليه ] و أخرج البخاري [ عن أبي
الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هل أنتم تاركون لي صاحبي
؟ هل أنتم تاركون لي صاحبي إني قلت : أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا فقلتم : كذبت و قال أبو
بكر : صدقت ]
صحبته و مشاهده قال العلماء : صحب أبو بكر النبي صلى الله عليه و
سلم من حين أسلم إلى حين توفي لم يفارقه سفرا و لا حضرا إلا فيما أذن له صلى الله
عليه و سلم في الخروج فيه من حج و غزو و شهد معه المشاهد كلها و هاجر معه و ترك
عياله و أولاده رغبة في الله و رسوله صلى الله عليه و سلم و هو رفيقه في الغار قال
تعالى : { ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا } و
قام بنصر رسول الله صلى الله عليه و سلم في غير موضع و له الآثار الجميلة في
المشاهد وثبت يوم أحد و يوم حنين و قد فر الناس كما سيأتي في فصل شجاعته
أخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال : تباشرت الملائكة يوم
بدر فقالوا : أما ترون الصديق مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في العريش
و أخرج أبو يعلي و الحاكم و أحمد [ عن علي قال : قال لي
رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر و لأبي بكر : مع أحدكما جبريل و مع الآخر
ميكائيل ]
و أخرج ابن عساكر عن ابن سيرين أن عبد الرحمن بن أبي بكر
كان بوم بدر مع المشركين فلما أسلم قال لأبيه : لقد اهدفت لي يوم بدر فانصرفت عنك
و لم أقتلك فقال أبو بكر : لكنك لو أهدفت لي لم أنصرف عنك
قال ابن قتيبة : معنى أهدفت أشرفت و منه قيل للبناء
المرتفع : هدف
شجاعته أخرج البزار في مسنده عن علي أنه قال : أخبروني
من أشجع الناس ؟ فقالوا : أنت قال : أما إني ما بارزت أحدا إلا انتصفت منه و لكن اخبروني
بأشجع الناس ؟ قالوا : لا نعلم فمن ؟ قال : أبو بكر إنه لما كان يوم بدر فجعلنا
لرسول الله صلى الله عليه و سلم عريشا فقلنا : من يكون مع رسول الله صلى الله عليه
و سلم لئلا يهوي إليه أحد من المشركين ؟ فو الله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهرا
بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يهوي إليه أحد إلا هوى إليه فهو
أشجع الناس قال علي رضي الله عنه : و لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم و
أخذته قريش فهذا يجبأه و هذا يتلتله و هم يقولون : أنت الذي جعلت الآلهة إلها
واحدا ؟ قال : فو الله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا و يجبأ هذا و يتلتل
هذا و هو يقول : ويلكم ! أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ثم رفع علي بردة كانت عليه
فبكى حتى اخضلت لحيته ثم قال : أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر ؟ فسكت
القوم فقال : ألا تجيبونني ؟ فو الله لساعة من أبي بكر خير من ألف ساعة من مثل
مؤمن آل فرعون ذاك رجل يكتم إيمانه و هذا رجل أعلن إيمانه
و أخرج البخاري عن عروة بن الزبير قال : سألت عبد الله
بن عمرو بن العاص عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه و سلم فقال :
رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم و هو يصلي فوضع رداءه في
عنقه فخنقه به خنقا شديدا فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال : أتقتلون رجلا أن يقول
ربي الله و قد جاءكم بالبينات من ربكم ؟
و أخرج الهيثم بن كليب في مسنده عن أبي بكر قال : لما
كان يوم أحد انصرف الناس كلهم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فكنت أول من فاء و
سيأتي تتمة الحديث في مسند ما رواه
و أخرج ابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما
اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فكانوا ثمانية و ثلاثين رجلا ألح أبو بكر
على رسول الله صلى الله عليه و سلم في الظهور فقال : يا أبا بكر : إنا قليل فلم
يزل أبو بكر يلح على رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى ظهر رسول الله صلى الله
عليه و سلم و تفرق المسلمون في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته و قام أبو بكر في
الناس خطيبا فكان أول خطيب دعا إلى الله و إلى رسوله و ثار المشركون على أبي بكر و
على المسلمين و ضربوا في نواحي المسجد ضربا شديدا و سيأتي تتمة الحديث في ترجمة
عمر رضي الله عنه
و أخرج ابن عساكر عن علي رضي الله عنه قال : لما أسلم
أبو بكر أظهر إسلامه و دعا إلى الله و إلى رسوله صلى الله عليه و سلم
إنفاقه و بيانه أنه أجود الصحابة قال الله تعالى : {
وسيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى } إلى آخر السورة
قال ابن الجوزي : أجمعوا على أنها نزلت في أبي بكر
و أخرج أحمد [ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر ] فبكى أبو بكر و قال :
هل أنا و مالي إلا لك يا رسول الله ؟
و أخرج أبو يعلى من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا
مثله
قال ابن كثير : و روي أيضا من حديث علي و ابن عباس و أنس
و جابر بن عبد الله و أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم و أخرجه الخطيب عن سعيد بن
المسيب مرسلا و زاد : [ و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقضي في مال أبي بكر
كما يقضي في مال نفسه ]
و أخرج ابن عساكر من طرق عن عائشة رضي الله عنها و عروة بن
الزبير [ أن أبا بكر رضي الله عنه أسلم يوم أسلم و له أربعون ألف دينار و في لفظ :
أربعون ألف درهم فأنفقها على رسول الله صلى الله عليه و سلم ]
و أخرج أبو سعيد ابن الأعرابي عن ابن عمر رضي الله عنهما
قال : أسلم أبو بكر رضي الله عنه يوم أسلم و في منزله ألف درهم فخرج إلى المدينة
في الهجرة و ما له غير خمسة آلاف كل ذلك ينفعه في الرقاب و العون على الإسلام
و أخرج ابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر
أعتق سبعة كلهم يعذب في الله
و أخرج ابن شاهين في السنة و البغوي في تفسيره و ابن
عساكر [ عن ابن عمر قال : كنت عند النبي صلى الله عليه و سلم و عنده أبو بكر
الصديق و عليه عباءة قد خللها في صدره بخلال فنزل عليه جبريل عليه السلام فقال :
يا محمد مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خللها من صدره بخلال ؟ فقال : يا جبريل
أنفق ماله علي قبل الفتح قال : فإن الله تعالى يقرأ عليه السلام و يقول : قل له : أراض
أنت عني في فقرك هذا أم ساخط ؟ فقال أبو بكر : أسخط على ربي ! ؟
أنا عن ربي راض أنا عن ربي راض أنا عن ربي راض ] غريب و سنده ضعيف جدا
و أخرج أبو نعيم [ عن أبي هريرة و ابن مسعود مثله و
سندهما ضعيف أيضا
و أخرج ابن عساكر نحوه من حديث ابن عباس
و أخرج الخطيب بسند واه أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما
عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : هبط علي جبريل عليه السلام و عليه طنفسه و هو
متخلل بها : فقلت له : يا جبريل ما هذا ؟ قال : إن الله تعالى أمر الملائكة أن
تتخلل في السماء كتخلل أبي بكر في الأرض ]
قال ابن كثير : و هذا منكر جدا لولا أن هذا و الذي قبله
يتداوله كثير من الناس لكان الإعراض عنهما أولى
و أخرج أبو داود و الترمذي [ عن عمر بن الخطاب قال :
أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي قلت : اليوم
أسبق أبا بكر ـ إن سبقته يوما فجئت بنصف مالي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم
: ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : و أتى أبو بكر بكل ما عنده فقال : يا أبا بكر ما أبقيت
لأهلك ؟ قال : أبقيت لهم الله و رسوله فقلت : لا أسبقه في شيء أبدا ] قال الترمذي
هذا حديث حسن صحيح
و أخرج أبو نعيم في الحلية [ عن الحسن البصري : أن أبا
بكر أتى النبي صلى الله عليه و سلم بصدقته فأخفاها فقال : يا رسول الله هذه صدقتي و لله عندي
معاد و جاء عمر بصدقته فأظهرها فقال
: يا رسول الله هذه صدقتي و لي عند الله معاد فقال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : ما بين صدقتيكما كما بين كلمتيكما ] إسناده جيد لكنه
مرسل
و أخرج الترمذي [ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : ما لأحد عندنا يد إلا و قد كافأناه إلا أبا بكر فإن له عندنا
يدا يكافئه الله بها يوم القيامة و ما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر ]
و أخرج البزار [ عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال :
جئت بأبي قحافة إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : هلا تركت الشيخ حتى آتيه قال
بل هو أحق أن يأتيك قال : إنا نحفظه لأيادي ابنه عندنا ]
و أخرج ابن عساكر [ عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم ما أحد عندي أعظم يدا من أبي بكر واساني بنفسه و ماله و أنكحني
ابنته ]
علمه و ذكاؤه قال النووي في تهذيبه و من خطه نقلت :
استبدل أصحابنا على عظم علمه بقوله رضي الله عنه في الحديث الثابت في الصحيحين : و
الله لأقاتلن من فرق بين الصلاة و الزكاة و الله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى
رسول الله صلى الله عليه و سلم لقاتلتهم على منعه و استدل الشيخ أبو إسحاق بهذا و
غيره في طبقاته على أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أعلم الصحابة لأنهم كلهم وقفوا
عن فهم الحكم في المسألة إلا هو ثم ظهر لهم بمباحثته لهم أن قوله هو الصواب فرجعوا
إليه
و روينا عن ابن عمر أنه سئل : من كان يفتي الناس في زمن
رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أبو بكر و عمر رضي الله عنهما ما أعلم
غيرهما
و أخرج الشيخان عن أبي سعيد الخدري قال : خطب رسول الله
صلى الله عليه و سلم الناس و قال : إن الله تبارك و تعالى خير عبدا بين الدنيا و
بين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله تعالى فبكى أبو بكر و قال : نفديك
بآبائنا و أمهاتنا فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم عن عبد
خير فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم هو المخير و كان أبو بكر أعلمنا فقال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : [ إن من أمن الناس علي في صحبته و ماله أبا بكر و لو
كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر و لكن أخوة الإسلام و مودته لا يبقين باب
إلا سد إلا باب أبي بكر ] هذا كلام النووي
و قال ابن كثير : كان الصديق رضي الله عنه أقرأ الصحابة
ـ أي أعلمهم بالقرآن ـ لأنه صلى الله عليه و سلم قدمه إماما للصلاة بالصحابة رضي
الله عنه مع قوله : [ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ] و أخرج الترمذي عن عائشة رضي
الله عنها قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم
غيره ] و كان مع ذلك أعلمهم بالسنة كما رجع إليه الصحابة في غير موضع يبرز عليهم
بنقل سنن عن النبي صلى الله عليه و سلم يحفظها هو و يستحضرها عند الحاجة إليها
ليست عندهم و كيف لا يكون ذلك و قد واظب على صحبة الرسول الله صلى الله عليه و سلم
من أول البعثة إلى الوفاة ؟ و هو مع ذلك من أذكى عباد الله و أعقلهم و إنما لم يرو
عنه من الأحاديث المسندة إلا القليل لقصر مدته و سرعة وفاته بعد النبي صلى الله
عليه و سلم و إلا فلو طالت مدته لكثر ذلك عنه جدا و لم يترك الناقلون عنه حديثا
إلا نقلوه و لكن كان الذين في زمانه من الصحابة لا يحتاج أحد منهم أن ينقل عنه ما
قد شاركه هو في روايته فكانوا ينقلون عنه ما ليس عندهم
و أخرج أبو القاسم البغوي عن ميمون بن مهران قال : كان
أبو بكر إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي به بينهم قضى به
و إن لم يكن في الكتاب و علم من رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك الأمر سنة
قضى بها فإن أعياه خرج فسأل المسلمين و قال : أتاني كذا و كذا فهل علمتم أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم قضى في ذلك بقضاء ؟ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر عن
رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه قضاء فيقول أبو بكر : الحمد لله الذي جعل فينا
من يحفظ عن نبينا فإن أعياه أن يجد فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم جمع
رؤوس الناس و خيارهم فاستشارهم فإن أجمع أمرهم على رأي قضى به و كان عمر رضي الله
عنه يفعل ذلك فإن أعياه أن يجد في القرآن و السنة نظر هل كان لأبي بكر فيه قضاء ؟
فإن وجد أبا بكر قضى فيه بقضاء قضى به و إلا دعا رؤوس المسلمين فإذا اجتمعوا على
أمر قضى به
و كان الصديق رضي الله عنه مع ذلك أعلم الناس بأنساب
العرب لا سيما قريش أخرج ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن شيخ من الأنصار قال : كان
جبير ابن مطعم من أنسب قريش لقريش و العرب قاطبة و كان يقول : إنما أخذت النسب من
أبي بكر الصديق و كان أبو بكر الصديق من أنسب العرب
و كان الصديق مع ذلك غاية في علم تعبير الرؤيا و قد كان
يعبر الرؤيا في زمن النبي صلى الله عليه و سلم و قد قال محمد بن سيرين ـ و هو
المقدم في هذا العلم بالاتفاق ـ
: كان أبو بكر أعبر هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه و
سلم أخرجه ابن سعد
و أخرج الديلمي في مسند الفردوس و ابن عساكر [ عن سمرة
قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرت أن أؤول الرؤيا و أن أعلمها أبا بكر ]
قال ابن كثير : و كان من أفصح الناس و أخطبهم قال الزبير
بن بكار : سمعت بعض أهل العلم يقول : أفصح خطباء أصحاب رسول الله صلى الله عليه و
سلم : أبو بكر الصديق و علي بن أبي طالب رضي الله عنهما و سيأتي في حديث السقيفة
قول عمر رضي الله عنه : و كان من أعلم الناس بالله و أخوفهم له و سيأتي من كلامه
في ذلك و في تعبير الرؤيا و من خطبه جملة في فصل مستقل
و من الدلائل على أنه أعلم الصحابة حديث صلح الحديبية
حيث سأل عمر رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك الصلح و قال : علام نعطي الدنية
في ديننا ؟ فأجابه النبي صلى الله عليه و سلم ثم ذهب إلى أبي بكر فسأله عما سأل
رسول الله صلى الله عليه و سلم فأجابه كما أجابه النبي صلى الله عليه و سلم سواء
بسواء أخرجه البخاري و غيره
و كان مع ذلك أسد الصحابة رأيا و أكملهم عقلا أخرج تمام
الرازي في فوائده و ابن عساكر [ عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول
الله صلى الله عليه و سلم يقول : أتني جبريل فقال : إن الله يأمرك أن تستشير أبا بكر ] و
أخرج الطبراني و أبو نعيم و غيرهما عن معاذ بن جبل [ أن النبي صلى الله عليه و سلم
لما أراد أن يسرح معاذا إلى اليمين استشار ناسا من أصحابه فيهم أبو بكر و عمر و
عثمان و علي و طلحة و الزبير و أسيد بن حضير فتكلم القوم كل إنسان برأيه فقال : ما
ترى يا معاذ ؟ قلت : أرى ما قال أبو بكر ] فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن
الله يكره فوق سمائه أن يخطأ أبو بكر ] و رواه ابن أبي أسامة في مسنده [ إن الله
يكره في السماء أن يخطأ أبو بكر الصديق في الأرض ] و أخرج الطبراني في الأوسط عن
سهل بن سعد الساعدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إن الله يكره أن يخطأ أبو بكر ]
رجاله ثقات
قال النووي في تهذيبه : الصديق أحد الصحابة الذين حفظوا
القرآن كله و ذكر هذا أيضا جماعة منهم ابن كثير في تفسيره و أما حديث أنس [ جمع
القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعة ] فمراد من الأنصار كما أوضحته
في كتاب الإتقان و أما ما أخرجه ابن أبي داود عن الشعبي قال : مات أبو بكر الصديق
رضي الله عنه و لم يجمع القرآن كله فهو مدفوع أو مؤول على أن المراد جمعه في
المصحف على الترتيب الذي صنعه عثمان رضي الله عنه
بيان أنه أفضل الصحابة و خيرهم أجمع أهل السنة أن أفضل
الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم سائر
العشرة ثم باقي أهل بدر ثم باقي أهل أحد ثم باقي أهل البيعة ثم باقي أهل الصحابة
هكذا حكى الإجماع عليه أبو منصور البغدادي
و روى البخاري عن ابن عمر قال : كنا نخير بين الناس في
زمان رسول الله صلى الله عليه و سلم فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان و زاد الطبراني
في الكبير : فيعلم بذلك النبي صلى الله عليه و سلم و لا ينكره
و أخرجه ابن عساكر عن ابن عمر قال : [ كنا و فينا رسول
الله صلى الله عليه و سلم نفضل أبا بكر و عمر و عثمان و عليا ]
و أخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال كنا معاشر أصحاب رسول
الله صلى الله عليه و سلم ـ و نحن متوافرون ـ نقول : أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو
بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت
و أخرج الترمذي عن جابر بن عبد الله قال : قال عمر لأبي
بكر : يا خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أبو بكر : أما إنك إن
قلت ذاك فلقد سمعته يقول : ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر
و أخرج البخاري عن محمد بن علي بن أبي طالب قال : قلت
لأبي : أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : أبو بكر قلت : ثم
من ؟ قال : عمر و خشيت أن يقول عثمان فقلت : ثم أنت ؟ قال : ما أنا إلا رجل من
المسلمين
و أخرج أحمد و غيره عن علي قال : خير هذه الأمة بعد
نبيها أبو بكر و عمر قال الذهبي : هذا متواتر عن علي فلعن الله الرافضة ما أجهلهم
و أخرج الترمذي و الحاكم عن عمر بن الخطاب قال : أبو بكر
سيدنا و خيرنا و أحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
و أخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر صعد
المنبر ثم قال : ألا إن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر فمن قال غير هذا فهو
مفتر عليه ما على المفتري و أخرج أيضا عن ابن أبي ليلى قال : قال علي : لا يفضلني
أحد على أبي بكر و عمر إلا جلدته حد المفتري
و أخرج عبد الرحمن بن حميد في مسنده و أبو نعيم و غيرهما
من طرق [ عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ما طلعت الشمس و
لا غربت على أحد أفضل من أبي بكر إلا أن يكون نبي ] و في لفظ [ على أحد من
المسلمين بعد النبيين و المرسلين أفضل من أبي بكر ]
و قد ورد أيضا من حديث جابر و لفظه [ ما طلعت الشمس على
أحد منكم أفضل منه ] أخرجه الطبراني وغيره و له شواهد من وجوه أخر تقضي له بالصحة
أو الحسن و قد أشار ابن كثير إلى الحكم بصحته
و أخرج الطبراني [ عن سلمة بن الأقرع قال : قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : أبو بكر الصديق خير الناس إلا أن يكون نبي ] و في
الأوسط [ عن سعد بن زرارة قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن روح القدس جبريل
أخبرني أن خير أمتك بعدك أبو بكر ] و أخرج الشيخان [ عن عمرو بن العاص قال : قلت
يا رسول الله صلى الله عليه و سلم أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة قلت من الرجال
؟ قال : أبوها قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر بن الخطاب ] و قد ورد هذا الحديث بدون [ ثم ] في رواية
أنس و ابن عمرو و ابن عباس
و أخرج الترمذي و النسائي و الحاكم عن عبد الله بن شقيق
قال : قلت لعائشة : أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كان أحب إلى رسول الله
صلى الله عليه و سلم ؟ قالت : أبو بكر قلت ثم من ؟ قالت : عمر قلت : ثم من ؟ قالت
: أبو عبيدة بن الجراح
و أخرج الترمذي و غيره [ عن أنس قال : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم لأبي بكر و عمر : هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين و الآخرين
إلا النبيين و المرسلين ] و أخرج مثله عن علي
و في الباب عن ابن عباس و ابن عمر : و أبي سعيد الخدري و
جابر بن عبد الله و أخرج الطبراني في الأوسط عن عمار بن ياسر قال : من فضل علي أبي
بكر و عمر أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد أزرى على المهاجرين و
الأنصار
و أخرج ابن سعيد [ عن الزهري قال : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم لحسان بن ثابت
: هل قلت في أبي بكر شيئا ؟ قال : نعم فقال : قل و أنا
أسمع فقال :
( و الثاني اثنين في الغار المنيف و قد ... طاف العدو به
إذ صعد الجبلا )
( و كان حب رسول الله قد عملوا ... من البرية لم يعدل به
رجلا )
فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى بدت نواجذه ثم
قال : صدقت يا حسان هو كما قلت
]
روى أحمد و الترمذي [ عن أنس بن مالك قال : قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : أرحم أمتي بأمتي أبو بكر و أشدهم في أمر الله عمر و
أصدقهم حياء عثمان و أعلمهم بالحلال و الحرام معاذ بن جبل و أفرضهم زيد بن ثابت و
أ قرؤهم أبي بن كعب و لكل أمة أمين و أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ] و
أخرجه أبو يعلى من حديث ابن عمر و زاد فيه [ و أقضاهم علي ] و أخرجه الديلمي في
مسند الفردوس من حديث شداد ابن أوس و زاد [ و أبو ذر أزهد أمتي و أصدقها و أبو
الدرداء أعبد أمتي و أتقاها و معاوية بن أبي سفيان أحلم أمتي و أجودها ]
و قد سئل شيخنا العلامة الكافيجي عن هذه التفضيلات : هل
تنافي التفضيل السابق ؟
فأجاب بأنه لا منافاة
ذكر ما أنزل من الآيات في مدحه أو تصديقه أو شأن من
شؤونه اعلم أني رأيت لبعضهم كتابا في أسماء من نزل فيهم القرآن غير محرر و لا
مستوعب و قد ألفت في ذلك كتابا حافلا مستوعبا محررا و أنا ألخص هنا ما يتعلق منه
بالصديق رضي الله عنه
قال تعالى : { ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول
لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه } أجمع المسلمون على أن
الصاحب المذكور أبو بكر و سيأتي فيه أثر عنه
و أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى : {
فأنزل الله سكينته عليه } قال : على أبي بكر إن النبي صلى الله عليه و سلم لم تزل
السكينة عليه
و أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود أن أبا بكر اشترى
بلالا من أمية بن خلف و أبي ابن خلف ببردة و عشر أواق فأعتقه لله فأنزل الله : {
والليل إذا يغشى } إلى قوله : { إن سعيكم لشتى } سعي أبي بكر و أمية و أبي
و أخرج ابن جرير عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال :
كان أبو بكر يعتق على الإسلام بمكة فكان يعتق عجائز و نساء إذا أسلمن فقال أبوه :
أي بني أراك تعتق أناسا ضعافا فلو أنك تعتق رجالا جلدا يقدمون معك و يمنعونك و
يدفعون عنك ؟ قال : أي أبت أنا أريد ما عند الله قال : فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه
الآية نزلت فيه { فأما من أعطى واتقى } إلى آخرها
و أخرج ابن أبي حاتم و الطبراني عن عروة أن أبا بكر
الصديق رضي الله عنه أعتق سبعة كلهم يعذب في الله و فيه نزلت { وسيجنبها الأتقى } إلى آخر السورة
و أخرج البزار عن عبد الله بن الزبير قال : نزلت هذه
الآية { وما لأحد عنده من نعمة تجزى } إلى آخر السورة في أبي بكر الصديق رضي الله
عنه
و أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر لم
يكن يحنث في يمين حتى أنزل الله كفارة اليمين
و أخرج البزار و ابن عساكر عن أسيد بن صفوان ـ و كانت له
صحبة ـ قال : قال علي : [ و الذي جاء بالحق ] محمد [ و صدق به ] أبو بكر الصديق
قال ابن عساكر : هكذا الرواية [ بالحق ] و لعلها قراءة لعلي
و أخرج الحاكم عن ابن عباس في قوله تعالى : { وشاورهم في
الأمر } قال : نزلت في أبي بكر و عمر
و أخرج ابن أبي حاتم عن ابن شوذب قال : نزلت { ولمن خاف
مقام ربه جنتان } في أبي بكر رضي الله عنه و له طرق أخرى ذكرتها في أسباب النزول
و أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر و ابن عباس في
قوله تعالى : { وصالح المؤمنين } قال نزلت في أبي بكر و عمر
و أخرج عبد الله بن أبي حميد في تفسيره عن مجاهد قال :
لما نزلت { إن الله وملائكته يصلون على النبي } قال أبو بكر : يا رسول الله ما
أنزل الله عليك خيرا إلا أشركنا فيه فنزلت هذه الآية { هو الذي يصلي عليكم
وملائكته }
و أخرج ابن عساكر عن علي بن الحسين أن هذه الآية نزلت في
أبي بكر و عمر و علي { ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين }
و أخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : نزلت في أبي بكر
الصديق { ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا } إلى قوله : { وعد الصدق الذي كانوا يوعدون }
و أخرج ابن عساكر عن ابن عيينة قال : عاتب الله المسلمين
كلهم في رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا أبا بكر وحده فإنه خرج من المعاتبة ثم
قرأ { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار }
الأحاديث الواردة في فضله مقرونا بعمر أخرج الشيخان [ عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول بينا راع
في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعي فالتفت إليه الذئب فقال : من
لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري ؟ و بينا رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفت
إليه فكلمته فقالت : إني لم أخلق لهذا و لكن خلقت للحرث قال الناس : سبحان الله
بقرة تتكلم ؟ قال النبي صلى الله عليه و سلم : فإني أومن بذلك و أبو بكر و عمر و
ما ثم أبو بكر و عمر ] أي لم يكونا في المجلس شهد لهما بالإيمان بذلك لعلمه بكمال
إيمانهما
و أخرج الترمذي [ عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : ما من نبي إلا و له وزيران من أهل السماء و وزيران من
أهل الأرض فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل و ميكائيل و أما وزيراي من أهل الأرض
فأبو بكر و عمر ]
و أخرج أصحاب السنن و غيرهم [ عن سعيد بن زيد قال : سمعت
رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول أبو بكر في الجنة و عمر في الجنة و عثمان في
الجنة و علي في الجنة ] و ذكر تمام العشرة
و أخرج الترمذي [ عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في
أفق السماء و إن أبا بكر و عمر منهم ] و أخرجه الطبراني من حديث جابر بن سمرة و
أبي هريرة
و أخرج الترمذي [ عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و
سلم كان يخرج على أصحابه من المهاجرين و الأنصار و هم جلوس فيهم أبو بكر و عمر فلا
يرفع إليه أحد منهم بصره إلا أبو بكر و عمر فإنهما كانا ينظران إليه و ينظر إليهما
و يتبسمان إليه و يبتسم إليهما
]
و أخرج الترمذي و الحاكم [ عن ابن عمر أن رسول الله صلى
الله عليه و سلم خرج ذات يوم فدخل المسجد و أبو بكر و عمر أحدهما عن يمينه والآخر
عن شماله و هو آخذ بأيديهما و قال : هكذا نبعث يوم القيامة ] و أخرجه الطبراني في
الأوسط عن أبي هريرة
و أخرج الترمذي و الحاكم [ عن ابن عمر قال : قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم أنا أول من تنشق عنه الأرض ثم أبو بكر ثم عمر ]
و أخرج الترمذي و الحاكم و صححه [ عن عبد الله بن حنطب
أن النبي صلى الله عليه و سلم رأى أبا بكر و عمر فقال هذان السمع و البصر ] و
أخرجه الطبراني من حديث ابن عمر و ابن عمرو
و أخرج البزار و الحاكم [ عن أبي أروى الدوسي قال : كنت
عند النبي صلى الله عليه و سلم فأقبل أبو بكر و عمر فقال : الحمد لله الذي أيدني بكما ] و ورد
أيضا من حديث البراء بن عازب أخرجه الطبراني في الأوسط
و أخرج أبو يعلى [ عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم : أتاني جبريل آنفا فقلت : يا جبريل حدثني بفضائل عمر بن
الخطاب فقال : لو حدثتك بفضائل عمر منذ ما لبث نوح في قومه ما نفدت فضائل عمر و إن
عمر حسنة من حسنات أبي بكر ]
و أخرج أحمد [ عن عبد الرحمن بن غنم أن رسول الله صلى
الله عليه و سلم قال لأبي بكر و عمر
: لو اجتمعنا في مشورة ما خالفتكما ] و أخرجه الطبراني
من حديث البراء بن عازب
و أخرج ابن سعد عن ابن عمر أنه سئل : من كان يفتي في زمن
رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال : أبو بكر و عمر و لا أعلم غيرهما
و أخرج عن القاسم بن محمد قال : كان أبو بكر و عمر و
عثمان و علي يفتون في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم
و أخرج الطبراني [ عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم قال : إن لكل نبي خاصة من أمته و إن خاصتي من أصحابي أبو
بكر و عمر ]
و أخرج ابن عساكر [ عن علي قال : قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : رحم الله أبا بكر ! زوجني ابنته و حملني إلى دار الهجرة و أعتنق
بلالا رحم الله عمر ! يقول الحق و إن كان مرا تركه الحق و ما له من صديق رحم الله
عثمان ! تستحيه الملائكة رحم الله عليا ! اللهم أدر الحق معه حيث دار ]
و أخرج الطبراني [ عن سهل رضي الله عنه قال : لما قدم
النبي صلى الله عليه و سلم من حجة الوداع صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال
: أيها الناس إن أبا بكر لم يسؤني قط فاعرفوا له ذلك أيها الناس إني راض عنه و عن
عمر و عثمان و علي و طلحة و الزبير و سعد و عبد الرحمن بن عوف و المهاجرين الأولين
فاعرفوا ذلك لهم
]
و أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن ابن أبي حازم
قال : جاء رجل إلى علي ابن الحسين فقال : ما كان منزلة أبي بكر و عمر من رسول الله
صلى الله عليه و سلم ؟ قال : كمنزلتهما منه الساعة
و أخرجه ابن سعد [ عن بسطام بن مسلم قال : قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم لأبي بكر و عمر لا يتأمر عليكما أحد بعدي ]
و أخرج ابن عساكر عن أنس مرفوعا [ حب أبي بكر إيمان و
بغضهما كفر ]
و أخرج عن ابن مسعود قال : حب أبي بكر و عمر و معرفتهما
من السنة
و أخرج عن أنس مرفوعا [ إني لأرجو لأمتي في حبهم لأبي
بكر و عمر ما أرجو لهم في قول : لا إله إلا الله ]
الأحاديث الواردة في فضله وحده أخرج الشيخان [ عن أبي
هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من أنفق زوجين من شيء من
الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل
الصلاة دعي من باب الصلاة و من كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد و من كان من
أهل الصدقة دعي من باب الصدقة و من كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ] فقال
أبو بكر : ما على من يدعى من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول
الله ؟ قال : [ نعم فأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر ]
و أخرج أبو داود و الحاكم و صححه [ عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أما إنك يا أبا بكر أول من
يدخل الجنة من أمتي ]
و أخرج الشيخان [ عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم إن من أمن الناس علي في صحبته و ماله أبو بكر و لو
كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا و لكن أخوة الإسلام ]
و قد ورد هذا الحديث من رواية ابن عباس و ابن الزبير و
ابن مسعود و جندب بن عبد الله و البراء و كعب بن مالك و جابر بن عبد الله و أنس و
أبي واقد الليثي و أبي المعلى و عائشة و أبي هريرة و ابن عمر رضي الله عنهم و قد
سردت طرقهم في الأحاديث المتواترة
و أخرج البخاري [ عن أبي الدرداء قال : كنت جالسا عند
النبي صلى الله عليه و سلم إذ أقبل أبو بكر فسلم و قال : إنه كان بيني و بين عمر
بن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي فأقبلت إليك فقال :
يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثا ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي يكر فلم يجده فأتى
النبي صلى الله عليه و سلم فجعل وجه النبي صلى الله عليه و سلم يتمعر حتى أشفق أبو
بكر فجثا على ركبتيه فقال : يا رسول الله و الله أنا كنت أظلم منه مرتين فقال
النبي صلى الله عليه و سلم : إن الله إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت و واساني
بنفسه و ماله فهل أنتم تاركون لي صاحبي ؟ مرتين فما أوذي بعدها ]
و أخرج ابن عدي [ من حديث ابن عمر رضي الله عنه نحوه و
فيه : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تؤذني في صاحبي فإن الله بعثني
بالهدى و دين الحق فقلتم : كذبت و قال أبو بكر : صدقت و لو لا أن الله سماه صاحبا
لاتخذته خليلا و لكن أخوة الإسلام
]
و أخرج ابن عساكر [ عن المقدام قال : استب عقيل بن أبي
طالب و أبو بكر قال : و كان أبو بكر نسابا غير أنه تحرج من قرابته من النبي صلى الله
عليه و سلم فأعرض عنه و شكا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقام رسول الله صلى
الله عليه و سلم في الناس فقال : ألا تدعون لي صاحبي ؟ ما شأنكم و شأنه ؟ فو الله
ما منكم رجل إلا على باب بيته ظلمة إلا باب أبي بكر فإن على بابه النور فو الله
لقد قلتم : كذبت و قال أبو بكر : صدقت و أمسكتم الأموال و جاد لي بماله و خذلتموني
و واساني و اتبعني ]
و أخرج البخاري [ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة
؟ ] فقال أبو بكر : إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال رسول الله
صلى الله عليه و سلم : [ إنك لست تصنع ذلك خيلاء ]
و أخرج مسلم [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم : من أصبح منكم اليوم صائما ؟ قال أبو بكر : أنا قال : فمن
تبع منكم جنازة ؟ قال أبو بكر : أنا قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟ قال أبو
بكر : أنا قال : فمن عاد اليوم منكم مريضا ؟ قال أبو بكر : أنا فقال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة ]
و قد ورد هذا الحديث من رواية أنس بن مالك و عبد الرحمن بن
أبي بكر فحديث أنس أخرجه البيهقي في الأصل و في آخره [ وجبت لك الجنة ] و حديث عبد
الرحمن أخرجه البزار و لفظه [ صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الصبح ثم
أقبل على أصحابه بوجهه فقال : من أصبح منكم اليوم صائما ؟ فقال عمر : يا رسول الله
لم أ حدث نفسي بالصوم البارحة فأصبحت مفطرا فقال أبو بكر : و لكني حدثت نفسي
بالصوم البارحة فأصبحت صائما فقال
: هل أحد منكم اليوم عاد مريضا ؟ فقال عمر : يا رسول
الله لم نبرح فكيف نعود المريض ؟ فقال أبو بكر : بلغني أن أخي عبد الرحمن ابن عوف
شاك فجعلت طريقي عليه لأنظر كيف أصبح فقال : هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا ؟ فقال
عمر : صلينا يا رسول الله ثم لم نبرح فقال أبو بكر : دخلت المسجد فإذا بسائل
فوجدت كسرة من خبز الشعير في يد عبد الرحمن فأخذتها و دفعتها إليه فقال : أنت فأبشر
بالجنة ثم قال كلمة أرضى بها عمر و زعم عمر أنه لم يرد خيرا قط إلا سبقه إليه أبو
بكر ]
و أخرج أبو يعلى [ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كنت
في المسجد أصلي فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم و معه أبو بكر و عمر فوجدني
أدعو فقال : سل تعطه ثم قال : من أحب أن يقرأ القرآن غضا طريقا فليقرأ بقراءة ابن
أم عبد ] فرجعت إلى منزلي فأتاني أبو بكر فبشرني ثم أتى عمر فوجد أبا بكر خارجا قد
سبقه فقال : [ إنك لسباق بالخير
]
و أخرج أحمد بسند حسن عن ربيعة الأسلمي رضي الله عنه قال
: جرى بيني و بين أبي بكر كلام فقال لي كلمة كرهتها و ندم فقال لي : يا ربيعة رد
علي مثلها حتى يكون قصاصا قلت : لا أفعل قال أبو بكر : لتقولن أو لأستعدين عليك
رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت : ما أنا بفاعل فانطلق أبو بكر رضي الله عنه
إلى النبي صلى الله عليه و سلم و انطلقت أتلوه و جاء أناس من أسلم فقالوا لي : رحم
الله أبا بكر ! في أي شيء يستعدي عليك رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو الذي
قال لك ما قال ؟ فقلت : أتدرون من هذا ؟ هذا أبو بكر الصديق هذا ثاني اثنين و هذا
ذو شيبة المسلمين إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله صلى
الله عليه و سلم فيغضب لغضبه فيغضب الله عز و جل لغضبهما فيهلك ربيعة قالوا : ما
تأمرنا ؟ قال : ارجعوا و انطلق أبو بكر رضي الله عنه و تبعته وحدي حتى أتى رسول
الله صلى الله عليه و سلم فحدثه الحديث كما كان فرفع إلي رأسه فقال : [ يا ربيعة
مالك و الصديق ؟ فقلت : يا رسول الله كان كذا و كذا فقال لي كلمة كرهتها فقال لي :
قل كما قلت حتى يكون قصاصا فأبيت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أجل لا ترد
عليه و لكن قل : قد غفر الله لك يا أبا بكر فقلت : غفر الله لك يا أبا بكر قال
الحسن : فولى أبو بكر رضي الله عنه و هو يبكي ]
و أخرج الترمذي و حسنه [ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم قال لأبي بكر : أنت صاحبي على الحوض و صاحبي في الغار ]
و أخرج عبد الله بن أحمد رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم [ أبو بكر صاحبي و مؤنسي في الغار ] إسناده حسن
وأخرج البيهقي [ عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم إن في الجنة طيرا كأمثال البخاتي قال أبو بكر : إنها
لناعمة يا رسول الله ؟ قال : أنعم منها من يأكلها و أنت ممن يأكلها ] و قد ورد هذا
الحديث من رواية أنس
و أخرج أبو يعلى [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم عرج بي إلى السماء فما مررت بسماء إلا وجدت فيها
اسمي محمد رسول الله و أبو بكر الصديق خلفي ] إسناده ضعيف لكنه ورد أيضا من حديث
ابن عباس و أنس و أبي سعيد و أبي الدرداء رضي الله عنهم بأسانيد ضعيفة يشد بعضها
بعضا
و أخرج ابن أبي حاتم و أبو نعيم [ عن سعيد بن جبير رضي
الله عنه قال : قرأت عند النبي صلى الله عليه و سلم { يا أيتها النفس المطمئنة }
فقال أبو بكر : يا رسول الله إن هذا لحسن فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أما إن الملك سيقولها لك عند الموت
]
و أخرج ابن أبي حاتم [ عن عامر بن عبد الله بن الزبير
رضي الله عنه قال : لما نزلت { ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم } الآية قال
أبو بكر : يا رسول الله لو أمرتني أن أقتل نفسي لفعلت فقال : صدقت ]
و أخرج أبو القاسم البغوي : [ حدثنا داود بن عمر حدثنا
عبد الجبار بن الورد عن ابن أبي ملكية قال : دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم و
أصحابه غديرا فقال : ليسبح كل رجل إلى صاحبه قال : فسبح كل رجل حتى بقي رسول الله
صلى الله عليه و سلم و أبو بكر فسبح رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أبي بكر
حتى اعتنقه و قال : لو كنت متخذا خليلا حتى ألقى الله لاتخذت أبا بكر خليلا و لكنه
صاحبي ] تابعه وكيع عن عبد الجبار بن الورد أخرجه ابن عساكر و عبد الجبار ثقة و
شيخه ابن أبي ملكية إمام إلا أنه مرسل و هو غريب جدا
قلت : أخرجه الطبراني في الكبير و ابن شاهين في السنة من
وجه آخر موصولا عن ابن عباس
و أخرج ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق و ابن عساكر من
طريق صدقة بن ميمون القرشي [ عن سليمان بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه
و سلم : خصال الخير ثلاثمائة و ستون خصلة إذا أراد الله بعبد خيرا جعل فيه خصلة
منها يدخل بها الجنة ] قال أبو بكر : يا رسول الله أفي شيء منها ؟ قال : [ نعم جمعا من
كل ]
و أخرج ابن عساكر من طريق أخرى [ عن صدقة القرشي عن رجل
قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خصال الخير ثلاثمائة و ستون فقال أبو بكر
: يا رسول الله لي منها شيء قال : كلها فيك فهنيئا لك يا أبا بكر ]
و أخرج ابن عساكر من طريق مجمع بن يعقوب الأنصاري عن
أبيه قال : إن كانت حلقة رسول الله صلى الله عليه و سلم لتشتبك حتى تصير كالأسوار و
إن مجلس أبي بكر منها لفارغ ما يطمع فيه أحد من الناس فإن جاء أبو بكر جلس ذلك
المجلس و أقبل عليه النبي صلى الله عليه و سلم بوجهه و ألقى إليه حديثه و سمع
الناس
و أخرج ابن عساكر [ عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : حب أبي بكر و شكره واجب على كل أمتي ]
و أخرج مثله في حديث سهل بن سعد
و أخرج عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا [ الناس كلهم
يحاسبون إلا أبا بكر ]
ما ورد من كلام الصحابة و من بعدهم في فضل الصديق أخرج البخاري
عن جابر رضي الله عنه قال : قال عمر بن الخطاب : أبو بكر سيدنا و أخرج البيهقي في
شعب الإيمان عن عمر رضي الله عنه قال : لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض
لرجح بهم
و أخرج ابن أبي خثيمة و عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد
عن عمر رضي الله عنه قال إن أبا بكر كان سابقا مبرزا
و قال عمر : لوددت أني شعرة في صدر أبي بكر أخرجه مسدد
في مسنده
و قال : وددت أني من الجنة حيث أرى أبا بكر أخرجه ابن
أبي الدنيا و ابن عساكر
و قال : لقد كان ريح أبي بكر أطيب من ريح المسك أخرجه
أبو نعيم
و أخرج ابن عساكر عن علي أنه دخل على أبي بكر و هو مسجى
فقال : ما أحد لقي الله بصحيفته أحب إلي من هذا المسجى
و أخرج ابن عساكر [ عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال
: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : حدثني عمر بن الخطاب أنه ما سبق أبا بكر
إلى خير قط إلا سبقه به ]
و أخرج الطبراني في الأواسط عن علي قال : و الذي نفسي
بيده ما استبقنا إلى خير قط إلا سبقنا إليه أبو بكر
و أخرج في الأواسط أيضا عن جحيفة قال علي : خير الناس
بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أبو بكر و عمر لا يجتمع حبي و بغض أبي بكر و
عمر في قلب مؤمن
و أخرج في الكبير عن ابن عمر قال : ثلاثة من قريش أصبح
قريش وجوها و أحسنها أخلاقا و أثبتها جنانا إن حدثوك لم يكذبوك و إن حدثتهم لم
يكذبوك : أبو بكر الصديق و أبو عبيدة بن الجراح و عثمان بن عفان
و أخرج ابن سعد عن إبراهيم النخعي قال : أبو بكر يسمى [
الأواه ] لرأفته و رحمته
و أخرج ابن عساكر عن الربيع بن أنس قال : مكتوب في كتاب
الأول : مثل أبي بكر الصديق مثل القطر أينما وقع نفع
و أخرج ابن عساكر عن الربيع عن أنس قال : نظرنا في صحابة
الأنبياء فما وجدنا نبيا كان له صاحب مثل أبي بكر الصديق
و أخرج عن الزهري قال : من فضل أبي بكر أنه لم يشك في الله
ساعة قط
و أخرج عن الزبير بن بكار قال : سمعت بعض أهل العلم يقول
: خطباء أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم : أبو بكر الصديق و علي بن أبي طالب
رضي الله عنهما
و أخرج عن أبي الحصين قال : ما ولد لآدم ذريته بعد
النبيين و المرسلين أفضل من أبي بكر و لقد قام أبو بكر يوم الردة مقام نبي من
الأنبياء
أخرج الدينوري في المجالسة و ابن عساكر عن الشعبي قال :
خص الله تبارك و تعالى أبا بكر بأربع خصال لم يخص بها أحدا من الناس : سماه الصديق
و لم يسم أحدا الصديق غيره و هو صاحب الغار مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و
رفيقه في الهجرة و أمره رسول الله بالصلاة و المسلمون شهود
و أخرج ابن أبي داود في كتاب المصاحف عن جعفر قال : كان
أبو بكر يسمع مناجاة جبريل للنبي صلى الله عليه و سلم و لا يراه
و أخرج الحاكم عن ابن المسيب قال : كان أبو بكر من النبي
صلى الله عليه و سلم مكان الوزير فكان يشاوره في جميع أموره و كان ثانيه في
الإسلام و ثانيه في الغار و ثانيه في العريش يوم بدر و ثانيه في القبر و لم يكن
رسول الله صلى الله عليه و سلم يقدم عليه أحدا
الأحاديث المشيرة إلى خلافته و كلام الأئمة في ذلك أخرج
الترمذي و حسنه و الحاكم و صححه [ عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر و عمر ]
و أخرجه الطبراني من حديث أبي الدرداء و الحاكم من حديث
ابن مسعود رضي الله عنه
و أخرج أبو القاسم البغوي بسند حسن [ عن عبد الله بن عمر
رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : يكون خلفي اثنا عشر
خليفة : أبو بكر لا يلبث إلا قليلا
]
صدر هذا الحديث مجمع على صحته وارد من طرق عدة و قد تقدم
شرحه في أول هذا الكتاب و في الصحيحين في الحديث السابق أنه صلى الله عليه و سلم
لما خطب قرب وفاته و قال : [ إن عبدا خيره الله
] الحديث و في أخره [ و لا يبقين باب إلا سد إلا باب أبي
بكر ] وفي لفظ لهما [ لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر ] قال العلماء : هذا
إشارة إلى الخلافة لأنه يخرج منها إلى الصلاة بالمسلمين و قد ورد هذا اللفظ من
حديث أنس رضي الله عنه و لفظه [ سدوا هذه الأبواب الشارعة في المسجد إلا باب أبي
بكر ] أخرجه ابن عدي و من حديث عائشة رضي الله عنها أخرجه الترمذي و غيره و من
حديث ابن عباس في زوائد المسند و من حديث معاوية بن أبي سفيان أخرجه الطبراني و من
حديث أنس أخرجه البزار
و أخرج الشيخان [ عن جبير بن مطعم رضي الله عنه عن أبيه
قال : أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأمرها أن ترجع إليه قالت : أرأيت
إن جئت و لم أجدك ـ كأنها تقول : الموت ـ قال صلى الله عليه و سلم : إن لم تجديني
فأتي أبا بكر ]
و أخرج الحاكم و صححه [ عن أنس رضي الله عنه قال : بعثني
بنو المصطلق إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن سله إلى من ندفع صدقاتنا بعدك
فأتيته فسألته فقال : إلى أبي بكر
]
وأخرج ابن عساكر [ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه و سلم تسأله شيئا ؟ فقال لها : تعودين فقالت :
يا رسول الله إن عدت فلم أجدك ـ تعرض بالموت ـ فقال : إن جئت فلم تجديني فأتي أبا
بكر فإنه الخليفة من بعدي ]
و أخرج مسلم [ عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي
رسول الله صلى الله عليه و سلم في مرضه : ادعي لي أبا بكر أباك و أخاك حتى أكتب
كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن و يقول قائل : أنا أولى و يأبى الله و المؤمنون إلا
أبا بكر ]
و أخرجه أحمد و غيره من طرق عنها و في بعضها [ قالت :
قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم في مرضه الذي فيه مات : ادعي لي عبد الرحمن
بن أبي بكر أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه أحد بعدي ثم قال : دعيه معاذ الله
أن يختلف المؤمنون في أبي بكر ]
و أخرجه مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت : من كان رسول الله
صلى الله عليه و سلم مستخلفا لو استخلف ؟ قالت أبو بكر قيل لها : ثم من بعد أبي
بكر ؟ قالت : عمر قيل لها : من بعد عمر ؟ قالت أبو عبيدة بن الجراح
و أخرج الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال [
: مرض النبي صلى الله عليه و سلم فاشتد مرضه فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ]
قالت عائشة : يا رسول الله إنه رجل رقيق القلب إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي
بالناس فقال [ مري أبا بكر فليصل بالناس ] فعادت فقال : [ مري أبا بكر فليصل
بالناس فإنكن صواحب يو سف ] فأتاه الرسول فصلى بالناس في حياة رسول الله صلى الله
عليه و سلم هذا الحديث متواتر ورد أيضا من حديث عائشة و ابن مسعود و ابن عباس و
ابن عمر و عبد الله بن زمعة و أبي سعيد و علي بن أبي طالب و حفصة رضي الله عنها :
و قد سقت طرقهم في الأحاديث المتواتر و في بعضها عن عائشة رضي الله عنها : لقد
راجعت رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك و ما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه
لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا و إلا أني كنت أرى أنه لن
يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به فأردت أن يعدل لذلك رسول الله صلى الله عليه و
سلم عن أبي بكر
و في حديث ابن زمعة رضي الله عنه [ أن رسول الله صلى
الله عليه و سلم أمرهم بالصلاة و كان أبو بكر غائبا فتقدم عمر فصلى فقال رسول الله
صلى الله عليه و سلم لا لا لا يأبى الله و المسلمون إلا أبا بكر يصلي بالناس أبو
بكر ]
وفي حديث ابن عمر [ كبر عمر فسمع رسول الله صلى الله
عليه و سلم تكبيره فأطلع رأسه مغضبا فقال : أين ابن أبي قحافة ؟ ]
قال العلماء : في هذا الحديث أوضح دلالة على أن الصديق
أفضل الصحابة على الإطلاق و أحقهم بالخلافة و أولاهم بالإمامة قال الأشعري : [ قد
علم بالضرورة أن رسول الله أمر الصديق أن يصلي بالناس مع حضور المهاجرين و الأنصار
مع قوله يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ] فدل على أنه كان أقرأهم : أي أعلمهم
بالقرآن انتهى
و قد استدل الصحابة أنفسهم بهذا على أنه أحق بالخلافة
منهم عمر و سيأتي قوله في فصل المبايعة و منهم علي
و أخرج ابن عساكر عنه قال : لقد أمر النبي صلى الله عليه
و سلم أبا بكر أن يصلي بالناس و إني أشاهد و ما أنا بغائب و ما بي مرض فرضينا
لدنيانا ما رضي به النبي صلى الله عليه و سلم لديننا
قال العلماء : و قد كان معروفا بأهلية الإمامة في زمان
النبي صلى الله عليه و سلم
و أخرج أحمد و أبو داود و غيرهما [ عن سهل بن سعد قال :
كان قتال بين بني عمرو بن عوف فبلغ النبي صلى الله عليه و سلم فأتاهم بعد الظهر
ليصلح بينهم و قال : يا بلال إن حضرت الصلاة و لم آت فمر أبا بكر فليصل بالناس ]
فلما حضرت صلاة العصر أقام بلال الصلاة ثم أمر أبا بكر فصلى
و أخرج أبو بكر الشافعي في الغيلانيات و ابن عساكر [ عن
حفصة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا أنت مرضت قدمت
أبا بكر قال : لست أنا أقدمه و لكن الله يقدمه ]
و أخرج الدارقطني في الأفراد و الخطيب و ابن عساكر [ عن
علي رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم سألت الله أن يقدمك
ثلاثا فأبى علي إلا تقديم أبي بكر
]
و أخرج ابن سعد [ عن الحسن قال : قال أبو بكر : يا رسول
الله ما أزال أراني أطأ في عذرات الناس ؟ قال : لتكونن من الناس بسبيل قال : و
رأيت في صدري كالرقمتين قال : سنتين
]
و أخرج ابن عساكر [ عن أبي بكرة قال : أتيت عمر ـ و بين
يديه قوم يأكلون ـ فرمى ببصره في مؤخر القوم إلى رجل فقال : ما تجد فيما تقرأ قبلك
من الكتب ؟ قال : خليفة النبي صلى الله عليه و سلم صديقه ]
و أحرج ابن عساكر عن محمد بن الزبير قال : [ أرسلني عمر
بن عبد العزيز إلى الحسن البصري أسأله عن أشياء فجئته فقلت له : اشفنى فيما اختلف
الناس فيه هل كان رسول الله صلى الله عليه و سلم استخلف أبا بكر ؟ فاستوى الحسن
قاعدا و قال : أو في شك هو ؟ لا أبا لك ! أي و الله الذي لا إله إلا هو لقد
استخلفه و لهو كان أعلم بالله و أتقى له و أشد له مخافة من أن يموت عليها لو لم
يؤمره
و أخرج ابن عدي [ عن أبي بكر بن عياش قال : لي الرشيد : يا
أبا بكر كيف استخلف الناس أبا بكر الصديق ؟ قلت : يا أمير المؤمنين سكت الله و سكت
رسوله و سكت المؤمنون قال : و الله ما زدتني إلا غما قال : يا أمير المؤمنين مرض
النبي صلى الله عليه و سلم ثمانية أيام فدخل عليه بلال فقال : يا رسول الله من
يصلي بالناس ؟ قال : مر أبا بكر يصلي بالناس فصلى أبو بكر بالناس ثمانية أيام و
الوحي ينزل فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم لسكوت الله و سكت المؤمنون لسكوت
رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعجبه فقال : بارك الله فيك ]
و قد استنبط جماعة من العلماء خلافة الصديق من آيات
القرآن فأخرج البيهقي عن الحسن البصري في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا من
يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } قال : هو و الله أبو بكر و
أصحابه لما ارتدت العرب جاهدهم أبو بكر و أصحابه حتى ردوهم إلى الإسلام
و أخرج يونس بن بكير عن قتادة قال : لما توفي النبي صلى
الله عليه و سلم ارتدت العرب فذكر قتال أبي بكر لهم إلى أن قال : فكنا نتحدث أن
هذه الآية نزلت في أبي بكر و أصحابه { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه }
و أخرج ابن أبي حاتم عن جويبرفي قوله تعالى : { قل
للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد } قال : هم بنو حنيفة قال ابن
أبي حاتم و ابن قتيبة : هذه الآية حجة على خلافة الصديق لأنه الذي دعا إلى قتالهم
و قال الشيخ أبو الحسن الأشعري : سمعت أبا العباس بن
شريح يقول : خلافة الصديق في القرآن في هذه الآية قال : لأن أهل العلم أجمعوا على
أنه لم يكن بعد نزولها قتال دعوا إليه إلا دعاء أبي بكر لهم و للناس إلى قتال أهل
الردة و من منع الزكاة قال : فدل ذلك على وجوب خلافة أبي بكر و افتراض طاعته إذ أخبر الله
أن المتولي عن ذلك يعذب عذابا أليما قال ابن كثير : و من فسر القوم بأنهم فارس و
الروم فالصديق هو الذي جهز الجيوش إليهم و تمام أمرهم كان على يد عمر و عثمان و
هما فرعا الصديق و قال تعالى : { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات
ليستخلفنهم في الأرض } الآية قال ابن كثير : هذه الآية منطبقة على خلافة الصديق
و أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن عبد الرحمن بن عبد
الحميد المهدي قال : إن ولاية أبي بكر و عمر في كتاب الله يقول الله : { وعد الله الذين
آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض } الآية
و أخرج الخطيب عن أبي بكر بن عياش قال : أبو بكر الصديق
خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم في القرآن لأن الله تعالى يقول : { للفقراء
المهاجرين } إلى قوله : { أولئك هم الصديقون } فمن سماه الله صديقا فليس يكذب و هم
قالوا : يا خليفة رسول الله قال ابن كثير : استنباط حسن
و أخرج البيهقي عن الزعفراني قال : سمعت الشافعي يقول :
أجمع الناس على خلافة أبي بكر الصديق و ذلك أنه اضطر الناس بعد رسول الله صلى الله
عليه و سلم فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرا من أبي بكر فولوه رقابهم
و أخرج أسد السنة في فضائله عن معاوية بن قرة قال : ما
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يشكون أن أبا بكر خليفة رسول الله صلى
الله عليه و سلم و ما كانوا إلا خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم و ما كانوا
يجتمعون على خطأ و لا ضلال
و أخرج الحاكم و صححه عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال :
ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن و ما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيء و
قد رأى الصحابة جميعا أن يستخلفوا أبا بكر
و أخرج الحاكم و صححه الذهبي عن مرة الطيب قال : جاء أبو
سفيان بن حرب إلى علي فقال : ما بال هذا الأمر في أقل قريش قلة و أذلها ذلا ؟ ـ
يعني أبا بكر ـ و الله لئن شئت لأملأنها عليه خيلا و رجالا قال : فقال علي :
لطالما عاديت الإسلام و أهله يا أبا سفيان فلم يضره ذلك شيئا إنا وجدنا أبا بكر
لها أهلا
مبايعته رضي الله عنه روى الشيخان أن عمر بن الخطاب رضي
الله عنه خطب الناس مرجعه من الحج فقال في خطبته : قد بلغني أن فلانا منكم يقول :
لو مات عمر بايعت فلانا فلا يغترن امرؤ أن يقول : إن بيعة أبي بكر كانت فلتة و تمت
ألا و إنها قد كانت كذلك إلا أن الله وقى شرها و ليس فيكم اليوم من تقطع إليه
الأعناق مثل أبي بكر و إنه كان من خيرنا حين توفى رسول الله صلى الله عليه و سلم و
إن عليا و الزبير و من معهما تخلفوا في بيت فاطمة و تخلفت الأنصار عنا بأجمعها في
سقيفه بني ساعدة و اجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت له : يا أيا بكر : انطلق بنا إلى إخواننا
من الأنصار فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان فذكرا لنا الذي صنع القوم فقالا
: أين تريدون يا معشر المهاجرون ؟ قلت : نريد إخواننا من الأنصار فقالا : عليكم
ألا تقربوهم و اقضوا أمركم يا معشر المهاجرين فقلت : و الله لنأتينهم فانطلقنا حتى
جئناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا هم مجتمعون و إذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت : من هذا ؟ قالوا
: سعد بن عبادة فقلت : ما له ؟ قالوا : وجع فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله
بما هو أهله و قال : أما بعد فنحن أنصار الله و كتيبة الإسلام و أنتم يا معشر
المهاجرين رهط منا و قد دفت دافة منكم تريدون أن تختزلونا من أصلنا و تحضنونا من
الأمر فلما سكت أردت أن أتكلم و قد كنت زورت مقالة أعجبتني أردت أن أقولها بين يدي
أبي بكر و قد كنت أداري منه بعض الحد و هو كان أحلم مني و أوقر فقال أبو بكر : على
رسلك فكرهت أن أغضبه و كان أعلم مني و الله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا
قال في بداهته مثلها و أفضل منها حتى سكت فقال : أما بعد فما ذكرتم فيكم من خير
فأنتم أهله و لم تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا و
دارا و قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم فأخذ بيدي و بيد أبي
عبيدة بن الجراح و هو جالس بيننا فلم أكره مما قال غيرها و كان و الله أن أقدم
فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر فقال
قائل من الأنصار : أنا جذيلها المحكك و عذيقها المرجب منا أمير و منكم أمير يا
معشر قريش و كثر اللغط و ارتفعت الأصوات حتى خشيت الاختلاف فقلت : ابسط يدك يا أبا
بكر فبسط يده فبايعته و بايعه المهاجرون ثم بايعه الأنصار أما و الله ما وجدنا
فيما حضرنا أمرا هو أوفق من مبايعة أبي بكر خشينا إن فارقنا القوم و لم تكن بيعة
أن يحدثوا بعدنا بيعة فإما أن نبايعهم على ما لا نرضي و إما أن نخالفهم فيكون فيه
فساد
و أخرج النسائي و أبو يعلي و الحاكم و صححه عن ابن مسعود
قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت الأنصار : منا أمير و منكم أمير
فأتاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس ؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم
أبا بكر ؟ فقالت الأنصار : نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر
و أخرج ابن سعد و الحاكم و البيهقي عن أبي سعد الخدري
قال : قبض رسول الله و اجتمع الناس في دار سعد بن عبادة و فيهم أبو بكر و عمر فقام
خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم يقول : يا معشر المهاجرين إن رسول الله صلى الله
عليه و سلم كان إذا استعمل رجلا منكم قرن معه رجلا منا فنرى أن يلي هذا الأمر
رجلان منا و منكم فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك فقام زيد بن ثابت فقال : أتعلمون أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم كان من المهاجرين و خليفته من المهاجرين و نحن كنا أنصار
رسول الله صلى الله عليه و سلم فنحن أنصار خليفته كما كنا أنصاره ثم أخذ بيد أبي
بكر فقال : هذا صاحبكم فبايعه عمر ثم بايعه المهاجرين و الأنصار و صعد أبو بكر
المنبر فنظر في وجوه القوم فلم ير الزبير فدعا بالزبير فجاء فقال : قلت ابن عمة
رسول الله صلى الله عليه و سلم و حواريه أردت أن تشق عصا المسلمين فقال : لا تثريب
يا خليفة رسول الله فقام فبايعه ثم نظر في وجه القوم فلم ير عليا فدعا به فجاء
فقال : قلت ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم و ختنه على ابنته أردت أن تشق
عصا المسلمين فقال : لا تثريب يا خليفة رسول الله فبايعه
و قال ابن إسحاق في السيرة : حدثني الزهري قال : حدثني
أنس بن مالك قال : لما بويع أبو بكر في السقيفة و كان الغد جلس أبو بكر على المنبر
فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : إن الله قد جمع أمركم
على خيركم صاحب رسول الله و ثاني اثنين إذا هما في الغار فقوموا فبايعوه فبايع
الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة
ثم تكلم أبو بكر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : أما بعد
أيها الناس فإني قد وليت عليكم و لست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني و إن أسأت فقوموني
الصدق أمانة و الكذب خيانة و الضعف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله و
القوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا
ضربهم الله بالذل و لا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء أطيعوني ما
أطعت الله و رسوله فإذا عصيت الله و رسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم
يرحمكم الله
و أخرج موسى بن عقبة في مغازيه و الحاكم و صححه عن عبد
الرحمن بن عوف قال : خطب أبو بكر فقال : و الله ما كنت حريصا على الإمارة يوما و لا
ليلة قط و لا كنت راغبا فيها و لا سألتها الله في سر و لا علانية و لكني أشفقت من
الفتنة و مالي في الإمارة من راحة لقد قلدت أمرا عظيما مالي به من طاقة و لا يد
إلا بتقوية الله فقال علي و الزبير : ما غضبنا إلا لأنا أخرنا عن المشورة و إنا
نرى أبا بكر أحق الناس بها إنه لصاحب الغار و إنا لنعرف شرفه و خيره و لقد أمره
رسول الله صلى الله عليه و سلم بالصلاة بالناس و هو حي
و أخرج ابن سعد عن إبراهيم التميمي قال : لما قبض رسول
الله صلى الله عليه و سلم أتى عمر أبا عبيدة بن الجراح فقال : أبسط يدك لأبايعك
إنك أمين هذه الأمة على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أبو عبيدة لعمر :
ما رأيت لك فهة قبلها منذ أسلمت ! أتبايعني و فيكم الصديق و ثاني اثنين ؟
الفهة : ضعف الرأي
و أخرج ابن سعد أيضا عن محمد أن أبا بكر قال لعمر : ابسط
يدك لأبايعك فقال له عمر : أنت أفضل مني فقال له أبو بكر : أنت أقوى مني ثم كرر
ذلك فقال عمر : فإن قوتي لك مع فضلك فبايعه
و أخرج أحمد عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال : توفي
رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر في طائفة من المدينة فجاء فكشف عن وجهه
فقبله و قال : فداء لك أبي و أمي ما أطيبك حيا و ميتا مات محمد و رب الكعبة ـ فذكر
الحديث ـ قال : و انطلق أبو بكر و عمر يتفاودان حتى أتوهم فتكلم أبو بكر فلم يترك
شيئأ أنزل في الأنصار و لا ذكره رسول الله صلى الله عليه و سلم في شأنهم إلا ذكره
و قال : لقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لو سلك الناس واديا و
سلكت الأنصار واديا لسلكت وادي الأنصار و لقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله
عليه و سلم قال و أنت قاعد : [ قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم و فاجرهم
تبع لفاجرهم ] فقال له سعد : صدقت نحن الوزراء و أنتم الأمراء
و أخرج ابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال : لما بويع أبو
بكر رأى من الناس بعض الانقباض فقال : أيها الناس ؟ ما يمنعكم ! ألست أحقكم بهذا
الأمر ؟ ألست أول من أسلم ؟ ألست ؟ فذكر خصالا
و أخرج أحمد عن رافع الطائي ؟ قال : حدثني أبو بكر عن بيعته و ما قالته
الأنصار و ما قاله عمر قال : فبايعوني و قبلتها منهم و تخوفت أن تكون فتنة يكون
بعدها ردة
و أخرج ابن إسحاق و ابن عايد في مغازيه عنه أنه قال لأبي
بكر : ما حملك على أن تلي أمر الناس و قد نهيتني أن أتأمر على اثنين ؟ قال : لم
أجد من ذلك بدا خشيت على أمة محمد صلى الله عليه و سلم الفرقة
و أخرج أحمد عن قيس بن أبي حازم قال : إني لجالس عند
أبي بكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم بشهر فذكر قصته فنودي في
الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس فصعد المنبر ثم قال أيها الناس لوددت أن هذا
كفانيه غيري و لئن أخذتموني بسنة نبيكم ما أطيقها إن كان لمعصوما من الشيطان و إن
كان لينزل عليه الوحي من السماء
و أخرج ابن سعد عن الحسن البصري قال : لما بويع أبو بكر
قام خطيبا فقال : أما بعد فإني وليت هذا الأمر و أنا له كاره و و الله لوددت أن
بعضكم كفانيه ألا و إنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله صلى الله
عليه و سلم لم أقم به كان رسول الله صلى الله عليه و سلم عبدا أكرمه الله بالوحي و
عصمه به ألا و إنما أنا بشر و لست بخير من أحدكم فراعوني فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني
و إذا رأيتموني زغت فقوموني و اعلموا أن لي شيطانا يعتريني فإذا رأيتموني غضبت
فاجتنبوني لا أؤثر في أشعاركم و أبشاركم
و ابن سعد و الخطيب في رواية مالك عن عروة قال : لما ولي
أبو بكر خطب الناس فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : أما بعد فإني قد وليت أمركم و
لست بخيركم و لكنه نزل القرآن و سن النبي صلى الله عليه و سلم السنن و علمنا
فعلمنا فاعلموا أيها الناس أن أكيس الكيس التقى و أعجز العجوز الفجور و أن أقواكم
عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه و أن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق أيها الناس
إنما أنا متبع و لست بمبتدع فإذا أحسنت فأعينوني و إن أنا زغت فقوموني أقول قولي
هذا و أستغفر الله لي و لكم
قال مالك : لا يكون أحد إماما أبدا إلا على هذا الشرط
و أخرج الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال
: قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم ارتجت مكة فسمع أبو قحافة ذلك فقال : ما هذا
؟ قالوا : قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال : أمر جلل فمن قام بالأمر بعده ؟ قالوا : ابنك قال :
فهل رضيت بذلك بنو عبد مناف و بنو المغيرة ؟ قالوا : نعم قال : لا واضع لما رفعت و
لا رافع لما وضعت
و أخرج الواقدي من طرق عن عائشة و ابن عمر و سعيد بن
المسيب و غيرهم رضي الله عنهم أن أبا بكر بويع يوم قبض رسول الله صلى الله عليه و
سلم يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة و
أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال : لم يجلس أبو بكر الصديق في مجلس رسول
الله صلى الله عليه و سلم على المنبر حتى لقي الله و لم يجلس عمر في مجلس أبي بكر
حتى لقي الله و لم يجلس عثمان في مجلس عمر حتى لقي الله
ما وقع من الأحداث زمن خلافته و الذي وقع في أيامه من
الأمور الكبار : تنفيذ جيش أسامة و قتال أهل الردة و ما نعي الزكاة و مسيلمة
الكذاب و جمع القرآن
أخرج الإسماعيلي عن عمر رضي الله عنه قال : لما قبض رسول
الله صلى الله عليه و سلم ارتد من ارتد من العرب و قالوا : نصلي و لا نزكي فأتيت
أبا بكر فقلت : يا خليفة رسول الله تألف الناس و ارفق بهم فإنهم بمنزلة الوحش فقال : رجوت نصرتك و
جئتني بخذلانك جبارا في الجاهلية خوارا في الإسلام بماذا عسيت أن أتألفهم ؟ بشعر
مفتعل أو بسحر مفترى ؟ هيهات هيهات مضى النبي صلى الله عليه و سلم و انقطع الوحي و
الله لأجاهدنهم ما استمسك السيف في يدي و إن منعوني عقالا قال عمر : فوجدته في ذلك
أمضى مني و أحزم و آدب الناس على أمور هانت على كثير من مؤونتهم حين وليتهم
و أخرج أبو القاسم البغوي و أبو بكر الشافعي في فوائده و
ابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم
اشرأب النفاق و ارتدت العرب و انحازت الأنصار فلو نزل بالجبال الراسيات ما نزل
بأبي لهاضها فما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بفنائها و فضلها قالوا : أين يدفن
النبي صلى الله عليه و سلم ؟ فما وجدنا عند أحد من ذلك علما فقال أبو بكر : سمعت
رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما من نبي يقبض إلا دفن تحت مضجعه الذي مات
فيه قالت : و اختلفوا في ميراثه فما وجدوا عند أحد من ذلك علما فقال أبو بكر :
سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه
صدقة
قال الأصمعي : الهيض : الكسر للعظم و الإشرئباب : رفع
الرأس
قال بعض العلماء : و هذا أول اختلاف وقع بين الصحابة رضي
الله عنهم فقال بعضهم : ندفنه بمكة بلده الذي ولد بها و قال آخرون : بل بمسجده و
قال آخرون : بل بالبقيع و قال آخرون : بل في بيت المقدس مدفن الأنبياء حتى أخبرهم أبو
بكر بما عنده من العلم
قال ابن زنجويه : و هذه سنة تفرد بها الصديق من بين
المهاجرين و الأنصار و رجعوا إليه فيها و أخرج البيهقي و ابن عساكر عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال : و الذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استخلف ما عبد الله ثم
قال الثانية ثم قال الثالثة فقيل له : مه يا أبا هريرة فقال : إن رسول الله صلى
الله عليه و سلم وجه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام فلما نزل بذي خشب قبض
النبي صلى الله عليه و سلم و ارتدت العرب حول المدينة و اجتمع إليه أصحاب رسول
الله صلى الله عليه و سلم فقالوا : رد هؤلاء توجه هؤلاء إلى الروم و قد ارتدت
العرب حول المدينة ؟ فقال : و الذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج النبي
صلى الله عليه و سلم ما رددت جيشا وجهه رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا حللت
لواء عقده فوجه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداء إلا قالوا : لو لا أن
لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم و لكن ندعهم حتى يلقوا الروم فلقوهم فهزموهم
و قتلوهم و رجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام
أخرج عن عروة قال : جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم
يقول في مرضه : أنفذوا جيش أسامة فسار حتى بلغ الجرف فأرسلت إليه امرأته فاطمة بنت
قيس تقول : لا تجعل فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم ثقل فلم يبرح حتى قبض رسول
الله صلى الله عليه و سلم فلما قبض رجع إلى أبي بكر فقال إن رسول الله صلى الله
عليه و سلم بعثني و أنا على غير حالكم هذه و أنا أتخوف أن تكفر العرب و إن كفرت
كانوا أول من يقاتل و إن لم تكفر مضيت فإن معي سروات الناس و خيارهم فخطب أبو بكر
الناس ثم قال : و الله لأن يخطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول
الله صلى الله عليه و سلم فبعثه
قال الذهبي : لما اشتهرت وفاة النبي صلى الله عليه و سلم
بالنواحي ارتدت طوائف كثيرة من العرب عن الإسلام و منعوا الزكاة فنهض أبو بكر
الصديق لقتالهم فأشار عليه عمر و غيره أن يفتر عن قتالهم فقال : و الله لو منعوني
عقالا أو عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لقاتلتهم على
منعها فقال عمر : كيف تقاتل الناس و قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ أمرت
أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله فمن قالها عصم
مني ماله و دمه إلا بحقها و حسابه على الله ؟ ] فقال أبو بكر : و الله لأقاتلن من
فرق بين الصلاة و الزكاة فإن الزكاة حق المال و قد قال [ إلا بحقها ] قال عمر : فو
الله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق أخرجه الشيخان
و غيرهما
و عن عروة قال : خرج أبو بكر في المهاجرين و الأنصار حتى
بلغ نقعا حذاء نجد و هربت الأعراب بذراريهم فكلم الناس أبا بكر و قالوا : ارجع إلى
المدينة و إلى الذرية و النساء و أمر رجلا على الجيش و لم يزالوا به حتى رجع و أمر
خالد بن الوليد و قال له : إذا أسلموا و أعطوا الصدقة فمن شاء منكم أن يرجع فليرجع و رجع
أبو بكر إلى المدينة
و أخرج الدارقطني عن ابن عمر قال : لما برز أبو بكر و
استوى على راحلته أخذ علي بن أبي طالب بزمامها و قال : إلى أين يا خليفة رسول الله
؟ أقول لك ما قال لك رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد : شم سيفك و لا تفجعنا
بنفسك و ارجع إلى المدينة فو الله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدا
وعن حنظلة بن علي الليثي أن أبا بكر بعث خالدا و أمره أن
يقاتل الناس على خمس من ترك واحدة منهن قاتله كما يقاتل من ترك الخمس جميعا : على
شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و
صوم رمضان و حج البيت و سار خالد و من معه في جمادى الآخرة فقاتل بني أسد و غطفان
و قتل من قتل و أسر من أسر و رجع الباقون إلى الإسلام و استشهد بهذه الواقعة من
الصحابة عكاشة بن محصن و ثابت بن أقرم
و في رمضان من هذه السنة ماتت فاطمة بنت رسول الله صلى
الله عليه و سلم سيدة نساء العالمين و عمرها أربع و عشرون سنة
قال الذهبي : و ليس لرسول الله صلى الله عليه و سلم نسب
إلا منها فإن عقب ابنته زينب انقرضوا قاله الزبير بن بكار و ماتت قبلها بشهر أم
أيمن
وفي شوال مات عبد الله بن أبي بكر الصديق
ثم سار بجموعه إلى اليمامة لقتال مسيلمة الكذاب في أواخر
العام و التقى الجمعان و دام الحصار أياما ثم قتل الكذاب لعنه الله قتله وحشي قاتل
حمزة
و استشهد فيها خلق من الصحابة : أبو حذيفة بن عتبة و
سالم مولى أبي حذيفة و شجاع بن وهب و زيد بن الخطاب و عبد الله بن سهل و مالك بن
عمرو و الطفيل بن عمرو الدوسي و يزيد بن قيس و عامر بن البكير و عبد الله بن مخرمة
و السائب بن عثمان بن مظعون و عباد بن بشر و معن بن عدي و ثابت بن قيس بن شماس و
أبو دجانة سماك بن حرب و جماعة آخرون تتمة سبعين و كان لمسيلمة يوم قتل مائة و خمسون
سنة و مولده قبل مولد عبد الله والد النبي صلى الله عليه و سلم
و في سنة اثني عشرة بعث الصديق العلاء بن الحضرمي إلى
البحرين و كانوا قد ارتدوا فالتقوا بجواثي فنصر المسلمين و بعث عكرمة بن أبي جهل
إلى عمان و كانوا قد ارتدوا و بعث المهاجر بن أبي أمية أهل النجير و كانوا قد
ارتدوا و بعث زياد بن لبيد الأنصاري إلى طائفة من المرتدة و فيها مات أبو العاص بن
الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم و الصعب بن جثامة الليثي و أبو
مرثد الغنوي و فيها بعد فراغ قتال أهل الردة بعث الصديق رضي الله عنه خالد بن الوليد
إلى أرض البصرة فغزا الأبلة فافتتحها و افتتح مدائن كسرى التي بالعراق صلحا و حربا
و فيها أقام الحج أبو بكر الصديق ثم رجع فبعث عمرو بن العاص و الجنود إلى الشام
فكانت وقعة أجنادين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة و نصر المسلمون و بشر بها أبو
بكر و هو بآخر رمق و استشهد بها عكرمة بن أبي جهل و هشام بن العاصي في طائفة
و فيها كانت وقعة مرج الصفر و هزم المشركون و استشهد بها
الفضل بن العباس في طائفة
جمع القرآن أخرج البخاري عن زيد بن ثابت قال : أرسل إلي
أبو بكر مقتل أهل اليمامة و عنده عمر فقال أبو بكر : إن عمر أتاني فقال : إن القتل
قد استحر يوم اليمامة بالناس و إني لأخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب
كثير من القرآن إلا أن يجمعوه وإني لأرى أن يجمع القرآن قال أبو بكر : فقلت لعمر :
كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال عمر : هو و الله خير
فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري فرأيت الذي أرى عمر قال زيد : ـ و
عمر عنده جالس لا يتكلم ـ فقال أبو بكر : إنك شاب عاقل و لا نتهمك و قد كنت تكتب
الوحي لرسول الله صلى الله عليه و سلم فتتبع القرآن فاجمعه فو الله لو كلفني نقل
جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن فقلت : كيف تفعلان شيئا
لم يفعله النبي صلى الله عليه و سلم فقال أبو بكر : هو و الله خير فلم أزل أراجعه
حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر و عمر فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع و
الأكتاف و العسب و صدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة بن ثابت لم
أجدهما مع غيره [ لقد جاءكم رسول من أنفسكم ] إلى آخرها فكانت الصحف التي جمع فيها
القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر
رضي الله عنها
و أخرج أبو يعلي عن علي قال : أعظم الناس أجرا في
المصاحف أبو بكر إن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين
أولياته منها أنه أول من أسلم و أول من جمع القرآن و أول
من سماه مصحفا و تقدم دليل ذلك و أول من سمي خليفة
أخرج أحمد عن أبي بكر بن أبي قال : قيل لأبي بكر : يا
خليفة الله قال أنا خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنا راضي به
و منها أنه أول من ولي الخلافة و أبوه حي و أول خليفة
فرض له رعيته العطاء
أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما استخلف
أبو بكر قال : لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤونة أهلي و شغلت بأمر
المسلمين فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال و يحترف للمسلمين
و أخرج ابن سعد من عطاء بن السائب قال : لما رجع أبو بكر
أصبح و على ساعده أبراد و هو ذاهب إلى السوق فقال عمر : أين أطعم عيالي ؟ فقال :
انطلق يفرض لك أبو عبيدة فانطلقا إلى أبي عبيدة فقال : أفرض لك قوت رجل من
المهاجرين ليس بأفضلهم و لا أوكسهم و كسوة الشتاء و الصيف إذا أخلقت شيئا رددته و
أخذت غيره ففرضنا له كل يوم نصف شاة و ما كساه في الرأس و البطن
و أخرج ابن سعد عن ميمون قال : لما استخلف أبو يكر جعلوا له ألفين
فقال : زيدوني فإن لي عيالا و قد شغلتموني عن التجارة فزادوه خمسمائة
و أخرج الطبراني في مسنده عن الحسن بن علي بن أبي طالب
قال : لما احتضر أبو بكر قال : يا عائشة انظري اللقحة التي كنا نشرب من لبنها و
الجفنة التي كنا نصطبغ فيها و القطيفة التي كنا نلبسها فإنا كن ننتفع بذلك حين كنا
نلي أمر المسلمين فإذا مت فاردديه إلى عمر فلما مات أبو بكر أرسلت به إلى عمر فقال
عمر : رحمك الله يا أبا بكر ! لقد أتعبت من جاء بعدك و أخرج ابن أبي الدنيا عن أبي
بكر بن حفص قال : قال أبو بكر ـ لما اختضر ـ لعائشة رضي الله عنها : يا بنية إنا
ولينا أمر المسلمين فلم نأخذ دينارا و لا درهما و لكنا أكلنا من جريش طعامهم في
بطوننا و لبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا و إنه لم يبق عندنا من فيء المسلمين قليل
و لا كثير إلا هذا العبد الحبشي و هذا البعير الناضح و جرد هذه القطيفة فإذا مت
فابعثي بهن إلى عمر
و منها أنه أول من اتخذ بيت المال
أخرج ابن سعد عن سهل بن أبي خيثمة و غيره أن أبا بكر كان
له بيت مال بالسنح ليس يحرسه أحد فقيل له : ألا تجعل عليه من يحرسه ؟ قال : عليه
قفل فكان يعطي ما فيه حتى يفرغ فلما انتقل إلى المدينة حوله فجعله في داره فقدم
عليه مال فكان يقسمه على فقراء الناس فيسوي بين الناس في القسم و كان يشتري الإبل
و الخيل و السلاح فيجعله في سبيل الله و اشترى قطائف أتي بها من البادية ففرقها في
أرامل المدينة فلما توفي أبو بكر و دفن دعا عمر الأمناء و دخل بهم في بيت مال أبي
بكر منهم عبد الرحمن بن عوف و عثمان بن عفان ففتحوا بيت المال فلم يجدوا فيه شيئا
و لا دينارا و لا درهما
قلت :
و بهذا الأثر يرد قول العسكري في الأوائل : إن أول من
اتخذ بيت المال عمر و إنه لم يكن للنبي صلى الله عليه و سلم بيت مال و لا لأبي بكر
رضي الله عنه و قد رددته عليه في كتابي الذي صنفته في الأوائل تنبه له في موضع آخر
من كتابه فقال : إن أول من ولي بيت المال أبو عبيدة بن الجراح لأبي بكر
و منها قال الحاكم : أول لقب في الإسلام لقب أبي بكر رضي
الله عنه [ عتيق ]
أخرج الشيخان [ عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا و هكذا ] فلما جاء مال
البحرين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أبو بكر : من كان له عند رسول
الله صلى الله عليه و سلم دين أو عدة فليأتنا فجئت و أخبرته فقال : خذ فأخذت
فوجدتها خمسمائة فأعطاني ألفا و خمسمائة
حلمه و تواضعه أخرج ابن عساكر عن أنيسة قالت : نزل فينا
أبو بكر ثلاث سنين قبل أن يستخلف و سنة بعدما استخلف فكان جواري الحي يأتينه
بغنمهن فيحلبهن لهن
و أخرج أحمد في الزهد عن ميمون بن مهران قال : جاء رجل
إلى أبي بكر فقال : السلام عليك يا خليفة رسول الله قال : من بين هؤلاء أجمعين
و أخرج ابن عساكر عن أبي صالح الغفاري : أن عمر بن
الخطاب [ كان يتعهد عجوزا كبيرة عمياء في بعض حواشي المدينة من الليل فيسقي لها و
يقوم بأمرها فكان إذا جاءها وجد غيره قد سبقه إليها فأصلح ما أرادت فجاءها غير مرة
كيلا يسبق إليها فرصده عمر فإذا هو بأبي بكر الذي يأتيها ـ و هو يومئذ خليفة ـ
فقال عمر : أنت هو لعمري ]
و أخرج أبو نعيم و غيره عن عبد الرحمن الأصبهاني قال :
جاء الحسن بن علي إلى أبي بكر و هو على منبر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال :
انزل عن مجلس أبي فقال : صدقت إنه مجلس أبيك و أجلسه في حجره و بكى فقال علي : و
الله ما هذا عن أمري فقال : صدقت و الله ما أتهمك
أخرج ابن سعد عن ابن عمر قال : استعمل النبي صلى الله
عليه و سلم أبا بكر على الحج في أول حجة كانت في الإسلام ثم حج رسول الله صلى الله
عليه و سلم في السنة المقبلة فلما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم و استخلف أبو
بكر استعمل عمر بن الخطاب على الحج ثم حج أبو بكر من قابل فلما قبض أبو بكر و
استخلف عمر استعمل عبد الرحمن بن عوف على الحج ثم لن يزل عمر يحج سنيه كلها حتى
قبض فاستخلف عثمان و استعمل عبد الرحمن بن عوف على الحج
مرضه و وفاته و وصيته و استخلافه عمر بن الخطاب رضي الله
تعالى عنهما أخرج سيف و الحاكم عن ابن عمر قال : كان سبب موت أبي بكر وفاة رسول
الله صلى الله عليه و سلم كمد فما زال جسمه يجري حتى مات يجري : أي ينقص و أخرج
ابن سعد و الحاكم بسند صحيح عن ابن شهاب أن أبا بكر و الحارث بن كلدة كانا يأكلان
خزيرة أهديت لأبي بكر فقال الحارث لأبي بكر : ارفع يدك يا خليفة رسول الله و الله
إن فيها لسم سنة و أنا و أنت نموت في يوم واحد فرفع يده فلم يزالا عليلين حتى ماتا
في يوم واحد عند انقضاء السنة
و أخرج الحاكم عن الشعبي قال : ماذا نتوقع من هذه الدنيا
الدنية و قد سم رسول الله صلى الله عليه و سلم و سم أبو بكر ؟
و أخرج الواقدي و الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت :
كان أول بدء مرض أبي بكر أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة و كان
يوما باردا فحم خمسة عشر يوما لا يخرج إلى صلاة و توفي ليلة الثلاثاء لثمان بقين
من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة و له ثلاث و ستون سنة
و أخرج ابن سعد و ابن أبي الدنيا عن أبي السفر قال :
دخلوا على أبي بكر في مرضه فقالوا : يا خليفة رسول الله : ألا ندعوا لك طبيبا ينظر
إليك ؟ قال : قد نظر إلي فقالوا :
ما قال لك ؟ قال : قال : إني فعال لما أريد
و أخرج الواقدي من طرق أن أبا بكر لما ثقل دعا عبد
الرحمن بن عوف فقال : أخبرني عن عمر بن الخطاب ؟ فقال : ما تسألني عن أمر إلا و
أنت أعلم به مني فقال أبو بكر : و إن فقال عبد الرحمن : هو و الله أفضل من رأيك
فيه ثم دعا عثمان بن عفان فقال
: أخبرني عن عمر ؟ فقال : أنت أخبرنا به فقال : على ذلك
فقال : اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته و أنه ليس فينا مثله و شاور معهما
سعيد بن زيد و أسيد بن الحضير و غيرهما من المهاجرين و الأنصار فقال أسيد : اللهم
أعلمه الخير بعدك يرضى للرضا و يسخط للسخط الذي يسر خير من الذي يعلن و لن يلي هذا
الأمر أحد أقوى عليه منه
و دخل عليه بعض الصحابة فقال له قائل منهم : ما أنت قائل
لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا و قد ترى غلظته ؟ فقال أبو بكر : بالله
تخوفني ؟ أقول : اللهم إني استخلفت عليهم خير أهلك أبلغ عني ما قلت من وراءك ثم
دعا عثمان فقال : اكتب [ بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة
في آخر عهده بالدنيا خارجا منها و عند أول عهده بالآخرة داخلا فيها حيث يؤمن
الكافر و يوقن الفاجر و يصدق الكاذب إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا
له و أطيعوا و إني لم آل الله و رسوله و دينه و نفسي و إياكم خيرا فإن عدل فذلك
ظني به و علمي فيه و إن بدل فلكل امرئ ما اكتسب و الخير أردت و لا أعلم الغيب و
سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ] ثم أمر
بالكتاب فختمه ثم أمر عثمان فخرج بالكتاب مختوما فبايع الناس و رضوا به ثم دعا أبو
بكر عمر خاليا فأوصاه بما أوصاه ثم خرج من عنده فرفع أبو بكر يديه و قال : اللهم
إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم و خفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم به و
اجتهدت لهم رأيا فوليت عليهم خيرهم و أقواهم عليهم و أحرصهم على ما أرشدهم و قد
حضرني من أمرك ما حضر فاخلفني فيهم فهم عبادك و نواصيهم بيدك أصلح اللهم ولاتهم و
اجعله من خلفائك الراشدين و أصلح له رعيته
وأخرج ابن سعد و الحاكم عن ابن مسعود قال : أفرس الناس
ثلاثة : أبو بكر حين استخلف عمر و صاحبة موسى حين قالت : استأجره و العزيز حين
تفرس في يوسف فقال لامرأته : أكرمي مثواه
و أخرج ابن عساكر عن يسار بن حمزة قال : لما ثقل أبو بكر
أشرف على الناس من كوة فقال : أيها الناس إني قد عهدت عهدا أفترضون به ؟ فقال
الناس : رضينا يا خليفة رسول الله فقام على فقال : لا نرضى إلا أن يكون عمر قال :
فإنه عمر
أخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت : إن أبا بكر لما
حضرته الوفاة قال : أي يوم هذا ؟ قالوا : يوم الاثنين قال : فإن مت من ليلتي فلا
تنتظروا بي لغد فإن أحب الأيام و الليالي إلي أقربها من رسول الله صلى الله عليه و
سلم
و أخرج مالك عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر نحلها
جداد عشرين وسقا من ماله بالغاية فلما حضرته الوفاة قال : يا بنية و الله ما من
الناس أحب إلي غنى منك و لا أعز علي فقرا بعدي منك و إني كنت نحلتك جداد عشرين
وسقا فلو كنت جددته و احترزته كان لك و إنما هو اليوم مال وارث و إنما هو أخواك و
أختاك فأقسموه على كتاب الله فقالت : يا أبت و الله لو كان كذا و كذا لتركته إنما
هي أسماء فمن الأخرى ؟ قال : ذو بطن ابنة خارجة أراها جارية و أخرجه ابن سعد و قال
في آخره : ذات بطن ابنة خارجة قد ألقي في روعي أنها جارية فاستوصي بها خيرا فولدت
أم كلثوم
و أخرج ابن سعد عن عروة أن أبا بكر أوصى بخمس ماله و قال
: آخذ من مالي ما أخذ الله من فيء المسلمين
و أخرج من وجه آخر عنه قال : لأن أوصي بالخمس أحب إلي من
أن أوصي بالربع و أن أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصي بالثلث و من أوصى بالثلث لم
يترك شيئا
وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن الضحاك أن أبا بكر و
عليا أوصيا بالخمس من أموالهما لمن لا يرث من ذوي قرابتهما
و أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن عائشة رضي
الله عنها قالت : و الله ما ترك أبو بكر دينارا و لا درهما ضرب الله سكته
و أخرج ابن سعد و غيره عن عائشة رضي الله عنها قالت :
لما ثقل أبو بكر تمثلت بهذا البيت
( لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما و
ضاق بها الصدر )
فكشف عن وجهه و قال : ليس كذلك و لك قولي : { وجاءت سكرة
الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد } انظروا ثوبي هذين فاغسلوهما و كفنوني فيهما فإن
الحي أحوج إلى الجديد من الميت
و أخرج أبو يعلى عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخلت على
أبي بكر و هو في الموت فقلت :
( من لا يزال دمعه مقنعا ... فإنه في مرة مدفوق )
فقال : لا تقولي هذا و لكن قولي : { وجاءت سكرة الموت
بالحق ذلك ما كنت منه تحيد } ثم قال : في أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه و
سلم ؟ قلت : يوم الاثنين قال : أرجو فيما بيني و بين الليل فتوفي ليلة الثلاثاء و دفن
قبل أن يصبح
و أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن بكر بن عبد
الله المزني قال : لما احتضر أبو بكر قعدت عائشة رضي الله عنها عند رأسه فقالت :
( و كل ذي إبل يوما سيوردها ... و كل ذي سلب لا بد مسلوب )
ففهمها أبو بكر فقال : ليس كذلك يا ابنتاه و لكنه كما
قال الله : { وجاءت سكرة الموت } الآية
و أخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها أنها تمثلت بهذا
البيت و أبو بكر يقضي :
( و أبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة
للأرامل )
فقال أبو بكر : ذاك رسول الله صلى الله عليه و سلم
و أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن عبادة بن قيس
قال : لما حضرت أبا بكر الوفاة قال لعائشة : اغسلي ثوبي هذين و كفنيني بهما فإنما
أبوك أحد رجلين : إما مكسو أحسن الكسوة أو مسلوب أسوأ السلب
و أخرج ابن أبي الدنيا عن ابن أبي مليكة أن أبا بكر أوصى
أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس و يعينها عبد الرحمن بن أبي بكر
و أخرج ابن سعد عن سعيد بن المسيب أن عمر رضي الله عنه
صلى على أبي بكر بين القبر و المنبر و كبر عليه أربعا
و أخرج عن عروة و القاسم بن محمد أن أبا بكر أوصى عائشة
أن يدفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما توفي حفر له و جعل رأسه عند
كتف رسول الله صلى الله عليه و سلم و ألصق اللحد بقبر رسول الله صلى الله عليه و
سلم
و أخرج عن عروة و القاسم بن محمد أن أبا بكر أوصى عائشة
أن يدفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما توفي حفر له و جعل رأسه عند
كتف رسول الله صلى الله عليه و سلم و ألصق اللحد بقبر رسول الله صلى الله عليه و
سلم
و أخرج عن ابن عمر قال : نزل في حفرة أبي بكر : عمر و
طلحة و عثمان و عبد الرحمن بن أبي بكر
و أخرج من طرق عدة : أنه دفن ليلا
و أخرج عن ابن المسيب أن أبا بكر لما مات ارتجت مكة فقال
أبو قحافة : ما هذا ؟ قالوا : مات ابنك قال : رزء جليل من قام بالأمر بعده ؟ قالوا
: عمر قال صاحبه
و أخرج عن مجاهد أن أبا قحافة رد ميراثه من أبي بكر على
ولد أبي بكر و لم يعش أبو قحافة بعد أبي بكر إلا ستة أشهر و أياما و مات في المحرم
سنة أربع عشرة و هو ابن سبع وتسعين سنة
قال العلماء : لم يل الخلافة أحد في حياة أبيه إلا أبو
بكر و لم يرث خليفة أبوه إلا أبا بكر
و أخرج الحاكم عن ابن عمر قال : ولي أبو بكر سنتين و
سبعة أشهر
و في تاريخ ابن عساكر بسنده عن الأصمعي قال : قال خفاف
بن ندبة السلمي يبكي أبا بكر :
( ليس لحي فاعلمنه بقا ... و كل دنيا أمرها للفنا )
( و الملك في الأقوام مستودع ... عارية فالشرط فيه الأدا )
( و المرء يسعى و له راصد ... تندبه العين و نار الصدا )
( يهرم أو يقتل أو يقهره ... يشكوه سقم ليس فيه شفا )
( إن أبا بكر هو الغيث إن ... لم تزرع الجوزاء بقلا بما )
( تالله لا يدرك أيامه ... ذو مئزر ناش و لا ذو ردا )
( من يسع كي يدرك أيامه ... مجتهدا شذ بأرض فضا )
ما روي عن أبي بكر من الأحاديث المسندة قال النووي في
تهذيبه : روى الصديق عن رسول الله صلى الله عليه و سلم مائة حديث و اثنين و أربعين
حديثا و سبب قلة روايته ـ مع تقدم صحبه و ملازمته النبي صلى الله عليه و سلم ـ أنه
تقدمت وفاته قبل انتشار الأحاديث و اعتناء التابعين بسماعها و تحصيلها و حفظها
قلت : و قد ذكر عمر رضي الله عنه في حديث البيعة السابق
أن أبا بكر لم يترك شيئا أنزل في الأنصار أو قد ذكره رسول الله صلى الله عليه و
سلم في شأنهم إلا ذكره و هذا أدل دليل على كثرة محفوظه من السنة و سعة علمه
بالقرآن و روى عنه عمر و علي و ابن عوف و ابن مسعود و حذيفة و ابن عمر و ابن
الزبير و ابن عمر و ابن عباس و أنس و زيد بن ثابت و البراء بن عازب و أبو هريرة و
عقبة بن الحارث و عبد الرحمن ابنه و زيد بن أرقم و عبد الله بن مغفل و عقبة بن
عامر الجهني و عمران بن حصين و أبو برزة الأسلمي و أبو سعيد الخدري و أبو موسى
الأشعري و أبو الطفيل الليثي و جابر بن عبد الله و بلال و عائشة ابنته و أسماء
ابنته و من التابعين أسلم مولى عمر و واسط البجلي و خلائق
و قد رأيت أن أسرد أحاديثه هنا على وجه وجيز مبينا عقب
كل حديث من خرجه و سأفردها بطرقها في مسند إن شاء الله تعالى
الأول : حديث الهجرة الشيخان و غيرهما
الثاني : حديث البحر [ هو الطهور ماؤه الحل ميتته ]
الدار قطني
الثالث : حديث [ السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ] أحمد
الرابع : حديث [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أكل
كتفا ثم صلى و لم يتوضأ ] البزار و أبو يعلى
الخامس : حديث [ لايتوضأن أحدكم من طعام أكله حل له أكله
] البزار
السادس : حديث [ نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن
ضرب المصلين ] أبو يعلى البزار
السابع : حديث [ أن آخر صلاة صلاها النبي صلى الله عليه
و سلم خلفي في ثوب واحد ] أبو يعلى
الثامن : حديث : [ من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل
فليقرأه على قراءة ابن أم عبد ] أحمد
التاسع : حديث [ أنه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
: علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال : اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا و لا يغفر
الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك و ارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ] البخاري
و مسلم
العاشر : حديث [ من صلى الصبح فهو في ذمة الله فلا
تخفروا الله في عهده فمن قتله طلبه الله حتى يكبه في النار على و جهه ] ابن ماجة
الحادي عشر : حديث [ ما قبض نبي قط حتى يؤمه رجل من أمته
] البزار
الثاني عشر : حديث [ ما من رجل يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن
الوضوء ثم يصلي ركعتين فيستغفر الله إلا غفر له ] أحمد و أصحاب السنن الأربعة و
ابن حبان
الثالث عشر : حديث [ ما قبض الله نبيا إلا في الموضع
الذي يحب أن يدفن فيه ] الترمذي
الرابع عشر : حديث [ لعن الله اليهود و النصارى اتخذوا
قبور أنبيائهم مساجدا ] أبو يعلى
الخامس عشر : حديث [ إن الميت ينضج عليه الحميم ببكاء
الحي ] أبو يعلى
السادس عشر : [ اتقوا النار و لو بشق تمرة فإنها تقيم
العوج و تدفع ميتة السوء و تقع من الجائع موقعها من الشبعان ] أبو يعلى
السابع عشر : حديث [ فرائض الصدقات بطوله ] البخاري و
غيره
الثامن عشر : حديث عن أبي ملكية قال : [ كان ربما سقط
الخطام من يد أبي بكر الصديق فيضرب بذراع ناقته فينيخها فقالوا له : أفلا أمرتنا
نناولكه ؟ فقال : إن حبي رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرني أن لا أسأل الناس
شيئا ؟ ] أحمد
التاسع عشر : حديث [ أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم
أسماء بنت عميس حين نفست بمحمد بن أبي بكر أن تغتسل و تهل ] البزار و الطبراني
العشرون : [ سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم أي الحج
أفضل ؟ فقال : العج و الثج ] الترمذي و ابن ماجة
الحادي و العشرون : حديث [ أنه قبل الحجر و قال : لولا
أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما قبلتك ] الدارقطني
الثاني و العشرون : حديث [ أن رسول الله صلى الله عليه و
سلم بعث ببراءة إلى أهل مكة لا يحج بعد العام مشرك و لا يطوف بالبيت عريان ]
الحديث أحمد
الثالث و العشرون : حديث [ ما بين بيتي و منبري روضة من
رياض الجنة و منبري على ترعة من ترع الجنة ] أبو يعلى
الرابع والعشرون : حديث [ انطلاقه صلى الله عليه و سلم
إلى دار أبي الهيثم ابن التيهان بطوله ] أبو يعلى
الخامس و العشرون : حديث [ الذهب بالذهب مثلا بمثل و
الفضة بالفضة مثلا بمثل والزائد و المستزيد في النار ] أبو يعلى و البزار
السادس و العشرون : حديث [ ملعون من ضار مؤمنا أو مكربه
] الترمذي
السابع و العشرون : حديث [ لا يدخل الجنة بخيل و لا خب و
لا خائن و لا شيء الملكة و أول من يدخل الجنة المملوك إذا أطاع الله و أطاع سيده ]
الثامن و العشرون : حديث [ الولاء لمن أعتق ] الضياء
المقدسي في المختارة
التاسع و العشرون : حديث [ لا نورث ما تركناه صدقة ]
البخاري
الثلاثون : حديث [ إن الله إذا أطعم نبيا طعمة ثم قبضه
جعلها للذي يقوم من بعده ] أبو داود
الحادي و الثلاثون : حديث [ كفر بالله من تبرأ من نسب و
إن دق ] البزار
الثاني والثلاثون : حديث [ أنت و مالك لأبيك ] قال أبو
بكر و إنما يعني بذلك النفقة البيهقي
الثالث والثلاثون : حديث [ من أغبرت قدماه في سبيل الله
حرمها الله على النار ] البزار
الرابع والثلاثون : حديث [ أمرت أن أقاتل الناس ] الحديث
الشيخان و غيرهما
الخامس و الثلاثون : حديث [ نعم عبد الله و أخو العشيرة
خالد بن الوليد و سيف من سيوف الله سله الله على الكفار و المنافقين ] أحمد
السادس والثلاثون : حديث [ ما طلعت الشمس على رجل خير من
عمر ] الترمذي
السابع و الثلاثون : حديث [ من ولي من أمر المسلمين شيئا
فأمر عليهم أحدا محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفا و لا عدلا حتى
يدخله جهنم و من أعطى أحدا حمى الله فقد انتهك من حمى الله شيئا بغير حقه فعليه
لعنة الله ] أحمد
الثامن و الثلاثون : حديث [ قصة ماعز و رجمه ] أحمد
التاسع و الثلاثون : حديث [ ما أصر من استغفر و إن عاد
في اليوم سبعين مرة ] الترمذي
الأربعون : حديث [ أنه صلى الله عليه و سلم شاور في أمر
الحرب ] الطبراني
الحادي و الأربعون : حديث [ لما نزلت من يعمل سوءا يجز
به ] الحديث الترمذي و ابن حبان و غيرهما
الثاني وال أربعون : حديث [ إنكم تقرؤن هذه الآية { يا
أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم } ] الحديث أحمد و الأربعة و ابن حبان
الثالث و الأربعون : حديث [ ما ظنك باثنين الله ثالثهما
] الشيخان
الرابع و الأربعون : حديث [ اللهم طعنا و طاعونا ] أبو
يعلى
الخامس و الأربعون : حديث [ شيبتني هود ] الحديث
الدارقطني في العلل
السادس و الأربعون : حديث [ الشرك أخفى في أمتي من دبيب
النمل ] الحديث أبو يعلى و غيره
السابع و الأربعون : حديث [ قلت : يا رسول الله علمني
شيئا أقوله إذا أصبحت و إذا أمسيت ] الحديث الهيثم بن كليب في مسنده و هو عند
الترمذي و غيره من مسند أبي هريرة
الثامن و الأربعون : حديث [ عليكم بلا إله إلا الله و
الاستغفار فإن إبليس قال : أهلكت الناس بالذنوب و أهلكوني بلا إله إلا الله و
الاستغفار فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء فهم يحسبون أنهم مهتدون ] أبو يعلى
التاسع و الأربعون : حديث [ لما نزلت : { لا ترفعوا
أصواتكم فوق صوت النبي } قلت : يا رسول الله و الله لا أكلمك إلا كأخي الهرم
السرار ] البزار
الخمسون : حديث [ كل ميسر لما خلق له ] أحمد
الحادي و الخمسون : حديث [ من كذب علي متعمدا أورد علي
شيئا أمرت به فليتبوأ بيتا في جهنم ] أبو يعلى
الثاني و الخمسون : حديث [ ما نجاة هذا الأمر ـ الحديث ـ
في لا إله إلا الله ] أحمد و غيره
الثالث و الخمسون : [ أخرج فناد في الناس من شهد أن لا
إله إلا الله و جبت له الجنة فخرجت فلقيني عمر ] الحديث أبو يعلى و هو محفوظ من
حديث أبي هريرة غريب جدا من حديث أبي بكر
الرابع و الخمسون : حديث [ صنفان من أمتي لا يدخلان
الجنة المرجئة و القدرية ] الدارقطني في العلل
الخامس و الخمسون : حديث [ سلوا الله العافية ] أحمد و
النسائي و ابن ماجة و له من طرق كثيرة عنه
السادس و الخمسون : حديث [ كان رسول الله صلى الله عليه
و سلم إذا أراد أمرا قال : اللهم خر لي و اختر لي ] الترمذي
السابع و الخمسون : حديث [ دعاء الدين اللهم فارج الهم ]
الحديث البزار و الحاكم
الثامن و الخمسون : حديث [ كل جسد نبت من سحت فالنار
أولى به ] و في لفظ [ لا يدخل الجنة جسد غذي بحرام ] أبو يعلى
التاسع و الخمسون : حديث [ ليس شيء من الجسد إلا و هو
يشكو ذرب اللسان ] أبو يعلى
الستون : حديث [ ينزل الله ليلة النصف من شعبان فيغفر
فيها لكل بشر ما خلا كافرا أو رجلا في قلبه شحناء ] الدارقطني
الحادي و الستون : حديث [ إن الدجال يخرج بالمشرق من أرض
يقال لها خراسان يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة ] الترمذي و ابن ماجة
الثاني و الستون : حديث [ أعطيت سبعين ألفا يدخلون الجنة
بغير حساب ] الحديث أحمد
الثالث و الستون : حديث الشفاعة بطوله في تردد الخلائق
إلى نبي بعد نبي أحمد
الرابع و الستون : حديث [ لو سلك الناس واديا و سلكت
الأنصار واديا لسلكت وادي الأنصار ] أحمد
الخامس و الستون : حديث [ قريش ولاة هذا الأمر برهم تبع
لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم ] أحمد
السادس و الستون : حديث أنه صلى الله عليه و سلم أوصى
بالأنصار عند موته و قال : [ اقبلوا من محسنهم و تجاوزوا عن مسيئهم ] البزار و
الطبراني
السابع و الستون : حديث [ إني لأعلم أرضا يقال لها عمان
ينضح بناحيتها البحر بها حي من العرب لو أتاهم رسولي ما رموه بسهم و لا حجر ] أحمد
و أبو يعلى
الثامن و الستون : حديث أن أبا بكر مر بالحسن و هو يلعب
مع الغلمان فاحتمله على رقبته و قال : بأبي شيبة بالنبي ليس شبيها بعلي البخاري و
قال ابن كثير : و هو في حكم المرفوع لأنه في قوة قوله إن رسول الله صلى الله عليه
و سلم كان يشبه الحسن
التاسع و الستون : حديث [ أن النبي صلى الله عليه و سلم
كان يزور أم أيمن ] مسلم
السبعون : حديث قتل السارق في الخامسة أبو يعلي و
الديلمي
الحادي و السبعون : حديث قصة أحد الطيالسي و الطبراني
الثاني و السبعون : حديث [ بينا أنا مع رسول الله صلى
الله عليه و سلم إذ رأيته يدفع عن نفسه شيا و لا أرى شيئا قلت : يا رسول الله ما
الذي تدفع ؟ قال : الدنيا تطولت لي فقلت : إليك عني فقالت لي : أما إنك لست بمدركي ] البزار هذا ما
أورده ابن كثير في مسند الصديق من الأحاديث المرفوعة و قد فاته أحاديث أخرى نتبعها
لتكملة العدة التي ذكرها النووي
الثالث و السبعون : حديث [ اقتلوا الفرد كائنا ما كان من
الناس ] الطبراني في الأوسط
الرابع و السبعون : حديث [ انظروا دور من تعمرون و أرض
من تسكنون و في طريق من تمشون ] الديلمي
الخامس و السبعون : حديث [ أكثروا من الصلاة علي فإن
الله وكل بقبري ملكا فإذا صلى رجل من أمتي قال لي ذلك الملك : إن فلان ابن فلان
صلى عليك الساعة ] الديلمي
السادس و السبعون : حديث [ الجمعة إلى الجمعة كفارة لما
بينهما و الغسل يوم الجمعة كفارة ] الحديث العقيلي في الضعفاء
السابع و السبعون : حديث [ إنما حر جهنم على أمتي مثل
الحمام ] الطبراني
الثامن و السبعون : حديث [ إياكم و الكذب فإن الكذب
مجانب للإيمان ] ابن لال في مكارم الأخلاق
التاسع و السبعون : حديث [ بشر من شهد بدرا بالجنة ]
الدار قطني في الأفراد
الثمانون : حديث [ الدين راية الله الثقيلة من ذا الذي
يطيق حملها ] الديلمي
الحادي و الثمانون : حديث [ سورة يس تدعى المعمة المطعمة
] الحديث الديلمي و البيهقي في الشعب
الثاني و الثمانون : حديث [ السلطان العادل المتواضع ظل
الله و رمحه في الأرض و يرفع له في كل يوم و ليلة عمل ستين صديقا ] أبو الشيخ و
العقيلي في الضعفاء و ابن حبان في كتاب الثواب
الثالث و الثمانون : حديث [ قال موسى لربه : ما جزاء من
عزى الثكلى ؟ قال : أظله في ظلي ] ابن شاهين في الترغيب و الديلمي
الرابع و الثمانون : حديث [ اللهم أشدد الإسلام بعمر بن
الخطاب ] الطبراني في الأوسط
الخامس و الثمانون : حديث [ ما صيد صيد و لا عضدت عضاة و
لا قطعت وشيجة إلا بقلة التسبيح ] ابن راهويه في مسنده
السادس و الثمانون : حديث [ لو لم أبعث فيكم لبعث عمر ]
الحديث الديلمي
السابع و الثمانون : حديث [ لو اتجر أهل الجنة لا تجروا
بالبز ] أبو يعلى
الثامن و الثمانون : حديث [ من خرج يدعو إلى نفسه أو إلى
غيره و على الناس إمام فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين فاقتلوه ]
الديلمي في التاريخ
التاسع و الثمانون : حديث [ من كتب عني علما أو حديثا لم
يزل يكتب له الأجر ما بقي ذلك العلم أو الحديث ] الحاكم في التاريخ
التسعون : حديث : [ من مشى حافيا في طاعة الله لم يسأله
يوم القيامة عما افترض عليه ] الطبراني في الأوسط
الحادي و التسعون : حديث [ من سره أن يظله الله من فور
جهنم و يجعله في ظله قلا يكن على المؤمنين غليظا و ليكن بهم رحيما ] ابن لال في
مكارم الأخلاق و أبو الشيخ و ابن حبان في الثواب
الثاني و التسعون : حديث [ من أصبح ينوي لله طاعة كتب
الله له أجر يومه و إن عصاه ] الديلمي
الثالث و التسعون : حديث [ ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم
الله بالعذاب ] الطبراني في الأوسط
الرابع و التسعون : حديث [ لا يدخل الجنة مفتر ] الديلمي
و لم يسنده
الخامس و التسعون : حديث [ لا تحقرن أحدا من المسلمين
فإن صغير المسلمين عند الله كبير ] الديلمي
السادس و التسعون : حديث [ يقول الله : إن كنتم تريدون
رحمتي فارحموا خلقي ] أبو الشيخ و ابن حبان و الديلمي
السابع و التسعون : حديث [ سألت رسول الله صلى الله عليه
و سلم عن الإزار فأخذ بعضلة الساق فقلت : يا رسول الله زدني ؟ فأخذ بمقدم العضلة
فقلت : زدني قال : لا خير فيما هو أسفل من ذلك قلت : هلكنا يا رسول الله قال أبا
بكر سدد و قارب تنج ] أبو نعيم في الحيلة
الثامن و التسعون : حديث [ كفي و كف علي في العدل سواء ]
الديلمي و ابن عساكر
التاسع و التسعون : حديث [ لا تغفلوا التعوذ من الشيطان
فإنكم إن لم تكونوا ترونه فإنه ليس عنكم بغافل ] الديلمي و لم يسنده
المائة : حديث [ من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في
الجنة ] الطبراني في الأوسط
الحادي و المائة : حديث [ من أكل هذه البقلة الخبيثة فلا
يقربنا مسجدنا ] الطبراني في الأوسط
الثاني و المائة : حديث رفع اليدين في الافتتاح و الركوع
و السجود و الرفع البيهقي في السنن
الثالث و المائة : حديث [ إنه أهدى جملا لأبي جهل ]
الإسماعيلي في معجمه
الرابع و المائة : حديث [ النظر إلى علي عبادة ] ابن
عساكر
ما ورد عن الصديق من تفسير القرآن أخرج أبو القاسم
البغوي عن ابن أبي مليكة قال : سئل أبو بكر عن آية فقال : أي أرض تسعني أو أي سماء
تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لم يرد الله
و أخرج أبو عبيدة عن إبراهيم التيمي قال : سئل أبو بكر عن
قوله تعالى : { وفاكهة وأبا } ؟ فقال : أي سماء تظلني و أي أرض تقلني إن قلت في
كتاب الله ما لا أعلم
و أخرج البيهقي و غيره عن أبي بكر أنه سئل عن الكلالة ؟
فقال : إني سأقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله و إن يكن خطأفمني و من
الشيطان أراه ما خلا الولد و الوالد فلما استخلف عمر قال : إنني لأستحي أن أرد
شيئا قاله أبو بكر
و أخرج أبوالنعيم في الحلية عن الأسود بن هلال قال : قال
أبو بكر لأصحابه : ما تقولون في هاتين الآيتين : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم
استقاموا } { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } ؟ قالوا : ثم استقاموا فلم يذنبوا
و لم يلبسوا إيمانهم بخطيئة قال : لقد حملتموهما على غير المحمل ثم قال : قالوا ربنا الله
ثم استقاموا فلم يميلوا إلى إله غيره و لم يلبسوا إيمانهم بشرك
و أخرج ابن جرير عن عامر بن سعد البجلي عن أبي بكر
الصديق في قوله تعالى : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } قال : النظر إلى وجه الله
تعالى
و أخرج ابن جرير عن أبي بكر في قوله تعالى : { إن الذين
قالوا ربنا الله ثم استقاموا } قال : قد قالها الناس فمن مات عليها فهو ممن استقام
ما روي عنه من الآثار الموقوفة : قولا أو قضاء أو خطبة
أو دعاء أخرج اللالكائي في السنة عن ابن عمر قال : جاء رجل إلى أبي بكر فقال :
أرأيت الزنا بقدر ؟ قال : نعم قال : فإن الله قدره علي ثم يعذبني قال : نعم يا ابن
اللخناء أما و الله لو كان عندي إنسان أمرت أن يجأ أنفك
و أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن الزبير أن أبا بكر قال
و هو يخطب الناس : يا معشر الناس : استحيوا من الله فو الذي نفسي بيده إني لظل
حين أذهب إلى الغائط في الفضاء مغطيا رأسي استحياء من الله
و أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن عمر بن دينار قال : قال
أبو بكر : استحيوا من الله فو الله إني لأدخل الكنيف فأسند ظهري إلى الحائط حياء
من الله
و أخرج أبو داود في سننه عن أبي عبد الله الصنابحي أنه
صلى وراء أبي بكر الصديق المغرب فقرأ في الركعتين الأوليتين بأم القرآن و سورة من
قصار المفصل و قرأ في الثالثة {
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } الآية
و أخرج ابن أبي خثمة و ابن عساكر عن ابن عيينة قال : كان
أبو بكر إذا عزى رجلا قال : ليس مع العزاء مصيبة و ليس مع الجزع فائدة الموت أهون
مما قبله و أشد مما بعده اذكروا فقد رسول الله صلى الله عليه و سلم تصغر مصيبتكم و
أعظم الله أجركم
و أخرج ابن أبي شيبة و الدارقطني عن سالم بن عبيد ـ و هو
صحابي ـ قال : كان أبو بكر الصديق يقول لي : قم بيني و بين الفجر حتى أتسحر
و أخرج عن أبي قلابة و أبي السفر قالا : كان أبو بكر
الصديق يقول : أجيفوا الباب حتى نتسحر
و أخرج البيهقي و أبو بكر بن زياد النيسابوري في كتاب
الزيادات عن حذيفة بن أسيد قال : لقد أدركت أن أبا بكر و عمر و ما يضحيان إرادة أن
يستن بهما
و أخرج أبو داود عن ابن عباس قال : شهدت على أبي بكر
الصديق أنه قال : كلوا الطافي من السمك
و أخرج الشافعي في الأم عن أبي بكر الصديق أنه كره بيع
اللحم بالحيوان
و أخرج البخاري عنه أنه جعل الجد بمنزلة الأب يعني في
الميراث
و أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن عطاء عن أبي بكر قال :
الجد بمنزلة الأب ما لم يكن أب دونه و ابن الابن بمنزلة الابن ما لم يكن ابن دونه
و أخرج عن القاسم أن أبا بكر أتي برجل انتفى من أبيه
فقال أبو بكر : اضرب الرأس فإن الشيطان في الرأس
و أخرج عن ابن أبي مالك قال : كان أبو بكر إذا صلى على
الميت قال : اللهم عبدك أسلمه الأهل و المال و العشيرة و الذنب عظيم و أنت غفور
رحيم
و أخرج سعيد بن منصور في سننه عن عمر أن أبا بكر قضى
بعاصم بن عمر بن الخطاب لأم عاصم و قال : ريحها و شمها و لطفها خير له منك
و أخرج البيهقي عن قيس بن أبي حازم قال : جاء رجل إلى
أبي بكر فقال : إن أبي يريد أن يأخذ مالي كله يجتاحه فقال لأبيه : إنما لك من ماله
ما يكفيك فقال : يا خليفة رسول الله أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنت و مالك
لأبيك ؟ فقال : نعم و إنما يعني بذلك النفقة
و أخرج أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أبا بكر
و عمر كانا لا يقتلان الحر بالعبد
و أخرج البخاري عن ابن أبي مليكة عن جده أن رجلا عض يد
رجل فأندر ثنيته فأهدرها أبو بكر
و أخرج ابن أبي شيبة و البيهقي عن عكرمة أن أبا بكر قضى
في الأذن بخمس عشرة من الإبل و قال : يواري شينها الشعر و العمامة
و أخرج البيهقي و غيره عن أبي عمران الجوني أن أبا بكر
بعث جيوشا إلى الشام و أمر عليهم يزيد بن أبي سفيان قال : إني موصيك بعشر خلال :
لا تقتلوا امرأة و لا صبيا و لا كبيرا هرما و لا تقطع شجرا مثمرا و لا تخربن عامرا
و لا تعقر شاة و لا بعيرا إلا لمأكله و لا تفرقن نخلا و لا تحرقنه و لا تغلل و لا
تجبن
و أخرج أحمد و أبو داود و النسائي عن أبي برزة الأسلمي
قال : غضب أبو بكر من رجل فاشتد غضبه جدا فقلت : يا خليفة رسول الله اضرب عنقه قال
: ويلك ! ما هي لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم
و أخرج سيف في كتاب الفتوح عن شيوخه أن المهاجر بن أبي
أمية ـ و كان أميرا على اليمامة ـ رفع إليه امرأتان مغنيتان غنت إحداهما بشتم
النبي صلى الله عليه و سلم فقطع يدها و نزع ثنيتها و غنت الأخرى بهجاء المسلمين
فقطع يدها و نزع ثنيتها فكتب إليه أبو بكر : بلغني الذي فعلت في المرأة التي تغنت
بشتم النبي صلى الله عليه و سلم فلولا ما سبقتني فيها لأمرتك بقتلها لأن حد
الأنبياء ليس يشبه الحدود فمن تعاطى ذلك من مسلم فهو مرتد أو معاهد فهو محارب غادر
و أما التي تغنت بهجاء المسلمين : فإن كانت ممن يدعي الإسلام فأدب و تعزير دون
المثلة و إن كانت ذمية فلعمري لما صفحت عنه من الشرك أعظم و لو كنت تقدمت إليك في
مثل هذا لبلغت مكروها فأقبل الدعة و إياك و المثلة في الناس فإنها مأثم و منفرة
إلا في قصاص
و أخرج مالك و الدارقطني عن صفية بنت أبي عبيد أن رجلا
وقع على جارية بكر و اعترف فأمر به فجلد ثم نفاه إلى فدك
و أخرج أبو يعلى عن محمد بن حاطب قال : جيء إلى أبي بكر
برجل قد سرق و قد قطعت قوائمه فقال أبو بكر : ما أجد لك شيئا إلا قضى فيك رسول
الله صلى الله عليه و سلم يوم أمر بقتلك فإنه كان أعلم بك فأمر بقتله
و أخرج مالك عن القاسم بن محمد أن رجلا من أهل اليمن
أقطع اليد و الرجل قدم فنزل على أبي بكر فشكا إليه أن عامل اليمن ظلمه فكان يصلي
من الليل فيقول أبو بكر : وأبيك ما ليلك بليل سارق ثم إنهم افتقدوا حليا لأسماء بنت عميس
امرأة أبي بكر فجعل يطوف معهم و يقول : اللهم عليك بمن بيت أهل هذا البيت الصالح
فوجدوا الحلي عند صائغ زعم أن الأقطع جاءه به فاعترف الأقطع أو شهد عليه فأمر به
أبو بكر فقطعت يده اليسرى و قال أبو بكر : و الله لدعاؤه على نفسه أشد عندي عليه
من سرقته
و أخرج الدار قطني عن أنس أن أبا بكر قطع في مجن قيمته
خمسة دراهم
و أخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي صالح قال : لما قدم
أهل اليمن زمان أبي بكر و سمعوا القرآن جعلوا يبكون فقال أبو بكر : هكذا كنا ثم
قست القلوب قال أبو نعيم : أي قويت و اطمأنت بمعرفة الله تعالى
و أخرج البخاري عن ابن عمر قال : قال أبو بكر : ارقبوا
محمدا صلى الله عليه و سلم في أهل بيته و أخرج أبو عبيد في الغريب عن أبي بكر قال
: طوبى لمن مات في النانأة أي في أول الإسلام قبل تحرك الفتن
و أخرج الأربعة و مالك عن قبيصة قال : جاءت الجدة إلى
أبو بكر الصديق تسأله ميراثها فقال : مالك في كتاب الله شيء و ما علمت لك في سنة
نبي الله صلى الله عليه و سلم شيئا فارجعي حتى أسأل الناس فسأل الناس فقال المغيرة
بن شعبة : حضرت رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطاها السدس فقال أبو بكر : هل معك
غيرك ؟ فقام محمد بن مسلمة فقال مثل ما قال المغيرة فأنفذه لها أبو بكر
و أخرج مالك و الدارقطني عن القاسم بن محمد : أن جدتين
أتتا أبا بكر تطلبان ميراثهما أم أم و أم أب فأعطى الميراث لأم الأم فقال له عبد
الرحمن بن سهل الأنصاري ـ و كان ممن شهد بدرا و هو أخو بني حارثة ـ : يا خليفة
رسول الله أعطيت التي لو أنها ماتت لم يرثها فقسمه بينهما
و أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن عائشة رضي الله عنها حديث
امرأة رفاعة التي طلقت منه و تزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير فلم يستطع أن يغشاها
و أرادت العود إلى رفاعة فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم [ لا حتى تذوقي
عسيلته و يذوق عسيلتك ] و هذا القدر في الصحيح و زاد عبد الرزاق : فقعدت ثم جاءته
فأخبرته أنه قد مسها فمنعها أن ترجع إلى زوجها الأول و قال : اللهم إن كان أنمى
بها أن ترجع إلى رفاعة فلا يتم لها نكاحه مرة أخرى ثم أتت أبا بكر و عمر في
خلافتهما فمنعاها
و أخرج البيهقي عن عقبة بن عامر أن عمرو بن العاص و
شرحبيل بن حسنة بعثاه بريدا إلى أبي بكر برأس بنان بطريق الشام فلما قدم على أبي بكر
أنكر ذلك فقال له عقبة : يا خليفة رسول الله فإنهم يصنعون ذلك بنا قال : أفيستنان
بفارس و الروم لا يحمل إلي رأس ؟ إنما يكفي الكتاب و الخبر
و أخرج البخاري عن قيس بن أبي خازم قال : دخل أبو بكر
على امرأة من أحمس يقال لها : زينب فرآها لا تتكلم فقال : ما لها لا تتكلم ؟ فقالوا : حجت
مصمتة : قال لها : تكلمي فإن هذا لا يحل هذا من عمل الجاهلية فتكلمت فقالت : من
أنت ؟ قال : امرؤ من المهاجرين قالت : أي المهاجرين ؟ قال : من قريش قالت : من أي
قريش ؟ قال : إنك لسؤول أنا أبو بكر قالت : ما بقاؤنا على الأمر الصالح الذي جاء
الله به بعد الجاهلية ؟ قال : بقاؤكم عليه ما استقامت أئمتكم قالت : و ما الأئمة ؟
قال : أو ما كان لقومك رؤوس و أشراف يأمرونهم فيطيعونهم ؟ قالت : بلى قال : فهم
أولئك الناس
و أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان لأبي
بكر غلام يخرج له الخراج و كان أبو بكر يأكل من خراجه فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو
بكر فقال له الغلام : تدري ما هذا ؟ قال أبو بكر : ما هو ؟ قال : كنت تكهنت لإنسان
في الجاهلية ـ و ما أحسن الكهانة ـ إلا أني خدعته فلقيني فأعطاني هذا الذي أكلت
منه فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه
و أخرج أحمد في الزهد عن ابن سيرين قال : لم أعلم أحدا
استقاء من طعام أكله غير أبي بكر و ذكر القصة
وأخرج النسائي عن أسلم أن عمر اطلع على أبي بكر و هو آخذ
بلسانه فقال : هذا الذي أوردني الموارد
و أخرج أبو عبيد في الغريب عن أبي بكر أنه مر بعبد
الرحمن بن عوف و هو يماظ جارا له فقال : لا تماظ جارك فإنه يبقى و يذهب عنك الناس
المماظة : المنازعة و المخاصمة
و أخرج ابن عساكر عن موسى بن عقبة أن أبا بكر الصديق كان
يخطب فيقول :
الحمد لله رب العالمين أحمده و أستعينه و نسأله الكرامة
فيما بعد الموت فإنه قد دنا أجلي و أجلكم و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له و أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالحق بشيرا و نذيرا و سراجا منيرا لينذر من كان
حيا و يحق القول على الكافرين
و من يطع الله و رسوله فقد رشد و من يعصهما فقد ضل ضلالا
مبينا أوصيكم بتقوى الله و الاعتصام بأمر الله الذي شرع لكم و هداكم به فإن جوامع
هدي الإسلام بعد كلمة الإخلاص السمع و الطاعة لمن ولاه الله أمركم فإنه من يطع
الله و أولي الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فقد أفلح و أدى الذي عليه من الحق و
اتباع الهوى فقد أفلح من حفظ من الهوى و الطمع و الغضب و إياكم و الفخر و ما فخر
من خلق من تراب ثم إلى التراب يعود ثم يأكله الدود ثم هو اليوم حي و غدا ميت ؟
فاعملوا يوما بيوم و ساعة بساعة و توقوا دعاء المظلوم و عدوا أنفسكم في الموتى و
اصبروا فإن العمل كله بالصبر و احذروا و الحذر ينفع و اعملوا و العمل يقبل و
احذروا ما حذركم الله من عذابه و سارعوا فيما وعدكم الله من رحمته و افهموا و
تفهموا و اتقوا و توقوا فإن الله قد بين لكم ما أهلك به من كان قبلكم و ما نجى به
من نجى قبلكم قد بين لكم في كتابه حلاله و حرامه و ما يحب من الأعمال و ما يكره
فإني لا آلوكم و نفسي و الله المستعان و لا قوة إلا بالله و اعلموا أنكم ما أخلصتم
لله من أعمالكم فربكم أطعتم و حظكم حفظتم و اغتبطتم و ما تطوعتم به لدينكم فاجعلوه
نوافل بين أيديكم تستوفوا لسلفكم و تعطوا جرايتكم حين فقركم و حاجتكم إليها ثم
تفكروا عباد الله في إخوانكم و صحابتكم الذين مضوا قد وردوا على ما قدموا عليه و
حلوا في الشقاء و السعادة فيما بعد الموت إن الله ليس له شريك و ليس بينه و بين
أحد من خلفه نسب يعطيه به خيرا و لا يصرف عنه سوءا إلا بطاعته و اتباع أمره فإنه
لا خير في خير بعده النار و لا شر في شر بعده الجنة أقول قولي هذا و أستغفر الله
لي و لكم وصلوا على نبيكم صلى الله عليه و سلم و السلام عليكم و رحمة الله و
بركاته
و أخرج الحاكم و البيهقي عن عبد الله بن حكيم قال :
خطبنا أبو بكر الصديق فحمد الله و أثنى عليه بما هو له أهل ثم قال : أوصيكم بتقوى
الله و أن تثنوا عليه بما هو له أهل و أن تخلطوا الرغبة بالرهبة فإن الله تعالى
أثنى على زكريا و أهل بيته فقال : { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا
ورهبا وكانوا لنا خاشعين } ثم اعلموا عباد الله أن الله قد ارتهن بحقه أنفسكم و
أخذ على ذلك مواثيقكم و اشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي و هذا كتاب الله
فيكم لا يطفأ نوره و لا تنقضي عجائبه فاستضيئوا بنوره و انتصحوا كتابه و استضيئوا
منه ليوم الظلمة فإنه إنما خلقكم لعبادته و وكل بكم كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون
ثم اعلموا عباد الله أنكم تغدون و تروحون في أجل قد غيب عنكم علمه فإن استطعتم أن
تنقضي الآجال و أنتم في عمل الله فافعلوا و لن تستطيعوا ذلك إلا بإذن الله سابقوا
في آجالكم قبل أن تنقضي آجالكم فتردكم إلى أسوأ أعمالكم فإن قوما جعلوا آجالهم
لغيرهم و نسوا أنفسهم فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم فالوحا الوحا ثم النجاء النجاء
فإن وراءكم طالبا حثيثا أمره سريع
و أخرج ابن أبي الدنيا و أحمد في الزهد و أبو نعيم في
الحلية عن يحيى بن أبي كثير أن أبا بكر كان يقول في خطبته : أين الوضاء الحسنة وجوههم المعجبون
بشبابهم ؟ أين الملوك الذين بنوا المدائن و حصنوها ؟ أين الذين كانوا يعطون الغلبة
في مواطن الحرب ؟ قد تضعضع أركانهم حين أخنى بهم الدهر و أصبحوا في ظلمات القبور !
الوحا الوحا ثم النجاء النجاء
و أخرج أحمد في الزهد عن سلمان قال : أتيت أبا بكر فقلت
: اعهد إلي فقال : يا سلمان اتق الله و اعلم أنه سيكون فتوح فلا أعرفن ما كان حظك
منها ما جعلته في بطنك أو ألقيته على ظهرك و اعلم أنه من صلى الصلوات الخمس فإنه
يصبح في ذمة الله و يمسي في ذمة الله تعالى فلا تقتلن أحدا من أهل ذمة الله فتخفر
الله في ذمته فيكبك الله في النار على وجهك
و أخرج عن أبي بكر رضي الله عنه قال : يقبض الصالحون
الأول فالأول حتى يبقى من الناس حثالة كحثالة التمر و الشعير لا يبالي الله بهم
و أخرج سعيد بن منصور في سننه عن معاوية بن قرة أن أبا
بكر الصديق رضي الله عنه كان يقول في دعائه : اللهم اجعل خير عمري آخره و خير عملي
خواتمه و خير أيامي يوم لقائك
و أخرج أحمد في الزهد عن الحسن قال : بلغني أن أبا بكر
كان يقول في دعائه : اللهم إني أسألك الذي هو خير لي في عاقبة الأمر اللهم اجعل
آخر ما تعطيني من الخير رضوانك و الدرجات العلى من جنات النعيم
و أخرج عن عرفجة قال : قال أبو بكر : من استطاع أن يبكي
فليبك إلا فليتباك
و أخرج عن عزرة عن أبي بكر قال : أهلكهن الأحمران :
الذهب و الزعفران و أخرج عن مسلم بن يسار عن أبي بكر قال : إن المسلم ليؤجر في كل
شيء حتى في النكبة و انقطاع شسعه و البضاعة تكون في كمه فيفقدها فيفزع لها فيجدها
في غبنه
و أخرج عن ميمون بن مهران قال : أتي أبو بكر بغراب وافر
الجناحين فقلبه ثم قال : ما صيد من صيد و لا عضدت من شجرة إلا بما ضيعت من التسبيح
و أخرج البخاري في الأدب و عبد الله بن أحمد في زوائد
الزهد عن الصنابحي أنه سمع أبا بكر يقول : إن دعاء الأخ لأخيه في الله يستجاب
و أخرج عبد الله في زوائد الزهد عن عبيد بن عمير عن لبيد
الشاعر أنه قدم على أبي بكر فقال : ألا كل شيء ما خلا الله باطل فقال : صدقت فقال
: و كل نعيم لا محالة زائل فقال : كذبت عند الله نعيم لا يزول فلما ولى قال أبو
بكر : ربما قال الشاعر الكلمة من الحكمة
كلماته له دالة على شدة خوفه من الله أخرج أبو أحمد
الحاكم عن معاذ بن جبل قال : دخل أبو بكر حائطا و إذا بدبسي في ظل شجرة فتنفس
الصعداء ثم قال : طوبى لك يا طير تأكل من الشجر و تستظل بالشجر و تصير إلى غير
حساب يا ليت أبا بكر مثلك
و أخرج ابن عساكر عن الأصمعي قال : كان أبو بكر إذا مدح
قال : اللهم أنت أعلم مني بنفسي و أنا أعلم بنفسي منهم اللهم اجعلني خيرا مما
يظنون و اغفر لي ما لا يعلمون و لا تؤاخذني بما يقولون
و أخرج أحمد في الزهد عن أبي عمران الجوني قال : قال أبو
بكر الصديق : لوددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن
و أخرج أحمد في الزهد عن مجاهد قال : كان ابن الزبير إذا
قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع قال : و حدثت أن أبا بكر كان كذلك
و أخرج عن الحسن قال : قال أبو بكر : و الله لوددت أني
كنت هذه الشجرة تؤكل و تعضد
و أخرج عن قتادة قال : بلغني أن أبا بكر قال : وددت أني
خضرة تأكلني الدواب
و أخرج عن ضمرة بن حبيب قال : حضرت الوفاة ابنا لأبي بكر
الصديق فجعل الفتى يلحظ إلى وسادة فلما توفي قالوا لأبي بكر : رأينا ابنك يلحظ إلى
وسادة فدفعوه عن الوسادة فوجدوا تحتها خمسة دنانير أو ستة فضرب أبو بكر بيده على
الأخرى يرجعه و يقول : إنا لله و إنا إليه راجعون يا فلان ما أحسب جلدك يتسع لها
و أخرج عن ثابت البناني أن أبا بكر كان يتمثل بهذا الشعر :
( لا تزال تنعي حبيبا حتى تكونه ... و قد يرجو الفتى
الرجا يموت دونه )
و أخرج ابن سعد عن ابن سيرين قال : لم يكن أحد بعد النبي
صلى الله عليه و سلم أهيب لما لا يعلم من أبي بكر و لم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب
لما لا يعلم من عمر و إن أبا بكر نزلت فيه قضية فلم يجد لها في كتاب الله أصلا و
لا في السنة أثرا فقال : أجتهد رأيي فإن يكن صوابا فمن الله و إن يكن خطأ فمني و
أستغفر الله
ما ورد عن تعبير الرؤيا أخرج سعيد بن منصور عن سعيد بن
المسيب قال : رأت عائشة رضي الله عنها كأنه وقع في بيتها ثلاثة أقمار فقصتها على
أبي بكر ـ و كان من أعبر الناس ـ فقال : إن صدقت رؤياك ليدفنن في بيتك خير أهل
الأرض ثلاثا فلما قبض النبي صلى الله عليه و سلم قال : يا عائشة هذا خير أقمارك
و أخرج أيضا [ عن عمر بن شرحبيل قال : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم رأيتني أردفت غنم سود ثم أردفتها غنم بيض حتى ما ترى السود فيها
فقال أبو بكر : يا رسول الله أما الغنم السود فإنها العرب يسلمون و يكثرون و الغنم
البيض الأعاجم يسلمون حتى لا يرى العرب فيهم من كثرتهم فقال رسول الله صلى الله
عليه و سلم كذلك عبرها الملك سحرا
]
و له [ عن ابن أبي ليلى قال : قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : رأيتني على بئر أنزع فيها فوردتني غنم سود ثم ردفها غنم عفر فقال أبو
بكر : دعني أعبرها ] فذكر نحوه
و أخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين قال : كان أعبر هذه
الأمة بعد نبيها أبو بكر
و أخرج ابن سعد [ عن ابن شهاب قال : رأى رسول الله صلى
الله عليه و سلم رؤيا فقصها على أبي بكر فقال : رأيت كأني استبقت أنا و أنت درجة
فسبقتك بمرقاتين و نصف قال : يا رسول الله يقبضك الله إلى مغفرة و رحمة و أعيش
بعدك سنتين و نصفا ]
و أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن أبي قلابة أن رجلا قال
لأبي بكر الصديق : رأيت في النوم أني أبول دما قال : أنت رجل تأتي امرأتك و هي
حائض فاستغفر الله و لا تعد
فائدة : أخرج البيهقي في الدلائل عن عبد الله بن بريدة
قال : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عمرو بن العاص في سرية فيهم أبو بكر و
عمر فلما انتهوا إلى مكان الحرب أمرهم عمرو ألا ينوروا نارا فغضب عمر فهم أن يأتيه
فناه أبو بكر و أخبره أنه لم يستعمله رسول الله صلى الله عليه و سلم عليك إلا
لعلمه بالحرب فهدأ عنه
و أخرج البيهقي [ من طريق أبي معشر عن بعض مشيختهم أن
رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إني لأؤمر الرجل على القوم فيهم من خير منه
لأنه أيقظ عينا و أبصر بالحرب ]
أخرج خليفة بن خياط و أحمد بن حنبل و ابن عساكر [ أن
النبي صلى الله عليه و سلم قال لأبي بكر : أنا أكبر أو أنت ؟ قال : أنت أكبر و
أكرم و أنا أسن منك ] مرسل غريب جدا فإن صح عد هذا الجواب من فرط ذكائه و أدبه و
المشهور أن هذا الجواب للعباس و قد وقع أيضا لسعيد بن يربوع أخرجه الطبراني و لفظه
[ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : أينا أكبر ؟ قال : أنت أكبر و أخير مني
و أنا أقدم ]
و أخرج أبو نعيم أن أبا بكر قيل له : يا خليفة رسول الله
ألا تستعمل أهل بدر ؟ قال : إني أرى مكانهم و لكني أكره أن أدنسهم بالدنيا
و أخرج أحمد في الزهد عن إسماعيل بن محمد أن أبا بك قسم
قسما فسوى فيه بين الناس فقال عمر : تسوي بين أصحاب بدر و سواهم من الناس فقال أبو
بكر : إنما الدنيا بلاغ و خير البلاغ أوسعه و إنما فضلهم في أجورهم
أخرج أحمد في الزهد عن أبي بكر بن حفص قال : بلغني أن
أبا بكر كان يصوم الصيف و يفطر الشتاء
و أخرج ابن سعد عن حيان الصائغ قال : كان نقش خاتم أبي
بكر [ نعم القادر الله ]
فائدة أخرج الطبراني عن موسى بن عقبة قال : لا نعلم
أربعة أدركوا النبي صلى الله عليه و سلم و أبناءهم إلا هؤلاء الأربعة : أبو قحافة
و ابنه أبو بكر الصديق و ابنه عبد الرحمن و أبو عتيق بن عبد الرحمن و اسمه محمد
و أخرج ابن منده و ابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها
قالت : ما أسلم أبو أحد من المهاجرين إلا أبو أبي بكر
فائده : أخرج ابن سعد و البزار بسند حسن عن أنس قال كان
أسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أبو بكر الصديق و سهيل بن عمرو ابن بيضاء
فائدة : أخرج البيهقي في الدلائل عن أسماء بنت أبي بكر
قالت لما كان الفتح خرجت ابنة لأبي قحافة فلقيتها الخيل ـ و في عنقها طوق من ورق ـ
فاقتطعه إنسان من عنقها فلما دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم المسجد قام أبو
بكر و قال : أنشد بالله و الإسلام طوق أختي فو الله ما أجابه أحد ثم قال : الثانية فما
أجابه أحد ثم قال : يا أخته احتسبي طوقك فو الله إن الأمانة اليوم في الناس لقليل
فائدة : رأيت بخط الحافظ الذهبي :
من كان فرد زمانه في فنه : أبو بكر الصديق في النسب عمر
بن الخطاب في القوة في أمر الله عثمان بن عفان في الحياء علي في القضاء أبي بن كعب
في القراءة زيد بن ثابت في الفرائض أبو عبيدة بن الجراح في الأمانة ابن عباس في
التفسير أبو ذر في صدق اللهجة خالد بن الوليد في الشجاعة الحسن البصري في التذكير
وهب بن منبه في القصص ابن سيرين في التعبير نافع في القراءة أبو حنيفة في الفقه
ابن إسحاق في المغازي مقاتل في التأويل الكلبي في قصص القرآن الخليل في العروض
فضيل بن عياض في العبادة سيبويه في النحو مالك في العلم الشافعي في فقه الحديث أبو
عبيدة في الغريب علي بن المديني في العلل يحيى بن معين في الرجال أبو تمام في
الشعر أحمد بن حنبل في السنه البخاري في نقد الحديث الجنيد في التصوف محمد بن
زكريا الرازي في الطب أبو معشر في النجوم إبراهيم الكرماني في التعبير ابن نباتة
في الخطب أبو الفرج الأصبهاني في المحاضرة أبو القاسم الطبراني في العوالي ابن حزم
في الظاهر أبو الحسن البكري في الكذب الحريري في مقاماته ابن منده في سعة الرحلة
المتنبي في الشعر الموصلي في الغناء الصولي في الشطرنج الخطيب البغدادي في سرعة
القراءة علي بن هلال في الخط عطاء السليمي في الخوف القاضي الفاضل في الإنشاء
الصمعي في النوادر أشعب في الطمع معبد في الغناء ابن سينا في الفلسفة
نسبه و مولده عمر بن الخطاب : بن نفيل بن عبد العزى بن
رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي أمير المؤمنين أبو حفص القريشي العدوي
الفاروق أسلم في السنة السادسة من النبوة و له سبع و عشرون سنة قاله الذهبي
و قال النووي : ولد عمر بعد الفيل بثلاث عشرة سنة و كان
من أشراف قريش و إليه كانت السفارة في الجاهلية فكانت قريش إذا وقعت الحرب بينهم
أو بينهم و بين غيرهم بعثوه سفيرا : أي رسولا و إذا نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر
بعثوه منافرا أو مفاخرا
و أسلم قديما بعد أربعين رجلا و إحدى عشرة امرأة و قليل
: بعد تسعة و ثلاثين رجلا و ثلاث و عشرين امرأة و قيل : بعد خمسة و أربعين رجلا و
إحدى عشرة امرأة فما هو إلا أن أسلم فظهر الإسلام بمكة و فرح به المسلمون
قال : و هو أحد السابقين الأولين و أحد العشرة المشهود
لهم بالجنة و أحد الخلفاء الراشدين و أحد أصهار رسول الله صلى الله عليه و سلم و
أحد كبار علماء الصحابة و زهادهم
روي له عن رسول الله صلى الله عليه و سلم خمسمائة حديث و
تسعة و ثلاثون حديثا
روى عنه عثمان بن عفان و علي و طلحة و سعد و عبد الرحمن
بن عوف و ابن مسعود و أبو ذر و عمر بن عبسة و ابنه عبد الله و ابن العباس و ابن
الزبير و أنس و أبو هريرة و عمرو بن العاص و أبو موسى الأشعري و البراء بن عازب و
أبو سعيد الخدري و خلائق آخرون من الصحابة و غيرهم رضي الله عنهم
أقول : و أنا ألخص هنا فصولا فيها جملة من الفوائد تتعلق
بترجمته
الأخبار الواردة في إسلامه أخرج الترمذي [ عن ابن عمر أن
النبي صلى الله عليه و سلم قال : اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك : بعمر
بن الخطاب و أو بأبي جهل بن هشام ] و أخرجه الطبراني من حديث ابن مسعود و أنس رضي
الله عنهم
و أخرج الحاكم [ عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و
سلم قال : اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة ] و أخرجه الطبراني في الأوسط من
حديث أبي بكر الصديق و في الكبير من حديث ثوبان
و أخرج أحمد عن عمر قال : خرجت أتعرض رسول الله صلى الله
عليه و سلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أتعجب
من تأليف القرآن فقلت : و الله هذا شاعر كما قالت قريش فقرأ : { إنه لقول رسول
كريم * وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون } الآيات فوقع في قلبي الإسلام كل موقع
و أخرج ابن أبي شيبة [ عن جابر قال : كان أول إسلام عمر
أن عمر قال : ضرب أختي المخاض ليلا فخرجت من البيت فدخلت في أستار الكعبة فجاء
النبي صلى الله عليه و سلم فدخل الحجر و عليه بتان و صلى لله ما شاء الله ثم انصرف
فسمعت شيئا لم أسمع مثله فخرج فاتبعته فقال : من هذا ؟ فقلت : عمر فقال : يا عمر
ما تدعني لا ليلا و لا نهارا ؟ فخشيت أن يدعو علي فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله
و أنك رسول الله فقال : يا عمر أسره قلت : لا و الذي بعثك بالحق لأعلننه كما أعلنت
الشرك ]
و أخرج ابن سعد و أبو يعلى و الحاكم و البيهقي في
الدلائل عن أنس رضي الله عنه قال : خرج عمر متقلدا سيفه فلقيه رجل من بني زهرة
فقال : أين تعمد يا عمر ؟ فقال : أريد أن أقتل محمدا قال : و كيف تأمن من بني هاشم و بني زهرة و
قد قتلت محمدا ؟ فقال : ما أراك إلا قد صبأت قال : أفلا أدلك على العجب إن ختنك و
أختك قد صبآ و تركا دينك فمشى عمر فأتاهما و عندهما خباب فلما سمع بحس عمر توارى
في البيت فدخل فقال : ما هذه الهيمنة ؟ و كانوا يقرؤون طه قالا : ما عدا حديثا
تحدثناه بيننا قال : فلعلكما قد صبأتما فقال له خنته : يا عمر إن كان الحق في غير
دينك فوثب عليه عمر فوطئه وطأ شديدا فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها فنفحها نفحة بيده
فدمى وجهها فقالت ـ و هي غضبى ـ : و إن كان الحق في غير دينك إني أشهد أن لا إله
إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله فقال عمر : أعطوني الكتاب الذي هو عندكم فأقرأه
ـ و كان عمر يقرأ الكتاب ـ فقالت أخته : إنك نجس و إنه لا يمسه إلا المطهرون فقم
فاغتسل أو توضأ فقام فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ طه حتى انتهى إلى : { إنني أنا الله
لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري } فقال عمر : دلوني على محمد فلما سمع
خباب قول عمر خرج : فقال : أبشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله
عليه و سلم لك ليلة الخميس [ اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام ] و كان
رسول الله صلى الله عليه و سلم في أصل الدار التي في أصل الصفا فانطلق عمر حتى أتى
الدار و على بابها حمزة و طلحة و ناس فقال حمزة : هذا عمر إن يريد الله به خيرا يسلم
و إن يريد غير ذلك يكن قتله علينا هينا قال : و النبي صلى الله عليه و سلم دخل
يوحى إليه فخرج حتى أتى عمر فأخذ بمجامع ثوبه و حمائل السيف : فقال : ما أنت بمنته يا عمر حتى ينزل
الله بك من الخزي و النكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة فقال عمر : أشهد أن لا إله
إلا الله و أنك عبد الله و رسوله
و أخرج البزار و الطبراني و أبو نعيم في الحلية و
البيهقي في الدلائل عن أسلم قال : قال لنا عمر : كنت أشد الناس على رسول الله صلى
الله عليه و سلم فبينا أنا في يوم حار بالهاجرة في بعض طريق مكة إذ لقيني رجل فقال
: عجبا لك يا ابن الخطاب إنك تزعم أنك و أنك و قد دخل عليك الأمر في بيتك قلت : و
ما ذاك ؟ قال أختك قد أسلمت فرجعت مغضبا حتى قرعت الباب قيل : من هذا ؟ قلت : عمر فتبادروا فاختفوا
مني و قد كانوا يقرؤون صحيفة بين أيديهم تركوها و نسوها فقامت أختي تفتح الباب
فقلت : يا عدوة نفسها أصبأت ؟ و ضربتها بشيء كان في يدي على رأسها فسال الدم و بكت
فقالت : يا ابن الخطاب ما كنت فاعلا فافعل فقد صبأت قال : و دخلت حتى جلست على
السرير فنظرت إلى الصحيفة فقلت : ما هذا ؟ ناولينيها قالت : ليست من أهلها إنك لا
تطهر من الجنابة و هذا كتاب لا يمسه إلا المطهرون فما زلت بها حتى ناولتنيها
ففتحها فإذا فيها : بسم الله الرحمن الرحيم فلما مررت باسم من أسماء الله تعالى
ذعرت منه فألقيت الصحيفة ثم رجعت إلى نفسي فتناولتها فإذا فيها : { سبح لله ما في
السماوات وما في الأرض } فذعرت فقرأت إلى { آمنوا بالله ورسوله } فقلت : أشهد أن
لا إله إلا الله فخرجوا إلي مبادرين و كبروا و قالوا : أبشر فإن رسول الله صلى
الله عليه و سلم دعا يوم الاثنين فقال
: [ اللهم أعز دينك بأحب الرجلين إليك : إما أبو جهل بن
هشام و إما عمر ] و دلوني على النبي صلى الله عليه و سلم في بيت بأسفل الصفا فخرجت
حتى قرعت الباب فقالوا : من ؟ قلت : ابن الخطاب و قد علموا شدتي على رسول الله صلى
الله عليه و سلم فما اجترأ أحد بفتح الباب حتى [ قال صلى الله عليه و سلم : افتحوا له
ففتحوا لي فأخذ رجلان بعضدي حتى أتيا بي النبي صلى الله عليه و سلم فقال : خلوا
عنه ثم أخذ بمجامع قميصي و جذبني إليه ثم قال : أسلم يا ابن الخطاب اللهم أهده
فتشهدت فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بفجاج مكة و كانوا مستخفين ] فلم أشأ أن أرى
رجلا يضرب و يضرب إلا رأيته و لا يصيبني من ذلك شيء فجئت إلى خالي أبي جهل بن هشام
و كان شريفا فقرعت عليه الباب فقال : من هذا ؟ فقلت : ابن الخطاب و قد صبأت فقال :
لا تفعل ثم دخل و أجاف الباب دوني فقلت : ما هذا بشيء فذهبت إلى رجل من عظماء قريش
فناديته فخرج إلي فقلت له مثل مقالتي لخالي و قال لي مثل ما قال خالي فدخل و أجاف
الباب دوني فقلت ما هذا بشيء إن المسلمين يضربون و أنا لا أضرب فقال لي رجل : أتحب
أن يعلم بإسلامك ؟ قلت : نعم قال : فإذا جلس الناس في الحجر فأت فلانا لرجل لم يكن
يكتم السر فقال بينك و بينه : إني قد صبأت فإنه قل ما يكتم السر فجئت و قد اجتمع
الناس في الحجر فقلت فيما بيني و بينه : إني قد صبأ فبادروا إلي فما زلت أضربهم و
يضربونني و اجتمع علي الناس فقال خالي : ما هذه الجماعة ؟ قيل : عمر قد صبأ فقام
على الحجر فأشار بكمه ألا إني قد أجرت ابن أختي فتكشفوا عني فكنت لا أشاء أن أدري
أحدا من المسلمين يضرب و يضرب إلا رأيته فقلت : ما هذا بشيء قد يصيبني فأتيت خالي
فقلت : جوارك رد عليك فما زلت أضرب و أضرب حتى أعز الله الإسلام
و أخرج أبو نعيم في الدلائل و ابن عساكر عن ابن عباس رضي
الله عنهما قال : سألت عمر رضي الله عنه : لأي شيء سميت الفاروق ؟ فقال : أسلم
حمزة قبلي بثلاثة أيام فخرجت إلى المسجد فأسرع أبو جهل إلى النبي صلى الله عليه و سلم
يسبه فأخبر حمزة فأخذ قوسه و جاء إلى المسجد إلى حلقة قريش التي فيها أبو جهل
فاتكأ على قوسه مقابل أبي جهل فنظر إليه فعرف أبو جهل الشر في وجهه فقال : مالك يا
أبا عمارة ؟ فرفع القوس فضرب به أخدعه فقطعه فسالت الدماء فأصلحت ذلك قريش مخافة
الشر قال : و رسول الله صلى الله عليه و سلم مختف في دار الأرقم المخزومي فانطلق
حمزة فأسلم فخرجت بعده بثلاثة أيام فإذا فلان المخزومي فقلت له : أرغبت عن دين
آبائك و اتبعت دين محمد ؟
فقال : إن فعلت فقد فعله من هو أعظم عليك حقا مني قلت :
و من هو ؟ قال : أختك و ختنك فانطلقت فوجدت الباب مغلقا و سمعت همهمة ففتح لي
الباب فدخلت فقلت : ما هذا الذي أسمع عندكم ؟ قالوا : ما سمعت شيئا فما زال الكلام
بيننا حتى أخذت برأسي ختني فضربته [ ضربة ] فأدميته فقامت إلى أختي فأخذت برأسي و
قالت : قد كان ذلك على رغم أنفك فاستحيت حين رأيت الدماء فجلست و قلت : أروني هذا
الكتاب فقالت : إنه لا يمسه إلا المطهرون فقمت فاغتسلت فأخرجوا إلي صحيفة فيها { بسم الله الرحمن
الرحيم } فقلت : أسماء طيبة طاهرة { طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } إلى قوله
: { له الأسماء الحسنى } قال : فتعظمت في صدري و قلت : من هذا فرت قريش فأسلمت و
قلت : أين رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قالت : فإنه في دار الأرقم فأتيت الدار
فضربت الباب فاستجمع القوم فقال لهم حمزة : ما لكم ؟ قالوا : عمر قال : و إن كان
عمر افتحوا له الباب فإن أقبل قبلنا منه و إن أدبر قتلناه [ فسمع ذلك رسول الله
صلى الله عليه و سلم فخرج فتشهد عمر فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل مكة قلت : يا
رسول الله ألسنا على حق ؟ قال : بلى قلت : ففيم الإخفاء ؟ فخرجنا صفين أنا في
أحدهما و حمزة في الآخر حتى دخلنا المسجد فنظرت قريش إلي و إلى حمزة فأصابتهم كآبة
شديدة لم يصبهم مثلها فسماني رسول الله صلى الله عليه و سلم الفاروق يومئذ لأنه
أظهر الإسلام و فرق بين الحق و الباطل
]
و أخرج ابن سعد عن ذكوان قال : قلت لعائشة : من سمي عمر
الفاروق ؟ قالت : النبي صلى الله عليه و سلم
و أخرج ابن ماجة و الحاكم عن أبن عباس رضي الله عنهما
قال : لما أسلم عمر نزل جبريل فقال : يا محمد لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر
و أخرج البزار و الحاكم و صححه عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال : لما أسلم عمر قال المشركون : قد انتصف القوم اليوم منا و أنزل الله :
{ يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين }
و أخرج البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ما زلنا
أعزة منذ أسلم عمر و أخرج ابن سعد و الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كان
إسلام عمر فتحا و كانت هجرته نصرا و كانت إمامته رحمة و لقد رأيتنا و ما نستطيع أن
نصلي إلى البيت حتى أسلم عمر فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا
وأخرج ابن سعد و الحاكم عن حذيفة قال : لما أسلم عمر كان
الإسلام كالرجال المقبل لا يزداد إلا قربا فلما قتل عمر كان الإسلام كالرجل المدبر
لا يزداد إلا بعدا
و أخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أول
من جهر بالإسلام عمر بن الخطاب إسناده صحيح حسن
و أخرج ابن سعد عن صهيب قال : لما أسلم عمر رضي الله عنه
أظهر الإسلام و دعا إليه علانية و جلسنا حول البيت حلقا و طفنا بالبيت و انتصفنا
ممن غلظ علينا و رددنا عليه بعض ما يأتي به
و أخرج ابن سعد عن أسلم مولى عمر قال : أسم عمر في ذي
الحجة السنة السادسة من النبوة و هو ابن ست و عشرين سنة
هجرته أخرج ابن عساكر عن علي قال : ما علمت أحدا هاجر
إلا مختفيا إلا عمر بن الخطاب فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه و تنكب قوسه و انتضى
في يده أسهما و أتى الكعبة و أشراف قريش بفنائها فطاف سبعا ثم صلى ركعتين عند
المقام ثم أتى حلقهم واحدة واحدة فقال : شاهت الوجوه من أراد أن تثكله أمه و ييتم
و لده و ترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي فما تبعه منهم أحد
و أخرج عن البراء رضي الله عنه قال : أول من قدم علينا
من المهاجرين مصعب بن عمير ثم ابن مكتوم ثم عمر بن الخطاب في عشرين راكبا فقلنا :
ما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : هو على أثري ثم قدم رسول الله صلى
الله عليه و سلم و أبو بكر رضي الله عنه معه
قال النووي : شهد عمر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
المشاهد كلها و كان ممن ثبت معه يوم أحد
الأحاديث الواردة في فضله أخرج الشيخان [ عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بينا أنا نائم رأيتني في
الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر قلت لمن هذا القصر ؟ قالوا : لعمر فذكرت
غيرتك فوليت مدبرا ] فبكى عمر و قال : أعليك أغار يا رسول الله ؟
و أخرج الشيخان [ عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله
عليه و سلم قال : بينا أنا نائم شربت ـ يعني اللبن ـ حتى أنظر الري يجري في أظفاري
ثم ناولته عمر قالوا : فما أولته يا رسول الله ؟ قال : العلم ]
و أخرج الشيخان [ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي و
عليهم قمص فمنها ما يبلغ الثدي و منها ما يبلغ دون ذلك و عرض علي عمر و عليه قميص
يجره قالوا : فما أولته يا رسول الله ؟ قال : الدين ]
و أخرج الشيخان [ عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : يا ابن الخطاب و الذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا
فجا قط إلا سلك فجا غير فجك ]
و أخرج البخاري [ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : لقد كان فيما قبلكم من الأمم و قبله ] قال ابن عمر : [ و ما نزل
بالناس أمر قط فقالوا و قال إلا نزل القرآن على نحو ما قال عمر ]
و أخرج الترمذي و الحاكم و صححه [ عن عقبة بن عامر قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب ] و
أخرجه الطبراني عن أبي سعيد الخدري و عصمة بن مالك و أخرجه ابن عساكر من حديث ابن
عمر
و أخرج الترمذي [ عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : إني لأنظر إلى شياطين الجن و الإنس قد فروا من
عمر ]
و أخرج ابن ماجة و الحاكم [ عن أبي كعب قال : قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم أول من يصافحه الحق عمر و أول من يسلم عليه و أول من
يأخذ بيده فيدخل الجنة ]
و أخرج ابن ماجة و الحاكم [ عن أبي ذر قال : سمعت رسول
الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به ]
و أخرج أحمد و البزار [ عن أبي هريرة قال : قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : إن الله جعل الحق على لسان عمر و قلبه ] و أخرجه
الطبراني من حديث عمر بن الخطاب و بلال و معاوية بن أبي سفيان و عائشة رضي الله
عنهم و أخرجه ابن عساكر من حديث ابن عمر
و أخرج ابن منيع في مسنده عن علي رضي الله عنه قال : كنا
أصحاب محمد لا نشك أن السكينة تنطق على لسان عمر
و أخرج البزار [ عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : عمر سراج أهل الجنة
]
و أخرج البزار [ عن قدامة بن مظعون عن عمه عثمان بن
مظعون قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هذا غلق الفتنة و أشار بيده إلى
عمر لا يزال بينكم و بين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش هذا بين أظهركم ]
و أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال : [ جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : أقرئ عمر السلام و أخبره
أن غضبه عز و رضاه حكم ]
و أخرج ابن عساكر [ عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى
الله عليه و سلم قال : إن الشيطان يفرق من عمر ]
و أخرج أحمد من طريق بريدة أن النبي صلى الله عليه و سلم
قال : [ إن الشيطان ليفرق منك يا عمر
]
و أخرج ابن عساكر [ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما في السماء ملك إلا و هو يوقر عمر و لا في
الأرض شيطان إلا و هو يفرق من عمر
]
و أخرج الطبراني في الأوسط [ عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله باهى بأهل عرفة عامة و باهى
بعمر خاصة ] و أخرج في الكبير مثله من حديث ابن عباس رضي الله عنهما
و أخرج الطبراني و الديلمي [ عن الفضل بن عباس قال : قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم الحق بعدي مع عمر حيث كان ]
و أخرج الشيخان [ عن ابن عمر و أبي هريرة رضي الله عنه
قالا : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها
دلو فنزعت منها إلى ما شاء الله ثم أخذها أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين و في نزعه
ضعف و الله يغفر له ثم جاء عمر فاستقى فاستحالت في يده غربا فلم أر عبقريا من
الناس و ضربوا بعطن ]
قال النووي في تهذيبه : قال العلماء : هذا إشارة إلى
خلافة أبي بكر و عمر و كثرة الفتوح و ظهور الإسلام في زمن عمر
و أخرج الطبراني [ عن سديسة قالت : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه ] و أخرجه الدار
قطني في الأفراد من طريق سديسة عن حفصة
و أخرج الطبراني [ عن أبي كعب قال : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : قال لي جبريل : ليبك الإسلام على موت عمر ]
و أخرج الطبراني في الأوسط [ عن أبي سعيد الخدري قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من أبغض عمر فقد أبغضني و من أحب عمر فقد
أحبني و إن الله باهى بالناس عشية عرفة عامة و باهى بعمر خاصة و إنه لم يبعث الله
نبيا إلا كان في أمته محدث و إن يكن في أمتي منهم أحد فهو عمر قالوا : يا رسول
الله كيف محدث ؟ قال : تتكلم الملائكة على لسانه ] إسناده حسن
أقوال الصحابة و السلف فيه قال أبو بكر الصديق رضي الله
عنه : ما على ظهر الأرض رجل أحب إلي من عمر أخرجه ابن عساكر
و قيل لأبي بكر في مرضه : ماذا تقول لربك و قد وليت عمر
؟ قال : أقول له : وليت عليهم خيرهم أخرجه ابن سعد
و قال علي رضي الله عنه : إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر
ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر أخرجه الطبراني في الأوسط
و قال ابن عمر رضي الله عنه ما رأيت أحدا قط بعد رسول
الله صلى الله عليه و سلم من حين قبض أحد و لا أجود من عمر أخرجه ابن سعد
و قال ابن مسعود رضي الله عنه : لو أن علم عمر وضع في
كفه ميزان و وضع علم أحياء الأرض في كفة لرجح علم عمر بعلمهم و لقد كانوا يرون أنه
ذهب بتسعة أعشار العلم أخرجه الطبراني في الكبير و الحاكم
و قال حذيفة رضي الله عنه : كأن علم الناس كان مدسوسا في
حجر عمر
و قال حذيفة : و الله ما أعرف رجلا لا تأخذه في الله
لومة لائم إلا عمر
و قالت عائشة رضي الله عنها ـ و ذكرت عمر ـ كان و الله
أحوذيا نسيج و حده
و قال معاوية رضي الله عنه : أما أبو بكر فلم يرد الدنيا
و لم ترده و أما عمر فأرادته الدنيا و لم يردها و أما نحن فتمرغنا فيها ظهرا لبطن
أخرجه الزبير بن بكار في الموفقيات
و قال جابر رضي الله عنه : دخل علي على عمر ـ و هو مسجى
ـ فقال : رحمة الله عليك ! ما من أحد أحب إلي أن ألقى الله بما في صحيفته بعد صحبة
النبي صلى الله عليه و سلم من هذا المسجى أخرجه الحاكم
و قال ابن مسعود رضي الله عنه : إذا ذكر الصالحون فحيهلا
بعمر إن عمر كان أعلمنا بكتاب الله و أفقهنا في دين الله تعالى أخرجه الطبراني و
الحاكم
و سئل ابن عباس عن أبي بكر فقال : كان كالخير كله و سئل
عن عمر فقال : كان كالطير الحذر الذي يرى أن له بكل طريق شركا يأخذه و سئل عن علي
فقال : ملئ عزما و حزما و علما و نجدة أخرجه في الطيوريات
و أخرج الطبراني عن عمير بن ربيعة أن عمر بن الخطاب قال
لكعب الأحبار : كيف تجد نعتي ؟ قال : أجد نعتك قرنا من حديد قال : و ما قرن من
حديد ؟ قال : أمير شديد لا تأخذه في الله لومة لائم قال : ثم مه ؟ قال : ثم يكون
من بعدك خليفة تقتله فئة ظالمة قال : ثم مه ؟ قال : ثم يكون البلاء
و أخرج أحمد و البزار و الطبراني عن ابن مسعود رضي الله
عنه قال : فضل عمر بن الخطاب الناس بأربع : بذكر الأسرى يوم بدر أمر بقتلهم فأنزل
الله : { لولا كتاب من الله سبق } الآية و بذكر الحجاب أمر نساء النبي صلى الله
عليه و سلم أن يحتجبن فقالت له زينب : و إنك علينا يا ابن الخطاب والوحي ينزل
علينا في بيوتنا فأنزل الله : { وإذا سألتموهن متاعا } الآية و بدعوة النبي صلى
الله عليه و سلم : [ اللهم أيد الإسلام بعمر و برأيه في أبي بكر كان أول من بايعه ]
و أخرج ابن عساكر عن مجاهد قال : قال : كنا نحدث أن
الشياطين كانت مصفدة في إمارة عمر فلما أصيب بثت
و أخرج عن سالم بن عبد الله قال : أبطأ خبر عمر على أبي
موسى فأتى امرأة في بطنها شيطان فسألها عنه فقالت : حتى يجيئني شيطاني فجاء فسألته
عنه فقال : تركته مؤتزرا بكساء يهنأ إبل الصدقة و ذاك رجل لا يراه شيطان إلا خر
لمنخريه الملك بين عينيه و روح القدس ينطق بلسانه
قال سفيان الثوري : من زعم أن عليا كان أحق بالولاية من
أبي بكر و عمر فقد أخطأ و خطأ أبا بكر و المهاجرين و الأنصار
و قال شريك : ليس يقدم عليا على أبي بكر و عمر أحد فيه
خير
و قال أبو أسامة : أتدرون من أبو بكر و عمر ؟ هما أبو
الإسلام و أمه
و قال جعفر الصادق : أنا بريء ممن ذكر أبا بكر و عمر إلا
بخير
موافقات القرآن لآراء عمر قد أوصلها بعضهم إلى أكثر من
عشرين
أخرج ابن مردويه عن مجاهد قال : كان عمر يرى الرأي فينزل
به القرآن
و أخرج ابن عساكر عن علي قال : إن في القرآن لرأيا من
رأي عمر
و أخرج عن ابن عمر مرفوعا : ما قال الناس في شيء و قال
فيه عمر إلا جاء القرآن بنحو ما يقول عمر
و أخرج الشيخان عن عمر قال : وافقت ربي في ثلاث : قلت :
يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت : { واتخذوا من مقام إبراهيم
مصلى } و قلت : يا رسول الله يدخل على نسائك البر و الفاجر فلوا أمرتهن يحتجبن
فنزلت آية الحجاب و اجتمع نساء النبي صلى الله عليه و سلم في الغيرة فقلت : عسى
ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن فنزلت كذلك
و أخرج مسلم عن عمر قال : وافقت ربي في ثلاث في الحجاب و
في أسارى بدر و في مقام إبراهيم ففي هذا الحديث خصلة رابعة
و في التهذيب للنووي : نزل القرآن بمواقفه في أسرى بدر و
في الحجاب و في مقام إبراهيم و في تحريم الخمر فزاد خصلة خامسة و حديثها في السنن
و مستدرك الحاكم أنه قال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فأنزل الله تحريمها
و أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن أنس قال : عمر : وافقت
ربي في أربع نزلت هذه الآية : { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } الآية فلما
نزلت قلت أنا : فتبارك الله أحسن الخالقين فنزلت : { فتبارك الله أحسن الخالقين } فزاد في هذا
الحديث خصلة سادسة و للحديث طريق آخر عن ابن عباس أوردته في التفسير المسند
ثم رأيت في كتاب فضائل الإمامين لأبي عبد الله الشيباني
قال : وافق عمر ربه في أحد و عشرين موضعا فذكر هذه الستة و زاد سابعا قصة عبد
الملك بن أبي
قلت : حديثها في الصحيح عنه قال : لما توفي عبد الله بن
أبي دعي رسول الله صلى الله عليه و سلم للصلاة عليه فقام إليه فقمت حتى وقفت حتى
وقفت في صدره فقلت : يا رسول الله أو على عدو الله ابن أبي القائل يوم كذا كذا ؟
فو الله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا } الآية
و ثامنا { يسألونك عن الخمر }
و تاسعا { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة } الآية
قلت : هما مع آية المائدة خصلة واحدة و الثلاثة في الحديث السابق
و عاشرا : لما أكثر رسول الله صلى الله عليه و سلم من
الاستغفار لقوم قال عمر : سواء عليهم فأنزل الله : { سواء عليهم أستغفرت لهم }
الآية قلت : أخرجه الطبراني عن ابن عباس
الحادي عشر : لما استشار صلى الله عليه و سلم الصحابة في
الخروج إلى بدر أشار عمر بالخروج فنزلت : { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق }
الثاني عشر : لما الصحابة في قصة الإفك قال عمر : من
زوجكها يا رسول الله ؟ قال : الله قال : أفتظن أن ربك دلس عليك فيها ؟ سبحانك هذا
بهتان عظيم فنزلت كذلك
الثالث عشر : قصته في الصيام لما جامع زوجته بعد
الانتباه و كان ذلك محرما في أول الإسلام فنزل : { أحل لكم ليلة الصيام } الآية
قلت أخرجه أحمد في مسنده
الرابع عشر : قوله تعالى : { من كان عدوا لجبريل } الآية
قلت : أخرجه ابن جرير و غيره من طريق عديدة و أقربها
للموافقة ما أخرجه ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى : أن يهوديا لقي عمر
فقال : إن جبريل الذي يذكره صاحبكم عدو لنا فقال له عمر : من كان عدوا لله و
ملائكته و رسله و جبريل و ميكال فإن الله عدو للكافرين فنزلت على لسان عمر
الخامس عشر : قوله تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون } الآية
قلت : أخرج قصتها ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن أبي
الأسود قال : اختصم رجلان إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقضى بينهما فقال الذي
قضى عليه : ردنا إلى عمر بن الخطاب فأتيا إليه فقال الرجل : قضى لي رسول الله صلى
الله عليه و سلم على هذا فقال : ردنا إلى عمر فقال : أكذاك ؟ قال : نعم فقال عمر :
مكانكما حتى أخرج إليكما فخرج إليهما مشتملا على سيفه فضرب الذي قال [ ردنا إلى عمر ]
فقتله و أدبر الآخر فقال : يا رسول الله قتل عمر ـ و الله ـ صاحبي : فقال ما كنت
أظن أن يجترئ عمر على قتل مؤمن فأنزل الله : { فلا وربك لا يؤمنون } الآية فأهدر
دم الرجل و برئ عمر من قتله و له شاهد موصول أوردته في التفسير المسند
السادس عشر : الاستئذان في الدخول و ذلك أنه عليه غلامه
و كان نائما فقال : اللهم حرم الدخول فنزلت آية الاستئذان
السابع عشر : قوله في اليهود : إنهم قوم بهت
الثامن عشر : قوله تعالى : { ثلة من الأولين * وثلة من
الآخرين }
قلت : أخرج قصتها ابن عساكر في تاريخه عن جابر بن عبد
الله و هي في أسباب النزول
التاسع عشر : رفع تلاوة : الشيخ و الشيخة إذا زنيا الآية
العشرون : قوله يوم أحد لما قال أبو سفيان : أفي القوم
فلان ؟ لا نجيبنه فوافقه رسول الله صلى الله عليه و سلم قلت : أخرج قصته أحمد في
مسنده
قال : و يضم إلى هذا ما أخرجه عثمان بن سعيد الدارمي في
كتاب [ الرد على الجهمية ] من طريق ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن كعب الأحبار
قال : ويل لملك الأرض من ملك السماء فقال عمر : إلا من حاسب نفسه فقال كعب : و
الذي نفسي بيده إنها في التوراة لتابعتها فخر عمر ساجدا
ثم رأيت في الكامل لابن عدي من طريق عبد الله بن نافع ـ
و هو ضعيف ـ عن أبيه عن عمر أن بلالا كان يقول ـ إذا أذن ـ أشهد أن لا إله إلا
الله حي على الصلاة فقال له عمر
: قل في أثرها : أشهد أن محمدا رسول الله فقال رسول الله
صلى الله عليه و سلم : [ قل كما قال عمر ]
كراماته أخرج البيهقي و أبو نعيم كلاهما في دلائل النبوة
و اللالكاني في شح السنة و الدير عاقولي في فوائده و ابن الأعرابي في كرامات
الأولياء و الخطيب في رواة مالك عن نافع عن ابن عمر قال : وجه عمر جيشا و رأس
عليهم رجلا يدعى سارية فبينما عمر يخطب جعل ينادي : يا سارية الجبل ثلاثا ثم قدم
رسول الجيش فسأله عمر فقال : يا أمير المؤمنين هزمنا فبينا نحن كذلك إذ سمعنا صوتا
ينادي : يا سارية الجبل ثلاثا فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله قال : قيل
لعمر : إنك كنت تصيح بذلك و ذلك الجبل الذي كان سارية عنده بنهاوند من أرض العجم
قال ابن حجر في الإصابة : إسناده حسن
و أخرج ابن مردويه من طريق ميمون بن مهران عن ابن عمر
قال : كان عمر يخطب يوم الجمعة فعرض في خطبته أن قال : يا سارية الجبل من استرعى
الذئب ظلم فالتفت الناس بعضهم لبعض فقال لهم علي : ليخرجن مما قال فلما فرغ سألوه
فقال : وقع في خلدي أن المشركين هزموا 'إخواننا و إنهم يمرون بجبل فإن عدلوا إليه
قاتلوا من وجه واحد و إن جاوزوا هلكوا فخرج مني ما تزعمون أنكم سمعتموه قال : فجاء
البشير بعد شهر فذكر أنهم سمعوا صوت عمر في ذلك اليوم فعدلنا إلى الجبل ففتح الله
علينا
و أخرج أبو نعيم في الدلائل عن عمرو بن الحارث قال :
بينما عمر على المنبر يخطب يوم الجمعة إذ ترك الخطبة فقال : يا سارية الجبل مرتين
أو ثلاثا ثم أقبل على خطبته فقال بعض الحاضرين : لقد جن إنه لمجنون فدخل عليه عبد
الرحمن بن عوف و كان يطمئن إليه فقال : لشد ما ألومهم عليك إنك لتجعل لهم على نفسك
مقالا بينا أنت تخطب إذ أنت تصيح يا سارية الجبل أي شيء هذا ؟ قال : إني و الله ما
ملكت ذلك رأيتهم يقاتلون عند جبل يؤتون من بين أيديهم و من خلفهم فلم أملك أن قلت
: يا سارية الجبل ليلحقوا بالجبل فلبثوا إلى أن جاء رسول سارية بكتابه : إن القوم
لقونا يوم الجمعة فقاتلناهم حتى إذا حضرت الجمعة و دار حاجب الشمس سمعنا مناديا
ينادي : يا سارية الجبل مرتين فلحقنا بالجبل فلم نزل قاهرين لعدونا حتى هزمهم الله
و قتلهم
فقال أولئك الذين طعنوا عليه : دعوا هذا الرجل فإنه
مصنوع له
و أخرج أبو القاسم بن بشران في فوائده من طريق موسى بن
عقبة عن نافع عن ابن عمر قال : قال عمر بن الخطاب لرجل : ما اسمك ؟ قال : جمرة قال
: ابن من ؟ قال : ابن شهاب قال : ممن ؟ قال : من الحرقة قال : أين مسكنك ؟ قال : الحرة قال : بأيها
؟ قال : بذات لظى فقال عمر : أدرك أهلك فقد احترقوا فرجع الرجل فوجد أهله قد
احترقوا
و أخرج مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد نحوه و أخرجه ابن
دريد في الأخبار المنثورة و ابن الكلبي في الجامع و غيرهم
و قال أبو الشيخ في كتاب العظمة : حدثنا أبو الطيب حدثنا
علي بن داود حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا ابن لهيعة عن قيس بن الحجاج عمن حدثه
قال : لما فتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص حين دخل يوم من أشهر العجم فقالوا : يا أيها الأمير
إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها قال : و ما ذاك ؟ قالوا : إذا كان إحدى عشرة ليلة تخلو من هذا
الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها و جعلنا عليها من الثياب و
الحلي أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل فقال لهم عمرو : إن هذا لا يكون أبدا
في الإسلام و إن الإسلام يهدم ما كان قبله فأقاموا و النيل لا يجري قليلا و لا
كثيرا حتى هموا بالجلاء فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك فكتب له :
أن قد أصبت بالذي قلت و إن الإسلام يهدم ما كان قبله و بعث بطاقة في داخل كتابه و
كتب إلى عمرو : إني قد بعثت إليك ببطاقة في داخل كتابي فألقها في النيل فلما قدم
كتاب عمر إلى عمرو بن العاص أخذ البطاقة ففتحها فإذا فيها : من عبد الله عمر بن الخطاب أمير
المؤمنين إلى نيل مصر أما بعد : فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر و إن كان الله يجريك
فأسأل الله الواحد القهار أن يجريك فألقى البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم
فاصبحوا و قد أجراه الله تعالى ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة فقطع الله تلك السنة
عن أهل مصر إلى اليوم
و أخرج ابن عساكر عن طارق بن شهاب قال : إن كان الرجل
ليحدث عمر بالحديث فيكذبه الكذبة فيقول : أحبس هذه ثم يحدثه بالحديث فيقول : احبس
هذه فيقول له : كل ما حدثتك حق إلا ما أمرتني أن أحبسه
و أخرج عن الحسن قال : إن كان أحد يعرف الكذب إذا حدث به
فهو عمر بن الخطاب
و أخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هدبة الحمصي قال :
أخبر عمر بأن أهل العراق قد حصبوا أميرهم فخرج غضبان فصل فسها في صلاته فلما سلم
قال : اللهم إنهم قد لبسوا علي فالبس عليهم و عجل عليهم بالغلام الثقفي يحكم فيهم
بحكم الجاهلية : لا يقبل من محسنهم و لا يتجاوز عن مسيئهم
قلت : أشار به إلى الحجاج قال أبو لهيعة : و ما ولد
الحجاج يومئذ
نبذ من سيرته أخرج ابن سعد عن الأحنف ابن قيس قال : كنا
جلوسا بباب عمر فمرت جارية فقالوا : سرية أمير المؤمنين فقال : ما هي لأمير المؤمنين
بسرية و لا تحل له إنها من مال الله فقلنا : فماذا يحل له من مال الله تعالى ؟ قال : إنه لا يحل لعمر
من مال الله إلا حلتين : حلة للشتاء و حلة للصيف و ما أحج به و أعتمر و قوتي و قوت
أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم و لا بأفقرهم ثم أنا بعد رجل من المسلمين
و قال خزيمة ابن ثابت : كان عمر إذا استعمل عاملا كتب له
و اشترط عليه أن لا يركب برذونا و لا يأكل نقيا و لا يلبس رقيقا و لا يغلق بابه
دون ذوي الحاجات فإن فعل فقد حلت عليه العقوبة
و قال عكرمة بن خالد و غيره : إن حفصة و عبد الله و
غيرهما كلموا عمر فقالوا : لو أكلت طعاما طيبا كان أقوى لك على الحق قال : أكلكم عاى هذا
الرأي ؟ قالوا : نعم قال : قد علمت نصحكم و لكني تركت صاحبي على جادة فإن تركت
جادتهما لم أدركهما في المنزل
قال : و أصاب الناس سنة فما أكل عامئذ سمنا و لا سمينا
و قال ابن مليكة : كلم عتبة بن فرقد عمر في طعامه فقال :
ويحك ! آكل طيبات في حياتي الدنيا و أستمتع بها ؟ !
و قال الحسن دخل عمر على ابنه عاصم و هو يأكل لحما فقال
: ما هذا ؟ قال : قرمنا إليه قال : أو كلما قرمت إلى شيء أكلته ؟ كفى بالمرء
سرفا أن يأكل كل ما اشتهى
و قال أسلم : قال عمر : لقد خطر على قلبي شهوة السمك
الطري قال : فرحل يرفأ راحلته و سار أربعا مقبلا و أربعا مدبرا و اشترى مكتلا فجاء
به و عمد إلى الراحلة فغسلها فأتى عمر فقال : انطلق حتى أنظر إلى الراحلة فنظر و
قال : أنسيت أن تغسل هذا العرق الذي تحت أذنيها ؟ عذبت بهيمة في شهوة عمر ؟ ! لا و
الله لا يذوق عمر مكتلك
و قال قتادة : كان عمر يلبس ـ و هو خليفة ـ جبة من صوف
مرقوعة بعضها بأدم و يطوف في الأسواق على عاتقه الدرة يؤدب بها الناس و يمر بالنكث
و النوى فيلتقطه و يلقيه في منازل الناس ينتفعون به
و قال أنس : رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع في قميصه
و قال أبو عثمان النهدي : رأيت على عمر إزارا مرقوعا
بأدم
و قال عبد الله بن عامر بن ربيعة : حججت مع عمر فما ضرب
فسطاطا و لا خباء كان يلقي الكساء و النطع على الشجرة و يستظل تحته
و قال عبد الله بن عيسى : كان في وجه عمر بن الخطاب خطان
أسودان من البكاء
و قال الحسن : كان عمر يمر بالآية من ورده فيسقط حتى
يعاد منها أياما
و قال أنس : دخلت حائطا فسمعت عمر يقول و بيني و بينه
جدار : عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ و الله لتتقين الله ابن الخطاب أو ليعذبنك
الله
و قال عبد الله بن عامر بن ربيعة : رأيت عمر أخذ تبنة من
الأرض فقال : ليتني كنت هذه التبنة يا ليتني لم أكن شيئا ليت أمي لم تلدني
و قال عبيد الله بن عمر بن حفص : حمل عمر بن الخطاب قربة
على عنقه فقيل له في ذلك فقال : إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلها
و قال محمد سيرين : قدم صهر لعمر عليه فطلب أن يعطيه من
بيت المال فانتهره عمر و قال : أردت أن ألقى الله ملكا خائنا ؟ ثم أعطاه من صلب
ماله عشرة آلاف درهم
و قال النخعي : كان عمر يتجر و هو خليفة
و قال أنس
: تقرقر بطن عمر من أكل الزيت عام الرمادة و كان قد حرم
على نفسه السمن فنقر بطنه بإصبعه و قال : إنه ليس عندنا غيره حتى يحي الناس
و قال سفيان بن عيينة : قال عمر بن الخطاب : أحب الناس
إلي من رفع إلي عيوبي
و قال أسلم : رأيت عمر بن الخطاب يأخذ بأذن الفرس و يأخذ
بيده الأخرى أذنه ثم ينزو على متن الفرس
و قال ابن عمر : ما رأيت عمر غضب قط فذكر الله عنده أو
خوف أو قرأ عنده إنسان آية من القرآن إلا وقف عما كان يريد
و قال بلال لأسلم : كيف تجدون عمر ؟ فقال : خير الناس
إلا أنه إذا غضب فهو أمر عظيم فقال بلال : لو كنت عنده إذا غضب قرأت عليه القرآن
حتى يذهب غضبه
و قال الأحوص بن حكيم عن أبيه : أتى عمر بلحم فيه سمن
فأبى أن يأكلهما
و قال : كل واحد منهما أدم أخرج هذه الآثار كلهما ابن
سعد
و أخرج ابن سعد عن الحسن قال : قال عمر : هان شيء أصلح
به قوما أن أبدلهم أميرا مكان أمير
صفته أخرج ابن سعد و الحاكم عن زر قال : خرجت مع أهل
المدينة في يوم عيد فرأيت عمر يمشي حافيا شيخا أصلع آدم أعسر طوالا مشرفا على
الناس كأنه على دابة قال الواقدي : لا يعرف عندنا أن عمر كان آدم إلا أن يكون رآه
عام الرمادة فإنه كان تغير لونه حين أكل الزيت
و أخرج ابن سعد عن ابن عمر أنه وصف عمر فقال : رجل أبيض
تعلوه حمرة طوال أصلع أشيب
و أخرج عن عبيد بن عمير قال : كان عمر يفوق الناس طولا
و أخرج عن سلمة بن الأكوع قال : كان عمر رجلا أعسر يعني
يعتمد بيديه جميعا
و أخرج ابن عساكر عن أبي رجاء العطاردي قال : كان عمر
رجلا طويلا جسيما أصلع شديد الصلع أبيض شديد الحمرة في عارضيه خفة سبلته كبيرة و
في أطرافها صهبة
و في تاريخ ابن عساكر من طرق أن أم عمر بن الخطاب حنتمة
بنت هشام بن المغيرة أخت أبي جهل بن هشام فكان أبو جهل خاله
خلافته و الأحداث التي جرت في عهده ولي الخلافة بعهد من
أبي بكر في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة قال الزهري : استخلف عمر يوم توفي أبو بكر
و هو يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة أخرجه الحاكم بالأمر أتم قيام
و كثرت الفتوح في أيامه :
ففي سنة أربع عشرة فتحت دمشق ما بين صلح و عنوة و حمص و
بعلبك صلحا و البصرة و الأبلة كلاهما عنوة
و فيها جمع عمر الناس على صلاة التراويح قله العسكري في
الأوائل
و في سنة خمس عشرة فتحت الأردن كلها عنوة إلا طبرية
فإنها فتحت صلحا و فيها كانت وقعة اليرموك و القادسية
قال ابن جرير : و فيها مصر سعد الكوفة و فيها فرض عمر
الفروض و دون الدواوين و أعطى العطاء على السابقة
و في سنة ست عشرة فتحت الأهواز و المدائن و أقام بها سعد
الجمعة في إيوان كسرى و هي أول جمعة جمعت بالعراق و ذلك في صفر و فيها كانت وقعة
جلولاء و هزم فيها يزدجرد بن كسرى و تقهقر إلى الري و فيها فتحت تكريت و فيها سار
عمر ففتح بيت المقدس و خطب بالجابية خطبته المشهورة و فيها فتحت قنسرين عنوة و حلب
و إنطاكية و منبج صلحا و سروج عنوة و فيها فتحت قرقيسياء صلحا و في ربيع الأول كتب
التاريخ من الهجرة بمشورة علي
و في سنة عشرة زاد عمر في المسجد النبوي و فيها كان
القحط بالحجاز ابن سعد و سمي عام الرمادة و استسقى عمر للناس بالعباس
أخرج ابن سعد عن نيار الأسلمي أن عمر لما يستسقي خرج و
عليه برد رسول الله صلى الله عليه و سلم و أخرج عن ابن عون قال : أخذ عمر بيد
العباس ثم رفعها و قال : اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك أن تذهب عنا المحل و أن
تسقينا الغيث فلم يبرحوا حتى سقوا فأطبقت السماء عليهم أياما و فيها فتحت الأهواز
صلحا
و في سنة ثمان عشرة فتحت جند يسابور صلحا و حلوان عنوة و
فيها كان طاعون عمواس و فيها فتحت الرها و سميساط عنوة و حران و نصيبين و طائفة من
الجزيرة عنوة ـ و قيل : صلحا ـ و الموصل و نواحيها و الموصل و نواحيها عنوة و في
سنة تسع عشرة فتحت قيسارية عنوة
و في سنة عشرين فتحت مصر عنوة و قيل : مصر كلها صلحا إلا
الإسكندرية فعنوة و قال علي بن رباح
: المغرب كله عنوة و فيها فتحت تستر و فيها هلك قيصر
عظيم الروم و فيها أجلى عمر اليهود عن خيبر و عن نجران و قسم خيبر و وادي القرى
و في سنة إحدى و عشرين فتحت الإسكندرية عنوة و نهاوند و
لم يكن للأعاجم بعدها جماعة و برقة و غيرها
و في سنة اثنتين و عشرين فتحت أذربيجان عنوة و قيل :
صلحا و الدينور عنوة و ماسبذان عنوة و همذان و طرابلس المغرب و الري و عسكر و قومس
و في سنة ثلاث و عشرين كان فتح كرمان و سجستان و مكران
من بلاد الجبل و أصبهان و نواحيها
مقتله ووصيته و في آخرها كانت وفاة سيدنا عمر رضي الله
عنه بعد صدوره من الحج شهيدا قال سعيد بن المسيب : لما نفر عمر من منى أناخ
بالأبطح ثم استلقى و رفع يديه إلى السماء و قال : اللهم كبرت سني و ضعفت قوتي و
انتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع و لا مفرط فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل أخرجه
الحاكم و قال أبو صالح السمان : قال كعب الأحبار ل عمر : أجدك في التوراة تقتل
شهيدا قال و أنى لي بالشهادة و أنا بجزيرة العرب ؟
و قال أسام : قال عمر : اللهم ارزقني شهادة في سبيلك و
اجعل موتي في بلد رسولك أخرجه البخاري
و قال معدان بن أبي طلحة : خطب عمر فقال : رأيت كأن ديكا
نقرني نقرة أو نقرتين و إني لا أراه إلا حضور أجلي و إن قوما يأمروني أن أستخلف و
إن الله لم يكن ليضيع دينه و لا خلافته فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء
الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو راض عنهم أخرجه الحاكم
قال الزهري : كان عمر رضي الله عنه لا يأذن لسبي قد
احتلم في دخول المدينة حتى كتب إليه المغيرة بن شعبة و هو على الكوفة يذكر له
غلاما عنده جملة صنائع و يستأذنه أن يدخل المدينة و يقول : إن عنده أعمالا كثيرة
فيها منافع للناس إنه حداد نقاش نجار فأذن له أن يرسله إلى المدينة و ضرب عليه
المغيرة مائة درهم في الشهر فجاء إلى عمر يشتكي شدة الخراج فقال : ما خراجك بكثير
فانصرف ساخطا يتذمر فلبث عمر ليالي ثم دعاه فقال : ألم أخبر أنك تقول : لو أشاء
لصنعت رحى تطحن بالريح ؟ فالتفت إلى عمر عابسا و قال : لأصنعن لك رحى يتحدث بها فلما ولى قال
عمر لأصحابه : أوعدني العبد آنفا ثم اشتمل أبو لؤلؤة على خنجر ذي رأسين نصابه في
وسطه فكمن بزاوية من زوايا المسجد في الغلس فلم يزل هناك حتى خرج عمر يوقظ الناس
للصلاة فلما دنا منه طعنه ثلاث طعنات أخرجه ابن سعد
و قال عمرو بن ميمون الأنصاري : إن أبا لؤلؤة عبد
المغيرة طعن عمر بخنجر له رأسان و طعن معه اثني عشر رجلا مات منهم ستة فألقى عليه
رجل من أهل العراق ثوبا فلما اغتم فيه قتل نفسه
و قال أبو رافع : كان أبو لؤلؤة عبد المغيرة يصنع
الأرحاء و كان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم فلقي عمر فقال : يا أمير
المؤمنين إن المغيرة قد أثقل علي فكلمه فقال : أحسن إلى مولاك ـ و من نية عمر أن
يكلم المغيرة فيه ـ فغضب و قال : يسع الناس كلهم عدله غيري و أضمر قتله و اتخذ
خنجرا و شحذه و سمه و كان عمر يقول [ أقيموا صفوفكم ] قبل أن يكبر فجاء فقام حذاءه
في الصف و ضربه في كتفه و في خاصرته فسقط عمر و طعن ثلاثة عشر رجلا معه فمات منهم
ستة و حمل عمر إلى أهله و كادت الشمس أن تطلع فصلى عبد الرحمن بن عوف بالناس بأقصر
سورتين و أتى عمر بنبيذ فشربه فخرج من جرحه فلم يتبين فسقوه لبنا فخرج من جرحه
فقالوا : لا بأس عليك فقال : إن يكن القتل بأس فقد قتلت فجعل الناس يثنون عليه و
يقولون : كنت و كنت فقال : أما و الله و ودت أني خرجت منها كفافا لا علي و لا لي و
أن صحبة رسول الله صلى الله عليه و سلم سلمت لي و أثنى عليه ابن عباس فقال : لو أن
لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من هول المطلع و قد جعلتها شورى في عثمان و علي و
طلحة و الزبير و عبد الرحمن بن عوف و سعد و أمر صهيبا أن يصلي بالناس و أجل الستة
ثلاثا أخرجه الحاكم
و قال ابن عباس : كان أبو لؤلؤة مجوسيا
و قال عمر بن ميمون : قال عمر : الحمد لله الذي لم يجعل
منيتي بيد رجل يدعي الإسلام ثم قال لابنه : يا عبد الله انظر ما علي من الدين
فحسبوه فوجدوه ستة و ثمانين ألفا أو نحوها فقال : إن وفى مال آل عمر فأده من
أموالهم و إلا فاسأل في بني عدي فإن لم تف أموالهم فاسأل في قريش اذهب إلى أم
المؤمنين عائشة فقل : يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه فذهب إليها فقالت : كنت أريده ـ
تعني المكان ـ لنفسي و لأوثرنه اليوم على نفسي فأتى عبد الله فقال : قد أذنت فحمد
الله تعالى و قيل له : أوص يا أمير المؤمنين و استخلف قال : ما أرى أحدا أحق بهذا
الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو عنهم راض
فسمى الستة و قال : يشهد عبد الله بن عمر معهم و ليس له من الأمر شيء فإن أصابت
الأمرة سعدا فهو ذاك و إلا فليستعن به أيكم ما أمر فإني لم أعزله من عجز و لا
خيانة ثم قال : أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله و أوصيه بالمهاجرين و الأنصار و
أوصيه بأهل الأمصار خيرا في مثل ذلك من الوصية فلما توفي خرجنا به نمشي فسلم عبد
الله بن عمر و قال : عمر يستأذن فقالت عائشة : أدخلوه فأدخل فوضع هناك مع صاحبيه
فلما فرغوا من دفنه و رجعوا اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن بن عوف : اجعلوا
أمركم إلى ثلاثة منكم فقال الزبير : قد جعلت أمري إلى علي و قال سعد : قد جعلت
أمري إلى عبد الرحمن و قال طلحة : قد جعلت أمري إلى عثمان قال : فخلا هؤلاء
الثلاثة فقال عبد الرحمن أنا لا أريدها فأيكما يبرأ من هذا الأمر و نجعله إليه ؟ و
الله عليه و الإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه و ليحرصن عل صلاح الأمة فسكت الشيخان
علي و عثمان فقال عبد الرحمن : اجعلوه إلي و الله علي لا آلوكم عن أفضلكم قالا نعم
فخلا بعلي و قال : لك من القدم في الإسلام و القربة من رسول الله صلى الله عليه و
سلم ما قد علمت الله عليك لئن أمرتك لتعدلن و لئن أمرت عليك لتسمعن و لتطيعن ؟ قال
: نعم ثم خلا بالآخر فقال له كذلك فلما أخذ ميثاقهما بايع عثمان و بايعه علي
و في سند أحمد عن عمر أنه قال : إن أدركني أجلي و أبو
عبيدة بن الجراح حي استخلفه فإن سألني ربي قلت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم
يقول : [ إن لكل نبي أمينا و أميني أبو عبيدة بن الجراح ] فإن أدركني أجلي ـ و قد
توفي أبو عبيدة ـ استخلف معاذ بن جبل فإن سألني ربي : لم استخلفته ؟ قلت سمعت رسول
الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ إنه يحشر يوم القيامة بين يدي العلماء نبذة ] و
قد ماتا في خلافته
و في المسند أيضا عن أبي رافع أنه قيل لعمر عند موته في
الإستخلاف فقال : قد رأيت من أصحابي حرصا سيئا و لو أدركني أحد رجلين ثم جعلت هذا
الأمر إليه لوثقت به : سالم مولى أبي حذيفة و أبو عبيدة بن الجراح
أصيب عمر يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة و دفن يوم
الأحد مستهل المحرم الحرام و له ثلاث و ستون سنة و قيل : ست و ستون سنة و قيل : إحدى و ستون و
قيل : ستون و رجحه الواقدي و قيل : تسع و خمسون و قيل : خمس أو أربع و خمسون و صلى
عليه صهيب في المسجد
و في تهذيب المزني كان نقش خاتم عمر [ كفى بالموت واعظا
يا عمر ]
و أخرج الطبراني عن طارق بن شهاب قال : قالت أم أيمن يوم
قتل عمر : اليوم و هى الإسلام و أخرج عبد الرحمن بن يسار قال : شهدت موت عمر بن
الخطاب فانكسفت الشمس يومئذ رجاله ثقات
أوليات عمر رضي الله عنه قال العسكري : هو أول من سمي
أمير المؤمنين و أول من كتب التاريخ من الهجرة و أول من اتخذ بيت المال و أول من
سن قيام شهر رمضان و أول من عس بالليل و أول من عاقب على الهجاء و أول من ضرب في
الخمر ثمانين وأول من حرم المتعة و أول من نهى عن بيع أمهات الأولاد و أول من جمع
الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات و أول من اتخذ الديوان و أول من فتح
الفتوح و مسح السواد و أول من حمل الطعام من مصر في بحر أيلة إلى المدينة و أول من
احتبس صدقة في الإسلام و أول من أعال الفرائض و أول من أخذ زكاة الخيل و أول من
قال : أطال الله بقاءك قاله لعلي و أول من قال : أيدك الله قاله لعلي هذا آخر ما
ذكر العسكري
و قال النووي في تهذيبه : هو أول من اتخذ الدرة و كذا
ذكره ابن سعد في الطبقات قال : و لقد قيل بعده : لدرة عمر أهيب من سيفكم قال : و
هو أول من استقضى القضاء في الأمصار و أول من مصر الأمصار : الكوفة و البصرة و
الجزيرة و الشام و مصر و الموصل
و أخرج ابن عساكر عن إسماعيل بن زياد قال : مر علي بن
أبي طالب على المساجد في رمضان و فيها القناديل فقال : نور الله على عمر في قبره
كما نور علينا في مساجدنا
قال ابن سعد : اتخذ عمر دار الدقيق فجعل فيها الدقيق و
السويق و التمر و الزبيب و ما يحتاج إليه : يعين به المنقطع و وضع فيما بين مكة و
المدينة بالطريق ما يصلح من ينقطع به و هدم المسجد النبوي و زاد فيه و وسعه و فرشه
بالحصباء و هو الذي أخرج اليهود من الحجاز إلى الشام و أخرج أهل نجران إلى الكوفة
و هو الذي أخر مقام إبراهيم إلى موضعه اليوم و كان ملصقا بالبيت
نبذ من أخباره و قضاياه أخرج العسكري في الأوائل و
الطبراني في الكبير و الحاكم من طريق ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز سأل أبا بكر
بن سليمان بن أبي حثمة : لأي شيء كان يكتب [ من خليفة رسول الله صلى الله عليه و
سلم ] في عهد أبي بكر ؟ ثم كان عمر كتب أولا [ من خليفة أبي بكر ] فمن أول من
كتب [ من أمير المؤمنين ] ؟ فقال : حدثتني الشفاء ـ و كانت من المهاجرات ـ أن
أبا بكر كان يكتب من خليفة رسول الله و كان عمر يكتب من خليفة خليفة رسول الله حتى
كتب عمر إلى عامل العراق أن يبعث إليه رجلين جلدين يسألهما عن العراق و أهله فبعث
إليه لبيد بن ربيعة و عدي بن حاتم فقدما المدينة و دخلا المسجد فوجدا عمرو بن
العاص فقالا : استأذن لنا على أمير المؤمنين فقال عمرو : أنتما و الله أصبتما اسمه
فدخل عليه عمرو فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال : ما بدا لك في هذا الا
سم ؟ لتخرجن مما قلت فأخبره و قال : أنت الأمير و نحن المؤمنين فجرى الكتاب بذلك
من يومئذ
و قال النووي في تهذيبه : سماه بهذا الاسم عدي بن حاتم و
لبيد بن ربيعة حين وفدا عليه من العراق و قيل : سماه به المغيرة بن شعبة و قيل :
إن عمر قال للناس : أنتم المؤمنين و أنا أميركم فسمي أمير المؤمنين و كان قبل ذلك
يقال له : خليفة خليفة رسول الله فعدلوا عن تلك العبارة لطولها
و أخرج ابن عساكر عن معاوية بن قرة قال : كان يكتب من
أبي بكر خليفة رسول الله فلما كان عمر بن الخطاب أرادوا أن يقولوا : خليفة خليفة
رسول الله قال عمر : هذا يطول :
قالوا : لا و لكنا أمرناك علينا فأنت أميرنا قال : نعم
أنتم المؤمنين و أنا أميركم فكتب [ أمير المؤمنين ]
و أخرج البخاري في تاريخه عن أبي المسيب قال : أول من
كتب التاريخ عمر بن الخطاب لسنتين و نصف من خلافته فكتب لست عشرة من الهجرة بمشورة
علي
و أخرج السلفي في الطيوريات بسند صحيح عن ابن عمر عن عمر
أنه أراد أن يكتب السنن فاستخار الله شهرا فأصبح و قد عزم له ثم قال : إني ذكرت
قوما كانوا قبلكم كتبوا كتابا فأقبلوا عليه و تركوا كتاب الله
و أخرج ابن سعد عن شداد قال : كان أول كلام تكلم به عمر
حين صعد المنبر أن قال : اللهم إني شديد فليني و إني ضعيف فقوني و إني بخيل فسخني
و أخرج ابن سعد و سعيد بن منصور و غيرهما من طرق عن عمر
أنه قال : إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة والي اليتيم من ماله : إن أيسرت
استعففت و إن افتقرت أكلت بالمعروف فإن أيسرت قضيت و أخرج ابن سعد عن ابن عمر أن
عمر بن الخطاب كان إذا احتاج أتى صاحب بيت المال فاستقرضه فربما أعسر فيأتيه صاحب
بيت المال يتقاضاه فيلزمه فيحتال له عمر و ربما خرج عطاؤه فقضاه
و أخرج ابن سعد عن البراء بن معرور أن عمر خرج يوما حتى
أتى المنبر و كان قد اشتكي شكوى فنعت له العسل و في بيت المال عكة فقال : إن أذنتم لي
فيها أخذتها و إلا فهي علي حرام فأذنوا له
و أخرج عن سالم بن عبد الله أن عمر كان يدخل يده في دبرة
البعير و يقول : إني لخائف أن أسالك عما بك
و أخرج عن ابن عمر قال : كان عمر إذا أراد أن ينهى الناس
عن شيء تقدم إلى أهله فقال : لا أعلمن أحدا وقع في شيء مما نهيت عنه إلا أضعفت
عليه العقوبة
و روينا من غير وجه أن عمر بن الخطاب خرج ذات ليلة يطوف
بالمدينة ـ و كان يفعل ذلك كثيرا ـ إذ مر بامرأة من نساء العرب مغلقا عليها بابها
و هي تقول :
( تطاول هذا الليل تسري كواكبه ... و أرقني أن لا ضجيع
ألاعبه )
( فو الله لو لا الله تخشى عواقبه ... لزحزح من هذا
السرير جوانبه )
( و لكنني أخشى رقيبا موكلا ... بأنفسنا لا يفتر الدهر
كاتبه )
( مخافة ربي و الحياء يصدني ... و أكرم بعلي أن تنال
مراتبه )
فكتب إلى عماله بالغزو أن لا يغيب أحد أكثر من أربعة
أشهر
و أخرج ابن سعد عن زادان عن سلمان أن عمر قال له : أملك أنا
أم خليفة ؟ فقال له سلمان : إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهما أو أقل أو أكثر ثم
وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة فاستعبر عمر
و أخرج عن سفيان بن أبي العرجاء قال : قال عمر بن الخطاب
: و الله ما أدري أخليفة أنا أم ملك ؟ فإن كنت ملكا فهذا أمر عظيم فقال قائل : يا
أمير المؤمنين إن بينهما فرقا قال : ما هو ؟ قال : خليفة لا يأخذ إلا حقا و لا
يضعه إلا في حق و أنت بحمد الله كذلك و الملك يعسف الناس فيأخذ من هذا و يعطي هذا
فسكت عمر
و أخرج عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ركب عمر فرسا
فانكشف ثوبه عن فخذه فرأى أهل نجران بفخذه شامة سوداء فقالوا : هذا الذي نجد في
كتابنا أنه يخرجنا من أرضنا
و أخرج عن سعد الجاري أن كعب الأحبار قال لعمر : إنا
لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقعوا فيها فإذا مت لم
يزالوا يقتحمون فيها إلى يوم القيامة
و أخرج عن أبي معشر قال : حدثنا أشياخنا أن عمر قال : إن هذا
الأمر لا يصلح إلا بالشدة التي لا جبرية فيها و باللين الذي لا وهن فيه
و أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن حكيم بن عمير قال :
كتب عمر بن الخطاب : ألا لا يجلدن أمير جيش و لا سرية أحدا الحد حتى يطلع الدرب
لئلا تحمله حمية الشيطان أن يلحق بالكفار
و أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن الشعبي قال : كتب قيصر
إلى عمر بن الخطاب : إن رسلي أتتني من قبلك فزعمت أن قبلكم شجرة ليست بخليفة شيء من
الشجر تخرج مثل آذان الحمير ثم تنشق عن مثل اللؤلؤ ثم يخضر فيكون كالزمرد الأخضر
ثم يحمر فيكون كالياقوت الأحمر ثم يينع فينضج فيكون كأطيب فالوذج أكل ثم ييبس
فيكون عصمة للمقيم و زادا للمسافر فإن تكن رسلي صدقتني فلا أدري هذه الشجرة إلا من
شجر الجنة فكتب إليه عمر : من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى قيصر ملك الروم إن
رسلك قد صدقوك هذه الشجرة عندنا هي الشجرة التي أنبتها الله على مريم حين نفست
بعيسى ابنها فاتق الله و لا تتخذ عيسى إلها من دون الله فإن { إن مثل عيسى عند
الله كمثل آدم خلقه من تراب }
و أخرج ابن سعد عن ابن عمر أمر عماله فكتبوا أموالهم
منهم سعد بن أبي وقاص فشاطرهم عمر في أموالهم فأخذ نصفا و أعطاهم نصفا
و أخرج عن الشعيب أن عمر كان إذا استعمل عاملا كتب ماله
و أخرج عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال : مكث عمر زمانا
لا يأكل من مال بيت المال شيئا حتى دخلت عليه في ذلك خصاصة فأرسل إلى أصحاب رسول
الله صلى الله عليه و سلم فاستشارهم فقال : قد شغلت في نفسي هذا الأمر فما يصلح لي
منه ؟ فقال علي : غداء و عشاء فأخذ بذلك عمر
و أخرج عن ابن عمر أن عمر حج سنة ثلاث و عشرين فأنفق في
حجته ستة عشر دينارا فقال : يا عبد الله أسرفنا في هذا المال
و أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن قتادة و الشعبي قالا :
جاءت عمر امرأة فقالت : زوجي يقوم الليل و يصوم النهار فقال عمر : لقد أحسنت
الثناء على زوجك فقال كعب بن سوار : لقد شكت فقال عمر : كيف ؟ قال تزعم أنه ليس
لها من زوجها نصيب قال : فإذا قد فهمت ذلك فاقض بينهما فقال : يا أمير المؤمنين
أحل الله له من النساء أربعا فلها من كل أربعة أيام يوم و من كل أربع ليال ليلة
و أخرج عن ابن جريج قال : أخبرني من أصدقه أن عمر بينما
هو يطوف سمع امرأة تقول :
( تطاول هذا الليل واسود جانبه ... و أرقني أن لا خليل
ألاعبه )
( فلولا حذار الله لا شيء مثله ... لزحزح من هذا السرير
جوانبه )
فقال عمر : مالك ؟ قالت : أغزيت زوجي منذ أشهر و قد
اشتقت إليه قال : أردت سوءا ؟ قالت : معاذ الله قال : فاملكي عليك نفسك فإنما هو
البريد إليه فبعث إليه ثم دخل على حفصة فقال : إني سائلك عن أمر قد أهمني فافرجيه
عني ؟ كم تشتاق المرأة إلى زوجها ؟ فخفضت رأسها و استحيت قال : فإن الله لا يستحي
من الحق فأشارت بيدها ثلاثة أشهر و إلا فأربعة أشهر فكتب عمر أن لا تحبس الجيوش
فوق أربعة أشهر
و أخرج عن جابر بن عبد الله أنه جاء إلى عمر يشكو إليه
ما يلقى من النساء فقال عمر : إنا لنجد ذلك حتى إني لأريد الحاجة فتقول لي : ما
تذهب إلا إلى فتيات بني فلان تنظر إليهن فقال له عبد الله بن مسعود : أما بلغك إن
إبراهيم عليه السلام شكا إلى الله خلق سارة فقيل له : إنها خلقت من ضلع فالبسها
على ما كان فيها ما لم تر عليها خربة في دينها
و أخرج عن عكرمة بن خالد قال : دخل ابن لعمر بن الخطاب
عليه و قد ترجل و لبس ثيابا حسانا فضربه عمر بالدرة حتى أبكاه فقالت له حفصة : لم
ضربته ؟ قال : رأيته قد أعجبته نفسه فأحببت أن أصغرها إليه
و أخرج عن معمر عن ليث بن أبي سليم أن عمر بن الخطاب قال
: لا تسموا الحكم و لا أبا الحكم فإن الله هو الحكم و لا تسموا الطريق السكة و
أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الضحاك قال : قال أبو بكر : و الله لوددت أني كنت
شجرة إلى جنب الطريق فمر علي بعير فأخذني فأدخلني فاه فلاكني ثم ازدردني ثم أخرجني
بعرا و لم أكن بشرا فقال عمر : يا ليتني كنت كبش أهلي سمنوني ما بدا لهم حتى إذا
كنت كأسمن ما يكون زارهم من يحبون فذبحوني لهم فجعلوا بعضي شواء و بعضي قديدا ثم
أكلوني و لم أكن بشرا
و أخرج ابن عساكر عن أبي البختري قال : كان عمر بن
الخطاب يخطب على المنبر فقام إليه الحسين بن علي رضي الله عنه فقال : انزل عن منبر
أبي فقال عمر : منبر أبيك لا منبر أبي من أمرك بهذا ؟ فقام علي فقال : و الله ما
أمره بهذا أحد أما لأوجعنك يا غدر فقال : لا توجع ابن أخي فقد صدق منبر أبيه
إسناده صحيح
و أخرج الخطيب في أدب الراوي عن مالك من طريقه عن ابن
شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب و عثمان بن
عفان كانا يتنازعان في المسألة بينهما حتى يقول الناظر : إنهما لا يجتمعان أبدا
فما يفترقان إلا على أحسنه و أجمله
و أخرج ابن سعد عن الحسن قال : أول خطبة خطبها عمر حمد
الله و أثنى عليه ثم قال : أما بعد فقد ابتليت بكم و ابتليتم بي و خلفت فيكم بعد
صاحبي فمن كان بحضرتنا باشرناه بأنفسنا و من غاب عنا وليناه أهل القوة و الأمانة و
من يحسن نزده حسنا و من يسيء نعاقبه و يغفر الله لنا و لكم
و أخرج عن جبير بن الحويرث أن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه استشار المسلمين في تدوين الديوان فقال له علي : تقسم كل سنة ما اجتمع إليك من
مال و لا تمسك منه شيئا و قال عثمان : أرى مالا كثيرا يسع الناس و إن لم يحصوا حتى
يعرف من أخذ ممن لم يأخذ خشيت أن يلتبس الأمر فقال له الوليد بن هشام بن المغيرة :
يا أمير المؤمنين قد جئت الشام فرأيت ملوكها قد دونوا ديوانا و جندوا جنودا فدون
ديوانا و جند جنودا فأخذ بقوله فدعا عقيل بن أبي طالب و مخرمة ابن نوفل و جبير بن
مطعم ـ و كانوا من نساب قريش ـ فقال : اكتبوا الناس على منازلهم فكتبوا فبدؤا ببني
هاشم ثم أتبعوهم أبا بكر و قومه ثم عمر و قومه على الخلافة فلما نظر فيه عمر قال :
ابدؤوا بقرابة النبي صلى الله عليه و سلم الأقرب فالأقرب حتى تضعوا عمر حيث و ضعه
الله
و أخرج عن سعيد بن المسيب قال : دون عمر الديوان في
المحرم سنة عشرين
و أخرج عن الحسن قال : كتب عمر إلى حذيفة أن أعط الناس
أعطيتهم و أرزاقهم فكتب إليه : إنا قد فعلنا و بقي شيء كثير فكتب إليه عمر إنه
فيئهم الذي أفاء الله عليهم ليس هو لعمر و لا لآل عمر أقسمه بينهم
و أخرج ابن سعد عن جبير بن مطعم قال : بينما عمر واقف
على جبل عرفة سمع رجلا يصرخ و يقول
: يا خليفة الله فسمعه رجل آخر و هم يعتافون فقال : مالك
فك الله لهواتك ؟ فأقبلت على الرجل فصحت عليه فقال جبير : فإني الغد واقف مع عمر
على العقبة يرميها إذ جاءت حصاة عائرة ففتقت رأس عمر فقصدت فسمعت رجلا من الجبل
يقول : أشعرت ورب الكعبة لا يقف عمر هذا الموقف بعد العام أبدا قال جبير : فإذا
هو الذي صرخ فينا بالأمس فاشتد ذلك علي
و أخرج عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما كان آخر حجة
حجها عمر بأمهات المؤمنين إذ صدرنا عن عرفة مررت بالمحصب فسمعت رجلا على راحلته
يقول : أين كان عمر أمير المؤمنين ؟ فسمعت رجلا آخر يقول : ههنا كان أمير المؤمنين
: فأناخ راحلته ثم رفع عقيرته فقال :
( عليك سلام من إمام و باركت ... يد الله في ذاك الأديم
الممزق )
( فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدمت بالأمس
يسبق )
( قضيت أمورا ثم غادرت بعدها ... بوائق في أكمامها لم
تفتق )
فلم يتحرك ذاك الراكب و لم يدر من هو فكنا نتحدث أنه من
الجن فقدم عمر من تلك الحجة فطعن بالخنجر فمات
و أخرج عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمر أنه قال : هذا
الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد ثم في أهل أحد ثم في أهل أحد ما بقي منهم أحد و
في كذا و كذا و ليس فيها لطليق و لا لولد طليق و لا لمسلمة الفتح شيء
و أخرج عن النخعي أن رجلا قال لعمر : ألا تستخلف عبد
الله بن عمر ؟ فقال : قاتلك الله !
و الله ما أردت الله بهذا أستخلف رجلا لم يحسن أن يطلق
امرأته ؟
و أخرج عن شداد بن أوس عن كعب قال : كان في بني إسرائيل
ملك إذا ذكرناه ذكرنا عمر و إذا ذكرنا عمر ذكرناه و كان إلى جنبه نبي يوحي إليه
فأوحى الله إلى النبي أن يقول له : اعهد عهدك و اكتب إلي وصيتك فإنك ميت إلى ثلاثة
أيام فأخبره النبي بذلك فلما كان اليوم الثالث وقع بين الجدار و السرير ثم جاء إلى
ربه فقال : اللهم إن كنت تعلم أني كنت أعدل في الحكم و إذا اختلفت الأمور اتبعت
هداك و كنت و كنت فزد في عمري حتى يكبر طفلي و تربو أمتي فأوحى الله إلى النبي أنه
قال قال كذا و كذا ـ و قد صدق ـ و قد زدته في عمره خمس عشرة سنة ففي ذلك ما يكبر
طفله و تربو أمته فلما طعن عمر قال كعب
: لئن سأل عمر ربه ليبقينه الله فأخبر بذلك عمر فقال :
اللهم اقبضني إليك غير عاجز و لا ملوم
و أخرج عن سليمان بن يسار أن الجن ناحت على عمر
و أخرج الحاكم عن مالك بن دينار قال : سمع صوت بجبل
تبالة حين قتل عمر رضي الله عنه
:
( لبيك على الإسلام من كان باكيا ... فقد أوشكوا صرعى و
ما قدم العهد )
( و أدبرت الدنيا و أدبر خيرها ... و قد ملها من كان
يوقن بالوعد )
و أخرج ابن أبي الدنيا عن يحيى بن أبي راشد البصري قال :
قال عمر لابنه : اقتصدوا في كنفي فإنه إن كان لي عند الله خير أبدلني ما هو خير
منه و إن كنت على غير ذلك سلبني فأسرع سلبي و اقتصدوا في حفرتي فإنه إن كان لي عند
الله خير أوسع لي فيها مد بصري و إن كنت علي غير ذلك ضيقها علي تختلف أضلاعي و لا
تخرج معي امرأة و لا تزكوني بما ليس في فإن الله هو أعلم بي فإذا خرجتم فأسرعوا في
المشي فإنه إن كان لي عند الله خير قدمتموني إلى ما هو خير لي و إن كنت على غير
ذلك ألقيتم عن رقابكم شرا تحملونه
فصل
أخرج ابن عساكر عن ابن عباس أن العباس قال : سألت الله
حولا بعدما مات عمر أن يرينيه في المنام فرأيته بعد حول ـ و هو يسلت العرق عن
جبينه ـ فقلت : بأبي أنت و أمي يا أمير المؤمنين ما شأنك ؟ فقال : هذا أوان
فرغت و إن كاد عرش عمر ليهد لولا أني لقيت رؤوفا رحيما
و أخرج أيضا عن زيد بن أسلم أن عبد الله بن عمرو بن
العاص رأى عمر في المنام فقال : كيف صنعت ؟ قال متى فارقتكم ؟ قال : منذ اثنتي
عشرة سنة قال : إنما انفلت الآن من الحساب
و أخرج ابن سعد عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : سمعت
رجلا من الأنصار يقول : دعوت الله أن يريني عمر في المنام فرأيته بعد عشر سنين و
هو يمسح العرق عن جبينه فقلت : يا أمير المؤمنين ما فعلت ؟ قال : الآن فرغت و لولا
رحمة ربي لهلكت
و أخرج الحاكم عن الشعبي قال : رثت عاتكة بنت زيد بن
عمرو بن نفيل عمر فقالت :
( عين جودي بعبرة و نحيب ... لا تملي على الإمام الصليب )
( فجعتني المنون بالفارس المع ... لم يوم الهياج و
التأنيب )
( عصمة الدين و المعين على الده ... ر و غيث الملهوف و
المكروب )
( قل لأهل الضراء و البؤس : موتوا إذ سقتنا المنون كأس
شعوب )
ذكر من مات من الصحابة في زمن عمر مات في أيام عمر رضي
الله عنه من الأعلام : عتبة بن غزوان و العلاء بن الحضرمي و قيس بن السكن و أبو قحافة
والد الصديق رضي الله عنه و سعد بن عبادة و سهيل بن عمرو و ابن أم مكتوم المؤذن و
عياش بن أبي ربيعة و عبد الرحمن أخو الزبير بن العوام و قيس بن أبي صعصعة : أحد من
جمع القرآن و نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب و أخوه أبو سفيان و مارية أم السيد
إبراهيم و أبو عبيدة بن الجراح و معاذ بن جبل و يزيد بن أبي سفيان و شرحبيل بن
حسنة و الفضل بن العباس و أبو جندل بن سهيل و أبو مالك الأشعري و صفوان بن المعطل
و أبي بن كعب و بلال المؤذن و أسيد بن الحضير و البراء بن مالك أخو أنس و زينب بنت
جحش و عياض بن غنم و أبو الهيثم بن التيهان و خالد بن الوليد و الجارود سيد بني
عبد القيس و النعمان بن مقرن و قتادة بن النعمان و الأقرع بن حابس و سودة بنت زمعة
و عويم بن ساعدة و غيلان الثقفي و أبو محجن الثقفي و خلائق آخرون من الصحابة رضي
الله عنهم أجمعين
نسبه و مولده و لقبه عثمان بن عفان : بن أبي العاص بن
أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي
الأموي المكي ثم المدني أبو عمرو و يقال : أبو عبد الله و أبو ليلى
ولد في السنة السادسة من الفيل و أسلم قديما و هو ممن
دعاه الصديق إلى الإسلام و هاجر الهجرتين : الأولى إلى الحبشة و الثانية إلى
المدينة و تزوج رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل النبوة و ماتت عنده في
ليالي غزوة بدر فتأخر عن بدر لتمريضها بإذن رسول الله صلى الله عليه و سلم و ضرب
له بسهمه و أجره فهو معدود في البدريين بذلك
وجاء البشير بنصر المسلمين ببدر يوم دفنوها بالمدينة
فزوجه رسول الله صلى الله عليه و سلم بعدها أختها أم كلثوم و توفيت عنده سنة تسع
من الهجرة
قال العلماء : و لا عرف أحد تزوج بنتي نبي غيره و لذلك
سمي ذا النورين فهو من السابقين ا لأولين و أول المهاجرين و أحد العشرة المشهود
لهم بالجنة و أحد الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و عنهم راض و
أحد الصحابة الذين جمعوا القرآن بل قال ابن عباد : لم يجمع القرآن من الخلفاء إلا
هو و المأمون
و قال ابن سعد : استخلفه رسول الله صلى الله عليه و سلم
على المدينة في غزوته إلى ذات الرقاع و إلى غطفان
روي له عن رسول الله صلى الله عليه و سلم مائة حديث و
ستة و أربعون حديثا
روى عنه زيد بن خالد الجهني و ابن الزبير و السائب بن
يزيد و أنس بن مالك و زيد بن ثابت و سلمة بن الأكوع و أبو أمامة الباهلي و ابن
عباس و ابن عمر و عبد الله بن مغفل و أبو قتادة و أبو هريرة و آخرون من الصحابة
رضي الله عنهم
و خلائق من التابعين : منهم أبان بن عثمان و عبيد الله
بن عدي و حمران و غيرهم
أخرج ابن سعد : عن عبد الرحمن بن حاطب قال : ما رأيت
أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا حدث أتم حديثا و لا حسن من
عثمان بن عفان إلا أنه كان رجلا يهاب الحديث
و أخرج عن محمد بن سيرين قال : كان أعلمهم بالمناسك
عثمان و بعده ابن عمر
و أخرج البيهقي في سننه عن عبد الله بن عمر أبان الجعفي
قال : قال لي خالي حسين الجعفي : تدري لم سمي عثمان ذا النوريين ؟ قلت : لا قال :
لم يجمع بين بنتي نبي منذ خلق الله آدم إلى أن تقوم الساعة غير عثمان فلذلك سمي ذا
النوريين
و أخرج أبو نعيم عن الحسن قال : إنما سمي عثمان ذا
النورين لأنه لا نعلم أحدا أغلق بابه على ابنتي نبي غيره
و أخرج خيثمة في فضائل الصحابة و ابن عساكر عن علي بن
أبي طالب أنه سئل عن عثمان ؟ فقال : ذاك امرؤ يدعى في الملأ الأعلى ذا النورين كان
ختن رسول الله صلى الله عليه و سلم على ابنتيه
و أخرج الماليني بسند فيه ضعف عن سهل بن سعد قال : قيل
لعثمان [ ذو النورين ] لأنه ينتقل من منزل إلى منزل في الجنة فتبرق له برقتين
فلذلك قيل له ذلك
و قال : إنه كان يكنى في الجاهلية أبا عمرو فلما كان
الإسلام ولدت له رقية عبد الله فاكتنى به
و أمه : أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس و
أمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم توأمة أبي رسول الله صلى الله عليه و
سلم فأم عثمان بنت عمة النبي صلى الله عليه و سلم
قال : ابن إسحاق : و كان أول الناس إسلاما بعد أبي بكر و
علي و زيد بن حارثة و أخرج ابن عساكر من طرق أن عثمان كان رجلا ربعة : ليس بالقصير
و لا بالطويل حسن الوجه أبيض مشربا حمرة بوجهه نكتات جدري كثير اللحية عظيم
الكراديس بعيد ما بين المنكبين خدل الساقين طويل الذراعين شعره قد كسا ذراعيه جعد
الرأس أحسن الناس ثغرا جمته أسفل من أذنيه يخضب بالصفرة و كان قد شد أسنانه بالذهب
و أخرج ابن عساكر عن عبد الله بن حزم المازني قال : رأيت
عثمان بن عفان فما رأيت قط ذكرا و لا انثى أحسن وجها منه
و أخرج عن موسى بن طلحة قال : كان عثمان بن عفان أجمل
الناس
و أخرج ابن عساكر [ عن أسامة بن زيد قال : بعثني رسول
الله صلى الله عليه و سلم إلى منزل عثمان بصحفة فيها لحم فدخلت فإذا رقية رضي الله
عنها جالسة فجعلت مرة أنظر إلى وجه رقية و مرة أنظر إلى وجه عثمان فلما رجعت سألني
رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لي
:
دخلت عليهما ؟ قلت نعم قال : فهل رأيت زوجا أحسن منهما ؟
قلت لا يا رسول الله ]
و أخرج ابن سعد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال
: لما أسلم عثمان بن عفان أخذه عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية فأوثقه رباطا و قال
: ترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث ؟ و الله لا أدعك أبدا حتى تدع ما أنت عليه فقال
عثمان : و الله لا أدعه أبدا و لا أفارقه فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه
و أخرج أبو يعلى عن أنس قال : أول من هاجر من المسلمين
إلى الحبشة بأهله عثمان بن عفان فقال النبي صلى الله عليه و سلم صحبهما الله ! إن عثمان لأول
من هاجر إلى الله بأهله بعد لوط
و أخرج ابن عدي عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما زوج
النبي صلى الله عليه و سلم ابنته أم كلثوم قال لها : إن بعلك أشبه الناس بجدك
إبراهيم و أبيك محمد
و أخرج ابن عدي و ابن عساكر [ عن ابن عمر قال : قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم : إنا نشبه عثمان بأبينا إبراهيم ]
الأحاديث الواردة في فضله و أخرج الشيخان [ عن عائشة رضي
الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم جمع ثيابه حين دخل عثمان قال : ألا أستحي
من رجل تستحي منه الملائكة ؟ ]
و أخرج البخاري [ عن أبي عبد الرحمن السلمي أن عثمان حين
حوصر أشرف عليهم فقال : أنشدكم بالله و لا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه و
سلم ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من جهز جيش العسرة فله
الجنة ؟ فجهزتهم ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من حفر بئر
رومة فله الجنة فصدقوه بما قال
]
و أخرج الترمذي عن عبد الرحمن بن خباب قال : شهدت النبي
صلى الله عليه و سلم و هو يحث على جيش العسرة فقال عثمان بن عفان : يا رسول الله
علي مائة بعير بأحلاسها و أقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش فقال عثمان : يا
رسول الله علي مائتا بعير أحلاسها و أقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش فقال
عثمان : يا رسول الله علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها و أقتابها في سبيل الله فنزل
رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يقول : [ ما على عثمان ما عمل بعد هذه شيء ]
و أخرج الترمذي [ عن أنس و الحاكم و صححه عن عبد الرحمن
بن سمرة قال : جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه و سلم بألف دينار حين جهز العسرة
فنثرها في حجره فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلها و يقول : ما ضر عثمان ما
عمل بعد اليوم مرتين ]
و أخرج الترمذي عن أنس قال : لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه و
سلم ببيعة الرضوان كان عثمان بن عفان رسول رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أهل
مكة فبايع الناس فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن عثمان بن عفان في حاجة
الله و حاجة رسوله فضرب بإحدى يديه على الأخرى فكانت يد رسول الله صلى الله عليه و
سلم لعثمان خير من أيديهم لأنفسهم
]
و أخرج الترمذي [ عن ابن عمر قال : ذكر رسول الله صلى
الله عليه و سلم فتنة فقال : يقتل فيها هذا مظلوما لعثمان ]
و أخرج الترمذي و الحاكم و صححه و ابن ماجه [ عن مرة بن
كعب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكر فتنة يقربها فمر رجل مقنع في
ثوب فقال : هذا يومئذ على الهدى فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفان فأقبلت إليه بوجهي فقلت
: هذا ؟ قال نعم ]
و أخرج الترمذي و الحاكم [ عن عائشة رضي الله عنها أن
النبي صلى الله عليه و سلم قال : يا عثمان إنه لعل الله يقمصك قميصا فإن أرادك
المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني ]
و أخرج الترمذي عن عثمان أنه قال يوم الدار : إن رسول
الله صلى الله عليه و سلم عهد إلي عهدا فأنا صابر عليه
و أخرج الحاكم عن أبي هريرة قال : اشترى عثمان الجنة عن
النبي صلى الله عليه و سلم مرتين : حيث حفر بئر رومة و حيث جهز جيش العسرة
و أخرج ابن عساكر [ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه و سلم قال : عثمان من أشبه أصحابي بي خلقا ]
و أخرج الطبراني [ عن عصمة بن مالك قال : لما ماتت بنت
رسول الله صلى الله عليه و سلم تحت عثمان قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
زوجوا عثمان لو كان لي ثالثة لزوجته و ما زوجته إلا بالوحي من الله ]
و أخرج ابن عساكر [ عن علي رضي الله عنه قال سمعت النبي
صلى الله عليه و سلم يقول لعثمان : لو أن لي أربعين ابنة زوجتك واحدة بعد واحدة
حتى لا يبقى منهن واحدة ]
و أخرج ابن عساكر [ عن زيد بن ثابت قال : سمعت رسول الله
صلى الله عليه و سلم يقول : مر بي عثمان و عندي ملك من الملائكة فقال : شهيد يقتله
قومه إنا نستحي منه ]
و أخرج أبو يعلى [ عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و
سلم قال : إن الملائكة لتستحي من عثمان كما تستحي من الله و رسوله ]
و أخرج ابن عساكر عن الحسن أنه ذكر عنده حياء عثمان فقال
: إن كان ليكون في جوف البيت ـ و الباب عليه مغلق ـ فيضع ثوبه ليفيض عليه الماء
فيمنعه الحياء أن يرفع صلبه
خلافته و ما حدث في عهده من الأحداث بويع بالخلافة بعد
دفن عمر بثلاث ليال فروي أن الناس كانوا يجتمعون في تلك الأيام إلى عبد الرحمن بن
عوف يشاورونه و يناجونه فلا يخلوا به رجل ذو رأي فيعدل بعثمان أحدا و لما جلس عبد
الرحمن للمبايعة حمد الله و أثنى عليه و قال في كلامه : إني رأيت الناس يأبون إلا
عثمان و أخرجه ابن عساكر عن المسور بن مخرمة و في رواية : أما بعد يا علي فإني
نظرت في الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعلن على نفسك سبيلا ثم أخذ بيد عثمان
فقال : نبايعك على سنة الله و سنة رسوله و سنة الخليفتين بعده فبايعه عبد الرحمن و
بايعه المهاجرون و الأنصار
و أخرج ابن سعد عن أنس قال : أرسل عمر إلى أبي طلحة
الأنصاري قبل أن يموت بساعة فقال : كن في خمسين من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب
الشورى فإنهم فيما أحسب سيجتمعون في بيت فقم على ذلك الباب بأصحابك فلا تترك أحدا
يدخل عليهم و لا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم
و في مسند أحمد عن أبي وائل قال : قلت لعبد الرحمن بن
عوف : كيف بايعتم عثمان و تركتم عليا ؟ قال : ما ذنبي ؟ قد بدأت بعلي فقلت : أبايعك على كتاب
الله و سنة رسوله و سيرة أبي بكر و عمر ؟ فقال : فيما استطعت ثم عرضت ذلك على
عثمان فقال : نعم
و يروى أن عبد الرحمن قال لعثمان في خلوة : إن لم أبايعك
فمن تشير علي ؟ قال : علي و قال لعلي : إن لم أبايعك فمن تشير علي ؟ قال : علي أو
عثمان ثم دعا سعدا فقال : من تشير علي ؟ فأما أنا و أنت فلا نريدها فقال : عثمان
ثم استشار عبد الرحمن الأعيان فرأى هوى أكثرهم في عثمان
و أخرج ابن سعد و الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه
قال لما بويع عثمان : أمرنا خير من بقي و لم نأل
و في هذه السنة من خلافته فتحت الري و كانت فتحت و
انتقضت و فيها أصاب الناس رعاف كثير فقيل لها : سنة الرعاف و أصاب عثمان رعاف حتى
تخلف عن الحج و أوصى و فيها فتح من الروم حصون كثيرة و فيها ولى عثمان الكوفة سعد
بن أبي وقاص و عزل المغيرة
و في سنة خمس و عشرين عزل عثمان سعدا عن الكوفة و ولى
الوليد بن عقبة بن أبي معيط ـ و هو صحابي أخو عثمان لأمه ـ و ذلك أول ما نقم عليه
لأنه آثر أقاربه بالولايات و حكي أن الوليد صلى بهم الصبح أربعا و هو سكران ثم
التفت إليهم فقال : أزيدكم ؟
و في سنة ست و عشرين زاد عثمان في المسجد الحرام و وسعه
و اشترى أماكن للزيادة و فيها فتحت سابور
و في سنة سبع و عشرين غزا معاوية قبرس فركب البحر
بالجيوش و كان معهم عبادة بن الصامت و زوجته أم حرام بنت ملحان الأنصارية فسقطت عن
دابتها فماتت شهيدة هناك ـ و كان النبي صلى الله عليه و سلم أخبرها بهذا الجيش و
دعا لها بأن تكون منهم ـ فدفنت بقبرس و فيها فتحت أرجان و درا بجرد و فيها عزل
عثمان عمرو بن العاص عن مصر و ولى عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح فغزا أفريقية
فافتتحها سهلا و جبلا فأصاب كل إنسان من الجيش ألف دينار و قيل : ثلاثة آلاف دينار
ثم فتحت الأندلس في هذا العام
لطيفة كان معاوية يلح على عمر بن الخطاب في غزوة قبرس و
ركوب البحر لها فكتب عمر إلى عمرو بن العاص أن صف لي البحر و راكبه فكتب إليه :
إني رأيت خلقا كبيرا يركبه خلق صغير إن ركد خرق القلوب و إن تحرك أراع العقول
تزداد فيه العقول قلة و السيئات كثرة و هم فيه كدود على عود إن مال غرق و إن نجا
فرق فلما قرأ عمر الكتاب كتب إلى معاوية : و الله لا أحمل فيه مسلما أبدا قال ابن
جرير : فغزا معاوية قبرس في أيام عثمان فصالحه أهلها على الجزية
و في سنة تسع و عشرين فتحت إصطخر عنوة و فسا و غير ذلك و
فيها زاد عثمان في مسجد المدينة و وسعه و بناه بالحجارة المنقوشة و جعل عمده من حجارة
و سقفه بالساج و جعل طوله ستين و مائة ذراع و عرضه خمسين و مائة ذراع
و في سنة ثلاثين فتحت جور و بلاد كثيرة من أرض خراسان و
فتحت نيسابور صلحا و قيل : عنوة و طوس و سرخس كلاهما صلحا و كذا مرو و بيهق و لما فتحت
هذه البلاد الواسعة كثر الخراج على عثمان و أتاه المال من كل وجه حتى اتخذ له
الخزائن و أدر الأرزاق و كان يأمر للرجل بمائة ألف بدرة في كل بدرة أربعة آلاف
أوقية
و في سنة إحدى و ثلاثين توفي أبو سفيان بن حرب والد
معاوية و فيها مات الحكم بن أبي العاص عم عثمان رضي الله عنه
و في سنت اثنتين و ثلاثين توفي العباس بن عبد المطلب عم
رسول الله صلى الله عليه و سلم و صلى عليه عثمان و فيها توفي عبد الرحمن بن عوف
أحد العشرة من السابقين الأولين تصدق مرة بأربعين ألفا و بقافلة جاءت من الشام كما
هي و فيها مات عبد الله بن مسعود الهذلي أحد القراء الأربعة و من أهل السوابق في الإسلام
و من علماء الصحابة المشهورين بسعة العلم و فيها مات أبو الدرداء الخزرجي الزاهد
الحكيم ولي قضاء دمشق لمعاوية و فيها توفي أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري صادق
اللهجة و فيها مات زيد بن عبد ربه الأنصاري الذي أري ا لأذان
و في سنة ثلاث و ثلاثين توفي المقداد بن الأسود في أرضه
بالجرف و حمل إلى المدينة و فيها غزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح الحبشة و في سنة
أربع و ثلاثين أخرج أهل الكوفة سعيد بن أبي العاص و رضوا بأبي موسى الأشعري
و في سنة خمس و ثلاثين كان مقتل عثمان
قال الزهري : ولي عثمان الخلافة اثنتي عشرة سنة يعمل ست
سنين لا ينقم الناس عليه شيئا و إنه لأحب إلى قريش من عمر بن الخطاب لأن عمر كان
شديدا عليهم فلما وليهم عثمان لان لهم و وصلهم ثم توانى في أمرهم و استعمل أقرباءه
و أهل بيته في الست الأواخر و كتب لمروان بخمس إفريقية و أعطى أقرباءه و أهل بيته
المال و تأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها و قال : إن أبا بكر و عمر تركا من
ذلك ما هو لهما و إني أخذته فقسمته في أقربائي فأنكر الناس عليه ذلك أخرجه ابن سعد
و أخرج ابن عساكر من وجه آخر عن الزهري قال : قلت لسعيد بن
المسيب : هل أنت مخبري كيف كان قتل عثمان ؟ و ما كان شأن الناس و شأنه ؟ و لم خذله
أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم ؟ فقال ابن المسيب : قتل عثمان مظلوما و من قتله
كان ظالما و من خذله كان معذورا فقلت
: كيف كان ذلك ؟ قال : إن عثمان لما ولي كره ولايته نفر
من الصحابة لأن عثمان كان يحب قومه فولي الناس اثنتي عشرة سنة و كان كثيرا ما يولي
بني أمية ممن لم يكن له مع رسول الله صلى الله عليه و سلم صحبه فكان يجيء من
أمرائه ما ينكره أصحابه محمد و كان عثمان يستعتب فيهم فلا يعزلهم و ذلك في سنة خمس
و ثلاثين فلما كان في الست الأواخر استأثر بني عمه فولاهم و ما أشرك معهم و أمرهم بتقوى
الله فولى عبد الله بن أبي سرح مصر فمكث عليها سنين فجاء أهل مصر يشكونه و يتظلمون
منه و قد كان قبل ذلك من عثمان هنات إلى عبد الله بن مسعود و أبي ذر و عمار بن
ياسر فكانت بنو هذيل و بنو زهرة في قلوبهم ما فيها لحال ابن مسعود و كانت بنو غفار
و أحلافها و من غضب لأبي ذر في قلوبهم ما فيها و كانت بنو مخزوم قد حنقت على عثمان
لحال عمار بن ياسر و جاء أهل مصر يشكون من ابن أبي سرح فكتب إليه كتابا يتهدد فيه
فأبى ابن أبي سرح أن يقبل ما نهاه عنه عثمان و ضرب بعض و ضرب بعض من أتاه من قبل
عثمان من أهل مصر ممن كان أتى عثمان فقتله فخرج من أهل مصر سبعمائة رجل فنزلوا
المسجد و شكوا إلى الصحابة في مواقيت الصلاة ما صنع ابن أبي سرح بهم فقام طلحة بن
عبيد الله فكلم عثمان بكلام شديد و أرسلت عائشة رضي الله عنها إليه فقالت : تقدم
إليك أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم و سألوك عزل هذا الرجل فأبيت ؟ فهذا قد قتل
منهم رجلا فأنصفهم من عاملك و دخل عليه علي بن أبي طالب فقال : إنما يسألونك رجلا
مكان رجل و قد ادعوا قبله دما فاعزله عنهم و اقض بينهم فإن وجب عليه حق فأنصفهم
منه فقال لهم : اختاروا رجلا أوليه عليكم مكانه فأشار الناس عليه بمحمد بن أبي بكر
فقالوا : استعمل علينا محمد بن أبي بكر فكتب عهده و ولاه و خرج معهم عدد من
المهاجرين و الأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر و ابن أبي سرح فخرج محمد و من معه
فلما كان على مسيرة ثلاثة أيام من المدينة إذا هم بغلام أسود على بعير يخبط البعير
خبطا يطلب أو يطلب فقال له أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم : ما قصتك و ما شأنك ؟
كأنك هارب أو طالب فقال لهم : أنا غلام أمير المؤمنين وجهني إلى عامل مصر فقال له
رجل : هذا عامل مصر قال : ليس هذا ما أريد و أخبر بأمره محمد بن أبي بكر فبعث في
طلبه رجلا فأخذه فجاء به إليه فقال
: غلام من أنت ؟ فأقبل مرة يقول : أنا غلام أمير
المؤمنين و مرة يقول : أنا غلام مروان حتى عرفه رجل أنه لعثمان فقال له محمد : إلى
من أرسلت ؟ قال : إلى عامل مصر قال : بماذا ؟ قال : برسالة قال : معك كتاب ؟ قال
: لا ففتشوه فلم يجدوا معه كتابا و كانت معه إداوة قد يبست فيها شيء يتقلقل فحركوه
ليخرج فلم يخرج فشقوا الإداوة فإذا بها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرح فجمع محمد
من كان عنده من المهاجرين و الأنصار و غيرهم ثم فك الكتاب بمحضر منهم فإذا فيه :
إذا أتاك محمد و فلان و فلان فاحتل في قتلهم و أبطل كتابه و قر على عملك حتى يأتيك
رأيي و احبس من يجيء إلي يتظلم منك ليأتيك رأيي في ذلك إن شاء الله تعالى فلما
قرأوا الكتاب فزعوا و أزمعوا فرجعوا إلى المدينة و ختم محمد الكتاب بخواتيم نفر
كانوا معه و دفع الكتاب إلى رجل منهم و قدموا المدينة فجمعوا طلحة و الزبير و عليا
و سعدا و من كان من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم ثم فضوا الكتاب بمحضر منهم و
أخبروهم بقصة الغلام و أقرؤوهم الكتاب فلم يبق أحد من أهل المدينة إلا حنق على
عثمان و زاد ذلك من كان غضب لابن مسعود و أبي ذر و عمار بن ياسر حنقا و غيظا و قام
أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم فلحقوا بمنازلهم ما منهم أحد إلا و هو مغتم لما
قرؤوا الكتاب و حاصر الناس عثمان سنة خمس و ثلاثين و أجلب عليه محمد بن أبي بكر
ببني تيم و غيرهم فلما رأى ذلك علي بعث إلى طلحة و الزبير و سعد و عمار و نفر من
الصحابة كلهم بدري ثم دخل على عثمان و معه الكتاب و الغلام و البعير فقال له علي :
هذا الغلام غلامك ؟ قال : نعم قال : و البعير بعيرك ؟ قال : نعم قال : فأنت كتبت هذا الكتاب ؟ قال
: لا و حلف بالله ما كتبت هذا الكتاب و لا أمرت به و لا علم لي به قال له علي :
فالخاتم خاتمك ؟ قال : نعم قال : فكيف يخرج غلامك ببعيرك و بكتاب عليه خاتمك لا تعلم
به ؟ فحلف بالله ما كتبت هذا الكتاب و لا أمرت به و لا وجهت هذا الغلام إلى مصر قط
و أما الخط فعرفوا أنه خط مروان و شكوا في أمر عثمان و سألوه أن يدفع إليهم مروان
فأبى و كان مروان عنده في الدار فخرج أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم من عنده
غضابا و شكوا في أمره و علموا أن عثمان لا يحلف بباطل إلا أن قوما قالوا : لن يبرأ
عثمان من قلوبنا إلا أن يدفع إلينا مروان حتى نبحثه و نعرف حال الكتاب و كيف يأمر
بقتل رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم بغير حق ؟ فإن يكن عثمان كتبه عزلناه
و إن يكن مروان كتبه على لسان عثمان نظرنا ما يكون منا في أمر مروان و لزموا
بيوتهم و أبى عثمان أن يخرج إليهم مروان و خشي عليه القتل و حاصر الناس عثمان و
منعوه الماء فأشرف على الناس فقال : أفيكم علي ؟ فقالوا : لا قال : أفيكم سعد ؟
قالوا : لا فسكت ثم قال : ألا أحد يبلغ عليا فيسقينا ماء ؟ فبلغ ذلك عليا فبعث إليه
بثلاث قرب مملوءة ماء فما كادت تصل إليه و جرح بسببها عدة من موالي بني هاشم و بني
أمية حتى وصل الماء إليه فبلغ عليا أن عثمان يراد قتله فقال : إنما أردنا منه
مروان فأما قتل عثمان فلا و قال للحسن و الحسين : اذهبا بسيفيكما حتى تقوما على
باب عثمان فلا تدعا أحدا يصل إليه و بعث الزبير ابنه و بعث طلحة ابنه و بعث عدة من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أبناءهم يمنعون الناس أن يدخلوا على عثمان و
يسألونه إخراج مروان فلما رأى ذلك الناس رموا باب عثمان بالسهام حتى خضب الحسن بن
علي بالدماء على بابه و أصاب مروان سهم و هو في الدار و خضب محمد بن طلحة و شج
قنبر مولى علي فخشي محمد بن أبي بكر أن يغضب بنو هاشم لحال الحسن و الحسين
فيثيروها فتنة فأخذ بيد الرجلين فقال لهما : إن جاءت بنو هاشم فرأوا الدماء على
وجه الحسن كشف الناس عن عثمان و بطل ما نريد و لكن اذهبوا بنا حتى نتسور عليه
الدار فنقتله من غير أن يعلم به أحد فتسور محمد و صاحباه من دار رجل من الأنصار
حتى دخلوا على عثمان و لا يعلم أحد ممن كان معه لأن كل من كان معه كانوا فوق
البيوت و لم يكن معه إلا امرأته فقال لهما محمد : مكانكما فإن معه امرأته حتى
أبدأكما بالدخول فإذا أنا ضبطته فادخلا فتوجآه حتى تقتلاه فدخل محمد فأخذ بلحيته
فقال له عثمان : و الله لو رآك أبوك لساءه مكانك مني فتراخت يده و دخل يده الرجلان
عليه فتوجآه حتى قتلاه و خرجوا هاربين من حيث دخلوا و صرخت امرأته فلم يسمع صراخها
لما كان في الدار من الجلبة و صعدت امرأته إلى الناس فقالت : إن أمير المؤمنين قد قتل فدخل الناس
فوجدوه مذبوحا و بلغ الخبر عليا و طلحة و الزبير و سعدا و من كان بالمدينة فخرجوا
ـ و قد ذهبت عقولهم للخبر الذي أتاهم ـ حتى دخلوا على عثمان فوجدوه مقتولا
فاسترجعوا و قال علي لابنيه : كيف قتل أمير المؤمنين و أنتما على الباب ؟ و رفع
يده فلطم الحسن و ضرب صدر الحسين و شتم محمد بن طلحة و عبد الله بن الزبير و خرج ـ
و هو غضبان ـ حتى أتى منزله و جاء الناس يهرعون إليه فقالوا له : نبايعك فمد يدك
فلا بد من أمير فقال علي : ليس ذلك إليكم إنما ذلك إلى أهل بدر فمن رضي به أهل بدر
فهو خليفة فلم يبق أحد من أهل بدر إلا أتى عليا فقالوا له : ما ترى أحدا أحق بها
منك ؟ مد يدك نبايعك فبايعوه و هرب مروان و ولده و جاء علي إلى امرأة عثمان فقال
لها : من قتل عثمان ؟ قالت : لا أدري دخل عليه رجلان لا أعرفهما و معهما محمد بن أبي
بكر و أخبرت عليا و الناس بما صنع محمد فدعا على محمدا فسأله عما ذكرت امرأة عثمان
؟ فقال محمد : لم تكذب قد و الله دخلت عليه و أن قتله فذكرني أبي فقمت عنه و أنا
تائب إلى الله تعالى و الله ما قتلته و لا أمسكته ابن سعد فقال امرأته : صدق و
لكنه أدخلهما
و أخرج ابن عساكر عن كنانة مولى صفية و غيره قالوا : قتل
عثمان رجل من أهل مصر أزرق أشقر يقال له : حمار
و أخرج أحمد عن المغيرة بن شعبة أنه دخل على عثمان ـ و
هو محصور ـ فقال : إنك إمام العامة و قد نزل بك ما نرى أعرض عليك خصالا ثلاثا :
إحداهن : إما أن تخرج فتقاتلهم فإن معك عددا و قوة و أنت على الحق و هم على الباطل
و إما لك بابلا سوى الباب الذي هم عليه فقعد على راحلتك فتلحق بمكة فإنهم لن
يستحلوك و أنت بها و إما أن تلحق بالشام فإنهم أهل الشام و فيهم معاوية فقال عثمان
: أما أن أخرج فأقاتل فلن أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول [
يلحد رجل من قريش بمكة عليه نصف عذاب العالم ] فلن أكون أنا و أما ألحق بالشام فلن
أفارق دار هجرتي و مجاورة رسول الله صلى الله عليه و سلم
و أخرج ابن عساكر عن أبي ثور الفهمي قال : دخلت على
عثمان ـ و هو محصور ـ فقال : لقد اختبأت عند ربي عشرا إني لرابع أربعة في الإسلام
و أنكحني رسول الله صلى الله عليه و سلم ابنته ثم توفيت فأنكحني ابنته الأخرى و ما
تغنيت و لا تمنيت و لا وضعت يميني على فرجي منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه
و سلم و ما مرت بي جمعة منذ أسلمت إلا و أنا أعتق فيها رقبة إلا أن لا يكون عندي
شيء فأعتقها بعد ذلك و لا زينت في جاهلية و لا إسلام قط و لا سرقت في جاهلية و لا
إسلام قط و لقد جمعت القرآن على رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان قتل عثمان في
أوسط أيام التشريق من سنة خمس و ثلاثين و قيل : قتل يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي
الحجة و دفن ليلة السبت بين المغرب و العشاء في حش كوكب بالبقيع و هو أول من دفن
به و قيل : كان قتله يوم الأربعاء و قيل : يوم الاثنين لست بقين من ذي الحجة و كان له
يوم قتل اثنتان و ثمانون سنة و قيل : إحدى و ثمانون سنة و قيل : أربع و ثمانون و
قيل : ست و ثمانون سنة و قيل : ثمان أو تسع و ثمانون و قيل : تسعون قال قتادة : صلى عليه الزبير و
دفنه و كان أوصى بذلك إليه
و أخرج ابن عدي و ابن عساكر من حديث أنس مرفوعا [ إن لله
سيفا مغمودا في غمده ما دام عثمان حيا فإذا قتل عثمان جرد ذلك السيف فلم يغمد إلى
يوم القيامة ] تفرد به عمرو بن فائد و له مناكير
و أخرج ابن عساكر عن يزيد بن أبي حبيب قال : بلغني أن
عامة الركب الذين ساروا إلى عثمان عامتهم جنوا
و أخرج عن حذيفة قال : أول الفتن قتل عثمان و آخر الفتن
خروج الدجال و الذي نفسي بيده لا يموت رجل و في قلبه مثقال حبة من حب قتل عثمان
إلا تبع الدجال إن أدركه و إن لم يدركه آمن به في قبره
و أخرج عن ابن عباس قال : لو لم يطلب الناس بدم عثمان
لرموا بالحجارة من السماء
و أخرج عن الحسن قال : قتل عثمان و علي غائب في أرض له
فلما بلغه قال : اللهم إني لم أرض و لم أمالئ
و أخرج الحاكم و صححه عن قيس بن عباد قال : سمعت عليا
يوم الجمل يقول : اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان و لقد طاش عقلي يوم قتل عثمان
و أنكرت نفسي و جاؤوني للبيعة فقلت : و الله إني أبايع قوما قتلوا عثمان و إني
لأستحي من الله أن أبايع و عثمان لم يدفن بعد فانصرفوا فلما رجع الناس فسألوني
البيعة ؟ قلت : اللهم إني مشفق مما أقدم عليه ثم جاءت عزيمة فبايعت فقالوا : يا أمير المؤمنين
فكأنما صدع قلبي و قلت : اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى
و أخرج ابن عساكر عن أبي خلدة الحنفي قال : سمعت عليا
يقول : إن بني أمية يزعمون أني قتلت عثمان و لا و الله الذي لا إله إلا هو ما
قتلت و لا مالأت و لقد نهيت فعصوني
و أخرج عن سمرة قال : إن الإسلام كان في حصن حصين و إنهم
ثلموا في الإسلام ثلمة بقتلهم عثمان لا تسد إلى يوم القيامة و إن أهل المدينة كانت
فيهم الخلافة فأخرجوها و لم تعد فيهم
و أخرج عن محمد بن سيرين قال : لم تفقد الخيل البلق في
المغازي و الجيوش حتى قتل عثمان و لم يختلف في الأهلة حتى قتل عثمان و لم تر هذه
الحمرة التي في آفاق السماء حتى قتل الحسين
و أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن حميد بن هلال قال : كان
عبد الله بن سلام يدخل على محاصري عثمان فيقول : لا تقتلوه فو الله لا يقتله رجل
منكم إلا لقي الله أجذم لا يد له و إن سيف الله لم يزل مغمودا و إنكم و الله إن
قتلتموه ليسلنه الله ثم لا يغمده عنكم أبدا و ما قتل نبي قط إلا قتل به سبعون ألفا
و لا خليفة إلا قتل به خمسة و ثلاثون ألفا قبل أن يجتمعوا
و أخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن مهدي قال : خصلتان لعثمان
ليستا لأبي بكر و لا لعمر رضي الله عنهما : صبره على نفسه حتى قتل و جمعه الناس
على المصحف
و أخرج الحاكم عن الشعبي قال : ما سمعت من مراثي عثمان
أحسن من قول كعب ابن مالك حيث قال
:
( فكف يديه ثم أغلق بابه ... و أيقن أن الله ليس بغافل )
( و قال لأهل الدار : لا تقتلوهم ... عفا الله عن كل
امرئ لم يقاتل )
( فكيف رأيت الله صب عليهم ال ... عداوة و البغضاء بعد
التواصل ؟ )
( و كيف رأيت الخير أدبر بعده ... عن الناس إدبار الرياح
الجوافل ؟ )
أخرج ابن سعد عن موسى بن طلحة قال : رأيت عثمان يخرج يوم
الجمعة و عليه ثوبان أصفران فيجلس على المنبر فيؤذن المؤذن و هو يتحدث يسأل الناس
عن أسعارهم و عن مرضاهم ؟
و أخرج عن عبد الله الرومي قال : كان عثمان يلي و ضوء
الليل بنفسه فقيل له : لو أمرت بعض الخدم فكفوك قال : لا الليل لهم يستريحون فيه
و أخرج ابن عساكر عن عمرو بن عثمان بن عفان قال : كان
نقش خاتم عثمان [ آمنت بالذي خلق فسوى
]
و أخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عمر أن جهجاه الغفاري
قام إلى عثمان و هو على المنبر يخطب فأخذ العصا من يده فكسرها على ركبته فما حال
الحول على جهجاه حتى أرسل الله في رجله الأكلة فمات منها
أولياته قال العسكري في الأوائل : هو أول من أقطع
القطائع و أول من حمى الحمى و أول من خفض صوته بالتكبير و أول من خلق المسجد و أول
من أمر بالأذان الأول في الجمعة و أول من رزق المؤذنين و أول من أرتج عليه في
الخطبة فقال : أيها الناس إن أول مركب صعب و إن بعد اليوم أياما و إن أعش تأتكم
الخطبة على وجهها و ما كنا خطباء و سيعلمنا الله أخرجه ابن سعد و أول من قدم
الخطبة في العيد على الصلاة و أول من فوض إلى الناس إخراج زكاتهم وأول من ولي
الخلافة في حياة أمه و أول من اتخذ صاحب شرطة و أول من اتخذ المقصورة في المسجد
خوفا أن يصيبه ما أصاب عمر هذا ما ذكره العسكري قال : و أول ما وقع الاختلاف بين
الأمة فخطأ بعضهم بعضا في زمانه في أشياء نقموها عليه و كانوا قبل ذلك يختلفون في
الفقه و لا يخطئ بعضهم بعضا
قلت : بقي من أوائله أنه أول من هاجر إلى الله بأهله من
هذه الأمة كما تقدم و أول من جمع الناس على حرف واحدة في القراءة
و أخرج ابن عساكر عن حكيم بن عباد بن حنيف قال : أول
منكر ظهر بالمدينة حين فاضت الدنيا و انتهى سمن الناس طيران الحمام و الرمي على
الجلاهقات فاستعمل عليها عثمان رجلا من بني ليث سنة ثمان من خلافته فقصها و كسر
الجلاهقات
الذين ماتوا في عهده من الأعلام مات في أيام عثمان من
الأعلام : سراقة بن مالك بن جعشم و جبار بن صخر و حاطب بن أبي بلتعة و عياض بن
زهير و أبو أسيد الساعدي و أوس بن الصامت و الحارث بن نوفل و عبد الله بن حذافة و
زيد ابن خارجة الذي تكلم بعد الموت و لبيد الشاعر و المسيب والد سعيد و معاذ بن
عمرو بن الجموح و معبد بن العباس و معيقب ابن أبي فاطمة الدوسي و أبو لبابة بن عبد
المنذر و نعيم بن مسعود الأشجعي و آخرون من الصحابة
و من غير الصحابة : الحطيئة الشاعر و أبو ذؤيب الشاعر
الهذلي
نسبه و كناه وبعض صفاته علي بن أبي طالب رضي الله عنه ـ
و اسم أبي طالب عبد مناف ـ بن عبد المطلب ـ و اسمه شيبة ـ بن هاشم و اسمه عمرو بن
عبد مناف و اسمه المغيرة بن قصي و اسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب
بن فهر بن مالك بن نضر بن كنانة أبو الحسن و أبو تراب كناه بها النبي صلى الله
عليه و سلم و أمه فاطمة بنت أسد ابن هشام و هي أول هاشمية ولدت هاشميا قد أسلمت و
هاجرت
و علي رضي الله عنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة و أخو
رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمؤاخاة و صهره على فاطمة سيدة نساء العالمين رضي
الله عنها و أحد السابقين إلى الإسلام و أحد العلماء الربانيين و الشجعان
المشهورين و الزهاد المذكورين و الخطباء المعروفين و أحد من جمع القرآن و عرضه على
رسول الله صلى الله عليه و سلم و عرض عليه أبو الأسود الدؤلي و أبو عبد الرحمن
السلمي و عبد الرحمن بن أبي ليلى و هو أول خليفة من بني هاشم و أبو السبطين أسلم
قديما بل قال ا بن عباس و أنس و زيد بن أرقم و سلمان الفارسي و جماعة : إنه أول من
أسلم و نقل بعضهم الإجماع عليه
و أخرج أبو يعلى عن علي رضي الله عنه قال : بعث رسول
الله صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين و أسلمت يوم الثلاثاء و كان عمره حين أسلم
عشر سنين و قيل : تسع و قيل : ثمان و قيل : دون ذلك قال الحسن بن زيد بن الحسن : و
لم يعبد الأوثان قط لصغره أخرجه ابن سعد و لما هاجر صلى الله عليه و سلم إلى
المدينة أمره أن يقيم بعده بمكة أياما حتى يؤدي عنه أمانة الودائع و الوصايا التي
كانت عند النبي صلى الله عليه و سلم ثم يلحقه بأهله ففعل ذلك و شهد مع رسول الله
صلى الله عليه و سلم بدرا و أحدا و سائر المشاهد إلا تبوك فإن النبي صلى الله عليه
و سلم استخلفه على المدينة و له في جميع المشاهد آثار مشهورة و أعطاه النبي صلى
الله عليه و سلم اللواء في مواطن كثيرة و قال سعيد بن المسيب : [ أصابت عليا يوم
أحد ست عشرة ضربة و ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه و سلم أعطاه الراية في يوم
خيبر و أخبر أن الفتح يكون على يديه ] و أحواله في الشجاعة و آثاره في الحروب
مشهورة و
كان علي شيخا سمينا أصلع كثير الشعر ربعة إلى القصر عظيم
البطن عظيم الحية جدا قد ملأت ما بين منكبيه بيضاء كأنها قطن آدم شديد الأدمة
و قال جابر بن عبد الله : حمل علي الباب على ظهره يوم
خيبر حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها و إنهم جروه بعد ذلك فلم يحمله إلا أربعون
رجلا أخرجه ابن عساكر
و أخرج ابن إسحاق في المغازي و ابن عساكر عن أبي رافع أن
عليا تناول بابا عند الحصن ـ حصن خيبر ـ فتترس به عن نفسه فلم يزل في يده و هو
يقاتل حتى فتح الله علينا ثم ألقاه فلقد رأينا ثمانية نفر نجهد أن نقلب ذلك الباب
فما استطعنا أن نقلبه و روى البخاري في الأدب [ عن سهل بن سعد قال : إن كان أحب
أسماء علي رضي الله عنه إليه [ أبا تراب ] و إن كان ليفرح أن يدعى به و ما سماه
أتراب إلا النبي صلى الله عليه و سلم و ذلك أنه غاضب يوما فاطمة فخرج فاضطجع إلى
الجدار في المسجد فجاءه النبي صلى الله عليه و سلم و قد امتلأ ظهره ترابا فجعل
النبي صلى الله عليه و سلم يمسح التراب عن ظهره و يقول : اجلس أبا تراب ]
روي له عن رسول الله صلى الله عليه و سلم خمسمائة حديث و
ستة و ثمانون حديثا
روى عنه بنوه الثلاثة : الحسن و الحسين و محمد ابن
الحنفية و ابن مسعود و ابن عمر و ابن عباس و ابن الزبير و أبو موسى و أبو سعيد و
زيد بن أرقم و جابر بن عبد الله و أبو أمامة و أبو هريرة و خلائق من الصحابة و
التابعين رضوان الله عليهم أجمعين
================
ج2. كتاب : تاريخ الخلفاء عبد الرحمن بن أبي بكر
السيوطيي
الأحاديث الواردة في فضله قال الإمام أحمد بن حنبل : ما
ورد لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من الفضائل ما ورد لعلي رضي الله
عنه أخرجه الحاكم
و أخرج الشيخان [ عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى
الله عليه و سلم خلف علي بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال : يا رسول الله تخلفني في
النساء و الصبيان فقال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى ؟ غير أنه لا
نبي بعدي ] أخرجه أحمد و البزار من حديث أبي سعد الخدري و الطبراني من حديث أسماء
بنت قيس و أم سلمة و حبشي بن جنادة و ابن عمر و ابن عباس و جابر بن سمرة و البراء
بن عازب و زيد بن أرقم
و أخرجا [ عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه و
سلم قال يوم خيبر : لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله و رسوله و
يحبه الله و رسوله فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها ؟ فلما أصبح الناس غدوا
على رسول الله صلى الله عليه و سلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال : أين علي بن أبي
طالب ؟ فقيل : هو يشتكي عينيه قال : فأرسلوا إليه فأتي به فبصق رسول الله صلى
الله عليه و سلم في عينيه و دعا له فبرئ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية ]
يدوكون : أي يخوضون و يتحدثون
و قد أخرج هذا الحديث الطبراني من حديث ابن عمر و علي و
ابن ليلى و عمران بن حصين و البزار من حديث ابن عباس
و أخرج مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال : لما نزلت هذه
الآية : { ندع أبناءنا وأبناءكم } [ دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم عليا و
فاطمة و حسنا و حسينا فقال : اللهم هؤلاء أهلي ]
و أخرج الترمذي [ عن ابن سريحة أو زيد بن أرقم عن النبي
صلى الله عليه و سلم قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ]
و أخرج أحمد عن علي و أبي أيوب الأنصاري و زيد بن أرقم و
عمر ذي مر و أبو يعلى عن أبي هريرة و الطبراني عن ابن عمر و مالك بن الحويرث و
حبشي بن جنادة و جرير و سعد بن أبي وقاص و أبي سعيد الخدري و أنس و البزار عن ابن
عباس و عمارة و بريدة و في أكثرها زيادة : [ اللهم وال من والاه و عاد من عاداه ]
و لأحمد عن أبي الطفيل قال : جمع علي الناس سنة خمس و
ثلاثين في الرحبة ثم قال لهم : أنشد بالله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله
عليه و سلم يقول يوم غدير خم ما قال لما قام فقام إليه ثلاثون من الناس فشهدوا أن
رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من
والاه و عاد من عاداه ]
و أخرج الترمذي و الحاكم و صححه [ عن بريدة قال : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : إن الله أمرني بحب أربعة و أخبرني أنه يحبهم قيل : يا رسول الله
سمهم لنا قال : علي منهم ـ يقول ذلك ثلاثا ـ و أبو ذر و المقداد و سلمان ]
و أخرج الترمذي و النسائي و ابن ماجه [ عن حبشي بن جنادة
قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : علي مني و أنا من علي ]
و أخرج الترمذي [ عن ابن عمر قال : آخى رسول الله صلى
الله عليه و سلم بين أصحابه فجاء علي تدمع عيناه فقال : يا رسول الله آخيت بين أصحابك
و لم تؤاخ بيني و بين أحد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنت أخي في الدنيا
و الآخرة ]
و أخرج مسلم عن علي قال : و الذي فلق الحبة و برأ النسمة
إنه لعهد النبي الأمي إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن و لا يبغضني إلا منافق
و أخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال : كنا نعرف
المنافقين ببغضهم عليا
و أخرج البزار و الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله
و أخرج الترمذي و الحاكم [ عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنا
مدينة العلم و علي بابها ] هذا حديث حسن على الصواب لا صحيح كما قال الحاكم و لا
موضوع كما قال جماعة منهم ابن الجوزي و النووي و قد بينت حاله في التعقبات على
الموضوعات
و أخرج الحاكم و صححه [ عن علي قال بعثني رسول الله صلى
الله عليه و سلم إلى اليمن فقلت : يا رسول الله بعثتني و أنا شاب أقضي بينهم و لا
أدري ما القضاء فضرب صدري بيده ثم قال : اللهم أهدي
قلبه و ثبت لسانه فو الذي فلق الحبة ما شككت في قضاء بين
اثنين ] و أخرج ابن سعد عن علي أنه قيل له : مالك أكثر أصحاب رسول الله صلى الله
عليه و سلم حديثا ؟ قال : إني كنت إذا سألته أنبأني و إذا سكت إبتدأني
و أخرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال عمر بن
الخطاب : علي أقضانا
و أخرج الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال : كنا
نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي
و أخرج ابن سعد عن ابن عباس قال : إذا حدثنا ثقة عن علي
بفتيا لا نعدوها
و أخرج عن سعيد بن المسيب قال : كان عمر بن الخطاب يتعوذ
بالله من معضلة ليس فيها أبو حسن
و أخرج عنه قال : لم يكن أحد من الصحابة يقول [ سلوني ]
إلا علي و أخرج ابن عساكر عن ابن مسعود قال : افرض أهل المدينة و أقضاها علي ابن
أبي طالب
و أخرج عن عائشة رضي الله عنها أن عليا ذكر عندها فقالت
: أما إنه أعلم من بقي بالسنة
و قال مسروق : انتهى علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه
و سلم إلى عمر و علي و ابن مسعود و عبد الله رضي الله عنهم
و قال عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة : كان لعلي ما شئت
من ضرس قاطع في العلم و كان له البسطة في العشيرة و القدم في الإسلام و العهد
برسول الله صلى الله عليه و سلم و الفقه في السنة و النجدة في الحرب و الجود في
المال
و أخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف [ عن جابر بن عبد
الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الناس من شجر شتى و أنا و علي من
شجرة واحدة ]
و أخرج الطبراني و ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : ما
أنزل الله { يا أيها الذين آمنوا } إلا و علي أميرها و شريفها و لقد عاتب الله
أصحاب محمد في غير مكان و ما ذكر عليا إلا بخير
و أخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : ما نزل في أحد من
كتاب الله تعالى ما نزل في علي
و أخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : نزلت في علي
ثمانمائة آية
و أخرج البزار [ عن سعد قال : قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم لعلي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري و غيرك ]
و أخرج الطبراني و الحاكم و صححه عن أم سلمة رضي الله
عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا غضب لم يجترىء أحد أن يكلمه
إلا علي
و أخرج الطبراني و الحاكم [ عن ابن مسعود رضي الله عنهما
أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : النظر إلى علي عبادة ] إسناده حسن
و أخرج الطبراني و الحاكم أيضا من حديث عمران بن حصين
و أخرج ابن عساكر من حديث أبي بكر الصديق و عثمان بن
عفان و معاذ ابن جبل و أنس و ثوبان و جابر بن عبد الله و عائشة رضي الله عنهم
و أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال : كانت لعلي
ثمان عشرة منقبة ما كانت لأحد من هذه الأمة
و أخرج أبو يعلى عن أبي هريرة قال : قال عمر بن الخطاب :
لقد أعطى علي ثلاث خصال لأن تكون لي خصلة منها أحب إلي من أن أعطى حمر النعم فسئل
و ما هن ؟ قال : تزوجه ابنته فاطمة و سكناه المسجد لا يحل لي فيه ما يحل له و
الراية يوم خيبر
و روى أحمد بسند صحيح عن ابن عمر نحوه
و أخرج أحمد و أبو يعلى بسند صحيح عن علي قال : ما رمدت
و لا صدعت منذ مسح رسول الله صلى الله عليه و سلم وجهي و تفل في عيني يوم خيبر حين
أعطاني الراية و أخرج أبو يعلى و البزار [ عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم من آذى عليا فقد آذني ]
و أخرج الطبراني بسند صحيح [ عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله
عليه و سلم قال : من أحب عليا فقد أحبني و من أحبني فقد أحب الله و من أبغض عليا
فقد أبغضني و من أبغضني فقد أبغض الله
]
و أخرج أحمد و الحاكم و صححه [ عن أم سلمة سمعت رسول
الله صلى الله عليه و سلم يقول : من سب عليا فقد سبني ]
و أخرج أحمد و الحاكم بسند صحيح [ عن ابن أبي سعيد
الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعلي : إنك تقاتل على القرآن كما
قاتلت على تنزيله ]
و أخرج البزار و أبو يعلى و الحاكم [ عن علي قال : دعاني
رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا علي إن فيك مثلا من عيسى أبغضته اليهود حتى
بهتوا أمه و أحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به ] ألا و إنه يهلك في
اثنان : محب مفرط يفرطني بما ليس في و مبغض مفتر يحمله شنآني على أن يبهتني
و أخرج الطبراني في الأوسط و الصغير [ عن أم سلمة قالت : سمعت رسول الله
صلى الله عليه و سلم يقول علي مع القرآن و القرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي
الحوض ]
و أخرج أحمد و الحاكم بسند صحيح [ عن عمار بن ياسر أن
النبي صلى الله عليه و سلم قال لعلي : أشقى الناس رجلان : أحيمر ثمود الذي عقر الناقة و الذي
يضربك يا علي على هذه ـ يعني قرنه ـ حتى تبتل منه هذه ـ يعني لحيته ] و قد ورد ذلك
من حديث علي و صهيب و جابر بن سمرة و غيرهم
و أخرج الحاكم و صححه [ عن ابن سعد الخدري قال : اشتكى
عليا فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فينا خطيبا فقال : لا تشكو عليا فو الله
إنه لأخيشن في ذات الله أو في سبيل الله ]
مبايعته بالخلافة قال ابن سعد : بويع علي بالخلافة الغد
من قتل عثمان بالمدينة فبايعه جميع من كان بها من الصحابة رضي الله عنهم و يقال :
إن طلحة و الزبير بايعا كارهين غير طائعين ثم خرجا إلى مكة و عائشة رضي الله عنها
بها فأخذاها و خرجا بها إلى البصرة يطلبون بدم عثمان و بلغ ذلك عليا فخرج إلى
العراق فلقي بالبصرة طلحة و الزبير و عائشة و من معهم و هي وقعة الجمل و كانت في
جمادى الآخر سنة ست و ثلاثين و قتل بها طلحة و الزبير و غيرهما و بلغت القتلى ثلاثة
عشر ألفا و أقام علي بالبصرة خمس عشرة ليلة ثم انصرف إلى الكوفة ثم خرج عليه
معاوية بن أبي سفيان و من معه بالشام فبلغ عليا فسار إليه فالتقوا بصفين في صفر
سنة سبع و ثلاثين و دام القتال بها أياما فرفع أهل الشام المصاحف يدعون إلى ما
فيها مكيدة من عمرو بن العاص فكره الناس الحرب و تداعوا إلى الصلح و حكموا الحكمين
فحكم علي أبا موسى الأشعري و حكم معاوية عمرو بن العاص و كتبوا بينهم كتابا على أن
يوافوا رأس الحول بأذرح فينظروا في أمر الأمة فافترق الناس و رجع معاوية إلى الشام
و علي إلى الكوفة فخرجت عليه الخوارج من أصحابه و من كان معه و قالوا : لا حكم إلا
الله و عسكروا بحروراء فبعث إليهم ابن عباس فخاصمهم و حجهم فرجع منهم قوم كثير و
ثبت قوم و ساروا إلى النهروان فعرضوا للسبيل فسار إليهم علي فقتلهم بالنهروان و
قتل منهم ذا الثدية و ذلك سنة ثمان و ثلاثين و اجتمع الناس بأذرح في شعبان من هذه
السنة و حضرها سعد بن أبي وقاص و ابن عمر و غيرهما من الصحابة فقدم عمرو أبا موسى
الأشعري مكيدة منه فتكلم فخلع عليا و تكلم عمرو فأقر معاوية و بايع له فتفرق الناس
على هذا و صار علي في خلاف من أصحابه حتى صار يعض على أصبعه و يقول : أعصى و يطاع
معاوية ؟ !
و انتدب ثلاثة نفر من الخوارج : عبد الرحمن بن ملجم
المرادي و البرك بن عبد الله التميمي و عمرو بن بكير التميمي فاجتمعوا بمكة و
تعاهدوا و تعاقدوا ليقتلن هؤلاء الثلاثة : علي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان
و عمرو بن العاص و يريحوا العباد منهم فقال ابن ملجم : أنا لكم بعلي و قال البرك : أنا لكم بمعاوية
و قال عمرو بن بكير : أنا أكفيكم عمرو بن العاص و تعاهدوا على أن ذلك يكون في ليلة
واحدة ليلة حادي عشر أو ليلة سابع عشر رمضان ثم توجه كل منهم إلى المصر الذي فيه
صاحبه فقدم ابن ملجم الكوفة فلقي أصحابه من الخوارج فكاتمهم ما يريدون إلى ليلة
الجمعة سابع عشر رمضان سنة أربعين فاستيقظ علي سحرا فقال لابنه الحسن رأيت الليلة
رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت يا رسول الله ما لقيت من أمتك من الأود و
اللدد ؟ فقال لي : ادع الله عليهم فقلت : اللهم أبدلني بهم خيرا لي منهم و أبدلهم
بي شرا لهم مني و دخل ابن الذباح المؤذن على علي فقال : الصلاة فخرج علي من الباب
ينادي : أيها الناس الصلاة الصلاة فاعترضه ابن ملجم فضربه بالسيف فأصاب جبهته إلى
قرنه و وصل إلى دماغه فشد عليه الناس من كل جانب فأمسك و أوثق و أقام علي الجمعة و
السبت و توفي ليلة الأحد و غسله الحسن و الحسين و عبد الله بن جعفر و صلى عليه
الحسن و دفن بدار الإمارة بالكوفة ليلا ثم قطعت أطراف ابن ملجم و جعل في قوصرة و
أحرقوه بالنار هذا كله كلام ابن سعد و قد أحسن في تلخيصه هذه الوقائع و لم يوسع
فيها الكلام كما صنع غيره لأن هذا هو اللائق بهذا المقام قال صلى الله عليه و سلم
: [ إذا ذكر أصحابي فأمسكوا ] و قال
: [ بحسب أصحابي القتل ]
و في المستدرك عن السدي قال : كان عبد الرحمن بن ملجم
المرادي عشق امرأة من الخوارج يقال لها : قطام فنكحها و أصدقها ثلاثة آلاف درهم و
قتل علي و في ذلك قال الفرزدق :
( فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة ... كمهر قطام من فصيح و
أعجم )
( ثلاثة آلاف و عبد و قينة ... و ضرب علي بالحسام المصمم )
( فلا مهر أغلى من علي و إن غلا ... و لا فتك إلا دون
فتك ابن ملجم )
قال أبو بكر بن عياش : عمي قبر علي لئلا ينبشه الخوارج
و قال شريك : نقله ابنه الحسن إلى المدينة
و قال المبرد عن محمد بن حبيب : أول من حول من قبر إلى
قبر علي رضي الله عنه
و أخرج ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز قال : لما قتل
علي بن أبي طالب رضي الله عنه حملوه ليدفنوه مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
فبينما هم في مسيرهم ليلا إذ ند الجمل الذي هو عليه فلم يدر أين ذهب ؟ و لم يقدر
عليه قال : فلذلك يقول أهل العراق : هو في السحاب و قال غيره : إن البعير وقع في
بلاد طيء فأخذوه فدفنوه
و كان لعلي حين قتل ثلاث و ستون ستة و قيل : أربع و ستون و
قيل : خمس و ستون و قيل : سبع و خمسون و قيل : ثمان و خمسون و كان له تسع عشرة
سرية
نبذ من أخباره و قضاياه قال سعيد بن منصور في سننه :
حدثنا هشيم حدثنا حجاج حدثني شيخ من فزارة سمعت عليا يقول : الحمد لله الذي جعل عدونا يسألنا عما
نزل به من أمر دينه ! إن معاوية كتب إلي يسألني عن الخنثي المشكل فكتبت إليه أن
يورثه من قبل مباله و قال هيشم عن مغيرة عن الشعبي عن علي مثله
و أخرج ابن عساكر عن الحسن قال : لما قدم علي البصرة قام
إليه ابن الكواء و قيس بن عبادة فقالا له : ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت فيه
تتولى على الأمة تضرب بعضهم ببعض ؟ أعهد من رسول الله صلى الله عليه و سلم عهده
إليك ؟ فحدثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت فقال : أما أن يكون عندي عهد من
النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك فلا و الله لئن كنت أول من صدق به فلا أكون أول
من كذب عليه و لو كان عندي من النبي صلى الله عليه و سلم عهد في ذلك ما تركت أخا
بني بن مرة و عمر بن الخطاب يقومان على منبره و لقاتلهما بيدي و لو لم أجد إلا
بردي هذا و لكن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يقتل قتلا و لم يمت فجأة مكث في
مرضه أياما و ليالي يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس و هو
يرى مكاني
و لقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبى و
غضب و قال أنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر يصلي بالناس فلما قبض الله نبيه صلى الله
عليه و سلم نظرنا في أمورنا فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله صلى الله عليه و سلم
لديننا و كانت الصلاة أصل الإسلام و هي أمير الدين و قوام الدين فبايعنا أبا بكر و
كان لذلك أهلا لم يختلف عليه منا اثنان و لم يشهد بعصنا على بعض و لم تقطع منه
البراءة فأديت إلى أبي بكر حقه و عرفت له طاعته و غزوت معه في جنوده و كنت آخذ إذا
أعطاني و أغزوا إذا أغزاني و أضرب بين يديه الحدود بسوطي فلما قبض تولاها عمر
فأخذها بسنة صاحبه و ما يعرف من أمره فبايعنا عمر و لم يختلف عليه منا اثنان و لم
يشهد بعضنا على بعض و لم تقطع منه البراءة فأديت إلى عمر حقه و عرفت له طاعته و
غزوت معه في جيوشه و كنت آخذ إذا أعطاني و أغزو إذا أغزاني و أضرب بين يديه الحدود
بسوطي فلما قبض تذكرت في نفسي قرابتي و سابقتي و سالفتي و فضلي و أنا أظن أن لا
يعدل بي و لكن خشي أن لا يعمل الخليفة بعده ذنبا إلا لحقه في قبره فأخرج منها نفسه
و ولده و لو كانت محاباة منه لآثر بها ولده فبرئ منها إلى رهط من قريش ستة أنا
أحدهم فلما اجتمع الرهط ظننت أن لا يعدلوا بي فأخذ عبد الرحمن بن عوف مواثيقنا على
أن نسمع و نطيع لمن ولاه الله أمرنا ثم أخذ بيد عثمان بن عفان و ضرب بيده على يده
فنظرت في أمري طاعتي قد سبقت بيعتي وفإذا طاعتي قد سبقت بيعتي و إذا ميثاقي أخذ
لغيري فبايعنا عثمان فأديت له حقه و عرفت له طاعته و غزوت معه في جيوشه و كنت آخذ
إذا أعطاني و أغزاني و أضرب بين يديه الحدود بسوطي فلما أصيب نظرت في أمري فإذا
الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله صلى الله عليه و سلم إليهما بالصلاة قد
مضيا و هذا الذي قد أخذ له الميثاق قد أصيب فبايعني أهل الحرمين و أهل هذين
المصرين فوثب فيها من ليس مثلي و لا قرابته كقرابتي و لا علمه كعلمي و لا سابقته
كسابقتي و كنت أحق بها منه و أخرج أبو نعيم في الدلائل عن جعفر بن محمد عن أبيه
قال عرض لعلي رجلان في خصومة فجلس في أصل جدار فقال له رجل : الجدار يقع فقال علي
: امض كفى بالله حارسا ! ! فقضى بينهما فقام ثم سقط الجدار
و في الطيوريات بسنده إلى جعفر بن محمد عن أبيه قال :
قال رجل لعلي بن أبي طالب : نسمعك تقول في الخطبة : اللهم أصلحنا بما أصلحت به
الخلفاء الراشدين المهديين فمن هم ؟ فاغرورقت عيناه فقال : هم حبيباي أبو بكر و
عمر إماما الهدى و شيخا الإسلام و رجلا قريش و المقتدى بهما بعد رسول الله صلى
الله عليه و سلم من اقتدى بهما عصم ومن اتبع آثارهما هدي الصراط المستقيم و من
تمسك بهما فهو من حزب الله
و أخرج عبد الرزاق عن حجر المدري قال : قال لي علي بن
أبي طالب : كيف بك إذا أمرت أن تلعنني ؟
قلت : و كائن ذلك ؟ قال : نعم قلت : فكيف أصنع ؟ قال :
إلعني و لا تبرأ مني قال : فأمرني محمد بن يوسف أخو الحجاج ـ و كان أميرا على
اليمن ـ أن ألعن عليا فقلت : إن الأمير أمرني أن أخرج ألعن عليا فالعنوه لعنه الله
فما فطن لها إلا رجل
و أخرج الطبراني في الأوسط و أبو نعيم في الدلائل عن
زاذان أن عليا حدث بحديث فكذبه رجل فقال له علي : أدعوا عليك إن كنت كاذبا ؟ قال :
ادع فدعا عليه فلم يبرح حتى ذهب بصره
و أخرج عن زر بن حبيش قال : جلس رجلان يتغديان مع أحدهما
خمسة أرغفة و مع الآخر ثلاثة أرغفة فلما وضعا الغداء بين أيديهما مر بهما رجل فسلم
فقالا : اجلس و تغد فجلس و أكل معهما و استووا في أكلهم الأرغفة الثمانية فقام
الرجل و طرح إليهما ثمانية دراهم و قال : خذاها عوضا مما أكلت لكما و نلته من
طعامكما فتنازعا فقال صاحب الخمسة الأرغفة : لي خمسة دراهم و لك ثلاثة و قال الأرغفة
الثلاثة : لا أرضى إلا أن تكون الدراهم بيننا نصفين فارتفعا إلى أمير المؤمنين علي
فقصا عليه قصتهما فقال لصاحب الثلاثة : قد عرض عليك صاحبك ما عرض و خبزه أكثر من
خبزك فارض بالثلاثة فقال : و الله لا رضيت عنه إلا بمر الحق فقال علي : ليس لك في
مر الحق إلا درهم واحد وله سبعة دراهم فقال الرجل : سبحان الله ! قال : هو ذلك قال
: فعرفني الوجه في مر الحق حتى أقبله فقال علي : أليس لثمانية الأرغفة أربعة و عشرون
ثلثا أكلتموها و أنتم ثلاثة أنفس و لا يعلم الأكثر منكم أكلا و لا الأقل ؟ فتحملون
في أكلكم على السواء قال : فأكلت أنت ثمانية أثلاث و إنما لك تسعة أثلاث و أكل صاحبك
ثمانية أثلاث و له خمسة عشر ثلثا أكل منها ثمانية و بقي له سبعة أكلها صاحب
الدراهم و أكل لك واحدة من تسعة فلك واحد بواحدك وله سبعة فقال الرجل : رضيت الآن
و أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عطاء قال : أتي علي
برجل و شهد عليه رجلان أنه سرق فأخذ في شيء من أمور الناس و تهدد شهود الزور و قال
: لا أوتى بشاهد زور إلا فعلت به كذا و كذا ثم طلب الشاهدين فلم يجدهما فخلى سبيله
و قال عبد الرزاق في المنصف : حدثنا الثوري عن سليمان
الشيباني عن رجل عن علي أنه أتى برجل فقيل له : زعم هذا أنه احتلم بأمي فقال :
اذهب فأقمه بالشمس فاضرب ظله
و أخرج ابن عساكر عن طريق جعفر بن محمد عن أبيه أن خاتم
علي بن أبي طالب كان من ورق نقشه [ نعم القادر الله ]
و أخرج عن عمرو بن عثمان بن عفان قال : كان نقش خاتم علي
[ الملك لله ]
و أخرج عن المدائني قال : لما دخل علي الكوفة دخل عليه
رجل من حكماء العرب فقال : و الله يا أمير المؤمنين لقد زنت الخلافة و ما زانتك و
رفعتها و ما رفعتك و هي كانت أحوج إليك منك إليها
و أخرج عن مجمع أن عليا كان يكنس بيت المال ثم يصلي فيه
رجاء أن يشهد له أن لم يحبس فيه المال عن المسلمين
و قال أبو القاسم الزجاجي في أماليه : حدثنا أبو جعفر
محمد بن رستم الطبري حدثنا أبو حاتم السجستاني حدثني يعقوب بن إسحاق الحضرمي حدثنا
سعيد ابن سلم الباهلي حدثنا أبي عن جدي عن أبي الأسود الدؤلي أو قال : عن جدي أبي
الأسود عن أبيه قال : دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فرأيته
مطرقا مفكرا فقلت : فيم تفكر يا أمير المؤمنين ؟ قال : إني سمعت ببلدكم هذا لحنا
فأردت أن أصنع كتابا في أصول العربية فقلت : إن فعلت ذلك أحييتنا و بقيت فينا هذه
اللغة ثم أتيته بعد ثلاثة فألقى إلي صحيفة فيها : بسم الله الرحمن الرحيم الكلمة اسم و
فعل و حرف فالاسم : ما أنبأ عن المسمى و الفعل : ما أنبأ عن حركة المسمى و الحرف :
ما أنبأ عن معنى ليس باسم و لا فعل ثم قال : تتبعه و زد فيه ما وقع لك و اعلم يا
أبا الأسود أن الأشياء ثلاثة : ظاهر و مضمر و شيء ليس بظاهر و لا مضمر و إنما
يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر و لا مضمر قال : أبو الأسود : فجمعت منه
أشياء و عرضتها عليه فكان من ذلك حروف النصب فذكرت منها : إن وأن و ليت و لعل و
كأن ولم أذكر لكن فقال لي : لم تركتها ؟ فقلت : لم أحسبها منها فقال : بل هي منها
فزدها فيها
و أخرج ابن عساكر عن ربيعة بن ناجد قال : قال علي :
كونوا في الناس كالنحلة في الطير إنه ليس في الطير شيء إلا و هو يستضعفها لو يعلم
الطير ما في أجوافها من البركة لم يفعلوا ذلك بها خالطوا الناس بألسنتكم و أجسادكم
و زايلوهم بأعمالكم و قلوبكم فإن للمرء ما اكتسب وهو يوم القيامة مع من أحب
و أخرج عن علي قال : كونوا بقبول العمل أشد اهتماما منكم
بالعمل فإنه لن يقل عمل مع التقوى و كيف يقل عمل يتقبل ؟
و أخرج عن يحيى بن جعدة قال : قال علي بن أبي طالب : يا
حملة القرآن اعملوا به فإنما العالم من علم ثم عمل بما علم و وافق علمه عمله و
سيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم و تخالف سريرتهم علانيتهم و يخالف
عملهم علمهم يجلسون حلقا فيباهي بعضهم بعضا حتى إن الرجل يغضب على جليسه أن يجلس
إلى غيره و يدعه أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله
و أخرج عن علي قال : التوفيق خير قائد و حسن الخلق خير
قرين و العقل خير صاحب و الأدب خير ميراث و لا وحشة أشد من العجب
و أخرج عن الحارث قال : جاء رجل إلى علي فقال : أخبرني
عن القدر ! فقال : طريق مظلم لا تسلكه قال : أخبرني عن القدر ! قال : بحر عميق لا
تلجه قال : أخبرني عن القدر ! قال : سر الله قد خفي عليك فلا تفتشه قال : أخبرني عن
القدر ! قال : يا أيها السائل إن الله خلقك لما شاء أو لما شئت ؟ قال : بل لما شاء
قال : فيستعملك لما شاء
و أخرج عن علي قال : إن للنكبات نهايات و لا بد أحد إذا
نكب من أن ينتهي إليها فينبغي للعاقل إذا أصابته نكبة أن ينام لها حتى تنقضي مدتها
فإن في دفعها قبل انقضاء مدتها زيادة في مكروهها
و أخرج عن علي أنه قيل له : ما السخاء ؟ قال : ما كان
منه ابتداء فأما ما كان عن مسألة فحياء و تكرم
و أخرج عن علي أنه أتاه رجل فأثنى عليه فأطراه و كان قد
بلغه عنه قبل ذلك فقال له علي : إني لست كما تقول و أنا فوق ما في نفسك
و أخرج عن علي قال : جزاء المعصية الوهن في العبادة و
الضيق في المعشية و النقص في اللذة قيل : و ما النقص في اللذة ؟ قال : لا ينال
شهوة حلال إلا جاءه ما ينغصه إياها
و أخرج عن علي بن ربيعة أن رجلا قال لعلي : ثبتك الله و
كان يبغضه قال علي : على صدرك
و أخرج عن الشعبي قال : كان أبو بكر يقول الشعر و كان
عثمان يقول الشعر و كان علي أشعر الثلاثة
و أخرج عن نبيط الأشجعي قال : قال علي بن أبي طالب رضي
الله عنه :
( إذا اشتملت على اليأس القلوب ... و ضاق بهمها الصدر
الرحيب )
( و أوطنت المكاره و اطمأنت ... و أرسلت في أماكنها
الخطوب )
( و لم ير لانكشاف الضر وجه ... و لا أغنى بحليته الأريب )
( أتاك على قنوط منك غوث ... يجيء به القريب المستجيب )
( و كل الحادثات إذا تناهت ... فموصل بها الفرج القريب )
و أخرج عن الشعبي قال : قال علي بن أبي طالب لرجل كره له
صحبة رجل :
( فلا تصحب أخا الجهل ... و إياك و إياه )
( فكم من جاهل أردى ... حليما حين آخاه )
( يقاس المرء بالمرء ... إذ ما هو ما شاه )
( و للشيء من الشيء ... مقاييس و أشباه )
( قياس النعل بالنعل ... إذا ما هو حاذاه )
( و للقلب على القلب ... دليل حين يلقاه )
و أخرج عن المبرد قال : كان مكتوبا على سيف علي بن أبي
طالب رضي الله عنه :
( للناس حرص على الدنيا بتدبير ... و صفوها لك ممزوج
بتكدير )
( لم يرزقوها بعقل بعدما قسمت ... لكنهم رزقوها
بالمقادير )
( كم من أديب لبيب لا تساعده ؟ ... و أحمق نال دنياه
بتقصير )
( لو كان عن قوة أو عن مغالبة ... طار البزاة بأرزاق
العصافير )
و أخرج عن حمزة بن حبيب الزيات قال : كان علي بن أبي
طالب يقول :
( و لا تفش سرك إلا إليك ... فإن لكل نصيح نصيحا )
( فإني رأيت غواة الرجا ... ل لا يدعون أديما صحيحا )
و أخرج عن عقبة بن أبي الصهباء قال : لما ضرب ابن ملجم
عليا دخل عليه الحسن و هو باك فقال له علي : يا بني احفظ عني أربعا و أربعا قال و
ما هن يا أبت ؟ قال : أغنى الغنى العقل و أكبر الفقر الحمق و أوحش الوحشة العجب و
أكرم الكرم حسن الخلق قال : فالأربع الآخر ؟ قال : إياك و مصاحبة الأحمق فإنه يريد
أن ينفعك فيضرك و إياك و مصادقة الكذاب فإنه يقرب عليك البعيد و يبعد عليك القريب
و إياك و مصادقة البخيل فإنه يقعد عنك أحوج ما تكون إليه و إياك و مصادقة الفاجر
فإنه يبيعك بالتافه
و أخرج ابن عساكر عن علي أنه أتاه يهودي فقال له : متى
كان ربنا ؟ فتمعر وجه علي و قال : لم يكن فكان هو كان و لا كينونة كان بلا كيف كان
ليس له قبل و لا غاية انقطعت الغايات دونه فهو غاية كل غاية فأسلم اليهودي
و أخرج الدارج في جزئه المشهور بسند مجهول عن مسيرة عن
شريح القاضي قال : لما توجه علي إلى صفين افتقد درعا له فلما انقضت الحرب و رجع
إلى الكوفة أصاب الدرع في يد يهودي فقال لليهودي : الدرع درعي لم أبع و لم أهب
فقال اليهودي : درعي و في يدي فقال : نصير إلى القاضي فتقدم علي فجلس إلى جنب شريح
و قال : لولا أن خصمي يهودي لاستويت معه في المجلس و لكني سمعت رسول الله صلى الله
عليه و سلم يقول : [ و أصغروهم من حيث أصغرهم الله ] فقال شريح : قل يا أمير
المؤمنين فقال : نعم هذه الدرع التي في يد هذه اليهودي درعي لم أبع و لم أهب فقال
شريح : أيش تقول يا يهودي ؟ قال : درعي و في يدي فقال شريح : ألك بينة يا أمير
المؤمنين ؟ قال : نعم : قنبر و الحسن يشهدان أن الدرع درعي فقال شريح : شهادة الابن لا
تجوز للأب فقال علي : رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته ؟ سمعت رسول الله صلى الله
عليه و سلم يقول : [ الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة ] فقال اليهودي : أمير
المؤمنين قدمني إلى قاضيه و قاضيه قضى عليه أشهد أن هذا هو الحق و أشهد أن إلا
الله و أشهد أن محمدا رسول الله و أن الدرع درعك
فصل
و أما كلامه في تفسير القرآن فكثير و هو مستوفى في
كتابنا التفسير المسند بأسانيده و قد أخرج ابن سعد عن علي قال : و الله ما نزلت
آية إلا و قد علمت فيم نزلت و أين نزلت و على من نزلت إن ربي وهب لي قلبا عقولا و
لسانا صادقا ناطقا
و أخرج ابن سعد و غيره عن أبي الطفيل قال : قال علي :
سلوني عن كتاب الله فإنه ليس من آية إلا و قد عرفت بليل نزلت أم بنهار و في سهل أم
في جبل
و أخرج ابن أبي داود عن محمد بن سيرين قال : لما توفى
رسول الله صلى الله عليه و سلم أبطأ علي عن بيعة أبي بكر فقال : أكرهت إمارتي ؟
فقال : لا و لكن آليت أن لا أرتدي بردائي إلا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن فزعموا
أنه كتبه على تنزيله فقال محمد : لو أصيب ذلك الكتاب كان فيه العلم
نبذ من كلماته الوجيزة قال علي رضي الله عنه : الحزم سوء
الظن أخرجه أبو الشيخ و ابن حيان
و قال : القريب من قربته المودة و إن بعد نسبه و البعيد
من باعدته العدواة و إن قرب نسبه و لا شيء أقرب من يد إلى جسد و إن اليد فسدت قطعت
و إذا قطعت حسمت أخرجه أبو نعيم و قال : خمس خذوهن عني : لا يخافن أحد منكم إلا
ذنبه و لا يرجو إلا ربه و لا يستحيي من لا يعلم أن يتعلم و لا يستحيي من لا يعلم
إذا سئل عما لا يعلم أن يقول : الله أعلم و إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من
الجسد : إذا ذهب الصبر الإيمان و إذا ذهبت الرأس ذهب الجسد أخرجه سعيد بن منصور في
سننه
و قال : الفقيه كل فقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله و
لم يرخص لهم في معاصي الله و لم يؤمنهم من عذاب الله و لم يدع القرآن رغبة عنه إلى
غيره لأنه لا خير في عبادة لا علم فيها و لا فهم معه و لا قراءة لا تدبر فيها أخرجه
ابن الضريس في فضائل القرآن
و قال : و أبردها على كبدي إذا سئلت عما لا علم أن أقول
: الله أعلم أخرجه ابن عساكر
و قال : من أراد أن ينصف الناس من نفسه فليحب لهم ما يحب
لنفسه أخرجه ابن عساكر
و قال : سبع من الشيطان : شدة الغضب و شدة العطاس و شدة
التثاؤب و القيء و الرعاف و النجوى و النوم عند الذكر
و قال : كلوا الرمان بشحمه فإنه دباغ المعدة أخرجه
الحاكم في التاريخ
و قال : يأتي على الناس زمان المؤمن فيه أذل من الأمة
أخرجه سعيد بن منصور و لأبي الأسود الدؤلي يرثي عليا رضي الله عنه :
مرثية لأبي الأسود الدؤلي فيه ( ألا يا عين ويحك أسعدينا
... ألا تبكي أمير المؤمنينا )
( و تبكي أم كلثوم عليه ... بعبرتها و قد رأت اليقينا )
( ألا قل للخوارج حيث كانوا ... فلا قرت عيون الحاسدينا )
( أفي شهر الصيام فجمعتمونا ؟ ... بخير الناس طرا
أجمعينا )
( قتلتم خير من ركب المطايا ... و ذللها و من ركب
السفينا )
( و من لبس النعال و من حذاها ... و من قرأ المثاني و
المبينا )
( و كل مناقب الخيرات فيه ... وجب رسول رب العالمينا )
( لقد علمت قريش حيث كانت ... بأنك خيرهم حسبا و دينا )
( إذا استقبلت وجه أبي حسين ... رأيت البدر فوق
الناظرينا )
( و كنا قبل مقتله بخير ... نرى مولى رسول الله فينا )
( يقيم الحق لا يرتاب فيه ... و يعدل في العدى و
الأقربينا )
( و ليس بكاتم علما لديه ... و لم يخلق من المتكبرينا )
( كأن الناس إذ فقدوا عليا ... نعام حار في بلد سنينا )
( فلا تشمت معاوية بن صخر ... فإن بقية الخلفاء فينا )
ذكر من مات في عهده من الأعلام مات في أيام علي من
الأعلام موتا و قتلا : حذيفة بن اليمان و الزبير بن العوام و طلحة و زيد بن صوحان و
سلمان الفارسي و هند بن أبي هالة و أويس القرني و خباب بن الأرت و عمار بن ياسر و
سهل بن حنيف و صهيب الرومي و محمد بن أبي بكر الصديق و تميم الداري و خوات بن جبير
و شرحبيل بن السمط و أبو مسيرة البدري و صفوان بن عسال و عمرو بن عنبسة و هشام بن
حكيم و أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه و سلم و آخرون
نسبه و فضله و حب الرسول إياه 40هـ ـ 41 ه
الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أبو محمد سبط
رسول الله صلى الله عليه و سلم و ريحانته و آخر الخلفاء بنصه
أخرج ابن سعد عن عمران بن سليمان قال : الحسن و الحسين
أسمان من أسماء أهل الجنة ما سمت العرب بهما في الجاهلية
ولد الحسن رضي الله عنه في نصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة
و روي له عن النبي صلى الله عليه و سلم أحاديث و روت عنه عائشة رضي الله عنها و
خلائق من التابعين : منهم ابنه الحسن و أبو الحوراء ربيعة بن سنان و الشعبي و أبو
وائل و ابن سيرين و كان شبيها للنبي صلى الله عليه و سلم سماه النبي صلى الله عليه
و سلم الحسن و عق عنه يوم سابعه و حلق شعره و أمر أن يتصدق بزنة شعره فضة و هو
خامس أهل الكساء
قال العسكري : لم يكن هذا الاسم يعرف في الجاهلية
و قال المفضل : إن الله حجب اسم الحسن و الحسين حتى سمى
بهما النبي صلى الله عليه و سلم ابنيه و أخرج البخاري عن أنس قال : لم يكن أحد
أشبه النبي صلى الله عليه و سلم من الحسن بن علي
و أخرج الشيخان عن البراء قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم و
الحسن على عاتقه و هو ينظر إلى الناس مرة و إليه مرة يقول : [ إن ابني هذا سيد و
لعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين ]
و أخرج البخاري [ عن ابن عمر قال : قال النبي صلى الله
عليه و سلم : هما ريحانتاي من الدنيا ] يعني الحسن و الحسين
و أخرج الترمذي و الحاكم عن أبي سعيد الخدري قال : قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة ]
و أخرج الترمذي عن أسامة بن زيد قال : رأيت النبي صلى
الله عليه و سلم و الحسن و الحسين على وركيه فقال : [ هذان ابناي و ابنا ابنتي
اللهم إني احبهما فأحبهما و أحب من يحبهما ]
و أخرج [ عن أنس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه و
سلم : أي أهل بيتك أحب إليك ؟ قال : الحسن و الحسين ] و أخرج الحاكم [ عن ابن عباس قال :
أقبل النبي صلى الله عليه و سلم و قد حمل الحسن على رقبته فلقيه رجل فقال : نعم
المركب ركبت يا غلام فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : و نعم الراكب هو ]
و أخرج ابن سعد عن عبد الله بن الزبير قال : أشبه أهل
النبي صلى الله عليه و سلم به و أحبهم إليه الحسن بن علي رأيته يجيء و هو ساجد
فيركب رقبته ـ أو قال : ظهره ـ فلما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل و لقد رأته و هو
راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر
و أخرج ابن سعد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : كان
رسول الله يدلع لسانه للحسن بن علي فإذا رأى الصبي حمرة اللسان يهش إليه
و أخرج الحاكم [ عن زهير بن الأرقم قال : قام الحسن بن
علي يخطب فقام رجل من أزد شنوءة فقال : أشهد لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و
سلم واضعه في حبوته و هو يقول : من أحبني فليحبه و ليبلغ الشاهد الغائب ] و لولا
كرامة رسول الله صلى الله عليه و سلم ما حدثت به أحدا
و كان الحسن رضي الله عنه له مناقب كثيرة سيدا حليما ذا
سكينة و وقار و حشمة جوادا ممدوحا يكره الفتن و السيف تزوج كثيرا و كان يجيز الرجل
الواحد بمائة ألف
و أخرج الحاكم عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : حج
الحسن خمسا و عشرين حجة ماشيا و إن النجائب لتقاد معه
و أخرج ابن سعد عن عمير بن إسحاق قال : ما تكلم عندي أحد
كان أحب إذا تكلم أن لا يسكت من الحسن بن علي و ما سمعت منه كلمة فحش قط إلا مرة
فإنه كان بين الحسن و عمرو بن عثمان خصومة في أرض فعرض الحسن أمرا لم يرضه عمرو
فقال الحسن : فليس له عندنا إلا ما رغم أنفه قال : فهذه أشد كلمة فحش سمعتها منه
و أخرج ابن سعد عن عمير بن إسحاق قال : كان مروان أميرا
علينا فكان يسب عليا كل جمعة على المنبر و حسن يسمع فلا يرد شيئا ثم أرسل إليه
رجلا يقول له : بعلي و بعلي و بعلي و بك و بك و ما وجدت إلا مثل البغلة يقال لها :
من أبوك ؟ فتقول : أمي الفرس فقال له الحسن : ارجع إليه فقل له : إني و الله لا
أمحو عنك شيئا مما قلت بأن أسبك و لكن موعدي و موعدك الله فإن كنت صادقا جزاك الله
بصدقك و إن كنت كاذبا فالله أشد نقمة
و أخرج ابن سعد عن زريق بن سوار قال : كان بين الحسن و
بين مروان كلام فأقبل عليه مروان فجعل يغلظ له ـ و الحسن ساكت ـ فامتخط مروان
بيمينه فقال له الحسن : ويحك ! أما علمت أن اليمين للوجه و الشمال للفرج ؟ أف لك !
فسكت مروان
و أخرج ابن سعد عن أشعث بن سوار عن رجل قال : جلس رجل
إلى الحسن فقال : إنك جلست إلينا على حين قيام منا أفتأذن ؟
و أخرج ابن سعد عن علي بن زيد بن جدعان قال : أخرج الحسن
من ماله لله مرتين و قاسم الله ماله ثلاث مرات حتى إنه كان يعطي نعلا و يمسك نعلا
و يعطي خفا و يمسك خفا
و أخرج ابن سعد عن علي بن الحسين : قال : كان الحسن
مطلاقا للنساء و كان لا يفارق امرأة إلا و هي تحبه و أحصن تسعين امرأة
و أخرج ابن سعد عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : كان الحسن
يتزوج و يطلق حتى خشيت أن يورثنا عداوة في القبائل
و أخرج ابن سعد عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : قال علي :
يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن فإنه رجل مطلاق فقال رجل من همدان : و الله انزوجنه
فما رضي امسك و ما كره طلق
و أخرج ابن سعد عن عبد الله بن حسن قال : كان حسن رجلا
كثير نكاح النساء و كن قلما يحظين عنده و كان قل امرأة تزوجها إلا أحبته و صبت
إليه
و أخرج ابن عساكر عن جويرية بن أسماء قال : لما مات
الحسن بكى مروان في جنازته فقال له الحسين : أتبكيه و قد كنت تجرعه ما تجرعه ؟
فقال : إني كنت أفعل ذلك إلى أحلم من هذا و أشار بيده إلى الجبل
و أخرج ابن عساكر عن المبرد قال : قيل للحسن بن علي : إن
أبا ذر يقول : الفقر أحب إلي من الغنى و السقم أحب إلي من الصحة فقال : رحم
الله أبا ذر أما أنا فأقول : من اتكل على حسن اختيار الله لم يتمن أنه في غير
الحالة التي اختارها الله له و هذا حد الوقوف على الرضا بما تصرف به القضاء
خلافته و تنازله عنها و لي الحسن رضي الله عنه الخلافة
بعد قتل أبيه بمبايعته أهل الكوفة فأقام فيها ستة أشهر و أياما ثم
سار إليه معاوية ـ و الأمر إلى الله ـ فأرسل إليه الحسن
يبذل له تسليم الأمر إليه على أن تكون له الخلافة من بعده و على أن لا يطالب أحدا
من أهل المدينة و الحجاز و العراق بشيء مما كان أيام أبيه و على أن يقضي عنه ديونه
فأجابه معاوية إلى ما طلب فاصطلحا على ذلك فظهرت المعجزة النبوية في قوله صلى الله
عليه و سلم : [ يصلح الله به بين فئتين من المسلمين ] و نزل له عن الخلافة و قد
استدل البلقيني بنزوله عن الخلافة ـ التي هي أعظم المناصب ـ على جواز النزول عن
الوظائف و كان نزوله عنها في سنة إحدى و أربعين في شهر ربيع الأول ـ و قيل : الآخر
و قيل : في جمادى الأولى ـ فكان أصحابه يقولون له : يا عار المؤمنين فيقول : العار
خير من النار و قال له رجل : السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال : لست بمذل
المؤمنين و لكني كرهت أن أقتلكم على الملك
ثم ارتحل الحسن عن الكوفة إلى المدينة فأقام بها
و أخرج الحاكم عن جبير بن نفير قال : قلت للحسن : إن
الناس يقولون : إنك تريد الخلافة فقال : قد كان جماجم العرب في يدي يحاربون من
حاربت و يسالمون من سالمت فتركتها ابتغاء وجه الله و حقن دماء أمة محمد صلى الله
عليه و سلم ثم أبتزها باتياس أهل الحجاز
توفي الحسن رضي الله عنه بالمدينة مسموما سمته زوجته
جعدة بنت الأشعث بن قيس دس إليها يزيد بن معاوية أن تسمه فيتزوجها ففعلت فلما مات
الحسن بعثت إلى يزيد تسأله الوفاء بما وعدها فقال : إنا لم نرضك للحسن أفنرضاك لنفسنا ؟ و
كانت وفاته سنة تسع و أربعين و قيل
: في خامس ربيع الأول سنة خمسين و قيل : سنة إحدى و
خمسين و جهد به أخوه أن يخبره بمن سقاه فلم يخبره و قال : الله أشد نقمة إن كان
الذي أظن و إلا فلا يقتل بي و الله بريء
و أخرج ابن سعد عن عمران بن عبد الله بن طلحة قال : رأى
الحسن كأن بين عينيه مكتوبا { قل هو الله أحد } فاستبشر به أهل بيته فقصوها على
سعيد بن المسيب فقال : إن صدقت رؤياه فقل ما بقي من أجله فما بقي إلا أيام حتى مات
و أخرج البيهقي و ابن عساكر عن طريق ابن المنذر هشام بن
محمد عن أبيه قال : أضاق الحسن بن علي و كان عطاؤه في كل سنة مائة ألف فحسبها عنه
معاوية في إحدى السنين فأضاق إضاقة شديدة قال : فدعوت بدواة لكتب إلى معاوية لأذكره
نفسي ثم أمسكت فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام فقال : كيف أنت يا حسن
؟ فقلت : بخير يا أبت و شكوت إليه تأخر المال عني فقال : أدعوت بدواة لتكتب إلى
مخلوق مثلك تذكره ذلك ؟ فقلت : نعم يا رسول الله فكيف أصنع ؟ فقال : قل : اللهم
اقذف في قلبي رجاءك و اقطع رجائي عمن سواك حتى لا أرجوا أحدا غيرك اللهم و ما ضعفت
عنه قوتي و قصر عنه عملي و لم تنته إليه رغبتي و لم تبلغه مسألتي و لم يجر على
لساني مما أعطيت أحدا من الأولين و الآخرين من اليقين فخصني به يارب العالمين قال
: فو الله ما ألححت به أسبوعا حتى بعث إلى معاوية بألف ألف و خمسمائة ألف فقلت :
الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره و لا يخيب من دعاه فرأيت النبي صلى الله عليه و
سلم في المنام فقال : يا حسن كيف أنت ؟ فقلت : بخير يا رسول الله و حدثته بحديثي
فقال : يا بني هكذا من رجا الخالق و لم يرج المخلوق
وفاته و في الطيوريات عن سليم بن عيسى قارىء أهل الكوفة
قال : لما حضرت الحسن الوفاة جزع فقال له الحسين : يا أخي ما هذا الجزع ؟ إنك ترد
على رسول الله صلى الله عليه و سلم و على علي و هما أبواك و على خديجة و فاطمة و
هما أماك و على القاسم و الطاهر و هما خلاك و على حمزة و جعفر و هما عماك فقال له
الحسن أي أخي إني داخل في أمر من أمر الله تعالى لم أدخل في مثله و أرى خلقا من
خلق الله لم أر مثله قط
قال ابن عبد البر : و روينا من و جوه أنه لما احتضر قال
لأخيه : يا أخي إن أباك استشرف لهذا الأمر فصرفه الله عنه و وليها أبو بكر ثم
استشرف لها و صرفت عنه إلى عمر ثم لم يشك و قت الشورى أنها لا تعدوه فصرفت عنه إلى
عثمان فلما قتل عثمان بويع علي ثم نوزع حتى جرد السيف فما صفت له و إني و الله ما
أرى أن يجمع الله فينا النبوة و الخلافة فلا أعرفن ما استخلفك سفهاء الكوفة
فأخرجوك و قد كنت طلبت من عائشة رضي الله عنها أن أدفن مع رسول الله صلى الله عليه
و سلم فقالت : نعم فإذا مت فاطلب ذلك إليها و ما أظن القوم إلا سيمنعوك فإن فعلوا
فلا تراجعهم فلما مات أتى الحسين إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقالت : نعم
و كرامة فمنعهم مروان فلبس الحسين و من معه السلاح حتى رده أبو هريرة ثم دفن
بالبقيع إلى جنب أمه رضي الله عنها
معاوية بن أبي سفيان 41 هـ 60 ه
معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن
عبد مناف بن قصي الأموي أبو عبد الرحمن أسلم هو و أبوه يوم فتح مكة و شهد حنينا و
كان من المؤلفة قلوبهم ثم حسن إسلامه و كان أحد الكتاب لرسول الله صلى الله عليه و
سلم
روي له عن النبي صلى الله عليه و سلم مائة حديث و ثلاثة
و ستون حديثا
و روى عنه من الصحابة : ابن عباس و ابن عمر و ابن الزبير
و أبو الدرداء و جرير البجلي و النعمان بن بشير و غيرهم
و من التابعين : ابن المسيب و حميد بن عبد الرحمن و
غيرهما
و كان من الموصوفين بالدهاء و الحلم و قد ورد في فضله
أحاديث قلما تثبت
و أخرج الترمذي و حسنه [ عن عبد الرحمن بن أبي عميرة
الصحابي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لمعاوية : اللهم اجعله هاديا مهديا ]
و أخرج أحمد في مسنده [ عن العرباض بن سارية : سمعت رسول
الله صلى الله عليه و سلم يقول : اللهم علم معاوية الكتاب و الحساب و قه العذاب ]
و أخرج ابن أبي شيبة في المصنف و الطبراني في الكبير [
عن عبد الملك بن عمير قال : قال معاوية : ما زلت أطمع في الخلافة منذ قال لي رسول الله صلى
الله عليه و سلم : يا معاوية إذا ملكت فأحسن ]
نسبه و بعض صفاته و كان معاوية رجلا طويلا أبيض جميلا
مهيبا و كان عمر ينظر إليه فيقول : هذا كسرى العرب
و عن علي قال : لا تكرهوا إمرة معاوية فإنكم لو فقدتموه
لرأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها
و قال المقبري : تعجبون من دهاء هرقل و كسرى و تدعون
معاوية ؟
و كان يضرب بحلمه المثل و قد أفرد ابن أبي الدنيا و أبو
بكر بن أبي عاصم تصنيفا في حلم معاوية
قال ابن عون : كان الرجل يقول لمعاوية : و الله لتستقيمن
بنا يا معاوية أو لنقومنك فيقول : بماذا ؟ فيقول : بالخشب فيقول : إذن نستقيم
و قال قبيصة بن جابر : صحبت معاوية فما رأيت رجلا أثقل
حلما و لا أبطأ جهلا و لا أبعد أناة منه
و لما بعث أبو بكر الجيوش إلى الشام سار معاوية مع أخيه
يزيد بن أبي سفيان فلما مات يزيد استخلفه على دمشق فأقره عمر ثم أقره عثمان و جمع
له الشام كله فأقام أميرا عشرين سنة و خليفة عشرين سنة
بعض الأحداث في عصره قال كعب الأحبار : لن يملك أحد هذه
الأمة ما ملك معاوية قال الذهبي
: توفي كعب قبل أن يستخلف معاوية قال : و صدق كعب فيما
نقله فإن معاوية بقي خليفة عشرين سنة لا ينازعه أحد الأمر في الأرض بخلاف غيره ممن
بعده فإنه كان لهم مخالف و خرج عن أمرهم بعض الممالك خرج معاوية على علي كما تقدم
و تسمى بالخلافة ثم خرج على الحسن فنزل له الحسن عن الخلافة فاستقر فيها من ربيع
الآخر أو جمادى الأولى سنة إحدى و أربعين فسمي هذا العام عام الجماعة لاجتماع
الأمة فيه على خليفة واحد و فيه ولى معاوية مروان بن الحكم المدينة
و في سنة ثلاث و أربعين فتحت الرخج و غيرها من بلاد
سجستان و ودان من برقة و كور من بلاد السودان و فيها استخلف معاوية زياد بن أبيه و
هي أول قضية غير فيها حكم النبي صلى الله عليه و سلم في الإسلام ذكره الثعالبي و
غيره
و في سنة خمس و أربعين فتحت القيقان
و في سنة خمسين فتحت قوهستان عنوة و فيها دعا معاوية أهل
الشام إلى البيعة بولاية العهد من بعده لابنه يزيد فبايعوه و هو أول من عهد
بالخلافة لابنه و أول من عهد بها في صحته ثم إنه كتب إلى مروان بالمدينة أن يأخذ
البيعة فخطب مروان فقال : إن أمير المؤمنين رأى أن يستخلف عليكم و لده يزيد سنة
أبي بكر و عمر فقام عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فقال : بل سنة كسرى و قيصر إن
أبا بكر و عمر لم يجعلاها في أولادهما و لا في أحد من أهل بيتهما
ثم حج معاوية سنة إحدى و خمسين و أخذ البيعة لابنه فبعث
إلى ابن عمر فتشهد و قال : أما بعد يا ابن عمر إنك كنت تحدثني أنك لا تحب أن تبيت
ليلة سوداء ليس عليك فيها أمير و إني أحذرك أن تشق عصا المسلمين أو تسعى في فساد
ذات بينهم فحمد ابن عمر الله و أثنى عليه ثم قال : أما بعد فإنه قد كان قبلك خلفاء
لهم أبناء ليس ابنك بخير من أبنائهم فلم يروا في أبنائهم ما رأيت في ابنك و لكنهم
اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار و إنك تحذرني أن أشق عصا المسلمين و لم أكن
لأفعل و إنما أنا رجل من المسلمين فإذا اجتمعوا على أمر فإنما أنا رجل منهم فقال :
يرحمك الله ! فخرج ابن عمر ثم أرسل إلى ابن أبي بكر فتشهد ثم أخذ في الكلام فقطع
عليه كلامه و قال : إنك لوددت أنا و كلناك في أمر ابنك إلى الله و إنا و الله لا
نفعل و الله لتردن هذا الأمر شورى في المسلمين أو لنعيدنها عليك جذعة ثم وثب و مضى
فقال معاوية : اللهم اكفنيه بما شئت ثم قال : على رسلك أيها الرجل لا تشرفن على
أهل الشام فإني أخاف أن يسبقوني بنفسك حتى أخبر العشية أنك قد بايعت ثم كن بعد على
ما بدا لك من أمرك ثم ؟ أرسل إلى ابن الزبير فقال : يا ابن الزبير إنما أنت ثعلب
رواغ كلما خرج من جحر دخل في آخر و إنك عمدت إلى هذين الرجلين فنفخت في مناخرهما و
حملتهما على غير رأيهما فقال ابن الزبير : إن كنت قد مللت الإمارة فاعتزلتها و هلم
ابنك فلنبايعه أرأيت إذا بايعنا ابنك معك لأيكما نسمع و نطيع ؟ لا تجتمع البيعة
لكما أبدا ثم راح فصعد معاوية المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : إنا وجدنا
أحاديث الناس ذات عوار زعموا أن ابن عمر و ابن أبي بكر و ابن الزبير لن يبايعوا
يزيد و قد سمعوا و أطاعوا و بايعوا له فقال أهل الشام : و الله لا نرضى حتى
يبايعوا له على رؤوس الأشهاد و إلا ضربنا أعناقهم فقال : سبحان الله ! ما أسرع الناس إلى قريش
بالشر لا أسمع هذه المقالة من أحد منكم بعد اليوم ثم نزل فقال الناس : بايع ابن
عمر و ابن أبي بكر و ابن الزبير و هم يقولون : لا و الله ما بايعنا فيقول الناس :
بلى و ارتحل معاوية فلحق بالشام
و عن ابن المنكدر : قال : قال ابن عمر حين بويع يزيد :
إن كان خيرا رضينا و إن كان بلاء صبرنا
و أخرج الخرائطي في الهواتف عن حميد بن وهب قال : كانت
هند بنت عتبة بن ربيعة عند الفاكه بن المغيرة و كان له بيت للضيافة يغشاه الناس من
غير إذن فخلا البيت ذات يوم فقام الفاكه و هند فيه ثم خرج الفاكه لبعض حاجاته و
أقبل رجل ممن كان يغشى البيت فولجه فلما رأى المرأة ولى هاربا فأبصره الفاكه
فانتهى إليها فضربها برجله و قال : من هذا الذي كان عندك ؟ قالت : ما رأيت أحدا و
لا انتبهت حتى أنبهتني فقال لها : الحقي بأهلك و تكلم فيها الناس فخلا بها أبوها
فقال لها : يا بنية إن الناس قد أكثروا فيك فأنبئيني بذاك فإن يكن الرجل صادقا
دسست إليه من يقتله فتنقطع عنا المقالة و إن يكن كاذبا حاكمته إلى بعض كهان اليمن
قال : فحلفت له بما كانوا يحلفون به في الجاهلية أنه كاذب عليها فقال عتبة للفاكه
: إنك قد رميت ابنتي بأمر عظيم فحاكمني إلى بعض كهان اليمن فخرج الفاكه في جماعة
من بني مخزوم و خرج عتبة في جماعة من بني عبد مناف و معهم هند و نسوة معها تأنس
بهن فلما شارفوا البلاد تنكرت حال هند و تغير وجهها فقال لها أبوها : يا بنية إني
قد أرى ما بك من تغير الحال و ما ذاك إلا لمكروه عندك قالت : لا و الله يا أبتاه و
ما ذاك لمكروه و لكني أعرف أنكم تأتون بشرا يخطئ و يصيب فلا آمنه أن يسمني بسيماء
تكون علي سبة في العرب فقال لها : إني سوف أختبره لك قبل أن ينظر في أمرك فصفر
بفرسه حتى أدلى ثم أدخل في إحليله حبة من الحنطة و أوكأ عليها بسير و صبحوا الكاهن
فنحر لهم و أكرمهم فلما تغدوا قال له عتبة : إنا قد جئناك في أمر و قد خبأت لك خبيئا
أختبرك به فانظر ما هو ؟ قال : برة في كمرة قال : أريد أبين من هذا قال : حبة من
بر في إحليل مهر فقال عتبة : صدقت انظر في أمر هؤلاء النسوة فجعل يدنو من إحداهن و يضرب
كتفها و يقول : انهضي حتى دنا من هند فضرب كتفها و قال : انهضي غير رسحاء و لا
زانية و لتلدين ملكا يقال له معاوية فنظر إليها الفاكه فأخذ بيدها فنثرت يدها من
يده و قالت : إليك و الله لأحرصن أن يكون ذلك من غيرك فتزوجها أبو سفيان فجاءت
بمعاوية
مات معاوية في شهر رجب سنة ستين و دفن بين باب الجابية و
باب الصغير و قيل : إنه عاش سبعا و سبعين سنة و كان عنده شيء من شعر رسول الله صلى
الله عليه و سلم و قلامة أظفاره فأوصى أن تجعل في فمه و عينيه و قال : افعلوا ذلك
و خلو بيني و بين أرحم الراحمين
نبذ من أخباره أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن سعيد بن
جمهان قال : قلت لسفينة : إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم قال : كذب بنو الزرقاء بل
هم ملوك من أشد الملوك و أول الملوك معاوية
و أخرج البيهقي و ابن عساكر عن إبراهيم بن سويد الأرمني
قال : قلت لأحمد بن حنبل : من الخلفاء ؟ قال : أبو بكر و عمر و عثمان و علي قلت :
فمعاوية ؟ قال : لم يكن أحق بالخلافة في زمان علي من علي و أخرج السفلي في
الطوريات عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سألت أبي عن علي و معاوية فقال : اعلم
أن عليا كان كثير الأعداء ففتش له أعداؤه عيبا فلم يجدوا فجاؤوا إلى رجل قد حاربه
و قاتله فأطروه كيادا منهم له
و أخرج ابن عساكر عن عبد الملك بن عمير قال قدم جارية بن
قدامة السعدي على معاوية فقال : من أنت ؟ قال : جارية بن قدامة قال و ما عسيت أن
تكون ؟ هل أنت إلا نحلة ؟ قال : لا تقل فقد شبهتني بها حامية اللسعة حلوة البصاق و
الله ما معاوية إلا كلبة تعاوي الكلاب ؟ و ما أمية إلا تصغير أمة
و أخرج عن الفضل بن سويد قال : وفد جارية بن قدامة على
معاوية فقال له معاوية : أنت الساعي مع علي بن أبي طالب و الموقد النار في شعلك
تجوس قرى عربية تسفك دماءهم ؟ قال جارية : يا معاوية دع عنك عليا فما أبغضنا عليا
منذ أحببناه و لا غششناه منذ صحبناه قال : ويحك يا جارية ! ما كان أهونك على أهلك إذ
سموك جارية ! قال : أنت يا معاوية كنت أهون على أهلك إذ سموك معاوية قال : لا أم
لك قال : أم ما ولدتني إن قوائم السيوف التي لقيناك بها بصفين في أيدينا قال : إنك
لتهددني قال : إنك لم تملكنا قسرة و لم تفتحنا عنوة و لكن أعطيتنا عهودا و مواثيق
فإن وفيت لنا وفينا و إن ترغب إلى غير ذلك فقد تركنا وراءنا رجالا مدادا و أذرعا
شدادا و أسنة حدادا فإن بسطت إلينا فترا منغدر زلفنا إليك بباع من ختر قال معاوية
: لا أكثر الله في الناس أمثالك
و أخرج عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الصحابي أنه دخل على
معاوية فقال له معاوية : ألست من قتلة عثمان ؟ قال : لا و لكني ممن حضره فلم ينصره
قال : و ما منعك من نصره ؟ قال : لم تنصره المهاجرون و الأنصار فقال معاوية : أما
لقد كان حقه واجبا عليهم أن ينصروه قال : فما منعك يا أمير المؤمنين من نصره و معك
أهل الشام ؟ فقال معاوية : أما طلبي بدمه نصرة له ؟ فضحك أبو الطفيل ثم قال : أنت
و عثمان كما قال الشاعر :
( لا ألفينك بعد الموت تندبني ... و في حياتي ما زودتني
زادا )
و قال الشعبي : أول من خطب الناس قاعدا معاوية و ذلك حين
كثر شحمه و عظم بطنه أخرجه ابن أبي شيبة
و قال الزهري : أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد
معاوية أخرجه عبد الرزاق في مصنفه
و قال سعيد بن المسيب : أول من أحدث الأذان في العيد
معاوية أخرجه ابن أبي شيبة و قال : أول من نقص التكبي معاوية أخرجه ابن أبي شيبة
و في الأوائل للعسكري قال : معاوية أول من وضع البريد في
الإسلام و أول من اتخذ الخصيان لخاص خدمته و أول من عبثت به رعيته و أول من قيل له
: السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته الصلاة يرحمك الله و أول من
اتخذ ديوان الخاتم و ولاه عبيد الله بن أوس الغساني و سلم إليه الخاتم و على فصه
مكتوب : لكل عمل ثواب و استمر ذلك في الخلفاء العباسين إلى آخر وقت و سبب اتخاذه
له أنه أمر لرجل بمائة ألف ففك الكتاب و جعله مائني ألف فلما رفع الحساب إلى
معاوية أنكر ذلك و اتخذ ديوان الخاتم من يومئذ و هو أول من اتخذ المقصورة بالجامع
و أول من أذن في تجريد الكعبة و كانت كسوتها قبل ذلك تطرح عليها شيئا فوق شيء
و أخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن ابن أخي الزهري
قال : قلت للزهري : من أول من استحلف في البيعة ؟ قال : معاوية استحلفهم بالله
فلما كان عبد الملك بن مروان استحلفهم بالطلاق و العتاق
و أخرج العسكري في كتاب الأوائل عن سليمان بن عبد الله
بن معمر قال : قدم معاوية مكة أو المدينة فأتى المسجد فقعد في حلقة فيها ابن عمر و
ابن عباس و عبد الرحمن بن أبي بكر فأقبلوا عليه و أعرض عنه ابن عباس فقال : و أنا
أحق بهذا الأمر من هذا المعرض و ابن عمه فقال ابن عباس : و لم ؟ ألتقدم في الإسلام
أم سابقة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم أو قرابة منه قال : لا و لكني ابن عم
المقتول قال فهذا أحق به يريد ابن أبي بكر قال : إن أباه مات موتا قال : فهذا أحق
به يريد ابن عمر قال : إن أباه قتله كافر قال : فذاك أدحض لحجتك إن كان المسلمون
عتبوا على ابن عمك فقتلوه
و قال عبد الله بن محمد بن عقيل : قدم معاوية المدينة
فلقيه أبو قتادة الأنصاري فقال معاوية : تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار
قال : لم يكن لنا دواب قال : فأين النواضح ؟ قال : عقرناها في طلبك و طلب أبيك يوم
بدر ثم قال أبو قتادة : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لنا [ إنكم سترون
بعدي أثرة قال معاوية : فما أمركم ؟ قال : أمرنا أن نصبر ] قال : فاصبروا فبلغ ذلك
عبد الرحمن بن حسان بن ثابت فقال
:
( ألا أبلغ معاوية بن حرب ... أمير المؤمنين نبا كلامي )
( فإنا صابرون و منظروكم ... إلى يوم التغابن و الخصام )
و أخرج ابن أبي الدنيا و ابن عساكر [ عن جبلة بن سحيم
قال : دخلت على معاوية بن أبي سفيان ـ و هو في خلافته ـ و في عنقه حبل و صبي يقوده
فقلت له : يا أمير المؤمنين أتفعل هذا ؟ قال : يا لكع اسكت فإني سمعت رسول الله صلى
الله عليه و سلم يقول : من كان له صبي فليتصاب له ] قال ابن عساكر : غريب جدا
و أخرج ابن أبي شيبة في المنصف عن الشعبي قال : دخل شاب
من قريش على معاوية فأغلط عليه فقال له : يا ابن أخي أنهاك عن السلطان إن السلطان
يغضب غضب الصبي و يأخذ أخذ الأسد
و أخرج عن الشعبي قال : قال زياد : استعملت رجلا فكثر
خراجه فخشي أن أعاقبه ففر إلى معاوية فكتبت إليه : أن هذا أدب سوء لمن قبلي فكتب إلي :
إنه ليس ينبغي لي و لا لك أن نسوس الناس بسياسة واحدة : أن نلين جميعا فتمرح الناس
في المعصية على المهالك و لكن تكون لشدة و الفظاظة و أكون للين و الرأفة
و أخرج عن الشعبي قال : سمعت معاوية يقول : ما تفرقت أمة
قط إلا ظهر أهل الباطل على أهل الحق إلا هذه الأمة
و في الطيوريات عن سليمان المخزومي قال : أذن معاوية
للناس إذنا عاما فلما احتفل المجلس قال : أنشدوني ثلاث أبيات لرجل من العرب كل بيت
قائم بمعناه فسكتوا ثم طلع عبد الله بن الزبير فقال : هذا مقولا العرب و علامتها
أبو خبيب قال : مهيم ؟ قال : أنشدني ثلاثة أبيات لرجل من العرب كل بيت قائم بمعناه
قال : بثلاث مائة ألف قال : و تساوي ؟ قال : أنت بالخيار و أنت واف كاف قال : هات
فأنشده للأفوه الأودي قال :
( بلوت الناس قرنا بعد قرن ... فلم أر غير ختال و قال )
قال : صدق هيه قال :
( و لم أر في الخطوب أشد وقعا ... و أصعب من معاداة
الرجال )
قال : صدق هيه قال :
( و ذقت مرارة الأشياء طرا ... فما طعم أمر من السؤال )
قال صدق ثم أمر له بثلاثمائة ألف
و أخرج البخاري و النسائي و ابن حاتم في تفسيره و اللفظ
له من طرق أن مروان خطب بالمدينة و هو على الحجاز من قبل معاوية فقال : إن الله قد
أرى أمير المؤمنين في ولده يزيد رأيا حسنا و إن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر و عمر
ـ و في لفظ : سنة أبي بكر و عمر ـ فقال عبد الرحمن بن أبي بكر : سنة هرقل و قيصر
إن أبا بكر و الله ما جعلها في أحد من ولده و لا أحد من أهل بيته و لا جعلها
معاوية إلا رحمة و كرامة لولده فقال مروان : ألست الذي قال لوالديه أف لكما ؟ فقال
عبد الرحمن : ألست ابن اللعين الذي لعن أباك رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟
فقالت عائشة رضي الله عنها كذب مروان ما فيه نزلت و لكن في فلان بن فلان و لكن
رسول الله صلى الله عليه و سلم لعن أبا مروان ـ و مروان في صلبه ـ فمروان بعض من
لعنة الله
و أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن عروة قال : قال معاوية
: لاحلم إلا التجارب و أخرج ابن عساكر عن الشعبي قال : دهاة العرب أربعة : معاوية
و عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة و زياد فأما معاوية فللحلم و الأناة و أما عمرو
فللمعضلات و أما المغيرة فللمبادهة و أما زياد فللكبير و الصغير
و أخرج أيضا عنه قال : كان القضاة أربعة و الدهاة أربعة
فأما القضاة : فعمر و علي و ابن مسعود و زيد بن ثابت و أما الدهاة فمعاوية و عمرو
بن العاص و المغيرة و زياد و أخرج عن قبيصة بن جابر قال : صحبت عمر بن الخطاب فما
رأيت رجلا أقرأ لكتاب الله و لا أفقه في دين الله منه و صحبت طلحة بن عبيد الله
فما رأيت رجلا أعطى لجزيل مال من غير مسأله منه و صحبت معاوية فما رأيت رجلا أثقل
حلما و لا أبطأ جهلا و لا أبعد أناة منه و صحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلا أنصع
طرفا و لا أحلم جليسا منه و صحبت المغيرة بن شعبة فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب
لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها كلها
و أخرج ابن عساكر عن حميد بن هلال أن عقيل بن أبي طالب
سأل عليا فقال : إني محتاج و أني فقير فأعطني فقال : اصبر حتى يخرج عطائي مع
المسلمين فأعطيك معهم فألح عليه فقال لرجل : خذ بيده و انطلق به إلى حوانيت أهل
السوق فقل : دق هذه الأقفال و خذ ما في هذه الحوانيت قال : تريد أن تتخذني سارقا ؟ قال
: و
أنت تريد أن تتخذني سارقا ؟ أن آخذ أموال المسلمين فأعطيكما دونهم قال : لآتين معاوية قال
: أنت و ذاك فأتى معاوية فسأله فأعطاه مائة ألف ثم قال : اصعد على المنبر فاذكر ما أولاك به علي
و ما أوليتك فصعد فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : أيها الناس إني أخبركم أني أردت
عليا على دينه فاختار دينه و إني أردت معاوية على دينه فاختارني على دينه
و أخرج ابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عقيلا دخل
على معاوية فقال معاوية : هذا عقيل و عمه أبو لهب فقال عقيل : هذا معاوية و عمته
حمالة الحطب
و أخرج ابن عساكر عن الأوزاعي قال : دخل خريم بن فاتك
على معاوية و مئزره مشمر و كان حسن الساقين فقال معاوية : لو كانت هاتان الساقان
لامرأة ! فقال خريم في مثل عجيزتك يا أمير المؤمنين
من مات في عهده من الأعلام مات في أيام معاوية من
الأعلام : صفوان بن أمية و خفصة و أم حبيبة و صفية و ميمونة و سودة و جويرية و
عائشة أمهات المؤمنين رضي الله عنهم و لبيد الشاعر و عثمان بن طلحة الحجبي و عمرو
بن العاص و عبد الله بن سلام الحبر و محمد بن مسلمة و أبو موسى الأشعري و زيد بن
ثابت و أبو بكرة و كعب بن مالك و المغيرة بن شعبة و جرير البجلي و أبو أيوب
الأنصاري و عمران بن حصين و سعيد بن زيد و أبو قتادة الأنصاري و فضالة بن عبيد و
عبد الرحمن بن أبي بكر و جبير بن مطعم و أسامة بن زيد و ثوبان و عمرو بن حزم و
حسان بن ثابت و حكيم بن حزام و سعد بن أبي وقاص و أبو اليسر و قثم بن العباس و
أخوه عبيد الله و عقبة بن عامر و أبو هريرة سنة تسع و خمسين و كان يدعو : اللهم
إني أعوذ بك من رأس الستين و إمارة الصبيان فاستجيب له و خلائق آخرون رضي الله
عنهم
يزيد بن معاوية بن أبي سفيان 60هـ ـ 64ه
يزيد بن معاوية : أبو خالد الأموي ولد سنة خمس أو ست و
عشرين كان ضخما كثير اللحم كثير الشعر و أمه ميسون بنت بحدل الكليبة
روى عن أبيه و عنه : ابنه خالد و عبد الملك بن مروان
جعله أبوه ولي عهده و أكره الناس على ذلك كما تقدم قال الحسن البصري : أفسد أمر
الناس اثنان : عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف فحملت و نال
من القراء فحكم الخوارج فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة
و المغيرة بن شعبة : فإنه كان عامل معاوية على الكوفة فكتب
إليه معاوية : إذا قرأت كتابي فأقبل معزولا فأبطأ عنه فلما ورد عليه قال : ما أبطأ
بك ؟ قال أمر كنت أوطئه و أهيئه قال : و ما هو ؟ قال : البيعة ليزيد من بعدك ! قال
: أو قد فعلت ؟ قال نعم قال : ارجع إلى عملك فلما خرج قال له أصحابه : ما وراءك ؟
قال : وضعت رجل معاوية في غرزغي لا يزال فيه إلى يوم القيامة
قال الحسن : فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لأبنائهم و لولا ذلك
لكانت شورى إلى يوم القيامة و قال ابن سيرين : وفد عمرو بن حزم على معاوية فقال له
: أذكرك الله في أمة محمد صلى الله عليه و سلم بمن تستخلف عليها فقال : نصحت و قلت
برأيك و إنه لم يبق إلا ابني و أبناؤهم و ابني أحق و قال عطية بن قيس : خطب معاوية
فقال : اللهم إن كنت إنما عهدت ليزيد لما رأيت من فضله فبلغه ما أملت و أعنه و إن
كنت إنما حملني حب الوالد لولده و أنه ليس لما صنعت به أهلا فأقبضه قبل أن يبلغ
ذلك فلما مات معاوية بايعه أهل الشام ثم بعث إلى أهل المدينة من يأخذ له البيعة
فأبى الحسين و ابن الزبير أن يبايعاه و خرجا من ليلتهما إلى مكة
فأما ابن الزبير فلم يبايع و لا دعا إلى نفسه و أما
الحسين فكان أهل الكوفة يكتبون إليه يدعونه إلى الخروج إليهم زمن معاوية و هو يأبى
فلما بويع يزيد أقام على ما هو مهموما يجمع الإقامة مرة و يريد المسيرة إليهم أخرى
فأشار عليه ابن الزبير بالخروج و كان ابن عباس يقول له : لا تفعل و قال له ابن عمر
: لا تخرج فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم خيره الله بين الدنيا و الآخرة
فاختار الآخرة و إنك بضعة منه و لا تنالها ـ يعني الدنيا ـ و اعتنقه و بكى و ودعه
فكان ابن عمر يقول : غلبنا حسين بالخروج و لعمري لقد رأى في أبيه و أخيه عبرة و
كلمة في ذلك أيضا جابر بن عبد الله و أبو سعيد و أبو واقد الليثي و غيرهم فلم يطع
أحد منهم و صمم على المسير إلى العراق فقال له ابن عباس : و الله إني لأظنك ستقتل
بين نسائك و بناتك كما قتل عثمان فلم يقبل منه فبكى ابن عباس و قال : أقررت عين
ابن الزبير و لما رأى ابن عباس عبد الله بن الزبير قال له : قد أتى ما أحببت هذا
الحسين يخرج و يتركك و الحجاز ثم تمثل
:
( يا لك من قنبرة بمعمر ... خلا لك الجو فبيضي و اصفري )
( و نقري ما شئت أن تنقري )
و بعث أهل العراق إلى الحسين الرسل و الكتب يدعونه إليهم
فخرج من مكة إلى العراق في عشر ذي الحجة و معه طائفة من آل بيته رجالا و نساء و
صبيانا فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد بقتاله فوجه إليه جيشا
أربعة آلاف عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص فخذله أهل الكوفة كما هو شأنهم مع أبيه
من قبله فلما رهقه السلاح عرض عليه الاستسلام و الرجوع و المضي إلى يزيد فيضع يده
في يده فأبوا إلا قتله فقتل و جيء برأسه في طست حتى وضع بين يدي ابن زياد لعن الله
قاتله و ابن زياد معه و يزيد أيضا
و كان قتله بكربلاء و في قتله قصة فيها طول لا يحتمل
القلب ذكرها فإنا لله و إنا إليه راجعون و قتل معه ستة عشر رجلا من أهل بيته
و لما قتل الحسين مكثت الدنيا سبعة أيام و الشمس على
الحيطان كالملاحف المعصفرة و الكواكب يضرب بعضها بعضا و كان قتله يوم عاشوراء و
كسفت الشمس ذلك اليوم و احمرت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله ثم لا زالت الحمره
ترى فيها بعد ذلك و لم تكن ترى فيها قبله
و قيل : إنه لم يقلب حجر بيت المقدس يومئذ إلا وجد تحته
دم عبيط و صار الورس الذي في عسكرهم رمادا و نحروا ناقة في عسكرهم فكانوا يرون في
لحمها مثل النيران و طبخوها فصارت مثل العلقم و تكلم رجل بالحسين بكلمة فرماه الله
بكوكبين من السماء فطمس بصره قال الثعالبي : روت الرواة من غير وجه عن عبد الملك
بن عمير الليثي قال : رأيت قي هذا القصر ـ و أشار إلى قصر الإمارة بالكوفة ـ رأس
الحسين بن علي بين يدي عبيد الله بن زياد على ترس ثم رأيت رأس عبيد الله بن زياد
بين يدي المختار بن أبي عبيد ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير ثم رأيت
رأس مصعب بين يدي عبد الملك فحدثت بهذا الحديث عبد الملك فتطير منه و فارق مكانه
و أخرج الترمذي [ عن سلمى قالت : دخلت على أم سلمة و هي
تبكي فقلت : ما يبكيك ؟ قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام ـ و
على رأسه و لحيته التراب ـ فقلت ما لك يا رسول الله ؟ قال : شهدت قتل الحسين آنفا ]
و أخرج البيهقي في الدلائل [ عن ابن عباس قال رأيت رسول
الله صلى الله عليه و سلم بنصف النهار أشعث أغبر ـ و بيده قارورة فيها دم ـ فقلت :
بأبي و أمي يا رسول الله ما هذا ؟ قال : هذا دم الحسين و أصحابه لم أزل ألتقطه منذ
اليوم ] فأحصي ذلك اليوم فوجدوه قتل يومئذ
و أخرج أبو نعيم في الدلائل عن أم سلمة قالت : سمعت الجن
تبكي على حسين و تنوح عليه
و أخرج ثعلب في أماليه عن أبي خباب الكلبي قال : أتيت
كربلاء فقلت لرجل من أشراف العرب : أخبرني بما بلغني أنكم تسمعون نوح الجن فقال :
ما تلقى أحد إلا أخبرك أنه سمع ذلك قلت : فأخبرني بما سمعت أنت قال : سمعتهم
يقولون :
( مسح الرسول جبينه ... فله بريق في الخدود )
( أبواه من عليا قري ... ش وجده خير الجدود )
و لما قتل الحسين و بنو أبيه بعث ابن زياد برؤوسهم إلى
يزيد فسر بقتلهم أولا ثم ندم لما مقته المسلمون على ذلك و أبغضه الناس و حق لهم أن
يبغضوه
و أخرج أبو يعلى في مسنده بسند ضعيف [ عن أبي عبيدة قال
: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يزال أمر أمتي بالقسط حتى يكون أول من يثلمه
رجل من بني أمية يقال له : يزيد
]
و قال نوفل بن أبي الفرات : كنت عند عمر بن عبد العزيز
فذكر رجل يزيد فقال : قال أمير المؤمنين يزيد بن معاوية فقال : تقول أمير المؤمنين ؟ و أمر به فضرب
عشرين سوطا
و في سنة ثلاث و ستين بلغه أن أهل المدينة خرجوا عليه و
خلعوه فأرسل إليهم جيشا كثيفا و أمرهم بقتالهم ثم المسير إلى مكة لقتال ابن الزبير
فجاؤوا و كانت وقعة الحرة على باب طيبة و ما أدراك ما وقعة الحرة ؟ ذكرها الحسن
مرة فقال : و الله ما كاد ينجوا منهم أحد قتل فيها خلق من الصحابة رضي الله عنهم و
من غيرهم و نهبت المدينة و افتض فيه ألف عذراء فإنا لله و إنا إليه راجعون ! قال
صلى الله عليه و سلم : [ من أخاف أهل المدينة أخافه الله و عليه لعنة الله و
الملائكة و الناس أجمعين ] رواه مسلم
و كان سبب خلع أهل المدينة له أن يزيد أسرف في المعاصي و
أخرج الواقدي من طرق أن عبد الله بن حنظلة بن الغسيل قال : و الله ما خرجنا على
يزيد حتى خفنا أن يرمى بالحجارة من السماء ! إنه رجل ينكح أمهات الأولاد و البنات
و الأخوات و يشرب الخمر و يدع الصلاة
قال الذهبي : و لما فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل ـ مع
شربه الخمر و إتيانه المنكرات ـ اشتد عليه الناس و خرج عليه غير واحد و لم يبارك
الله في عمره و سار جيش الحرة إلى مكة لقتال ابن الزبير فمات أمير الجيش بالطريق
فاستخلف عليهم أميرا و أتوا مكة فحاصروا ابن الزبير و قاتلوه و رموه بالمنجنيق و
ذلك في صفر سنة أربع و ستين و احترقت من شرارة نيرانهم أستار الكعبة و سقفها و
قرنا الكبش الذي فدى الله به إسماعيل و كان في السقف و أهلك الله يزيد في نصف شهر
ربيع الأول من هذا العام فجاء الخبر بوفاته و القتال مستمر فنادى ابن الزبير : يا
أهل الشام إن طاغيتكم قد هلك فانقلوا و ذلوا و تخطفهم الناس و دعا ابن الزبير إلى
بيعة نفسه و تسمى بالخلافة و أما أهل الشام فبايعوا معاوية بن يزيد و لم تطل مدته
كما سيأتي
ومن شعر يزيد
:
( آب هذا الهم فاكتنعا ... و أمر النوم فامتنعا )
( راعيا للنجم أرقبه ... فإذا ما كوكب طلعا )
( حام حتى إنني لأرى ... أنه بالغور قد وقعا )
( و لها بالماطرون إذا ... أكل النمل الذي جمعا )
( نزهة حتى إذا بلغت ... نزلت من جلق بيعا )
( في قباب وسط دسكرة ... حولها الزيتون قد ينعا )
و أخرج ابن عساكر عن عبد الله بن عمر قال : أبو بكر
الصديق أصبتم اسمه عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه ابن عفان ذو النورين قتل
مظلوما يؤتى كفلين من الرحمة معاوية و ابنه ملكا الأرض المقدسة و السفاح و سلام
المنصور و جابر و الأمين و أمير الغضب كلهم من بني كعب بن لؤي كلهم صالح لا يوجد
مثله قال الذهبي : له طرق عن ابن عمر و لم يرفعه أحد
و أخرج الواقدي عن أبي جعفر الباقر قال : أول من كسا
الكعبة الديباج يزيد بن معاوية
مات في أيام يزيد من الأعلام سوى الذين قتلوا مع الحسين
و في وقعة الحرة : أم سلمة أم المؤمنين و خالد بن عرفطة و جرهد الأسلمي و جابر بن
عتيك و بريدة بن الحصيب و مسلمة بن مخلد و علقمة بن قيس النخعي الفقيه و مسروق و
المسور بن مخرمة و غيرهم رضي الله عنهم
و عدة المقتولين بالحرة من قريش و الأنصار ثلاثمائة و
ستة رجال
معاوية بن يزيد 64هـ ـ 64ه
معاوية بن يزيد بن معاوية أبو عبد الرحمن و يقال له :
أبو يزيد و يقال أبو ليلى استحلف بعهد أبيه في ربيع الأول سنة أربع و ستين و كان
شابا صالحا و لما استخلف كان مريضا فاستمر مريضا إلى أن مات و لم يخرج إلى الباب و
لا فعل شيئا من الأمور و لا صلى بالناس و كانت مدة خلافته أربعين يوما و قيل : شهرين و قيل :
ثلاثة أشهر و مات و له إحدى و عشرون سنة و قيل : عشرون سنة و لما احتضر قيل له :
ألا تستخلف ؟ قال : ما أصبت من حلاوتها فلم أتحمل مرارتها
عبد اله بن الزبير بن العوام 64هـ ـ 64هـ
عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد
العزى بن قصي الأسدي كنيته أبو بكر و قيل : أبو خبيب ـ بضم الخاء المعجمية ـ صحابي
ابن صحابي
و أبوه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة و أمه أسماء بنت
أبي بكر الصديق رضي الله عنها و أم أبيه صفية عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم
ولد بالمدينة بعد عشرين شهرا من الهجرة ـ و قيل : في
السنة الأولى ـ و هو أول مولود ولد للمهاجرين بعد الهجرة و فرح المسلمون بولادته
فرحا شديدا لأن اليهود كانوا يقولون : سحرناهم فلا يولد لهم ولد فحنكه رسول الله
صلى الله عليه و سلم بتمرة لاكها و سماه عبد الله و كناه أبا بكر باسم جده الصديق
و كنيته و كان صواما قواما طويل الصلاة وصولا للرحم عظيم الشجاعة قسم الدهر ثلاث
ليال ليلة يصلي قائما حتى الصباح و ليلة راكعا و ليلة ساجدا حتى الصباح
روي له عن النبي صلى الله عليه و سلم ثلاثة و ثلاثون
حديثا روى عنه أخوه عروة و ابن أبي ملكية و عباس بن سهل و ثابت البناني و عطاء و
عبيدة السلماني و خلائق آخرون و كان ممن أبى البيعة ليزيد بن معاوية و فر إلى مكة
و لم يدع إلى نفسه لكن لم يبايع فوجد عليه يزيد وجدا شديدا فلما مات يزيد بويع له بالخلافة
و أطاعه أهل الحجاز و اليمن و العراق و خراسان و جدد عمارة الكعبة فجعل لها بابين
على قواعد إبراهيم و أدخل فيها ستة أذرع من الحجر لما حدثته خالته عائشة رضي الله
عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم و لم يبق خارجا عنه إلا الشام و مصر فإنه بويع
بهما معاوية بن يزيد فلم تطل مدته فلما مات أطاع أهلهما ابن الزبير و بايعوه ثم
خرج مروان بن الحكم فغلب على الشام ثم مصر و استمر إلى أن مات سنة خمس و ستين و قد
عهد إلى ابنه عبد الملك و الأصح ما قاله الذهبي أن مروان لا يعد في أمراء المؤمنين
بل هو باغ خارج على ابن الزبير و لا عهده إلى ابنه بصحيح و إنما صحت خلافة عبد
الملك من حين قتل ابن الزبير و أما ابن الزبير فإنه استمر بمكة خليفة إلى أن تغلب
عبد الملك فجهز لقتاله الحجاج في أربعين ألفا فحصره بمكة أشهرا و رمى عليه
بالمنجنيق و خذل ابن الزبير أصحابه و تسللوا إلى الحجاج فظفر به و قتله و صلبه و
ذلك يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى ـ و قيل : الآخرة ـ سنة ثلاث و سبعين
و أخرج ابن عساكر عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر قال
: إني لفوق أبي قبيس حين وضع المنجنيق على ابن الزبير فنزلت صاعقة كأني أنظر إليها
تدور كأنها حمار أحمر فأحرقت من أصحاب المنجنيق نحوا من خمسين رجلا
و كان ابن الزبير فارس قريش في زمانه له المواقف
المشهودة
أخرج أبو يعلى في مسنده [ عن ابن الزبير أن النبي صلى
الله عليه و سلم احتجم فلما فرغ قال له : يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث
لا يراك أحد فلما ذهب شربه فلما رجع قال : ما صنعت بالدم ؟ قال : عمدت إلى أخفى
موضع فجعلته فيه قال : لعلك شربته ! قال : نعم قال ويل للناس منك و ويل لك من
الناس ] فكانوا يرون أن القوة التي به من ذلك الدم
و أخرج عن نوف البكالي قال : إني لأجد في كتاب الله
المنزل أن ابن الزبير فارس الخلفاء
و قال عمرو بن دينار : ما رأيت مصليا أحسن صلاة من ابن
الزبير و كان يصلي في الحجر ـ و المنجنيق يصيب طرف ثوبه ـ فما يلتفت إليه
و قال مجاهد : ما كان باب من العبادة يعجز الناس عنه إلا
تكلفه ابن الزبير و لقد جاء سيل طبق البيت فجعل يطوف سباحة
و قال عثمان بن طلحة : كان ابن الزبير لا ينازع في ثلاثة
: لا شجاعة و لا عبادة و لا بلاغة و كان صيتا إذا خطب تجاوبه الجبال
و أخرج ابن عساكر عن عروة أن النابغة الجعدي أنشد عبد
الله بن الزبير :
( حكيت لنا الصديق لما وليتنا ... و عثمان و الفاروق
فارتاح معدم )
( و سويت بين الناس في الحق فاستوى ... فعاد صباحا حالك
اللون أسحم )
و أخرج عن هشام بن عروة و خبيب قال : أول من كسا الكعبة
الديباج عبد الله بن الزبير و كان كسوتها المسوح و الأنطاع
و أخرج عن عمر بن قيس قال : كان لابن الزبير مائة غلام
يتكلم كل غلام منهم بلغه و كان ابن الزبير يكلم كل أحد منهم بلغته و كنت إذا نظرت
إليه في أمر دنياه قلت : هذا رجل لم يرد الله طرفه عين و إذا نظرت إليه في أمر
آخرته قلت : هذا رجل لم يرد الدنيا طرفة عين
و أخرج عن هشام بن عروة قال : كان أول ما أفصح به عمي عبد الله بن
الزبير ـ و هو صغير ـ السيف فكان لا يضعه من فيه فكان أبوه إذا سمع ذلك منه يقول :
أما و الله ليكونن لك منه يوم و يوم و أيام
و أخرج عن أبي عبيدة قال : جاء عبد الله بن الزبير
الأسدي إلى عبد الله بن الزبير بن العوام فقال : يا أمير المؤمنين إن بيني و بينك
رحما من قبل فلانة فقال ابن الزبير : نعم هذا كما ذكرت و إن فكرت في هذا أصبت
الناس بأسرهم يرجعون إلى أب واحد و إلى أم واحدة فقال : يا أمير المؤمنين إن نفقتي
نفدت قال : ما كنت ضمنت لأهلك إنها تكفيك إلى أن ترجع إليهم قال : يا أمير
المؤمنين ناقتي قد نقبت قال أنجد بها تبرد خفها و ارفعها بسبت و اخفضها بهلب و سر
عليها البردين قال : يا أمير المؤمنين إنما جئتك مستحملا و لم آتك مستوصفا لعن
الله ناقة حملتني إليك ! فقال ابن الزبير : إن و راكبها فخرج الأسدي يقول :
( أرى الحاجات عند أبي خبيب ... نكدن و لا أمية في
البلاد )
( من الأعياص أو من آل حرب ... أغر كغرة الفرس الجواد )
( و قلت لصحبتي : أدنوا ركابي ... أفارق بطن مكة في سواد )
( و مالي حين أقطع ذات عرق ... إلى ابن الكاهلية من معاد )
و أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن الزهري قال : لم يحمل إلى
رسول الله صلى الله عليه و سلم رأس إلى المدينة قط و لا يوم بدر و حمل إلى أبي بكر
رأس فكره ذلك و أول من حملت إليه الرؤوس عبد الله بن الزبير
و في أيام ابن الزبير كان خروج المختار الكذاب الذي ادعى
النبوة فجهز ابن الزبير لقتاله إلى أن ظفر به في سنة سبع و ستين و قتله لعنه الله
مات في أيام ابن الزبير من الأعلام : أسيد بن حضير و عبد
الله بن عمرو بن العاص و النعمان بن بشير و سليمان بن صرد و جابر بن سمرة و يزيد
بن أرقم و عدي بن حاتم و ابن عباس و أبو واقد الليثي و زيد بن خالد الجهني و أبو
الأسود الدؤلي و آخرون
عبد الملك بن مروان بن الحكم 65هـ ـ 86ه
عبد الملك بن مروان : بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن
عبد شمس بن عبد مناف ابن قصي بن كلاب أبو الوليد ولد سنة ست و عشرين بويع بعهد من
أبيه في خلافة ابن الزبير فلم تصح خلافته و بقي متغلبا على مصر و الشام ثم غلب على
العراق و ما والاها إلى أن قتل ابن الزبير سنة ثلاث و سبعين فصحت خلافته من يومئذ
و استوثق له الأمر ففي هذا العام هدم الحجاج الكعبة و أعادها على ما هي عليه الآن
و دس على ابن عمر من طعنه بحربة مسمومة فمرض منها و مات
و في سنة أربع و سبعين سار الحجاج إلى المدينة و أخذ
يتعنت على أهلها و يستخف ببقايا من فيها من صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم و
ختم في أعناقهم و أيديهم يذلهم بذلك كأنس و جابر بن عبد الله و سهل بن سعد الساعدي
فإنا لله و إنا إليه راجعون
و في سنة خمس و سبعين حج بالناس عبد الملك الخليفة و سير
الحجاج أميرا على العراق
و في سنة سبع و سبعين فتحت هرقلة و هدم عبد العزيز بن
مروان جامع مصر و زيد فيه من جهاته الأربع
و في سنة اثنين و ثمانين فتح حصن سنان من ناحية المصيصة
و كانت غزوة أرمينية و صنهاجة بالمغرب
و في سنة ثلاث و ثمانين بنيت مدينة واسط بناها الحجاج
و في سنة أربع و ثمانين فتحت المصيصة و أودية من المغرب
و في سنة خمس و ثمانين بنيت مدينة أردبيل و مدينة برذعة
بناها عبد العزيز ابن حاتم بن النعمان الباهلي
و في سنة ست و ثمانين فتح حصن بولق و حصن الأخرم و فيها
كان طاعون الفتيات و سمي بذلك لأنه بدأ في النساء
و فيها مات الخليفة عبد الملك في شوال و خلف سبعة عشر ولدا
قال أحمد بن عبد الله العجلي : كان عبد الملك أبخر الفم
و إنه ولد لستة أشهر
و قال ابن سعد : كان عابدا زاهدا ناسكا بالمدينة قبل
الخلافة
و قال يحيى الغساني : كان عبد الملك بن مروان كثيرا ما
يجلس إلى أم الدرداء فقالت له مرة : بلغني يا أمير المؤمنين أنك شربت الطلاء بعد
النسك و العبادة قال : إي و الله و الدماء قد شربتها
و قال نافع : لقد رأيت المدينة و ما بها شاب أشد تشميرا
و لا أفقه و لا أنسك و لا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان
و قال أبو الزناد : فقهاء المدينة : سعيد بن المسيب و
عبد الملك بن مروان و عروة ابن الزبير و قبيصة بن ذؤيب
و قال ابن عمر : ولد الناس أبناء و ولد مروان أبا
و قال عبادة بن نسي : قيل لابن عمر : إنكم معشر أشياخ
قريش يوشك أن تنقرضوا فمن نسأل بعدكم ؟ فقال : إن لمروان ابنا فيها فاسألوه
و قال سحيم مولى أبي هريرة رضي الله عنه : دخل عبد الملك
ـ و هو شاب ـ على أبي هريرة رضي الله عنه فقال أبو هريرة : هذا يملك العرب
و قال عبيدة بن رياح الغساني : قالت أم الدرداء لعبد
الملك : ما زلت أتخيل هذا الأمر فيك منذ رأيتك قال : و كيف ذاك ؟ قالت : ما رأيت
أحسن منك محدثا و لا أعلم منك مستمعا
و قال الشعبي : ما جالست أحدا إلا وجدت لي عليه الفضل
إلا عبد الملك بن مروان فإني ما ذكرته حديثا إلا و زادني فيه و لا شعرا إلا و
زادني فيه
و قال الذهبي : سمع عبد الملك من عثمان و أبي هريرة و
أبي سعيد و أم سلمة و بريرة و ابن عمر و معاوية روى عنه : عروة و خالد بن معدان و
رجاء ابن حيوة و الزهري و يونس بن ميسرة و ربيعة بن يزيد و إسماعيل بن عبيد الله و
حريز بن عثمان و طائفة
و قال بكر بن عبد الله المزني : أسلم يهودي اسمه يوسف و
كان قرأ الكتب فمر بدار مروان فقال : ويل لأمة محمد من أهل هذه الدار فقلت له :
إلى متى ؟ قال : حتى تجيء رايات سود من قبل خراسان
و كان صديقا لعبد الملك بن مروان فضرب يوما على منكبه و
قال : اتق الله في أمة محمد إذا ملكتهم فقال : دعني ويحك ما شأني و شأن ذلك ؟ فقال
: اتق الله في أمرهم قال : و جهز يزيد جيشا إلى أهل مكة فقال عبد الملك : أعوذ
بالله ! أيبعث إلى حرم الله ؟ فضرب يوسف منكبه و قال : جيشك إليهم أعظم
و قال يحيى الغساني : لما نزل مسلم بن عقبة المدينة دخلت
مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلست إلى جنب عبد الملك فقال لي عبد الملك :
أمن هذا الجيش أنت ؟ قلت : نعم قال : ثكلتك أمك ! أتدري إلى من تسير ؟ إلى أول
مولود ولد في الإسلام و إلى ابن حواري رسول الله صلى الله عليه و سلم و إلى ابن
ذات النطاقين و إلى من حنكه رسول الله صلى الله عليه و سلم أما و الله إن جئته
نهارا وجدته صائما و لئن جئته ليلا لتجدنه قائما فلو أن أهل الأرض أطبقوا على قتله
لأكبهم الله جميعا في النار فلما صارت الخلافة إلى عبد الملك وجهنا مع الحجاج حتى
قتلناه
و قال ابن أبي عائشة : أفضي الأمر إلى عبد الملك و
المصحف في حجره فأطبقه و قال : هذا آخر العهد بك
و قال مالك : سمعت يحيى بن سعيد يقول : أول من صلى
المسجد ما بين الظهر و العصر عبد الملك بن مروان و فتيان معه كانوا إذا صلى الإمام
الظهر قاموا فصلوا إلى العصر فقيل لسعيد بن المسيب : لو قمنا فصلينا كما يصلي
هؤلاء فقال سعيد بن المسيب : ليست العبادة بكثرة الصلاة و الصوم و إنما العبادة
التفكر في أمر الله و الورع عن محارم الله
و قال مصعب بن عبد الله : أول من سمي في الإسلام عبد الملك عبد
الملك ابن مروان و قال يحيى بن بكير
: سمعت مالكا يقول : أول من ضرب الدنانير عبد الملك و
كتب عليها القرآن و قال مصعب : كتب عبد الملك على الدنانير : { قل هو الله أحد } و
في الوجه الآخر [ لا إله إلا الله ] و طوقه بطوق فضة و كتب فيه [ ضرب بمدينة كذا ]
و كتب خارج الطوق [ محمد رسول الله أرسله بالهدى و دين الحق ]
و في الأوائل للعسكري بسنده : كان عبد الملك أول من كتب
في صدور الطوامير { قل هو الله أحد } و ذكر النبي صلى الله عليه و سلم مع التاريخ
فكتب ملك الروم : إنكم أحدثتم في طواميركم شيئا من ذكر نبيكم فاتركوه و إلا
أتاكم من دنانيرنا ذكر ما تكرهون فعظم ذلك على عبد الملك فأرسل إلى خالد بن يزيد
بن معاوية فشاوره فقال : حرم دنانيرهم و اضرب للناس سككا فيها ذكر الله و ذكر
رسوله و لا تعفهم مما يكرهون في الطوامير فضرب الدنانير للناس سنة خمس و سبعين قال
العسكري : و أول خليفة بخل عبد الملك و كان يسمى [ رشح الحجارة ] لبخله و يكنى [
أبا الذبان ] لبخره
قال : و هو أول من غدر في الإسلام و أول من نهى عن
الكلام بحضرة الخلفاء و أول من نهى عن الأمر بالمعروف
ثم أخرج بسنده عن ابن الكلبي قال : كان مروان بن الحكم
ولى العهد عمرو ابن سعيد بن العاص بعد ابنه فقتله عبد الملك و كان قتله أول غدر في
الإسلام فقال بعضهم :
( يا قوم لا تغلبوا عن رأيكم فلقد ... جربتم الغدر من
أبناء مروانا )
( أمسوا و قد قتلوا عمرا و ما رشدوا ... يدعون غدرا بعهد
الله كيسانا )
( و يقتلون الرجال البزل ضاحية ... لكي يؤلوا أمور الناس
ولدانا )
( تلاعبوا بكتاب الله فاتخذوا ... هواهم في معاصي الله
قرآنا )
و أخرج بإسناد فيه الكديمي و هو متهم بالكذب عن ابن جريج
عن أبيه قال : خطبنا عبد الملك بن مروان بالمدينة بعد قتل ابن الزبير عام حج
سنة خمس و سبعين فقال بعد حمد الله و الثناء عليه :
أما بعد فلست بالخليفة المستضعف ـ يعني عثمان و لا
الخليفة المداهن ـ يعني معاوية و لا الخليفة المأفون ـ يعني يزيد ألا و إن من كان
قلبي من الخلفاء كانوا يأكلون و يطعمون من هذه الأموال ألا و إني لا أداوي أدواء
هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم لي قناتكم تكلفوننا أعمال المهاجرين و لا تعملون
مثل أعمالهم ؟ فلن تزدادوا إلا عقوبة حتى يحكم السيف بيننا و بينكم هذا عمرو بن
سعيد قرابته قرابته و موضعه موضعه قال برأسه هكذا فقلنا بأسيافنا هكذا ألا و إنا
نحمل لكم كل شيء إلا وثوبا على أمير أو نصب راية ألا و إن الجامعة التي جعلتها في
عنق عمرو بن سعيد عندي و الله لا يفعل أحد فعله إلا جعلتها في عنقه و الله لا
يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه ثم نزل
ثم قال العسكري : و عبد الملك أول من نقل الديوان من
الفارسية إلى العربية و أول من رفع يديه على المنبر
قلت : فتمت له عشرة أوائل منها خمسة مذمومة
و قد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف بسنده عن محمد بن
سيرين قال : أول من أحدث الأذان في الفطر و الأضحى بنو مروان فإما أن يكون عبد
الملك أو أحدا من أولاده
و أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني غير واحد أن
أول من كسا الكعبة بالديباج عبد الملك بن مروان و إن من أدرك ذلك من الفقهاء قالوا
: أصاب ما نعلم لها من كسوة أوفق منه
و قال يوسف بن الماجشون : كان عبد الملك إذا قعد للحكم
قيم على رأسه بالسيوف
و قال الأصمعي : قيل لعبد الملك : يا أمير المؤمنين عجل
عليك الشيب فقال : و كيف لا و أنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة ؟
و قال محمد بن حرب الزيادي : قيل لعبد الملك بن مروان :
من أفضل الناس ؟ قال : من تواضع عن رفعة و زهد عن قدرة و أنصف عن قوة
و قال ابن عائشة : كان عبد الملك إذا دخل عليه رجل من
أفق من الآفاق قال : اعفني من أربع و قل بعدها ما شئت : لا تكذبني فإن الكذوب لا
رأي له و لا تجبني فيما لا أسألك فإن فيما أسألك عنه شغلا و لا تطرني فإني أعلم
بنفسي منك و لا تحملني على الرعية فإني إلى الرفق بهم أحوج و قال المدائني : لما
أيقن عبد الملك بالموت قال : و الله لوددت أني كنت منذ ولدت إلى يومي هذا حمالا ثم
أوصى بنيه بتقوى الله و نهاهم عن الفرقة و الاختلاف و قال : كونوا بني أم بررة و
كونوا في الحرب أحرارا و للمعروف منارا فإن الحرب لم تدن منية قبل وقتها و إن
المعروف يبقى أجره و ذكره واحلوا في مرارة و لينوا في شدة و كونوا كما قال ابن عبد
الأعلى الشيباني :
( إن القداح إذا اجتمعن فرامها ... بالكسر ذو حنق وبطش
باليد )
( عزت فلم تكسر و إن هي بددت ... فالكسر و التوهين
للمتبدد )
يا وليد اتق الله فيما أخلفك فيه إلى أن قال : و انظر
الحجاج فأكرمه فإنه هو الذي وطأ لكم المنابر و هو سيفك يا وليد و يدك على من ناوأك
فلا تسمعن فيه قول أحد و أنت إليه أحوج منه إليك و ادع الناس إذا مت إلى البيعة
فمن قال برأسه هكذا فقل بسيفك هكذا
وقال غيره : لما احتضر عبد الملك دخل عليه ابنه الوليد
فتمثل بهذا :
( كم عائد رجلا و ليس يعوده ... إلا ليعلم هل يراه يموت
؟ ! )
فبكى الوليد فقال : ما هذا ؟ أتحن حنين الأمة ؟ إذا أنا
مت فشمر و ائتزر و البس جلد النمر و ضع سيفك على عاتقك فمن أبدى ذات نفسه لك فاضرب
عنقه و من سكت مات بدائه
قلت : لو لم يكن من مساوىء عبد الملك إلا الحجاج و توليته
إياه على المسلمين و على الصحابة رضي الله عنهم يهينهم و يذلهم قتلا و ضربا و شتما
و حبسا و قد قتل من الصحابة و أكابر التابعين ما لا يحصى فضلا عن غيرهم و ختم في
عنق أنس و غيره من الصحابة ختما يريد بذلك ذلهم فلا رحمة الله و لا عفا عنه و من
شعر عبد الملك :
( لعمري لقد عمرت في الدهر برهة ... و دانت لي الدنيا
بوقع البواتر )
( فأضحى الذي قد كان مما يسرني ... كلمح مضى في المزمنات
الغوابر )
( فيا ليتني لم أعن بالملك ساعة ... ولم أله لي لذات عيش
نواضر )
( و كنت كذي طمرين عاش ببلغة ... من الدهر حتى زار ضنك
بالمقابر )
و في تاريخ ابن عساكر عن إبراهيم بن عدي قال : رأيت عبد
الملك بن مروان و قد أتته أمور أربعة في ليلة فما تنكر و لا تغير وجهه : قتل عبيد
الله بن زياد و قتل حبيش بن دلجة بالحجاز و انتقاض ما كان بينه و بين ملك الروم و
خرج عمرو بن سعيد إلى دمشق
و فيه عن الأصمعي قال : أربعة لم يلحنوا في جد و لا هزل
: الشعبي و عبد الملك بن مروان و الحجاج بن يوسف و ابن القرية
و أسند السلفي في الطيوريات : أن عبد الملك بن مروان خرج
يوما فلقيته امرأة فقالت : يا أمير المؤمنين قال : ما شأنك ؟ قالت : توفي أخي و
ترك ستمائة دينار فدفع إلي من ميراثه دينار واحد فقيل هذا حقك فعمي الأمر فيها على
عبد الملك فأرسل إلى الشعبي فسأله فقال : نعم هذا توفي فترك ابنتين فلهما الثلثان
أربعمائة و أما فلها السدس مائة و زوجة فلها الثمن خمسة و سبعون و اثني عشر أخا
فلهم أربعة و عشرون و بقي لها دينار
و قال ابن أبي شيبة في المنصف : حدثنا أبو سفيان الحميري
حدثنا خالد بن محمد القرشي قال : قال عبد الملك بن مروان : من أراد أن يتخذ جارية
للتلذذ فليتخذها بربرية و من أراد أن يتخذها للولد فليتخذها فارسية و من أراد أن
يتخذها للخدمة فليتخذها رومية
و قال أبو عبيدة : لما أنشد الأخطل كلمته لعبد الملك
التي يقول فيها :
( شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... و أعظم الناس أحلاما
إذا قدروا )
قال : خذ بيده يا غلام فأخرجه ثم ألقي عليه من الخلع ما
يغمره ثم قال : إن لكل قوم شاعرا و شاعر بني أمية الأخطل و قال الأصمعي : دخل
الأخطل على عبد الملك فقال : ويحك ! صف لي السكر قال : أوله لذة و آخره صداع و بين
ذلك حالة لا أصف لك مبلغها فقال : ما مبلغها ؟ قال : لملكك يا أمير المؤمنين عندها
أهون علي من شسع نعلي و أنشأ يقول
:
( إذا ما نديمي علني ثم علني ... ثلاث زجاجات لهن هدير )
( خرجت أجر الذيل تيها كأنني ... عليك أمير المؤمنين
أمير )
قال الثعالبي : كان عبد الملك يقول : ولدت في رمضان و
فطمت في رمضان و ختمت القرآن في رمضان و بلغت الحام في رمضان و وليت في رمضان و
أتتني الخلافة في رمضان و أخشى أن أموت في رمضان فلما دخل شوال و أمن مات
و ممن مات في أيام عبد الملك من الأعلام : ابن عمر و
أسماء بنت الصديق و أبو سعيد بن المعلى و أبو سعيد الخدري و رافع بن خديج و سلمة
بن الأكوع و العرباض بن سارية و جابر بن عبد الله و عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
و السائب بن يزيد و أسلم مولى عمر و أبو إدريس الخولاني و شريح القاضي و أبان بن
عثمان بن عفان و الأعشى الشاعر و أيوب بن القرية الذي يضرب به المثل في الفصاحة و
خالد بن يزيد بن معاوية و زر بن حبيش و سنان بن سلمة ابن المحبق و سويد بن غفلة و
أبو وائل و طارق بن شهاب و محمد بن الحنيفة و عبد الله بن شداد بن الهاد و أبو عبيد
بن عبد الله بن مسعود وعمرو بن حريث و عمرو بن سلم الجرمي و آخرون
الوليد بن عبد الملك بن مروان 86 هـ 96 ه
الوليد بن عبد الملك : أبو العباس قال الشعبي : كان
أبواه يترفانه فشب بلا أدب
قال روح بن زنباع : دخلت يوما على عبد الملك ـ و هو
مهموم ـ فقال : فكرت فيمن أوليه أمر العرب فلم أجده فقلت : أين أنت من الوليد ؟
قال : إنه لا يحسن النحو فسمع ذلك الوليد فقام من ساعته و جمع أصحاب النحو و جلس
معهم في بيت ستة أشهر ثم خرج و هو أجهل مما كان فقال عبد الملك : أما إنه قد أعذر
و قال أبو الزناد : كان الوليد لحانا قال على منبر
المسجد النبوي : يا أهل المدينة
و قال أبو عكرمة الضبي : قرأ الوليد على المنبر يا ليتها
كانت القاضية و تحت المنبر عمر بن عبد العزيز و سليمان بن عبد الملك فقال سليمان :
وددتها و الله
و كان الوليد جبارا ظالما
و أخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن شوذب قال : قال عمر بن
عبد العزيز ـ و كان الوليد في الشام و الحجاج بالعراق و عثمان بن جبارة بالحجاز و
قرة بن شريك بمصر ـ امتلأت الأرض و الله جورا
و أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن إبراهيم بن أبي زرعة
أن الوليد قال له : أيحاسب الخليفة ؟ قال : يا أمير المؤمنين أنت أكرم على الله أم
داود ؟ إن الله جمع له النبوة و الخلافة ثم توعده في كتابه فقال : { يا داود }
الآية
لكنه أقام الجهاد في أيامه و فتحت في خلافته فتوحات
عظيمة و كان مع ذلك يختن الأيتام ويرتب لهم المؤدبين و يرتب للزمنى من يخدمهم و
للأضراء من يقودهم و عمر المسجد النبوي و وسعه ورزق الفقهاء و الضعفاء و الفقراء و
حرم عليهم سؤال الناس و فرض لهم ما يكفيهم و ضبط الأمور أتم ضبط
و قال ابن أبي علبة : رحم الله الوليد ! و أين مثل
الوليد ؟ افتتح الهند و الأندلس و بنى مسجد دمشق و كان يعطيني قطع الفضة أقسمها
على قراء مسجد بيت المقدس
ولي الوليد الخلافة بعهد من أبيه في شوال سنة ست و
ثمانين ففي سنة سبع و ثمانين شرع في بناء جامع دمشق و كتب بتوسيع المسجد النبوي و
بنائه و فيها فتحت بيكند و بخارى و سردانية و مطمورة و قميقم و بحيرة الفرسان عنوة
و فيها حج بالناس عمر ابن عبد العزيز و هو أمير المدينة فوقف يوم النحر غلطا و
تألم لذلك
و في سنة ثمان و ثمانين فتحت جرثومة و طوانة
و في سنة تسع و ثمانين فتحت جزيرتا منورقة و ميورقة
و في سنة إحدى و تسعين فتحت نسف و كش و شومان و مدائن و
حصون من بحر أذربيجان
و في سنة اثنين و تسعين فتح إقليم الأندلس بأسره و مدينة
أرماييل و قتربون
و في سنة ثلاث و تسعين فتحت الديبل و غيرها ثم الكرح و
برهم و باجة و البيضاء و خوارزم و سمرقند و الصغد
و في سنة أربع و تسعين فتحت كابل و فرغانة و الشاش و
سندرة و غيرها
و في سنة خمس و تسعين فتحت الموقان و مدينة الباب
و في سنة ست و تسعين فتحت طوس و غيرها و فيها مات
الخليفة الوليد في نصف جمادى الآخرة و له إحدى و خمسون سنة
قال الذهبي : أقام الجهاد في أيامه و فتحت فيها الفتوحات
العظيمة كأيام عمر بن الخطاب
قال عمر بن عبد العزيز : لما وضعت الوليد في لحده إذا هو
يركض بين أكفانه ـ يعني ضرب الأرض برجله و من كلام الوليد : لو لا أن الله ذكر آل
لوط في القرآن ما ظننت أن أحدا يفعل هذا
مات في أيام الوليد من الأعلام : عتبة بن عبد السلمي و المقدام بن معد
يكرب و عبد الله بن بشر المازني و عبد الله بن أبي أوفى و أبو العالية و جابر بن
زيد و أنس بن مالك و سهل بن سعيد و السائب بن يزيد و السائب بن خلاد و خبيب بن عبد
الله بن الزبير و بلال بن أبي الدرداء و سعيد بن المسيب و أبو سلمة بن عبد الرحمن
و سعيد بن جبير شهيدا قتله الحجاج لعنه الله و إبراهيم النخعي و مطرف و إبراهيم بن
عبد الرحمن بن عوف و العجاج الشاعر و آخرون
سليمان بن عبد الملك بن مروان 96 هـ 99 ه
سليمان بن عبد الملك : أبو أيوب كان من خيار ملوك بني
أمية
ولي الخلافة بعهد من أبيه بعد أخيه في جمادى الآخرة سنة
ست و تسعين
روى قليلا عن أبيه و عبد الرحمن بن هبيرة
روى عنه ابنه عبد الواحد و الزهري
وكان فصيحا مفوها مؤثرا للعدل محبا للغزو و مولده سنة
ستين
من محاسنه : أن عمر بن عبد العزيز كان له كالوزير فكان
يمتثل أوامره في الخير فعزل عمال الحجاج و أخرج من كان في سجن العراق و أحيا
الصلاة لأول مواقيتها و كان بنو أمية أماتوها بالتأخير
قال ابن سيرين : يرحم الله سليمان ! افتتح خلافته
بإحيائه الصلاة لمواقيتها و اختتمها باستخلافه عمر بن عبد العزيز
و كان سليمان ينهى عن الغناء و كان من الأكلة المذكورين
أكل في مجلس سبعين رمانة و خروفا و ست دجاجات و مكوك زبيب طائفي
قال يحيى الغساني : نظر سليمان في المرآة فأعجبه شبابه و
جماله فقال : كان محمد صلى الله عليه و سلم نبيا و كان أبو بكر صديقا و كان عمر
فاروقا و كان عثمان حييا و كان معاوية حليما و كان يزيد صبورا و كان عبد الملك
سائسا و كان الوليد جبارا و أنا الملك الشاب فما دار الشهر حتى مات
و كانت وفاته يوم الجمعة عاشر صفر سنة تسع و تسعين و فتح
في أيامه جرجان و حصن الحديد و سردانية و شقى و طبرستان و مدينة السقالبة
مات في أيامه من الأعلام : قيس بن أبي حازم و محمود بن
لبيد و الحسن بن الحسين بن علي و كريب مولى ابن عباس و عبد الرحمن بن الأسود
النخعي و آخرون
قال عبد الرحمن بن حسان الكناني : مات سليمان غازيا
بدابق فلما مرض قال لرجاء بن حيوة : من لهذا الأمر بعدي ؟ أستخلف ابني ؟ قال ابنك
غائب قال : فابني الآخر ؟ قال : صغير قال : فمن ترى ؟ قال : أرى أن تستخلف عمر بن عبد
العزيز قال : أتخوف إخوتي لا يرضون قال : تولي عمر و من بعده يزيد بن عبد الملك و
تكتب كتابا و تختم عليه و تدعوهم إلى بيعته مختوما قال : لقد رأيت فدعا بقرطاس
فكتب فيه العهد و دفعه إلى رجاء و قال : اخرج إلى الناس فليبايعوا على ما فيه
مختوما فخرج فقال : إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا لمن في هذا الكتاب قالوا :
و من فيه ؟ قال : هو مختوم لا تخبروا بمن فيه حتى يموت ؟ قالوا لا نبايع فرجع إليه
فأخبره فقال : انطلق إلى صاحب الشرط و الحرس فاجمع الناس و مرهم بالبيعة فمن أبى
فاضرب عنقه فبايعوا قال رجاء : فبينما أنا راجع إذا هشام فقال لي : يا رجاء قد
علمت موقعك منا و أن أمير المؤمنين قد صنع شيئا ما أدري ما هو ؟ و إني تخوفت أن
يكون قد أزالها عني فإن يكن قد عدلها عني فأعلمني ما دام في الأمر نفس حتى أنظر فقلت
سبحان الله ! يستكتمني أمير المؤمنين أمرا أطلعك عليه ؟ لا يكون ذلك أبدا ثم لقيت
عمر بن عبد العزيز فقال لي : يا رجاء إنه قد وقع في نفسي أمر كبير من هذا الرجل
أتخوف أن يكون قد جعلها إلي و لست أقوم بهذا الشأن فأعلمني ما دام في الأمر نفس
لعلي أتخلص منه ما دام حيا قلت : سبحان الله ! يستكتمني أمير المؤمنين أمرا أطلعك
عليه ؟
ثم مات سليمان و فتح الكتاب فإذا فيه العهد لعمر بن عبد
العزيز فتغيرت وجوه بني عبد الملك فلما سمعوا [ و بعده يزيد بن عبد الملك ]
تراجعوا فأتوا عمر فسلموا عليه بالخلافة فعقر به فلم يستطع النهوض حتى أخذوا
بضبعيه فدنوا به إلى المنبر و أصعدوه فجلس طويلا لا يتكلم فقال لهم رجاء : ألا
تقومون إلى أمير المؤمنين فتبايعوه فبايعوه و مد يده إليهم ثم قام فحمد الله و
أثنى عليه ثم قال : أيها الناس إني لست بفارض و لكني منفذ و لست بمبتدع و لكني
متبع و إن من حولكم من الأمصار و المدن إن هم أطاعوا كما أطعتم فأنا واليكم و إن
هم أبوا فلست لكم بوال ثم نزل فأتاه صاحب المراكب فقال : ما هذا ؟ قال مركب
الخليفة قال : لا حاجة لي فيه ائتوني بدابتي فأتوه بدابته و انطلق إلى منزله ثم
دعا بدواة و كتب بيده إلى عمال الأمصار
قال رجاء : كنت أظن أنه سيضعف فلما رأيت صنعه في الكتاب
علمت أنه سيقوى
يروى أن مروان بن عبد الملك وقع بينه وبين سليمان في
خلافته كلام فقال له سليمان : يا بن اللخناء ففتح مروان فاه ليجيبه فأمسك عمر بن
عبد العزيز بفيه و قال أنشدك الله إمامك و أخوك و له السن فسكت و قال : قتلتني و
الله لقد زدت في جوفي أحر من النار فما أمسى حتى مات
و أخرج ابن أبي الدنيا عن زياد بن عثمان أنه دخل على
سليمان بن عبد الملك لما مات ابنه أيوب فقال يا أمير المؤمنين إن عبد الرحمن بن
أبي بكر كان يقول : من أحب البقاء فليوطن نفسه على المصائب
عمر بن عبد العزيز بن مروان 99 هـ ـ 101 ه
عمر بن عبد العزيز بن مروان : الخليفة الصالح أبو حفص
خامس الخلفاء الراشدين
قال سفيان الثوري : الخلفاء خمسة : أبو بكر و عمر و
عثمان و علي و عمر بن عبد العزيز أخرجه أبو داود في سننه
ولد عمر بحلوان قرية بمصر و أبوه أمير عليها سنة إحدى و
قيل : ثلاث و ستين و أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب و كان بوجه عمر شجة
ضربته دابة في جبهته ـ و هو غلام ـ فجعل أبوه يمسح الدم عنه و يقول : إن كنت أشج
بني أمية إنك لسعيد أخرجه ابن عساكر
و كان عمر بن الخطاب يقول : من ولدي رجل بوجهه شجة يملأ
الأرض عدلا أخرجه الترمذي في تاريخه فصدق ظن أبيه فيه
و أخرج ابن سعد أن عمر بن الخطاب قال : ليت شعري ! من ذو
الشين من ولدي الذي يملؤها عدلا كما ملئت جورا
و أخرج عن ابن عمر قال : كنا نتحدث أن الدنيا لا تنقضي
حتى يلي رجل من آل عمر يعمل بمثل عمل عمر فكان بلال بن عبد الله بن عمر بوجهه شامة
و كانوا يرون أنه هو حتى جاء الله بعمر بن عبد العزيز
روى عمر بن عبد العزيز عن أبيه و أنس و عبد الله بن جعفر
بن أبي طالب و ابن قارظ و يوسف بن عبد الله بن سلام و عامر بن سعد و سعيد بن
المسيب و عروة بن الزبير و أبي بكر بن عبد الرحمن و الربيع بن سمرة و طائفة
روى عنه : الزهري و محمد بن المنكدر و يحيى بن سعد
الأنصاري و مسلمة بن عبد الملك و رجاء بن حيوة و خلائق كثيرون
جمع القرآن و هو صغير و بعثه أبوه إلى المدينة يتأدب بها
فكان يختلف إلى عبيد الله بن عبد الله يسمع منه العلم فلم توفي أبوه طلبه عبد
الملك إلى دمشق و زوجه ابنته فاطمة
و كان قبل الخلافة على قدم الصلاح أيضا إلا أنه كان
يبالغ في التنعم فكان الذين يعيبونه من حساده لا يعيبونه إلا بالإفراط في التنعم و
الاختيال في المشية فلما ولي الوليد الخلافة أمر عمر على المدينة فوليها من سنة ست
و ثمانين إلى سنة ثلاث و تسعين و عزل فقدم الشام ثم إن الوليد عزم على أن يخلع
أخاه سليمان من العهد و أن يعهد إلى ولده فأطاعه كثير من الأشراف طوعا و كرها
فامتنع عمر بن عبد العزيز و قال لسليمان : في أعناقنا بيعة و صمم فطين عليه الوليد
ثم شفع فيه بعد ثلاث فأدركوه و قد مالت عنقه فعرفها له سليمان فعهد إليه بالخلافة
قال زيد بن أسلم عن أنس رضي الله عنه : ما صليت وراء
إمام بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه و سلم
من هذا الفتى ـ يعني عمر بن عبد العزيز ـ و هو أمير على المدينة قال زيد بن أسلم :
فكان يتم الركوع و السجود و يخفف القيام و القعود له طرق عن أنس أخرجه البيهقي في
سننه و غيره
و سئل محمد بن علي بن الحسين عن عمر بن عبد العزيز فقال
: هو نجيب بني أمية و إنه يبعث يوم القيامة أمة وحده
و قال ميمون بن مهران : كانت العلماء مع عمر بن العزيز
تلامذه
و أخرج أبو نعيم بسند صحيح عن رياح بن عبيدة قال : خرج
عمر بن عبد العزيز إلى الصلاة و شيخ متوكئ على يده فقلت في نفسي : إن هذا الشيخ
جاف فلما صلى و دخل لحقته فقلت : أصلح الله الأمير ! من الشيخ الذي كان يتكئ على
يدك ؟ قال يا رياح رأيته ؟ قلت نعم قال : ما أحسبك إلا رجلا صالحا ذاك أخي الخضر
أتاني فأعلمني أني سألي هذه الأمة و أني سأعدل فيها
و أخرج أيضا عن أبي هشام أن رجلا جاء إلى عمر بن عبد
العزيز فقال : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في النوم و أبو بكر عن يمينه و عمر
عن شماله فإذا رجلان يتخصمان و أنت بين يديه جالس فقال لك : يا عمر إذا علمت فاعمل
هذين لأبي بكر و عمر فاستحلف له عمر بالله لرأيت هذا فحلف له فبكى عمر
بويع بالخلافه بعهد من سليمان في صفر سنة تسع و تسعين
كما تقدم فمكث فيها سنتين و خمسة أشهر نحو خلافة الصديق رضي الله عنه ملأ فيها
الأرض عدلا ورد المظالم و سن السنن الحسنة و لما قرئ كتاب العهد باسمه عقر و قال :
و الله إن هذا الأمر ما سألته الله قط ؟ و قدم إليه صاحب المراكب مركب الخليفة
فأبى و قال : ائتوني ببغلتي قال الحكم بن عمر : شهدت عمر بن عبد العزيز حين جاءه
أصحاب المراكب يسألونه العلوفة ورزق خدمتها ؟ قال : ابعث بها إلى أمصار الشام
يبيعونها فيمن يريد و اجعل أثمانها في مال الله تكفيني بغلتي هذه الشهباء
و قال عمر بن ذر : لما رجع عمر من جنازة سليمان قال له
مولاه : ما لي أراك مغتما ؟
قال : لمثل ما أنا فيه فليغتم ليس أحد من الأمة إلا و
أنا أريد أن أوصل إليه حقه غير كاتب إلي فيه و لا طالبه مني
و عن عمرو بن مهاجر و غيره أن عمر لما استخلف قام في
الناس و أثنى عليه ثم قال :
أيها الناس إنه لا كتاب بعد القرآن و لا نبي بعد محمد
صلى الله عليه و سلم ألا و إني لست بفارض و لكني منفذ و لست بمبتدع و لكني متبع و
لست بخير من أحدكم و لكني أثقلكم حملا و إن الرجل الهارب من الإمام الظالم ليس
بظالم ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
و عن الزهري قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى سالم بن
عبد الله يكتب إليه بسيرة عمر بن الخطاب في الصدقات فكتب إليه بالذي سأل و كتب
إليه إنك إن عملت بمثل عمل عمر في زمانه و رجاله في مثال زمانك و رجالك كنت عند
الله خيرا من عمر
و عن حماد أن عمر لما استخلف بكى فقال : يا أبا فلان
أتخشى علي ؟ قال : كيف حبك للدرهم ؟ قال : لا أحبه قال : لا تخف فإن الله سيعنيك
و عن مغيرة قال : جمع عمر حين استخلف بني مروان فقال :
إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كانت له فدك ينفق منها و يعول منها على صغير بني
هاشم و يزوج منها أيمهم و إن فاطمة سألته أن يجعلها لها ؟ فأبى فكانت كذلك حياة
أبي بكر ثم عمر ثم أقطعها مروان ثم صارت لعمر بن عبد العزيز فرأيت أمرا منعه رسول
الله صلى الله عليه و سلم فاطمة ليس لي بحق و إني أشهدكم أني قد رددتها على ما كنت
على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم
و عن الليث قال : لما ولي عمر بدأ بلحمته و أهل بيته
فأخذ ما بأيديهم و سمى أموالهم مظالم
و قال أسماء بن عبيد : دخل عنبسة بن سعيد بن العاص على
عمر بن عبد العزيز فقال : يا أمير المؤمنين إن من كان قبلك من الخلفاء كانوا
يعطوننا عطايا فمنعتناها و لي عيال و ضيعة أفتأذن لي أن أخرج إلى ضيعتي لما يصلح
عيالي ؟ فقال عمر : أحبكم من كفانا مؤنته ثم قال له : أكثر ذكر الموت فإن كنت في
ضيق من العيش و سعه عليك و إن كنت في سعة من العيش ضيقه عليك
و قال فرات بن السائب : قال عمر بن عبد العزيز لامرأته
فاطمة بنت عبد الملك ـ و كان عندها جوهر أمر لها به أبوها لم ير مثله ـ : اختاري
إما أن تردي حليك إلى بيت المال و إما أن تأذني لي في فراقك فإني أكره أن أكون أنا
و أنت و هو في بيت واحد قالت : لا بل أختارك عليه و على أضعافه فأمر به فحمل حتى
وضع في بيت مال المسلمين فلما مات عمر و استخلف يزيد قال لفاطمة : إن شئت رددته
إليك قالت : لا و الله ما أطيب به نفسا في حياته و أرجع فيه بعد موته
و قال عبد العزيز : كنت بعض عمال عمر بن عبد العزيز إليه
: إن مدينتنا قد خربت فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لنا مالا نرمها به فعل فكتب
إليه عمر : إذا قرأت كتابي هذا فحصنها بالعدل ونق طرقها من الظلم فإنه مرمتها و
السلام
و قال إبراهيم السكوني : قال عمر بن عبد العزيز : ما
كذبت منذ علمت أن الكذب شين على أهله
و قال قيس بن جبير : مثل عمر في بني أمية مثل مؤمن آل
فرعون
و قال ميمون بن مهران : إن الله كان يتعاهد الناس بنبي
بعد نبي و إن الله تعاهد الناس بعمر بن عبد العزيز
و قال وهب بن منبه : إن كان في هذه الأمة مهدي فهو عمر
بن عبد العزيز
و قال محمد بن فضالة : مر عبد الله بن عمر بن عبد العزيز
براهب في الجزيرة فنزل إليه الراهب و لم ينزل لأحد قبله و قال : أتدري لم نزلت
إليك ؟ قال : لا قال : لحق أبيك إنا نجده في أئمة العدل بموضع رجب من الأشهر الحرم
ففسره أيوب بن سويد بثلاثة متوالية : ذي القعدة و ذي الحجة و المحرم : أبي بكر و
عمر و عثمان و رجب منفرد منها عمر بن عبد العزيز
و قال حسن القصاب : رأيت الذئاب ترعى مع الغنم بالبادية
في خلافة عمر بن عبد العزيز فقلت : سبحان الله ذئب في غنم لا يضرها ! فقال الراعي
: إذا صلح الرأس فليس على الجسد بأس
و قال مالك بن دينار : لما ولي عمر بن عبد العزيز قالت
رعاء الشاء : من هذا الصالح الذي قام على الناس خليفة ؟ عدله كف الذئاب عن شائنا
و قال موسى بن أعين : كنا نرعى الشاء بكرمان في خلافة
عمر بن عبد العزيز فكانت الشاة و الذئب ترعى في مكان واحد فبينا نحن ذات ليلة إذ
عرض الذئب للشاة فقلت : ما نرى الرجل الصالح إلا قد هلك فحسبوه فوجدوه مات تلك
الليلة
و قال الوليد بن مسلم : بلغنا ان رجلا كان بخراسان قال : أتاني آت في
المنام فقال : إذا قام أشج بني مروان فانطلق فبايعه فإنه إمام عدل فجعلت أسأل كلما
قام خليفة حتى قام عمر بن عبد العزيز فأتاني ثلاث مرات في المنام فارتحلت إليه
فبايعته
و عن حبيب بن هند الأسلمي قال : قال لي سعيد بن المسيب :
إنما الخلفاء ثلاثة : أبو بكر و عمر و عمر بن عبد العزيز قلت له : أبو بكر و عمر
قد عرفناهما فمن عمر ؟ قال : إن عشت أدركته و إن مت كان بعدك قلت و مات ابن المسيب
قبل خلافة عمر
و قال ابن عون : كان ابن سيرين إذا سئل عن الطلاء قال :
نهى عنه إمام الهدى يعني عمر بن عبد العزيز
و قال الحسن : إن كان مهدي فعمر بن عبد العزيز و إلا فلا
مهدي إلا عيسى ابن مريم
و قال مالك بن دينار : الناس يقولون : مالك زاهد إنما
الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي أتته الدنيا فتركها
و قال يونس بن أبي شبيب : شهدت عمر بن عبد العزيز و إن
حجزة إزاره لغائبة في عكنه ثم رأيته بعد ما استحلف و لو شئت أن أعد أضلاعه من غير
أن أمسها لفعلت
و قال ولده عبد العزيز : سألني أبو جعفر المنصور : كم
كانت غلة أبيك حين أفضت الخلافة إليه ؟ قلت : أربعين ألف دينار قال : فكم كانت حين
توفي ؟ قلت أربعمائة دينار و لو بقي لنقصت
و قال مسلمة بن عبد الملك : دخلت على عمر بن عبد العزيز أعوده في
مرضه فإذا عليه قميص وسخ فقلت لفاطمة ينت عبد الملك : ألا تغسلون قميصه ؟ قالت : و
الله ما له قميص غيره
قال أبو أمية الخصي غلام عمر : دخلت يوما على مولاتي
فغدتني عدسا فقلت : كل يوم عدس ؟ قالت : يا بني هذا طعام مولاك أمير المؤمنين
قال : و دخل عمر الحمام يوما فأطلى فولي عانته بيده
قال : و لما احتضر بعثني بدينار إلى أهل الدير و قال :
إن بعتموني موضع قبري و إلا تحولت عنكم فأتيتهم فقالوا : لولا أنا نكره أن يتحول
عنا ما قبلناه
و قال عون بن المعمر : دخل عمر على امرأته فقال : يا
فاطمة عندك درهم أشتري به عنبا ؟ فقالت : لا و قالت : و أنت أمير المؤمنين لا تقدر
على درهم تشتري به عنبا ؟ ! قال : هذا أهون علينا من معالجة الأغلال غدا في جهنم
و قالت فاطمة امرأته : ما أعلم أنه اغتسل لا من جنابة و
لا من احتلام منذ استخلف الله حتى قبضه
و قال سهل بن صدقة : لما استخلف عمر سمع في منزله بكاء
فسألوا عن ذلك فقالوا : إن عمر خير جواريه فقال : قد نزل بي أمر قد شغلني عنكم فمن
أحب أن أعتقه أعتقته و من أحب أن أمسكه أمسكته و إن لم يكن مني إليها حاجة فبكين
إياسا منه قالت فاطم امرأته : كان إذ دخل البيت ألقى نفسه في مسجده فلا يزال يبكي
و يدعو حتى تغلبه عيناه ثم يستيقظ فيفعل مثل ذلك ليلته أجمع
و قال الوليد بن أبي السائب : ما رأيت أحدا قط أخوف من
عمر و قال سعيد بن سويد : صلى عمر بالناس الجمعة ـ و عليه قميص مرفوع الجيب من بين
يديه و من خلفه ـ فقال له رجل : يا أمير المؤمنين إن الله قد أعطاك فلو لبست فنكس
مليا ثم رفع رأسه فقال : إن أفضل القصد عند الجدة و أفضل العفو عند القدرة
و قال ميمون بن مهران : سمعت عمر يقول : لو أقمت فيكم
خمسين عاما ما استكملت فيكم العدل إني لأريد الأمر و أخاف أن لا تحمله قلوبكم
فأخرج معه طمعا من الدنيا فإن أنكرت قلوبكم هذا سكنت إلى هذا
و قال إبراهيم بن ميسرة : قلت لطاووس : هو المهدي ـ يعني
عمر بن عبد العزيز ـ قال هو مهدي و ليس به إنه لم يستكمل العدل كله
و قال عمر بن أسيد : و الله ما مات عمر حتى جعل الرجل
يأتينا بالمال العظيم فيقول : اجعلوا هذا حيث ترون فما يبرح بماله كله قد أغنى عمر
الناس
و قالت جويرية : دخلنا على فاطمة ابنة علي بن أبي طالب
رضي الله عنها فأثنت على عمر بن عبد العزيز و قالت : لو كان بقي لنا ما احتجنا بعد
إلى أحد
و قال عطاء بن أبي رباح : حدثتني فاطمة امرأة عمر أنها
دخلت عليه و هو في مصلاه تسيل دموعه على لحيته فقالت : يا أمير المؤمنين ألشيء حدث
؟ قال : يا فاطمة إني تقلدت من أمر أمة محمد صلى الله عليه و سلم أسودها و أحمرها
فتفكرت في الفقير الجائع و المريض الضائع و العاري المجهود و المظلوم المقهور و
الغريب الأسير و الشيخ الكبير و ذي العيال الكثير و المال القليل و أشباههم في
أقطار الأرض و أطراف البلاد فعلمت أن ربي سائلي عنهم يوم القيامة فخشيت أن لا تثبت
لي حجة فبكيت
و قال الأوزاعي : إن عمر بن عبد العزيز كان جالسا في
بيته و عنده أشراف بني أمية فقال : أتحبون أن أولي كا رجل منكم جندا ؟ فقال رجل
منهم : لم تعرض علينا ما لا تفعله ؟ قال : ترون بساطي هذا ؟ إني لأعلم أنه يصير إلى
و فناء و إني أكره أن تدنسوه بأرجلكم فكيف أوليكم أعراض المسلمين و أبشارهم ؟
هيهات لكم هيهات ! فقالوا له : لم ؟ أما لنا قرابة ؟ أما لنا حق ؟ قال : ما أنتم
و أقصى رجل من المسلمين عندي في هذا الأمر إلا سواء إلا رجلا من المسلمين حبسه عني
طول شقته
و قال حميد : أملى علي الحسن رسالة إلى عمر بن عبد
العزيز فأبلغ ثم شكا الحاجة و العيال فأمر بعطائه
و قال الأوزاعي : كان عمر بن عبد العزيز : إذا أراد أن
يعاقب رجلا حبسه ثلاثة أيام ثم عاقبه كراهة أن يعجل في أول غضبه
و قال جويرية بن أسماء : قال عمر بن عبد العزيز : إن نفسي
تواقة لم تعط من الدنيا شيئا إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه فلما أعطيت ما لا شيء
فوقه من الدنيا تاقت نفسي إلى ما هو أفضل منه ـ يعني الجنة ـ
و قال عمرو بن مهاجر : كانت نفقة عمر بن عبد العزيز كل
يوم درهمين و قال يوسف بن يعقوب الكاهلي : كان عمر يلبس الفروة الكبل و كان سراج
بيته على ثلاث قصبات فوقهن طين
و قال عطاء الخراساني : أمر عمر غلامه أن يسخن له ماء
فانطلق فسخن قمقما في مطبخ العامة فأمر عمر أن يأخذ بدرهم حطبا يضعه في المطبخ
و قال عمر بن مهاجر : كان عمر يسرج عليه الشمعة ما كان
في حوائج المسلمين فإذا فرغ من حوائجهم أطفأها ثم أسرج عليه سراجه
و قال الحكم بن عمر : كان للخليفة ثلاثمائة حرسي و
ثلاثمائة شرطي فقال عمر للحرس : إن لي عنكم بالقدر حاجزا و بالأجل حارسا من أقام
منكم فله عشرة دنانير
و من شاء فليلحق بأهله
و قال عمرو بن مهاجر : اشتهى عمر بن عبد العزيز تفاحا
فأهدى له رجل من أهل بيته تفاحا فقال : ما أطيب ريحه و أحسنه ! أرفعه يا غلام للذي
أتى به و أقرئ فلانا السلام و قل له : إن هديتك وقعت عندنا بحيث نحب فقلت : يا
أمير المؤمنين ابن عمك و رجل من أهل بيتك و قد بلغك أن النبي صلى الله عليه و سلم
كان يأكل الهدية فقال : ويحك ! إن الهدية كانت للنبي صلى الله عليه و سلم هدية و هي لنا اليوم
رشوة
و قال إبراهيم بن ميسرة : ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب
أحدا في خلافته غير رجل واحد تناول من معاوية فضربه ثلاثة أسواط
و قال الأوزاعي : لما قطع عمر بن عبد العزيز عن أهل بيته
ما كان يجري عليهم من أرزاق الخاصة كلموه في ذلك فقال : لن يتسع مالي لكم و أما
هذا المال فإنما حقكم فيه كحق رجل بأقصى برك الغماد
و قال أبو عمر : كتب عمر بن عبد العزيز برد أحكام من
أحكام الحجاج مخالفة لأحكام الناس
و قال يحيى الغساني : لما ولاني عمر بن عبد العزيز
الموصل قدمتها فوجدتها من أكثر البلاد سرقة و نقبا فكتبت إليه أعلمه حال البلد و
أسأله : آخذ الناس بالظنة و أضربهم على التهمة أو آخذهم بالبنية و ما جرت عليه
السنة فكتبت إلي أن آخذ الناس بالبينة و ما جرت عليه السنة فإن لم يصلحهم الحق فلا
أصلحهم الله قال يحيى : ففعلت ذلك فما خرجت من الموصل حتى كانت من أصلح البلاد و
أقلها سرقة و نقبا
و قال رجاء بن حيوة : سمرت ليلة عند عمر فغشي السراج ـ و
إلى جانبه و صيف ـ قلت : ألا أنبهه ؟ قال : لا قلت : أفلا أقوم ؟ قال : ليس من
مروءة الرجال استخدامه ضيفه فقام إلى بطة الزيت و أصلح السراج ثم رجع و قال : قمت
و أنا عمر بن عبد العزيز و رجعت و أنا عمر بن عبد العزيز
و قال نعيم كاتبه : قال يا عمر : إنه ليمنعني من كثير من
الكلام مخافة المباهاة
و قال مكحول لو حلفت لصدقت ما رأيت أزهد و لا أخوف لله
من عمر بن عبد العزيز و قال سعيد بن أبي عروية : كان عمر بن عبد العزيز إذا ذكر
الموت اضربت أوصاله
و قال عطاء : كان عمر بن عبد العزيز يجمع في كل ليلة
الفقهاء فيتذاكرون الموت و القيامة ثم يبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة
و قال عبيد الله بن العيزار : خطبنا عمر بن عبد العزيز
بالشام على منبر من طين فقال : أيها الناس أصلحوا أسراركم تصلح علانيتكم و اعملوا
لآخرتكم تكفوا دنياكم و اعلموا أن رجلا ليس بينه و بين آدم أب حي لعرق له في الموت
و السلام عليكم
و قال وهيب بن الورد : اجتمع بنو مروان إلى باب عمر بن
عبد العزيز فقالوا لابنه عبد الملك : قل لأبيك : إن من كان قلبه من الخلفاء كان
يعطينا و يعرف لنا موضعنا و إن أباك قد حرمنا ما في يديه فدخل على أبيه فأخبره
فقال لهم : إن أبي يقول لكم : إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم
و قال الأوزاعي : قال عمر بن عبد العزيز : خذوا من الرأي
ما يصدق من كان قبلكم و لا تأخذوا ما هو خلاف لهم فإنهم خير منكم و أعلم
و قال : قدم جرير فطال مقامه بباب عمر بن عبد العزيز و
لم يلتفت إليه فكتب إلى عون بن عبد الله و كان خصيصا بعمر :
( يا أيها القارئ المرخي عمامته ... هذا زمانك إني قد
مضى زمني )
( أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه ... أني لدى الباب كالمصفود
في قرن )
و قال جويرية بن أسماء : لما استخلف عمر بن عبد العزيز
جاءه بلال بن أبي بردة فهنأه و قال : من كانت الخلافة شرفته فقد شرفتها و من كانت
زانته فقد زنتها و أنت كما قال مالك بن أسماء :
( و تزيدين أطيب الطيب طيبا ... أنت تمسيه أين مثلك أينا
؟ )
( و إذا الدار زان حسن وجوه ... كان للدر حسن وجهك زينا )
قال جعونة : لما مات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز جعل
عمر يثني عليه فقال : يا أمير المؤمنين لو بقي كنت تعهد إليه ؟ قال : لا قال : و
لم و أنت تثني عليه ؟ قال : أخاف أن يكون زين في عيني منه ما زين في عين الوالد من
ولده
و قال غسان عن رجل من الأزد : قال رجل لعمر بن عبد
العزيز : أوصني قال : أوصيك بتقوى الله و إيثاره تخف عنك المؤونة و تحسن لك من الله
المعونة
و قال أبو عمرو : دخلت ابنة أسامة بن زيد على عمر بن عبد
العزيز فقام لها و مشى إليها ثم أجلسها في مجلسه و جلس بين يديها و ما ترك لها
حاجة إلا قضاها
و قال الحجاج بن عنبسة : اجتمع بنو مروان فقالوا : لو دخلنا على
أمير المؤمنين فعطفناه علينا بالمزاح فدخلوا فتكلم رجل منهم فمزح فنظر إليه عمر
فوصل له رجل كلامه بالمزاح فقال : لهذا اجتمعتم ؟ لأخس الحديث و لما يورث الضغائن
؟ إذا اجتمعتم فأفيضوا في كتاب الله فإن تعديتم ذلك ففي السنة عن رسول الله صلى
الله عليه و سلم فإن تعديتم ذلك فعليكم بمعاني الحديث
و قال إياس بن معاوية بن قرة : ما شبهت عمر بن عبد
العزيز إلا برجل صناع حسن الصنعة ليس له أداة يعمل بها يعني لا يجد من يعينه
و قال عمر بن حفص : قال لي عمر بن عبد العزيز : إذا سمعت
كلمة من امرئ مسلم فلا تحملها على شيء من الشر ما وجدت لها محملا من الخير
و قال يحيى الغساني : كان عمر ينهي سليمان بن عبد الملك
عن قتل الحرورية و يقول : ضمنهم الحبس حتى يحدثوا توبة فأتي سليمان بحروري فقال له
سليمان : هيه فقال الحروري : و ماذا أقول ؟ يا فاسق بن الفاسق فقال سليمان : علي
بعمر بن عبد العزيز فلما جاء قال : اسمع مقالة هذا فأعادها الحروري فقال سليمان
لعمر : ماذا ترى عليه ؟ فسكت قال : عزمت عليك لتخبرني بماذا ترى عليه قال : أرى عليه
أن تشتمه كما شتمك قال : ليس الأمر كذلك فأمر به سليمان فضربت عنقه و خرج عمر
فأدركه خالد صاحب الحرس فقال : ياعمر كيف تقول لأمير المؤمنين ما أرى عليه إلا أن
تشتمه كما شتمك ؟ و الله لقد كنت متوقعا أن يأمرني بضرب عنقك قال : و لو أمرك
لفعلت ؟ قال : إي و الله فلما أفضت الخلافة إلى عمر جاء خالد فقام مقام صاحب الحرس
فقال عمر : يا خالد ضع هذا السيف عنك و قال : اللهم إني قد وضعت لك خالدا فلا
ترفعه أبدا ثم نظر في وجوه الحرس فدعا عمرو بن مهاجرالأنصاري و قال : يا عمرو و
الله لتعلمن أنه ما بيني و بينك قرابة إلا قرابة الإسلام و لكن سمعتك تكثر تلاوة
القرآن و رأيتك تصلي في موضع تظن أن لا يراك أحد فرأيتك تحسن الصلاة و أنت رجل من
الأنصار خذ هذا السيف فقد وليتك حرسي
و قال شعيب : حدثت أن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز
دخل على أبيه فقال يا أمير المؤمنين : ما أنت قائل لربك غدا إذا سألك فقال : رأيت
بدعة فلم تمتها أو سنة فلم تحيها ؟ فقال أبوه : رحمك الله و جزاك من ولد خيرا يا
بني إن قومك قد شدوا هذا الأمر عقدة عقدة و عروة عروة و متى أردت مكابرتهم على
انتزاع ما في أيديهم لم آمن أن يفتقوا علي فتقا يكثر فيه الدماء و الله لزوال الدنيا
أهون علي من أن يراق في سببي محجمة من دم أو ما ترضى أن لا يأتي أبيك يوم من أيام
الدنيا إلا و هو يميت فيه بدعة و يحيى سنة ؟
و قال معمر : قال عمر بن عبد العزيز : قد أفلح من عصم من
المراء و الغضب و الطمع
و قال أرطأة بن المنذر : قيل لعمر بن عبد العزيز : لو
اتخذت حرسا و احترزت في طعامك و شرابك فقال : اللهم إن كنت تعلم أني أخاف شيئا دون
يوم القيامة فلا تؤمن خوفي
و قال عدي بن الفضل : سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب فقال
اتقوا الله أيها الناس و أجملوا في الطلب فإن كان لأحدكم رزق في رأس جبل أو حضيض
أرض يأته
و قال أزهر : رأيت عمر بن عبد العزيز يخطب الناس و عليه
قميص مرقوع
و قال عبد الله بن العلاء : سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب
في الجمع بخطبه واحدة يرددها و يفتتحها بسبع كلمات : الحمد لله نحمده و نستعينه و
نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له
و من يضلله فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمد
عبده و رسوله من يطع الله و رسوله فقد رشد و من يعص الله و رسوله فقد غوى ثم يوصى
بتقوى الله و يتكلم ثم يختم خطبته الأخيرة بهؤلاء الآيات : { يا عبادي الذين أسرفوا } إلى تمامها
و قال حاجب بن خليفة البرجمي : شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب و هو
خليفة فقال في خطبته : ألا إن ما سن رسول الله صلى الله عليه و سلم و صاحباه فهو
دين نأخذ به و ننتهي إليه و ما سن سواهما فإنا نرجئه
أسند جميع ما قدمته أبو نعيم في الحلية
و أخرج ابن عساكر عن إبراهيم بن أبي عبلة قال : دخلنا
على عمر بن عبد العزيز يوم العيد ـ و الناس يسلمون عليه ـ و يقولون : تقبل الله
منا و منك يا أمير المؤمنين فيرد عليهم و لا ينكر عليهم
قلت : هذا أصل حسن للتهنئة بالعيد و العام و الشهر
و أخرج عن جعونة قال : ولى عمر بن عبد العزيز عمرو بن
قيس السكوني الصائفة فقال : اقبل من محسنهم و تجاوز مسيئهم و لتكن في أولهم فتقتل
و لا في آخرهم فتفشل و لكن كن وسطا حيث يرى مكانك و يسمع صوتك
و أخرج عن السائب بن محمد قال : كتب الجراح بن عبد الله
إلى عمر بن عبد العزيز : إن أهل خراسان قوم ساءت رعيتهم و إنه لا يصلحهم إلا السيف
و السوط فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ذلك فكتب إليه عمر : أما بعد فقد
بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم و أنه لا يصلحهم إلا السيف و السوط
فقد كذبت بل يصلحهم العدل و الحق فابسط ذلك فيهم و السلام
و أخرج عن أمية بن زيد القريشي قال : كان عمر بن عبد
العزيز إذا أملى علي كتابه قال : اللهم إني أعوذ بك من شر لساني
و أخرج عن صالح بن جبير قال : ربما كلمت عمر بن عبد
العزيز في الشيء فيغضب فأذكر أن في الكتاب مكتوبا اتق غضبة الملك الشاب فأرفق به
حتى يذهب غضبه فيقول لي بعد ذلك : لا يمنعك يا صالح ماترى منا أن تراجعنا في الأمر
إذا رأيته
و أخرج عن عبد الحليم بن محمد المخزومي قال : قدم جرير
بن عيطة بن الخطفي على عمر بن عبد العزيز فذهب ليقول فنهاه عمر فقال : إنما أذكر
رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أما رسول الله صلى الله عليه و سلم فاذكره
فقال :
( إن الذي ابتعث النبي محمدا ... جعل الخلافة للأمير
العادل )
( رد المظالم حقها بيقينها ... عن جورها و أقام ميل
المائل )
( و الله أنزل في القرآن فريضة ... لابن السبيل و للفقير
العائل )
( إني لأرجو منك خيرا عاجلا ... و النفس مغرمة بحبي
العاجل )
فقال له عمر : ما أجد لك في كتاب الله حقا قال : بلى يا
أمير المنؤمنين إنني ابن سبيل فأمر له من خاصة ماله بخمسين دينارا
و في الطيوريات أن جرير بن عثمان الرحبي دخل مع أبيه على
عمر بن عبد العزيز فسأله عمر عن حال ابنه ثم قال له : علمه الفقه الأكبر قال : و
ما الفقه الأكبر ؟ قال : القناعة و كف الأذى
و أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن محمد بن كعب القرظي
قال : دعاني عمر ابن عبد العزيز فقال : صف لي العدل فقلت بخ ! سألت عن أمر جسيم كن
لصغير الناس أبا و لكبيرهم ابنا و للمثل منهم أخا و للنساء كذلك و عاقب الناس على
قدر ذنوبهم و على قدر أجسادهم و لا تضربن لغضبك سوطا واحدا فتعد من العادين
و أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن الزهري أن عمر بن عبد
العزيز كان يتوضأ مما مست النار حتى كان يتوضأ من السكر
و أخرج عن وهيب أن عمر بن عبد العزيز قال : من عد كلامه من
عمله قل كلامه
و قال الذهبي : أظهر غيلان القدر في خلافة عمر بن عبد
العزيز فاستتابه فقال : لقد كان كنت ضالا فهديتني فقال عمر : اللهم إن كان صادقا و
إلا فاصلبه واقطع يديه و رجليه فنفذت فيه دعوته فأخذ في خلافة هشام بن عبد الملك و
قطعت أربعته و صلب بدمشق في القدر
و قال غيره : كان بنو أمية يسبون علي بن أبي طالب في
الخطبة فلما ولي عمر ابن عبد العزيز أبطله و كتب إلى نوابه بإبطاله و قرأ مكانه :
{ إن الله يأمر بالعدل والإحسان } الآية فاستمرت قراءتها في الخطبة إلى الآن
و قال القالي في أماليه : حدثنا أبو بكر بن الأنباري
حدثنا أحمد بن عبيد قال : قال عمر بن عبد العزيز قبل خلافته :
( انه الفؤاد عن الصبا ... و عن انقياد للهوى )
( فلعمر ربك إن في ... شيب المفارق و الجلا )
( لك و اعظا لو كنت تت ... عظ اتعاظ ذوي النهى )
( حتى متى لا ترعوي ... و إلى متى و إلى متى ؟ )
( ما بعد أن سميت كه ... لا و استبلت اسم الفتى )
( بلي الشباب و أنت إن ... عمرت رهن للبلى )
( و كفى بذلك زاجرا ... للمرء من غي كفى )
فائدة : قال الثعالبي في لطائف المعارف : كان عمر بن
الخطاب أصلع و عثمان و علي و مروان بن الحكم و عمر بن عبد العزيز ثم انقطع الصلع
عن الخلفاء
فائدة : قال الزبير بن بكار : قال الشاعر في فاطمة بنت
عبد الملك بن مروان زوجة عمر بن عبد العزيز :
( بنت الخليفة و الخليفة جدها ... أخت الخلائف و الخليفة
زوجها )
قال : فلم تكن امرأة تستحق هذا النسب إلى يومنا هذا
غيرها
قلت : و لا يقال في غيرها هذا إلى يومنا هذا
ذكر مرضه و وفاته قال أيوب : لعمر بن عبد العزيز : لو
أتيت المدينة فإن مت دفنت في موضع القبر الرابع مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
فقال : و الله لأن يعذبني الله بكل عذاب إلا النار أحب إلي من أن يعلم الله مني
أني أراني لذلك الموضع أهلا
و قال الوليد بن هشام : قيل لعمر في مرضه : ألا تتداوى ؟
فقال : لقد علمت الساعة التي سقيت فيها و لو كان شفائي أن أمسح شحمة أذني أو أوتي
بطيب فأرفعه إلى أنفي ما فعلت و قال عبيد بن حسان : لما احتضر عمر بن عبد العزيز قال :
أخرجوا عني فقعد مسلمة و فاطمة على الباب فسمعوه يقول : مرحبا بهذه الوجوه ليست
بوجوه إنس و لا جان ثم قال { تلك الدار الآخرة } الآية ثم هدأ الصوت فدخلوا فوجدوه قد قبض
رضي الله عنه
و قال هشام : لما جاء نعي عمر بن عبد العزيز قال الحسن
البصري : مات خير الناس
و قال خالد الربعي : إنا نجد في التوراة أن السموات و
الأرض تبكي على عمر ابن عبد العزيز أربعين صباحا
و قال يوسف بن ماهك : بينا نحن نسوي التراب على قبر عمر
بن عبد العزيز إذ سقط علينا كتاب رق من السماء فيه : بسم الله الرحمن الرحيم أمان
من الله لعمر بن عبد العزيز من النار
و قال قتادة : كتب عمر بن عبد العزيز إلى ولي العهد من
بعده :
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر إلى يزيد بن عبد
الملك : سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد : فإني كتبت و
أنا دنف من وجعي و قد علمت أني مسؤول عما و ليت يحاسبني عليه مليك الدنيا و الآخرة
و لست أستطيع أن أخفي عليه من عملي شيئا فإن رضي عني فقد أفلحت و نجوت من الهوان
الطويل و إن سخط علي فيا ويح نفسي إلى ما أصير أسأل الله لا إله إلا هو أن يجيرني
من النار برحمته و أن يمن علي برضوانه و الجنة فعليك بتقوى الله الرعية الرعية
فإنك لن تبقى بعدي إلا قليلا و السلام أسند هذا كله أبو نعيم في الحلية
توفي عمر رضي الله عنه بدير سمعان ـ بكسر السين ـ من
أعمال حمص لعشر بقين ـ و قيل : لخمس بقين ـ من رجب سنة إحدى و مائة و له حينئذ تسع
و ثلاثون سنة و ستة أشهر و كانت وفاته بالسم كانت بنو أمية قد تبرموا به لكونه شدد
عليهم و انتزع من أيديهم كثيرا مما غصبوه و كان قد أهمل التحرز فسقوه السم
قال مجاهد : قال لي عمر بن عبد العزيز : ما يقول الناس
في ؟ قلت : يقولون مسحور قال : ما أنا بمسحور و إني لأعلم الساعة التي سيقت فيها
ثم دعا غلاما له فقال له : و يحك ! ما حملك على أن تسقيني السم ؟ قال : ألف دينار
أعطيتها و على أن أعتق قال : هاتها قال
: فجاء بها فألقاها في بيت المال و قال : اذهب حيث لا
يراك أحد
مات في أيامه من الأعلام : أبو أمامة سعد بن سهل بن حنيف
و خارجة بن زيد بن ثابت و سالم بن أبي الجعد و يسر بن سعيد و أبو عثمان النهدي و
أبو الضحى و شهر بن حوشب الشامي و حنش بن عبد الله الصنعاني و مسلم بن يسار البصري
و عيسى بن طلحة بن عبد الله القريشي التيمي أحد أشراف قريش و عقلائها و علمائها
يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم 101هـ ـ 105 ه
يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم : أبو خالد الأموي
الدمشقي
ولد سنة إحدى و سبعين و ولي الخلافة بعد عمر بن عبد
العزيز بعهد من أخيه سليمان كما تقدم
و قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : لما ولي يزيد قال :
سيروا بسيرة عمر بن عبد العزيز فأتى بأربعين شيخا فشهدوا له ما على الخلفاء حساب و
لا عذاب
و قال ابن الماجشون : لما مات عمر بن عبد العزيز قال
يزيد : و الله ما عمر بأحوج إلى الله مني فأقام أربعين يوما يسير بسيرة عمر بن عبد
العزيز ثم عدل عن ذلك
و قال سليم بن بشير : كتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن
عبد الملك حين احتضر : سلام عليك أما بعد فإني لا أراني إلا لما بي فالله الله في
أمة محمد فإنك تدع الدنيا لمن لا يحمدك و تفضي إلى من لا يعذرك و السلام
و في سنة اثنتين خرج يزيد بن المهلب على الخلافة فوجه
إليه مسلمة بن عبد الملك بن مروان فهزم يزيد و قتل و ذلك بالعقير موضع بقرب كربلاء
قال الكلبي : نشأت و هم يقولون : ضحى بنو أمية يوم
كربلاء بالدين و يوم العقير بالكرم مات يزيد في أواخر شعبان سنة خمس و مائة
و ممن مات في خلافته من الأعلام : الضحاك بن مزاحم و عدي
بن أرطأة و أبو المتوكل الناجي و عطاء بن يسار و مجاهد و يحيى بن وثاب مقرئ الكوفة
و خالد بن معدان و الشعبي عالم العراق و عبد الرحمن حسان بن ثابت و أبو قلابة
الجرمي و أبو بردة بن أبي موسى الأشعري و آخرون
هشام بن يزيد بن عبد الملك 105 هـ ـ 125ه
هشام بن عبد الملك : أبو الوليد ولد سنة نيف و سبعين و
استخلف بعهد من أخيه يزيد
قال مصعب الزبيري : رأى عبد الملك في منامه أنه بال في
المحراب أربع مرات فسأل سعيد بن المسيب فقال : يملك من ولده لصلبه أربعة فكان
آخرهم هشام
و كان هشام حازما عاقلا كان لا يدخل بيت ماله مالا حتى
يشهد أربعون قسامة : لقد أخذ من حقه و لقد أعطى لكل ذي حق حقه
و قال الأصمعي : أسمع رجل مرة هشاما كلاما فقال له : يا
هذا ليس لك أن تسمع خليفتك
قال : و غضب مرة على رجل فقال : و الله لقد هممت أن
أضربك سوطا
و قال سحبل بن محمد : ما رأيت أحدا من الخلفاء أكره إليه
الدماء و لا أشهد عليه من هشام
و عن هشام أنه قال : ما بقي شيء من لذات الدنيا إلا و قد
نلته إلا شيئا واحدا أخا أرفع مؤنة التحفظ فيما بيني و بينه
و قال الشافعي لما بنى هشام الرصافة بقنسرين أحب أن يخلو
يوما لا يأتيه فيه غم فما انتصف النهار حتى أتته ريشة بدم من بعض الثغور فأوصلت
إليه فقال : و لا يوما واحدا !
و قيل : إن هذا البيت له و لم يحفظ له سواه :
( إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى ... إلى بعض ما فيه
عليك مقال )
مات في ربيع الآخرة سنة خمس و عشرين و مائة
و في سنة سبع من أيامه فتحت قيصرية الروم بالسيف و في
سنة ثمان فتحت خنجرة على يد البطال الشجاع المشهور و في سنة اثنتي عشرة فتحت خرشنة
في ناحية ملطية
و ممن مات في أيامه من الأعلام : سالم بن عبد الله بن
عمر و طاووس و سليمان بن يسار و عكرمة مولى ابن عباس و القاسم بن محمد بن أبي بكر
الصديق و كثير عوه الشاعر و محمد بن كعب القرظي و الحسن البصري و محمد ابن سيرين و
أبو الطفيل عامر بن واثلة الصحابي آخرهم موتا و جرير و الفرزدق و عطية العوفي و
معاوية بن قرة و مكحول و عطاء بن أبي رباح و أبو جعفر الباقر و وهب بن منبه و
سكينة بنت الحسين و الأعرج و قتادة و نافع مولى ابن عمر و ابن مقرئ الشام و ابن
كثير مقرئ مكة و ثابت البناني و مالك بن دينار و ابن محيض المقرئ و ابن شهاب
الزهري و خلائق آخرون
و من أخبار هشام : أخرج ابن عساكر عن إبراهيم بن أبي
عبلة قال : أراد هشام ابن عبد الملك أن يوليني خراج مصر فأبيت فغضب حتى اختلج وجهه
و كان في عينيه الحول فنظر إلي نظر منكر و قال : لتلين طائعا أو لتلين كارها فأسكت
عن الكلام حتى سكن غضبه فقلت : يا أمير المؤمنين أتكلم ؟ قال : نعم قلت : إن الله
قال في كتابه العزيز : { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن
يحملنها } الآية فو الله يا أمير المؤمنين ما غضب عليهن إذ أبين و لا أكرههن إذ
كرهن و ما أنا بحقيق أن تغضب علي إذ أبيت و تكرهني إذ كرهت فضحك و أعفاني
و أخرج عن خالد بن صفوان قال : و فدت على هشام بن عبد
الملك فقال : هات يا ابن صفوان قلت : إن ملكا من الملوك خرج متنزها إلى الخورنق و
كان ذا علم مع الكثرة و الغلبة فنظر و قال لجلسائه : لمن هذا ؟ قالوا : للملك قال : فهل
رأيتم أحدا أعطي مثل ما أعطيت ؟ و كان عنده رجل من بقايا حملة الحجة فقال : إنك قد
سألت عن أمر أفتأذن لي بالجواب ؟ قال : نعم قال : أرأيت ما أنت فيه أشيء لم تزل فيه أم
شيء صار ميراثا و هو زائل عنك إلى غيرك كما صار إليك ؟ قال : كذا هو قال : فتعجب
بشيء يسير لا تكون فيه إلا قليلا و تنقل عنه طويلا فيكون عليك حسابا قال : ويحك
فأين المهرب ؟ و أين المطلب ؟ و أخذته قشعريرة قال : إما أن تقيم في ملكك فتعمل
بطاعة الله بما ساءك و سرك و إما أن تنخلع من ملكك و تضع تاجك و تلقي عنك أطمارك و
تعبد ربك قال : إني مفكر الليلة و أوافيك السحر فلما كان السحر قرع عليه بابه فقال
: إني اخترت هذا الجبل و فلوات الأرض و قد لبست علي أمساحي فإن كنت لي رفيقا لا
تخالف فلزما الجبل حتى ماتا و فبه يقول عدي بن زيد العبادي :
( أيها الشامت المعير بالدهـ ... ر أأنت المبرأ الموفور
؟ )
( أم لديك العهد الوثيق من الأي ... ام ؟ بل أنت جاهل
مغرور )
( من رأيت المنون خلدن أم من ... ذا عليه من أن يضام
خفير ؟ )
( أين كسرى الملوك أبو سا ... سان أم أين قلبه سابور )
( و بنو الأصفر الكرام ملوك ال ... روم و لم يبق منهم
مذكور )
( و أخو الحضر إذ بناه و إذ دجل ... ة تجبى إليه و
الخابور )
( شاده مرمرا و جلله كل ... سا فللطير في ذراة وكور )
( لم يهبه ريب المنون فباد ال ... ملك عنه فبابه مهجور )
( و تذكر رب الخورنق إذ أش ... رف يوما و للهدى تذكير )
( سره ماله و كثرة ما يم ... لك و البحر معرض و السدير )
( فارعوى قلبه و فال : و ما غب ... طة حي إلى الممات
يصير )
( ثم بعد الفلاح و الملك و الأم ... ة وارتهم هناك
القبور )
( ثم صاروا كأنهم ورق جـ ... ف فألوت به الصبا و الدبور )
قال : فبكى حتى اخضلت لحيته و أمر بابنتيه و طي فرشه و
لزم قصره فأقبلت الموالي و الحشم على خالد بن صفوان و قالوا : ما أردت إلى أمير
المؤمنين ؟ أفسدت عليه لذته فقال : إليكم عاهدت أن لا أخلو بملك إلا ذكرته الله
تعالى
الوليد بن يزيد بن عبد الملك 125هـ ـ 126ه
الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم :
الخليفة الفاسق أبو العباس
ولد سنة تسعين فلما احتضر أبوه لم يمكنه أن يستخلفه لأنه
صبي فعقد لأخيه هشام و جعل هذا ولي العهد من بعد هشام فتسلم الأمر عند موت هشام في
ربيع الآخر سنة خمس و عشرين و مائة و كان فاسقا شريبا للخمر منتهكا حرمات الله
أراد الحج ليشرب فوق ظهر الكعبة فمقته الناس لفسقه و خرجوا عليه فقتل في جمادى
الآخرة سنة ست و عشرين
و عنه أنه لما حوصر قال : ألم أزد في أعطياتكم ؟ ألم
أرفع عنكم المؤن ؟ ألم أعط فقراءكم ؟ فقالوا : ما ننقم عليك في أنفسنا لكن ننقم
عليك انتهاك ما حرم الله و شرب الخمر و نكاح أمهات أولاد أبيك و استخفافك بأمر
الله
و لما قتل و قطع رأسه و جيء به يزيد الناقص نصبه على رمح
فنظر إليه أخوه سليمان بن يزيد فقال : بعدا له أشهد أنه كان شروبا للخمر ماجنا
فاسقا و لقد راودني على نفسي
و قال المعافي الجريري : جمعت شيئا من أخبار الوليد و من
شعره الذي ضمنه ما فجر به من خرقه و سخافته و ما صرح به من الإلحاد في القرآن و
الكفر بالله
و قال الذهبي لم يصح عن الوليد كفر و لا زندقة بل اشتهر
بالخمر و التلوط فخرجوا عليه لذلك
و ذكر الوليد مرة عند المهدي فقال رجل : كان زنديقا فقال
المهدي : مه خلافة الله عنده أجل من أن يجعلها في زنديق
و قال مروان بن أبي حفصة : كان الوليد من أجمل الناس و
أشدهم و أشعرهم
و قال أبو الزناد : كان الزهري يقدح أبدا عند هشام في
الوليد و يعيبه و يقول : ما يحل لك إلا خلعه فما يستطيع هشام و لو بقي الزهري إلى
أن يملك الوليد لفتك به
و قال الضحاك بن عثمان : أراد هشام أن يخلع الوليد و
يجعل العهد لولده فقال الوليد :
( كفرت يدا من منعم لو شكرتها ... جزاك بها الرحمن
بالفضل و المن )
( رأيتك تبني جاهدا في قطيعتي ... و لو كنت حزم لهدمت ما
تبني )
( أراك على الباقين تجني ضغينة ... فيا ويحهم إن مت من
شر ما تجني )
( كأني بهم يوما و أكثر قيلهم ... ألا ليت أنا حين يا
ليت لا تغني )
و قال حماد الراوية : كنت يوما عند الوليد فدخل عليه
منجمان فقالا : نظرنا فيما أمرتنا فوجدناك تملك سبع سنين قال حماد : فأردت أن
أخدعه فقلت : كذبا و نحن أعلم بالأثار و ضروب العلم و قد نظرنا في هذا فوجدناك
تملك أربعين سنة فأطرق ثم قال : لا ما قالا يكسرني و لا ما قلت يغرني و الله
لأجبين المال من حلة جباية من يعيش الأبد و لأصرفنه في حقه صرف من يموت الغد
و قد ورد في مسند أحمد حديث [ ليكونن في هذه الأمة رجل
يقال له الوليد لهو أشد على هذه الأمة من فرعون لقومه ]
و قال ابن فضل الله في المسالك : الوليد بن يزيد الجبار
العنيد لقبا ما عداه و لقما سلكه فما هداه فرعون ذلك العصر الذاهب و الدهر المملوء
بالمعاتب يأتي يوم القيامة يقدم قومه فيوردهم النار و يرديهم العار و بئس الورد
المورود و المورد المردي في ذلك الموقف المشهود رشق المصحف بالسهام و فسق و لم يخف
الآثام
و أخرج الصولي عن سعيد بن سليم قال : أنشد بن ميادة
الوليد بن يزيد شعره الذي يقول فيه
:
( فضلتم قريشا غير آل محمد ... و غير بني مروان أهل
الفضائل )
فقال له الوليد : أراك قد قدمت علينا آل محمد فقال ابن
ميادة : ما أراه يجوز غير ذلك و ابن ميادة هذا هو القائل في الوليد أيضا من قصيدة
طويلة :
( هممت بقول صادق أن أقوله ... و إني على رغم العداة
لقائله )
( رأيت الوليد بن اليزيد مباركا ... شديدا بأعباء
الخلافة كاهله )
يزيد بن الوليد بن عبد الملك [ الناقص ] 126 هـ ـ 126ه
يزيد الناقص : أبو خالد بن الوليد بن عبد الملك لقب
بالناقص لكونه نقص الجند من أعطياتهم وثب على الخلافة و قتل ابن عمه الوليد و تملك
و أمه شاهفرند بنت فيروز بن يزدجرد و أم فيروز بنت
شيرويه بن كسرى و أم شيرويه بنت خاقان ملك الترك و أم أم فيرون بنت قيصر عظيم
الروم فلهذا قال يزيد يفتخر :
( أنا ابن كسرى و أبي مروان ... و قيصر جدي و جدي خاقان )
قال الثعالبي : أغرق الناس في الخلافة من طرفيه
و لما قتل يزيد الوليد قام خطيبا فقال :
أما بعد إني و الله ما خرجت أشرا و لا بطرا و لا طعما و
لا حرصا على الدنيا و لا رغبة في الملك و إني لظلوم نفسي إن لم يرحمني ربي و لكن
خرجت غضبا لله و لدينه و داعيا إلى كتابه و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم حين درست
معالم الهدى و طفىء نور أهل التقوى و ظهر الجبار المستحل الحرمة و الراكب البدعة
فلما رأيت ذلك أشفقت إذ غشيكم ظلمة لا تقلع عنكم على كثرة من ذنوبكم و قسوة من
قلوبكم و أشفقت أن يدعو كثيرا من الناس إلى ما هو عليه فيجيبه فاستخرت لله في أمري
و دعوت من أجابني من أهلي و أهل ولايتي فأراح الله منه البلاد و العباد ولاية من
الله و لا حول و لا قوة إلا بالله أيها الناس : إن لكم عندي إن وليت أموركم أن لا
أضع لبنة على لبنه و لا حجرا على حجر و لا أنقل مالا من بلد حتى أسد ثغره و أقسم
بين مصالحه ما تقوون به فإن فضل فضل رددته إلى البلد الذي يليه حتى تستقيم المعيشة
و تكونوا فيه سواء فإن أردتم بيعتي على الذي بذلت لكم فأنا لكم و إن ملت فلا بيعة
لي عليكم و إن رأيتم أحدا أقوى مني عليها فأردتم بيعته فأنا أول من يبايعه و يدخل
في طاعته و أستغفر الله لي و لكم
و قال عثمان بن أبي العاتكة : أول من خرج بالسلاح في العيدين يزيد
بن الوليد خرج يومئذ بين صفين من الخيل عليهم السلاح من باب الحصن إلى المصلى
و عن أبي عثمان الليثي قال يزيد الناقص : يا بني أمية
إياكم و الغناء فإنه ينقص الحياء و يزيد في الشهوة و يهدم المروءة و إنه لينوب عن
الخمر و يفعل ما يفعل المسكر فإن كنتم لابد فاعلين فجنبوه النساء فإن الغناء داعية
الزنا
و قال ابن عبد الحكم : سمعت الشافعي رحمه الله يقول :
لما ولي يزيد بن الوليد دعا الناس إلى القدر و حملهم عليه و قرب أصحاب غيلان
و لم يمتع يزيد بالخلافة بل مات من عامه في سابع ذي
الحجة فكانت خلافته ستة أشهر ناقصة و كان عمره خمسا و ثلاثين سنة و قيل : ستا و
أربعين سنة و يقال : إنه مات بالطاعون
إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك 126 هـ ـ 127 ه
إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك : أبو إسحاق بويع
بالخلافة بعد موت أخيه يزيد الناقص فقيل : إنه عهد إليه و قيل : لا
قال برد بن سنان : حضرت يزيد بن الوليد و قد احتضر فأتاه
قطن فقال : أنا رسول من وراء بابك يسألونك بحق الله لما و ليت أمرهم أخاك إبراهيم
فغضب فقال : أنا أولي بإبراهيم ؟ ثم قال : يا أبا العلاء إلى من ترى أعهد ؟ قلت : أمر نهيتك عن
الدخول فيه فلا أشير عليك في آخره قال : و أغمي عليه حتى حسبته قد مات فقعد قطن
فافتعل كتابا بالعهد على لسان يزيد و دعا ناسا فاستشهدهم عليه و لا و الله ما عهد
يزيد شيئا
و مكث إبراهيم في الخلافة سبعين ليلة ثم خلع : خرج عليه
مروان بن محمد و بويع فهرب إبراهيم ثم جاء و خلع نفسه من الأمر و سلمه إلى مروان و
بايع طائعا
و عاش إبراهيم بعد ذلك إلى سنة اثنتين و ثلاثين فقتل
فيمن قتل من بني أمية في وقعة السفاح
و في تاريخ ابن عساكر سمع إبراهيم من الزهري و حكى عن
عمه هشام و حكى عنه ابنه يعقوب و أمه أم ولد و هو أخو مروان الحمار لأمه
و كان خلعه يوم الإثنين لأربع عشرة خلت من صفر سنة سبع و
عشرين و مائة
و قال المدائني : لم يتم لإبراهيم أمر كان قوم يسلمون عليه
بالخلافة و قوم يسلمون عليه بالإمرة و أبى قوم أن يبايعوا له و قال بعض شعرائهم :
( نبايع إبراهيم في كل جمعة ... ألا غن أمرا أنت واليه
ضائع )
و قال غيره : كان نقش خاتم إبراهيم [ إبراهيم يثق بالله ]
مروان بن محمد بن مروان بن الحكم [ الحمار ] 127 هـ ـ 132
ه
مروان الحمار : آخر خلفاء بني أمية أبو عبد الملك بن
محمد بن مروان بن الحكم و يلقب بالجعدي نسبة إلى مؤدبه الجعد بن درهم و بالحمار
لنه كان لا يجف له لبد في محاربة الخارجين عليه
كان يصل السير بالسير و يصبر على مكاره الحرب و يقال في
المثل : فلان أصبر من حمار في الحروب فلذلك لقب به وقيل : لأن العرب تسمي كل مائة
سنة حمارا فلما قارب ملك بني أمية مائة سنة لقبوا مروان بالحمار لذلك
ولد مروان بالجزيرة و أبوه متوليها سنة اثنتين و سبعين و
أمه أم ولد
و ولي قبل الخلافة ولايات جليلة و افتتح قونية سنة خمس و
مائة
و كان مشهورا بالفروسية و الإقدام و الرجولة و الدهاء و
العسف فلما قتل الوليد و بلغه ذلك و هو على أرمينية دعا إلى بيعة من رضيه المسلمون
فبايعوه فلما بلغه موت يزيد أنفق الخزائن و سار فحارب إبراهيم فهزمه و بويع مروان
و ذلك في نصف صفر سنة سبع و عشرين و استوثق له الأمر فأول ما فعل أمر بنبش يزيد
الناقص فأخرجه من قبره و صلبه لكونه قتل الوليد
ثم إنه لم يتهن بالخلافة لكثرة من خرج عليه من كل جانب
إلى سنة اثنتين و ثلاثين فخرج عليه بنو العباس و عليهم عبد الله بن علي عم السفاح
فسار لحربهم فالتقى الجمعان بقرب الموصل فانكسر مروان فرجع إلى الشام فتبعه عبد
الله ففر مروان إلى مصر فتبعه صالح أخو عبد الله فالتقيا بقرية بوصير فقتل بها في
ذي الحجة من السنة
مات في أيامه من الأعلام : السدي الكبير و مالك بن دينار
الزاهد و عاصم ابن أبي النجود المقري و يزيد بن أبي حبيب و شيبة بن نصاح المقري و
محمد بن المنكدر و أبو جعفر يزيد بن القعقاع مقرىء المدينة و أبو أيوب السختياني و
أبو الزناد و همام بن منبه و واصل بن عطاء المعتزلي
و أخرج الصولي عن محمد بن صالح قال : لما قتل مروان
الحمار قطع رأسه و وجه به إلى عبد الله بن علي فنظر غليه و غفل فجاءت هرة فاقتلعت
لسانه و جعلت تمضغه فقال عبد الله بن علي : لو لم يرنا الدهر من عجائبه إلا لسان
مروان في فم هرة لكفانا ذلك
السفاح عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس
132 هـ ـ 136 ه
السفاح : أول خلفاء بني العباس أبو العباس بن عبد الله
بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم
ولد سنة ثمان و مائة ـ و قيل : سنة أربع ـ بالحميمة من
ناحية البلقاء و نشأ بها و بويع بالكوفة و أمه ريطة الحارثية
حدث عن أخيه إبراهيم بن محمد الإمام
و روى عنه عمه عيسى بن علي و كان أصغر من أخيه المنصور
أخرج أحمد في مسنده [ عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله
صلى الله عليه و سلم قال : يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان و ظهور من
الفتن يقال له السفاح فيكون إعطاؤه المال حثيا ]
و قال عبيد الله العيشي : قال أبي سمعت الأشياخ يقولون :
و الله لقد أفضت الخلافة إلى بني العباس و ما في الأرض أحد أكثر قارئا للقرآن و لا
أفضل عابدا و لا ناسكا منهم
قال ابن جرير الطبري : كان بدء أمر بني العباس أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم أعلم العباس عمه أن الخلافة تؤول إلى ولده فلم يزل ولده
يتوقعون ذلك
و عن رشدين بن كريب أن أبا هاشم عبد الله بن محمد ابن
الحنيفة خرج إلى الشام فلقي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فقال : يا ابن عم إن
عندي علما أريد أن أنبذه إليك فلا تطلعن عليه أحدا إن هذا الأمر الذي ترتجيه الناس
فيكم قال : قد علمته فلا يسمعنه منك أحد
و روى المدائني عن جماعة أن الإمام محمد بن علي بن عبد
الله بن عباس قال : لنا ثلاثة أوقات : موت يزيد بن معاوية و رأس المائة و فتق
بإفريقية فعند ذلك تدعو لنا دعاة ثم تقبل أنصارنا من المشرق حتى ترد خيولهم المغرب
فلما قتل يزيد بن أبي مسلم بإفريقية و نقضت البربر بعث محمد الإمام رجلا إلى
خراسان و أمره أن يدعو إلى الرضى من آل محمد صلى الله عليه و سلم و لا يسمي أحدا
ثم وجه أبا مسلم الخراساني و غيره و كتب إلى النقباء فقبلوا كتبه ثم لم ينشب أن
مات محمد فعهد إلى ابنه إبراهيم فبلغ خبره مروان فسجنه ثم قتله فعهد إلى أخيه عبد
الله و هو السفاح فاجتمع إليه شيعتهم و بويع بالخلافة بالكوفة في ثالث ربيع الأول
سنة اثنتين و ثلاثين و مائة و صلى بالناس الجمعة و قال في الخطبة : الحمد لله الذي
اصطفى الإسلام لنفسه فكرمه و شرفه و عظمه و اختاره لنا و أيده بنا و جعلنا أهله و
كهفه و حصنه و القوام به و الذابين عنه ثم ذكر قرابتهم في آيات القرآن إلى أن قال
: فلما قبض الله نبيه قام بالأمر أصحابه إلى أن وثب بنو حرب و مروان فجاروا و
استأثروا فأملى الله لهم حينا حتى آسفوه فانتقم منهم بأيدينا ورد علينا حقنا ليمن
بنا على الذين استضعفوا في الأرض و ختم بنا كما افتتح بنا و ما توفيقنا أهل البيت
إلا بالله يا أهل الكوفة أنتم محل محبتنا و منزل مودتنا لم تفتروا عن ذلك و لم
يثنكم عنه تحامل أهل الجور فأنتم أسعد الناس بنا و أكرمهم علينا و قد زدت في
أعطياتكم مائة مائة فاستعدوا فأنا السفاح المبيح و الثائر المبير
و كان عيسى بن علي إذا ذكر خروجهم من الحميمة يريدون
الكوفة يقول : إن أربعة عشر رجلا خرجوا من دارهم يطلبون ما طلبنا لعظيمة هممهم
شديدة قلوبهم
و لما بلغ مروان مبايعة السفاح خرج لقتاله فانكسر كما
تقدم ثم قتل و قتل في مبايعة السفاح من بني أمية و جندهم ما لا يحصى من الخلائق و
توطدت له الممالك إلى أقصى المغرب
قال الذهبي : بدولته تفرقت الجماعة و خرج عن الطاعة ما
بين تاهرت و طبنة إلى بلاد السودان و جميع مملكة الأندلس و خرج بهذه البلاد من
تغلب عليها و استمر ذلك
مات السفاح بالجدري في ذي الحجة سنة ستة و ثلاثين و مائة
و كان قد عهد إلى أخيه أبي جعفر و كان في سنة أربع و ثلاثين قد انتقل إلى الأنبار
و صيرها دار الخلافة
و من أخبار السفاح : قال الصولي : من كلامه : إذا عظمت
القدرة قلت الشهوة و قل تبرع إلا معه حق مضاع
و قال : إن من أدنياء الناس و وضعائهم من عد البخل حزما
و الحلم ذلا
و قال : إذا كان الحلم مفسدة كان العفو معجزة و الصبر
حسن إلا على ما أوقع الدين و أوهن السلطان و الأناة محمودة إلا عند إمكان الفرصة
قال الصولي : و كان السفاح أسخى الناس ما وعد عدة فأخرها
عن وقتها و لا قام من مجلسه حتى يقضيها
و قال له عبد الله بن حسن مرة : سمعت بألف درهم و ما
رأيتها قط فأمره بها فأحضرت و أمر بحملها معه إلى منزله
قال : و كان نقش خاتمه [ الله ثقة عبد الله و به يؤمن ]
و قل ما يروى له من الشعر
و قال سعيد بن مسلم الباهلي : دخل عبد الله بن حسن على
السفاح مرة و المجلس غاص ببني هاشم و الشيعة و وجوه الناس و معه مصحف فقال : يا
أمير المؤمنين أعطنا حقنا الذي جعله الله لنا في هذا المصحف قال له : إن عليا جدك
كان خيرا مني و أعدل ولي هذا الأمر أفأعطى جديك الحسن و الحسين ـ و كانا خيرا منك
ـ شيئا ؟ و كان الواجب أن أعطيك مثله فإن كنت فعلت فقد أنصفتك و إن كنت زدتك فما
هذا جزائي منك فانصرف و لم يحر جوابا و عجب الناس من جواب السفاح
قال المؤرخون : في دواة بني العباس افترقت كلمة الإسلام
و سقط اسم العرب من الديوان وأدخل الأتراك في الديوان و استولت الديلم ثم الأتراك
و صارت لهم دولة عظيمة و انقسمت ممالك الأرض عدة أقسام و صار بكل قطر قائم يأخذ الناس
بالعسف و يملكهم بالقهر
قالوا : و كان السفاح سريعا إلى سفك الدماء فأتبعه في
ذلك عماله بالمشرق و المغرب و كان مع ذلك جوادا بالمال
مات في أيامه من الأعلام : زيد بن أسلم و عبد الله بن
أبي بكر بن حزم و ربيعة الرأي فقيه أهل المدينة و عبد الملك بن عمير و يحيى بن أبي
إسحاق الحضرمي و عبد الحميد الكاتب المشهور قتل ببوصير مع مروان و منصور بن
المعتمر و همام بن منبه
أبو جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله
بن العباس 136 هـ ـ 158 ه
المنصور أبو جعفر : عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله
بن عباس و أمه سلامة البربرية أم ولد ولد سنة خمس و تسعين و أدرك جده و لم يرو عنه
و روى عن أبيه و عن عطاء بن يسار و عنه ولده المهدي و
بويع بالخلافة بعهد من أخيه و كان فحل بني العباس هيبة و شجاعة و حزما و رأيا و
جبروتا جماعا للمال تاركا اللهو و اللعب كامل العقل جيد المشاركة في العلم و الأدب
فقيه النفس قتل خلقا كثيرا حتى استقام ملكه و هو الذي ضرب أبا حنيفة رحمه الله على
القضاء ثم سجنه فمات بعد أيام و قيل : إنه قتله بالسم لكونه أفتى بالخروج عليه و
كان فصيحا بليغا مفوها خليقا للإمارة و كان غاية في الحرص و البخل فلقب [ أبا الدوانيق
] لمحاسبته العمال و الصناع على الدوانيق و الحبات
أخرج الخطيب [ عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله
عليه و سلم قال : منا السفاح و منا المنصور و منا المهدي ]
قال الذهبي : منكر منقطع
و أخرج الخطيب و ابن عساكر و غيرهما من طريق سعيد بن
جبير عن ابن عباس قال : [ منا السفاح و منا المنصور و منا المهدي ]
قال الذهبي : إسناده صالح
و أخرج ابن عساكر من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل [ عن
محمد بن جابر عن الأعمش عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم ! قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : منا القائم و منا المنصور و منا السفاح
و منا المهدي فأما القائم فتأتيه الخلافة و لم يهرق فيها محجمة من دم و أما
المنصور فلا ترد له راية و أما السفاح فهو يسفح المال و الدم و أما المهدي فيملؤها
عدلا كما ملئت ظلما ]
و عن المنصور قال : رأيت كأني في الحرم و كأن رسول الله
صلى الله عليه و سلم في الكعبة و بابها مفتوح فنادى مناد : أين عبد الله ؟ فقام أخي أبو العباس
حتى صار على الدرجة فأدخل فما لبث أن خرج و معه قناة عليها لواء أسود قدر أربعة
أذرع ثم نودي : أين عبد الله ؟ فقمت على الدرجة فأصعدت و إذا رسول الله صلى الله عليه
و سلم و أبو بكر و عمر و بلال فعقد لي و أوصاني بأمته و عمني بعمامة فكان كورها
ثلاثة و عشرين و قال : خذها إليك أبا الخلفاء إلى يوم القيامة
تولى المنصور الخلافة في أول سنة سبع و ثلاثين و مائة
فأول ما فعل أن قتل أبا مسلم الخراساني صاحب دعوتهم و ممهد مملكتهم
و في سنة ثمان و ثلاثين و مائة كان دخول عبد الرحمن بن
معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي إلى الأندلس و استولى عليها و امتدت
أيامه و بقيت الأندلس في يد أولاده إلى بعد الأربعمائة و كان عبد الرحمن هذا من
أهل العلم و العدل و أمه بربرية
قال أبو المظفر الأبيوردي : فكانوا يقولون : ملك الدنيا
ابنا بربريتين : المنصور و عبد الرحمن بن معاوية
و في سنة أربعين شرع في بناء مدينة بغداد
و في سنة إحدى و أربعين كان ظهور الراوندية القائلين
بالتناسخ فقتلهم المنصور و فيها فتحت طبرستان
قال الذهبي : في سنة ثلاث و أربعين شرع علماء الإسلام في
هذا العصر في تدوين الحديث و الفقه و التفسير فصنف ابن جريج بمكة و مالك الموطأ
بالمدينة و الأوزاعي بالشام و ابن أبي عروبة و حماد بن سلمة و غيرهما بالبصرة و
معمر باليمن و سفيان الثوري بالكوفة و صنف ابن إسحاق المغازي و صنف أبو حنيفة رحمه
الله الفقه و الرأي ثم بعد يسير صنف هشيم و الليث و ابن لهيعة ثم ابن المبارك و
أبو يوسف و ابن وهب و كثر تدوين العلم و تبويبه و دونت كتب العربية و اللغة و
التاريخ و أيام الناس و قبل هذا العصر كان الأئمة يتكلمون من حفظهم أو يروون العلم
من صحف صحيحة غير مرتبة
و في سنة خمس و أربعين كان خروج الأخوين محمد و إبراهيم
ابني عبد الله بن حسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب فظفر بهما المنصور فقتلهما و
جماعة كثيرة من آل البيت فإنا لله و إنا إليه راجعون
و كان المنصور أول من أوقع الفتنة بين العباسين و
العلويين و كانوا قبل شيئا واحدا و آذى المنصور خلقا من العلماء ممن خرج معهما أو
أمر بالخروج قتلا و ضربا و غير ذلك : منهم أبو حنيفة و عبد الحميد بن جعفر و ابن
عجلان و ممن أفتى بجواز الخروج مع محمد على المنصور مالك بن أنس رحمه الله و قيل
له : إن في أعناقنا بيعة للمنصور فقال :
إنما بايعتكم مكرهين و ليس على مكره يمين
و في سنة ست و أربعين كانت غزوة قبرس
و في سنة سبع و أربعين خلع المنصور عمه عيسى بن موسى من
ولاية العهد و كان السفاح عهد إليه من بعد المنصور و كان عيسى هو الذي حارب له
الأخوين فظفر بهما فكافأه بأن خلعه مكرها و عهد إلى ولده المهدي
و في سنة ثمان و أربعين توطدت الممالك كلها للمنصور و
عظمت هيبته في النفوس و دانت له الأمصار و لم يبق خارجا عنه سوى جزيرة الأندلس فقط
فإنها غلب عليها عبد الرحمن بن معاوية الأموي المرواني لكنه لم يتلقب بأمير
المؤمنين بل الأمير فقط و كذلك بنوه
و في سنة تسع و أربعين فرغ من بناء بغداد
و في سنة خمسين خرجت الجيوش الخراسانية عن الطاعة مع
الأمير استاذ سيس و استولى على أكثر مدن خراسان و عظم الخطب و استفحل الشر و اشتد
على المنصور الأمر و بلغ ضريبة الجيش الخراساني ثلاثمائة ألف مقاتل ما بين فارس و
راجل فعمل معهم أجشم المروزي مصافا فقتل أجشم و استبيح عسكره فتجهز لحربهم خازم بن
خزيمة في جيش عرمرم يسد الفضاء فالتقى الجمعان و صبر الفريقان و كانت وقعة مشهورة
يقال : قتل فيها سبعون ألفا و انهزم أستاذ سيس فالتجأ إلى جبل و أمر الأمير خازم
في العام الآتي بالأسرى فضربت أعناقهم و كانوا أربعة عشر ألفا ثم حاصروا أستاذ سيس
مدة ثم سلم نفسه فقيده و أطلقوا أجناده و كان عددهم ثلاثين ألفا انتهى
و في سنة إحدى و خمسين بنى الرصافة و شيدها
و في سنة ثلاث و خمسين ألزم المنصور رعيته بلبس القلانس
الطوال فكانوا يعملونها بالقصب و الورق و يلبسونها السوداء فقال أبو دلامة :
( و كنا نرجي من إمام زيادة ... فزاد الإمام المصطفى في
القلانس )
( تراها على هام الرجال كأنها ... دنان يهود جللت
بالبرانس )
و في سنة ثمان و خمسين أمر المنصور نائب مكة بحبس سفيان
الثوري و عباد بن كثير فحبسا و تخوف الناس أن يقتلهما المنصور إذا ورد الحج فلم
يوصله الله مكة سالما بل قدم مريضا و مات و كفاهما الله شره و كانت وفاته بالبطن
في ذي الحجة و دفن بين الحجون و بين بئر ميمون و قال سلم الخاسر :
( قفل الحجيج و خلفوا ابن محمد ... رهنا بمكة في الضريح
الملحد )
( شهدوا المناسك كلها و إمامهم ... تحت الصفائح محرما لم
يشهد )
و من أخبار المنصور أخرج ابن عساكر بسنده أن أبا جعفر
المنصور كان يرحل في طلب العلم قبل الخلافة فبينا هو يدخل منزلا من المنازل قبض
عليه صاحب الرصد فقال : زن درهمين قبل أن تدخل قال : خل عني فإني رجل من بني هاشم
قال : زن درهمين فقال : خل عني فإني من بني عم رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال زن درهمين قال : خل عني فإني رجل قارىء لكتاب الله قال : زن درهمين قال : خل عني فإني رجل
عالم بالفقه و الفرائض قال : زن درهمين فلما أعياه أمره وزن الدرهمين فرجع و لزم
جمع المال و التدنق فيه حتى لقب بأبي الدوانيق
و أخرج عن الربيع بن يونس الحاجب قال : سمعت المنصور
يقول : الخلفاء أربعة : أبو بكر و عمر و عثمان و علي و الملوك أربعة : معاوية و عبد
الملك و هشام و أنا
و أخرج عن مالك بن أنس قال : دخلت على أبي جعفر المنصور
فقال : من أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قلت : أبو بكر و عمر
قال أصبت و ذلك رأي أمير المؤمنين
و أخرج عن إسماعيل الفهري قال : سمعت المنصور في يوم
عرفة على منبر عرفة يقول في خطبته
:
أيها الناس : إنما أنا سلطان الله في أرضه أسوسكم
بتوفيقه و رشده و خازنه على فيئه أقسمه بإرادته و أعطيه بإذنه و قد جعلني الله
عليه قفلا : إذا شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم و إذا شاء أن يقفلني عليه أقفلني
فارغبوا إلى الله أيها الناس و سلوه في هذا البيت الشريف الذي وهب لكم فيه من فضله
ما أعلكم في كتابه إذ يقول : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت
لكم الإسلام دينا } أن يوفقني للصواب و يسددني للرشاد و يلهمني الرأفة بكم و
الإحسان إليكم و يفتحني لإعطائكم و قسم أرزاقكم بالعدل فإنه سميع مجيب و أخرجه
الصولي و زاد في أوله أن سبب هذه الخطبة أن الناس بخلوه و زاد في آخره : فقال بعض
الناس : أحال أمير المؤمنين بالمنع على ربه
و أخرج عن الأصمعي و غيره أن المنصور صعد المنبر فقال :
الحمد لله أحمده و أستعينه و أومن به و أتوكل عليه و
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فقام : إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين
أذكر من أنت في ذكره فقال : مرحبا مرحبا لقد ذكرت جليلا و خوفت عظيما و أعوذ بالله
أن أكون ممن إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم و الموعظة منا بدت و من عندنا
خرجت و أنت يا قائلها فأحلف بالله ما أردت بها و إنما أردت أن يقال : قام فقال فعوقب
فصبر فاهون بها من قائلها و اهتبلها من الله ويلك ! إني قد غفرتها و إياكم معشر
الناس و أمثالها و أشهد أن محمدا عبده و رسوله فعاد إلى خطبته فكأنما يقرؤها من
قرطاس
و أخرج من طرق أن المنصور قال لابنه المهدي : يا أبا عبد
الله الخليفة لا يصلحه إلا التقوى و السلطان لا يصلحه إلا الطاعة و الرعية لا
يصلحها إلا العدل و أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة و أنقص الناس عقلا من
ظلم من هو دونه
و قال : لا تبر من أمرا حتى تفكر فيه فإن فكرة العاقل
مرآته تريه قبيحة و حسنه
و قال : أي بني استدم النعمة بالشكر و المقدرة بالعفو و
الطاعة بالتألف و النصر بالتواضع و الرحمة للناس
و أخرج [ عن مبارك بن فضالة قال : كنا عند المنصور فدعا
برجل و دعا بالسيف فقال المبارك : يا أمير المؤمنين سمعت الحسين يقول : قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم إذا كان يوم القيامة قام مناد من عند الله ينادي ليقم
الذين أجرهم على الله فلا يقوم إلا من عفا ] فقال المنصور : خلوا سبيله
و أخرج عن الأصمعي قال : أتى المنصور برجل يعاقبه فقال :
يا أمير المؤمنين الانتقام عدل و التجاوز فضل و نحن نعيذ أمير المؤمنين بالله أن
يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين فعفا عنه
و أخرج عن الأصمعي قال : لقي المنصور أعرابيا بالشام
فقال أحمد الله يا أعرابي الذي رفع عنكم الطاعون بولايتنا أهل البيت قال : إن الله
لا يجمع علينا حشفا و سوء كيل ولايتكم و الطاعون
و أخرج عن محمد بن منصور البغدادي قال : قام بعض الزهاد
بين يدي المنصور فقال : إن الله أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك ببعضها و اذكر
ليلة تبيت في القبر لم تبت قبلها ليلة و اذكر ليلة تمخض عن يوم لا ليلة بعده فأفحم
المنصور و أمر له بمال فقال : لو احتجت إلى مالك ما وعظتك
و أخرج عن عبد السلام بن حرب أن المنصور بعث إلى عمرو بن
عبيد فجاءه فأمر له بمال فأبى أن يقبله فقال المنصور : و الله لتقبلنه فقال : و
الله لا أقبله فقال له المهدي : قد حلف أمير المؤمنين فقال : أمير المؤمنين أقوى
على كفارة اليمين من عمك فقال له المنصور : سل حاجتك ؟ قال : أسألك أن لا تدعوني حتى آتيك و لا
تعطني حتى أسألك فقال : علمت أني جعلت هذا ولي عهدي فقال يأتيه الأمر يوم يأتيه و
أنت مشغول
و أخرج عن عبد الله بن صالح قال : كتب المنصور إلى سوار
بن عبد الله قاضي البصرة : انظر التي تخاصم فيها فلان القائد و فلان التاجر
فادفعها إلى القائد فكتب إليه سوار : إن البينة قد قامت عندي أنها للتاجر فلست
أخرجها من يده إلا ببينة فكتب إليه المنصور : و الله الذي لا إله إلا هو لتدفعنها
إلى القائد فكتب إليه سوار : و الله الذي لا إله إلا هو لا أخرجتها من يد التاجر
إلا بحق فلما جاءه الكتاب قال : ملأتها و الله عدلا و صار قضاتي تردني إلى الحق
و أخرج من وجه آخر أن المنصور وشي إليه بسوار فاستقدمه
فعطس المنصور فلم يشمته سوار فقال ما يمنعك من التشميت ؟ قال : لأنك لم تحمد الله
فقال قد حمدت الله في نفسي قال شمتك في نفسي قال : ارجع إلى عملك فإنك إذا لم
تحابني لم تحاب غيري
و أخرج عن نمير المدني قال : قدم المنصور المدينة و محمد
بن عمران الطلحي على قضائه و أنا كاتبه فاستعدى الجمالون على المنصور في شيء
فأمرني أن أكتب إليه بالحضور و إنصافهم فاستعفيت فلم يعفني فكتبت الكتاب ثم ختمته
و قال : و الله لا يمضي به غيرك فمضيت به إلى الربيع فدخل عليه ثم خرج فقال للناس
إن أمير المؤمنين يقول لكم : إني قد دعيت إلى مجلس الحكم فلا يقومن معي أحد ثم جاء
هو و الربيع فلم يقم له القاضي بل حل رداءه و اختبى به ثم دعا بالخصوم فادعوا فقضى
لهم على الخليفة فلما فرغ قال له المنصور : جزاك الله عن دينك أحسن الجزاء قد أمرت
لك بعشرة آلاف دينار
و أخرج عن محمد بن حفص العجلي قال : ولد لأبي دلامة ابنة
فغدا على المنصور فأخبره و أنشد
:
( لو كان يقعد فوق الشمس من كرم ... قوم لقيل : اقعدوا
يا آل عباس )
( ثم ارتقوا في شعاع الشمس كلكم ... إلى السماء فأنتم
أكرم الناس )
ثم أخرج أبو دلامة خريطة فقال المنصور : ما هذه ؟ قال
أجعل فيها ما تأمر لي به فقال : املؤوها له دراهم فوسعت ألفي درهم
و أخرج عن محمد بن سلام الجمحي قال : قيل للمنصور هل من
بقي من لذات الدنيا شيء لم تنله ؟ قال : بقيت خصلة أن أقعد في مصطبة و حولي أصحاب
الحديث يقول المستملي : من ذكرت رحمك الله فغدا عليه الندماء و أبناء الوزراء
بالمحابر و الدفاتر فقال لستم بهم إنما هم الدنسة ثيابهم المشققة أرجلهم الطويلة
شعورهم برد الآفاق و نقلة الحديث
و أخرج عن عبد الصمد بن علي أنه قال للمنصور : لقد هجمت
بالعقوبة حتى كأنك لم تسمع بالعفو قال
: لأن بني مروان لم تبل رممهم و آل أبي طالب لم تغمد
سيوفهم و نحن بين قوم قد رأونا أمس سوقة و اليوم خلفاء فليس تتمهد هيبتنا في
صدورهم إلا بنسيان العفو و استعمال العقوبة
و أخرج عن يونس بن حبيب قال : كتب زياد بن عبد الله
الحارثي إلى المنصور يسأله الزيادة في عطائه و أرزاقه و أبلغ في كتابه فوقع
المنصور في القصة : إن الغنى و البلاغة إذا اجتمعتا في رجل أبطرتاه و أمير
المؤمنين يشفق عليك من ذلك فاكتف بالبلاغة
و أخرج عن محمد بن سلام قال : رأت جارية المنصور قميصه
مرقوعا فقالت : خليفة و قميصه مرقوع فقال : ويحك ! أما سمعت قول ابن هرمة :
( قد يدرك الشرف الفتى و رادؤه ... خلق و جيب قميصه
مرقوع )
و قال العسكري في الأوائل : كان المنصور في ولد العباس
كعبد الملك في بني أمية في بخله رأى بعضهم عليه قميصا مرقوعا فقال : سبحان من
ابتلى أبا جعفر بالفقر في ملكه ! و حدا به سلم الحادي فطرب حتى كاد يسقط من
الراحلة فأجازه بنصف درهم فقال : لقد حدوت بهشام فأجازني بعشرة آلاف فقال : ما كان
له أن يعطيك ذلك من بيت المال يا ربيع و كل به من يقبضها منه فما زالوا به حتى
تركه على أن يحدو به ذهابا و إيابا بغير شيء
و في كتاب الأوائل للعسكري : كان ابن هرمة شديد الرغبة
في الخمر فدخل على المنصور فأنشده
:
( له لحظات من خفا في سريرة ... إذا كرها فيها عقاب و
نائل )
( فأم الذي أمنت آمنة الردى ... و أم الذي حاولت بالثكل
ثاكل )
فأعجب به المنصور و قال : ما حاجتك ؟ قال : تكتب إلى
عاملك بالمدينة أن لا يحدني إذا وجدني سكران فقال : لا أعطل حدا من حدود الله قال
: تحتال لي فكتب إلى عامله : من أتاك بابن هرمة سكران فاجلده مائة و اجلد ابن هرمة
ثمانين
فكان العون إذا مر به و هو سكران يقول : من يشتري مائة
بثمانين ؟ و يتركه و يمضي قال : و أعطاه المنصور في هذه المرة عشرة آلاف درهم و
قال له : يا إبراهيم احتفظ بها فليس لك عندنا مثلها فقال : إني ألقاك على الصراط
بها بختمة الجهبذ
و من شعر المنصور و شعره قليل :
( إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ... فإن فساد الرأي أن
تترددا )
( و لا تهمل العداء يوما بقدرة ... و بادرهم أن يملكوا
مثلها غدا )
و قال عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي : كنت أطلب
العلم مع أبي جعفر المنصور قبل الخلافة فأدخلني منزله فقدم إلي طعاما لا لحم فيه
ثم قال : يا جارية عندك حلواء ؟ قالت : لا قال : و لا التمر ؟ قالت : لا فاستلقى و
قرأ { عسى ربكم أن يهلك عدوكم } الآية فلما ولي الخلافة وفدت إليه فقال : كيف
سلطاني من سلطان بني أمية ؟ قلت : ما رأيت في سلطانهم من الجور شيئا إلا رأيته في
سلطانك فقال : إنا لا نجد الأعوان قلت : قال عمر بن عبد العزيز : إن السلطان
بمنزلة السوق يجلب إليها ما ينفق فيها فإن كان برا أتوه ببرهم و إن كان فاجرا أتوه
بفجورهم فأطرق
و من كلام المنصور : الملوك تحتمل كل شيء إلا ثلاثة خلال
: إفشاء السر و التعرض للحرم و القدح في الملك أسنده الصولي
و قال : إذا مد عدوك إليك يده فاقطعها إن أمكنك و إلا
فقبلها أسنده أيضا
و أخرج الصولي عن يعقوب بن جعفر قال : مما يؤثر من ذكاء
المنصور انه دخل المدينة فقال للربيع : اطلب لي رجلا يعرفني دور الناس فجاءه رجل
فجعل يعرفه الدور إلا انه لا يبتدئ به حتى يسأله المنصور فلما فارقه أمر له بألف
درهم فطالب الرجل الربيع بها فقال : ما قال لي شيئا و سيركب فذكره فركب مرة أخرى
فجعل يعرفه و لا يرى موضعا للكلام فلما أراد أن يفارقه قال الرجل مبتدئا : وهذه يا
أمير المؤمنين دار عاتكة التي يقول فيها الأحوص :
( يا بيت عاتكة الذي أتعزل ... حذر العدى و بك الفؤاد
موكل )
فأنكر المنصور ابتداءه فأمر القصيدة على قلبه فإذا فيها :
( و أراك تفعل ما تقول و بعضهم ... مذق اللسان يقول ما
لا يفعل )
فضحك و قال : و يلك يا ربيع ! أعطه ألف درهم
و أسند الصولي عن إسحاق الموصلي قال : لم يكن المنصور
يظهر لندمائه بشرب ولا غناء بل يجلس و بينه و بين الندماء ستارة و بينهم و بينها
عشرون ذراعا و بينهما و بينه كذلك و أول من ظهر للندماء من خلفاء بني العباس
المهدي
و أخرج الصولي عن يعقوب بن جعفر قال : قال المنصور لقثم
بن العباس بن عبد الله بن العباس و كان عامله على اليمامة و البحرين : ما القثم ؟
و من أي شيء أخذ ؟ فقال : لا أدري فقال : اسمك اسم هاشمي لا تعرفه أنت و الله جاهل
قال : فإن رأى أمير المؤمنين أن يفيدنيه قال : القثم الذي ينزل بعد الأكل و يقثم
الأشياء : يأخذها و يثلمها
روي أن المنصور ألح عليه ذباب فطلب مقاتل بن سليمان فسأله
لم خلق الله الذباب ؟ قال : ليذل به الجبارين و قال محمد بن علي الخراساني :
المنصور أول خليفة قرب المنجمين و عمل بأحكام النجوم و أول خليفة ترجمت له الكتب
السريانية و الأعجمية بالعربية ككتاب كليلة ودمنة و إقليدس و هو أول من استعمل
مواليه على الأعمال و قدمهم على العرب و كثر ذلك بعده حتى زالت رئاسة العرب و
قيادتها و هو أول من أوقع الفرقة بين ولد العباس و ولد علي و كان قبل ذلك أمرهم
واحدا
أحاديث من رواية المنصور
قال الصولي : كان المنصور أعلم الناس بالحديث و الأنساب
مشهورا بطلبه
قال ابن عساكر في تاريخ دمشق : حدثنا أبو بكر محمد بن
عبد الباقي حدثنا أبو محمد الجوهري حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن الشخير
حدثنا أحمد بن إسحاق أبو بكر الملحمي حدثنا أبو عقيل أنس بن سلم الأنطرطوشي حدثني
محمد بن إبراهيم السلمي عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم [ كان يتختم في يمينه ]
و قال الصولي : [ حدثنا محمد بن زكريا اللؤلؤي حدثنا
جهنم بن السباق الرياحي حدثني بشر بن المفضل سمعت الرشيد يقول : سمعت المهدي يقول
: سمعت المنصور يقول : حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا و من تأخر عنها هلك ]
و قال الصولي : [ حدثنا محمد بن موسى حدثنا سليمان بن
أبي شيخ حدثنا أبو سفيان الحميري سمعت المهدي يقول : حدثني أبي عن أبيه عن علي بن
عبد الله بن عباس عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا أمرنا
أميرا و فرضنا له فرضا فما أصاب من شيء فهو غلول ]
و قال الصولي : [ حدثنا جبلة بن محمد حدثنا أبي عن يحيى
بن حمزة الحضرمي عن أبيه قال : ولاني المهدي القضاء فقال : اصلب في الحكم فإن أبي
حدثني عن أبيه عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم : يقول الله : و عزتي و جلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله و آجله و لأنتقمن
ممن رأى مظلوما يقدر أن ينصره فلم يفعل ] و قال الصولي : [ حدثنا محمد بن العباس
ابن الفرج حدثني أبي عن الأصعمي حدثني جعفر بن سليمان عن المنصور عن أبيه عن جده
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : كل سبب و نسب ينقطع يوم القيامة
إلا سببي و نسبي ] و قال الصولي : حدثنا أبو إسحاق محمد بن هرون بن عيسى حدثنا
الحسن بن عبيد الله الحصيبي حدثنا إبراهيم بن سعيد حدثني المأمون عن الرشيد عن
المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول :
لا تسافروا في محاق الشهر و لا إذا كان القمر في العقرب
مات في أيام المنصور من الأعلام : ابن المقفع و سهيل بن
أبي صالح و العلاء بن عبد الرحمن و خالد بن يزيد المصري الفقيه و داود بن أبي هند
و أبو حازم سلمة بن دينار الأعرج و عطاء بن أبي مسلم الخراساني و يونس بن عبيد و
سليمان الأحول و موسى بن عقبة صاحب المغازي و عمرو بن عبيد المعتزلي و يحيى بن
سعيد الأنصاري و الكلبي و أبو إسحاق و جعفر بن محمد الصادق و الأعمش و شبل بن عباد
مقرئ مكة و محمد بن عجلان المعدني الفقيه و محمد ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى و ابن
جريج و أبو حنيفة و حجاج بن أرطأة و حماد الراوية و رؤبة الشاعر و الجريري و
سليمان التميمي و عاصم الأحول و ابن شبرمة الضبي و مقاتل بن حبان و مقاتل بن
سليمان و هاشم بن عروة و أبو عمرو بن العلاء و أشعب الطماع و حمزة بن حبيب الزيات
و الأوزاعي و خلائق آخرون
المهدي محمد بن أبي جعفر المنصور 158هـ ـ 169ه
المهدي : أبو عبد الله محمد بن المنصور ولد بأيذج سنة
سبع و عشرين و مائة و قيل : سنة ست و عشرين و أمه أم موسى بنت منصور الحميرية
و كان جوادا ممدحا مليح الشكل محببا إلى الرعية حسن
الاعتقاد تتبع الزنادقة و أفنى منهم خلقا كثيرا و هو أول من أمر بتصنيف كتب الجدل
في الرد على الزنادقة و الملحدين روى الحديث عن أبيه و عن مبارك بن فضالة حدث عنه
يحيى بن حمزة و جعفر بن سليمان الضبعي و محمد بن عبد الله الرقاشي و أبو سفيان
سعيد بن يحيى الحميري قال الذهبي : و ما علمت قيل فيه جرحا و لا تعديلا
و أخرج ابن عدي من حديث عثمان مرفوعا [ المهدي من ولد
العباس عمي ] تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم و كان يضع الحديث و أورد
الذهبي هنا حديث ابن مسعود مرفوعا : [ المهدي يواطىء اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي
] أخرجه أبو داود و الترمذي و صححه
و لما شب المهدي أمره أبوه على طبرستان و ما والاها و
تأدب و جالس العلماء و تميز ثم إن أباه عهد إليه فلما مات بويع بالخلافة و وصل
الخبر إليه ببغداد فخطب الناس فقال : إن أمير المؤمنين عبد دعي فأجاب و أمر فأطاع
و اغرورقت عيناه فقال : قد بكى رسول الله صلى الله عليه و سلم عند فراق الأحبة و
لقد فارقت عظيما و قلدت جسيما فعند الله أحتسب أمير المؤمنين و به أستعين على
خلافة المسلمين أيها الناس أسروا مثل ما تعلنون من طاعتنا نهبكم العافية و تحمدوا
العاقبة و اخفضوا جناح الطاعة لمن نشر معدلته فيكم و طوى الإصر عنكم و أهال عليكم
السلامة من حيث رآه الله مقدما ذلك و الله لأفنين عمري بين عقوبتكم و الإحسان
إليكم
قال نفطويه : لما حصلت الخزائن في يد المهدي أخذ في رد
المظالم فأخرج أكثر الذخائر ففرقها و بر أهله و مواليه
و قال غيره : أول من هنأ المهدي بالخلافة و عزاه بأبيه
أبو دلامة فقال :
( عيناي واحدة ترى مسرورة ... بأميرها جذلى و أخرى تذرف )
( تبكي و تضحك تارة و يسوءها ... ما أنكرت و يسرها ما
تعرف )
( فيسوءها موت الخليفة محرما ... و يسرها أن قام هذا
الأرأف )
( ما إن رأيت كما رأيت و لا أرى ... شعرا أسرحه و آخر
ينتف )
( هلك الخليفة يا لدين محمد ... و أتاكم من بعده من يخلف )
( أهدى لهذا الله فضل خلافة ... و لذاك جنات النعيم
تزخرف )
و في سنة تسع و خمسين بايع المهدي بولاية العهد لموسى
الهادي ثم من بعده لهارون الرشيد ولديه
و في سنة ستين فتحت أربد من الهند عنوة و فيها حج المهدي
فأنهى إليه حجبة الكعبة أنهم يخافون هدمها لكثرة ما عليها من الأستار فأمر بها
فجردت و اقتصر على كسوة المهدي و حمل إلى المهدي الثلج إلى مكة قال الذهبي : لم
يتهيأ ذلك لملك قط
و في سنة إحدى و ستين أمر المهدي بعمارة طريق مكة و بنى
بها قصورا و عمل البرك و أمر بترك المقاصير التي في جوامع الإسلام و قصر المنابر و
صيرها على مقدار منبر رسول الله صلى الله عليه و سلم
و في سنة ثلاث و ستين و ما بعدها كثرت الفتوح بالروم
و في سنة ست و ستين تحول المهدي إلى قصره المسمى
بعيساباذ و أمر فأقيم له البريد من المدينة النبوية و من اليمن و مكة إلى الحضرة
بغالا و إبلا
قال الذهبي : و هو أول من عمل البريد من الحجاز إلى
العراق
و فيها و فيما بعدها جد المهدي في تتبع الزنادقة و
إبادتهم و البحث عنهم في الأفاق و القتل على التهمة
و في سنة سبع و ستين أمر بالزيادة الكبرى في المسجد
الحرام و أدخل في ذلك دورا كثيرة
و في سنة تسع و ستين مات المهدي : ساق خلف صيد فاقتحم
الصيد خربة و تبعه الفرس فدق ظهره في بابها فمات لوقته و ذلك لثمان بقين من المحرم
و قيل : إنه مات مسموما و قال سلم الخاسر يرثيه :
( و باكية على المهدي عبرى ... كأن بها و ما جنت جنونا )
( و قد خمشت محاسنها و أبدت ... غدائرها و أظهرت القرونا )
( لئن بلي الخليفة بعد عز ... لقد أبقى مساعي ما بلينا )
( سلام الله عدة كل يوم ... على المهدي حين ثوى رهينا )
( تركنا الدين و الدنيا جميعا ... بحيث ثوى أمير
المؤمنينا )
و من أخبار المهدي : قال الصولي : لما عقد المهدي العهد
لولده موسى قال مروان بن أبي حفصة
:
( عقدت لموسى بالرصافة بيعة ... شد الإله بها عرى
الإسلام )
( موسى الذي عرفت قريش فضله ... و لها فضيلتها على
الأقوام )
( بمحمد بعد النبي محمد ... حي الحلال و مات كل حرام )
( مهدي أمته الذي أمست به ... للذل آمنة و للآعلام )
( موسى ولي عهد الخلافة بعده ... جفت بذاك مواقع الأقلام )
و قال آخر
:
( يا بن الخليفة إن أمة أحمد ... تاقت إليك بطاعة
أهواؤها )
( و لتملأن الأرض عدلا كالذي ... كانت تحدث أمة علماؤها )
( حتى تمنى لو ترى أمواتها ... من عدل حكمك ما ترى
أحياؤها )
( فعلى أبيك اليوم بهجة ملكها ... و غدا عليك إزارها و
رداؤها )
و أسند الصولي أن امرأة اعترضت المهدي فقالت : يا عصبة
رسول الله صلى الله عليه و سلم انظر في حاجتي فقال المهدي : ما سمعتها من أحد قط !
اقضوا حاجتها و أعطوها عشرة آلاف درهم
و قال قريش الختلي : رفع صالح بن عبد القدوس البصري إلى
المهدي في الزندقة فأراد قتله فقال : أتوب إلى الله و أنشده لنفسه :
( ما يبلغ الأعداء من جاهل ... مما يبلغ الجاهل من نفسه )
( و الشيخ لا يترك أخلاقه ... حتى يوارى في ثرى رمسه )
فصرفه فلما قرب من الخروج رده فقال : ألم تقل و الشيخ لا
يترك أخلاقه ؟ قال : بلى قال : فكذلك أنت لا تدع أخلاقك حتى تموت ثم أمر بقتله
و قال زهير : قدم على المهدي بعشرة محدثين : منهم فرج بن
فضالة و غياث بن إبراهيم ـ و كان المهدي يحب الحمام ـ فلما أدخل غياث قيل له : حدث
أمير المؤمنين فحدثه عن فلان عن أبي هريرة مرفوعا [ لا سبق إلا في حافر أو نصل ] و زاد فيه [ أو
جناح ] فأمر له المهدي بعشرة آلاف درهم فلما قام قال : أشهد أن قفاك قفا كذاب و إنما استجلبت
ذلك ثم أمر بالحمام فذبحت
و روي أن شريكا دخل على المهدي فقال له : لابد من ثلاث :
إما أن تلي القضاء أو تؤدب ولدي و تحدثهم أو تأكل عندي أكلة ؟ ففكر ساعة ثم قال :
الأكلة أخف علي فأمر المهدي بعمل ألوان من المخ المعقود بالسكر و غير ذلك فأكل
فقال الطباخ : لا يفلح بعدها قال فحدثهم بعد ذلك و علمهم العلم و ولي القضاء لهم
و أخرج البغوي في الجعديات عن حمدان الأصبهاني قال : كنت
عند شريك فأتاه ابن المهدي فاستند و سأل عن حديث فلم يلتفت شريك ثم أعاد فعاد فقال : كأنك تستخف
بأولاد الخلفاء قال : لا و لكن العلم أزيد عند أهله من أن يضيعوه فجثا على ركبتيه
ثم سأله فقال شريك : هكذا يطلب العلم و من شعر المهدي ما أنشده الصولي :
( ما يكف الناس عنا ... ما يمل الناس منا )
( إنما همتهم أن ... ينبشوا ما قد دفنا )
( لو سكنا بطن أرض ... فلكانوا حيث كنا )
( و هم إن كاشفونا ... في الهوى يوما مجنا )
و أسند الصولي عن محمد بن عمارة قال : كان المهدي جارية
شغف بها و هي كذلك إلا أنها تتحاماه كثيرا فدس إليها من عرف ما في نفسها فقالت :
أخاف أن يملني و يدعني فأموت فقال المهدي في ذلك :
( ظفرت بالقلب مني ... غادة مثل الهلال )
( كلما صح لها ود ... ي جاءت باعتلال )
( لا لحب الهجر مني ... و التنائي عن وصال )
( بل لإبقاء على ح ... بي لها خوف الملال )
و له نديمة عمر بن بزيع :
( رب تمم لي نعمي ... بأبي حفص نديمي )
( إنما لذة عيشي ... في غناء و كروم )
( و جوار عطرات ... و سماع و نعيم )
قلت : شعر المهدي أرق و ألطف من شعر أبيه و أولاده بكثير
و أسند الصولي عن ابن كريمة قال : دخل المهدي إلى حجرة
جارية على غفلة فوجدها و قد نزعت ثيابها و أرادت لبس غيرها فلما رأته غطت بيدها
فقصرت كفها عنه فضحك و قال :
( نظرت في القصر عيني ... نظرة وافق حيني )
ثم خرج فرأى بشارا فأخبره و قال : أجز فقال بشار :
( سترته إذا رأتني ... دونه بالراحتين )
( فبدا لي منه فضل ... تحت طي العكنتين )
و أسند عن إسحاق الموصلي قال : كان المهدي في أول أمره
يحتجب عن الندماء تشبها بالمنصور نحوا من سنة ثم ظهر لهم فأشير عليه أن يحتجب فقال
إنما اللذة مع مشاهدتهم
و أسند عن مهدي بن سابق قال : صاح رجل بالمهدي و هو في
موكبه :
( قل للخليفة : حاتم لك خائن ... فخف الإله و أعفنا من
حاتم )
( إن العفيف إذا استعان بخائن ... كان العفيف شريكه في
المأثم )
فقال المهدي : يعزل كل عامل لنا يدعى حاتما
و أسند أبي عبيدة قال : كان المهدي يصلي بنا الصلوات
الخمس في المسجد الجامع بالبصرة لما قدمها فأقيمت الصلاة يوما فقال أعرابي : ليست
طهر و قد رغبت في الصلاة خلفك فأمر هؤلاء بانتظاري فقال : انتظروه و دخل المحراب
فوقف إلى أن قيل : قد جاء الرجل فكبر فعجب الناس من سماحة أخلاقه
و أسند عن إبراهيم بن نافع أن قوما من أهل البصرة
تنازعوا إليه في نهر من أنهار البصرة فقال : إن الأرض لله في أيدينا للمسلمين فما
لم يقع له ابتياع منها يعود ثمنه على كافتهم و في مصلحتهم فلا سبيل لأحد عليه فقال
القوم : هذا النهر لنا بحكم رسول الله صلى الله عليه و سلم لأنه قال : [ من أحيا
أرضا ميتة فهي له ] و هذه موات فوثب المهدي عند ذكر النبي صلى الله عليه و سلم حتى
ألصق خده بالتراب و قال : سمعت لما قال وأطعت ثم عاد و قال : بقي أن تكون هذه
الأرض مواتا حتى لا أعرض فيها و كيف تكون مواتا و الماء محيط بها من جوانبها ؟ فإن
أقاموا البينة على هذا سلمت
و أسند عن الأصمعي قال : سمعت المهدي على منبر البصرة
يقول : إن الله أمركم بأمر بدأفيه بنفسه و ثنى بملائكته فقال : { إن الله وملائكته
يصلون على النبي } آثره بها من بين الرسل إذا خصكم بها من بين الأمم
قلت : و هو أول من قال ذلك في الخطبة و قد استسنها
الخطباء إلى اليوم
و لما مات قال أبو العتاهية و قد علقت المسوح على قباب
حرمه :
( رحن في الموشى و أصبحن ... عليهن المسوح )
( كل نطاح من الدهر ... له يوم نطوح )
( لست بالباقي و لو عم ... رت ما عمر نوح )
( نح على نفسك يا مس ... كين إن كنت تنوح )
ذكر أحاديث من رواية المهدي
قال الصولي : حدثني أحمد بن محمد بن صالح التمار حدثنا
يحيى بن محمد القريشي حدثنا أحمد بن هشام حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن مسلم المدائني
ـ و هو ثقة صدوق ـ قال : سمعت المهدي يخطب فقال : حدثنا شعبة [ عن علي بن زيد بن
أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم خطبة من
العصر إلى مغيربان الشمس حفظها من حفظها و نسيها من نسيها فقال : ألا إن الدنيا
حلوة خضرة ] الحديث بطوله
و قال الصولي : حدثنا إسحاق بن إبراهيم القزاز حدثنا
إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد حدثني أبو يعقوب بن حفص الخطابي سمعت المهدي
يقول : حدثني أبي عن أبيه [ عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه أن وفدا من العجم
قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ و قد أحفوا لحاهم و أعفوا شواربهم ـ
فقال النبي صلى الله عليه و سلم : خالفوهم أعفوا لحاكم و أحفوا شواربكم ] و إخفاء
الشارب أخذ ما سقط على الشفة منه و وضع المهدي يده على أعلى شفته
و قال : منصور بن مزاحم و محمد بن يحيى بن حمزة عن يحيى
بن حمزة قال : صلى بنا المهدي المغرب فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم فقلت : يا أمير
المؤمنين ما هذا ؟
قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن إسحاق أن النبي صلى الله
عليه و سلم جهر ببسم الله الرحمن الرحيم فقلت للمهدي : نأثره عنك ؟ قال : نعم
قال الذهبي
: هذا إسناد متصل لكن ما علمت أحدا احتج بالمهدي و لا
بأبيه في الأحكام تفرد به محمد بن الوليد مولى بن هاشم و قال ابن عدي : كان يضع
الحديث
قلت : لم ينفرد به بل وجدت له متابعا
مات في أيام المهدي من الأعلام : شعبة و ابن أبي ذئب و
سفيان الثوري و إبراهيم بن أدهم الزاهد و داود الطائي الزاهد و بشار بن برد أول
شعراء المحدثين و حماد بن سلمة و إبراهيم بن طهمان و الخليل بن أحمد صاحب العروض
الهادي موسى بن المهدي بن المنصور 169 هـ ـ 170 ه
الهادي : أبو محمد موسى بن المهدي بن المنصور و أمه أم
ولد بربرية اسمها الخيزران ولد بالري سنة سبع و أربعين و مائة و بويع بالخلافة بعد
أبيه بعهد منه
قال الخطيب : و لم يل الخلافة قبله أحد في سنة فأقام
فيها سنة و أشهرا و كان أبوه أوصاه يقتل الزنادقة فجد في أمرهم و قتل منهم خلقا
كثيرا و كان يسمى موسى أطبق لأن شفته العليا كانت تقلص فكان أبوه وكل به في صغره
خادما كلما رآه مفتوح الفم قال : موسى أطبق فيفيق على نفسه و يضم شفتيه فشهر بذلك
قال الذهبي : و كان يتناول المسكر و يلعب و يركب حمارا
فارها و لا يقيم أبهة الخلافة و كان مع ذلك فصيحا قادرا على الكلام أديبا تعلوه
هيبة و له سطوة و شهامة
و قال غيره : كان جبارا و هو أول من مشت الرجال بين يديه
بالسيوف المرهفة و الأعمدة و القسي الموترة فاتبعه عماله به في ذلك و كثر السلاح
في عصره
مات في ربيع الأخر سنة سبعين و مائة و اختلف في سبب موته
فقيل : إنه دفع نديما له من جرف على أصول قصب قد قطع فتعلق النديم به فوقع فدخلت
قصبة في منخره فماتا جميعا و قيل : أصابته قرحة في جوفه و قيل : سمته أمه خيزران
لما عزم على قتل الرشيد ليعهد إلى ولده و قيل : كانت أمه حاكمة مستبدة بالأمور
الكبار و كانت المواكب تغدو إلى بابها فزجرهم عن ذلك و كلهما بكلام وقح و قال :
لئن وقف ببابك أمير لأضربن عنقه ! أما لك مغزل يشغلك أو مصحف يذكرك أو سبحة ؟
فقامت ما تعقل من الغضب فقيل : إنه بعث إليها بطعام مسموم فأطعمت منه كلبا فانتثر
فعملت على قتله لما وعك بأن غموا وجهه ببساط جلسوا على جوانبه و خلف سبعة بنين
و من شعر الهادي في أخيه هارون لما امتنع من خلع نفسه :
( نصحت لهارون فرد نصحتي ... و كل امرئ لا يقبل النصح
نادم )
( و أدعوه للأمر المؤلف بيننا ... فيبعد عنه و هو في ذاك
ظالم )
( و لولا انتظاري منه يوما إلى غد ... لعاد إلى ما قلته
و هو راغم )
و من أخبار الهادي : أخرج الخطيب عن الفضل قال : غضب
الهادي على رجل فكلم فيه فرضي فذهب يعتذر فقال له الهادي : إن الرضا قد كفاك مؤنة
الاعتذار
و أخرج عن عبد الله بن مصعب قال : دخل مروان بن أبي حفصة
على الهادي فأنشده مديحا له حتى إذا بلغ قوله :
( تشابه يوما بأسه و نواله ... فما أحد يدري لأيهما
الفضل )
فقال له الهادي : أيما أحب إليك ثلاثون ألف معجلة أو
مائة ألف تدور في الديوان ؟ قال : تعجل الثلاثون ألفا و تدور المائة ألفا قال : بل
تعجلان لك جميعا فحمل له ذلك
و قال الصولي : لا تعرف امرأة ولدت خليفتين إلا الخيزران
أم الهادي و الرشيد و ولادة بنت العباس العبسية زوج عبد الملك بن مروان ولدت
الوليد و سليمان و شاهفرند بنت فيروز بن يزدجرد بن كسرى ولدت للوليد بن عبد الملك
يزيد الناقص و إبراهيم و وليا الخلافة قلت : يزاد على ذلك باي خاتون سرية المتوكل
الأخير ولدت العباس و حمزة و وليا لاخلافة و كزل سريته أيضا ولدت داود و سليمان و
ولياها
ثم قال الصولي : لا يعرف خليفة ركب البريد إلا الهادي من
جرجان إلى بغداد
قال : و كان نقش خاتمه [ الله ثقة موسى وبه يؤمن ]
قال الصولي : و لسلم الخاسر في الهادي بمدحه :
( موسى المطر ... غيث بكر )
( ثم انهمر ... ألوى المرر )
( كم اعتسر ... و كم قدر )
( ثم غفر ... عدل السير )
( باقي الأثر ... خير و شر )
( نفع و ضر ... خير البشر )
( فرع مضر ... بدر بدر )
( لمن نظر ... هو الوزر )
( لمن حضر و المف ... تخر لمن غبر )
قال : و هذا على جزء جزء مستفعلن مستفعلن و هو أول من
عمله و لم نسمع من قبله شعرا على جزء جزء
و أسند الصولي عن سعيد بن سلم قال : إني لأرجو أن يغفر
الله للهادي بشيء رأيته منه : حضرته يوما و أبو الخطاب السعدي ينشده قصيدة في مدحه
إلى أن قال :
( يا خير من عقدت كفاه حجزته ... و خير من قلدته أمرها
مضر )
فقال له الهادي : إلا من ويلك ؟ قال سعيد : و لم يكن
استثنى في شعره فقلت : يا أمير المؤمنين إنما يعني من أهل هذا الزمان ففكر الشاعر
فقال :
( إلا النبي رسول الله ... إن له فضلا و أنت بذالك الفضل
تفتخر )
فقال : الآن أصبت و أحسنت و أمر له بخمسين ألف درهم
و قال المدائني : عزى الهادي رجلا في ابن له فقال : سرك
و هو فتنة و بلية و يحزنك و هو ثواب و رحمة
و قال الصولي : قال سلم الخاسر في الهادي جامعا بين
العزاء و الهناء :
( لقد قام موسى بالخلافة و الهدى ... و مات أمير
المؤمنين محمد )
( فمات الذي غم البرية فقده ... و قام الذي يكفيك من
يتفقد )
و قال مروان بن أبي حفصة كذلك :
( لقد أصبحت تختال في كل بلدة ... بقبر أمير المؤمنين
المقابر )
( و لو لم تسكن بابنه بعد موته ... لما برحت تبكي عليه
المنابر )
( و لو لم يقم موسى عليها لرجعت ... حنينا كم حن الصفايا
العشائر )
حديث من رواية الهادي
قال الصولي : حدثني محمد بن زكريا هو الغلابي حدثني محمد
بن عبد الرحمن المكي حدثنا قسورة بن السكن الفهري حدثنا المطلب بن عكاشة المري قال : قدمنا على
الهادي شهودا على رجل شتم قريشا و تخطى إلى ذكر النبي صلى الله عليه و سلم فجلس
لنا مجلسا أحضر فيه فقهاء زمانه و أحضر الرجل فشهدنا عليه فتغير وجه الهادي ثم نكس
رأسه ثم رفعه فقال : سمعت أبي المهدي يحدث عن أبيه المنصور عن أبيه محمد عن أبيه
علي عن أبيه عبد الله بن عباس قال : من أراد هوان قريش أهانه الله و أنت يا عدو
الله لم ترض بأن أردت ذلك من قريش حتى تخطيت إلى ذكر النبي صلى الله عليه و سلم
اضربوا عنقه أخرجه الخطيب من طريق الصولي و الحديث هكذا في هذه الرواية موقوف و قد
ورد مرفوعا من وجه آخر
مات في أيام الهادي من الأعلام : نافع قارئ أهل المدينة
و غيره
الرشيد هارون بن المهدي بن المنصور 170هـ ـ 193 ه
الرشيد : هارون أبو جعفر بن المهدي محمد بن المنصور عبد
الله بن محمد علي بن عبد الله بن العباس استخلف بعهده من أبيه عند موت أخيه الهادي
ليلة السبت لأربع عشرة بقيت من ربيع الأول سنة سبعين و مائة
قال الصولي
: هذه الليلة ولد له فيها عبد الله المأمون و لم يكن في
سائر الزمان ليلة مات فيها خليفة و قام خليفة و ولد خليفة إلا هذه الليلة و كان
يكنى أبا موسى فتكنى بأبي جعفر حدث عن أبيه و جده و مبارك بن فضالة و روى عنه ابنه
المأمون و غيره و كان من أميز الخلفاء و أجل ملوك الدنيا و كان كثير الغزو و الحج
كما قال فيه أبو المعالي الكلابي
:
( فمن يطلب لقاءك أو يرده ... فبالحرمين أو أقصى الثغور )
( ففي أرض العدو على طمر ... و في أرض الترفه فوق كور )
مولده بالري ـ حين كان أبوه أميرا عليها و على خراسان ـ
و في سنة ثمان و أربعين و مائة
و أمه أم ولد تسمى الخيزران و هي أم الهادي و فيها يقول
مروان بن أبي حفصة :
( يا خيزران هناك ثم هناك ... أمسى يسوس العالمين ابناك )
و كان أبيض طويلا جميلا مليحا فصيحا له نظر في العلم و
الأدب
و كان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات لا
يتركها إلا لعلة و يتصدق من صلب ماله يوم بألف درهم
و كان يحب العلم و أهله و يعظم حرمات الإسلام و يبغض
المراء في الدين و الكلام في معارضة النص
و بلغه عن بشر المريسي القول بخلق القرآن فقال لئن ظفرت
به لأضربن عنقه
و كان يبكي على نفسه و على إسرافه و ذنوبه سيما إذا وعظ
و كان يحب المديح و يجيز عليه الأموال الجزيلة و له شعر
دخل عليه مرة ابن السماك الواعظ فبالغ في احترامه فقال
له ابن السماك : تواضعك في شرفك أشرف من شرفك ثم وعظه فأبكاه
و كان يأتي بنفسه إلى بيت الفضيل بن عياض
قال عبد الرزاق : كنت مع الفضل بمكة فمر هارون فقال فضيل
: الناس يكرهون هذا و ما في الأرض أعز علي منه لو مات لرأيت أمورا عظاما
قال أبو معاوية الضرير : ما ذكرت النبي صلى الله عليه و
سلم بين يدي الرشيد إلا قال : صلى الله على سيدي و حدثته بحديثه صلى الله عليه و
سلم [ و وددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل ثم أحيى فأقتل ] فبكى حتى انتحب
و حدثته يوما حديث [ احتج آدم و موسى ] و عنده رجل من
وجوه قريش فقال القريشي : فأين لقيه ؟ فغضب الرشيد و قال : النطع و السيف زنديق
يطعن في حديث النبي صلى الله عليه و سلم
قال أبو معاوية : فما زلت أسكنه أقول : يا أمير المؤمنين
كانت منه نادرة حتى سكن
و عن أبي معاوية أيضا قال : أكلت مع الرشيد يوما ثم صب
على يدي رجل لا أعرفه ثم قال الرشيد : تدري من يصب عليك ؟ قلت : لا قال : أنا
إجلالا للعلم
و قال المنصور بن عمار : ما رأيت أغزر دمعا عند الذكر من
ثلاثة : الفضيل بن عياض و الرشيد و آخر
و قال عبيد الله القواريري : لما لقي الرشيد الفضيل قال
له : يا حسن الوجه أنت المسؤول عن هذه الأمة حدثنا ليث عن مجاهد { وتقطعت بهم
الأسباب } قال : الوصلة التي كانت بينهم في الدنيا فجعل هارون يبكي و يشهق
و من محاسنه أنه لما بلغه موت ابن المبارك جلس للعزاء و
أمر الأعيان أن يعزوه في ابن المبارك
قال نفطويه : كان الرشيد يقتفي آثار جده أبي جعفر إلا في
الحرص فإنه لم ير خليفة قبله أعطى منه : أعطى مرة سفيان بن عيينة مائة ألف و أجاز
إسحاق الموصلي مرة بمائتي ألف و أجاز مروان بن أبي حفصة مرة على قصيدة خمسة آلاف
دينار و خلعة و فرسا من مراكبه و عشرة من رقيق الروم
و قال الأصمعي : قال لي الرشيد : يا أصمعي ما أغفلك عنا
و أجفاك لنا ! قلت : و الله يا أمير المؤمنين ما لاقتني بلاد بعدك حتى أتيتك فسكت
فلما تفرق الناس قال : ما لاقتني ؟ قلت
:
( كفاك كف ما تليق درهما ... جوادا و أخرى تعطي بالسيف
الدما )
فقال : أحسنت و هكذا فكن و قرنا في الملا و علمنا في
الخلا و أمر لي بخمسة آلاف دينار
و في مروج المسعودي قال : رام الرشيد أن يوصل ما بين بحر
الروم و بحر القزم مما يلي الفرما فقال له يحيى بن خالد البرمكي : كان يختطف الروم
الناس من المسجد الحرام و تدخل مراكبهم إلى الحجاز فتركه
و قال الجاحظ : اجتمع للرشيد ما لم يجتمع لغيره :
وزراؤه البرامكة و قاضيه أبو يوسف رحمه الله و شاعره مروان بن أبي حفصة و نديمه
العباس بن محمد عم أبيه و حاجبه الفضل بن الربيع أنبه الناس و أعظمهم و مغنيه
إبراهيم الموصلي و زوجته زبيدة
و قال غيره : كانت أيام الرشيد كلها خير كأنها من حسنها
أعراس
و قال الذهبي : أخبار الرشيد يطول شرحها و محاسنه جمة و
له أخبار في اللهو و اللذات المحظورة و الغناء سامحه الله
مات في أيامه من الأعلام : مالك بن أنس و الليث بن سعد و
أبو يوسف صاحب أبي حنيفة و القاسم بن معن و مسلم بن خالد الزنجي و نوح الجامع و
الحافظ أبو عوانة اليشكري و إبراهيم بن سعد الزهري و أبو اسحاق الفزاري و إبراهيم
بن أبي يحيى شيخ الشافعي و أسد الكوفي من كبار أصحاب أبي حنيفة و إسماعيل بن عياش
و بشر بن المفضل و جرير بن عبد الحميد و زياد البكائي و سليم المقرئ صاحب حمزة و
سيبويه إمام العربية و ضيغم الزاهد و عبد الله العمري الزاهد و عبد الله بن
المبارك و عبد الله بن إدريس الكوفي و عبد العزيز بن أبي حازم و الدراوردي و
الكسائي شيخ القراء و النحاة و محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة ـ كلاهما في يوم و
علي بن مسهر و غنجار و عيسى بن يوسف السبعي و الفضيل بن عياض و ابن السماك الواعظ
و مروان بن أبي حفصة الشاعر و المعافى بن عمران الموصلي و معتمر بن سليمان و
المفضل بن فضالة قاضي مصر و موسى بن ربيعة أبو الحكم المصري أحد الأولياء و
النعمان بن عبد السلام الأصبهاني و هشيم و يحيى بن أبي زائدة و يزيد بن زريع و
يونس بن حبيب النحوي و يعقوب بن عبد الرحمن قارئ المدينة و صعصة بن سلام عالم
الأندلس أحد أصحاب مالك و عبد الرحمن بن القاسم أكبر أصحاب مالك و العباس بن
الأحنف الشاعر المشهور و أبو بكر بن عياش المقري و يوسف بن الماجشون و خلائق آخرون
كبار
و من الحوادث في أيامه : في سنة خمس و سبعين افترى عبد
الله بن مصعب الزبيري على يحيى بن عبد الله بن حسن العلوي أنه طلب إليه أن يخرج
معه على الرشيد فباهله يحيى بحضرة الرشيد و شبك يده في يده و قال قل : اللهم إن
كنت تعلم أن يحيى لم يدعني إلى الخلافة و الخروج على أمير المؤمنين هذا فكلني إلى
حولي و قوتي و اسحتني بعذاب من عندك آمين رب العالمين فتلجلج الزبيري و قالها ثم
قال يحيى مثل ذلك و قاما فمات الزبيري ليومه
و في سنة ست و سبعين فتحت مدينة دبسة على يد الأمير عبد
الرحمن بن عبد الملك ابن صالح العباسي
و في سنة تسع و سبعين اعتمر الرشيد في رمضان و دام على
إحرامه إلى أن حج و مشى من مكة إلى عرفات
و في سنة ثمانين كانت الزلزلة العظمى سقط منها رأس منارة
الإسكندرية
و في سنة إحدى و ثمانين فتح حصن الصفصاف عنوة و هو
الفاتح له
و في سنة ثلاث و ثمانين خرج الخزر على أرمينية فأوقعوا
بأهل الإسلام و سفكوا و سبوا أزيد من مائة ألف نسمة و جرى على الإسلام أمر عظيم لم
يسمع قبله مثله
و في سنة سبع و ثمانين أتاه كتاب من ملك الروم [ نقفور ] بنقص الهدنة
التي كانت عقدت بين المسلمين و بين الملكة [ ريني ] ملكة الروم
و صورة الكتاب : من [ نقفور ] ملك الروم إلى [ هارون ]
ملك العرب : أما بعد : فإن الملكة التي قبلي كانت أقامتك مقام الرخ و أقامت نفسها مقام
البيذق فحملت إليك من أموالها أحمالا و ذلك لضعف النساء و حمقهن فإذا قرأت كتابي
فأردد ما حصل قبلك من أموالها و إلا فالسيف بيننا و بينك فلما قرأ الرشيد الكتاب
استشاط غضبا حتى لم يتمكن أحد أن ينظر إلى وجهه دون أن يخاطبه و تفرق جلساؤه من
الخوف و استعجم الرأي على الوزير فدعا الرشيد بدواة و كتب على ظهر كتابه :
[ بسم الله الرحمن الرحيم من هارون أمير المؤمنين إلى
نقفور كلب الروم قد قرأت كتابك ياابن الكافرة و الجواب ما تراه لا ما تسمعه ]
ثم سار ليومه فلم يزل حتى نازل مدينة هرقل و كانت غزوة
مشهورة و فتحا مبينا فطلب نقفور الموادعة و التزم بخراج يحمله كل سنة فأجيب فلما
رجع الرشيد إلى الرقة نقض الكلب العهد لإياسه من كره الرشيد في البرد فلم يجترئ
أحد أن يبلغ الرشيد نقضه بل قال عبد الله بن يوسف التيمي :
( نقض الذي أعطيته نقفور ... فعليه دائرة البوار تدور )
( أبشر أمير المؤمنين فإنه ... غنم أتاك به الإله كبير )
و قال أبو العتاهية أبياتا و عرضت على الرشيد فقال :
أوقد فعلها ؟ فكر راجعا في مشقة شديدة حتى أناخ بفنائه فلم يبرح حتى بلغ مراده و
حاز جهاده
و في ذلك يقول أبو العتاهية :
( ألا نادت هرقلة بالخراب ... من الملك الموفق للصواب )
( غدا هارون يرعد بالمنايا ... و يبرق بالمذكرة القضاب )
( و رايات يحل النصر فيها ... تمر كأنها قطع السحاب )
و في سنة تسع و ثمانين فادى الروم حتى لم يبق بممالكهم
في الأسر مسلم
و في سنة تسعين فتح هرقلة و بث جيوشه بأرض الروم فافتتح
شراحيل بن معن بن زائدة حصن الصقالبة و افتتح يزيد بن مخلد ملقونية و سار حميد بن
معيوف إلى قبرس فهدم و حرق و سبى من أهلها ستة عشر ألفا
و في سنة اثنتين و تسعين توجه الرشيد نحو خراسان فذكر
محمد بن الصباح الطبري أن أباه شيع الرشيد إلى النهروان فجعل يحادثه في الطريق إلى
أن قال : يا صباح لا أحسبك تراني بعدها فقلت : بل يردك الله سالما ثم قال : و لا
أحسبك تدري ما أجد فقلت : لا و الله فقال : تعال حتى أريك و انحرف عن الطريق و أومأ إلى
الخواص فتنحوا ثم قال : أمانة الله يا صباح أن تكتم علي و كشف عن بطنه فإذا عصابة
حرير حوالي بطنه فقال : هذه علة أكتمها الناس كلهم و لكل واحد من ولدي علي رقيب
فمسرور رقيب المأمون و جبريل بن بختيشوع رقيب الأمين و نسيت الثالث ما منهم أحد
إلا و يحصي أنفاسي و يعد أيامي و يستطيل دهري فإن أردت أن تعرف ذلك فالساعة أدعو
ببرذون فيجيئون به أعجف ليزيد في علتي ثم دعا ببرذون فجاؤوا به كما وصف فنظر إلي
ثم ركبه وودعني و سار إلى جرجان ثم رحل منها في صفر سنة ثلاث و تسعين و هو عليل
إلى طوس فلم يزل بها إلى أن مات
و كان الرشيد بايع بولاية العهد لابنه محمد في سنة خمس و
سبعين و لقبه الأمين و له يومئذ خمس سنين لحرص أمه زبيدة على ذلك قال الذهبي :
فكان هذا أول وهن جرى في دولة الإسلام من حيث الإمامة ثم بايع لابنه عبد الله من
بعد الأمين في سنة اثنتين و ثمانين و لقبه المأمون و ولاه ممالك خراسان بأسرها ثم
بايع لابنه القاسم من بعد الأخوين في سنة ست و ثمانين و لقبه المؤتمن و ولاه
الجزيرة و الثغور و هو صبي فلما قسم الدنيا من هؤلاء الثلاثة قال بعض العقلاء :
لقد ألقى بأسهم بينهم و غائلة ذلك تضر بالرعية و قالت الشعراء في البيعة المدائح
ثم إنه علق نسخة البيعة في البيت العتيق و في ذلك يقول إبراهيم الموصلي :
( خير الأمور مغبة ... و أحق أمر بالتمام )
( أمر قضى أحكامه ال ... رحمن في البيت الحرام )
و قال عبد الملك بن صالح في ذلك :
( حب الخليفة حب لا يدين له ... عاصي الإله و شار يلقح
الفتنا )
( الله قلد هارونا سياسته ... لما اصطفاه فأحيا الدين و
السننا )
( و قلد الأرض هارون لرأفته ... بنا أمينا و مأمونا و
مؤتمنا )
قال بعضهم : و قد زوى الرشيد الخلافة عن ولده المعتصم
لكونه أميا فساقها الله إليه و جعل الخلفاء بعده كلهم من ذريته و لم يجعل من نسل
غيره من أولاد الرشيد خليفة و قال سلم الخاسر في العهد للأمين :
( قل للمنازل بالكثيب الأعفر ... أسقيت غادية السحاب
الممطر )
( قد بايع الثقلان مهدي الهدى ... لمحمد بن زبيدة ابنة
جعفر )
( قد وفق الله الخليفة إذ بنى ... بيت الخلافة للهجان
الأزهر )
( فهو الخليفة عن أبيه و جده ... شهدا عليه بمنظر و
بمخبر )
فحشت زبيدة فاه جوهرا باعه بعشرين ألف دينار
فصل في نبذ من أخبار الرشيد عفا الله عنه
أخرج السلفي في الطيوريات بسنده عن ابن المبارك قال :
لما أفضت الخلافة إلى الرشيد وقعت في نفسه جارية من جواري المهدي فراودها عن نفسها
فقالت : لا أصلح لك إن أباك قد طاف بي فشغف بها فأرسل إلى أبي يوسف فسأله : أعندك
في هذا شيء ؟ فقال : يا أمير المؤمنين أو كلما ادعت أمة شيئا ينبغي أن تصدق لا
تصدقها فإنها ليست بمأمونة قال ابن المبارك : فلم أدر ممن أعجب : من هذا الذي قد
وضع يده في دماء المسلمين و أموالهم يتحرج عن حرمة أبيه أو من هذه الأمة التي رغبت
بنفسها عن أمير المؤمنين أو من هذا فقيه الأرض و قاضيها ! قال : اهتك حرمة أبيك و
اقض شهوتك و صيره في رقبتي
و أخرج أيضا عن عبد الله بن يوسف قال : قال الرشيد لأبي
يوسف : إني اشتريت جارية و أريد أن أطأها الآن قبل الاستبراء فهل عندك حيلة ؟ قال
: نعم تهبها لبعض ولدك ثم تتزوجها
و أخرج عن ابن إسحاق بن راهوية قال : دعا الرشيد أبا
يوسف ليلا فأفتاه فأمر له بمائة ألف درهم فقال أبو يوسف : إن رأى أمير المؤمنين
أمر بتعجيلها قبل الصبح فقال : عجلوها فقال بعض من عنده : إن الخازن في بيته و
الأبواب مغلقة فقال أبو يوسف : فقد كانت الأبواب مغلقة حين دعاني ففتحت
و أسند الصولي [ عن يعقوب بن جعفر قال : خرج الرشيد في
السنة التي ولي الخلافة فيها حتى غزا أطراف الروم و انصرف في شعبان فحج بالناس آخر
السنة و فرق بالحرمين مالا كثيرا و كان رأى النبي صلى الله عليه و سلم في النوم
فقال له : إن هذا الأمر صائر إليك في هذا الشهر فاغز و حج و وسع على أهل الحرمين ]
ففعل هذا كله و أسند عن معاوية بن صالح عن أبيه قال : أول شعر قاله الرشيد أنه حج سنة ولي
الخلافة فدخل دارا فإذا في صدر بيت منها بيت شعر قد كتب على حائط :
( ألا يا أمير المؤمنين أما ترى ... فديتك هجران الحبيب
كبيرا )
فدعا بدواة و كتب تحته بخطه :
( بلى و الهدايا المشعرات و ما مشى ... بمكة مرفوع الأظل
حسيرا )
و أخرج عن سعيد بن مسلم قال : كان فهم الرشيد فهم
العلماء أنشده العماني في صفة فرس
:
( كأن أذنيه إذا تشوفا ... قادمة أو قلما محرفا )
فقال الرشيد : دع كأن و قل : تخال أذنيه حتى يستوي الشعر
و أخرج عن عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع قال :
حلف الرشيد أن لا يدخل إلى جارية له أياما و كان يحبها فمضت الأيام و لم تسترضه
فقال :
( صد عني إذ رآني مفتتن ... و أطال الصبر لما أن فطن )
( كان مملوكي فأضحى مالكي ... إن هذا من أعاجيب الزمن )
ثم أحضر أبو العتاهية فقال : أجزهما فقال :
( عزة الحب أرته ذلتي ... في هواه و له وجه حسن )
( فلهذا صرت مملوكا له ... و لهذا شاع ما بي و علن )
و أخرج ابن عساكر عن ابن علية قال : أخذ هارون الرشيد
زنديقا فأمر بضرب عنقه فقال له الزنديق : لم تضرب عنقي ؟ قال له : أريح العباد منك
قال : فأين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله صلى الله عليه و سلم كلها ما
فيها حرف نطق به ؟ قال فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري و عبد الله بن
المبارك ينخلانها فيخرجانها حرفا حرفا ؟
و أخرج الصولي عن ابن إسحاق الهاشمي قال : كنا عند
الرشيد فقال : بلغني أن العامة يظنون في بغض علي بن أبي طالب و و الله ما أحب أحدا
حبي له و لكن هؤلاء أشد الناس بغضا لنا و طعنا علينا و سعيا في فساد ملكنا بعد
أخذنا بثأرهم و مساهمتنا إياهم ما حويناه حتى إنهم لأميل إلى بني أمية منهم إلينا
فأما ولده لصلبه فهم سادة الأهل و السابقون إلى الفضل و لقد حدثني [ أبي المهدي عن
أبيه المنصور عن محمد بن علي عن أبيه ابن عباس أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم
يقول في الحسن و الحسين : من أحبهما فقد أحبني و من أبغضهما فقد أبغضني ] وسمعه
يقول : [ فاطمة سيدة نساء العالمين غير مريم ابنة عمران و آسية بنت مزاحم ]
روي أن ابن السماك دخل على الرشيد يوما فاستقى فأتى بكوز
فلما أخذه قال : على رسلك يا أمير المؤمنين لو منعت هذه الشربة بكم كنت تشتريها ؟
قال : بنصف ملكي قال : اشرب هنأك الله تعالى قال : أسألك لو منعت خروجها من بدنك
بماذا كنت تشتري خروجها ؟ قال : بجميع ملكي قال : إن ملكا قيمته شربة ماء و بولة
لجدير أن لا ينافس فيه فبكى هارون بكاء شديدا
و قال ابن الجوزي قال الرشيد لشيبان : عظني قال : لأن
تصحب من يخوفك حتى يدركك الأمن خير لك من أن تصحب من يؤمنك حتى يدركك الخوف فقال
الرشيد : فسر لي هذا قال : من يقول لك : أنت مسؤول عن الرعية فاتق الله أنصح لك ممن يقول
: أنتم أهل بيت مغفور لكم و أنتم قرابة نبيكم صلى الله عليه و سلم فبكى الرشيد حتى
رحمه من حوله و في كتاب الأوراق للصولي بسنده : لما ولي الرشيد الخلافة و استوزر
يحيى بن خالد قال إبراهيم الموصلي
:
( ألم تر أن الشمس كانت مريضة ... فلما أتى هارون أشرق
نورها )
( تلبست الدنيا جمالا بملكه ... فهارون واليها و يحيى
وزيرها )
فأعطاه مائة ألف درهم و أعطاه يحيى خمسين ألفا
و لداود بن رزين الواسطي فيه :
( بهارون لاح النور في كل بلدة ... و قام به في عدل
سيرته النهج )
( إمام بذات الله أصبح شغله ... فأكثر ما يعنى به الغزو
و الحج )
( تضيق عيون الخلق عن نور وجهه ... إذا ما بدا للناس
منظره البلج )
( تفسحت الآمال في جود كفه ... فأعطى الذي يرجوه فوق
الذي يرجو )
و قال القاضي الفاضل في بعض رسائله : ما أعلم أن لملك
رحلة قط في طلب العلم إلا للرشيد فإنه رحل بولديه الأمين و المأمون لسماع الموطأ
على مالك رحمه الله قال : و كان أصل الموطأ بسماع الرشيد في خزانة المصريين قال :
ثم رحل لسماعه السلطان صلاح الدين بن أيوب إلى الإسكندرية فسمعه على ابن طاهر بن
عوف و لا أعلم لهما ثالثا
و لمنصور النمري فيه :
( جعل القران إمامه و دليله ... لما تخيره القران ذماما )
و له فيه من قصيدة :
( إن المكارم و المعروف أودية ... أحلك الله منها حيث
تجتمع )
و يقال : إنه أجازه عليها بمائة ألف
و قال الحسين بن فهم : كان الرشيد يقول : من أحب ما مدحت
به إلي :
( أبو أمين و مأمون و مؤتمن ... أكرم به والدا برا و ما
ولدا )
و قال إسحاق الموصلي : دخلت على الرشيد فأنشدته :
( و آمرة بالبخل قلت لها : اقصري ... فذلك شيء ما إليه
سبيل )
( أرى الناس خلان الجواد و لا أرى ... بخيلا له في
العالمين خليل )
( و إني رأيت البخل يزري بأهله ... فأكرمت نفسي أن يقال
: بخيل )
( و من خير حالات الفتى لو علمته ... إذا نال شيئا أن
يكون ينيل )
( عطائي عطاء المكثرين تكرما ... و مالي كما قد تعلمين
قليل )
( و كيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... و رأي أمير
المؤمنين جميل )
فقال : لا كيف إن شاء الله يا فضل أعطه مائة ألف درهم
لله در أبيات يأتينا بها ! ما أجود أصولها و أحسن فصولها ! فقلت : يا أمير
المؤمنين كلامك أحسن من شعري فقال : يا فضل أعطه مائة ألف أخرى
و في الطوريات بسنده إلى إسحاق الموصلي قال أبو العتاهية
لأبي نواس : البيت الذي مدحت به الرشيد لوددت أني كنت سبقتك به إليه :
( قد كنت خفتك ثم آمنني ... من أن أخافك خوفك الله )
و قال محمد بن علي الخراساني : الرشيد أول خليفة لعب
بالصوالجة و الكرة و رمى النشاب في البرجاس و أول خليفة لعب بالشطرنج من بني
العباس
و قال الصولي : هو أول من جعل للمغنين مراتب و طبقات
و من شعر الرشيد يرثي جاريته هيلانة أورده الصولي :
( قاسيت أوجاعا و أخزانا ... لما استخص الموت هيلانا )
( فارقت عيشي حين فارقتها ... فما أبالي كيف ما كانا )
( كانت هي الدنيا فلما ثوت ... في قبرها فارقت دنيانا )
( قد كثر الناس و لكنني ... لست أرى بعدك إنسانا )
( و الله لا أنساك ما حركت ... ريح بأعلى نجد أغصانا )
و له أيضا أنشده الصولي :
( يا ربة المنزل بالفرك ... و ربة السلطان و الملك )
( ترفقي بالله في قتلنا ... لسنا من الديلم و الترك )
مات الرشيد في الغزو بطوس من خراسان و دفن بها في ثالث
جمادى الآخرة سنة ثلاث و تسعين و مائة و له خمس و أربعون سنة و صلى عليه ابنه صالح
قال الصولي : خلف الرشيد مائة ألف ألف دينار و من الأثاث
و الجوهر و الورق و الدواب ما قيمته مائة ألف ألف دينار و خمسة و عشرون ألف دينار
و قال غيره : غلط جبريل بن بختيشوع على الرشيد في علته
في علاج عالجه به كان سبب منيته فهم أن يفصل أعضاءه فقال : انظرني إلى غد فإنك
تصبح في عافية فمات ذلك اليوم
و قيل : إن الرشيد رأى مناما أنه يموت بطوس فبكى و قال : احفروا لي قبرا
فحفر له ثم حمل في قبة على جمل و سيق به حتى نظر إلى القبر فقال : ياابن آدم تصير
إلى هذا ؟ و أمر قوما فنزلوا فختموا فيه ختمة و هو في محفة على شفير القبر و لما
مات بويع لولده الأمين في المعسكر ـ و هو حينئذ ببغداد ـ فأتاه الخبر فصلى بالناس
الجمعة و خطب و نعى الرشيد إلى الناس و بايعوه و أخذ رجاء الخادم البرد و القضيب و
الخاتم و سار على البريد في اثني عشر يوما من مرو حتى قدم بغداد في نصف جمادى
الآخرة فدفع ذلك إلى الأمين و لأبي الشيص يرثي الرشيد :
( غربت في الشرق شمس ... فلها عيني تدمع )
( ما رأينا قط شمسا ... غربت من حيث تطلع )
و قال أبو نواس جامعا بين العزاء و الهناء :
( جرت جوار بالسعد و النحس ... فنحن في مأتم و في عرس )
( القلب يبكي و العين ضاحكة ... فنحن في وحشة و في أنس )
( يضحكنا القائم الأمين و يب ... كينا وفاة الإمام
بالأمس )
( بدران بدر أضحى ببغداد في ال ... خلد و بدر بطوس في
الرمس )
و مما رواه الرشيد من الحديث قال الصولي : [ حدثنا عبد
الرحمن بن خلف حدثني جدي الحصين بن سليمان الضبي سمعت الرشيد يخطب فقال في خطبته :
حدثني مبارك بن فضالة عن الحسن عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
اتقوا النار و لو بشق تمرة ] حدثني محمد بن علي [ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن
علي بن أبي طالب قال النبي صلى الله عليه و سلم نظفوا أفواهكم فإنها طريق القرآن ]
الأمين محمد بن هارون الرشيد 193هـ ـ 198ه
الأمين : محمد أبو عبد الله بن الرشيد كان ولي عهد أبيه
فولي الخلافة بعده و كان من أحسن الشباب صورة أبيض طويلا جميلا ذا قوة مفرطة و بطش
و شجاعة معروفة يقال : إنه قتل مرة أسدا بيده و له فصاحة و بلاغة و أدب و فضيلة
لكن كان سيء التدبير كثير التبذير ضعيف الرأي أرعن لا يصلح للإمارة فأول ما بويع
بالخلافة أمر ثاني يوم ببناء ميدان جوار قصر المنصور للعب بالكرة ثم في سنة أربع و
تسعين عزل أخاه القاسم عما كان الرشيد ولاه و وقعت الوحشة بينه و بين أخيه المأمون
و قيل إنه الفضل بن الربيع علم أن الخلافة إذا أفضت إلى المأمون لم يبق عليه فأغر
الأمين به و حثه على خلعه و أن يولي العهد لأبنه موسى و لم بلغ المأمون عزل أخيه
القاسم قطع البريد عن الأمين و أسقط اسمه من الطرز و الضرب ثم أمن الأمين أرسل
إليه يطلب منه أن يقدم موسى على نفسه و يذكر أنه قد سماه الناطق بالحق فرد المأمون
ذلك و أباه و خامر الرسول معه و بايعه بالخلافة سرا ثم كان يكتب إليه بالأخبار و
يناصحه من العراق و لما رجع و أخبر الأمين بامتناع المأمون أسقط اسمه من ولاية
العهد و طلب الكتاب الذي كتبه الرشيد و جعله بالكعبة فأحضره و مزقه وقويت الوحشة و
نصح الأمين أولو الرأي و قال له خزيمة بن خازم : يا أمير المؤمنين لن ينصحك من
كذبك و لن يغشك من صدقك لا تجرئ القواد على الخلع فيخلعوك و لا تحملهم على نكث
العهد فينكثوا ببيعتك و عهدك فإن الغادر مغلول و الناكث مخذول فلم ينتصح و أخذ
يستميل القواد بالعطاء و بايع بولاية العهد لابنه موسى و لقبه الناطق بالحق و هو
إذ ذاك طفل رضيع فقال بعض الشعراء في ذلك :
( أضاع الخلافة غش الوزير ... و فسق الأمير و جهل المشير )
( لواط الخليفة أعجوبة ... و أعجب منه حلق الوزير )
( فهذا يدوس و هذا يداس ... كذاك لعمري خلاف الأمور )
( فلو يستعفان هذا بذاك ... لكانا بعرضة أمر ستير )
( و أعجب من ذا و ذا أننا ... نبايع للطفل فينا الصغير )
( و من ليس يحسن غسل استه ... و لم يخل من بوله حجر ظير )
( و ما ذاك إلا بفضل و بكر ... يريدان طمس الكتاب المنير )
( و ما ذان لولا انقلاب الزما ... ن في العير هذان أو في
النفير )
و لما تيقن المأمون خلعه تسمى بإمام المؤمنين و كوتب
بذلك و ولي الأمين علي بن عيسى بن ماهان بلاد الجبال همذان و نهاوند و قم و أصبهان
في سنة خمس و تسعين فخرج علي بن عيسى من بغداد في نصف جمادى الآخر و معه الجيش
لقتال المأمون في أربعين ألفا في هيئة لم ير مثلها و أخذ معه قيد فضة ليقيد به
المأمون بزعمه فأرسل المأمون لقتاله طاهر بن الحسين في أقل من أربعة آلاف فكانت
الغلبة له و ذبح علي و هزم جيشه و حملت رأسه إلى المأمون فطيف بها في خراسان و سلم
على المأمون بالخلافة و جاء الخبر الأمين و هو يتصيد السمك فقال للذي أخبره : ويلك
! دعني فإن كوثرا صاد سمكتين و أنا ما صدت شيئا بعد و قال عبد الله بن صالح الجرمي
: لما قتل أرجف الناس ببغداد إرجافا شديدا و ندم الأمين على خلعه أخاه وطمع
الأمراء فيه و شغبوا جندهم لطلب الأرزاق من الأمين و استمر القتال بينه و بين أخيه
و بقي أمر الأمين كل يوم في الإدبار لا نهماكه في اللعب و الجهل و أمر المأمون في
ازدياد إلى أن بايعه أهل الحرمين و أكثر البلاد بالعراق و فسد الحال على الأمين
جدا و تلف أمر العسكر و نفذت خزائنه و ساءت أحوال الناس بسبب ذلك و عظم الشر و كثر
الخراب و الهدم من القتال و رمي المجانيق و النفط حتى درست محاسن بغداد و عملت
فيها المراثي و من جملة ما قيل في بغداد :
( بكيت دما على بغداد لما ... فقدت غضارة العيش الأنيق )
( أصابتها من الحساد عين ... فأفنت أهلها بالمنجنيق )
و دام حصار بغداد خمسة عشر شهرا و لحق غالب العباسيين و
أركان الدولة بجند المأمون و لم يبق مع الأمين يقاتل عنه إلا غوغاء بغداد و
الحرافشة إلى أن استهلت سنة ثمان و تسعين فدخل طاهر بن الحسين بغداد بالسيف قصرا
فخرج الأمين بأمه و أهله من القصر إلى مدينة المنصور و تفرق عامة جنده و غلمانه و
قل عليهم القوت و الماء
قال محمد بن راشد : أخبرني إبراهيم بن المهدي أنه كان مع
الأمين بمدينة المنصور قال : فطلبني ليلة فقال : ما ترى طيب هذه الليلة و حسن
القمر و ضوءه في الماء ؟ فهل لك في الشراب ؟ قلت : شأنك فشربنا ثم دعا بجارية
اسمها ضعف فتطيرت من اسمها فأمرها أن تغني فغنت بشعر النابغة الجعدي :
( كليب لعمري كان أكثر ناصرا ... و أيسر ذنبا منك ضرج
بالدم )
فتطير بذلك و قال : غني غير هذا فغنت :
( أبكى فراقهم عيني فأرقها ... إن التفرق للأحباب بكاء )
( ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم ... حتى تفانوا و ريب
الدهر عداء )
( فاليوم أبكيهم جهدي و أندبهم ... حتى أؤوب و ما في
مقلتي ماء )
فقال لها : لعنك الله ! ما تعرفين غير هذا ؟ فقالت :
ظننت أنك تحب هذا ثم غنت :
( أما ورب السكون و الحرك ... إن المنايا كثيرة الشرك )
( ما اختلف الليل و النهار و لا ... دارت نجوم السماء في
الفك )
( إلا لنقل السلطان عن ملك ... قد زال سلطانه إلى ملك )
( و ملك ذي العرش دائم أبدا ... ليس بفان و لا بمشترك )
فقال لها : قومي لعنك الله ! فقامت فعثرت في قدح بلور له
قيمة فكسرته فقال : ويحك يا إبراهيم ! أما ترى ؟ و الله ما أظن أمري إلا قرب فقلت
: بل يطيل الله عمرك و يعز ملكك فسمعت صوتا من دجلة : { قضي الأمر الذي فيه
تستفتيان } فوثب محمد مغتما و قتل بعد ليلتين أخذ و حبس في موضع ثم أدخل عليه قوم من
العجم ليلا فضربوه بالسيف ثم ذبحوه من قفاه و ذهبوا برأسه إلى طاهر فنصبها على
حائط بستان و نودي : هذا رأس المخلوع محمد و جرت جثته بحبل ثم بعث طاهر بالرأس و
البرد و القضيب و المصلى و هو من سعف مبطن إلى المأمون و اشتد على المأمون قتل
أخيه و كان يجب أن يرسل إليه حيا ليرى فيه رأيه فحقد بذلك على طاهر بن الحسين و
أهمله نسيا منسبا إلى أن مات طريدا بعيدا و صدق قول الأمين فإنه كان كتب بخطه رقعة
إلى طاهر بن الحسين لما انتدب لحربه فيها : يا طاهر ما قام لنا منذ قمنا قائم
بحقنا فكان جزاؤه عندنا إلا السيف فانظر لنفسك أو دع : يلوح بأبي مسلم و أمثاله
الذين بذلوا نفوسهم في النصح لهم فكان مآلهم القتل منهم و لإبراهيم بن المهدي في
قتل الأمين :
( عوجا بمغنى طل داثر ... بالخلد ذات الصخر و الآجر )
( و المرمر المسنون يطلى به ... و الباب باب الذهب
الناضر )
( و أبلغا عني مقالا إلى ال ... مولى عن المأمور و الآمر )
( قولا له : با ابن ولي الهدى ... طهر بلاد الله من طاهر )
( لم يكفه أن حز أوداجه ... ذبح الهدايا بمدى الجازر )
( حتى أتى يسحب أوصاله ... في شطن هذا مدى السائر )
( قد برد الموت على جفنه ... فطرفه منكسر الناظر )
و مما قيل فيه :
( لم نبكيك ؟ لماذا ؟ للطرب ... يا أبا موسى و ترويج
اللعب )
( و لترك الخمس في أوقاتها ... حرصا منك على ماء العنب )
( و شنيف أنا لا أبكي له ... و على كوثر لا أخشى العطب )
( لم تكن تصلح للملك و لم ... تعطك الطاعة بالملك العرب )
( لم نبكيك لما عرضتنا ... للمجانيق و طورا للسلب )
و لخزيمة بن الحسن على لسان زبيدة قصيدة يقول فيها :
( أتى طاهر لا طهر الله طاهرا ... فما طاهر فيما أتى
بمطهر )
( فأخرجني مكشوفة الوجه حاسرا ... و أنهب أموالي و أخرب
أدؤري )
( يعز على هارون ما قد لقيته ... و مربي من ناقص الخلق
أعور )
( تذكر أمير المؤمنين قرابتي ... فديتك من ذي حرمة متذكر )
قال ابن جرير : لما ملك الأمين اتباع الخصيان و غالى بهم
و صيرهم لخلوته و رفض النساء و الجواري
و قال غيره : لما ملك وجه إلى البلدان في طلب الملهين و
أجرى لهم الأرزاق و اقتنى الوحش و السباع و الطيور و احتجب عن أهل بيته و أمرائه و
استخف بهم و محق ما في بيوت الأموال و ضيع الجواهر و النفائس و بنى عدة قصور للهو
في أماكن و أجاز مرة من غنى له
:
( هجرتك حتى قلت : لا يعرف القلى ... و زرتك حتى قلت :
ليس له صبر )
بملء زورقة ذهبا و عمل خمس حراقات ـ جمع حراقة : بالفتح
و التشديد ضرب من السفن فيها مرامي نيران يرمي به العدو ـ على خلقه الأسد و الفيل
و العقاب و الحية و الفرس و أنفق في عملها أموالا فقال أبو نواس :
( سخر الله للأمين مطايا ... لم تسخر لصاحب المحراب )
( فإذا ما ركابه سرن برا ... سار في الماء راكبا ليث غاب )
( أسدا باسطا ذراعيه يهوي ... أهرت الشدق كالح الأنياب )
قال الصولي : حدثنا أبو العيناء حدثنا محمد بن عمرو
الرومي قال : خرج كوثر خادم الأمين ليرى الحرب فأصابته رجمة في وجهه فجعل الأمين
يمسح الدم عن وجهه ثم قال :
( ضربوا قرة عيني ... و من أجلي ضربوه )
( أخذ الله لقلبي ... من أناس أحرقوه )
و لم يقدر على زيادة فأحضر عبد اللع بن التيمي الشاعر
فقال له : قل عليهما فقال :
( ما لمن أهوى شبيه ... فبه الدنيا تتيه )
( و صله حلو و لكن ... هجره مر كريه )
( من رأى الناس له الفض ... ل عليهم حسدوه )
( مثل ما قد حسد القا ... ئم بالملك أخوه )
فأوقر له ثلاث بغال دراهم فلما قتل الأمين جاء التيمي
إلى المأمون و امتدحه فلم يأذن له فالتجأ إلى الفضل بن سهل فأوصله إلى المأمون
فلما سلم عليه قال : هيه يا تيمي
:
( مثل ما قد حسد القا ... ئم بالملك أخوه )
فقال التيمي
:
( نصر المأمون عبد الله ... لما ظلموه )
( نقض العهد الذي قد ... كان قدما أكدوه )
( لم يعالمه أخوه ... بالذي أوصى أبوه )
فعفا عنه و أمر له بعشرة آلاف درهم
و قيل : إن سليمان بن منصور رفع إلى الأمين أن أبا نواس
هجاه فقال : يا عم أقتله بعد قوله
:
( أهدى الثناء إلى الأمين محمد ... ما بعده بتجارة متربص )
( صدق الثناء على الأمين محمد ... و من الثناء تكذب و
تخرص )
( قد ينقص البدر المنير إذا استوى ... و بهاء نور محمد
ما ينقص )
( و إذا بنو المنصور عد خصالهم ... فمحمد يا قوتها
المتخلص )
قال أحمد بن حنبل : إني لأرجو أن يرحم الله الأمين
بإنكاره على إسماعيل بن علية فإنه أدخل عليه فقال له : يا ابن الفاعلة أنت الذي
تقول : كلام الله مخلوق ؟
قال المسعودي : ما ولي الخلافة إلى و وقتنا هذا هاشمي
ابن هاشمية سوى علي بن أبي طالب و ابنه الحسن و الأمين فإن أمه زبيدة بنت جعفر بن
أبي جعفر المنصور و اسمها أمة العزيزة و زبيدة لقب لها
و قال إسحاق الموصلي : اجتمعت في الأمين خصائل لم تكن في
غيره كان أحسن الناس وجها و أسخاهم و أشرف الخلفاء أبا و أما حسن الأدب عالما
بالشعر لكن غلب عليه الهوى و اللعب و كان مع سخائه بالمال بخيلا بالطعام جدا
و قال أبو الحسن الأحمر : كنت ربما أنسيت البيت الذي
يستشهد في النحو فينشدنيه و ما رأيت في أولاد الملوك أذكى منه و من المأمون و كان
قتله في المحرم سنة ثمان و تسعين و مائة و له سبع و عشرون سنة
مات في أيامه من الأعلام : إسماعيل بن علية و غندر و شقيق البلخي
الزاهد و أبو معاوية الضرير و مؤرج السدوسي و عبد الله بن كثير المقرئ و أبو نواس
الشاعر و عبد الله بن وهب صاحب مالك و ورش المقرئ و وكيع و آخرون
و قال علي بن محمد النوفلي و غيره : لم يدع للسفاح و لا
للمنصور و لا للمهدي و لا للهادي و لا الرشيد على المنابر بأوصافهم و لا كتبت في
كتبهم حتى ولي الأمين فدعي له بالأمين على المنابر و كتب عنه : من عبد الله محمد
أمير المؤمنين و كذا قال العسكري في الأوائل أول من دعي له بلقبه على المنابر
الأمين
و من شعر الأمين يخاطب أخاه المأمون و يعيره بأمه لما
بلغ عنه أنه لما بلغه عنه أنه يعدد مثالبه و يفضل نفسه عليه أنشده الصولي :
( لا تفخرن عليك بعد بقية ... والفخر يكمل للفتى
المتكامل )
( و إذا تطاولت الرجال بفضلها ... فأربع فإنك لست
بالمتطاول )
( أعطاك ربك ما هويت و إنما ... تلقى خلاف هواك عند
مراجل )
( تعلو المنابر كل يوم آملا ... ما لست من بعدي إليه
بواصل )
( فتعيب من يعلو عليك بفضله ... و تعيد في حقي مقال
الباطا )
قلت : هذا نظم عال فإن كان له فهو أحسن من نظم أخيه و
أبيه
قال الصولي : و مما رواه جماعة له في خادمه كوثر و قد
سقاه و هو على بساط نرجس و البدر قد طلع و قد رواه بعضهم للحسين بن الضحاك الخليع
و كان نديمه لا يفارقه :
( وصف البدر حسن ... وجهك حتى خلت أني أراه لست أراكا )
( و إذا ما تنفس النرجس الغ ... ض توهمته نسيم ثناكا )
( خدع للمني تعللني في ... ك بإشراق ذا و نكهة ذاكا )
( لأقيمن ما حييت على الشكر لهذا و ذاك إذ حكياكا )
و له في خادمة أيضا :
( ما يريد الناس من ص ... ب بمن يهوى كثيب )
( كوثر ديني و دنيا ... ي و سقمي و طبيبي )
( أعجز الناس الذي يلح ... ى محبا في حبيب )
و له لما يئس من الملك و علا عليه طاهر :
( يا نفس قد حق الحذر ... أين المفر من القدر ؟ )
( كل امرئ مما يخا ... ف و يرتجيه على خطر )
( من يرتشف صفو الزما ... ن يغص يوما بالكدر )
و أسند الصولي أن الأمين قال لكتابه : اكتب [ من عبد الله
محمد أمير المؤمنين إلى طاهر بن الحسين : سلام عليك أما بعد فإن الأمر قد خرج بيني
و بين أخي إلى هتك الستور و كشف الحرم و لست آمن أن يطمع في هذا الأمر السحيق
البعيد لشتات ألفتنا و اختلاف كلمتنا و قد رضيت أن تكتب لي أمانا لأخرج إلى أخي
فإن تفضل علي فأهل لذلك و إن قتلني فمروة كسرت مروة و صمصامة قطعت صمصامة و لأن
يفترسني السبع أحب إلي أن ينبحني الكلب ] فأبى طاهر عليه
و أسند عن إسماعيل بن أبي محمد اليزيدي قال : كان أبي
يكلم الأمين و المأمون بكلام يتفصحان به و يقول : كان أولاد الخلفاء من بني أمية
يخرج بهم إلى البدو حتى يتفصحوا و أنتم أولى بالفصاحة منهم
قال الصولي : و لا نعرف للأمين رواية في الحديث إلا هذا
الحديث الواحد : حدثنا المغيرة بن محمد المهلبي قال : رأيت عند الحسين بن الضحاك
جماعة من بني هاشم فيهم بعض أولاد المتوكل فسألوه عن الأمين و أدبه فوصف الحسين
أدبا كثيرا قيل : فالفقه قال المأمون أفقه منه قيل : فالحديث قال : ما سمعت منه
حديثا إلا مرة فغنه نعي إليه غلام له مات بمكة فقال : [ حدثني أبي عن أبيه عن
المنصور عن أبيه عن علي بن عبد الله عن ابن عباس عن أبيه سمعت النبي صلى الله عليه
و سلم يقول : من مات محرما حشر ملبيا
]
قال الثعالبي في لطائف المعارف : كان أبو العيناء يقول :
لو نشرت زبيدة ضفائرها ما تعلقت إلا بخليفة أو ولي عهد فإن المنصور جدها و السفاح
أخو جدها و المهدي عمها و الرشيد زوجها و الأمين ابنها و المأمون و المعتصم ابنا
زوجها و الواثق و المتوكل ابنا ابن زوجها و أما ولاة العهود فكثيرة
و نظيرتها من بني أمية عاتكة بنت يزبد بن معاوية : يزيد
أبوها و معاوية جدها و معاوية بن يزيد أخوها و مروان بن الحكم حموها و عبد الملك
زوجها و يزيد ابنها و الوليد بن يزيد ابن ابنها و الوليد و هشام و سليمان بنو
زوجها و يزيد و إبراهيم ابنا الوليد بن عبد الملك ابنا ابن زوجها
المأمون عبد الله بن هارون الرشيد 198 هـ ـ 218ه
المأمون : عبد الله ابن العباس بن الرشيد ولد سنة سبعين
و مائة في ليلة الجمعة منتصف ربيع الأول و هي الليلة التي مات فيها الهادي و
استخلف أبوه و أمه أم ولد اسمه مراجل ماتت في نفاسها به و قرأ العلم في صغره
سمع الحديث من أبيه و هشيم و عباد بن العوام و يوسف بن
عطية و أبي معاوية الضرير و إسماعيل بن علية و حجاج الأعور و طبقتهم
و أدبه اليزيدي و جمع الفقهاء من الآفاق و برع في الفقه
و العربية و أيام الناس و لما كبر عني بالفلسفة و علوم الأوائل و مهر فيها فجره
ذلك إلى القول بخلق القرآن
روى عنه : ولد الفضل و يحيى بن أكثم و جعفر بن أبي عثمان
الطيالسي و الأمير عبد الله بن طاهر و أحمد بن الحارث الشيعي و دعبل الخزاعي و
آخرون
و كان أفضل رجال بني العباس حزما و عزما و حلما و علما و
رأيا و دهاء و هيبة و شجاعة و سؤددا و سماحة و له محاسن و سيرة طويلة لو لا ما
أتاه من محنة الناس في القول بخلق القرآن و لم يل الخلافة من بني العباس أعلم منه
و كان فصيحا مفوها و كان يقول : معاوية بعمره و عبد الملك بحجاجه و أنا بنفسي
و كان يقال : لبني العباس فاتحة و واسطة و خاتمة
فالفاتحة السفاح و الواسطة المأمون و الخاتمة المعتضد و قيل : إنه ختم في بعض
الرمضانات ثلاثا و ثلاثين ختمة و كان معروفا بالتشيع و قد حمله ذلك على خلع أخيه
المؤتمن و العهد بالخلافة إلى علي الرضى كما سنذكره
قال أبو معشر المنجم : كان المأمون أمارا بالعدل فقيه
النفس يعد من كبار العلماء
و عن الرشيد قال : إني لأعرف في عبد الله حزم المنصور و
نسك المهدي و عزة الهادي و لو أشاء أن أنسبه إلى الرابع ـ يعني نفسه ـ لنسبته و قد
قدمت محمدا عليه و إني لأعلم أنه منقاد إلى هواه مبذر لما حوته يده يشاركه في رأيه
الإماء و النساء و لو لا أم جعفر و ميل بني هاشم لقدمت عبد الله عليه
استقل المأمون بالأمر بعد قتل أخيه سنة ثمان و تسعين و
هو بخراسان و اكتنى بأبي جعفر
قال الصولي : و كانوا يحبون هذه الكنية لأنها كنية
المنصور و كان لها في نفوسهم جلالة و تفاؤل بطول عمر من كني بها كالمنصور و الرشيد
و في سنة إحدى و مائتين خلع أخاه المؤتمن من العهد و جعل
ولي العهد من بعده علي الرضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق حمله على ذلك إفراطه
في التشيع حتى قيل : إنه هم أن يخلع نفسه و يفوض الأمر إليه و هو الذي لقبه الرضى
و ضرب الدراهم باسمه و زوجه ابنته و كتب إلى الآفاق بذلك و أمر بترك السواد و لبس
الخضرة فاشتد ذلك على بني العباس جدا و خرجوا عليه و بايعوا إبراهيم بن المهدي و
لقب [ المبارك ] فجهز المأمون لقتاله و جرت أمور و حروب و سار المأمون إلى نحو
العراق فلم ينشب علي الرضى أن مات في سنة ثلاث فكتب المأمون إلى أهل بغداد يعلمهم
أنهم ما نقموا عليه إلا ببيعته لعلي و قد مات فردوا جوابه أغلظ جواب فسار المأمون
و بلغ إبراهيم بن المهدي تسلل الناس من عهده فاختفى في ذي الحجة فكانت أيامه سنتين
إلا أياما و بقي في اختفائه مدة ثمان سنين
و وصل المأمون بغداد في صفر سنة أربع فكلمه العباسيون و
غيرهم في العود إلى لبس السواد و ترك الخضرة فتوقف ثم أجاب إلى ذلك
و أسند الصولي أن بعض آل بيته قالت : إنك على بر أولاد
علي بن أبي طالب و الأمر فيك أقدر منك على برهم و الأمر فيهم فقال : إنما فعلت ما
فعلت لأن أبا بكر لما ولي لم يول أحدا من بني هاشم شيئا ثم عمر ثم عثمان كذلك ثم
ولي علي فولى عبد الله بن عباس البصرة و عبيد الله اليمن و معبدا مكة و قثم
البحرين و ما ترك أحدا منهم حتى ولاه شيئا فكانت هذه منة في أعناقنا حتى كافأته في
ولده بما فعلت
و في سنة عشر تزوج المأمون بوران بنت الحسن بن سهل و بلغ
جهازها ألوفا كثيرة و قام أبوها بخلع القواد و كلفتهم مدة سبعة عشر يوما و كتب
رقاعا فيها أسماء ضياع له و نثرها على القواد و العباسيين فمن وقعت في يده رقعة
باسم ضيعة تسلمها و نثر صينية ملئت جوهرا بين يدي المأمون عندما زفت إليه
و في سنة إحدى عشرة أمر المأمون بأن ينادي : برئت الذمة
ممن ذكر معاوية بخير و أن أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن
أبي طالب
و في سنة اثنتي عشر أظهر المأمون القول بخلق القرآن
مضافا إلى تفضيل علي على أبي بكر و عمر فاشمأزت النفوس منه و كاد البلد يفتتن و لم
يلتئم له من ذلك ما أراد فكف عنه إلى سنة ثمان عشرة
و في سنة خمس عشرة سار المأمون إلى غزو الروم ففتح حصن
قرة عنوة و حصن ماجدة ثم سار إلى دمشق ثم عاد في سنة ست عشرة إلى الروم و افتتح
عدة حصون ثم عاد إلى دمشق ثم توجه إلى مصر و دخلها فهو أول من دخلها من الخلفاء
العباسين ثم عاد في سنة سبع عشرة إلى دمشق و الروم
و في سنة ثمان عشرة امتحن الناس بالقول بخلق القرآن فكتب
إلى نائبه على بغداد إسحاق بن إبراهيم الخزاعي ابن عم طاهر بن الحسين في امتحان
العلماء كتابا يقول فيه : و قد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم و السواد الأكبر من
حشوة الرعية و سفلة العامة ممن لا نظر له و لا روية و لا استضاءة بنور العلم و
برهانه أهل جهالة بالله و عمى عنه و ضلالة عن حقيقة دينه و قصور أن يقدروا الله حق
قدره و يعرفوه كنه معرفته و يفرقوا بينه و بين خلقه و ذلك أنهم ساووا بين الله و
بين ما أنزل من القرآن فأطبقوا على أنه قديم لم يخلقه الله و يخترعه و قد قال الله
تعالى : { إنا جعلناه قرآنا عربيا } فكل ما جعله الله فقد خلقه كما قال الله تعالى
: { وجعل الظلمات والنور } و قال : { كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق } فأخبر
أنه قصص الأمور أحدثه بعدها و قال
: { أحكمت آياته ثم فصلت } و الله محكم كتابه و مفصله
فهو خالقه و مبتدعه ثم انتسبوا إلى السنة و أظهروا أنهم أهل الحق و الجماعة و أن
من سواهم أهل الباطل و الكفر فاستطالوا بذلك و غروا به الجهال حتى مال قوم من أهل
السمت الكاذب و التخشع لغير الله إلى موافقتهم فتركوا الحق إلى باطلهم و اتخذوا
دون الله وليجة إلى ضلالهم إلى أن : قال فرأى أمير المؤمنين أن أولئك شر الأمة
المنقوصون من التوحيد حظا و أوعية الجهالة و أعلام الكذب و لسان إبليس الناطق في
أوليائه و الهائل على أعدائه من أهل دين الله و أحق من يتهم في صدقه و تطرح شهادته
و لا يوثق به من عمي عن رشده و حظه من الإيمان بالله و بالتوحيد و كان عما سوى ذلك
أعمى و أضل سبيلا و لعمر أمير المؤمنين أن أكذب الناس من كذب على الله و وحيه و
تخرص الباطل و لم يعرف الله حق معرفته فأجمع من بحضرتك من القضاة فأقرأ عليهم
كتابنا و امتحنهم فيما يقولون و اكشفهم عما يعتقدون في خلقه و إحداثه و أعلمهم أني
غير مستعين في عملي ولا واثق بمن لا يوثق بدينه فإذا أقروا بذلك و وافقوا فمرهم
بنص من بحضرتهم من الشهود و مسألتهم عن علمهم في القرآن و ترك شهادة من لم يقر أنه
مخلوق و اكتب إلينا بما يأتيك عن قضاة أهل عملك في مسألتهم و الأمر لهم بمثل ذلك
و كتب المأمون إليه أيضا في إشخاص سبعة أنفس و هم : محمد
بن سعد كاتب الواقدي و يحيى بن معين و أبو خيثمة و أبو مسلم مستملي يزيد بن هارون
و إسماعيل بن داود و إسماعيل بن أبي مسعود و أحمد بن إبراهيم الدورقي فأشخصوا إليه
فامتحنهم بخلق القرآن فأجابوه فردهم من الرقة إلى بغداد و سبب طلبهم أنهم توقفوا
أولا ثم أجابوه تقية
و كتب إلى إسحاق بن إبراهيم بأن يحضر الفقهاء و مشايخ
الحديث و يخبرهم بما أجاب به هؤلاء السبعة ففعل ذلك فأجابه طائفة و امتنع آخرون
فكان يحيى بن معين و غيره يقولون : أجبنا خوفا من السيف
ثم كتب المأمون كتابا آخر من جنس الأول إلى إسحاق و أمره
بإحضار من امتنع فأحضر جماعة منهم : أحمد بن حنبل و بشر بن الوليد الكندي و أبو
حسان الزيادي و علي بن أبي مقاتل و الفضل بن غانم و عبيد الله القواريري و علي بن
الجعد و سجادة و الذيال بن الهيثم و قتيبة بن سعد و سعدوية الواسطي و إسحاق بن أبي
إسرائيل وابن الهرس و ابن علية الأكبر و محمد بن نوح العجلي و يحيى بن عبد الرحمن
العمري و أبو نصر التمار و أبو معمر القطيعي و محمد بن حاتم بن ميمون و غيرهم و
عرض عليهم كتاب المأمون فعرضوا و وروا و لم يجيبوا و لم ينكروا فقال لبشر بن الوليد
: ما تقول ؟ قال : قد عرفت أمير المؤمنين غير مرة قال : و الآن فقد تجدد من أمير
المؤمنين كتاب قال : أقول : كلام الله قال : لم أسألك عن هذا أمخلوق هو ؟ قال : ما
أحسن غير ما قلت لك و قد استعهدت أمير المؤمنين أن لا أتكلم فيه ثم قال لعلي بن
أبي مقاتل : ما تقول ؟ قال : القرآن كلام الله و إن أمرنا أمير المؤمنين بشيء
سمعنا و أطعنا و أجاب أبو حسان الزيادي بنحو من ذلك ثم قال لأحمد بن حنبل : ما
تقول ؟ قال : كلام الله قال : أمخلوق هو ؟ قال : هو كلام الله لا أزيد على هذا ثم
امتحن الباقين و كتب بجواباتهم و قال ابن البكاء الأكبر : أقول : القرآن مجعول و
محدث لورود النص بذلك فقال له إسحاق بن إبراهيم : و المجعول مخلوق ؟ قال : فالقرآن
مخلوق ؟ قال : لا أقول مخلوق ثم وجه بجواباتهم إلى المأمون
فورد عليه كتاب المأمون : بلغنا ما أجاب به متصنعة أهل
القبلة و ملتمسو الرئاسة فيما ليسوا له بأهل فمن لم يجب أنه مخلوق فامنعه من
الفتوى و الرواية و يقول في الكتاب : فأما ما قال بشر فقد كذب لم يكن جرى بين أمير
المؤمنين و بينه عهد أكثر من إخباره أمير المؤمنين من اعتقاده كلمة الإخلاص و
القول بأن القرآن مخلوق فادع به إليك فإن تاب فأشهر أمره و إن أصر على شركة و دفع
أن يكون القرآن مخلوقا بكفره و إلحاده فاضرب عنقه و ابعث إلينا برأسه وكذلك
إبراهيم بن المهدي فامتحنه فإن أجاب و إلا فاضرب عنقه و أما علي بن أبي مقاتل فقل
له : ألست القائل لأمير المؤمنين إنك تحلل و تحرم ؟ و أما الذيال فأعلمه أنه كان
في الطعام الذي يسرقه من الأنبار ما يشغله و أما أحمد بن يزيد أبو العوام و قوله [ إنه لا يحسن
الجواب في القرآن ] فأعمله أنه صبي في عقله لا في سنه جاهل يحسن الجواب إذا أدب ثم
إن لم يفعل كان السيف من وراء ذلك و أما أحمد بن حنبل فأعلمه أن أمير المؤمنين قد
عرف فحوى مقالته و استدل على جهله و أفنه بها و أما الفضل بن غانم فأعلمه أنه لم
يخف على أمير المؤمنين ما كان فيه بمصر و ما اكتسب من الأموال في أقل من سنة يعني
في ولاية القضاء و أما الزيادي فأعلمه أنه كان منتحلا ولاء أول دعي فأنكر أبو حسان
أن يكون مولى لزياد ابن أبيه و إنما قيل له [ الزيادي ] لأمر من الأمور قال : و
أما أبو نصر التمار فإن أمير المؤمنين شبه خساسة عقله بخساسة مدجره و أما ابن نوح
ـ و المعروف بأبي معمر ـ و ابن حاتم فأعلمهم أنهم مشاغيل بأكل الربا عن الوقوف على
التوحيد و إن أمير المؤمنين لو لم يستحل محاربتهم في الله إلا لإربائهم و ما نزل
به كتاب الله في أمثالهم لا ستحل ذلك فكيف بهم و قد جمعوا مع الإرباء شركا و صاروا
للنصارى شبها ؟ و أما ابن شجاع فأعلمه أنك صاحبه بالأمس و المستخرج منه ما
استخرجته من المال الذي كان استحله من مال علي بن هشام و أما سعدويه الواسطي فقل
له : قبح الله رجلا بلغ به التصنع للحديث و الحرص على الرئاسة فيه أن يتمنى وقت
المحنة ! و أما المعروف بسجادة و إنكاره أن يكون سمع ممن كان يجالس العلماء القول
بأن القرآن مخلوق فأعلمه أن في شغله بإعداد النوى و حكه لإصلاح سجادته و بالودائع
التي دفعها إليه علي بن يحيى و غيره ما أذهله عن التوحيد و أما القواريري ففيما
تكشف من أحواله و قبوله الرشا و المصانعات ما أبان عن مذهبه و سوء طريقته و سخافة
عقله و دينه و أما يحيى العمري فإن كان من ولد عمر بن الخطاب فجوابه معروف و أما
محمد بن الحسن بن علي بن عاصم فإنه لو كان مقتديا بمن مضى من سلفه لم ينتحل النحلة
التي حكيت عنه و إنه بعد صبي محتاج إلى أن يعلم و قد كان أمير المؤمنين وجه إليك
المعروف بأبي مسهر بعد أن نصه أمير المؤمنين عن محنته في القرآن فجمجم عنها و
تلجلج فيها حتى دعا له أمير المؤمنين بالسيف فأقر ذميما فأنصصه عن إقراره فإن كان
مقيما عليه فأشهر ذلك و أظهره و من لم يرجع عن شركه ـ ممن سميت بعد بشر و ابن
المهدي ـ فاحملهم موثقين إلى عسكر أمير المؤمنين ليسألهم فإن لم يرجعوا فاحملهم
على السيف قال : فأجابوا كلهم عند ذلك إلا أحمد بن حنبل و سجادة و محمد بن نوح و
القواريري فأمر بهم إسحاق فقيدوا ثم سألهم من الغد ـ و هم في القيود ـ فأجاب سجادة
ثم عاودهم ثالثا فأجاب القواريري و وجه بأحمد بن حنبل و محمد بن نوح إلى الروم
ثم بلغ المأمون أن الذين أجابوا إنما أجابوا مكرهين فغضب
و أمر بإحضارهم إليه فحملوا إليه فبلغتهم وفاة المأمون قبل وصولهم إليه و لطف الله
بهم و فرج عنهم و أما المأمون فمرض بالروم فلما اشتد مرضه طلب ابنه العباس ليقدم
عليه و هو يظن أنه لا يدركه فأتاه و هو مجهود و قد نفذت الكتب إلى البلدان فيها :
من عبد الله المأمون و أخيه أبي إسحاق الخليفة من بعده بهذا النص فقيل : إن ذلك
وقع بأمر المأمون و قيل : بل كتبوا ذلك وقت غشي أصابه
و مات المأمون يوم الخميس لاثنتي عشرة بقيت من رجب سنة
ثمان عشرة بالبذندون من أقصى الروم و نقل إلى طرسوس فدفن بها
قال المسعودي : كان نزل على عين البذندون فأعجبه برد
مائها و صفاؤه و طيب حسن الموضع و كثرة الخضرة فرأى فيها سمكة كأنها سبيكة فضة
فأعجبته فلم يقدر أحد يسبح في العين لشدة بردها فجعل لمن يخرجها سيفا فنزل فراش
فاصطادها وطلع فاضطربت و فرت إلى الماء فتنضح صدر المأمون و نحره و ابتل ثوبه ثم
نزل الفراش ثانية فأخذها فقال المأمون : تقلى الساعة ثم أخذته رعدة فغطي باللحف ـ
و هو يرتعد و يصيح ـ فأوقدت حوله نار فأتى بالسمكة فما ذاقها لشغله بحاله ثم أفاق
المأمون من غمرته فسأل عن تفسير المكان بالعربي ؟ قيل : مد رجليك فتطير به ثم سأل عن اسم
البقعة فقيل : الرقة و كان فيما عمل من مولده أنه يموت بالرقة فكان يتجنب نزول
الرقة فرقا من الموت فلما سمع هذا من الروم عرف و أيس و قال : يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال
ملكه و لما وردت وفاته بغداد قال أبو سعيد المخزومي :
( هل رأيت النجوم أغنت عن المأ ... مون أو عن ملكه
المأسوس )
( خلفوه بعرصتي طرسوس ... مثل ما خلفوا أباه بطوس )
قال الثعالبي : لا يعرف أب و ابن من الخلفاء أبعد قبرا
من الرشيد و المأمون
قال : و كذلك خمسة من أولاد العباس تباعدت قبورهم أشد
تباعد و لم ير الناس مثلهم : فقبر عبد الله بالطائف و عبيد الله بالمدينة و الفضل
بالشام و قثم بسمرقند و معبد بإفريقية
فصل في نبذ من أخبار المأمون قال نفطويه : حدثنا حامد بن
العباس بن الوزير قال : كنا بين يدي المأمون فعطس فلم نشمته فقال : لم لا تشمتونني
؟ قلنا : أجللناك يا أمير المؤمنين قال
: لست من الملوك التي تتجال عن الدعاء
و أخرج ابن عساكر عن أبي محمد اليزيدي قال : كنت أؤدب المأمون
فأتيته يوما ـ و هو داخل ـ فوجهت إليه بعض الخدم يعلمه بمكاني فأبطأ ثم و جهت إليه
آخر فأبطأ فقلت : إن هذا الفتى ربما تشاغل بالبطالة فقيل : أجل و مع هذا إنه إذا
فارقك تعرم على خدمه و لقوا منه أذى شديدا فقومه بالأدب فلما خرج أمرت بحمله
فضربته سبع درر قال : فإنه ليدلك عينيه من البكاء إذ قيل : هذا جعفر بن يحيى قد أقبل
فأخذ منه منديلا فدخل فقمت عن المجلس و خفت أن يشكوني إليه فأقبل عليه بوجهه و
حدثه حتى أضحكه ثم خرج فجئت فقلت : لقد خفت أن تشكوني إلى جعفر فقال لي : يا أبا
محمد ما كنت أطلع الرشيد على هذه فكيف بجعفر ؟ إني أحتاج إلى أدب
و أخرج عن عبد الله بن محمد التيمي قال : أراد الرشيد
سفرا فأمر الناس أن يتأهبوا لذلك و أعلمهم أنه خارج بعد الأسبوع فمضى الأسبوع و لم
يخرج فاجتمعوا إلى المأمون فسألوه أن يستعلم ذلك و لم يكن الرشيد يعلم أن المأمون
يقول الشعر فكتب إليه المأمون :
( يا خير من دبت المطي به ... و من تقدى بسرجه فرس )
( هل غاية في المسير نعرفها ... أم أمرنا في المسير
ملتبس ؟ )
( ما علم هذا إلا إلى ملك ... من نوره في الظلام نقتبس )
( إن سرت سار الرشاد متبعا ... و إن تقف فالرشاد محتبس )
فقرأها الرشيد فسر بها و وقع فيها : يا بني ما أنت و
الشعر إنما الشعر ارفع حالات الدنى و أقل حالات السرى [ تقدى : أي استمر ]
و أخرج الأصمعي قال : كان نقش خاتم المأمون [ عبد الله
بن عبد الله ]
و أخرج عن محمد بن عبد الله قال : لم يحفظ القرآن أحد من
الخلفاء إلا عثمان بن عفان و المأمون قلت : و قد رددت هذا الحصر فيما تقدم
و أخرج عن ابن عيينة قال : جمع المأمون العلماء و جلس
للناس فجاءت امرأة فقالت : يا أمير المؤمنين مات أخي و خلف ستمائة دينار أعطوني
دينارا و قالوا : هذا نصيبك قال : فحسب المأمون ثم كسر الفريضة ثم قال لها : هذا نصيبك
فقال له العلماء : كيف علمت يا أمير المؤمنين ؟ فقال : هذا الرجل خلف ابنتين ؟
قالت نعم قال : فلهن الثلثان أربعمائة و خلف والدة فلها السدس مائة و خلف زوجة
فلها الثمن خمسة و سبعون و بالله ألك اثنا عشر أخا ؟ قالت : نعم قال : أصابهم ديناران ديناران و
أصابك دينار
و أخرج عن محمد بن حفص الأنماطي قال : تغدينا مع المأمون
في يوم عيد فوضع على مائدته أكثر من ثلثمائة لون قال : فكلما وضع لون نظر المأمون
إليه فقال : هذا نافع لكذا ضار لكذا فمن كان منكم صاحب بلغم فليجتنب هذا و من كان
منكم صاحب صفراء فليأكل من هذا و من غلبت عليه السوداء فلا يعرض لهذا و من قصد قلة
الغذاء فليقتصر على هذا فقال له يحيى بن أكثم : يا أمير المؤمنين إن خضنا في الطب
كنت جالينوس في معرفته أو في النجوم كنت هرمس في حسابه أو في الفقه كنت علي بن أبي
طالب رضي الله عنه في علمه أو ذكر السخاء كنت حاتم طيء في صفته أو صدق الحديث كنت
أبا ذر في لهجته أو الكرم فأنت كعب بن مامة في فعاله أو الوفاء فأنت السموأل بن
عاديا في وفائه فسر بهذا الكلام و قال : إن الإنسان إنما فضل بعقله و لو لا ذلك لم
يكن لحم أطيب من لحم و لا دم أطيب من دم
و أخرج عن يحيى بن أكثم قال : ما رأيت أكمل من المأمون
بت عنده ليلة فانتبه فقال : يا يحيى انظر أيش عند رجلي ؟ فنظرت فلم أر شيئا فقال :
شمعة فتبادر الفراشون فقال : انظروا فنظروا فإذا تحت فراشه حية بطوله فقتلوها فقلت
: قد انضاف إلي كمال أمير المؤمنين علم الغيب فقال : معاذا الله ! و لكن هتف بي
هاتف الساعة و أنا نائم فقال :
( يا راقد الليل انتبه ... إن الخطوب لها سرى )
( ثقة الفتى بزمانه ... ثقة محللة العرى )
فانتبهت فعلمت أن قد حدث أمر إما قريب و إما بعيد فتأملت
ما قرب فكان ما رأيت
و أخرج عن عمارة بن عقيل قال : قال لي ابن أبي حفصة
الشاعر : أعلمت أن المأمون لا يبصر الشعر ؟ فقلت : من ذا يكون أفرس منه ؟ و الله
إنا لننشد أول البيت فيسبق إلى آخره من غير أن يكون سمعه قال : إني أنشدته بيتا
أجدت فيه فلم أره تحرك له و هو هذا
:
( أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلا ... بالدين و الناس في
الدنيا مشاغيل )
فقلت له : ما زدت على أن جعلته عجوزا في محرابها في يدها
سبحة فمن يقوم بأمر الدنيا إذا كان مشغولا عنها ؟ و هو المطوق لها ! ألا قلت كما
قال عمك في الوليد :
( فلا هو في الدنيا يضيع نصيبه ... و لا عرض الدنيا عن
الدين شاغله )
قال ابن عساكر : أخبرنا أبو العز بن كادش حدثنا محمد بن
الحسين حدثنا المعافى بن زكريا حدثنا محمد بن محمود بن أبي الأزهر الخزاعي حدثنا
الزبير بن بكار حدثني النضر بن شميل قال : دخلت على المأمون بمرو و علي أطمار فقال
لي : يا نضر أتدخل على أمير المؤمنين في مثل هذه الثياب ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين
إن حر مرو لا يدفع إلا بمثل هذه الأخلاق قال : لا و لكنك تتقشف فتجارينا الحديث
فقال المأمون : [ حدثني هشيم بن بشير عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا تزوج الرجل المرأة لدينها و
جمالها كان فيه سداد من عوز ]
قلت : صدق قول أمير المؤمنين عن هشيم [ حدثني عوف
الأعرابي عن الحسن أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا تزوج الرجل المرأة
لدينها و جمالها كان فيه سداد [
بالكسر ] من عوز ]
وكان المأمون متكئا فاستوى جالسا و قال : السداد لحن يا
نضر ؟ قلت : نعم ههنا و إنما لحن هشيم و كان لحانا فقال : ما الفرق بينهما ؟ قلت :
السداد بالفتح القصد في السبيل و السداد بالكسر البلغة و كل ما سددت به شيئا فهو
سداد قال : أفتعرف العرب ذلك ؟
قلت : نعم هذا العرجي من ولد عثمان يقول :
( أضاعوني و أي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة و سداد ثغر )
فأطرق المأمون مليا ثم قال : قبح الله من لا أدب له ! ثم
قال : أنشدني يا نضر أخلب بيت للعرب قلت : قول ابن بيض في الحكم بن مروان :
( تقول لي و العيون هاجعة ... : أقم علينا يوما فلم أقم )
( أي الوجوه انتجعت ؟ قلت لها ... : لأي وجه إلا إلى
الحكم ؟ )
( متى يقل حاجبا سرداقه ... هذا ابن بيض بالباب يبتسم )
( قد كنت أسلمت فيك مقتبلا ... هيهات أدخل فأعطني سلمي )
أسلمت : أسلفت مقتبلا : آخذا قبيلا : أي كفيلا
قال أنشدني أنصف بيت قالته العرب قلت : قول ابن أبي
عروبة المديني :
( إني و إن كان ابن عمي عاتبا ... لمزاحم من خلفه و
ورائه )
( و مفيد نصري و إن كان أمرأ ... متزحزحا في أرضه و
سمائه )
( و أكون والي سره و أصونه ... حتى يحن إلي وقت أدائه )
و إذا الحوادث أجحفت بسوامه قرنت صحيحتنا إلى جربائه (
) و إذا دعا باسمي ليركب مركبا صعبا قعدت له على سيسائه (
) و إذا أتى من وجهه بطريقة لم أطلع فيما وراء خبائه (
) و إذا ارتدى ثوبا جميلا لم أقل : يا ليت أن علي حسن
ردائه (
قال : أنشدني أقنع بيت العرب فأنشدته قول ابن عبدل :
) إني امرؤ لم أزل و ذاك من الله أديبا أعلم الأدبا (
) أقيم بالدار ما اطمأن بي ال دار و إن كنت نازحا طربا (
) لا أحتوي الصديق و لا أتبع نفسي شيئا إذا ذهبا (
) أطلب ما يطلب الكريم من ال رزق بنفسي و أجمل الطلبا (
) إني رأيت الفتى الكريم إذا رغبته في صنيعة رغبا (
و العبد لا يطلب العلاء و لا ... يعطيك شيئا إلا إذا
رهبا )
( مثل الحمار الموقع السوء لا ... يحسن شيئا إلا إذا
ضربا )
( و لم أجد عروة العلائق إلا ال ... دين لما اختبرت و
الحسبا )
( قد يرزق الخافض المقيم و ما ... شد بعيس رحلا و لا
قتبا )
( و يحرم الرزق المطية و الرحـ ... ل و من لا يزال
مغتربا )
قال : أحسنت يا نضر و أخذ القرطاس فكتب شيئا لا أدري ما
هو ثم قال : كيف تقول أفعل من التراب ؟ قلت : أترب قال : و من الطين ؟ قلت : طن
قال : فالكتاب ماذا ؟ قلت : مترب مطين قال : هذه أحسن من الأول فكتب لي بخمسين
ألف درهم ثم أمر الخادم أن يوصلني إلى الفضل بن سهل فمضيت معه فلما قرأ الكتاب قال
: يا نضر لحنت أمير المؤمنين قلت : كلا ! و لكن هيشم لحانة فتبع أمير المؤمنين
لفظه فأمر لي من عنده بثلاثين ألفا فخرجت إلى منزلي بثمانين ألفا
و أخرج الخطيب عن محمد بن زياد الأعرابي قال : قال : بعث
إلي المأمون فصرت إليه و هو في بستان يمشي مع يحيى بن أكثم فرأيتهما موليين فجلست
فلما أقبلا قمت فسملت عليه بالخلافة فسمعته يقول ليحيى : يا أبا محمد ما أحسن أدبه
رآنا موليين فجلس ثم رآنا مقبلين فقام ثم رد علي السلام فقال : أخبرني عن قول
هند بنت عتبة :
( نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق مشي قطا الهمارق )
من طارق هذا ؟ فنظرت في نسبها فلم أجده فقلت : يا أمير
المؤمنين ما أعرفه في نسبها فقال : إنما أرادت النجم و انتسبت إليه لحسنها من قول
الله تعالى : { والسماء والطارق } فقلت : فأيده يا أمير المؤمنين فقال : أنا بؤبؤ هذا
الأمر و ابن بؤبؤه ثم رمى إلي بعنبرة كان يقلبها في بعتها بخمسة آلاف درهم
و أخرج عن أبي عبادة قال : كان المأمون أحد ملوك الأرض و
كان يجب له هذا الاسم على الحقيقة
و أخرج عن ابن أبي دؤاد دخل رجل من الخوارج على المأمون
فقال له المأمون : ما حملك على خلافنا ؟ قال : آية في كتاب الله قال : و ما هي ؟
قال : قوله تعالى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } قال : نعم
قال : و ما دليلك ؟ قال : إجماع الأمة قال : فكما رضيت بإجماعهم في التنزيل
بإجماعهم في التأويل قال : صدقت السلام عليك يا أمير المؤمنين
و أخرج ابن عساكر عن محمد بن منصور قال : قال المأمون :
من علامة الشريف أن يظلم من فوقه و يظلمه من هو دونه
و أخرج عن سعيد بن مسلم قال : قال المأمون : لوددت أن
أهل الجرائم عرفوا رأيي في العفو ليذهب عنهم الخوف و يخلص السرور إلى قلوبهم
و أخرج عن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال : وقف رجل بين
يدي المأمون قد جنى جناية فقال له : و الله لأقتلنك فقال : يا أمير المؤمنين تأن
علي فإن الرفق نصف العفو قال : و كيف و قد حلفت لأقتلنك ؟ فقال : لأن تلقى الله
حانثا خيرا من أن تلقاه قاتلا فخلى سبيله
و أخرج الخطيب عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح قال : بت
عند المأمون ليلة فنام القيم الذي كان يصلح السراج فقام المأمون و أصلحه و سمعته
يقول : ربما أكون في المتوضأ فيشتمني الخدام و يفترون علي و لا يدرون أني أسمع
فأعفو عنهم
و أخرج الصولي عن عبد الله بن البواب قال : كان المأمون
يحلم حتى يغيظنا و جلس مرة يستاك على دجله من وراء ستر ـ و نحن قيام بين يديه ـ
فمر ملاح و هو يقول أتظنون أن هذا المأمون ينبل في عيني ـ و قد قتل أخاه ـ قال :
فو الله ما زاد على أن تبسم و قال لنا : ما الحيلة عندكم حتى أنبل في عين هذا
الرجل الجليل ؟
و أخرج الخطيب عن يحيى بن أكثم قال : ما رأيت أكرم من
المأمون بت عنده ليلة فأخذه سعال فرأيته يسد فاه بكم قميصه حتى لا أنتبه
و كان يقول : أول العدل أن يعدل الرجل في بطانته ثم
الذين يلونهم حتى يبلغ إلى الطبقة السفلى
و أخرج ابن عساكر عن يحيى بن خالد البرمكي قال : قال لي
المأمون : يا يحيى اغتنم قضاء حوائج الناس فإن الفلك أدور و الدهر أجور من أن يترك
لأحد حالا أو يبقي لأحد نعمة
و أخرج عن عبد الله بن محمد الزهري قال : قال المأمون :
غلبة الحجة أحب إلي من غلبة القدرة لأن غلبة القدرة تزول بزوالها و غلبة الحجة لا
يزيلها شيء
و أخرج عن العتبي قال : سمعت المأمون يقول : من لم يحمدك
على حسن النية لم يشكرك على جميل الفعل
و أخرج عن أبي العالية قال : سمعت المأمون يقول : ما
أقبح اللجاجة بالسلطان و أقبح من ذلك الضجر من القضاة قبل التفهيم و أقبح منه
سخافة الفقهاء بالدين و أقبح منه البخل بالأغنياء و المزاح بالشيوخ و الكسل
بالشباب و الجبن يالمقاتل
و أخرج عن علي بن عبد الرحيم المروزي قال : قال المأمون :
أظلم الناس لنفسه من يتقرب إلى من يبعده و يتواضع لمن لا يكرمه و يقبل مدح من لا
يعرفه و أخرج عن مخارق قال : أنشدت المأمون قول أبي العتاهية :
( و إني لمحتاج إلى ظل صاحب ... يروق و يصفو إن كدرت
عليه )
فقال لي : أعد فأعدت سبع مرات فقال لي : يا مخارق خذ مني
الخلافة و اعطني هذا الصاحب
و أخرج عن هدبة بن خالد قال : حضرت غداء المأمون فلما
رفعت المائدة جعلت ألتقط ما في الأرض فنظر إلي المأمون فقال : أما شعبت ؟ قال :
بلى و لكن حدثني حماد بن سلمة عن ثابت البناني [ عن أنس سمعت رسول الله صلى الله
عليه و سلم يقول : من أكل ما تحت مائدة أمن من الفقر ] فأمر لي بألف دينار
و أخرج عن الحسن بن عبدوس الصفار قال : لما تزوج المأمون
بوران بنت الحسن بن سهل أهدي الناس إلى الحسن فأهدى له رجل فقير مزودين في أحدهما
ملح و في الآخر أشنان و كتب إليه : جعلت فداك ! خفة البضاعة قصرت ببعد الهمة و
كرهت أن تطوى صحيفة أهل البر و لا ذكر لي فيها فوجهت إليك بالمبتدإ ليمينه و بركته
و بالمختوم به لطيبه و نظافته فأخذ الحسن المزودين و دخل بهما على المأمون فاستحسن
ذلك و أمر بهما ففرغا و ملئا دنانير
أخرج الصولي عن محمد بن القاسم قال : سمعت المأمون يقول
: أنا و الله ألذ العفو حتى أخاف أن لا أوجر عليه و لو علم الناس مقدار محبتي
للعفو لتقربوا إلي بالذنوب
و أخرج الخطيب عن منصور البرمكي قال : كان للرشيد جارية
و كان المأمون يهواها فبينما هي تصب على الرشيد من إبريق معها و المأمون خلفه إذا
أشار إليها بقبلة فزجرته بحاجبها و أبطأت غن الصب فنظر إليها هارون فقال : ما هذا
؟ فتلكأت عليه فقال إن لم تخبريني لأقتلنك فقلت : أشار إلي عبد الله بقبلة فالتفت
إليه و إذا هو قد نزل به من الحياء و الرعب ما رحمه الله منه فاعتنقه و قال :
أتحبها ؟ قال : نعم قال : قم فادخل بها في تلك القبة فقام فلما خرج قال له : قل في
هذا شعرا فقال :
( ظبي كنيت بطرفي ... عن الضمير إليه )
( قبلته من بعيد ... فاعتل من شفتيه )
( ورد أحسن رد ... بالكسر من حاجبيه )
( فما برحت مكاني ... حتى قدرت عليه )
و أخرج ابن عساكر عن أبي خليفة الفضل بن الحباب قال :
سمعت بعض النخاسين يقول : عرضت على المأمون جارية شاعرة فصيحة متأدبة شطرنجية
فساومته في ثمنها بألفي دينار فقال المأمون : إن هي أجازت بيتا أقول ببيت من عندها
اشتريها بما تقول و زدتك فأنشد المأمون
:
( ماذا تقولين فيمن شفه أرق ... من جهد حبك قد صار
حيرانا ؟ )
فأجازته
:
( إذا وجدنا محبا قد أضر به ... داء الصبابة أوليناه
إحسانا )
و أخرج الصولي عن الحسن الخليع قال : لما غضب علي
المأمون و منعني رزقا لي علمت قصيدة أمتدحه به و دفعتها إلى من أوصلها إليه و
أولها :
( أجرني فإني قد ظمئت إلى الوعد ... متى تنجر الوعد
المؤكد بالعهد )
( أعيذك من خلف الملوك و قد ترى ... تقطع أنفاسي عليك من
الوجد )
( أيبخل فرد الحسن عني بنائل ... قليل و قد أفردته بهوى
فرد )
إلى أن قال
:
( رأى عبد الله خير عباه ... فملكه و الله أعلم بالعبد )
( ألا إنما المأمون للناس عصمة ... مفرقة بين الضلالة و
الرشد )
فقال المأمون : قد أحسن إلا أنه القائل :
( أعيناي جودا و أبكيا لي محمدا ... و لا تذخرا دمعا
عليه و أسعدا )
( فلا تمت الأشياء بعد محمد ... و لا زال الملك فيه
مبددا )
( و لا فرح المأمون بالملك بعده ... و لا زال في الدينا
طريدا مشردا )
فهذا بذاك و لا شيء عندنا فقال له الحاجب : فأين عادة
أمير المؤمنين في العفو ؟ فقال : أما هذا فنعم فأمر له بجائزة ورد رزقه عليه
و أخرج عن علية عن حماد بن إسحاق قال : لما قدم المأمون
بغداد جلس للمظالم كل يوم أحد إلى الظهر
و أخرج عن محمد بن العباس قال : المأمون يحب لعب الشطرنج
شديدا و يقول : هذا يشحذ الذهن و اقترح فيها و كان يقول : لا أسمعن أحدا يقول
: تعال حتى نلعب و لكن يقول : نتداول أو نتناقل و لم يكن حاذقا بها
و كان يقول : أنا أدبر الدنيا فأتسع لذلك و أضيق عن
تدبير شبرين في شبرين
و أخرج عن ابن أبي سعيد قال : هجا دعبل المأمون فقال :
( إني من القوم الذين سيوفهم ... قتلت أخاك و شرفتك
بمقعد )
( شادوا بذكرك بعد طول خموله ... و استنفذوك من الحضيض
الأوهد )
فلما سمعها المأمون لم يزد على أن قال : ما أقل حياء
دعبل ! متى كنت خاملا و قد نشأت في حجر الخلفاء ؟ و لم يعاقبه
و أخرج من طرق عدة أن المأمون كان يشرب النبيذ
و أخرج عن الجاحظ قال : كان أصحاب المأمون يزعمون أن لون
وجهه وجسده لون واحد سوى سياقية فإنهما صفراوان كأنهما طليتا بالزعفران
و أخرج عن إسحاق الموصلي قال : قال المأمون : ألذ الغناء
ما طرب له السامع خطأ كان أو صوابا
و أخرج عن علي بن الحسين قال : كان محمد بن حامد واقفا
على رأس المأمون و هو يشرب فاندفعت عريب فغنت الشعر النابغة الجعدي :
( كحاشية البرد اليماني المسهم )
فأنكر المأمون أن لا يكون ابتدأت بشيء فأمسك القوم فقال
: نفيت من الرشيد لئن لم أصدق عن هذا لأقرن بالضرب الوجيع عليه ثم لأعاقبن عليه
أشد العقوبة و لئن صدقت لأبلغن الصادق أمله فقال محمد بن حامد : أنا يا سيدي أو
مأت إليها بقبلة فقال : الآن جاء الحق صدقت أتحب أن أزواجك بها ؟ قال : نعم فقال
المأمون : الحمد لله العالمين و صلى الله على سيدنا محمد و آله الطيبين لقد زوجت
محمد بن حامد عريب مولاتي و مهرتها عنه أربعمائة درهم على بركة الله و سنة نبيه
صلى الله عليه و سلم خذ بيدها فقامت معه فصار المعتصم إلى الدهليز فقال له :
الدلالة قال : لك ذاك قال : دلالتي أن تغنيني الليلة فلم تزل تغنيه إلى السحر و
ابن حامد على الباب ثم خرجت فأخذت بيده و مضت عليه
و أخرج عن ابن أبي دؤاد قال : أهدي ملك الروم إلى
المأمون هدية فيها مائتا رطل مسك و مائتا جلد سمور فقال : أضعفوها له ليعلم عز
الإسلام
و أخرج عن إبراهيم بن الحسن قال : قال المدائني للمأمون : إن معاوية قال :
بنو هاشم أسود و أحداء و نحن أكثر سيدا فقال المأمون : إنه قد أقر و ادعى فهو في ادعائه خصم
و في إقراره مخصوم
و أخرج عن أبي أمامة قال : حدثني بعض أصحابنا أن أحمد بن
أبي خالد قرأ القصص يوما على المأمون فقال : فلان الثريدي ـ و هو اليزيدي ـ فضحك
المأمون و قال : يا غلام هات طعاما لأبي العباس فإنه أصبح جائعا فاستحيى و قال :
ما أنا بجائع و لكن صاحب القصة أحمق نقط الياء بنقط الثاء فقال : على ذلك فجاءه
بطعام فأكل حتى انتهى ثم عاد فمر في قصة [ فلان الحمصي ] فقال : الخبيصي فضحك
المأمون و قال : يا غلام جامة فيها خبيص فقال : إن صاحب القصة كان أحمق فتح اليم
فصارت كأنها سنتان فضحك و قال : لولا حمقها لبقيت جائعا
و أخرج عن أبي عباد قال : ما أظن الله خلق نفسا هي أنبل
من نفس المأمون و لا أكرم
و كان قد عرف شره أحمد بن أبي علي خالد فكان إذا وجهه في
حاجة غداة قبل أن يرسله
و رفع إليه في القصة : إن رأى أمير المؤمنين أن يجري على
ابن خالد نزلا فإنه يعين الظالم بأكله فأجرى عليه المأمون ألف درهم كل يوم لمائدته
و كان مع هذا يشره إلى طعام الناس فقال دعبل الشاعر :
( شكرنا الخليفة إجراءه ... على ابن أبي خالد نزله )
( فكف أذاه عن المسلمين ... و صير في بيته شغله )
و أخرج عن ابن أبي دؤاد قال : سمعت المأمون يقول لرجل :
إنما هو غدر أو يمن قد وهبتهما لك و لا تزال تسيء و تذنب و أغفر حتى يكون العفو هو
الذي يصلحك
و أخرج عن الجاحظ قال : قال ثمامة بن أشرس : ما رأيت
رجلا أبلغ من جعفر بن يحيى البرمكي و المأمون
و أخرج السفلي في الطيوريات عن حفص المدائني قال : أتى
المأمون بأسود قد ادعى النبوة و قال : أنا موسى بن عمران فقال له المأمون : إن
موسى بن عمران أخرج يده من جيبه بيضاء أخرج يدك بيضاء حتى أومن بك فقال الأسود :
إنما جعل ذلك لموسى لما قال له فرعون : أنا ربكم الأعلى فقل أنت كما قال فرعون حتى
أخرج يدي بيضاء و إلا لم تبيض
و أخرج أيضا أن المأمون قال : ما انفتق علي فتق إلا وجدت
سببه جور العمال
و أخرج ابن عساكر عن يحيى بن أكثم قال : كان المأمون
يجلس للمناظرة في الفقه يوم الثلاثاء فجاء رجل عليه ثياب قد شمرها و نعله في يده
فوقف على طرف البساط و قال : السلام عليكم فرد عليه المأمون فقال أخبرني عن هذا
المجلس الذي أنت فيه جلسته باجتماع الأمة أم بالمغالبة و القهر ؟ قال : لا بهذا و
لا بهذا بل يتولى أمر المسلمين من عقد لي و لأخي فلما صار الأمر إلي علمت أني
محتاج إلى اجتماع كلمة المسلمين في المشرق و المغرب على الرضا بي رأيت متى خليت
الأمر اضرب حبل الإسلام و مرج أمرهم و تنازعوا و بطل الجهاد و الحج و انقطعت السبل
فقمت حياطة للمسلمين إلى أن يجتمعوا على رجل يرضون به فأسلم إليه الأمر فمتى
اتفقوا على رجل خرجت له من الأمر فقال : السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و ذهب
و أخرج عن محمد بن المنذر الكندي قال : حج الرشيد فدخل
الكوفة فطلب المحدثين فلم يتخلف إلا عبد الله بن إدريس و عيسى بن يونس فبعث إليهما
الأمين و المأمون فحدثهما ابن إدريس بمائة حديث فقال المأمون : يا عم أتأذن لي أن
أعيدها من حفظي ؟ قال : افعل فأعادها فعجب من حفظه
و قال بعضهم : استخرج المأمون كتب الفلاسفة و اليونان من
جزيرة قبرس هكذا ذكره الذهبي مختصرا
و قال الفاكهي : أول من كسا الكعبة الديباج الأبيض
المأمون و استمر ذلك بعده إلى أيام الخليفة الناصر إلا أن محمود بن سبكتكين كساها
في خلال هذه المدة دبياجا أصفر
و من كلام المأمون : لا نزهة ألذ من النظر في عقول
الرجال
و قال : أعيت الحيلة في الأمر إذا أقبل أن يدبر و إذا
أدبر أن يقبل
و قال : أحسن المجالس ما نظر فيه إلى الناس
و قال : الناس ثلاثة مثل الغذاء لابد منه على كل حال و
منهم كالدواء يحتاج إليه في حال المرض و منهم كالداء مكروه على حال
و قال : ما أعياني جواب أحد مثل ما أعياني جواب رجل من
أهل الكوفة قدمه أهله فشكا عاملهم فقلت : كذبت بل هو رجل عادل فقال : صدق أمير
المؤمنين و كذبت أنا قد خصصتنا به في هذه البلدة دون باقي البلاد [ خذه ] و
استعمله على بلد آخر يشملهم من عدله و إنصافه مثل الذي شملنا فقلت : قم في غير حفظ
الله و عزلته عنكم
و من شعر المأمون :
( لساني كتوم لأسراركم ... و دمعي نموم لسري مذيع )
( فلولا دموعي كتمت الهوى ... و لولا الهوى لم يكن لي
دموع )
و له في الشطرنج :
( أرض مربعة حمراء من أدم ... ما بين إلفين معروفين
بالكرم )
( تذاكر الحرب فاحتلا لها حيلا ... من غير أن يأثما فيها
بسفك دم )
( هذا يغير على هذا و ذاك على ... هذا بغير و عين الحزم
لم تنم )
( فانظر إلى فطن جالت بمعرفة ... في عسكرين بلا طبل و لا
علم )
و أخرج الصولي عن محمد بن عمرو قال : دخل أصرم بن حميد
على المأمون ـ و عنده المعتصم ـ فقال : يا أصرم صفني و أخي و لا تفضل واحدا منا
على صاحبه فأنشد بعد قليل :
( رأيت سفينة تجري ببحر ... إلى بحرين دونها البحور )
( إلى ملكين ضوؤهما جميعا ... سواء حار دونها البصير )
( كلا الملكين يشبه ذاك هذا ... و ذا هذا و ذاك و ذا
أمير )
( فإن يك ذاك ذا و ذاك هذا ... فلي في ذا و ذاك معا سرور )
( رواق المجد ممدود على ذا ... و هذا وجهه بدر منير )
ذكر أحاديث من رواية المأمون قال البيهقي : سمعت الإمام
أبا عبد الله الحاكم قال : سمعت أبا أحمد الصيرفي سمعت جعفر بن أبي عثمان الطيالسي
يقول : صليت العصر في الرصافة خلف المأمون في المقصورة يوم عرفة فلما سلم كبر
الناس فرأيت المأمون خلف الدرابزين و هو يقول : لا يا غوغاء لا يا غوغاء غدا سنة
أبي القاسم صلى الله عليه و سلم فلما كان يوم الأضحى حضرت إلى الصلاة فصعد المنبر
فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : الله أكبر كبيرا و الحمد لله كثيرا و سبحان الله
بكرة و أصيلا [ حدثنا هشيم بن بشير حدثنا ابن شبرمة عن الشعبي عن البراء بن عازب
عن أبي بردة بن دينار قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من ذبح قبل أن
يصلي فإنما هو لحم قدمه و من ذبح بعد أن يصلي فقد أصاب السنة ] الله أكبر كبيرا و الحمد
لله كثيرا و سبحان الله بكرة و أصيلا اللهم أصلحني و استصلحني و أصلح على يدي
قال الحاكم : هذا حديث لم نكتبه إلا عن أبي أحمد و هو
عندنا ثقة المأمون و لم يزل في القلب منه شيء حتى ذاكرت به أبا الحسن الدارقطني
فقال : هذه الرواية عندنا صحيحة عن جعفر فقلت : هل من متابع به لشيخنا أبي أحمد ؟
فقال : نعم ثم قال : حدثني الوزير أبو الفضل جعفر بن الفرات حدثني أبو الحسين محمد
بن عبد الرحمن الروزباذي حدثنا محمد بن عبد الملك التاريخي ـ قال الدارقطني : و ما
فيهم إلا ثقة مأمون ـ حدثنا جعفر الطيالسي حدثنا يحيى بن معين قال : سمعت المأمون
فذكر الخطبة و الحديث و قال الصولي : حدثنا جعفر الطيالسي حدثنا يحيى بن معين قال
: خطبنا المأمون ببغداد يوم الجمعة و وافق يوم عرفة فلما سلم كبر الناس فأنكر
التكبير ثم وثب حتى نأخذ بخشب المقصورة و قال : يا غوغاء ما هذا التكبير في غير
أيامه ؟ حدثنا هشيم عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس أن الرسول الله صلى الله عليه
و سلم ما زال يلبي حتى رمى جمرة العقبة و التكبير في غد ظهرا عند انقضاء التلبية
إن شاء الله تعالى
و قال الصولي [ حدثنا أبو القاسم البغوي حدثنا أحمد بن
إبراهيم الموصلي قال كنا عند المأمون فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم الخلق عيال الله فأحب عباد الله إلى الله عز و جل
أنفعهم لعياله ] فصاح المأمون : و قال : اسكت أنا أعلم بالحديث منك حدثنيه يوسف بن
عطية الصفار [ عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : الخلق عيال الله
فأحب عباد الله أنفعهم لعياله ] أخرجه من هذا الطريق ابن عساكر و أخرجه أبو يعلى
الموصلي في مسنده و غير من طرق عن يوسف بن عطية
و قال الصولي : حدثنا المسيح بن حاتم العكلي حدثنا عبد
الجبار بن عبد الله قال سمعت المأمون يخطب فذكر في خطبته الحياء فوصفه و مدحه ثم
قال : [ حدثنا هشيم عن منصور عن الحسن عن أبي بكرة و عمران بن حصين قالا : قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : الحياء من الإيمان و الإيمان في الجنة و البذاء
من الجفاء و الجفاء في النار ] أخرجه ابن عساكر من طريق يحيى بن أكثم عن المأمون
و قال الحاكم : [ حدثنا الحسين بن تميم حدثنا الحسين بن
فهم حدثنا يحيى بن أكثم القاضي قال : قال لي المأمون يوما : يا يحيى إني أريد أن
أحدث فقلت : و من أولى بهذا من أمير المؤمنين ؟ فقال : ضعوا لي منبرا فصعد و حدث
فأول حديث حدثنا به : عن هشيم عن أبي الجهم عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه و سلم قال : امرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلى النار ] ثم حدث
بنحو من ثلاثين حديثا ثم نزل فقال لي : يا يحيى كيف رأيت مجلسنا ؟ قلت أجل مجلس يا
أمير المؤمنين تفقه الخاصة و العامة فقال : لا و حياتك ما رأيت لكم حلاوة و إنما
المجلس لأصحاب الخلقان و المحابر
و قال الخطيب : حدثنا أبو الحسن علي بن القاسم الشاهد
حدثنا أبو علي الحسن بن محمد بن عثمان حدثنا الحسين بن عبيد الله الأبزاري حدثنا
إبراهيم بن سعيد الجوهري قال : لما فتح المأمون مصر قال له قائل : الحمد لله يا أمير
المؤمنين الذي كفاك أمر عدوك و أدان لك العراقين و الشامات و مصر و أنت ابن عم
رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت له : ويحك ! إلا أنه بقيت لي خلة و هو أن أجلس
في مجلس و يستملي يحيى فيقول لي : من ذكرت رضي الله عنك ؟ فأقول : [ حدثنا
الحمادان حماد بن سلمة و حماد بن زيد قالا : حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن
النبي صلى الله عليه و سلم قال : من عال ابنتين أو ثلاثا أو أختين أو ثلاثا حتى
يمتن أو يموت عنهن كان معي كهاتين في الجنة ] و أشار بالمسبحة و الوسطى
قال الخطيب : في هذا الخبر غلط فاحش و يشبه أن يكون المأمون
رواه عن رجل عن الحمادين و ذلك أن مولد المأمون سنة سبعين ومات حماد بن سلمة في
سنة سبع و ستين قبل مولده بثلاث سنين و أما حماد بن زيد فمات في تسع و سبعين
و قال الحاكم حدثنا بن يعقوب بن إسماعيل الحافظ حدثنا
محمد بن إسحاق الثقفي حدثنا محمد بن سهل بن عسكر قال : وقف المأمون يوما للأذان و
نحن وقوف بين يديه إذ تقدم إليه رجل غريب بيده محبرة فقال : يا أمير المؤمنين صاحب
حديث منقطع به فقال له المأمون : إيش تحفظ في باب كذا ؟ فلم يذكر فيه شيئا فما زال
المأمون يقول : حدثنا هشيم و حدثنا حجاج و حدثنا فلان حتى ذكر الباب ثم سأله
عن باب ثان فلم يذكر فيه شيئا فذكره المأمون ثم نظر إلى أصحابه فقال : يطلب أحدهم
الحديث ثلاثة أيام ثم يقول : أنا من أصحاب الحديث أعطوه ثلاث دراهم
و قال ابن عساكر : حدثنا محمد بن إبراهيم الغزي حدثنا أبو
بكر محمد بن إسماعيل بن السري التفليسي حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي أخبرني عبيد
الله بن محمد الزاهد العكبري حدثنا عبد الله بن محمد بن مسيح حدثنا محمد بن المغلس
حدثنا محمد بن السري القنطري حدثنا علي بن عبد الله قال : قال يحيى بن أكثم : بت
ليلة عند المأمون فانتبهت في جوف الليل و أنا عطشان فتقلبت فقال : يا يحيى ما شأنك
؟ قلت : عطشان فوثب من مرقده فجاءني بكوز من ماء فقلت : يا أمير المؤمنين ألا دعوت
بخادم ألا دعوت بغلام ؟ قال : لا [ حدثني أبي عن أبيه عن جده عن عقبة بن عامر قال
: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم سيد القوم خادمهم ] و قال الخطيب : [ حدثنا
الحسن بن الحسن بن عثمان الواعظ حدثنا جعفر بن محمد بن الحاكم الواسطي حدثني أحمد
بن الحسن الكسائي حدثنا سليمان بن الفضل النهرواني حدثني يحيى بن أكثم فذكر نحوه
إلا أنه قال : حدثني الرشيد حدثني المهدي حدثني المنصور عن أبيه عن عكرمة عن
ابن عباس حدثني جرير بن عبد الله سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : سيد
القوم خادمهم ]
و قال ابن عساكر : [ حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد حدثنا
القاضي أبو المظفر هناد بن إبراهيم النسفي حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان
الغنجار حدثنا أبو أحمد علي بن محمد بن عبد الله المروزي حدثنا أبو العباس عيسى بن
محمد بن عيسى بن عبد الرحمن الكاتب حدثني محمد بن قدامة بن إسماعيل صاحب النضر بن
شميل حدثنا أبو حذيفة البخاري قال : سمعت المأمون أمير المؤمنين يحدث عن أبيه عن
جده عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم : قال : مولى القوم منهم ] قال محمد
بن قدامة : فبلغ المأمون أن أبا حذيفة حدث بهذا عنه فأمر له بعشرة آلاف درهم و في
أيام المأمون أحصيت أولاد العباس فبلغوا ثلاثة و ثلاثين ألفا ما بين ذكر و أنثى و
ذلك في سنة مائتين
و في أيامه مات من الأعلام : سفيان بن عيينة و الإمام
الشافعي و عبد الرحمن بن مهدي و يحيى بن سعيد القطان و يونس بن بكير ـ راوي
المغازي ـ و أبو مطيع البلخي صاحب أبي حنيفة رحمه الله و معروف الكرخي الزاهد و
إسحاق بن بشر صاحب كتاب المبتدأ و إسحاق بن الفرات ـ قاضي مصر ـ من أجلة أصحاب
مالك و أبو عمرو الشيباني اللغوي و أشهب صاحب مالك و الحسن بن زياد اللؤلؤي صاحب
أبي حنيفة و حماد بن أسامة الحافظ و روح بن عبادة و زيد بن الحباب أبو داود
الطيالسي و الغازي بن قيس من أصحاب مالك و أبو سليمان الداراني الزاهد المشهور و
علي الرضى بن موسى الكاظم و الفراء إمام العربية و قتيبة بن مهران صاحب الإمالة و
قطرب النحوي و الواقدي و أبو عبيدة معمر بن المثنى و النضر بن شميل و السيدة نفيسة
و هشام أحد النحاة الكوفيين و اليزيدي و يزيد بن هارون و يعقوب بن إسحاق الحضرمي
قارىء البصرة وعبد الرزاق و أبو العتاهية الشاعر و أسد السنة و أبو عاصم النبيل و
الفريابي و عبد الملك بن الماجشون و عبد الله بن الحكم و أبو زيد الأنصاري صاحب
العربية و الأصمعي و خلائق آخرون يتبع بمشيئة الله ب ج3وج4.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق