Translate

الجمعة، 9 يونيو 2023

إيناس الناس بتفاحة أبي جعفر النحاس{لِأَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ المُرَادِيِّ المِصْرِيِّ المَعْرُوفِ بِأبِي جَعْفَرٍ النَّحَّاسِ}



 

إيناس الناس بتفاحة أبي جعفر النحاس{لِأَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ المُرَادِيِّ المِصْرِيِّ  المَعْرُوفِ بِأبِي جَعْفَرٍ النَّحَّاسِ}

المقدمة 1 - باب أقسام العربية 2 - باب الإعراب 3 - باب رفع الاثنين والجمع

4 - باب أقسام الأفعال 5 - باب الفاعل والمفعول به 6 - باب الابتداء 7 - باب حروف الخفض

8 - باب الحروف التي تنصب الأسماء وترفع الأخبار 9 - باب الحروف التي ترفع الأسماء وتنصب الأخبار 10 - باب الحروف التي تنصب الأفعال المستقبلة 11 - باب الجواب بالفاء

12 - باب الحروف التي تجزم الأفعال المستقبلة 13 - باب حروف الرفع 14 - باب المفعول الذي لم يسم فاعله 15 - باب المعرفة والنكرة

16 - باب ما يتبع الاسم في إعرابه 17 - باب النعت 18 - باب حروف العطف 19 - باب التوكيد

20 - باب البدل 21 - باب الحال 22 - باب الظروف 23 - باب الإغراء والتحذير

24 - باب التفسير 25 - باب التعجب 26 - باب النداء 27 - باب العدد

28 - حروف الاستثناء 29 - باب علامات التانيث 30 - باب ألفات الوصل في أوائل الأسماء 31 - باب الأسماء التي لا تنصرف 

إيناس الناس بتفاحة أبي جعفر النحاس لِكَاتِبهِ حَازم خَنْفَر

وَهُوَ شَرْحٌ عَلَى مَتْنِ «التُّفَّاحَة فِي النَّحْوِ»

لِأَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ المُرَادِيِّ المِصْرِيِّ المَعْرُوفِ بِأبِي جَعْفَرٍ النَّحَّاسِ المُتَوَفَّى سَنَةَ (338 هـ

المُقَدّمَة

الحَمْدُ للهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَهَذَا شَرْحٌ وَجِيزٌ لِمُخْتَصَرٍ فِي النَّحْوِ لِلعَلَّامَةِ اللُّغَوِيِّ أَبِي جَعْفَرٍ النَّحَّاسِ، أَسْمَاهُ: (التُّفَّاحَةَ فِي النَّحْوِ)، وَهُوَ مَتْنٌ فَرِيدٌ فِي عِبَارَتِهِ، تُدْرَكُ مَسَائِلُهُ عَلَى غَيْرِ مَشَقَّةٍ؛ مِمَّا يَسْهُلُ عَلَى طَالِبِ النَّحْوِ فَهْمُهُ، وَقَدْ اشْتَمَلَ عَلَى التَّبْوِيبَاتِ الأَسَاسِيَّةِ؛ بَعِيدًا عَنِ تَفْرِيعَاتِ المَسَائِلِ الَّتِي قَدْ تَسْتَشْكِلُ عَلَى المُبْتَدِئِ.

وَلَمْ أَخْرُجْ فِي الشَّرْحِ عَنْ مَسَائِلِ المَتْنِ؛ إِلَّا فِي مَوَاضِعَ يَسِيرَةٍ اقْتضَى فِيهَا الحَالُ التَّشَعُّبَ، وَأَسْمَيْتُ الشَّرْحَ:

إِينَاس النَّاس

بتُفاحَةِ أَبي جَعْفَرٍ النَّحَّاس

وَلَقَدْ هَمَمْتُ بِوَضْعِ حَاشِيَةٍ عَلَى الكِتَابِ، تَشْتَمِلُ عَلَى تَفْرِيعَاتِ المَسَائِلِ؛ جَمْعًا بَيْنَ اسْتِيعَابِ أَسَاسِيَّاتِ عِلْمِ النَّحْوِ وَالإِحَاطَةِ بِفُرُوعِهِ، إِلَّا أَنِّي شُغِلْتُ عَنْ ذَلِكَ؛ رَاجِيًا مِنْهُ - سُبْحَانَهُ - التَّيْسِيرَ لِلشُّرُوعِ فِي وَضْعِهَا؛ إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

حَازِم خَنْفَر

5/ 10 / 1433 هـ ||| 23/ 8 / 2012 م

(1/5)

1 - بَابُ أَقْسَامِ العَرَبيَّةِ

قَالَ المُصَنِّفُ: «اعْلَمْ أَنَّ العَرَبِيَّةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: اسْمٌ، وَفِعْلٌ، وَحَرْفٌ جَاءَ لِمَعْنًى».

(الشَّرْحُ): تَنْقَسِمُ الكَلِمَةُ فِي اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ - لَا رَابِعَ

لَهَا -: اسْمٌ، وَفِعْلٌ، وَحَرْفُ مَعْنًى.

القِسْمُ الأَوَّلُ: الاسْمُ: هُوَ كُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى مَعْنًى فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِزَمَنٍ مَخْصُوصٍ - مِنْ مَاضٍ أَوْ حَاضِرٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ -.

فَمِنْ ذَلِكَ: رَجُلٌ، وَشَجَرَةٌ، وَالضَّرْبُ، وَالأَكْلُ، وَعَالِمٌ، وَمُجْتَهِدٌ.

فَكُلُّ هَذِهِ الأَلْفَاظِ: كَلِمَاتٌ دَلَّتْ عَلَى مَعْنًى فِي نَفْسِهَا.

مِثَالٌ: لَوْ قُلْتَ: (رَجُلٌ) مِنْ غَيْرِ أَنْ تَضَعَهَا فِي جُمْلَةٍ؛ لَوَجَدْتَ لَهَا مَعْنًى فِي مُخَيِّلَتِكَ، وَهُوَ: الذَّكَرُ البَالِغُ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي تَحْقِيقِ هَذَا المَعْنَى إِلْحَاقُ كَلِمَةِ (رَجُلٍ) بِكَلَامٍ آخَرَ، فَالمَعْنَى مُسْتَقِلٌّ بِالكَلِمَةِ نَفْسِهَا.

وَالأَسْمَاءُ لَا تَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ مَخْصُوصٍ؛ أَيْ: بِحَدَثٍ، فَـ (رَجُلٌ) كَلِمَةٌ لَا تَدُلُّ عَلَى حَدَثٍ وَقَعَ أَوْ يَقَعُ أَوْ سَيَقَعُ.

وَقَدْ تَاتِي الأَسْمَاءُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهَا؛ وَمِنْ ذَلِكَ: أَسْمَاءُ الإِشَارَةِ كَـ (هَذَا)

(1/6)

وَأَخَوَاتِهَا، وَالأَسْمَاءُ المَوْصُولَةُ كَـ (الَّذِي) وَأَخَوَاتِهَا، وَالضَّمَائِرُ كَـ (هُوَ وَأَنَا وَأَنْتَ) وَنَحْوِهَا.

القِسْمُ الثَّانِي: الفِعْلُ، وَيُرَادُ بِهِ: كُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى مَعْنًى مُسْتَقِلٍّ فِي نَفْسِهِ مَعَ اقْتِرَانِهِ بِزَمَنٍ مَخْصُوصٍ - مِنْ مَاضٍ أَوْ حَاضِرٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ -.

فَمِنْ ذَلِكَ: قَامَ، وَيَقُومُ، وَقُمْ، وَضَرَبَ، وَيَضْرِبُ، وَاضْرِبْ.

فَكُلُّ هَذِهِ الأَلْفَاظِ: كَلِمَاتٌ دَلَّتْ عَلَى مَعْنًى فِي نَفْسِهَا.

مِثَالٌ: لَوْ قُلْتَ: (قَامَ) مِنْ غَيْرِ أَنْ تَضَعَهَا فِي جُمْلَةٍ؛ لَوَجَدْتَ لَهَا مَعْنًى فِي مُخَيِّلَتِكَ، وَهُوَ: الانْتِصَابُ وَاقِفًا، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي تَحْقِيقِ هَذَا المَعْنَى إِلْحَاقُ كَلِمَةِ (قَامَ) بِكَلَامٍ آخَرَ، فَالمَعْنَى مُسْتَقِلٌّ بِالكَلِمَةِ نَفْسِهَا.

وَهِيَ بِذَلِكَ تُشَابِهُ الأَسْمَاءَ، إِلَّا أَنَّهَا تَخْتَلِفُ عَنْهَا بِاقْتِرَانِهَا بِزَمَنٍ مَخْصُوصٍ؛ أَيْ: بِحَدَثٍ وَقَعَ أَوْ يَقَعُ أَوْ سَيَقَعُ، فَهِيَ بِتَعَلُّقِهَا بِالزَّمَانِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ:

1 - المَاضِي، وَهُوَ: مَا دَلَّ عَلَى حَدَثٍ مَضَى وَوَقَعَ؛ كَقَوْلِكَ: (ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا).

2 - المُضَارِعُ، وَهُوَ: مَا دَلَّ عَلَى حَدَثٍ يَقَعُ فِي الزَّمَنِ الحَاضِرِ أَوْ سَيَقَعُ فِي المُسْتَقْبَلِ؛ كَقَوْلِكَ: (يَضْرِبُ زَيْدٌ عَمْرًا)، وَهُنَا يُنْظَرُ فِي القَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ

(1/7)

وَالمَعْنَوِيَّةِ لِتَحْدِيدِ مَا إِذَا كَانَ المُتَكَلِّمُ يُرِيدُ زَمَنَ الحَاضِرِ أَوْ المُسْتَقْبَلِ.

3 - الأَمْرُ: هُوَ مَا دَلَّ عَلَى حَدَثٍ يُطْلَبُ وُقُوعُهُ فِي المُسْتَقْبَلِ؛ كَقَوْلِكَ: (اضْرِبْ عَمْرًا)، فَلَمْ يَتَحَقَّقِ الضَّرْبُ بَعْدُ.

القِسْمُ الثَّالِثُ: حُرُوفُ المَعَانِي، وَهِيَ: كُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى مَعْنًى فِي غَيْرِهِ؛ فَحُرُوفُ المَعَانِي - كَـ (ثُمَّ) وَنَحْوِهَا - لَا تَسْتَقِلُّ بِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا.

فَمِنْ ذَلِكَ: (أَوْ) وَ (أَمْ) وَ (عَنْ) وَ (لَنْ) - وَغَيْرُهَا -.

فَكُلُّ هَذِهِ الأَلْفَاظِ: كَلِمَاتٌ دَلَّتْ عَلَى مَعْنًى فِي غَيْرِهَا، وَلَا تَسْتَقِلُّ بِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا.

مِثَالٌ: لَوْ قُلْتَ: (ثُمَّ) دُونَ أَنْ تَضَعَهَا فِي جُمْلَةٍ؛ لَمَا وَجَدْتَ لَهَا مَعْنًى فِي مُخَيِّلَتِكَ، فَإِذَا أَلْحَقْتَهَا بِكَلِمَةٍ أُخْرَى فِي جُمْلَةٍ - كَقَوْلِكَ: (قَامَ زَيْدٌ ثُمَّ ذَهَبَ) - لَوَجَدْتَ كَلِمَةَ (ثُمَّ) دَلَّتْ عَلَى مَعْنَى الذَّهَابِ الَّذِي وَقَعَ بَعْدَ القِيَامِ، فَيُشْتَرَطُ فِي تَحْقِيقِ مَعْنًى لِـ (ثُمَّ) إِلْحَاقُهَا بِكَلَامٍ آخَرَ، فَالمَعْنَى غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِالكَلِمَةِ نَفْسِهَا، إِنَّمَا بِغَيْرِهَا.

وَالحُرُوفُ - مِنْ حَيْثُ الاصْطِلَاحُ - تَنْقِسمُ إِلَى نَوْعَيْنِ:

الأَوَّلُ: حُرُوفُ الهِجَاءِ، وَهِيَ الَّتِي تَتَكَوَّنُ مِنْهَا الكَلِمَاتُ؛ كَنَحْوِ (أب ت ث ج) - وَغَيْرِهَا مِنَ الحُرُوفِ -، وَلَيْسَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ مَقَاصِدِ هَذَا

(1/8)

البَابِ.

وَالثَّانِي: حُرُوفُ المَعَانِي، وَهِيَ الَّتِي يَتَحَقَّقُ المَعْنَى فِيهَا بِإِضَافَتِهَا إِلَى الاسْمِ أَوِ الفِعْلِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الحُرُوفِ هُوَ المُرَادُ - هُنَا - فِي هَذَا البَابِ، وَقَدْ تَكُونُ أُحَادِيَّةً أَوْ ثُنَائِيَّةً أَوْ ثُلَاثِيَّةً أَوْ رُبَاعِيَّةً أَوْ خُمَاسِيَّةً؛ كَنَحْوِ (بَاءِ الجَرِّ)، وَ (عَنْ)، وَ (ثُمَّ)، وَ (لَعَلَّ)، وَ (لَكِنَّ).

قَالَ المُصَنِّفُ: «فَالاسْمُ: مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا، أَوْ مَفْعُولًا، أَوْ صَلَحَ فِيهِ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الخَفْضِ؛ مِثْلُ: (رَجُلٍ، وَفَرَسٍ، وَزَيْدٍ، وَعَمْرٍو) - وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ -».

(الشَّرْحُ): لِلاسْمِ عَلَامَاتٌ كَثِيرَةٌ، ذَكَرَ مِنْهَا المُصَنِّفُ ثَلَاثًا:

الأُولَى: كَوْنُهُ فَاعِلًا؛ كَقَوْلِكَ: (قَامَ زَيْدٌ)، فَـ (زَيْدٌ) فَاعِلٌ، وَهُوَ اسْمٌ، فَإِذَا قُلْتَ: (أَكَلَ يَقْرَأُ)، فَهُنَا فِعْلَانِ، وَلَا بُدَّ مِنْ فَاعِلٍ فَعَلَ فِعْلَ الأَكْلِ وَالقِرَاءَةِ، فَلَا يَصِحُّ الفِعْلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا.

الثَّانِيَةُ: كَوْنُهُ مَفْعُولًا؛ كَقَوْلِكَ: (فَهِمَ زَيْدٌ الدَّرْسَ)، فَـ (الدَّرْسَ) مَفْعُولٌ بِهِ، فَهِيَ المَفْهُومُ، وَهِيَ اسْمٌ، فَإِذَا قُلْتَ: (فَهِمَ زَيْدٌ يَقُومُ)، فَلَا يَصِحُّ المَعْنَى فِي الجُمْلَةِ؛ لأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ المَفْهُومُ - فِي المِثَالِ - هُوَ (يَقُومُ).

(1/9)

الثَّالِثَةُ: دُخُولُ حَرْفِ الخَفْضِ - أَيِ الجَرِّ - فِي أَوَّلِهِ؛ كَقَوْلِكَ: (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ)، فَـ (زَيْدٌ) اسْمٌ دَخَلَتْ عَلَيْهِ بَاءُ الجَرِّ، وَصَحَّ المَعْنَى، فَإِذَا قُلْتَ: (مَرَرْتُ بِيَذْهَبُ)، فَلَا يَصِحُّ المَعْنَى؛ لأَنَّ بَاءَ الجَرِّ فِي (بِيَذْهَبُ) دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ.

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَالفِعْلُ: مَا دَلَّ عَلَى المَصْدَرِ، وَحَسُنَ فِيهِ الجَزْمُ وَالتَّصَرُّفُ؛ مِثْلُ: (قَامَ يَقُومُ، وَقَعَدَ يَقْعُدُ) - ومَا أشْبَهَ ذَلِكَ -».

(الشَّرْحُ): ذَكَرَ المُصَنِّفُ ثَلَاثَ عَلَامَاتٍ مِنْ عَلَامَاتِ الفِعْلِ:

الأُولَى: كَوْنُهُ مُشْتَقًّا مِنَ المَصْدَرِ.

فَالأَفْعَالُ لَيْسَتْ مُشْتَقَّةً مِنْ كُلِّ اسْمٍ، بَلْ مِنَ المَصْدَرِ الَّذِي هُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الأَسْمَاءِ المُتَعَلِّقَةِ بِالزَّمَانِ المُطْلَقِ غَيْرِ المُعَيَّنِ؛ كَـ (الضَّرْبِ)؛ فَـ (الضَّرْبُ) مَصْدَرٌ؛ لأَنَّهُ اسْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِزَمَانٍ غَيْرِ مَخْصُوصٍ، فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى حَدَثِ الضَّرْبِ فِي وَقْتٍ دُونَ تَعْيِينِهِ عَلَى زَمَنِ المَاضِي أَوِ الحَاضِرِ أَوِ المُسْتَقْبَلِ، فَإِذَا عَيَّنْتَ زَمَانَهُ قُلْتَ: (ضَرَبَ) أَوْ (يَضْرِبُ) أَوِ (اضْرِبْ).

الثَّانِيَةُ: مَا صَلَحَ فِيهِ الجَزْمُ.

هَذهِ هِيَ العَلَامَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا المُصَنِّفُ فِي تَمْيِيزِ الفِعْلِ عَنْ غَيْرِهِ، وَهِيَ الجَزْمُ، وَهُوَ: حَرَكَةُ السُّكُونِ الَّتِي فِي الحَرْفِ الأَخِيرِ مِنَ الكَلِمَةِ،

(1/10)

وَيَتَنَوَّعُ إِلَى نَوْعَيْنِ:

1 - جَزْمٌ بِالإِعْرَابِ، وَيُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ: بِالجَزْمِ - بَاقِيًا عَلَى اسْمِهِ -.

2 - وَجَزْمٌ بِالبِنَاءِ، وَيُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ: بِالسُّكُونِ.

وَيُرِيدُ المُصَنِّفُ - هُنَا - الجَزْمَ بِالإِعْرَابِ وَلَيْسَ بِالبِنَاءِ، وَإِلَّا فَإِنَّ بَعْضَ حُرُوفِ المَعَانِي عَلَى السُّكُونِ، فَلَا يُقَالُ بِأَنَّهَا أَفْعَالٌ كَـ (مِنْ) وَ (لَمْ)؛ لأَنَّ الجَزْمَ فِيهَا عَلَى البِنَاءِ؛ أَيْ: لَا تَتَغَيَّرُ الحَرَكَةُ فِيهَا، بِخِلَافِ الفِعْلِ الَّذِي تَتَغَيَّرُ حَرَكَتُهُ مِنْ رَفْعٍ وَنَصْبٍ وَجَزْمٍ بِحَسَبِ العَامِلِ فِيهِ - وَسيَاتِي تَفْصِيلُهُ -.

فَالجَزْمُ عَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ الفِعْلِ؛ كَقَوْلِكَ: (لَمْ يَاكُلْ)، وَلَا يَصِحُّ الجَزْمُ لِلاسْمِ.

النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَا صَلَحَ فِيهِ التَّصَرُّفُ؛ بِمَعْنَى: أَنَّهُ يَتَبَدَّلُ وَيَتَقَلَّبُ مِنْ صُورَةٍ إِلَى أُخْرَى بِحَسَبِ الزَّمَانِ، فَلَا يَلْزَمُ صِيغَةً وَاحِدَةً لَا تُفَارِقُهُ، فَالفِعْلُ الوَاحِدُ يَكُونُ فِي صُورَةٍ لِلْمَاضِي وَأُخْرَى لِلْمُضَارِعِ وَأُخْرَى لِلْمُسْتَقْبَلِ؛ كَـ (كَتَبَ) فِي الماضِي، وَ (يَكْتُبُ) فِي المُضَارِعِ، وَ (اكْتُبْ) لِلْأَمْرِ.

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَالحَرْفُ: مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى فِي غَيْرِهِ، وَخَلَا مِنْ دَلِيلِ الاسْمِ وَالفِعْلِ؛ مِثْلُ: (هَلْ، وَبَلْ، وَمِنْ، وَإِلَى، وَمَتَى، وَقَدْ) - وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ -».

(1/11)

(الشَّرْحُ): أَمَّا الحَرْفُ؛ فَهُوَ الَّذِي لَا يَقْبَلُ شَيْئًا مِنْ عَلَامَاتِ الاسْمِ وَالفِعْلِ؛ كَـ (بَلْ)، وَ (مِنْ)، وَ (إِلَى)، وَ (مَتَى)، وَ (قَدْ)، وَ (لَمْ).

فَلَا يَصِحُّ دُخُولُ حَرْفِ الجَرِّ عَلَيْهَا؛ كَقَوْلِكَ (بِلَمْ).

وَلَا تَصِحُّ أَنْ تَكُونَ فَاعِلًا أَوْ مَفْعُولًا؛ كَقَوْلِكَ (ذَهَبَ لَمْ إِلَى المَدْرَسَةِ)، أَوْ (ضَرَبَ زَيْدٌ لَمْ)، فَهَذَا لَا يَصِحُّ.

وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ اشْتِقَاقُهَا مِنَ المَصَادَرِ، فَلَا يُوجَدُ لِـ (لَمْ) مَصْدَرٌ.

وَكَذَلِكَ فَإِنَّ الحَرْفَ لَا يَتَصَرَّفُ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَيْسَ كَالفِعْلِ فإِنَّهُ - كَمَا تَقَدَّمَ - يَتَغَيَّرُ مِنْ صُورَةِ المَاضِي إِلَى المُضَارِعِ إِلَى الأَمْرِ.

وَكَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ فِي الحُرُوفِ الجَزْمُ؛ وَأَمَّا السَّاكِنَةُ مِنْهَا فَهِيَ مَجْزُومَةٌ بِالبِنَاءِ

- كَمَا تَقَدَّمَ -؛ أَيْ: مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّكُونِ وَلَيْسَ مَجْزُومًا بِالإِعْرَابِ، وَسَيَاتِي تَفْصِيلُهُ فِي البَابِ التَّالِي.

(1/12)

2 - بَابُ الإِعْرَابِ

قَالَ المُصَنِّفُ: «اعْلَمْ أَنَّ الإِعْرَابَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: عَلَى الرَّفْعِ، وَالنَّصْبِ، وَالجَرِّ، وَالجَزْمِ».

(الشَّرْحُ): الإِعْرَابُ - اصْطِلَاحًا -: هُوَ التَّغْيِيرُ فِي حَرَكَةِ آخِرِ حَرْفٍ مِنَ الكَلِمَةِ - لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا -؛ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ المَعَانِي المُخْتَلِفَةِ.

وَأَقْسَامُهُ أَرْبَعَةٌ: الرَّفْعُ، وَالنَّصْبُ، وَالجَرُّ، وَالجَزْمُ.

فَلَوْ قُلْتَ: (ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا)، فَرَفَعْتَ آخِرَ حَرْفٍ مِنْ كَلِمَةِ (زَيْد) وَنَصَبْتَ آخِرَ حَرْفٍ مِنْ كَلِمَةِ (عَمْرو): فَإِنَّكَ أَرَدْتَ بِهَذِهِ العِبَارَةِ أَنَّ (زَيْدٌ)

- بِالرَّفْعِ - هُوَ الضَّارِبُ، وَ (عَمْرًا) - بِالنَّصْبِ - هُوَ المَضْرُوبُ.

وَلوَ عَكَسْتَ الرَّفْعَ وَالنَّصْبَ، فَقُلْتَ: (ضَرَبَ زَيْدًا عَمْرٌو)، فَنَصَبْتَ آخِرَ حَرْفٍ مِنْ كَلِمَةِ (زَيْد) وَرَفَعْتَ آخِرَ حَرْفٍ مِنْ كَلِمَةِ (عَمْرو)؛ فَإِنَّكَ أَرَدْتَ بِهَذِهِ العِبَارَةِ أَنَّ (زَيْدًا) - بِالنَّصْبِ - هُوَ المَضْرُوبُ، وَ (عَمْرٌو)

- بِالرَّفْعِ - هُوَ الضَّارِبُ.

وَبِهَذَا اخْتَلَفَ المَعْنَى فِي الجُمْلَتَيْنِ لاخْتِلَافِ أَوَاخِرِ حَرَكَةِ الحُرُوفِ فِيهَا، فَهَذَا هُوَ الإِعْرَابُ؛ وَهُوَ تَمْيِيزُ المَعَانِي المُخْتَلِفَةِ؛ مِنْ فَاعِلٍ وَمَفْعُولٍ - وَغَيْرِهَا

(1/13)

مِنْ أَبْوَابِ النَّحْوِ -.

وَهَذِهِ التَّسْمِيَاتُ لِلْحَرَكَاتِ الأَرْبَعِ هِيَ لأَوَاخِرِ الحُرُوفِ مِنَ الكَلِمَاتِ.

أَمَّا الحَرَكَاتُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى الأَحْرُفِ فِي أَوَّلِ الكَلِمَةِ وَأَوْسَطِهَا فَتُسَمَّى بِـ: الفَتْحِ، وَالضَّمِّ، وَالكَسْرِ، وَالسُّكُونِ.

فَإِذَا أَرَدْتَ ضَبْطَ كَلِمَةِ (جَعْفَرٍ) فِي قَوْلِكَ: (جَاءَ جَعْفَرٌ)؛ تَقُولُ: (جَعْفَرٌ: بِفَتْحِ الجِيمِ وَسُكُونِ العَيْنِ وَفَتْحِ الفَاءِ)، وَلَا تَقُولُ: (بِنَصْبِ الجِيمِ وَجَزْمِ العَيْنِ وَنَصْبِ الفَاءِ)؛ لأَنَّهَا ضَبْطٌ لِأَوَّلِ الكَلِمَةِ وَأَوْسَطِهَا، أَمَّا فِي إِعْرَابِهَا فَتَقُولُ: (جَعْفَرٌ) بِالرَّفْعِ؛ تُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ الحَرْفَ الأَخِيرَ مِنَ الكَلِمَةِ هُوَ بِالضَّمِّ، وَهُوَ الرَّاءُ، فَإِذَا أَرَدْتَ ذِكْرَ عَلَامَةِ الرَّفْعِ قُلْتَ: هِيَ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ الحَرَكَاتِ الأُخْرَى.

قَالَ المُصَنِّفُ: «فَالرَّفْعُ وَالنَّصْبُ مُشْتَرَكٌ فِيهِمَا الأَسْمَاءُ وَالأَفْعَالُ، وَالخَفْضُ لِلأَسْمَاءِ خَاصَّةً دُونَ الأَفْعَالِ، وَالجَزْمُ لِلْأَفْعَالِ خَاصَّةً دُونَ الأَسْمَاءِ، فَإِعْرَابُ الأَسْمَاءِ: رَفْعٌ وَنَصْبٌ وَخَفْضٌ، وَلَا جَزْمَ فِيهَا، وَإِعْرَابُ الأَفْعَالِ: رَفْعٌ وَنَصْبٌ وَجَزْمٌ، وَلَا خَفْضَ فِيهَا».

(الشَّرْحُ): وَهَذِهِ الحَرَكَاتُ الأَرْبَعُ لَيْسَتْ عَامَّةً لِكُلِّ كَلِمَةٍ - مِنَ اسْمٍ وَفِعْلٍ وَحَرْفٍ -، وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ كُلُّ حَرَكَةٍ بِكَلِمَةٍ دُونَ أُخْرَى:

(1/14)

فَالرَّفْعُ وَالنَّصْبُ يَكُونَانِ فِي الأَسْمَاءِ وَالأَفْعَالِ.

أَمَّا الأَسْمَاءُ فَكَقَوْلِكَ: (السَّمَاءُ صَافِيَةٌ) وَ (إِنَّ السَّمَاءَ صَافِيَةٌ)؛ فَـ (السَّمَاء) اسْمٌ، وقَدْ صَحَّ رَفْعُهَا وَنَصْبُهَا فِي المِثَالَيْنِ.

وَأَمَّا الأَفْعَالُ؛ فَكَقَوْلِكَ: (زَيْدٌ يَكْتُبُ) وَ (زَيْدٌ لَنْ يَكْتُبَ)؛ فَـ (يَكْتُب) فِعْلٌ، وَقَدْ صَحَّ رَفْعُهُ وَنَصْبُهُ فِي المِثَالَيْنِ.

وَأَمَّا الجَرُّ فَيَخْتَصُّ بِالأَسْمَاءِ؛ كَقَوْلِكَ: (ذَهَبَ زَيْدٌ إِلَى المَدْرَسَةِ)؛ فَـ (المَدْرَسَةِ) اسْمٌ قَدْ صَحَّ جَرُّهَا، وَلَا يَصِحُّ هَذَا لِلْفِعْلِ.

وَأَمَّا الجَزْمُ فَيَخْتَصُّ بِالأَفْعَالِ، وَهَذَا كَقَوْلِكَ: (زَيْدٌ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى المَدْرَسَةِ)، فَـ (يَذْهَبْ) فِعْلٌ، وَقَدْ صَحَّ جَزْمُهُ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ لِلأَسْمَاءِ.

وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ:

ـ فَإِنَّ الأَسْمَاءَ يَقَعُ فِيهَا الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَالجَرُّ، وَلَا يَقَعُ فِيهَا الجَزْمُ.

ـ وَالأَفْعَالَ يَقَعُ فِيهَا الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَالجَزْمُ وَلَا يَقَعُ فِيهَا الجَرُّ.

هَذَا كُلُّهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالإِعْرَابِ؛ أَيْ: بِالكَلِمَاتِ الَّتِي تَتَغَيَّرُ حَرَكَةُ أَوَاخِرِ حُرُوفِهَا.

أَمَّا الكَلِمَاتُ الَّتِي يَلْزَمُ آخِرُ حَرْفٍ مِنْهَا حَرَكَةً وَاحِدَةً لَا تَتَغَيَّرُ؛ فَيُسَمَّى بِالبِنَاءِ، وَلَمْ يَتَطَرَّقْ إِلَيْهِ المُصَنِّفُ، وَهُوَ خِلَافُ الإِعْرَابِ؛ كَحُرُوفِ المَعَانِي

(1/15)

- مَثَلًا -، فَهِيَ كُلُّهَا عَلَى البِنَاءِ؛ كَـ (لَمْ) وَ (لَنْ).

وَتَسْمِيَةُ أَقْسَامِ البِنَاءِ هِيَ تَسْمِيَةُ الحَرَكَاتِ الأَرْبَعِ الَّتِي تَكُونُ فِي أَوَّلِ الكَلِمَةِ وَأَوْسَطِهَا، وَهِيَ: الضَّمُّ، وَالفَتْحُ، وَالكَسْرُ، وَالسُّكُونُ.

فَالضَّمُّ كَـ (حَيْثُ)، فَيُقَالُ: مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ.

وَالفَتْحُ كَـ (أَيْنَ) وَ (كَتَبَ)؛ فَيُقَالُ: مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ.

وَالسُّكُونُ كَـ (لَمْ) وَ (اكْتُبْ)؛ فَيُقَالُ: مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ.

وَالكَسْرَةُ كَـ (هَؤُلَاءِ)؛ فَيُقَالُ: مَبْنِيٌّ عَلَى الكَسْرِ.

فَفِي هَذِهِ الأَمْثَلِةِ السَّابِقَةِ: لَوْ أَرَدْتَ أنْ تَضَعَ أَيًّا مِنْ هَذِهِ الكَلِماتِ فِي جُمْلَةٍ، ثُمَّ بَحَثْتَ عَنْ عَامِلٍ يُغَيِّرُ حَرَكَةَ آخِرِ حَرْفٍ فِيهَا لَمَا صَحَّ لُغَةً.

فَالبِنَاءُ يَكُونُ عَلَى الضَّمِّ أَوِ الفَتْحِ أَوِ الكَسْرِ أَوِ السُّكُونِ.

وَالمَبْنِيَّاتُ هِيَ: حُرُوفُ المَعَانِي كُلُّهَا، وَالفِعْلُ المَاضِي، وَفِعْلُ الأَمْرِ، وَبَعْضُ أَحْوَالِ الفِعْلِ المُضَارِعِ، وَبَعْضُ الأَسْمَاءِ.

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَرَفْعُ الاسْمِ الوَاحِدِ بِالضَّمَّةِ، وَنَصْبُهُ بِالفَتْحَةِ، وَخَفْضُهُ بِالكَسْرَةِ؛ تَقُولُ فِي الرَّفْعِ: (زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَبَكْرٌ)، وَتَقُولُ فِي النَّصْبِ: (زَيْدًا وَعَمْرًا وَبَكْرًا)، وَتَقُولُ فِي الخَفْضِ: (زَيْدٍ وَعَمْرٍو بَكْرٍ)، عَلَامَةُ الرَّفْعِ فِي هَذِهِ الأَسْمَاءِ: ضَمُّ آخِرِهَا، وَعَلَامَةُ النَّصْبِ: فَتْحُ آخِرِهَا،

(1/16)

وَعَلَامَةُ الخَفْضِ: كَسْرُ آخِرِهَا».

(الشَّرْحُ): شَرَعَ المُصَنِّفُ فِي ذِكْرِ حَالَاتِ الإِعْرَابِ؛ فَبَدَأَ فِي الاسْمِ الوَاحِدِ، ثُمَّ الأَسْمَاءِ الخَمْسَةِ المُعْتَلَّةِ، ثُمَّ جَعَلَ التَّثْنِيَةَ وَالجَمْعَ فِي بَابٍ وَاحِدٍ:

فَالاسْمُ الوَاحِدُ: هُوَ الاسْمُ المُفْرَدُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الوَاحِدِ وَالفَرْدِ؛ كَقَوْلِكَ: (زَيْدٌ)؛ بِخِلَافِ قَوْلِكَ: (الزَّيْدَانِ) وَ (الزَّيْدُونَ).

فَالأَسْمَاءُ المُفْرَدَةُ يَكُونُ: رَفْعُهَا بِضَمِّ آخِرِهَا، وَنَصْبُهَا بِفَتْحِ آخِرِهَا، وَجَرُّهَا بِكَسْرِ آخِرِهَا؛ تَقُولُ: (بَكْرٌ وَبَكْرًا وَبَكْرٍ)، وَتَقُولُ: (عِلْمٌ) وَ (عِلْمًا) وَ (عِلْمٍ).

أَمَّا الرَّفْعُ؛ فَكَقَوْلِكَ: (جَاءَ بَكْرٌ) وَ (العِلْمُ نُورٌ)، فَعَلَامَةُ الرَّفْعِ فِي كُلٍّ مِنْ (بَكْرٌ) وَ (العِلْمُ): الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ.

وَأَمَّا النَّصْبُ؛ فَكَقَوْلِكَ: (عَلَّمَ زَيْدٌ بَكْرًا)، وَ (إِنَّ العِلْمَ نُورٌ)، فَعَلَامَةُ النَّصْبِ فِي (بَكْرًا) وَ (العِلْمَ): الفَتْحَةُ الظَّاهِرَةُ.

وَأَمَّا الجَرُّ؛ فَكَقَوْلِكَ: (مَرَرْتُ بِبَكْرٍ)، وَ (بِالعِلْمِ تَعْرِفُ الحَقَّ)، فَعَلَامَةُ الجَرِّ فِي (بِبَكْرٍ) وَ (بِالعِلْمِ): الكَسْرَةُ الظَّاهِرَةُ.

وَقَدْ يَكُونُ الإِعْرَابُ فِي الاسْمِ المُفْرَدِ مُقَدَّرًا وَلَيْسَ ظَاهِرًا بِسَبَبِ التَّعَذُّرِ أَوِ الاسْتِثْقَالِ أَوِ المُنَاسَبَةِ.

(1/17)

فَالتَعَذُّرُ هُوَ: الاسْمُ الَّذِي آخِرُهُ أَلِفٌ ثَابِتَةٌ، وَيُسَمَّى بِالاسْمِ المَقْصُورِ؛ كَـ (الفَتَى، وَالعَصَا، وَالرِّضَا).

وَالاسْتِثْقَالُ هُوَ: الاسْمُ الَّذِي آخِرُهُ يَاءٌ ثَابِتَةٌ وَيَكُونُ مَا قَبْلَهُ مَكْسُورًا، وَيُسَمَّى بِالاسْمِ المَنْقُوصِ؛ كَـ (القَاضِي وَالرَّامِي).

وَالمُنَاسَبَةُ هِيَ: الاسْمُ المُضَافُ إِلَى يَاءِ المُتَكَلِّمِ؛ كَـ (أُسْتَاذِي وَتِلْمِيذِي وَكِتَابِي).

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَخَمْسَةُ أَسْمَاءٍ مُعْتَلَّةٍ مُضَافَةٍ، رَفْعُهَا: بِالوَاوِ، وَنَصبُهَا: بِالأَلِفِ، وَخَفْضُهَا: بِاليَاءِ؛ وَهِيَ: (أَبُوكَ وَأَخُوكَ وَحَمُوكَ وَفُوكَ وَذُو مَالٍ)، وَالنَّصْبُ: (أَبَاكَ وَأَخَاكَ وَحَمَاكَ وَفَاكَ وَذَا مَالٍ)، وَالخَفْضُ: (أَبِيكَ وَأَخِيكَ وَحَمِيكَ وَفِيكَ وَذِي مَالٍ)».

(الشَّرْحُ): الأَسْمَاءُ الخَمْسَةُ هِيَ: (أَبٌ وَأَخٌ وَحَمٌ وَفُو وَذُو).

وَلِهَذِهِ الأَسْمَاءِ حَالَةٌ إِعْرَابِيَّةٌ خَاصَّةٌ بِشَرْطِ أَنْ يَاتِيَ هَذَا الاسْمُ مُفْرَدًا مُضَافًا؛ كَقَوْلِكَ: (أَبُوكَ) أَوْ (أَبُوهُ) أَوْ (أَبُو فُلَانٍ)، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ الأَسْمَاءَ المَذْكُورَةَ الأُخْرَى.

وَهَذِهِ الأَسْمَاءُ الخَمْسَةُ المُعْتَلَّةُ المُضَافَةُ: تُرْفَعُ بِالوَاوِ، وَتُنْصَبُ بِالأَلِفِ، وَتُجَرُّ بِاليَاءِ.

(1/18)

أَمَّا الرَّفْعُ؛ فَكَقَوْلِكَ: (أَخُوكَ مُسَافِرٌ)، وَأَصْلُ الكَلَامِ: (الأَخُ مُسَافِرٌ)، وَهُوَ مَرْفُوعٌ، وَلَمَّا جَاءَ الاسْمُ المُعْتَلُّ مُضَافًا تَغَيَّرَ الرَّفْعُ مِنَ الضَّمَّةِ إِلَى الوَاوِ.

وَأَمَّا النَّصْبُ؛ فَكَقَوْلِكَ: (إِنَّ أَخَاكَ مُسَافِرٌ)، وَأَصْلُ الكَلَامِ: (إِنَّ الأَخَ مُسَافِرٌ)، وَهُوَ مَنْصُوبٌ، وَلَمَّا جَاءَ الاسْمُ المُعْتَلُّ مُضَافًا تَغَيَّرَ النَّصْبُ مِنَ الفَتْحَةِ إِلَى الأَلِفِ.

أَمَّا الجَرُّ؛ فَكَقَوْلِكَ: (مَرَرْتُ بِأَخِيكَ المُسَافِرِ)، وَأَصْلُ الكَلَامِ: (مَرَرْتُ بِالأَخِ المُسَافِرِ)، وَهُوَ مَجْرُورٌ، وَلَمَّا جَاءَ الاسْمُ المُعْتَلُّ مُضَافًا تَغَيَّرَ الجَرُّ مِنَ الكَسْرَةِ إِلَى اليَاءِ.

وَعَلَى الأَمْثِلَةِ الثَّلاثَةِ قِسِ الأَسْمَاءَ المُعْتَلَّةَ الأُخْرَى؛ فَبِالرَّفْعِ تَقُولُ: (أَبُوكَ وَأَخُوكَ وَحَمُوكَ وَفُوكَ وَذُو مَالٍ)، وَبِالنَّصْبِ تَقُولُ: (أَبَاكَ وَأَخَاكَ وَحَمَاكَ وَفَاكَ وَذَا مَالٍ)، وَبِالجَرِّ تَقُولُ: (أَبِيكَ وَأَخِيكَ وَحَمِيكَ وَفِيكَ وَذِي مَالٍ)».

(1/19)

3 - بَابُ رَفْعِ الاثنَيْنِ وَالجَمْعِ

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَرَفْعُ الاثْنَيْنِ بِالأَلِفِ، وَنَصْبُهُمَا وَخَفْضُهُمَا بِاليَاءِ؛ تَقُولُ فِي الرَّفْعِ: (الزَّيْدَانِ وَالعَمْرَانِ وَالبَكْرَانِ)، وَعَلَامَةُ الرَّفْعِ فِيهِمَا: الأَلِفُ الَّتِي قَبْلَ النُّونِ، وَتَقُولُ فِي النَّصْبِ وَالخَفْضِ: (الزَّيْدَيْنِ وَالعَمْرَيْنِ وَالبَكْرَيْنِ)، وَعَلَامَةُ النَّصْبِ وَالخَفْضِ فِيهِمَا: اليَاءُ الَّتِي قَبْلَ النُّونِ».

(الشَّرْحُ): هَذَا بَابٌ مُكَمِّلٌ لِأَحْوَالِ الإِعْرَابِ، وَهُوَ بَابُ التَّثْنِيَةِ وَالجَمْعِ.

فَالاسْمُ المُثَنَّى: هُوَ كُلُّ اسْمٍ زِيدَ فِي آخِرِهِ عَلَامَةُ التَّثْنِيَةِ عِوَضًا عَنْ ذِكْرِ اسْمٍ آخَرَ مَعَهُ؛ فَقَوْلُكَ: (الزَّيْدَانِ)؛ فَالأَلِفُ هِيَ عِوَضٌ عَنْ قَوْلِكَ: (جَاءَ زَيْدٌ وَزَيْدٌ)، فَتَقُولُ: (جَاءَ الزَّيْدَانِ)، وَكَذَلِكَ قَوْلُكَ: (الهِنْدَانِ)؛ فَالأَلِفُ هِيَ عِوَضٌ عَنْ قَوْلِكَ: (جَاءَتْ هِنْدٌ وَهِنْدٌ)، فَتَقُولُ: (جَاءَتِ الهِنْدَانِ).

وَعَلَامَةُ إِعْرَابِهِ: يُرْفَعُ بِالأَلِفِ، وَيُنْصَبُ وَيُجَرُّ بِاليَاءِ.

فَالرَّفْعُ كَقَوْلِكَ: (قَامَ الزَّيْدَانِ)، فَـ (الزَّيْدَانِ) - هُنَا - عَلَى التَّثْنِيَةِ، مُفْرَدُهُ: (زَيْدٌ)؛ كَقَوْلِكَ: (قَامَ زَيْدٌ)، فَلَمَّا تَغَيَّرَتْ كَلِمَةُ (زَيْدٍ) مِنَ المُفْرَدِ إِلَى

(1/20)

المُثَنَّى (زَيْدَانِ)؛ تَغَيَّرَتْ مَعَهَا حَرَكَةُ الرَّفْعِ بِالضَّمِّ فِي المُفْرَدِ إِلَى الأَلِفِ وَمَعَهَا النُّونُ المَكْسُورَةُ؛ لأَنَّهُ جَاءَ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ.

فَالأَلِفُ هِيَ عَلَامَةُ الرَّفْعِ فِي المُثَنَّى، وَأَمَّا النُّونُ فَسَيَاتِي ذِكْرُهَا.

أَمَّا نَصْبُ الاسْمِ المُثَنَّى فَكَقَوْلِكَ: (ضَرَبَ عَمْرٌو الزَّيْدَيْنِ)، فَـ (الزَّيْدَيْنِ) - هُنَا - عَلَى التَّثْنِيَةِ، مُفْرَدُهُ: (زَيْدًا) كَقَوْلِكَ: (ضَربَ عَمْرٌو زَيْدًا)، فَلَمَّا تَغَيَّرَتْ كَلِمَةُ (زَيْدًا) مِنَ المُفْرَدِ إِلَى المُثَنَّى (زَيْدَيْنِ)؛ تَغَيَّرَتْ مَعَهَا حَرَكَةُ النَّصْبِ بِالفَتْحِ فِي المُفْرَدِ إِلَى اليَاءِ وَمَعَهَا النُّونُ المَكْسُورَةُ؛ لأَنَّهَا جَاءَتْ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ.

فَاليَاءُ: هِيَ عَلَامَةُ النَّصْبِ فِي المُثَنَّى.

أَمَّا جَرُّ الاسْمِ المُثَنَّى فَكَقَوْلِكَ: (مَرَرْتُ بِالزَّيْدَيْنِ)، فَـ (الزَّيْدَيْنِ)

- هُنَا - عَلَى التَّثْنِيَةِ، مُفْرَدُهُ: (زَيْدٍ)؛ كَقَوْلِكَ: (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ)، فَلَمَّا تَغَيَّرَتْ كَلِمَةُ (زَيْدٍ) مِنَ المُفْرَدِ إِلَى المُثَنَّى (زَيْدَيْنِ)؛ تَغَيَّرَتْ مَعَهَا حَرَكَةُ الجَرِّ بِالكَسْرِ فِي المُفْرَدِ إِلَى اليَاءِ وَمَعَهَا النُّونُ المَكْسُورَةُ؛ لأَنَّهَا جَاءَتْ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ.

فَاليَاءُ - أَيْضاً -: هِيَ عَلَامَةُ الجَرِّ فِي المُثَنَّى - كَمَا هِيَ فِي النَّصْبِ -.

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَرَفْعُ الجَمْعِ الَّذِي عَلَى هِجَائَيْنِ: بِالوَاوِ؛ نَحْوُ قَوْلِكَ: (الزَّيْدُونَ وَالعَمْرُونَ وَالبَكْرُونَ)، وَنَصْبُهُمْ وَخَفْضُهُمْ: بِاليَاءِ؛ نَحْوُ

(1/21)

قَوْلِكَ: (الزَّيْدِينَ وَالعَمْرِينَ وَالبَكْرِينَ)».

(الشَّرْحُ): ثُمَّ تَكَلَّمَ المُصَنِّفُ عَنِ الجَمْعِ الَّذِي عَلَى هِجَائِيْنِ، وَيُرِيدُ بِذَلِكَ: الوَاوَ وَالنُّونَ، وَاليَاءَ وَالنُّونَ، وَهُوَ: جَمْعُ المُذَكَّرِ السَّالِمُ.

فَجَمْعُ المُذَكَّرِ السَّالِمُ: هُوَ كُلُّ اسْمٍ زِيدَ فِي آخِرِهِ عَلَامَةُ الجَمْعِ المُذَكَّرِ عِوَضًا عَنْ ذِكْرِ أَكْثَرَ مِنْ اسْمٍ مَعَهُ بِحَيْثُ تَبْقَى حَالَةُ مُفْرَدِهِ كَمَا هِيَ إِذَا جُرِّدَ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ.

فَالزِّيادَةُ فِي جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ - كَمَا تَقَدَّمَ - هِيَ: الوَاوُ وَالنُّونُ، وَاليَاءُ وَالنُّونُ.

فَقَوْلُكَ: (العَامِلُونَ)؛ فَالوَاوُ وَالنُّونُ هِيَ عِوَضٌ عَنْ قَوْلِكَ: (جَاءَ العَامِلُ وَالعَامِلُ وَالعَامِلُ)، فَتَقُولُ: (جَاءَ العَامِلُونَ)؛ فَـ (عَامِلٌ) مَفُرْدٌ، وَبِجَمْعِهَا عَلَى (عَامِلُونَ) بَقِيَتْ حُرُوفُهَا كَمَا هِيَ، وَلَكِنْ زِيدَ فِيهَا فَقَطْ (الوَاوُ وَالنُّونُ)، فَسَلِمَ مِنَ التَّغْيِيرِ عِنْدَ جَمْعِهِ، وَكَذَلِكَ جَمْعُ (عَامِلٍ) عَلَى (عَامِلِينَ) فِي قَوْلِكَ: (مَرَرْتُ بِالعَامِلِينَ)؛ بَقِيَتِ الحُرُوفُ كَمَا هِيَ عَلَى الإِفْرَادِ وَزِيدَ فِيهِ فَقَطْ (اليَاءُ وَالنُّونُ)، فَسَلِمَ مِنَ التَّغْيِيرِ عِنْدَ جَمْعِهِ.

وَجَمْعُ المُذَكَّرِ السَّالِمُ: يُرْفَعُ بِالوَاوِ، وَيُنْصَبُ وَيُجَرُّ بِاليَاءِ.

فَالرَّفْعُ كَقَوْلِكَ: (جَاءَ الزَّيْدُونَ)، فَـ (الزَّيْدُونَ) - هُنَا - جَمْعُ مُذَكَّرٍ

(1/22)

سَالِمٌ، مُفْرَدُهُ: (زَيْدٌ)؛ كَقَوْلِكَ: (جَاءَ زَيْدٌ)، فَلَمَّا تَغَيَّرَتْ كَلِمَةُ (زَيْدٍ) مِنَ المُفْرَدِ إِلَى جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ (الزَّيْدُونَ)؛ تَغَيَّرَتْ مَعَهَا حَرَكَةُ الرَّفْعِ بِالضَّمِّ فِي المُفْرَدِ إِلَى الوَاوِ وَمَعَهَا النُّونُ المَفْتُوحَةُ؛ لأنَّهَا جَاءَتْ بِصِيغَةِ جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ.

فَالوَاوُ هِيَ عَلَامَةُ الرَّفْعِ فِي جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ.

وَمِثْلُهُ: (ذَهَبَ العَمْرُونَ)، وَ (سَافَرَ البَكْرُونَ)، وَ (انْتَصَرَ المُسْلِمُونَ).

أَمَّا نَصْبُ جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ فَكَقَوْلِكَ: (نَصَرَ الحَاكِمُ المُسْتَضْعَفِينَ)، فَـ (المُسْتَضْعَفِينَ) - هُنَا - جَمْعُ مُذَكَّرٍ سَالِمٌ، مُفْرَدُهُ: (المُسْتَضْعَفَ)؛ كَقَوْلِكَ: (نَصَرَ الحَاكِمُ المُسْتَضْعَفَ)، فَلَمَّا تَغَيَّرَتْ كَلِمَةُ (المُسْتَضْعَفَ) مِنَ المُفْرَدِ إِلَى جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ (المُسْتَضْعَفِينَ)؛ تَغَيَّرَتْ مَعَهَا حَرَكَةُ النَّصْبِ بِالفَتْحِ فِي المُفْرَدِ إِلَى اليَاءِ وَمَعَهَا النُّونُ المَفْتُوحَةُ؛ لأَنَّهَا جَاءَتْ بِصِيغَةِ جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ.

فَاليَاءُ هِيَ عَلَامَةُ النَّصْبِ فِي جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ.

أَمَّا جَرُّ جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ فَكَقَوْلِكَ: (إِنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - رَؤُوفٌ بِالمُؤْمِنِينَ)، فَـ (المُؤْمِنِينَ) - هُنَا - جَمْعُ مُذَكَّرٍ سَالِمٌ، مُفْرَدُهُ: (المُؤْمِنِ)؛ كَقَوْلِكَ: (إِنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - رَؤُوفٌ بِالمُؤْمِنِ)، فَلَمَّا تَغَيَّرَتْ كَلِمَةُ (المُؤْمِنِ) مِنَ المُفْرَدِ إِلَى جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ (المُؤْمِنِينَ)؛ تَغَيَّرَتْ مَعَهَا حَرَكَةُ الجَرِّ بِالكَسْرِ فِي المُفْرَدِ إِلَى اليَاءِ وَمَعَهَا النُّونُ المَفْتُوحَةُ؛ لأَنَّهَا جَاءَتْ بِصِيغَةِ جَمْعِ المُذَكَّرِ

(1/23)

السَّالِمِ.

فَاليَاءُ - أَيْضًا -: هِيَ عَلَامَةُ الجَرِّ فِي جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ.

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَنُونُ الاثْنَيْنِ مَكْسُورَةٌ أَبَدًا، وَنُونُ الجَمْعِ مَفْتُوحَةٌ أَبَدًا، وَتَسْقُطَانِ بِالإِضَافَةِ؛ نَحْوُ قَوْلِكَ: (هَذَانِ ابْنَا زَيْدٍ، وَهَؤُلَاءِ بَنُو زَيْدٍ)؛ أَصْلُهُ: (ابْنَانِ وَبَنُونَ)، فَحُذِفَتِ النُّونُ لِلإِضَافَةِ».

(الشَّرْحُ): النُّونُ الوَارِدَةُ فِي الأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ مِنْ هَذَا البَابِ: نُونٌ زَائِدَةٌ، وَتَكُونُ مَكْسُورَةً فِي التَّثْنِيَةِ، وَمَفْتُوحَةً فِي جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ؛ فَتَقُولُ فِي الاسْمِ المُثَنَّى: (الزَّيْدَانِ) بِكَسْرِ النُّونِ الزَّائِدَةِ، وَتَقُولُ فِي جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ: (الزَّيْدُونَ) بِفَتْحِ النُّونِ الزَّائِدَةِ.

وَتُحْذَفُ النُّونُ الزَّائِدَةُ فِي المُثَنَّى وَجَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ عِنْدَ وُقُوعِهِ مُضَافًا.

فَالاسْمُ المُثَنَّى كَقَوْلِكَ: (هَذَانِ ابْنَا زَيْدٍ)، فَـ (ابْنَا) عَلَى التَّثْنِيَةِ، وَهِيَ مُضَافٌ - هُنَا - وَ (زَيْدٍ) مُضَافٌ إِلَيْهِ، وَأَصْلُ الكَلِمَةِ (ابْنَانِ) كَقَوْلِكَ: (هَذَانَ ابْنَانِ لِزَيْدٍ)، فَلَمَّا جُعِلَ السِّيَاقُ عَلَى الإِضَافَةِ حُذِفَتِ النُّونِ.

وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ نَصْبَ الاسْمِ المُثَنَّى المُضَافِ وَجَرَّهُ؛ كَقَوْلِكَ: (ضَرَبْتُ ابْنَيْ زَيْدٍ) وَ (مرَرْتُ بِابْنَيْ زَيْدٍ).

أَمَّا جَمْعُ المُذَكَّرِ السَّالِمُ فَكَقَوْلِكَ: (هَؤُلَاءِ بَنُو زَيْدٍ)؛ فَـ (بَنُو) عَلَى

(1/24)

الجَمْعِ، وَهِيَ مُضَافٌ - هُنَا - وَ (زَيْدٍ) مُضَافٌ إِلَيْهِ، وَأَصْلُ الكَلِمَةِ: (بَنُونَ) كَقَوْلِكَ: (هَؤُلَاءِ بَنُونَ لِزَيْدٍ)، فَلَمَّا جُعِلَ السِّيَاقُ عَلَى الإِضَافَةِ حُذِفَتِ النُّونُ.

وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ نَصْبَ جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ المُضَافِ وَجَرَّهُ؛ كَقَوْلِكَ: (ضَرَبْتُ بَنِي زَيْدٍ) وَ (مرَرْتُ بِبَنِي زَيْدٍ).

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَرَفْعُ فِعْلِ الاثْنَيْنِ وَالجَمْعِ وَمُخَاطبَةِ المُؤَنَّثِ الوَاحِدِ يَكُونُ بِالنُّونِ، وَنَصْبُهَا وَجَزْمُهَا بِحَذْفِ النُّونِ؛ تَقُولُ: (تَذْهَبَانِ، وَتَذْهَبُونَ، وَتَذْهَبِينَ) - وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ -، فَعَلَامَةُ الرَّفْعِ فِي هَذِهِ الأَفْعَالِ ثَبَاتُ النُّونِ، وَتَقُولُ فِي النَّصْبِ وَالجَزْمِ: (لَنْ تَذْهَبَا وَلَمْ تَذْهَبَا، وَلَنْ تَذْهَبُوا وَلَمْ تَذْهَبُوا، وَلَنْ تَذْهَبِي وَلَمْ تَذْهَبِي)، فَعَلَامَةُ النَّصْبِ وَالجَزْمِ فِي الأَفْعَالِ: حَذْفُ النُّونِ».

(الشَّرْحُ): ثُمَّ تَكَلَّمَ المُصَنِّفُ عَنْ أَحْوَالِ الإِعْرَابِ فِي الفِعْلِ، وَيُرِيدُ بِذَلِكَ الأَفْعَالَ الخَمْسَةَ، وَهِيَ: (تَفْعَلَانِ وَيَفْعَلَانِ وَتَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ وَتَفْعَلِينَ)، فَيُرَفْعُ فِيهَا الفِعْلُ بِثُبُوتِ النُّونِ، وَيُنْصَبُ وَيُجَرُّ بِحَذْفِهَا، وَالحَالَاتُ هِيَ:

1 - الفِعْلُ الَّذِي اتَّصَلَتْ بِهِ أَلِفُ الاثْنَيْنِ؛ كَـ (تَذْهَبَانِ) وَ (يَذْهَبَانِ).

(1/25)

2 - الفِعْلُ الَّذِي اتَّصَلَتْ بِهِ وَاوُ الجَمَاعَةِ؛ كَـ (تَذْهَبُونَ) وَ (يَذْهَبُونَ).

3 - الفِعْلُ الَّذِي اتَّصَلَتْ بِهِ يَاءُ المُؤَنَّثَةِ المُخَاطَبَةِ؛ كَـ (تَذْهَبِينَ).

القِسْمُ الأَوَّلُ: الفِعْلُ الَّذِي اتَّصَلَتْ بِهِ أَلِفُ الاثْنَيْنِ:

فَالرَّفْعُ كَقَوْلِكَ: (الطَّالِبَانِ يَذْهَبَانِ إِلَى المَدْرَسَةِ)، فَـ (يَذْهَبَانِ) - هُنَا - اتَّصَلَتْ بِهَا ضَمِيرُ التَّثْنيَةِ وَهُوَ (الأَلِفُ)، وَالأَصْلُ: (يَذْهَبُ)؛ كَقَوْلِكَ: (الطَّالِبُ يَذْهَبُ إِلَى المَدْرَسَةِ).

فَلَمَّا تَحَوَّلَ الكَلَامُ فِي الجُمْلَةِ مِنْ صِيغَةِ الإِفْرَادِ إِلَى التَّثْنِيَةِ؛ تَغَيَّرَتْ مَعَهَا حَرَكَةُ الرَّفْعِ بِالضَمِّ إِلَى ثُبُوتِ النُّونِ مَعَ إِبْقَاءِ أَلِفِ الاثْنَيْنِ.

فَثُبُوتُ النُّونِ هِيَ عَلَامَةُ الرَّفْعِ لِلْفِعْلِ الَّذِي اتَّصَلَ بِهِ (أَلِفُ الاثْنَيْنِ).

وَأَمَّا النَّصْبُ فَكَقَوْلِكَ: (الطَّالِبَانِ لَنْ يَذْهَبَا إِلَى المَدْرَسَةِ)، فَـ (يَذْهَبَا)

- هُنَا - اتَّصَلَتْ بِهَا ضَمِيرُ التَّثْنيَةِ وَهُوَ (الأَلِفُ)، وَالأَصْلُ: (يَذْهَبَ)؛ كَقَوْلِكَ: (الطَّالِبُ لَنْ يَذْهَبَ إِلَى المَدْرَسَةِ).

فَلَمَّا تَحَوَّلَ الكَلَامُ فِي الجُمْلَةِ مِنْ صِيغَةِ الإِفْرَادِ إِلَى التَّثْنِيَةِ؛ تَغَيَّرَتْ مَعَهَا حَرَكَةُ النَّصْبِ بِالفَتْحِ إِلَى حَذْفِ النُّونِ مَعَ إِبْقَاءِ أَلِفِ الاثْنَيْنِ.

وَقِسْ عَلَى النَّصْبِ: الجَزْمَ فِي قَوْلِكَ: (الطَّالِبَانِ لَمْ يَذْهَبَا إِلَى المَدْرَسَةِ).

فَحَذْفُ النُّونِ هِيَ عَلَامَةُ النَّصْبِ وَالجَزْمِ لِلْفِعْلِ الَّذِي اتَّصَلَ بِهِ أَلِفُ

(1/26)

الاثْنَيْنِ.

القِسْمُ الثَّانِي: الفِعْلُ الَّذِي اتَّصَلَتْ بِهِ وَاوُ الجَمَاعَةِ:

فَالرَّفْعُ كَقَوْلِكَ: (الطُّلَّابُ يَذْهَبُونَ إِلَى المَدْرَسَةِ)، فَـ (يَذْهَبُونَ) - هُنَا - عَلَى الجَمْعِ، وَالأَصْلُ: (يَذْهَبُ)؛ كَقَوْلِكَ: (الطَّالِبُ يَذْهَبُ إِلَى المَدْرَسَةِ).

فَلَمَّا تَحَوَّلَ الكَلَامُ فِي الجُمْلَةِ مِنْ صِيغَةِ الإِفْرَادِ إِلَى الجَمْعِ؛ تَغَيَّرَتْ مَعَهَا حَرَكَةُ الرَّفْعِ بِالضَمِّ إِلَى ثُبُوتِ النُّونِ مَعَ إِبْقَاءِ وَاوِ الجَمَاعَةِ.

فَثُبُوتُ النُّونِ هِيَ عَلَامَةُ الرَّفْعِ لِلْفِعْلِ الَّذِي اتَّصَلَتْ بِهِ وَاوُ الجَمَاعَةِ.

وَأَمَّا النَّصْبُ فَكَقَوْلِكَ: (الطُّلَّابُ لَنْ يَذْهَبُوا إِلَى المَدْرَسَةِ)، فَـ (يَذْهَبُوا) - هُنَا - عَلَى الجَمْعِ، وَالأَصْلُ: (يَذْهَبَ)؛ كَقَوْلِكَ: (الطَّالِبُ لَنْ يَذْهَبَ إِلَى المَدْرَسَةِ).

فَلَمَّا تَحَوَّلَ الكَلَامُ فِي الجُمْلَةِ مِنْ صِيغَةِ الإِفْرَادِ إِلَى الجَمْعِ؛ تَغَيَّرَتْ مَعَهَا حَرَكَةُ النَّصْبِ بِالفَتْحِ إِلَى حَذْفِ النُّونِ مَعَ إِبْقَاءِ وَاوِ الجَمَاعَةِ.

وَقِسْ عَلَى النَّصْبِ: الجَزْمَ فِي قَوْلِكَ: (الطُّلَّابُ لَمْ يَذْهَبُوا إِلَى المَدْرَسَةِ).

فَحَذْفُ النُّونِ هِيَ عَلَامَةُ النَّصْبِ وَالجَزْمِ لِلْفِعْلِ الَّذِي اتَّصَلَتْ بِهِ وَاوُ الجَمَاعَةِ.

(1/27)

القِسْمُ الثَّالِثُ: الفِعْلُ الَّذِي اتَّصَلَتْ بِهِ يَاءُ المُؤَنَّثَةِ المُخَاطَبَةِ:

فَالرَّفْعُ كَقَوْلِكَ: (رَأَيْتُكِ تَذْهَبِينَ إِلَى المَدْرَسَةِ)، فَـ (تَذْهَبِينَ) - هُنَا - عَلَى صِيغَةِ المُؤَنَّثِ المُخَاطَبِ، وَالأَصْلُ: (تَذْهَبُ)؛ كَقَوْلِكَ: (رَأَيْتُهَا تَذْهَبُ إِلَى المَدْرَسَةِ).

فَلَمَّا تَغَيَّرَتِ الكَلِمَةُ مِنْ (تَذْهَبُ) بِصِيغَةِ المُؤَنَّثِ الغَائِبِ إِلَى (تَذْهَبِينَ) بِصِيغَةِ المُؤَنَّثِ المُخَاطَبِ؛ تَغَيَّرَتْ مَعَهَا حَرَكَةُ الرَّفْعِ بِالضَمِّ إِلَى ثُبُوتِ النُّونِ مَعَ إِبْقَاءِ يَاءِ المُؤَنَّثَةِ المُخَاطَبَةِ.

فَثُبُوتُ النُّونِ هِيَ عَلَامَةُ الرَّفْعِ لِلْفِعْلِ الَّذِي اتَّصَلَتْ بِهِ يَاءُ المُؤَنَّثَةِ المُخَاطَبَةِ.

أَمَّا النَّصْبُ فَكَقَوْلِكَ: (أَخْبَرُونِي بِأَنَّكِ لَنْ تَذْهَبِي إِلَى المَدْرَسَةِ)، فَـ (تَذْهَبِي) - هُنَا - عَلَى صِيغَةِ المُؤَنَّثِ المُخَاطَبِ، وَالأَصْلُ: (تَذْهَبَ)؛ كَقَوْلِكَ: (أَخْبَرُونِي بِأَنَّهَا لَنْ تَذْهَبَ إِلَى المَدْرَسَةِ).

فَلَمَّا تَغَيَّرَتْ الكَلِمَةُ مِنْ (تَذْهَبَ) بِصِيغَةِ المُؤَنَّثِ الغَائِبِ إِلَى (تَذْهَبِي) بِصِيغَةِ المُؤَنَّثِ المُخَاطَبِ؛ تَغَيَّرَتْ مَعَهَا حَرَكَةُ النَّصْبِ بِالفَتْحِ إِلَى حَذْفِ النُّونِ مَعَ إِبْقَاءِ يَاءِ المُؤَنَّثَةِ المُخَاطَبَةِ.

وَقِسْ عَلَى النَّصْبِ: الجَزْمَ فِي قَوْلِكَ: (أَخْبَرُونِي بِأَنَّكِ لَمْ تَذْهَبِي إِلَى

(1/28)

المَدْرَسَةِ).

فَحَذْفُ النُّونِ هِيَ عَلَامَةُ النَّصْبِ وَالجَزْمِ لِلْفِعْلِ الَّذِي اتَّصَلَتْ بِهِ يَاءُ المُؤَنَّثَةِ المُخَاطَبَةِ.

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَرَفْعُ جَمَاعَةِ المُؤَنَّثِ الَّتِي بِالأَلِفِ وَالتَّاءِ - مِثْلُ (مُسْلِمَاتٍ وَهِنْدَاتٍ) وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ - يَكُونُ: بِضَمِّ التَّاءِ، وَنَصْبُهَا وَخَفْضُهَا: بِكَسْرِ التَّاءِ؛ تَقُولُ فِي الرَّفْعِ: (جَاءَتِ الهِنْدَاتُ)، وَفِي النَّصْبِ وَالخَفْضِ: (رَأَيْتُ الهِنْدَاتِ، وَمَرَرْتُ بِالهِنْدَاتِ)؛ نَصْبُهَا وَخَفْضُهَا سَوَاءٌ».

(الشَّرْحُ): ثُمَّ تَكَلَّمَ المُصَنِّفُ عَنِ جَمْعِ المُؤَنَّثِ السَّالِمِ، وَهُوَ: كُلُّ اسْمٍ جُمِعَ بِأَلِفٍ وَتَاءٍ زَائِدَتَيْنِ فِي آخِرِهِ.

فَقَوْلُكَ: (العَامِلَاتُ)؛ فَالأَلِفُ وَالتَّاءُ هِيَ عِوَضٌ عَنْ قَوْلِكَ: (جَاءَتِ العَامِلَةُ وَالعَامِلَةُ وَالعَامِلَةُ)، فَتَقُولُ: (جَاءَتِ العَامِلَاتُ).

وَجَمْعُ المُؤَنَّثِ السَّالِمُ: يُرْفَعُ بِضَمِّ التَّاءِ، وَيُنْصَبُ وَيُجَرُّ بِكَسْرِهَا.

فَالرَّفْعُ كَقَوْلِكَ: (جَاءَتِ الهِنْدَاتُ)، فَـ (الهِنْدَاتُ) - هُنَا - جَمْعُ مُؤَنَّثٍ سَالِمٌ، مُفْرَدُهُ: (هِنْدٌ)؛ كَقَوْلِكَ: (جَاءَتْ هِنْدٌ).

فَضَمُّ التَّاءِ هِيَ عَلَامَةُ الرَّفْعِ فِي جَمْعِ المُؤَنَّثِ السَّالِمِ.

أَمَّا النَّصْبُ فَكَقَوْلِكَ: (رَأَيْتُ الهِنْدَاتِ)، فَـ (الهِنْدَاتِ) - هُنَا - جَمْعُ

(1/29)

مُؤَنَّثٍ سَالِمٌ، مُفْرَدُهُ: (هِنْدًا)؛ كَقَوْلِكَ: (رَأَيْتُ هِنْدًا).

وَقِسْ عَلَى النَّصْبِ: الكَسْرَ فِي قَوْلِكَ: (مَرَرْتُ بِالهِنْدَاتِ).

فَكَسْرُ التَّاءِ هِيَ عَلَامَةُ النَّصْبِ وَالكَسْرِ فِي جَمْعِ المُؤَنَّثِ السَّالِمِ.

(1/30)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

إيناس الناس بتفاحة أبي جعفر النحاس

4 - بَابُ أَقْسَامِ الأَفْعَالِ

قَالَ المُصَنِّفُ: «اعْلَمْ أَنَّ الأَفْعَالَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: فِعْلٌ مَاضٍ، وَفِعْلٌ مُسْتَقْبِلٌ، وَالأَمْرُ، وَالنَّهْيُ».

(الشَّرْحُ): تَقَدَّمَ أَنَّ الفِعْلَ يُرَادُ بِهِ: كُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى مَعْنًى مُسْتَقِلٍّ فِي نَفْسِهِ مَعَ اقْتِرَانِهِ بِزَمَانٍ مَخْصُوصٍ - مِنْ مَاضٍ أَوْ حَاضِرٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ -؛ كَقَوْلِكَ: (ضَرَبَ يَضْرِبُ اضْرِبْ، وَقَامَ يَقُومُ قُمْ، وَجَلَسَ يَجْلِسُ اجْلِسْ).

وَقَدْ قَسَّمَ المُصَنِّفُ الفِعْلَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: مَاضٍ، وَمُسْتَقْبِلٍ، وَأَمْرٍ، وَنَهْيٍ.

وَالمُسْتَقرُّ عِنْدَ أَهْلِ النَّحْوِ أَنَّهُ عَلَى ثَلاثَةٍ: المَاضِي، وَالمُضَارِعِ، وَالأَمْرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي البَابِ الأَوَّلِ.

وَلَا إِشْكَالَ - هُنَا - بِالشَّرْحِ عَلَى طَرِيقَةِ المُصَنِّفِ وَمَسْلَكِهِ فِي تَقْسِيمِ الأَفْعَالِ؛ فَهِيَ مُصْطَلَحَاتٌ لَا مُشَاحَّةَ فِيهَا مَا لَمْ تُغَيِّرْ مِنَ القَوَاعِدِ النَّحْوِيَّةِ الَّتِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهَا عُلَمَاءُ النَّحْوِ.

قَالَ المُصَنِّفُ: «فَالمَاضِي: مَا حَسُنَ فِيهِ (أَمْسِ)، وَهُوَ مَفْتُوحُ الآخِرِ أَبَدًا، نَحْوُ: (سَارَ وَبَانَ وَخَرَجَ وَغَدَا وَرَاحَ)».

(1/31)

(الشَّرْحُ): النَّوْعُ الأَوَّلُ مِنَ الأَفْعَالِ: هُوَ المَاضِي، وَهُوَ: مَا دَلَّ عَلَى فِعْلٍ انْقَضَى زَمَانُهُ وَحَدَثُهُ؛ أَيْ: قَبْلَ التَّكَلُّمِ بِهِ؛ كَقَوْلِكَ: (ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا)، فَـ (ضَرَبَ) فِعْلٌ، وَقَدْ تَحَقَّقَ الضَّرْبُ وَانْقَضَى قَبْلَ زَمَانِ التَّكَلُّمِ.

وَمَيَّزَهُ المُصَنِّفُ بِصِحَّةِ دُخُولِ كَلِمَةِ (أَمْسِ) مَعَهُ، فَإِنَّهُ إِذَا زِدْتَ عَلَى المِثَالِ السَّابِقِ (أَمْسِ) فَقُلْتَ: (ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا أَمْسِ) صَحَّ المَعْنَى، وَإِذَا قُلْتَ: (زَيْدٌ يَضْرِبُ عَمْرًا أَمْسِ) لَمْ يَصِحَّ المَعْنَى؛ لأَنَّ الفِعْلَ (يَضْرِبُ) لَيْسَ فِعْلًا مَاضِيًا.

وَيُبْنَى المَاضِي عَلَى الفَتْحِ؛ فَتَقُولُ: (سَارَ)، وَ (بَانَ)، وَ (خَرَجَ)، وَ (رَاحَ)، وَ (اسْتَقَامَ)، وَ (اسْتَفْسَرَ)، وَ (تَدَحْرَجَ).

وَقَدْ يُبْنَى عَلَى الفَتْحِ تَقْدِيرًا وَلَيْسَ لَفْظًا - لِلتَعَذُّرِ -؛ كَقَوْلِكَ: (رَأَى).

وَهُنَاكَ حَالَتَانِ يُبْنَى فِيهَا المَاضِي عَلَى غَيْرِ الفَتْحِ:

1 - اتِّصَالُهُ بِبَعْضِ الضَّمَائِرِ؛ كَقَوْلِكَ: (شَرِبْتُ المَاءَ)، وَ (شَرِبْتَ المَاءَ)، وَ (شَرِبْنَ المَاءَ)، وَ (شَرِبْنَا المَاءَ)، فَتَجِدُ أَنَّ البَاءَ فِي (شَرِبَ) أَصْبَحَتْ سَاكِنَةً عِنْدَ اتِّصَالِ هَذِهِ الضَّمَائِرِ، فَيُبْنَى فِي هَذِهِ الحَالَةِ عَلَى السُّكُونِ.

2 - اتِّصَالُهُ بِوَاوِ الجَمَاعَةِ؛ فَيُبْنَى عَلَى الضَّمِّ؛ كَقَوْلِكَ: (التَّلَامِيذُ ذَهَبُوا إِلَى المَدْرَسَةِ)، فَـ (ذَهَبُوا) فِعْلٌ مَاضٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَاوُ الجَمَاعَةِ، وَأَصْلُ الفِعْلِ

(1/32)

هُوَ مِنْ (ذَهَبَ) المَبْنِيِّ عَلَى الفَتْحِ، وَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَاوُ الجَمَاعَةِ أَصْبَحَتْ حَرَكَةُ البَاءِ هِيَ بِالضَّمِّ، فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الحَالَةِ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ.

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَالمُضَارِعُ: مَا كَانَ فِي أَوَّلِهِ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الاسْتِقْبَالِ؛ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَحْرُفٍ: (التَّاءُ وَاليَاءُ وَالنُّونُ وَالأَلِفُ)؛ كَقَوْلِكَ: (تَقُومُ وَيَقُومُ وَنَقُومُ وَأَقُومُ) - وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ -، وَهَذِهِ الأَفْعَالُ مَرْفُوعَةٌ أَبَدًا؛ مَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا نَاصِبٌ يَنْصِبُهَا أَوْ جَازِمٌ يَجْزِمُهَا، وَلَهُمَا مَوْضِعَانِ يُذْكَرَانِ فِيهِ».

(الشَّرْحُ): النَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الأَفْعَالِ: هُوَ المُضَارِعُ، وَهُوَ: مَا دَلَّ عَلَى فِعْلٍ لَمْ يَنْقَضِ زَمَانُهُ وَحُدُوثُهُ - حَاضِرًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا -؛ كَقَوْلِكَ: (يَضْرِبُ زَيْدٌ عَمْرًا)، وَهُنَا يُنْظَرُ فِي القَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ وَالمَعْنَوِيَّةِ لِتَحْدِيدِ مَا إِذَا كَانَ الكَلَامُ يُرَادُ بِهِ زَمَنُ الحَاضِرِ أَوْ المُسْتَقْبَلِ.

وَمَيَّزَهُ المُصَنِّفُ بِدُخُولِ أَحَدِ هَذِهِ الحُرُوفِ فِي أَوَّلِهِ، وَهِيَ: (التَّاءُ وَاليَاءُ وَالنُّونُ وَالأَلِفُ)؛ كَقَوْلِكَ: (تَقُومُ وَيَقُومُ وَنَقُومُ وَأَقُومُ) - وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ -.

فَالتَّاءُ فِي (تَقُومُ) لِلمُخَاطَبِ، وَاليَاءُ فِي (يَقُومُ) لِلْغَائِبِ، وَالأَلِفُ فِي (أَقُومُ) لِلْمُتَكَلِّمِ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ شَارَكَهُ فِي الفِعْلِ، وَالنُّونُ فِي (نَقُومُ) لِلْمُتَكَلِّمِ الَّذِي شَارَكَهُ غَيْرُهُ فِي الفِعْلِ.

(1/33)

وَالفِعْلُ المُضَارِعُ يَقَعُ فِيهِ الإِعْرَابُ وَالبِنَاءُ.

أَمَّا الإِعْرَابُ؛ فَالأَصْلُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا دَائِمًا؛ إِلَّا إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ عَامِلُ جَزْمٍ أَوْ نَصْبٍ، وَسَيَاتِي تَفْصِيلُهُ فِي بابَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ.

وَأَمَّا البِنَاءُ؛ فَلِلْمَضارِعِ حَالَتَانِ يُبْنَى عَلَيْهَا:

1 - عِنْدَ اتِّصَالِهِ بِنُونِ التَّوْكِيدِ، فَيُبْنَى عَلَى الفَتْحِ؛ كَقَوْلِكَ: (لأَذْهَبَنَّ إِلَى البَيْتِ)، فَـ (البَاءُ) فِي (لأَذْهَبَنَّ) مَفْتُوحَةٌ لِاتِّصَالِهَا بِنُونِ التَّوْكِيدِ.

2 - عِنْدَ اتِّصَالِهِ بِنُونِ النِّسْوَةِ؛ فَيُبْنَى عَلَى السُّكُونِ؛ كَقَوْلِكَ: (يَذْهَبْنَ الطَّالِبَاتُ إِلَى المَدْرَسَةِ)؛ فَالبَاءُ فِي (يَذْهَبْنَ) عَلَى السُّكُونِ لاتِّصَالِهَا بِنُونِ النِّسْوَةِ.

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَأَمَّا الأَمْرُ وَالنَّهْيُ؛ فَنَحْوُ قَوْلِكَ: (قُمْ وَاذْهَبْ، وَلَا تَدْخُلْ وَلَا تَخْرُجْ)، وَهُمَا مَجْزُومَانِ؛ إِلَّا أَنْ يَسْتَقْبِلَهُمَا أَلِفٌ وَلَامٌ أَوْ أَلِفُ وَصْلٍ، فَيُكْسَرَانِ حِينَئِذٍ؛ كَقَوْلِكَ: (اضْرِبِ القَوْمَ وَاطْلُبِ الخَيْرَ، وَلَا تَطْلُبِ الشَّرَّ)؛ كُسِرَتِ البَاءُ مِنَ (اطْلُبْ، وَلَا تَطْلُبْ)؛ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ

- وَهُمَا البَاءُ وَاللَّامُ -، وَمِثْلُهُ: (أَكْرِمِ القَوْمَ، وَادْخُلِ الدَّارَ، وَأَدِّبِ ابْنَكَ، وَلَا تُطِعِ امْرَأَتَكَ)، وَقِسْ عَلَيْهِ».

(الشَّرْحُ): النَّوْعَانِ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ: هُمَا الأَمْرُ وَالنَّهْيُ.

(1/34)

فِعْلُ الأَمْرِ: هُوَ مَا دَلَّ عَلَى فِعْلٍ سَيَنْقَضِي فِي المُسْتَقْبَلِ بَعْدَ طَلَبِ حُدُوثِهِ؛ أَيْ: بَعْدَ التَّكَلُّمِ بِهِ؛ كَقَوْلِكَ: (اضْرِبْ عَمْرًا)، فَلَمْ يَتَحَقَّقِ الضَّرْبُ بَعْدُ.

فَالأَمْرُ: هُوَ مَا دَلَّ عَلَى الطَّلَبِ؛ كَقَوْلِكَ: (قُمْ) وَ (اذْهَبْ).

وَالأَصْلُ فِي فِعْلِ الأَمْرِ أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى السُّكُونِ.

وَهُنَاكَ حَالَاتٌ يُبْنَى فِيهَا عَلَى غَيْرِ السُّكُونِ:

1 - يُبْنَى عَلَى حَذْفِ النُّونِ المُلْحَقَةِ بِالأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وَهِيَ: (تَفْعَلَانِ وَيَفْعَلَانِ وَتَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ وَتَفْعَلِينَ)، فَإِذَا أَرَدْتَ فِعْلَ الأَمْرِ مِنْهَا تَقُولُ: (افْعَلَا وَافْعَلُوا وَافْعَلِي) حَذَفْتَ النُّونَ؛ كَقَوْلِكَ: (اجَتْهِدَا وَاجْتَهِدُوا وَاجْتَهِدِي).

2 - يُبْنَى عَلَى حَذْفِ حَرْفِ العِلَّةِ فِي قَولِكَ: (رَمَى)؛ فَتَقُولُ (ارْمِ) حَذَفْتَ اليَاءَ.

3 - يُبْنَى عَلَى الفَتْحِ إِذَا اتَّصَلَتْ بِهِ نُونُ التَّوْكِيدِ؛ كَقَوْلِكَ: (تَجَنَّبَنَّ الغَضَبَ).

وَهُنَاكَ حَالَةٌ أُخْرَى لِلْبِنَاءِ لَا تُعَدُّ مِنْ حَالَاتِ البِنَاءِ الأَصْلِيَّةِ المَذْكُورَةِ لفِعْلِ الأَمْرِ، وَهِيَ: الْتِقَاءُ السَّاكِنَيْنِ.

(1/35)

وَيُرَادُ بِهَا: الْتِقَاءُ آخِرِ حَرْفٍ سَاكِنٍ مِنْ فِعْلِ الأَمْرِ بِأَوَّلِ حَرْفٍ مَنْطُوقٍ سَاكِنٍ مِنْ أَوَّلِ كَلِمَةٍ بَعْدَهُ، وَتَكُونُ عِنْدَ دُخُولِ الأَلِفِ وَاللَّامِ أَوْ أَلِفِ الوَصْلِ فِي الاسْمِ الَّذِي بَعْدَ الفِعْلِ.

أَمَّا الأَلِفُ وَاللَّامُ؛ فَكَقَوْلِكَ: (اضْرِب القَوْمَ)، فَالبَاءُ فِي (اضْرِبْ) عَلَى السُّكُونِ، وَاللَّامُ فِي (القَوْمِ) عَلَى السُّكُونِ - وَهُوَ أَوَّلُ حَرْفٍ مَنْطُوقٍ وَلَيْسَتِ الأَلِفُ -، فَإِذَا أَرَدْتَ النُّطْقَ عَلَى سَاكِنَيْنَ وَوَصَلْتَهُمَا قُلْتَ: (اضْرِبْلْقَوْمَ)، فَالْتَقَى سَاكِنَانِ هُمَا البَاءُ وَاللَّامُ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّخَلُّصِ مِنْ هَذَا الالْتِقَاءِ، وَذَلِكَ بِكَسْرِ آخِرِ حَرْفٍ مِنْ فِعْلِ الأَمْرِ؛ فَتَقُولُ: (اضرِبِلْقَوْمَ).

وَأَمَّا أَلِفُ الوَصْلِ؛ فَكَقَوْلِكَ: (أَدِّبْ ابْنَكَ)؛ فَالبَاءُ فِي (أَدِّبْ) عَلَى السُّكُونِ، وَالبَاءُ فِي (ابْنَكَ) عَلَى السُّكُونِ - وَهُوَ أَوَّلُ حَرْفٍ مَنْطُوقٍ وَلَيْسَتِ الأَلِفُ -، فَإِذَا أَرَدْتَ النُّطْقَ عَلَى سَاكِنَيْنَ وَوَصَلْتَهُمَا قُلْتَ: (أَدِّبْبْنَكَ)، فَالْتَقَى سَاكِنَانِ هُمَا البَاءُ فِي (أَدِّبْ) وَالبَاءُ فِي (ابْنَكَ)، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّخَلُّصِ مِنْ هَذَا الالْتِقَاءِ، وَذَلِكَ بِكَسْرِ آخِرِ حَرْفٍ مِنْ فِعْلِ الأَمْرِ؛ فَتَقُولُ: (أَدِّبِبْنَكَ).

فَفِعْلُ الأَمْرِ - فِي حَالَةِ الْتِقَاءِ سَاكِنَيْنِ -: يُكْسَرُ لَفْظًا وَيُبْنَى عَلَى السُّكُونِ تَقْدِيرًا.

أَمَّا فِعْلُ النَّهْيِ فَعُدَّ مِنْ أَنْوَاعِ الفِعْلِ المُضَارِعِ المَجْزُومِ عِنْدَ أَهْلِ النَّحْوِ،

(1/36)

وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى النَّهْيِ؛ كَقَوْلِكَ: (لَا تَدْخُلْ) وَ (لَا تَخْرُجْ) - وَسَيَاتِي -.

وَفِي حَالَةِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ: يُكْسَرُ لَفْظًا وَيُجْزَمُ عَلَى السُّكُونِ تَقْدِيرًا؛ فَتَقُولُ: (لَا تَضْرِبِ القَوْمَ) بِكَسْرِ البَاءِ؛ لِلتَّخَلُّصِ مِنَ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.

(1/37)

5 - بَابُ الفَاعِلِ وَالمَفْعُولِ بهِ

قَالَ المُصَنِّفُ: «الفَاعِلُ رَفْعٌ أَبَدًا - تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ -، وَالمَفْعُولُ بِهِ نَصْبٌ أَبَدًا - تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ -؛ تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: (ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا)؛ رَفَعْتَ زَيْدًا لِأَنَّهُ فَاعِلٌ، وَنَصَبْتَ عَمْرًا لِأنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، وَمِثْلُهُ: (أَكْرَمَ أَخُوكَ أَبَاكَ) وَ (رَكِبَ زَيْدٌ فَرَسَكَ) وَ (دَخَلَ عَمْرٌو دَارَكَ)، وَقِسْ عَلَيْهِ».

(الشَّرْحُ): هَذَا بَابُ الجُمْلَةِ الفِعْلِيَّةِ؛ فَكُلُّ جُمْلَةٍ تَتَكَوَّنُ مِنْ فِعْلٍ وَفَاعِلٍ تُسَمَّى: جُمْلَةً فِعْلِيَّةً.

وَقَدْ عَلِمْتَ - فِيمَا سَبَقَ - أَنَّ الفِعْلَ مُتَعَلِّقٌ بِأَحَدِ الأَزْمَنَةِ الثَّلَاثَةِ: المَاضِي وَالحَاضِرِ وَالمُسْتَقْبَلِ؛ فَالفِعْلُ هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ حَدَثٍ حَصَلَ أَوْ يَحْصُلُ أَوْ سَيَحْصُلُ.

وَلَا تَتَحَقَّقُ الفَائِدَةُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ مَنْ هُوَ الَّذِي أَحْدَثَ هَذَا الحَدَثَ؛ فَلِكُلِّ فِعْلٍ فَاعِلٌ، وَهَذَا الحَدَثُ وَالفِعْلُ يَكُونُ مِنَ الفَاعِلِ عَلَى مَفْعُولٍ وَقَعَ عَلَيْهِ هَذَا الحَدَثُ.

فَالفَاعِلُ: هُوَ كُلُّ اسْمٍ وَقَعَ الفِعْلُ مِنْهُ، وَالمَفْعُولُ بِهِ: هُوَ كُلُّ اسْمٍ وَقَعَ عَلَيْهِ هَذَا الفِعْلُ.

(1/38)

فَإِذَا قُلْتَ: (ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا)، فَـ (ضَرَبَ) فِعْلٌ مَضَى وَحَدَثٌ انقَضَى، فَالجُمْلَةُ إِخْبَارٌ عَنْ حَدَثٍ حَصَلَ فِي المَاضِي وَهُوَ (الضَّرْبُ).

وَالسُّؤَالُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا الضَّرْبَ؟ وَمَنِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ هَذَا الضَّرْبُ؟

أَيْ: مَنِ الَّذِي ضَرَبَ؟ وَمَنِ الَّذِي ضُرِبَ؟

فَالجَوَابُ: أَنَّكَ إِذَا جَعَلْتَ الحَدَثَ فِي مُخَيِّلَتِكَ وَكَأَنَّهُ حَاصِلٌ أَمَامَكَ؛ رَأَيْتَ أَنَّ (زَيْدًا) هُوَ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ فِعْلُ الضَّرْبِ؛ أَيْ: هُوَ الَّذِي ضَرَبَ، وَأَنَّ (عَمْرًا) هُوَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ فِعْلُ الضَّرْبِ؛ أَيْ: هُوَ الَّذِي ضُرِبَ.

فَـ (زَيْدٌ) هُوَ الفَاعِلُ - أَيِ الضَّارِبُ - الَّذِي فَعَلَ فِعْلَ الضَّرْبِ، وَ (عَمْرٌو) هُوَ المَفْعُولُ - أَيِ المَضْرُوبُ - الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الضَّرْبُ، فَفِي الجُمْلَةِ السَّابِقَةِ: (زَيْدٌ) فَاعِلٌ، وَ (عَمْرًا) مَفْعُولٌ بِهِ.

وَمِثْلُهُ: قَوْلُكَ: (أَكْرَمَ أَخُوكَ أَبَاكَ)، فَـ (الأَخُ) هُوَ الفَاعِلُ لأَنَّهُ المُكْرِمُ، وَ (الأَبُ) هُوَ المَفْعُولُ بِهِ لأَنَّهُ المُكْرَمُ.

وَمِنْ ذَلِكَ: قَوْلُكَ: (رَكِبَ زَيْدٌ فَرَسَكَ)، فَـ (زَيْدٌ) هُوَ الفَاعِلُ لأَنَّهُ الرَّاكِبُ، وَ (الفَرَسُ) هُوَ المَفْعُولُ بِهِ لأَنَّهُ المَرْكُوبُ.

وَكَذَلِكَ: قَوْلُكَ: (دَخَلَ عَمْرٌو دَارَكَ)، فَـ (عَمْرٌو) هُوَ الفَاعِلُ لأَنَّهُ الدَّاخِلُ، وَ (الدَّارُ) هِيَ المَفْعُولُ بِهِ لأَنَّهَا المَدْخُولَةُ.

(1/39)

وَقِسْ عَلَى الأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ كُلَّ مَا أَشْكَلَ عَلَيْكَ مِنَ الجُمَلِ الفِعْلِيَّةِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الأَصْلَ فِي الفَاعِلِ أَنْ يَليَ الفِعْلَ، وَلَكِنْ قَدْ يَتَأَخَّرُ الفَاعِلُ وَيَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ المَفْعُولُ بِهِ؛ كَقَوْلِكَ: (ضَرَبَ عَمْرًا زَيْدٌ)، وَ (أَكْرَمَ أَبَاكَ أَخُوكَ) وَ (دَخَلَ الدَّارَ عَمْرٌو).

فَالفَاعِلُ - مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا -: يَكُونُ مَرْفُوعًا دَائِمًا، وَالمَفْعُولُ بِهِ

- مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا -: يَكُونُ مَنْصُوبًا دَائِمًا.

فَفِي المِثَالِ السَّابِقِ: (ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا)؛ فَـ (زَيْدٌ) مَرْفُوعٌ لأَنَّهُ فَاعِلٌ، وَ (عَمْرًا) مَنْصُوبٌ لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، وَلَوَ قَدَّمْتَ المَفْعُولَ بِهِ وَأَخَّرْتَ الفَاعِلَ؛ فَقُلْتَ: (ضَرَبَ عَمْرًا زَيْدٌ)؛ لَبَقِيَ رَفْعُ الفَاعِلِ عَلَى حَالِهِ، وَنَصْبُ المَفْعُولِ بِهِ عَلَى حَالِهِ.

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَتَقُولُ فِي التَّثْنِيَةِ: (ضَرَبَ الزَّيْدَانِ العَمْرَيْنِ)، وَفِي الجَمَاعَةِ: (ضَرَبَ الزَّيْدُونَ العَمْرِينِ)، وَإِنَّمَا قُلْتَ: (ضَرَبَ)، وَلَمْ تَقُلْ: (ضَرَبُوا) وَهُمْ جَمَاعَةٌ؛ لأَنَّ الفِعْلَ إِذَا تَقَدَّمَ وُحِّدَ، وَإِذَا تَأَخَّرَ ثُنِّيَ وَجُمِعَ لِلضَّمِيرِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ؛ نَحْوُ قَوْلِكَ: (زَيْدٌ قَامَ) وَ (الزَّيْدَانِ وَالزَّيْدُونَ: قَامَا قَامُوا)؛ ثَنَّيْتَ (قَامَ) وَجَمَعْتَهُ لأَنَّهُ فِعْلٌ مُتَأَخِّرٌ».

(الشَّرْحُ): قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الفَاعِلَ لَا يَكُونُ إِلَّا اسْمًا، وَأَنَّ الاسْمَ المُثَنَّى

(1/40)

يُرْفَعُ بِالأَلِفِ وَيُنْصَبُ وَيُجَرُّ بِاليَاءِ، وَأَنَّ جَمْعَ المُذَكَّرِ السَّالِمَ يُرْفَعُ بِالوَاوِ وَيُنْصَبُ وَيُجَرُّ اليَاءِ، فَتَقُولُ فِي التَّثْنِيَةِ: (ضَرَبَ الزَّيْدَانِ العَمْرَيْنِ)، وَتَقُولُ فِي جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ: (ضَرَبَ الزَّيْدُونَ العَمْرِينَ).

ثُمَّ نَبَّهَ المُصَنِّفُ - هُنَا - إِلَى أَنَّ ثَمَّةَ حَالَتَيْنِ لِلفِعْلِ إِذَا اقْتَرَنَ مَعَ الفَاعِلِ الَّذِي جَاءَ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ وَبِصِيغَةِ الجَمْعِ.

الحَالَةُ الأُولَى: أَنْ يَتَقَدَّمَ الفِعْلُ عَلَى الفَاعِلِ؛ فَفِي هَذِهِ الحَالَةِ يَبْقَى الفِعْلُ عَلَى إِفْرَادِهِ؛ كَقَوْلِكَ: (ضَرَبَ الزَّيْدَانِ العَمْرَيْنِ) وَ (ضَرَبَ الزَّيْدُونَ العَمْرِينَ).

فَالجُمْلَةُ الأُولَى بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ، وَالثَّانِيَةُ بِصِيغَةِ الجَمْعِ، وَبَقِيَ الفِعْلُ (ضَرَبَ) عَلَى إِفْرَادِهِ فِي الجُمْلَتَيْنِ، وَلَمْ نَقُلْ: (ضَرَبَا الزَّيْدَانِ العَمْرَيْنِ) وَ (ضَرَبُوا الزَّيْدَانِ العَمْرِينَ)؛ لأَنَّ الفِعْلَ (ضَرَبَ) تَقَدَّمَ الفَاعِلَ (الزَّيْدَانِ) فِي الجُمْلَةِ الأُولَى، وَتَقَدَّمَ الفَاعِلَ (الزَّيْدُونَ) فِي الجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ بَقِيَ الفِعْلُ عَلَى إِفْرَادِهِ.

الحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ يَتَأَخَّرَ الفِعْلُ عَنِ الفَاعِلِ؛ فَفِي هَذِهِ الحَالَةِ يَتْبَعُ الفِعْلُ الضَّمِيرَ المَقرُونَ بِهِ - مُسْتَتِرًا أَوْ بَارِزًا - وَيُصْبِحُ الضَّمِيرُ هُوَ الفَاعِلَ؛ فَتَقُولُ: (زَيْدٌ قَامَ) وَ (الزَّيْدَانَ قَامَا) وَ (الزَّيْدُونَ قَامُوا).

(1/41)

فَالضَّمِيرُ فِي (زَيْدٌ قَامَ): مُسْتَتِرٌ؛ تَقْدِيرُهُ (زَيْدٌ قَامَ هُوَ)، وَالضَّمِيرُ هُوَ الفَاعِلُ - هُنَا -.

وَالضَّمِيرُ فِي (الزَّيْدَانِ قَامَا): هُوَ الأَلِفُ الأَخِيرَةُ المُتَّصِلَةُ بِـ (قَامَا)، وَهُوَ الفَاعِلُ - هُنَا -.

وَالضَّمِيرُ فِي (الزَّيْدُونَ قَامُوا): هُوَ الوَاوُ المُتَّصِلَةُ بِـ (قَامُوا)، وَهُوَ الفَاعِلُ - هُنَا -.

فَالجُمْلَةُ الأُولَى بِصِيغَةِ الإِفْرَادِ، وَالثَّانِيَةُ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ، وَالثَّالِثَةُ بِصِيغَةِ الجَمْعِ.

فَفِي الجُمَلِ الثَّلَاثِ: تَأَخَّرَ الفِعْلُ (قَامَ) عَنِ الفَاعِلِ (زَيْدٌ) وَ (الزَّيْدَانِ) وَ (الزَّيْدُونَ)، وَلَمَّا تَأَخَّرَ؛ قُلْنَا: (قَامَ) فِي الأُولَى، وَ (قَامَا) فِي الثَّانِيَةِ، وَ (قَامُوا) فِي الثَّالِثَةِ؛ لأَنَّ الفِعْلَ - فِي هَذِهِ الحَالَةِ - أَصْبَحَ عَائِدًا عَلَى الضَّمِيرِ الَّذِي أَصْبَحَ هُوَ الفَاعِلَ، وَيَصْبِحُ إِعْرَابُ (زَيْدٌ) وَ (الزَّيْدَانِ) وَ (الزَّيْدُونَ) عَلَى الابْتِدَاءِ، وَيكونُ الخَبَرُ: الجُمْلَةَ الفِعْلِيَّةَ المُكَوَّنَةَ مِنَ الفِعْلِ وَالفَاعِلِ - الَّذِي هُوَ الضَّمِيرُ -، فَالخَبَرُ: (قَامَ هُوَ) فِي الأُولَى، وَ (قَامَا) فِي الثَّانِيَةِ، وَ (قَامُوا) فِي الثَّالِثَةِ.

(1/42)

6 - بَابُ الابْتِدَاءِ

قَالَ المُصَنِّفُ: «اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ اسْمٍ يُبْتَدَأُ بِهِ وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ عَامِلٌ نَاصِبٌ أَوْ خَافِضٌ فَإِنَّهُ رَفْعٌ، وَخَبْرُهُ رَفْعٌ مِثْلُهُ إِذَا كَانَ اسْمًا وَاحِدًا؛ نَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: (زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ)؛ رَفَعْتَ (زَيْدًا) بِالابْتِدَاءِ، وَرَفَعْتَ (مُنْطَلِقًا) لأَنَّهُ خَبَرُ الابْتِدَاءِ».

(الشَّرْحُ): (المُبْتَدَأُ): هُوَ كُلُّ اسْمٍ مَرْفُوعٍ تَبْتَدِئُ بِهِ الكَلَامَ لِتَتَحَدَّثَ عَنْهُ بِأَمْرٍ مَا؛ فَإِذَا قُلْتَ: (زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ)؛ فَهِيَ جُمْلَةٌ مُفِيدَةٌ، أُخْبِرَ بِهَا عَنْ شَيءٍ، فَفِيهَا مَا أُخْبِرَ عَنْهُ، وَفِيهَا مَا أُخْبِرَ بِهِ، فَـ (زَيْدٌ) هُوَ المُخْبَرُ عَنْهُ وَ (الانِطْلَاقُ) هُوَ المُخْبَرُ بِهِ.

فَأَنْتَ تَحَدَّثْتَ عَنْ (زَيْدٍ) بِأَنَّهُ مُنْطَلِقٌ، فَـ (زَيْدٌ) هُوَ الشَيْءُ الَّذِي تُرِيدُ أَنْ تَتَحَدَّثَ عَنْهُ، وَ (الانْطِلَاقُ) هُوَ الأَمْرُ الَّذِي تُرِيدُ أَنْ تَتَحَدَّثَ بِهِ عَنْ (زَيْدٍ).

وَلَوْ عَكَسْتَ فَقُلْتَ بِأَنَّ (الانْطِلَاقَ) هُوَ الشَّيءُ الَّذِي تُرِيدُ أَنْ تَتَحَدَّثَ عَنْهُ وَأَنَّ (زَيْدًا) هُوَ الأَمْرُ الَّذِي تُرِيدُ أَنْ تُخْبِرَ بِهِ؛ لَمَا صَحَّ؛ فَكَأَنَّكَ تَقُولُ: (تَحَدَّثْتُ عَنِ الانْطِلَاقِ بِأَنَّهُ زَيْدٌ)، فَلَيْسَ لِلْعِبَارَةِ مَعْنًى.

فَكُلُّ اسْمٍ ابْتَدَاتَ الكَلَامَ بِهِ وَتَحَدَّثْتَ عَنْهُ فَهُوَ مُبْتَدَأٌ، وَمَا تَحَدَّثْتَ بِهِ فِي

(1/43)

الجُمْلَةِ فَهُوَ خَبَرُهُ وَإِنْ كَانَ هَذَا الخَبَرُ جُمْلَةً أَوْ شِبْهَ جُمْلَةٍ؛ كَقَوْلِكَ: (زَيْدٌ يُسَاعِدُنِي فِي الدِّرَاسَةِ) (وَزَيْدٌ فِي البَيْتِ)؛ فَفِي الأُولَى: تَحَدَّثْتَ عَنْ (زَيْدٍ) بِأَنَّهُ يُسَاعِدُكَ فِي الدِّرَاسَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ: تَحَدَّثْتَ عَنْ (زَيْدٍ) بِأَنَّهُ فِي البَيْتِ.

وَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ التَّعْرِيفِ: الاسْمُ الَّذِي بَدَاتَ بِهِ الكَلَامَ وَلَكِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ عَامِلُ نَصْبٍ أَوْ جَزْمٍ؛ كَقَوْلِكَ: (كِتَابًا قَرْاتُ)؛ فَـ (كِتَابًا) اسْمٌ بُدِئَ بِهِ الكَلَامُ، وَلَكِنَّهُ مَنْصُوبٌ، فَلَيْسَ بِمُبْتَدإٍ، لأَنَّ أَصْلَ الجُمْلَةِ هُوَ: (قَرَاتُ كِتَابًا)؛ فَهِيَ جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ تَقَدَّمَ فِيهَا المَفْعُولُ بِهِ، وَكَذَلِكَ فَإِنَّكَ لَا تُرِيدُ أَنْ تَتَحَدَّثَ عَنِ الكِتَابِ بِشَيْءٍ، فَلَا يَصِحُّ الكِتَابُ - هُنَا - عَلَى الابْتِدَاءِ لأَكْثَرَ مِنْ وَجْهٍ.

وَنَبَّهَ المُصَنِّفُ إِلَى أَنَّ الخَبَرَ مَرْفُوعٌ فِي حَالَةِ كَوْنِهِ اسْمًا وَاحِدًا - أَيْ: لَيْسَ بِجُمْلَةٍ وَلَا شِبْهِ جُمْلَةٍ -؛ كَقَوْلِكَ: (زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ) وَ (البَابُ مُغْلَقٌ)، فَـ (مُنْطَلِقٌ) خَبَرٌ مَرْفُوعٌ، وَ (مُغْلَقٌ) خَبَرٌ مَرْفُوعٌ، أَمَّا إِذَا قُلْتَ: (زَيْدٌ فِي البَيْتِ) فَالخَبَرُ هُوَ شِبْهُ الجُمْلَةِ: (فِي البَيْتِ)، وَهُوَ خَبَرٌ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ، وَشِبْهُ الجُمْلَةِ جَارٌّ وَمَجْرُورٌ.

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَتَثْنِيَتُهُ: (الزَّيْدَانِ مُنْطَلِقَانِ)، وَجَمْعُهُ: (الزَّيْدُونَ مُنْطَلِقُونَ)، وَمِثْلُهُ: (أَبُوكَ جَالِسٌ) وَ (المَاءُ بَارِدٌ) وَ (النَّهَارُ طَوِيلٌ) وَ (اللَّيْلُ

(1/44)

قَصِيرٌ)».

(الشَّرْحُ): قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ المُبْتَدَأَ هُوَ اسْمٌ؛ فَأَحْوَالُ الإِعْرَابِ لِلْمُبْتَدَإِ هِيَ أَحْوَالُ الإِعْرَابِ فِي الاسْمِ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ - أَيْضًا - أَنَّ الاسْمَ المُثَنَّى يُرْفَعُ بِالأَلِفِ وَيُنْصَبُ وَيُجَرُّ بِاليَاءِ، وَجَمْعَ المُذَكَّرِ السَّالِمَ يُرْفَعُ بِالوَاوِ وَيُنْصَبُ وَيُجَرُّ بِاليَاءِ، وَالأَسْمَاءَ الخَمْسَةَ المُعْتَلَّةَ المُضَافَةَ: تُرْفَعُ بِالوَاوِ وَتُنْصَبُ بِالأَلِفِ وَتُجَرُّ بِاليَاءِ، وَالاسْمَ المُفْرَدَ: يُرْفَعُ بِضَمِّ الآخِرِ وَيُنْصَبُ بِفَتْحِهِ وَيُجَرُّ بِكَسْرِهِ.

فَتَقُولُ فِي تثْنِيَةِ المُبْتَدَإِ: (الزَّيْدَانِ مُنْطَلِقَانِ)، وَتَقُولُ فِي جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ: (الزَّيْدُونَ مُنْطَلِقُونَ)، وَتَقُولُ فِي الأَسْمَاءِ الخَمْسَةِ المُضَافَةِ: (أَبُوكَ جَالِسٌ)، وَتَقُولُ فِي الاسْمِ المُفْرَدِ: (المَاءُ بَارِدٌ)، وَ (النَّهارُ طَوِيلٌ)، وَ (اللَّيْلُ قَصِيرٌ).

وَكُلُّ مَا ذُكِرَ هِيَ أَمْثِلَةٌ لِلْمُبْتَدَإِ وَالخَبَرِ.

(1/45)

7 - بَابُ حُرُوفِ الخَفْضِ

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَهِيَ: مِنْ، وَإِلَى، وَعَنْ، وَفِي، وَأَعْلَى، وَأَسْفَلَ، وَخَلْفَ، وَقُدَّامَ، وَوَرَاءَ، وَأَمَامَ، وَفَوْقَ، وَتَحْتَ، وَوَسَطَ، وَبَيْنَ، وَحِذَاءَ، وَتِلْقَاءَ، وَإِزَاءَ، وَقُرْبَ، وَعِنْدَ، وَمَعَ، وَقَبْلَ، وَبَعْدَ، وَحَوْلَ، وَحَسْبُ، وَنَحْوَ، وَمُذْ، وَرُبَّ، وَكُلُّ، وَبَعْضُ، وَمِثْلُ، وَشِبْهُ، وَغَيْرَ، وَذُو، وَذَاتُ، وَذَوَاتُ، وَوَيْلَ، وَوَيْحَ، وَوَيْسَ، وَحَاشَا، وَخَلَا، وَسِوَى، وَمَا بَالُ، وَمَا شَانُ، وَسُبْحَانَ، وَمَعَاذَ، وَلَدَى، وَلَدُنْ، وَ (كَمْ) فِي الخَبَرِ، و (حَتَّى) عَلَى الغَايَةِ، وَالوَاوُ بِمَعْنَى رُبَّ، وَالكَافُ الزَّائِدَةُ، وَاللَّامُ الزَّائِدَةُ، وَالبَاءُ الزَّائِدَةُ، وَحُرُوفُ القَسَمِ - وَهِيَ: الوَاوُ وَالبَاءُ وَالتَّاءُ وَلَعَمْرِي وَأَيْمُ وَهَيْمُ -.

اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الحُرُوفَ تَخْفِضُ مَا بَعْدَهَا؛ تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: (كَتَبْتُ إِلَى زَيْدٍ)؛ خَفَضْتَ زَيْدًا بِـ (إِلَى)، وَمِثْلُهُ: (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ) وَ (حَدَّثْتُ عَنْ بَكْرٍ) وَ (جَلَسْتُ عِنْدَ أَخِيكَ) وَ (وَاللهِ لَا كَلَّمْتُكَ)، وَقِسْ عَلَيْهِ».

(الشَّرْحُ): هَذَا بَابٌ لِلْحُرُوفِ وَالأَسْمَاءِ الَّتِي تَجُرُّ مَا بَعْدَهَا، وَقَدْ يَجْرِي فِي اسْتِعْمَالِ بَعْضِ المُتَقَدِّمِينَ إِطْلَاقُ مُصْطَلَحِ (الحَرْفِ) عَلَى أَيِّ كَلِمَةٍ مَهْمَا كَانَ نَوْعُهَا، ولِهَذَا سَمَّاهُ المُصَنِّفُ: (بَابَ حُرُوفِ الخَفْضِ) مَعَ أَنَّهُ يَشْمَلُ الأَسْمَاءَ

(1/46)

- أَيْضًا -، وَكَذَلِكَ صَنَعَ فِي بَعْضِ الأَبْوَابِ الأُخْرَى، وَهَذَا مَسْلَكُ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ؛ يَخْلِطُونَ الأَسْمَاءَ بِالحُرُوفِ فِي الاصْطِلَاحَاتِ النَّحْوِيَّةِ.

وَقَدْ فَاتَ المُصَنِّفَ ذِكْرُ بَعْضِ الحُرُوفِ وَالأَسْمَاءِ الَّتِي تَجُرُّ مَا بَعْدَهَا، وَاكْتَفَيْتُ بِمَا أَوْرَدَهُ، فَأَقُولُ:

الخَفْضُ يَكُونُ بِـ: بِحُرُوفٍ أَوْ ظُرُوفٍ أَوْ أَسْمَاءَ، أَوْ بِالإِضَافَةِ.

فَمِنَ الحُرُوفِ: (مِنْ)، وَ (إِلَى)، وَ (عَنْ)، وَ (فِي)، وَ (مُذْ)، وَ (رُبَّ)، و (حَتَّى) - عَلَى الغَايَةِ -، وَوَاوُ (رُبَّ)، وَالكَافُ الزَّائِدَةُ، وَاللَّامُ الزَّائِدَةُ، وَالبَاءُ الزَّائِدَةُ.

فَتَقُولُ: (كَتَبْتُ إِلَى زَيْدٍ)، وَ (حَدَّثْتُ عَنْ بَكْرٍ)، وَمِثْلُهَا حُرُوفُ الجَرِّ الأُخْرَى المَذْكُورَةُ.

وَمِنَ الظُّرُوفِ: (أَعْلَى)، وَ (أَسْفَلَ)، وَ (خَلْفَ)، وَ (قُدَّامَ)، وَ (وَرَاءَ)، وَ (أَمَامَ)، وَ (فَوْقَ)، وَ (تَحْتَ)، وَ (وَسَطَ)، وَ (بَيْنَ)، وَ (حِذَاءَ)، وَ (تِلْقَاءَ)، وَ (إِزَاءَ)، وَ (قُرْبَ)، وَ (عِنْدَ)، وَ (مَعَ)، وَ (قَبْلَ)، وَ (بَعْدَ)، وَ (حَوْلَ)، وَ (نَحْوَ)، وَ (لَدَى)، وَ (لَدُنْ).

فَتَقُولُ: (جَلَسْتُ عِنْدَ أَخِيكَ)، وَمِثْلُهَا الظُّرُوفُ الأُخْرَى المَذْكُورَةُ.

وَمِنْ غَيْرِ الظُّرُوفِ: (حَسْبُ)، وَ (كُلُّ)، وَ (بَعْضُ)، وَ (مِثْلُ)،

(1/47)

وَ (شِبْهُ)، وَ (غَيْرُ)، وَ (ذُو)، و (ذَاتُ)، وَ (ذَوَاتُ)، وَ (وَيْلَ)، وَ (وَيْحَ)، وَ (وَيْسَ)، وَ (مَا بَالُ)، وَ (مَا شَانُ)، وَ (سُبْحَانَ)، وَ (مَعَاذَ)، وَ (كَم) الخَبَرِيَّةُ.

فَتَقُولُ: (حَسْبُ زَيْدٍ دِرْهَمٌ)، وَمِثْلُهَا: الأَسْمَاءُ الأُخْرَى المَذْكُورَةُ.

وَمِنْ أَدَوَاتِ الاسْتِثْنَاءِ: حَاشَا، وَخَلَا، وَسِوَى.

فَتَقُولُ: (قَامَ القَوْمُ حَاشَا زَيْدٍ)، وَمِثْلُهَا أَدَوَاتُ الاسْتِثْنَاءِ الأُخْرَى المَذْكُورَةُ.

وَمِنْ حُرُوفِ القَسَمِ: الوَاوُ وَالبَاءُ وَالتَّاءُ وَلَعَمْرِي وَأَيْمُ وَهَيْمُ.

فَتَقُولُ: (وَاللهِ لَا كَلَّمْتُكَ)، وَمِثْلُهَا حُرُوفُ القَسَمِ الأُخْرَى المَذْكُورَةُ.

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَإِذَا أَضَفْتَ اسْمًا إِلَى اسْمٍ فَالثَّانِي مَخْفُوضٌ بِالإِضَافَةِ؛ تَقُولُ: (غُلَامُ زَيْدٍ) وَ (فَرَسُ عَمْرٍو) وَ (دَارُ أَخِيكَ) وَ (ثَوْبُ أَبِيكَ)؛ خَفَضْتَ الثَّانِي فِي كُلِّ ذَلِكَ بِإِضَافَةِ الأَوَّلِ إِلَيْهِ».

(الشَّرْحُ): الإِضَافَةُ هِيَ: إِضَافَةُ اسْمٍ إِلَى آخَرَ عَلَى تَقْدِيرِ حَرْفِ جَرٍّ، أَوْ إِضَافَةُ صِفَةٍ إِلَى مَوْصُوفٍ.

أَمَّا إِضَافَةُ اسْمٍ إِلَى اسْمٍ آخَرَ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ حُرُوفٍ:

الأَوَّلُ: تَقْدِيرُ اللَّامِ؛ كَقَوْلِكَ: (هَذَا كِتَابُ زَيْدٍ)؛ أَيْ: (هَذَا كِتَابٌ

(1/48)

لِزَيْدٍ).

وَالثَّانِي: تَقْدِيرُ (مِنْ)؛ كَقَوْلِكَ: (هَذَا خَاتَمُ حَدِيدٍ)؛ أَيْ: (هَذَا خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ).

وَالثَّالِثُ: تَقْدِيرُ (فِي)؛ كَقَوْلِكَ: (حَضَرْتُ دَرْسَ المَسَاءِ)؛ أَيِ: (حَضَرْتُ الدَّرْسَ الَّذِي فِي المَسَاءِ).

أَمَّا إِضَافَةُ الصِّفَةِ إِلَى المَوْصُوفِ؛ فَكَقَوْلِكَ: (حَارِسُ المَنْزِلِ)؛ أَيِ: الحَارِسُ الَّذِي يَحْرُسُ المَنْزِلَ.

فَإِذَا أَرَدْتَ تَمْيِيزَ الإِضَافَةِ عَنْ غَيْرِهَا فِي اسْمَيْنِ مُتَتَالِيَيْنِ فَقَدِّرْ أَحَدَ الأَحْرُفِ السَّابِقَةِ أَوْ قَدِّرْ نِسْبَةَ الصِّفَةِ إِلَى المَوْصُوفِ، فَإِنْ صَحَّ المَعْنَى كَانَ الاسْمُ الأَوَّلُ مُضَافًا وَالثَّانِي مُضَافًا إِلَيْهِ، وَإِنْ فَسَدَ المَعْنَى لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ المُضَافَ إِلَيْهِ يَكُونُ مَجْرُورًا دَائِمًا؛ فَتَقُولُ: (غُلَامُ زَيْدٍ)، وَ (فَرَسُ عَمْرٍو)، وَ (دَارُ أَخِيكَ)، وَ (ثَوْبُ أَبِيكَ).

فَكُلُّ اسْمٍ أَضَفْتَهُ إِلَى آخَرَ فَالثَّانِي مَجْرُورٌ بِالإِضَافَةِ، وَيُسَمَّى: مُضَافًا إِلَيْهِ.

وَيَدْخُلُ فِي مَسْأَلَةِ المُضَافِ وَالمُضَافِ إِلَيْهِ: بَعْضُ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا البَابِ فِي القِسْمِ الأَوَّلِ مِنْهُ.

(1/49)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

إيناس الناس بتفاحة أبي جعفر النحاس

8 - بَابُ الحُرُوفِ الَّتِي تَنْصِبُ الأَسْمَاءَ وَتَرْفَعُ الأَخْبَارَ

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَهِيَ: (إِنَّ، وَأَنَّ، وَلِأَنَّ، وَكَأَنَّ، وَلَيْتَ، وَلَعَلَّ، وَلَكِنَّ).

تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: (إِنَّ زَيْدًا قَائِمٌ)؛ نَصَبْتَ زَيْدًا بِـ (إِنَّ)، وَرَفَعْتَ (قَائِمًا) لأَنَّهُ خَبَرُ (إِنَّ).

وَفِي التَّثْنِيَةِ: (إِنَّ الزَّيْدَيْنِ قَائِمَانِ)، وَفِي الجَمَاعَةِ: (إِنَّ الزَّيْدِينَ قَائِمُونَ).

وَمِثلُهُ: (لَيْتَ عَمْرًا قَادِمٌ) وَ (لَعَلَّ أَخَاكَ شَاخِصٌ) وَ (كَأَنَّ عَبْدَ اللهِ أَمِيرٌ)، وَقِسْ عَلَيْهِ».

(الشَّرْحُ): هَذَا بَابٌ لِلْحُرُوفِ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَى الجُمْلَةِ الاسْمِيَّةِ، فَتَنْصِبُ المُبْتَدَأَ - وَيَكُونُ اسْمًا لَهَا -، وَتَرَفْعُ الخَبَر - وَيَكُونُ خَبَرًا لَهَا -.

وَهَذِهِ الحُرُوفُ: هِيَ (إِنَّ)، وَ (أَنَّ)، وَ (لِأَنَّ)، وَ (كَأَنَّ)، وَ (لَكِنَّ)

- بِالتَّشْدِيدِ -، وَ (لَعَلَّ)، وَ (لَيْتَ).

وَتُعْرَفُ بِـ (إِنَّ وَأَخَوَاتِهَا).

فَتَقُولُ: (إِنَّ زَيْدًا قَائِمٌ)، وَلَوْ أَرْجَعْتَ الجُمْلَةَ إِلَى أَصْلِهَا وَحَذَفْتَ (إِنَّ)؛ لَكَانَتْ: (زَيْدٌ قَائِمٌ)، فَـ (زَيْدٌ) مُبْتَدَأٌ، وَ (قَائِمٌ) خَبَرٌ، فَلَمَّا زِيدَ حَرْفُ

(1/50)

(إِنَّ) نُصِبَ المُبْتَدَأُ وَأَصْبَحَ اسْمَهَا، وَبَقِيَ الخَبَرُ عَلَى الرَّفْعِ وَأَصْبَحَ خَبَرَهَا، فَـ (زَيْدًا) اسْمُ (إِنَّ) مَنْصُوبٌ، وَ (قَائِمٌ) خَبَرُ (إِنَّ) مَرْفُوعٌ.

وَمِثْلُهُ: قَوْلُكَ: (لَيْتَ عَمْرًا قَادِمٌ)، وَأَصْلُ العِبَارَةِ: (عَمْرٌو قَادِمٌ)، فَـ (عَمْرٌو) مُبْتَدَأٌ، وَ (قَادِمٌ) خَبَرٌ، فَلَمَّا زِيدَ حَرَفُ (لَيْتَ) نُصِبَ المُبْتَدَأُ وَأَصْبَحَ اسْمَهَا، وَبَقِيَ الخَبَرُ عَلَى الرَّفْعِ وَأَصْبَحَ خَبَرَهَا، فَـ (عَمْرًا) اسْمُ (لَيْتَ) مَنْصُوبٌ، وَ (قَادِمٌ) خَبَرُ (لَيْتَ) مَرْفُوعٌ.

وَكَذَلِكَ: قَوْلُكَ: (كَأَنَّ عَبْدَ اللهِ أَمِيرٌ)، فَعِنْدَ حَذْفِ العَامِلِ تَكُونُ العِبَارَةُ: (عَبْدُ اللهِ أَمِيرٌ)، فَـ (عَبْدُ) مُبْتَدَأٌ، وَ (أَمِيرٌ) خَبَرٌ، فَلَمَّا زِيدَ حَرَفُ (كَأَنَّ) نُصِبَ المُبْتَدَأُ وَأَصْبَحَ اسْمَهَا، وَبَقِيَ الخَبَرُ عَلَى الرَّفْعِ وَأَصْبَحَ خَبَرَهَا، فَـ (عَبْدَ): اسْمُ (كَأَنَّ) مَنْصُوبٌ، وَ (أَمِيرٌ): خَبَرُ (كَأَنَّ) مَرْفُوعٌ.

وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ الحُرُوفَ الأُخْرَى الَّتِي فِي هَذَا البَابِ.

وَأَحْوَالُ الإِعْرَابِ فِي هَذَا البَابِ هِيَ أَحْوَالُ الإِعْرَابِ فِي الأَسْمَاءِ؛ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الاسْمَ المُثَنَّى يُرْفَعُ بِالأَلِفِ وَيُنْصَبُ وَيُجَرُّ بِاليَاءِ، وَجَمْعَ المُذَكَّرِ السَّالِمَ يُرْفَعُ بِالوَاوِ وَيُنْصَبُ وَيُجَرُّ بِاليَاءِ، وَالأَسْمَاءَ الخَمْسَةَ المُعْتَلَّةَ المُضَافَةَ: تُرْفَعُ بِالوَاوِ وَتُنْصَبُ بِالأَلِفِ وَتُجَرُّ بِاليَاءِ، وَالاسْمَ المُفْرَدَ: يُرْفَعُ بِضَمِّ الآخِرِ وَيُنْصَبُ بِفَتْحِهِ وَيُجَرُّ بِكَسْرِهِ.

(1/51)

فَتَقُولُ فِي التَّثْنِيَةِ فِي هَذَا البَابِ: (إِنَّ الزَّيْدَيْنِ قَائِمَانِ)، وَتَقُولُ فِي جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِمِ: (إِنَّ الزَّيْدِينَ قَائِمُونَ)، وَتَقُولُ فِي الأَسْمَاءِ الخَمْسَةِ المُضَافَةِ: (لَعَلَّ أَخَاكَ شَاخصٌ).

(1/52)

9 - بَابُ الحُرُوفِ الَّتِي تَرْفَعُ الأَسْمَاءَ وَتَنْصِبُ الأَخْبَارَ

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَهِيَ: (كَانَ، وَصَارَ، وَظَلَّ، وَبَاتَ، وَأَمْسَى، وَأَصْبَحَ، وَلَمْ يَزَلْ، وَلَا يَزَالُ، وَمَا زَالَ، وَمَا دَامَ، وَمَا انْفَكَّ).

تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: (كَانَ زَيْدٌ قَائِمًا)؛ رَفَعْتَ زَيْدًا لِأَنَّهُ اسْمُ (كَانَ)، وَنَصَبْتَ قَائِمًا لأَنَّهُ خَبَرُ (كَانَ).

وَفِي التَّثْنِيَةِ: (كَانَ الزَّيْدَانِ قَائِمَيْنِ)، وَفِي الجَمَاعَةِ: (كَانَ الزَّيْدُونَ قَائِمِينَ).

وَمِنْهُ: (صَارَ عَبْدُ اللهِ أَمِيرًا) و (أَصْبَحَ أَخُوكَ شَاخِصًا) وَ (أَمْسَى مُحَمَّدٌ سَائِرًا) وَ (مَا زَالَ أَبُوكَ مُحْسِنًا)».

(الشَّرْحُ): هَذَا بَابٌ لِلْأَفْعَالِ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَى الجُمْلَةِ الاسْمِيَّةِ، فَتَرْفَعُ المُبْتَدَأَ - وَيَكُونُ اسْمًا لَهَا -، وَتَنْصِبُ الخَبَر - وَيَكُونُ خَبَرًا لَهَا -.

وَمِنْ هَذِهِ الأَفْعَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا المُصَنِّفُ: (كَانَ)، وَ (صَارَ)، وَ (ظَلَّ)، وَ (بَاتَ)، وَ (أَمْسَى)، وَ (أَصْبَحَ)، وَ (لَمْ يَزَلْ)، وَ (لَا يَزَالُ)، وَ (مَا زَالَ)، وَ (مَا دَامَ)، وَ (مَا انْفَكَّ).

وَتُعْرَفُ بِـ (كَانَ وَأَخَوَاتِهَا).

فَتَقُولُ: (كَانَ زَيْدٌ قَائِمًا)، وَلَوْ أَرْجَعْتَ الجُمْلَةَ إِلَى أَصْلِهَا وَحَذَفْتَ

(1/53)

(كَانَ)؛ لَكَانَتْ: (زَيْدٌ قَائِمٌ)، فَـ (زَيْدٌ) مُبْتَدَأٌ، وَ (قَائِمٌ) خَبَرٌ، فَلَمَّا زِيدَتْ (كَانَ) بَقِيَ المُبْتَدَأُ عَلَى الرَّفْعِ وَأَصْبَحَ اسْمَهَا، وَنُصِبَ الخَبَرُ وَأَصْبَحَ خَبَرَهَا، فَـ (زَيْدٌ) اسْمُ (كَانَ) مَرْفُوعٌ، وَ (قَائِمًا) خَبَرُ (كَانَ) مَنْصُوبٌ.

وَمِثْلُهُ: قَوْلُكَ: (صَارَ عَبْدُ اللهِ أَمِيرًا)، وَأَصْلُ العِبَارَةِ: (عَبْدُ اللهِ أَمِيرٌ)، فَـ (عَبْدُ) مُبْتَدَأٌ، وَ (أَمِيرٌ) خَبَرٌ، فَلَمَّا زِيدَتْ (صَارَ) بَقِيَ المُبْتَدَأُ عَلَى الرَّفْعِ وَأَصْبَحَ اسْمَهَا، وَنُصِبَ الخَبَرُ وَأَصْبَحَ خَبَرَهَا، فَـ (عَبْدُ) اسْمُ (صَارَ) مَرْفُوعٌ، وَ (أَمِيرًا) خَبَرُ (صَارَ) مَنْصُوبٌ.

وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ الأَفْعَالَ الأُخْرَى الَّتِي فِي هَذَا البَابِ.

وَأَحْوَالُ الإِعْرَابِ فِي هَذَا البَابِ هِيَ أَحْوَالُ الإِعْرَابِ فِي الأَسْمَاءِ؛ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الاسْمَ المُثَنَّى يُرْفَعُ بِالأَلِفِ وَيُنْصَبُ وَيُجَرُّ بِاليَاءِ، وَجَمْعَ المُذَكَّرِ السَّالِمَ يُرْفَعُ بِالوَاوِ وَيُنْصَبُ وَيُجَرُّ بِاليَاءِ، وَالأَسْمَاءَ الخَمْسَةَ المُعْتَلَّةَ المُضَافَةَ تُرْفَعُ بِالوَاوِ وَتُنْصَبُ بِالأَلِفِ وَتُجَرُّ بِاليَاءِ، وَالاسْمَ المُفْرَدَ: يُرْفَعُ بِضَمِّ الآخِرِ وَيُنْصَبُ بِفَتْحِهِ وَيُجَرُّ بِكَسْرِهِ.

فَتَقُولُ فِي التَّثْنِيَةِ فِي هَذَا البَابِ: (كَانَ الزَّيْدَانِ قَائِمَيْنِ)، وَتَقُولُ فِي جَمْعِ المُذَكَّرِ السَّالِم: (كَانَ الزَّيْدُونَ قَائِمِينَ)، وَتَقُولُ فِي الأَسْمَاءِ الخَمْسَةِ المُضَافَةِ: (مَا زَالَ أَبُوكَ مُحْسِنًا)، وَتَقُولُ فِي الاسْمِ المُفْرَدِ: (أَمْسَى مُحَمَّدٌ سَائِرًا).

(1/54)

10 - بَابُ الحُرُوفِ الَّتِي تَنْصِبُ الأَفْعَالَ المُسْتَقْبِلَةَ

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَهِيَ: (أَنْ، وَلَنْ، وَلِئَلَّا، وَكَيْ، وَكَيْلَا، وَلِكَيْ، وَلِكَيْلَا، وَحَتَّى، وَحَتَّى لَا، وَإِذَنْ، وَلَامُ الجُحُودِ، وَلَامُ كَيْ، وَوَاوُ الصَّرْفِ، وَ (أَوْ) فِي مَعْنَى (حَتَّى)، وَالفَاءُ فِي جَوَابِ سِتَّةِ أَشْيَاءَ: الأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالاسْتِفْهَامُ وَالتَّمَنِّي وَالجَحْدُ وَالدُّعَاءُ.

تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: (أَرَدْتَ أَنْ تَذْهَبَ يَا فُلَانُ)؛ نَصَبْتَ (تَذْهَبَ) بِـ (أَنْ).

وَفِي التَّثْنِيَةِ: (أَرَدْتُ أَنْ تَذْهَبَا)، وَفِي الجَمَاعَةِ: (أَرَدْتُ أَنْ تَذْهَبُوا)، وَفِي التَّانِيثِ: (أَرَدْتُ أَنْ تَذْهَبِي)؛ حَذَفْتَ النُّونَ مِنَ الفِعْلِ فِي التَّثْنِيَةِ وَالجَمَاعَةِ وَالتَّانِيثِ لِلنَّصْبِ.

وَمِثْلُهُ: (أَتَيْتُكَ لِتُحْسِنَ إِلَيَّ)؛ نَصبْتَ (تُحْسِنَ) بِلَامِ (كيْ)، وَ (مَا كَانَ عَبْدُ اللهِ لِيَشْتُمَكَ)؛ نَصَبْتَ (يَشْتُمَكَ) بِلَامِ الجُحُودِ.

وَتَقُولُ: (لَا تَضْرِبْ زَيْدًا وَتَاخُذَ مَالَهُ)؛ نَصَبْتَ (تَاخُذَ) بِوَاوِ الصَّرْفِ.

وَتَقُولُ: (لَا أُكْرِمُكَ أَوْ تُعْطِيَنِي نَصِيبًا)؛ نَصَبْتَ (تُعْطيَنِي)؛ بِمَعْنَى (حَتَّى تُعْطِيَنِي) وَ (إِلَى أَنْ تُعْطِيَنِي)».

(1/55)

(الشَّرْحُ): هَذَا بَابٌ لِلْحُرُوفِ الَّتِي تَنْصِبُ الفِعْلَ المُضَارِعَ الَّذِي يَاتِي بَعْدَهَا، وَهِيَ: (أَنْ)، وَ (لَنْ)، وَ (كَيْ)، وَ (حَتَّى)، وَ (إِذَنْ)، وَ (لَامُ الجُحُودِ)، وَ (لَامُ كَيْ) - وَتُسَمَّى بِلَامِ التَّعْلِيلِ -، وَ (وَاوُ الصَّرْفِ) - وَتُسَمَّى بِوَاوِ المَعِيَّةِ -، وَ (أَوْ) - فِي مَعْنَى (إِلَى) أَوْ (حَتَّى) -، وَالفَاءُ السَّبَبِيَّةُ.

فَتَقُولُ فِي (أَنْ): (أَرَدْتَ أَنْ تَذْهَبَ)؛ فَـ (تَذْهَبَ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ بِـ (أَنْ) قَبْلَهُ.

وَتَقُولُ فِي (لَنْ): (زَيْدٌ لَنْ يَذْهَبَ إِلَى المَدْرَسَةِ)؛ فَـ (يَذْهَبَ) فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ بِـ (لَنْ) قَبْلَهُ.

وَتَقُولُ فِي (كَيْ): (أَدْرُسُ كَيْ أَنْجَحَ)، وَمِنْهَا: (كَيْلَا، وَلِكَيْ، وَلِكَيْلَا).

وَتَقُولُ فِي (حَتَّى): (عَاقِبِ المُجْرِمَ حَتَّى يَرْتَدِعَ)، وَمِنْهَا: (حَتَّى لَا).

وَتَقُولُ فِي (إِذَنْ): (إِذَنْ أُكْرِمَكَ)؛ جَوَابًا لِمَنْ قَالَ لَكَ: (أَزُورُكَ غَدًا)، وَلَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ شُرُوطٍ لِتَحَقُّقِ النَّصْبِ فِيهَا، وَهِيَ:

الأوَّلُ: أَنْ تَكُونَ (إِذَنْ) فِي أَوَّلِ جُمْلَةِ الجَوَابِ.

الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ (إِذَنْ) مُتَّصِلَةً مَعَ الفِعْلِ المُضَارِعِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَّصِلَةً لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهَا النَّصْبُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ: وُقُوعُ القَسَمِ بَيْنَهُمَا أَوْ لَا (النَّافِيَةِ)؛

(1/56)

كَقَوْلِكَ: (إِذَنْ وَاللهِ أُكْرِمَكَ) وَ (إِذَنْ لَا أُقَصِّرَ فِي إِكْرَامِكَ)، فَتَحَقَّقَ النَّصْبُ فِي مِثْلِ هَاتَيْنِ الحَالَتَيْنِ.

الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الفِعْلُ المُضَارِعُ دَالًّا عَلَى الاسْتِقْبَالِ مِنَ الزَّمَانِ؛ أَيْ: سَيَقَعُ مُسْتَقْبَلًا.

وَتَقُولُ فِي لَامِ الجُحُودِ: (مَا كَانَ عَبْدُ اللهِ لِيَشْتُمَكَ)، وَسُمِّيَتْ كَذَلِكَ لِمُلَازَمتِهَا الجَحْدَ وَالنَّفْيَ.

وَتَقُولُ فِي لَامِ (كَيْ): (أَتَيْتُكَ لِتُحْسِنَ إِلَيَّ)، وَمِنْهَا (لِئَلَّا)، وَتُسَمَّى

- أَيْضًا - بِلَامِ التَّعْلِيلِ.

وَتَقُولُ فِي (وَاوِ الصَّرْفِ): (لَا تَضْرِبْ زَيْدًا وَتَاخُذَ مَالَهُ)، وَتَكُونُ مَسْبُوقَةً بِنَفْيٍ أَوْ طَلَبٍ، وَتُسَمَّى - أَيْضًا - بِوَاوِ المَعِيَّةِ.

وَتَقُولُ فِي (أَوْ) - الَّتِي بِمَعْنَى (حَتَّى) أَوْ (إِلَى) -: (لَا أُكْرِمُكَ أَوْ تُعْطِيَنِي نَصِيبًا)؛ نَصَبْتَ (تُعْطِيَنِي) بِتَقْدِيرِ: (لَا أُكْرِمُكَ حَتَّى تُعْطِيَنِي) أَوْ (لَا أُكْرِمُكَ إِلَى أَنْ تُعْطِيَنِي).

أَمَّا الفَاءُ السَّبَبِيَّةُ فَقَدْ جَعَلَهَا المُصَنِّفُ فِي بَابٍ مُسْتَقِلٍّ، وَسَيَاتِي بَيَانُهَا فِي مَوْضِعِهِ.

وَإِنْ كَانَ الفِعْلُ المُضَارِعُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ - وَهِيَ: (تَفْعَلَانِ وَيَفْعَلَانِ

(1/57)

وَتَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ وَتَفْعَلِينَ) -؛ فَيُنْصَبُ فِيهَا الفِعْلُ بِحَذْفِ النُّونِ - كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ -، فَتَقُولُ: (أَرَدْتُ أَنْ تَذْهَبَا)، وَ (أَرَدْتُ أَنْ تَذْهَبُوا) وَ (أَرَدْتُ أَنْ تَذْهَبِي).

(1/58)

11 - بَابُ الجَوَابِ بالفَاءِ

قَالَ المُصَنِّفُ: «اعْلَمْ أَنَّ الجَوَابَ بِالفَاءِ مَنْصُوبٌ أَبَدًا فِي سِتَّةِ أَشْيَاءَ: الأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالاسْتِفْهَامُ وَالتَّمَنِّي وَالجَحْدُ وَالدُّعَاءُ.

فَإِذَا أَدْخَلْتَ الفَاءَ عَلَى فِعْلٍ مُسْتَقْبِلٍ وَكَانَ جَوَابًا لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ: نَصَبْتَهُ.

تَقُولُ فِي الأَمْرِ وَالنَّهْيِ: (زُرْنِي فَأُحْسِنَ إِلَيْكَ وَلَا تَهْجُرْنِي فَأُسِيءَ إِلَيْكَ)؛ نَصَبْتَ (أُحْسِنَ) وَ (أُسِيءَ) لأَنَّهُمَا جَوَابَا الأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِالفَاءِ.

وَتَقُولُ فِي الاسْتِفْهَامِ: (أَيْنَ زَيْدٌ فَنُحَدِّثَهُ)؛ نَصَبْتَ (نُحَدِّثَهُ) لأَنَّهُ جَوَابُ الاسْتِفْهَامِ بِالفَاءِ.

وَتَقُولُ بِالتَّمَنِّي: (لَيْتَ زَيْدًا عِنْدَنَا فَنُكْرِمَهُ)؛ نَصَبْتَ (نُكْرِمَهُ) لأَنَّهُ جَوَابُ التَّمَنِّي بِالفَاءِ.

وَتَقُولُ فِي الدُّعَاءِ: (رَزَقَكَ اللهُ مَالًا فَتَتَّسِعَ بِهِ)؛ نَصَبَتْ (تَتَّسِعَ) لأَنَّهُ جَوَابُ الدُّعَاءِ بِالفَاءِ.

وَتَقُولُ فِي الجَحْدِ: (مَا لَكَ مَالٌ فَتُنْفِقَهُ)؛ نَصَبْتَ (تُنْفِقَهُ) لأَنَّهُ جَوَابُ الجَحْدِ بِالفَاءِ.

وَإِذَا حَذَفْتَ الفَاءَ مِنْ هَذِهِ الجَوَابَاتِ فَاجْزِمْهَا؛ نَحْوُ قَوْلِكَ: (اقْصِدْ

(1/59)

زيْدًا يُحْسِنْ إِلَيْكَ) وَ (لَا تَقْصِدْ عَمْرًا تَنْدَمْ).

وَمِثْلُهُ: (أَيْنَ بَيْتُكَ أَزُرْكَ) وَ (لَيْتَ لِي مَالًا أُنْفِقْهُ)، وَقِسْ عَلَيْهِ».

(الشَّرْحُ): شَرَعَ المُصَنِّفُ - هُنَا - فِي ذِكْرِ فَاءِ الجَوَابِ، وَيُرِيدُ: (الفَاءَ السَّبَبِيَّةَ).

وَقَدْ جَعَلَهَا المُصَنِّفُ فِي بَابٍ مُنْفَصِلٍ مَعَ أَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلبَابِ السَّابِقِ؛ وَذَلِكَ لِلْحَاجَةِ إِلَى التَّفْصِيلِ فِيهَا.

وَالفَاءُ السَّبَبِيَّةُ هِيَ: الفَاءُ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَى الفِعْلِ المُضَارِعِ فَيَكُونُ مَا قَبْلَهَا سَبَبًا لِمَا بَعْدَهَا؛ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مَسْبُوقَةً بِطَلَبٍ أَوْ نَفْيٍ، فَتَنْصِبُ الفِعْلَ المُضَارِعَ الَّذِي دَخَلَتْ عَلَيْهِ.

وَتَقَعُ تِلْكَ الحَالَةُ - الَّتِي يُحْكَمُ فِيهَا عَلَى الفَاءِ بِأَنَّهَا سَبَبِيَّةٌ - فِي صِيغَتَيْنِ: الأُولَى: صِيغَةُ الطَّلَبِ، وَالثَّانِيَةُ: صِيغَةُ النَّفْيِ - وَهُوَ الجَحْدُ -.

وَصِيغَةُ الطَّلَبِ تَقَعُ فِي: (الأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالاسْتِفْهَامِ وَالتَّمَنِّي وَالدُّعَاءِ)

- وَغَيْرِهَا مِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ المُصَنِّفُ هُنَا -.

وَصِيغَةُ النَّفْيِ (الجَحْدِ): مَا يَقَعُ فِيهِ الانْتِفَاءُ المَحْضُ.

أَمَّا صِيَغُ الطَّلَبِ:

فَتَقُولُ فِي الأَمْرِ: (زُرْنِي فأُحْسِنَ إِلَيْكَ):

(1/60)

- فَالفَاءُ دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مُضَارِعٍ.

- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: قَدْ وَرَدَتْ بِصِيغَةِ طَلَبِ حُصُولِ شَيْءٍ، وَهُوَ: (طَلَبُ الزِّيَارَةِ).

- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: جَاءَتْ سَبَبًا لِمَا بَعْدَهَا؛ فَالمُرَادُ: (طَلَبُ الزِّيَارَةِ لِلْإِحْسَانِ)؛ فَالزِّيَارَةُ هِيَ السَّبَبُ فِي حُصُولِ الإِحْسَانِ.

وَتَقُولُ فِي النَّهْيِ: (لَا تَهْجُرْنِي فَأُسِيءَ إِلَيْكَ):

- فَالفَاءُ دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مُضَارِعٍ.

- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: قَدْ وَرَدَتْ بِصِيغَةِ طَلَبِ الكَفِّ عَنْ حُصُولِ شَيْءٍ، فَالنَّهْيُ يُعَدُّ مِنَ الطَّلَبِ، وَيَخْتَلِفُ عَنِ النَّفْيِ، وَالنَّهْيُ - فِي الجُمْلَةِ

هُنَا -: (طَلَبُ الكَفِّ عَنِ الهِجْرَانِ).

- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: جَاءَتْ سَبَبًا لِمَا بَعْدَهَا؛ فَالمُرَادُ: (طَلَبُ الكَفِّ عَنِ الهِجْرَانِ لِلْكَفِّ عَنِ الإِسَاءَةِ)؛ فَالكَفُّ عَنِ الهِجْرَانِ هُوَ سَبَبُ الكَفِّ عَنِ الإِسَاءَةِ.

وَتَقُولُ فِي الاسْتِفْهَامِ: (أَيْنَ زَيْدٌ فَنُحَدِّثَهُ):

- فَالفَاءُ دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مُضَارِعٍ.

- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: قَدْ وَرَدَتْ بِصِيغَةِ الطَّلَبِ، وَهُوَ: طَلَبُ

(1/61)

الفَهْمِ، فَالاسْتِفْهَامُ يُعَدُّ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّلَبِ؛ وَهُوَ - فِي الجُمْلَةِ هُنَا -: (طَلَبُ العِلْمِ عَنْ مَكَانِ زَيْدٍ).

- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: جَاءَتْ سَبَبًا لِمَا بَعْدَهَا؛ فَالمُرَادُ: (طَلَبُ العِلْمِ عَنْ مَكَانِ زَيْدٍ لِلْحَدِيثِ مَعَهُ)؛ فَالعِلْمُ بِمَكَانِ زَيْدٍ هُوَ السَّبَبُ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْهُ الحَدِيثُ مَعَهُ.

وَتَقُولُ فِي التَّمَنِّي: (لَيْتَ زَيْدًا عِنْدَنَا فَنُكْرِمَهُ):

- فَالفَاءُ دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مُضَارِعٍ.

- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: قَدْ وَرَدَتْ بِصِيغَةِ طَلَبِ حُصُولِ شَيْءٍ عَلَى سَبِيلِ المَحَبَّةِ وَالتَّمَنِّي، وَهُوَ: (طَلَبُ وُجُودِ زَيْدٍ).

- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: جَاءَتْ سَبَبًا لِمَا بَعْدَهَا؛ فَالمُرَادُ: (طَلَبُ وُجُودِ زَيْدٍ لِإِكْرَامِهِ)؛ فَوُجُودُ زَيْدٍ هُوَ السَبَّبُ فِي حُصُولِ الإِكْرَامِ.

وَتَقُولُ فِي الدُّعَاءِ: (رَزَقَكَ اللهُ مَالًا فَتَتَّسِعَ بِهِ):

- فَالفَاءُ دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مُضَارِعٍ.

- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: قَدْ وَرَدَتْ بِصِيغَةِ طَلَبِ حُصُولِ شَيْءٍ عَلَى سَبِيلِ الدُّعَاءِ وَالإِقْبَالِ بِتَحْقِيقِ الاسْتِجَابَةِ، وَهُوَ: (طَلَبُ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ بِالرِّزْقِ).

(1/62)

- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: جَاءَتْ سَبَبًا لِمَا بَعْدَهَا، فَالمُرَادُ: (طَلَبُ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ بِالرِّزْقِ لِلاتِّسَاعِ)؛ فَوَفْرَةُ المَالِ هِيَ السَّبَبُ فِي حُصُولِ الاتِّسَاعِ.

وَأَمَّا النَّفْيُ:

فَتَقُولُ فِي الجَحْدِ - (النَّفْيِ) -: (مَا لَكَ مَالٌ فَتُنْفِقَهُ).

- فَالفَاءُ دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مُضَارِعٍ.

- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: وَرَدَتْ بِصِيغَةِ النَّفْيِ، وَهُوَ: (نَفْيُ وُجُودِ المَالِ).

- وَالعِبَارَةُ الَّتِي قَبْلَ الفَاءِ: جَاءَتْ سَبَبًا لِمَا بَعْدَهَا، فَالمُرَادُ: (نَفْيُ وُجُودِ المَالِ لِلإِنْفَاقِ)؛ فَانْتِفَاءُ المَالِ سَبَبُ انْتِفَاءِ الإِنْفَاقِ.

وَتِلْكَ الحَالَاتُ فِي الجُمَلِ السَّابِقَةِ - فِي هَذَا البَابِ -: يُنْصَبُ فِيهَا الفِعْلُ المُضَارِعُ الَّذِي دَخَلَتْ عَلَيْهِ الفَاءُ؛ لأَنَّهَا فَاءٌ سَبَبِيَّةٌ.

وَيَجُوزُ حَذْفُ الفَاءِ السَّبَبِيَّةِ مِنَ الجُمَلِ، وَالاقْتِصَارُ عَلَى الفِعْلِ المُضَارِعِ؛ لَكِنْ فِي هَذِهِ الحَالَةِ يُجْزَمُ الفِعْلُ، فَيَكُونُ الجَزْمُ بَدَلًا مِنَ النَّصْبِ:

كَقَوْلِكَ: (اقْصِدْ زَيْدًا يُحْسِنْ إِلَيْكِ) بِجَزْمِ الفِعْلِ (يُحْسِنْ) لأَنَّ الفَاءَ مَحْذُوفَةٌ؛ فَإِذَا أَرْجَعْتَ الفَاءَ فِي العِبَارَةِ نَصَبْتَ الفِعْلَ؛ فَتَقُولُ: (اقْصِدْ زيْدًا فَيُحْسِنَ إِلَيْكَ) بِنَصْبِ الفِعْلِ (فَيُحْسِنَ)؛ لأَنَّهَا فَاءُ سَبَبِيَّةٌ.

(1/63)

وَمِثْلُ ذَلِكَ: (لَا تَقْصِدْ عَمْرًا تَنْدَمْ)، وَ (أَيْنَ بَيْتُكَ أَزُرْكَ)، وَ (لَيْتَ لِي مَالًا أُنْفِقْهُ)، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ الأَمْثِلَةِ الأُخْرَى الَّتِي تَدْخُلُ فِيهَا الفَاءُ السَّبَبِيَّةُ.

(1/64)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

إيناس الناس بتفاحة أبي جعفر النحاس

12 - بَابُ الحُرُوفِ الَّتِي تَجْزِمُ الأَفْعَالَ المُسْتَقْبِلَةَ

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَهِيَ: لَمْ، وَلَمَّا، وَأَلَمْ، وَأَلَمَّا، وَأَوَلَمْ، وَأَوَلَمَّا، وَلَامُ الأَمْرِ، وَ (لَا) فِي النَّهْيِ، وَحُرُوفُ المُجَازَاةِ - وَهِيَ: (إِنْ، وَمَنْ، وَمَا، وَمَهْمَا، وَمَتَى، وَمَتَى مَا، وَأَيْنَ، وَأَيْنَمَا، وَكَيْفَمَا، وَحَيْثُمَا، وَإِذَا مَا، وَإِذْ مَا، وَأَيٌّ، وَأَيُّهُمْ) -.

وَتَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: (لَمْ تَذْهَبْ يَا فُلَانُ)؛ جَزَمْتَ (تَذْهَبْ) بِـ (لَمْ).

وَفِي التَّثْنِيَةِ: (لَمْ تَذْهَبَا)، وَفِي الجَمَاعَةِ: (لَمْ تَذْهَبُوا)، وَفِي التَّانِيثِ: (لَمْ تَذْهَبِي)؛ حَذَفْتَ النُّونَ مِنَ الفِعْلِ فِي التَّثْنِيَةِ وَالجَمَاعَةِ وَالتَّانِيثِ لِلْجَزْمِ.

وَمِثْلُهُ: (لِيَذْهَبْ زَيْدٌ) و (لَا تَذْهَبْ يَا عَمْرُو).

وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ فِي آخِرِهِ وَاوٌ أَوْ يَاءٌ أَوْ أَلِفٌ فَجَزْمُهُ بِحَذْفِ آخِرِهِ؛ نَحْوُ قَوْلِكَ: (لَمْ تَقْضِ) وَ (لَمْ تَرْمِ) (وَلَمْ تَدْعُ) وَ (لَمْ تَغْزُ) وَ (لَمْ تَخْشَ) و (لَمْ تَرْضَ) - وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ -؛ أَصْلُهُ: (تَقضِي وَتَرْمِي وَتَدْعُو وَتَغْزُو وَتَخْشَى وتَرْضَى)؛ حَذَفْتَ اليَاءَ وَالوَاوَ وَالأَلِفَ لِلَجْزَمِ.

وَتَقُولُ فِي المُجَازَاةِ: (إِنْ تُكْرِمْنِي أُكْرِمْكَ)؛ جَزَمْتَ (تُكْرِمْنَي) بِـ (إِنْ) وَجَزَمْتَ (أُكْرِمْكَ) لِأَنَّهُ جَوَابُهُ، فَالأَوَّلُ شَرْطٌ وَالجَوَابُ جَزَاءٌ، وَمِثْلُهُ: (أَيْنَمَا

(1/65)

تَكُنْ أَقْصِدْكَ) و (مَهْمَا تَصْنَعْ أَصْنَعْ) وَ (أَيْنَمَا تَذْهَبْ أَذْهَبْ).

وَإِذَا دَخَلَتِ الفَاءُ فِي جَوَابِ المُجَازَاةِ رَفَعْتَهُ؛ كَقَوْلِكَ: (مَنْ يُكْرِمْنِي فَأُكْرِمُهُ)، وَ (مَنْ يَقْصِدْنِي فَأُحْسِنُ إِلَيْهِ)؛ رَفَعْتَ (أُكْرِمُهُ) و (أُحْسِنُ) لِأَنَّهُ جَوَابُ المُجَازَاةِ بِالفَاءِ».

(الشَّرْحُ): هَذَا بَابٌ لِلْأَدَوَاتِ الَّتِي تَجْزِمُ الفِعْلَ المُضَارِعَ الَّذِي يَاتِي بَعْدَهَا - وَمِنْهَا حُرُوفٌ وَمِنْهَا أَسْمَاءٌ -، وَهِيَ نَوْعَانِ:

الأَوَّلُ: مَا يَجْزِمُ فِعْلًا وَاحِدًا، وَهِيَ:

(لَمْ) - وَمِنْهَا: (أَلَمْ) وَ (أَوَلَمْ) -؛ كَقَوْلِكَ: (زَيْدٌ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى المَدْرَسَةِ).

(لَمَّا) - وَمِنْهَا: (أَلَمَّا) وَ (أَوَلَمَّا) -؛ كَقَوْلِكَ: (ذَهَبَ زَيْدٌ وَلَمَّا يَعُدْ).

لَامُ الأَمْرِ؛ كَقَوْلِكَ: (لِيَذْهَبْ زَيْدٌ).

(لَا) النَّاهِيَةُ؛ كَقَوْلِكَ: (لَا تَذْهَبْ يَا زَيْدُ).

الثَّانِي: مَا يَجْزِمُ فِعْلَيْنِ، وَتُسَمَّى بِحُرُوفِ المُجَازَاةِ.

وَتَكُونُ فِي الجُمْلَةِ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ - أَوْ جَزَائِهِ -، وَهِيَ: (إِنْ)، وَ (مَنْ)، وَ (مَا)، وَ (مَهْمَا)، وَ (مَتَى) - وَمِنْهَا: (مَتَى مَا) -، وَ (أَيْنَ) - وَمِنْهَا: (أَيْنَمَا) -، وَ (كَيْفَمَا)، وَ (حَيْثُمَا)، وَ (إِذْ مَا)، وَ (أَيٌّ) - وَمِنْهَا: (أَيُّهُمْ) -.

(1/66)

أَمَّا (إِذَا مَا) وَ (إِذَا) فَالأَكْثَرِيَّةُ عَلَى عَدَمِ جَزْمِهَا وَإِنْ تَضَمَّنَتْ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَأَجَازُوهَا فِي الشِّعْرِ - عَلَى الخُصُوصِ -.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ فِعْلِ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ:

قَوْلُكَ: (إِنْ تُكْرِمْنِي أُكْرِمْكَ)؛ جَزَمْتَ الفِعْلَيْنِ: (تُكْرِمْنِي) وَ (أُكْرِمْكَ).

وَمِثْلُهُ: (أَيْنَمَا تَكُنْ أَقْصِدْكَ)؛ جَزَمْتَ الفِعْلَيْنِ: (تَكُنْ) وَ (أَقْصِدْكَ).

وَمِثْلُهُ: و (مَهْمَا تَصْنَعْ أَصْنَعْ)؛ جَزَمْتَ الفِعْلَيْنِ: (تَصْنَعْ) وَ (أَصْنَعْ).

وَمِثْلُهُ: (أَيْنَمَا تَذْهَبْ أَذْهَبْ)؛ جَزَمْتَ الفِعْلَيْنِ: (تَذْهَبْ) وَ (أَذْهَبْ).

فَإِذَا اقْتَرَنَتِ الفَاءُ بِالفِعْلِ المُضَارِعِ الثَّانِي - أَيْ بِالجَزَاءِ -؛ وَقَعَ الجَزْمُ عَلَى الفِعْلِ المُضَارِعِ الأَوَّلِ، وَامْتَنَعَ الجَزْمُ عَنِ الفِعْلِ المُضَارِعِ الثَّانِي، وَوَجَبَ

رَفْعُهُ:

كَقَوْلِكَ: (مَنْ يُكْرِمْنِي فَأُكْرِمُهُ)؛ فَدُخُولُ الفَاءِ مَنَعَ الجَزْمَ فِي الفِعْلِ المُضَارِعِ (أُكْرِمُهُ)، وَلَزِمَ الرَّفْعَ.

وَمِثْلُهُ: (مَنْ يَقْصِدْنِي فَأُحْسِنُ إِلَيْهِ)؛ فَدُخُولُ الفَاءِ مَنَعَ الجَزَمَ فِي الفِعْلِ المُضَارِعِ (أُحْسِنُ)، وَلَزِمَ الرَّفْعَ.

وَنَبَّهَ المُصَنِّفُ إِلَى أَنَّ الفِعْلَ المُضَارِعَ المَجْزُومَ قَدْ يَقَعُ بِصِيغَةِ الأَفْعَالِ

(1/67)

الخَمْسَةِ - وَهِيَ: (تَفْعَلَانِ وَيَفْعَلَانِ وَتَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ وَتَفْعَلِينَ) -؛ فَيُجْزَمُ فِيهَا الفِعْلُ بِحَذْفِ النُّونِ - كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي إِعْرَابِ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ -،

فَتَقُولُ: (لَمْ تَذْهَبَا)، وَ (لَمْ تَذْهَبُوا) وَ (لَمْ تَذْهَبِي).

وَنَبَّهَ - أَيْضًا - إِلَى أَنَّ الفِعْلَ المُضَارِعَ المَجْزُومَ قَدْ يَاتِي بِصِيغَةِ الفِعْلِ المُعْتَلِّ الآخِرِ - أَيِ: الَّذِي يَكُونُ فِي آخِرِهِ وَاوٌ أَوْ يَاءٌ أَوْ أَلِفٌ -؛ فَجَزْمُهُ يَقَعُ بِحَذْفِ آخِرِهِ؛ كَقَوْلِكَ: (لَمْ تَقْضِ)، وَ (لَمْ تَرْمِ)، (وَلَمْ تَدْعُ)، وَ (لَمْ تَغْزُ)، وَ (لَمْ

تَخْشَ)، و (لَمْ تَرْضَ) - وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ -؛ حَذَفْتَ اليَاءَ وَالوَاوَ وَالأَلِفَ لِلَجْزَمِ، فَأَصْلُ هَذِهِ الأَفْعَالِ: (تَقضِي)، وَ (تَرْمِي)، وَ (تَدْعُو)، وَ (تَغْزُو)، وَ (تَخْشَى)، و (تَرْضَى).

(1/68)

13 - بَابُ حُرُوفِ الرَّفْعِ

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَهِيَ: (إِنَّمَا)، وَ (كَأَنَّمَا)، وَ (لَكِنَّمَا)، وَ (كَيْفَمَا)، وَ (حَيْثُمَا)، وَ (لَعَلَّمَا)، وَ (بَيْنَمَا)، وَ (بَيْنَا)، وَ (لَوْلَا)، وَ (لَوْمَا)، وَ (أَمَّا)، وَ (أَيْنَ)، وَ (مَتَى)، وَ (عَسَى)، وَ (إِذَا)، وَ (كَيْفَ)، وَ (هَلْ)، وَ (بَلْ)، وَ (مَا)، وَ (مَنْ)، وَ (هَذَا)، وَ (ذَلِكَ)، وَ (ذَاكَ)، وَ (نَحْنُ)، وَ (هُوَ)، وَ (إِنْ) الخَفِيفَةُ، وَ (لَكِنْ) الخَفِيفَةُ، وَ (حَبَّذَا)، وَ (نِعْمَ)، وَ (بِئْسَ)، وَ (كَمْ) إِذَا كَانَ مَا بَعْدَهَا مَعْرِفَةً.

وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ حُرُوفَ الرَّفْعِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مَا يَجِيءُ بَعْدَهَا مَرْفُوعٌ.

تَقُولُ مِنْ ذلِكَ: (إِنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ)؛ رَفَعْتَ زَيْدًا بِالابْتِدَاءِ وَ (قَائِمٌ) خَبَرُهُ.

وَمِثْلُهُ: (أَيْنَ أَخُوكَ شَاخِصٌ؟)، وَ (مَتَى عَمْرٌو مُنْطَلِقٌ؟)، وَ (كَيْفَ عَبْدُ اللهِ صَانِعٌ؟)، وَ (إِنْ زَيْدٌ إِلَّا قَائِمٌ)، وَ (لَوْلَا زَيْدٌ مَا كَلَّمْتُكَ)».

(الشَّرْحُ): ذَكَرَ المُصَنِّفُ فِي هَذَا البَابِ الأَدَوَاتِ الَّتِي أَكْثَرُ مَا يَاتِي بَعْدَهَا مَرْفُوعٌ.

وَهَذَا البَابُ لَا يَنْضَبِطُ بِقَوَاعِدَ ثَابِتَةٍ إِلَّا فِي بَعْضِ الأَدَوَاتِ الَّتِي

ذَكَرَهَا، فَلا بُدَّ مِنَ التَّفْرِيعِ عِنْدَ الحَدِيثِ عَنْ كُلِّ أَدَاةٍ؛ مِمَّا لَا يَقْتَضِيهِ المَقَامُ فِي

(1/69)

هَذَا الشَّرْحِ المُخْتَصَرِ، وَلِهَذَا سَنَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِ بَعْضِ الأَدَوَاتِ وَشَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهَا:

فَمِنْهَا: (إِنَّمَا وَكَأَنَّمَا وَلَعَلَّمَا وَلَكِنَّمَا)، وَهِيَ - فِي أَصْلِهَا - حُرُوفُ (إِنَّ وَأَخَواتِهَا) الَّتِي تَنْصِبُ المُبْتَدَأَ وَتَرْفَعُ الخَبَرَ، لَكِنْ دَخَلَتْ عَلَيْهَا (مَا) الكَافَّةُ الَّتِي تَكُفُّهَا عَنْ عَمَلِهَا النَّاصِبِ لِلْمُبْتَدَإِ؛ فَتَقُولُ: (إِنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ)؛ بِرَفْعِ (زَيْدٍ) لِدُخُولِ (مَا) الكَافَّةِ؛ فَإِذَا سَقَطَتْ قُلْتَ: (إِنَّ زَيْدًا قَائِمٌ) بِنَصْبِ

(زَيْدٍ)؛ لأَنَّ حَرْفَ (إِنَّ وَأَخْوَاتِهَا) تَنْصِبُ المُبْتَدَأَ وَتَرْفَعُ الخَبَرَ - كَمَا تَقَدَّمَ -.

وَمِنْ أَدَوَاتِ الرَّفْعِ: (بَيْنَمَا) - وَمِنْهَا (بَيْنَا) بِحَذْفِ المِيمِ -، وَأَصْلُهَا: (بَيْنَ)، لَكِنْ دَخَلَتْ عَلَيْهَا (مَا) الكَافَّةُ الَّتِي تَكُفُّ (بَيْنَ) عَنِ الإِضَافَةِ؛

فَتَقُولُ: (بَيْنَمَا زَيْدٌ يَسِيرُ إِذْ لَقِيَ عَمْرًا) بِرَفْعِ (زَيْدٍ).

وَمِنَ أَدَوَاتِ هَذَا البَابِ: (أَيْنَ) فِي قَوْلِكَ: (أَيْنَ أَخُوكَ شَاخِصٌ؟).

وَمِنْهَا: (مَتَى) فِي قَوْلِكَ: (مَتَى عَمْرٌو مُنْطَلِقٌ؟).

وَمِنْهَا: (كَيْفَ) فِي قَوْلِكَ: (كَيْفَ عَبْدُ اللهِ صَانِعٌ؟).

وَمِنْهَا: (لَوْلَا) فِي قَوْلِكَ: (لَوْلَا زَيْدٌ مَا كَلَّمْتُكَ).

وَمِنْهَا: (لَوْمَا) فِي قَوْلِكَ: (لَوْمَا عَمْرٌو لأَكْرَمْتُكَ).

وَمِنْهَا: (أَمَّا) فِي قَوْلِكَ: (أَمَّا زَيْدٌ فَقَدْ ذَهَبَ).

(1/70)

وَمِنْهَا: (عَسَى) فِي قَوْلِكَ: (عَسَى زَيْدٌ يَذْهَبُ).

وَمِنْهَا: (إِنْ) فِي قَوْلِكَ: (إِنْ زَيْدٌ إِلَّا قَائِمٌ).

وَمِثْلُ ذَلِكَ: الأَدَوَاتُ الأُخْرَى الَّتِي ذَكَرَهَا المُصَنِّفُ؛ فَأَكْثَرُ مَا يَاتِي بَعْدَهَا مَرْفُوعٌ (1).

__________

(1) وَقَدْ ذَكَرَ المُصَنِّفُ: (كَيْفَمَا) وَ (حَيْثُمَا) فِي هَذَا البَابِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَهُما فِي (بَابِ الحُرُوفِ الَّتِي تَجْزِمُ الأَفْعَالَ المُسْتَقْبِلَةِ)، وَهُوَ البَابُ المُلَائِمِ لِهَاتَيْنِ الأَدَاتَيْنِ الجَازِمَتَيْنِ لِفِعْلِ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ.

وَلَقَدْ ظَهَرَتْ لِي بَعْضُ التَّرْجِيحَاتِ النَّحْوِيَّةِ فِي ذَلِكَ، لَكِنْ لَا يَحْسُنُ ذِكْرُهَا - هُنَا - فِي هَذَا المَخْتَصَرِ؛ لِعَدَمِ القَطْعِ فِي أَيٍّ مِنْهَا - وَاللهُ أَعْلَمُ -.

(1/71)

14 - بَابُ المَفْعُولِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ

قَالَ المُصَنِّفُ: «اعْلَمْ أَنَّ المَفْعُولَ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ: رَفْعٌ أَبَدًا؛ لأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الفَاعِلِ؛ تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: (ضُرِبَ زَيْدٌ)؛ رَفَعْتَ زَيْدًا لأَنَّهُ مَفْعُولٌ لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ.

وَمِثْلُهُ: (أُكْرِمَ أَخُوكَ) وَ (كُلِّمَ عَبْدُ اللهِ) وَ (صِيغَ الخَاتَمُ) وَ (بِيعَ المَتَاعُ)، وَقِسْ عَلَيْهِ.

وَإِذَا كَانَ الفِعْلُ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ - أَوْ أَكْثَرَ -؛ فَارْفَعِ الأَوَّلَ وانْصِبِ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ؛ نَحْوُ قَوْلِكَ: (أُعْطِيَ زَيْدٌ دِرْهَمًا)؛ رَفَعْتَ زَيْدًا لأَنَّهُ مَفْعُولٌ لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَنَصَبْتَ الدِّرْهَمَ لأَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ ثَانٍ.

وَمِثْلُهُ: (كُسِيَ عَمْرٌو ثَوْبًا) وَ (ظُنَّ عَبْدُ اللهِ شَاخِصًا) وَ (أُعْلِمَ زَيْدٌ عَمْرًا مُقِيمًا)، وَقِسْ عَلَيْهِ».

(الشَّرْحُ): هَذَا بَابُ نَائِبِ الفَاعِلِ، وَهُوَ الاسْمُ الَّذِي قَامَ مَقَامَ الفَاعِلِ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ فِي الجُمْلَةِ.

فَالجُمْلَةُ إِذَا كَانَتْ مُكَوَّنَةً مِنْ فِعْلٍ وَفَاعِلٍ وَمَفْعُولٍ بِهِ وَلَكِنْ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا الفَاعِلُ؛ فَفِي تِلْكِ الحَالَةِ يَقُومُ المَفْعُولُ بِهِ مَقَامَ الفَاعِلِ وَيُصْبِحُ مَرْفُوعًا

(1/72)

بَعْدَ أَنْ كَانَ مَنْصُوبًا، وَيُسَمَّى فِي تِلْكِ الحَالَةِ نَائِبَ فَاعِلٍ - بَعْدَ أَنْ كَانَ مَفْعُولًا بِهِ -.

فَإِذَا قُلْتَ: (ضَرَبَ عَمْرٌو زَيْدًا)؛ هَذِهِ جُمْلَةٌ مُكَوَّنَةٌ مِنْ فِعْلٍ وَفَاعِلٍ وَمَفْعُولٍ بِهِ، فَـ (عَمْرٌو) فَاعِلٌ لِأَنَّهُ الضَّارِبُ، وَ (زَيْداً) مَفْعُولٌ بِهِ لِأَنَّهُ المَضْرُوبُ؛ فَإِذَا لَمْ تَذْكُرِ الفَاعِلَ فِي الجُمْلَةِ نَفْسِهَا وَقُلْتَ: (ضُرِبَ زَيْدٌ)؛ رَفَعْتَ (زَيْداً) لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ قَامَ مَقَامَ الفَاعِلِ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ فِي الجُمْلَةِ؛ فَفِي تِلْكَ الحالَةِ يُصْبِحُ المَفْعُولُ بِهِ نَائِبَ فَاعِلٍ مَرْفُوعًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مَنْصُوبًا.

وَمِثْلُهُ: قَوْلُكَ: (أُكْرِمُ أَخُوكَ)؛ حُذِفَ الفَاعِلُ مِنْهَا وَقَامَ المَفْعُولُ بِهِ مَقَامَ الفَاعِلِ، فَأَصْلُهَا - عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الفَاعِلَ هُوَ عَمْرٌو -: (أَكْرَمَ عَمْرٌو أَخَاكَ)؛ فَـ (عَمْرٌو) فَاعِلٌ، وَ (أَخَاكَ) مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصُوبٌ بِالأَلِفِ لأَنَّهَا مِنَ الأَسْمَاءِ الخَمْسَةِ؛ فَلَمَّا حُذِفَ الفَاعِلُ (عَمْرٌو) قَامَ المَفْعُولُ بِهِ (أَخَاكَ) مَقَامَهُ وَأَصْبَحَ نَائِبَ فَاعِلٍ مَرْفُوعًا؛ فَتَقُولُ: (أُكْرِمَ أَخُوكَ).

وَمِثْلُهُ: (كُلِّمَ عَبْدُ اللهِ)، وَ (صِيغَ الخَاتَمَ)، وَ (بِيعَ المَتَاعُ)؛ فَأَصْلُ

الجُمَلِ: (كَلَّمَ عَمْرٌو عَبْدَ اللهِ)، وَ (صَاغَ عَمْرٌو الخَاتَمَ)، وَ (بَاعَ عَمْرٌو المَتَاعَ).

وَقِسْ عَلَيْهِ كُلَّ مَا جَاءَ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ.

وَالجُمْلَةُ إِذَا كَانَتْ مُكَوَّنَةً مِنْ فِعْلٍ وَفَاعِلٍ وَمَفْعُولَيْنِ اثْنَيْنِ - أَوْ أَكْثَرَ -

(1/73)

وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهَا الفَاعِلُ؛ فَيُرْفَعُ المَفْعُولُ بِهِ الأَوَّلُ الَّذِي قَامَ مَقَامَ الفَاعِلِ، وَيَبقَى المَفْعُولُ بِهِ الثَّانِي عَلَى النَّصْبِ.

فَإِذَا قُلْتَ: (أَعْطَى عَمْرٌو زَيْدًا دِرْهَمًا)؛ هَذِهِ جُمْلَةٌ مُكَوَّنَةٌ مِنْ فِعْلٍ وَفَاعِلٍ وَمَفْعُولَيْنِ اثْنَيْنِ، فَـ (عَمْرٌو) فَاعِلٌ لِأَنَّهُ المُعْطِي، وَ (زَيْداً) مَفْعُولٌ بِهِ أَوَّلٌ لِأَنَّهُ المُعْطَى، وَ (دِرْهَمًا) مَفْعُولٌ بِهِ ثَانٍ لأَنَّ الدِّرْهَمَ هُوَ المُعْطَى لِزَيْدٍ؛ فَإِذَا لَْم تَذْكُرِ الفَاعِلَ فِي الجُمْلَةِ نَفْسِهَا وَقُلْتَ: (أُعْطِيَ زَيْدٌ دِرْهَمًا)؛ رَفَعْتَ (زَيْداً) لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ قَامَ مَقَامَ الفَاعِلِ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ فِي الجُمْلَةِ، وَأَبْقَيْتَ (دِرْهَمًا) عَلَى النَّصْبِ.

وَمِثْلُهُ: (كُسِيَ عَمْرٌو ثَوْبًا) وَ (ظُنَّ عَبْدُ اللهِ شَاخِصًا) وَ (أُعْلِمَ زَيْدٌ عَمْرًا مُقِيمًا)؛ فَأَصْلُ الكَلَامِ عَلَى تَقْدِيرِ كَلِمَةِ (فُلَانٍ) لِلْفَاعِلِ: (كَسَى فُلَانٌ عَمْرًا ثَوْبًا)، وَ (ظَنَّ فُلَانٌ عَبْدَ اللهِ شَاخِصًا)، وَ (أَعْلَمَ فُلَانٌ زَيْدًا عَمْرًا مُقِيمًا).

وَقِسْ عَلَيْهِ كُلَّ مَا جَاءَ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ.

(1/74)

15 - بَابُ المَعْرِفَةِ وَالنَّكِرَةِ

قَالَ المُصَنِّفُ: «اعْلَمْ أَنَّ الأَسْمَاءَ عَلَى قِسْمَيْنِ: مَعْرِفَةٌ وَنَكِرَةٌ.

فَالمَعْرِفَةُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: اسْمٌ عَلَمٌ، وَاسْمٌ مَعْهُودٌ، وَاسْمٌ مُبْهَمٌ، وَاسْمٌ مُضْمَرٌ، وَاسْمٌ مُضَافٌ إِلَى أَحَدِ هَؤُلَاءِ المَعَارِفِ.

فَالعَلَمُ هُوَ: أَسْمَاءُ النَّاسِ وَالبُلْدَانِ؛ نَحْوُ قَوْلِكَ: (زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَمَكَّةُ وَبَغْدَادُ) - وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ -.

وَالمَعْهُودُ: مَا كَانَ فِي أَوَّلِهِ أَلِفٌ وَلَامٌ لِلتَّعْرِيفِ؛ كَقَوْلِكَ: (الرَّجُلُ وَالفَرَسُ وَالدَّارُ وَالثَّوْبُ) - وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ -.

وَالمُبْهَمُ: مَا يُشَارُ بِهِ إِلَى الشَّيْءِ؛ نَحْوُ قَوْلِكَ: (هَذَا وَهَذِهِ وَذَلِكَ وَتِلْكَ) - وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ -.

وَالمُضْمَرُ نَحْوُ قَوْلِكَ: (هُوَ وَهِيَ) وَتَثْنِيَتُهُمَا وَجَمْعُهُمَا، وَنَحْوُ التَّاءِ فِي (ضَرَبْتُ)، وَ (نَا) فِي (ضَرَبْنَا)، وَ (نِي) فِي (ضرَبَنِي)، وَاليَاءُ فِي (دَارِي وَثَوْبِي) - وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ -.

وَالمُضَافُ إِلَى أَحَدِ هَؤُلَاءِ المَعَارِفِ؛ نَحْوُ قَوْلِكَ: (غُلَامُ زَيْدٍ)، وَ (دَارُ الرَّجُلِ)، وَ (ثَوْبُ هَذَا)، وَ (ثَوْبِي)، وَ (ثَوْبُكَ)، وَقِسْ عَلَيْهِ».

(1/75)

(الشَّرْحُ): يَنْقَسِمُ الاسْمُ مِنْ حَيْثُ التَّعْرِيفُ وَالتَّنْكِيرُ إِلَى قِسْمَيْنِ: نَكِرَةٍ وَمَعْرِفَةٍ.

المَعْرِفَةُ هِيَ: كُلُّ اسْمٍ يَدُلُّ عَلَى مُعَيَّنٍ؛ كَقَوْلِكَ: (الرَّجُلُ)؛ فَأَنْتَ عَيَّنْتَ فِي كَلَامِكَ رَجُلًا مُعَيَّنًا؛ فَتُرِيدُ فَرْدًا بِعَيْنِهِ، وَمِثْلُهُ: (زَيْدٌ، وَهَذَا، وَأَنَا، وَالَّذِي، وَدَارِي).

فأَمَّا النَّكِرَةُ فَلَمْ يَذْكُرْهَا المُصَنِّفُ بِالتَّفْصِيلِ؛ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِهَا: كُلَّ مَا هُوَ خِلَافُ المَعْرِفَةِ، أَوْ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا الأَصْلُ فِي الأَسْمَاءِ، وَهِيَ: كُلُّ اسْمٍ يَدُلُّ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ؛ كَقَوْلِكَ: (رَجُلٌ)؛ فَأَنْتَ لَمْ تُعَيِّنْ - أَوْ تُخَصِّصْ - فِي كَلَامِكَ رَجُلًا مُعَيَّنًا؛ فَلَا تُرِيدُ فَرْدًا بِعَيْنِهِ، وَمِثْلُهُ: (كِتَابٌ وَشَجَرَةٌ وَامْرَأَةٌ).

وَقَدْ مَيَّزَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ بَيْنَ النَّكِرَةِ وَالمَعْرِفَةِ بِصِحَّةِ دُخُولِ (رُبَّ) عَلَى النَّكِرَةِ وَعَدَمِ صِحَّةِ دُخُولِهَا عَلَى المَعْرِفَةِ؛ فَإِذَا قُلْتَ: (رُبَّ رَجُلٍ) صَحَّتِ العِبَارَةُ، فَهَذَا دَلَّ عَلَى أَنَّ (رَجُل) نَكِرَةٌ، وإِذَا قُلْتَ: (رُبَّ الرَّجُلِ) فَلَا تَصِحُّ العِبَارَةُ؛ فَهَذَا دَلَّ عَلَى أَنَّ (الرَّجُلَ) مَعْرِفَةٌ.

وَالمَعْرِفَةُ عَلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ:

1 - الاسْمُ العَلَمُ: وَهُوَ الاسْمُ الخَاصُّ لِلشَّيْءِ؛ كَأَسْمَاءِ النَّاسِ وَالبُلْدَانِ - وَغَيْرِهَا مِنَ المُسَمَيَّاتِ -؛ كَقَوْلِكَ: (زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَمَكَّةُ وَبَغْدَادُ)؛ فَهَذِهِ

(1/76)

الأَسْمَاءُ هِيَ عَلَامَةٌ لِلأَشْيَاءِ الَّتِي سُمِّيَتْ بِهَا.

2 - وَالاسْمُ المَعْهُودُ: وَهُوَ الاسْمُ الَّذِي دَخَلَتْ عَلَيْهِ (ال) التَّعْرِيفِ؛ كَـ (الرَّجُلِ وَالكِتَابِ)؛ فَكُلُّ كَلِمَةٍ دَخَلَتْ عَلَيْهَا (ال) التَّعْرِيفِ فَهِيَ مَعْرِفَةٌ.

3 - وَالأَسْمَاءُ المُبْهَمَةُ، وَهِيَ الأَسْمَاءُ الَّتِي تَنُوبُ عَنِ الاسْمِ الظَّاهِرِ بِالإِشَارَةِ أَوِ الصِّلَةِ.

فَأَسْمَاءُ الإشَارَةِ: هِيَ الأَسْمَاءُ المُبْهَمَةُ الَّتِي تَنُوبُ عَنِ الاسْمِ الظَّاهِرِ بِالإِشَارَةِ؛ مِنْهَا: (هَذَا) لِلْمُفْرَدِ المُذَكَّرِ، وَ (هَذِهِ) لِلْمُفْرَدَةِ المُؤَنَّثَةِ، وَ (هَذَانِ) وَ (هَذَيْنِ) لِلْمُثَنَّى المُذَكَّرِ، وَ (هَاتَانِ) وَ (هَاتَيْنِ) لِلْمُثَنَّى المُؤَنَّثِ، وَ (هَؤُلَاءِ) لِلجَمْعِ مِنْ ذُكُورٍ أَوْ إِنَاثٍ.

وَالهَاءُ وَالأَلِفُ الَّتِي فِي أَوَّلِ أَسْمَاءِ الإِشَارَةِ المَذْكُورَةِ هِيَ: حَرْفُ تَنْبِيهٍ.

وَالأَسْمَاءُ المَوْصُولَةُ: هِيَ الأَسْمَاءُ المُبْهَمَةُ الَّتِي تَنُوبُ عَنِ الاسْمِ الظَّاهِرِ بِالصِّلَةِ؛ وَهِيَ: (الَّذِي) لِلْمُفَرْدِ المُذَكَّرِ، وَ (الَّتِي) لِلْمُفْرَدَةِ المُؤَنَّثَةِ، وَ (اللَّذَانِ) وَ (اللَّذَيْنِ) لِلْمُثَّنَى المُذَكَّرِ، وَ (اللَّتَانِ) وَ (اللَّتَيْنِ) لِلْمُثَنَّى المُؤَنَّثِ، وَ (الَّذِينَ) وَ (الأُلَى) لِجَمَاعَةِ الذُّكُورِ، وَ (اللَّاتِي) وَ (اللَّوَاتِي) وَ (اللَّائِي) لِجَمَاعَةِ الإِنَاثِ، وَ (مَنْ) لِلْعَاقِلِ، وَ (مَا) لِغَيْرِ العَاقِلِ، وَ (ذَا) الَّتِي تَقَعُ بَعْدَ (مَنْ) وَ (مَا)، وَ (أَيٌّ) مِنْ (يَسُرُّنِي أَيُّهُمْ قَامَ).

(1/77)

4 - وَالضَّمَائِرُ كُلُّهَا؛ وَهِيَ أَسْمَاءٌ مُضْمَرَةٌ تَنُوبُ عَنِ الأَسْمَاءِ الظَّاهِرَةِ؛ فَإِذَا قُلْتَ: (زَيْدٌ طَوِيلٌ)؛ فَـ (زَيْدٌ) اسْمٌ ظَاهِرٌ؛ فَإِذَا أُرِيدُ ذِكْرُ (زَيْدٍ) عَلَى سَبِيلِ الإِضْمَارِ؛ فَإِنَّهُ يَقَعُ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثِ حَالَاتٍ:

- أَنَّ زَيْدًا هُوَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ عَنْ نَفْسِهِ؛ فَيَقُولُ: (أَنَا طَوِيلٌ).

- أَنَّ زَيْدًا هُوَ الَّذِي تُخَاطِبُهُ؛ فَتَقُولُ لَهُ: (أَنْتَ طَوِيلٌ).

- أَنَّ زَيْدًا غَائِبٌ وَأَنْتَ تَتَحَدَّثُ عَنْهُ، فَتَقُولُ: (هُوَ طَوِيلٌ).

فَالضَّمَائِرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: لِلْمُتَكَلِّمِ وَالمُخَاطَبِ وَالغَائِبِ، وَتَاتِي مُنْفَصِلَةً عَنِ الكلِمَةِ أَوْ مُتَّصِلَةً، أَوْ تَاتِي مُسْتَتِرَةً.

أَمَّا ضَمَائِرُ المُتَكَلِّمِ فهِيَ: (أَنَا) وَ (إِيَّايَ) وَ (اليَاءُ) مِنْ (ضَرَبَنِي) لِلْمُتَكَلِّمِ، وَ (نَحْنُ) وَ (نَا) مِنْ (ضَرَبْنَا) وَ (ضَرَبَنَا) وَ (وَالِدُنَا) (وَإِيَّانَا) لِلْمُتَكَلِّمِينَ.

وَأَمَّا ضَمَائِرُ المُخَاطَبِ فَهِيَ: (أَنْتَ) وَ (إِيَّاكَ) لِلْمُخَاطَبِ، وَ (أَنْتِ) وَ (إِيَّاكِ) لِلْمُخَاطَبَةِ، وَ (أَنْتُمَا) وَ (إِيَّاكُمَا) لِلْمُخَاطبَيْنِ أَوِ المُخَاطَبَتَيْنِ، وَ (أَنْتُمْ) وَ (إِيَّاكُمْ) لِلْمُخَاطَبِينَ، وَ (أَنْتُنَّ) وَ (إِيَّاكُنَّ) لِلْمُخَاطَبَاتِ، وَيَاءُ المُخَاطَبَةِ مِنْ (أَكْرِمِي)، وَكَافُ الخِطَابِ مِنْ (أَكْرَمَكَ) وَ (أَكْرَمَكِ) وَ (أَكْرَمَكُمَا) وَ (أَكْرَمَكُمْ) وَ (أَكْرَمَكُنَّ) وَ (وَالِدُكَ) وَ (وَالِدُكِ) وَ (وَالِدُكُمَا) وَ (وَالِدُكُمْ) وَ (وَالِدُكُنَّ).

(1/78)

وَأَمَّا ضَمَائِرُ الغَائِبِ فَهِيَ: (هُوَ) وَ (إِيَّاهُ) لِلْغَائِبِ، وَ (هِيَ) وَ (إِيَّاهَا) لِلْغَائِبَةِ، وَ (هُمَا) وَ (إِيَّاهُمَا) لِلْغَائبَيْنِ أَوِ الغَائِبَتَيْنِ، وَ (هُمْ) وَ (إِيَّاهُمْ) لِلْغَائِبِينَ، وَ (هُنَّ) وَ (إِيَّاهُنَّ) لِلْغَائِبَاتِ، وَهَاءُ الغَائِبِ مِنْ (أَكْرَمَهُ) وَ (أَكْرَمَهَا) وَ (أَكْرَمَهُمَا) وَ (أَكْرَمَهُمْ) وَ (أَكْرَمَهُنَّ) وَ (وَالِدُهُ) وَ (وَالِدُهَا) وَ (وَالِدُهُمَا) وَ (وَالِدُهُمْ) وَ (وَالِدُهُنَّ).

وَمِنَ الضَّمَائِرِ: تَاءُ الفَاعِلِ، وَهُوَ ضَمِيرٌ يَكُونُ لِلْمُتَكَلِّمِ أَوِ المُخَاطَبِ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ الجُمْلَةِ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا؛ كَـ (ضَرَبْتُ) وَ (ضَرَبْتَ) وَ (ضَرَبْتِ) وَ (ضَرَبْتُمَا) وَ (ضَرَبْتُمْ) وَ (ضَرَبْتُنَّ).

وَمِنَ الضَّمَائِرِ - أَيْضًا -: أَلِفُ الاثْنَيْنِ وَوَاوُ الجَمَاعَةِ وَنُونُ النِّسْوَةِ، وَهِيَ ضَمَائِرُ تَكُونُ لِلْمُخَاطَبِ أَوِ الغَائِبِ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ الجُمْلَةِ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا؛ كَـ (اضْرِبَا) وَ (اضْرِبُوا) وَ (اضْرِبْنَ)، وَ (ضَرَبَا) وَ (ضَرَبُوا) وَ (ضَرَبْنَ)، (يَضْرِبَانِ) وَ (يَضْرِبُونَ) وَ (يَضْرِبْنَ).

- وَالمُضَافُ إِلَى وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ مِنَ المَعَارِفِ.

فَـ (غُلَامُ): مَعْرِفَةٌ فِي قَوْلِكَ: (غُلَامُ زَيْدٍ)؛ لأَنَّهَا أُضِيفَتْ إِلَى اسْمِ عَلَمٍ، وَهُوَ (زَيْدٌ).

وَ (دَارُ): مَعْرِفَةٌ فِي قَوْلِكَ: (دَارُ الرَّجُلِ)؛ لأَنَّهَا أُضِيفَتْ إِلَى اسْمٍ

(1/79)

مَعْهُودٍ، وَهُوَ (الرَّجُلُ).

وَ (ثَوْبُ): مَعْرِفَةٌ فِي قَوْلِكَ: (ثَوْبُ هَذَا)؛ لأَنَّهَا أُضِيفَتْ إِلَى اسْمٍ

مُبْهَمٍ، وَهُوَ اسْمُ الإِشَارَةِ: (هَذَا).

وَ (ثَوْبِ): مَعْرِفَةٌ فِي قَوْلِكَ: (ثَوْبِي)؛ لأَنَّهَا أُضِيفَتْ إِلَى ضَمِيرٍ، وَهُوَ (يَاءُ المُتَكَلِّمِ).

وَ (ثَوْبُ): مَعْرِفَةٌ فِي قَوْلِكَ: (ثَوْبُكَ)؛ لأَنَّهَا أُضِيفَتْ إِلَى ضَمِيرٍ، وَهُوَ (كَافُ الخِطَابِ).

(1/80)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

إيناس الناس بتفاحة أبي جعفر النحاس

16 - بَابُ مَا يَتْبَعُ الاسْمَ فِي إِعْرَابهِ

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: النَّعْتُ، وَالعَطْفُ، وَالبَدَلُ، وَالتَّوْكِيدُ».

(الشَّرْحُ): وَيُرَادُ بِذَلِكَ: الأَبْوَابُ النَّحْوِيَّةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا إِعْرَابُ الكَلِمَةِ تَابِعًا لِإِعْرَابِ مَا قَبْلَهَا؛ بِحَيْثُ إِذَا كَانَ الَّذِي قَبْلَهَا مَرْفُوعًا لَزِمَتِ الرَّفْعَ، وَإِذَا كَانَ مَنْصُوبًا لَزِمَتِ النَّصْبَ، وَإِذَا كَانَ مَجْرُورًا لَزِمَتِ الجَرَّ، وَإِذَا كَانَ مَجْزُومًا لَزِمَتِ الجَزْمَ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ: بَابُ النَّعْتِ - وَيُسَمَّى بِالصِّفَةِ أَيْضًا -، وَبَابُ العَطْفِ، وَبَابُ البَدَلِ، وَبَابُ التَّوْكِيدِ.

وَتُسَمَّى الأَبْوَابُ بِالتَّوابعِ، فَالنَّعْتُ تَابعٌ، وَالعَطْفُ تَابعٌ، وَالبَدَلُ تَابعٌ، وَالتَّوْكِيدُ تَابعٌ، أَمَّا الكَلِمَةُ الَّتِي يَتْبَعُهَا التَّابعُ فِي الإِعْرَابِ فَتُسَمَّى بِالمَتْبُوعِ، وَسَيَاتِي ذِكْرُ كُلٍّ مِنْهَا فِي بَابٍ مسْتَقِلٍّ.

(1/81)

17 - بَابُ النَّعْتِ

قَالَ المُصَنِّفُ: «اعْلَمْ أَنَّ النَّعْتَ تَابعٌ للاسْمِ فِي إِعْرَابِهِ وَتَعْرِيفِهِ وَتَنْكِيرِهِ.

إِنْ كَانَ الاسْمُ رَفْعًا فَنَعْتُهُ رَفْعٌ، وَإِنْ كَانَ نَصْبًا فَنَعْتُهُ نَصْبٌ، وَإِنْ كَانَ خَفْضًا فَنَعْتُهُ خَفْضٌ، وَإِنْ كَانَ مَعْرِفَةً فَنَعْتُهُ مَعْرِفَةٌ، وَإِنْ كَانَ نَكِرَةً فَنَعْتُهُ نَكِرَةٌ.

تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: (قَامَ زَيْدٌ العَاقِلُ)؛ رَفَعْتَ زَيْدًا بِفِعْلِهِ وَرَفَعْتَ العَاقِلَ لأَنَّهُ نَعْتٌ لِزَيْدٍ، وَفِي التَّثْنِيَةِ: (قَامَ الزَّيْدَانِ العَاقِلَانِ) وَفِي الجَمَاعَةِ: (قَامَ الزَّيْدُونَ العَاقِلُونَ).

وَمِثْلُهُ: (جَاءَنِي رَجُلٌ صَالِحٌ) وَ (مَرَرْتُ بِرَجُلٍ ذِي مَالٍ) وَ (لَقِيتُ أَخَاكَ ذَا المَالِ) وَ (كَلَّمْتُ أَبَا عَمْرٍو العَاقِلَ) وَ (كَلَّمْتُ أَبَوَيْ عَمْرٍو الكَاتِبَيْنِ)، وَقِسْ عَلَيْهِ».

(الشَّرْحُ): النَّعْتُ - أَوِ الصِّفَةُ -: هُوَ الاسْمُ التَّابِعُ الَّذِي يُذْكَرُ لِوَصْفِ اسْمٍ آخَرَ قَبْلَهُ.

فَإِذَا قُلْتَ: (جَاءَ عَمْرٌو الشُّجَاعُ)؛ فَكَلِمَةُ (الشُّجَاعُ) هِيَ اسْمٌ ذُكِرَ لِوَصْفِ (عَمْرٍو)؛ فَأَرَدْتَ: أَنَّ الشَّجَاعَةَ مِنْ صِفَاتِ عَمْرٍو.

(1/82)

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النَّعْتَ مِنَ التَّوَابِعِ؛ وَهُوَ يَتْبَعُ المَوْصُوفَ فِي الإِعْرَابِ، وَالتَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ، وَالتَّذْكِيرِ وَالتَّانِيثِ، وَالإِفْرَادِ وَالتَّثْنِيَةِ وَالجَمْعِ.

فَالنَّعْتُ يَتْبَعُ المَوْصُوفَ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ، وَهَذَا مَا يُسَمَّى بِالنَّعْتِ الحَقِيقِيِّ.

وَثَمَّةَ نَعْتٌ يُسَمَّى بِالنَّعْتِ السَّبَبِيِّ لَا يَتْبَعُ مَوْصُوفَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ المُصَنِّفُ أَمْثِلَةً، وَلَيْسَ مَقَامُهُ - أَيْضًا - فِي هَذَا الشَّرْحِ المُخْتَصَرِ.

فَكَلَامُنَا فِي هَذَا البَابِ عَلَى مَا يُسَمَّى بِالنَّعْتِ الحَقِيقِيِّ، فَنَقُولُ:

أَمَّا الإِعْرَابُ: فَإِذَا كَانَ الاسْمُ المَوْصُوفُ مَرْفُوعًا لَزِمَ النَّعْتُ الرَّفْعَ، وَإِذَا كَانَ مَنْصُوبًا لَزِمَ النَّصْبَ، وَإِذَا كَانَ مَجْرُورًا لَزِمَ الجَرَّ.

وَلَا نَقُولُ - هُنَا -: (وَإِنْ كَانَ مَجْزُومًا لَزِمَ الجَزْمَ)؛ لأَنَّ النَّعْتَ مِنَ الأَسْمَاءِ، وَالاسْمُ لَا جَزْمَ فِيهِ.

فَتَقُولُ: (قَامَ زَيْدٌ العَاقِلُ)، وَ (لَقِيتُ زَيْدًا العَاقِلَ)، وَ (مَرَرْتُ بزَيْدٍ العَاقِلِ)؛ بِرَفْعِ (العَاقِلِ) فِي الجُمْلَةِ الأُولَى، وَنَصْبِ (العَاقِلِ) فِي الثَّانِيَةِ، وَجَرِّ (العَاقِلِ) فِي الثَّالِثَةِ.

فَفِي الجُمْلَةِ الأُولَى: جَاءَ المَوْصُوفُ - وَهُوَ (زَيْدٌ) - مَرْفُوعًا، فَلَزِمَ النَّعْتُ - وَهُوَ (العَاقِلُ) - الرَّفْعَ.

(1/83)

وَفِي الثَّانِيَةِ: جَاءَ المَوْصُوفُ مَنْصُوبًا، فَلِزَمُ النَّعْتُ النَّصْبَ.

وَفِي الثَّالِثَةِ: جَاءَ المَوْصُوفُ مَجْرُورًا، فَلَزِمَ النَّعْتُ الجَرَّ.

وَأَمَّا التَّعْرِيفُ وَالتَّنْكِيرُ: فَإِذَا كَانَ المَوْصُوفُ مَعْرِفَةً لَزِمَ النَّعْتُ

التَّعْرِيفَ، وَإِذَا كَانَ الَموْصُوفُ نَكِرَةً لَزِمَ النَّعْتُ التَّنْكِيرَ.

فَإِذَا قُلْتَ: (قَامَ زَيْدٌ العَاقِلُ) فالعِبَارَةُ صَحَّتْ مِنْ حَيْثُ مُوَافَقَةُ النَّعْتِ لِلْمَوْصُوفِ فِي التَّعْرِيفِ؛ فَالمَوْصُوفُ فِي الجُمْلَةِ هُوَ (زَيْدٌ)، وَهُوَ مَعْرِفَةٌ لأَنَّهُ اسْمُ عَلَمٍ، وَالنَّعْتُ فِي الجُمْلَةِ هُوَ (العَاقِلُ)، وَهُوَ مَعْرِفَةٌ - أَيْضًا - لأَنَّهُ اسْمٌ دَخَلَتْ عَلَيْهِ (الـ) التَّعْرِيفِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ قُلْتَ: (قَامَ رَجُلٌ عَاقِلٌ)، فالعِبَارَةُ صَحَّتْ - أَيْضًا - مِنْ حَيْثُ مُوَافَقَةُ النَّعْتِ لِلْمَوْصُوفِ فِي التَّنْكِيرِ؛ فَالمَوْصُوفُ فِي الجُمْلَةِ هُوَ (رَجُلٌ)، وَهُوَ نَكِرَةٌ، وَالنَّعْتُ فِي الجُمْلَةِ هُوَ (عَاقِلٌ)، وَهُوَ نَكِرَةٌ - أَيْضًا -.

لَكِنْ لَوْ قُلْتَ: (قَامَ زَيْدٌ عَاقِلٌ) أَوْ (قَامَ رَجُلٌ العَاقِلُ)؛ فَلَا يَصِحُّ المَعْنَى فِي العِبَارَتَيْنِ؛ لأَنَّ النَّعْتَ فِي الجُمْلَتَيْنِ لَمْ يُوَافِقِ المَوْصُوفَ فِي التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ.

وَأَمَّا التَّذْكِيرُ وَالتَّانِيثُ: فَإِذَا كَانَ المَوْصُوفُ مُذَكَّرًا لَزِمَ النَّعْتُ التَّذْكِيرَ، وَإِذَا كَانَ المَوْصُوفُ مُؤَنَّثًا لَزِمَ النَّعْتُ التَّانِيثَ.

(1/84)

فَتَقُولُ: (قَامَ زَيْدٌ العَاقِلُ) وَ (قَامَتْ هِنْدٌ العَاقِلَةُ).

وَأَمَّا الإِفْرَادُ وَالتَّثْنِيَةُ وَالجَمْعُ: فَإِذَا كَانَ المَوْصُوفُ مُفْرَدًا لَزِمَ النَّعْتُ الإِفْرَادَ، وَإِذَا كَانَ المَوْصُوفُ مُثَنًّى لَزِمَ النَّعْتُ التَّثْنِيَةَ، وَإِذَا كَانَ المَوْصُوفُ جَمْعًا لَزِمَ النَّعْتُ الجَمْعَ.

فَتَقُولُ: (قَامَ زَيْدٌ العَاقِلُ)، وَ (قَامَ الزَّيْدَانِ العَاقِلَانِ)، وَ (قَامَ الزَّيْدُونُ العَاقِلُونَ).

وَمِنْ أَمْثِلَةِ بَابِ النَّعْتِ:

(جَاءَنِي رَجُلٌ صَالِحٌ)؛ فَـ (صَالِحٌ) نَعْتٌ لِـ (رَجُلٌ)، وَالكَلِمَتَانِ مَرْفُوعَتَانِ، وَعَلَى الإِفْرَادِ، وَالتَّذْكِيرِ، وَالتَّنْكِيرِ.

(مَرَرْتُ بِرَجُلٍ ذِي مَالٍ)؛ فَـ (ذِي) نَعْتٌ لِـ (رَجُلٍ)، وَالكَلِمَتَانِ مَجْرُورَتَانِ، وَعَلَى الإِفْرَادِ، وَالتَّذْكِيرِ، وَالتَّنْكِيرِ؛ فـ (ذِي) فِي الجُمْلَةِ نَكِرَةٌ لِأَنَّهَا مُضَافَةٌ إِلَى نَكِرَةٍ وَهِيَ: (مَالٍ).

(لَقِيتُ أَخَاكَ ذَا المَالِ)؛ فَـ (ذَا) نَعْتٌ لِـ (أَخَاكَ)، وَالكَلِمَتَانِ مَنْصُوبَتَانِ، وَعَلَى الإِفْرَادِ، وَالتَّذْكِيرِ، وَالتَّعْرِيفِ؛ فَـ (أَخَاكَ) مَعْرِفَةٌ لأَنَّهَا مُضَافَةٌ إِلَى

ضمِيرٍ، وَ (ذَا) مَعْرِفَةٌ فِي الجُمْلَةِ لأَنَّهَا مُضَافَةٌ إِلَى الاسْمِ المُعَرَّفِ بـ (ال).

(كَلَّمْتُ أَبَا عَمْرٍو العَاقِلَ)؛ فَـ (العَاقِلَ) نَعْتٌ لِـ (أَبَا)، وَالكَلِمَتَانِ

(1/85)

مَنْصُوبَتَانِ، وَعَلَى الإِفْرَادِ، وَالتَّذْكِيرِ، وَالتَّعْرِيفِ؛ فَـ (أَبَا) مَعْرِفَةٌ لأَنَّهَا مُضَافَةٌ إِلَى اسْمِ عَلَمٍ، وَ (العَاقِلَ) مَعْرِفَةٌ لِدُخُولِ (الـ) التَّعْرِيفِ عَلَيْهَا.

(كَلَّمْتُ أَبَوَيْ عَمْرٍو الكَاتِبَيْنِ)؛ فَـ (الكَاتِبَيْنِ) نَعْتٌ لِـ (أَبَوَيْ)، وَالكَلِمَتَانِ مَنْصُوبَتَانِ، وَعَلَى التَّثْنِيَةِ، وَالتَّذْكِيرِ، وَالتَّعْرِيفِ؛ فَـ (أَبَوَيْ) مَعْرِفَةٌ لأَنَّهَا مُضَافَةٌ إِلَى اسْمِ عَلَمٍ، وَ (الكَاتِبَيْنِ) مَعْرِفَةٌ لِدُخُولِ (ال) التَّعْرِيفِ عَلَيْهَا.

وَقِسْ عَلَى مَا سَبَقَ كُلَّ مَا يَاتِي مِنْ هَذَا البَابِ.

(1/86)

18 - بَابُ حُرُوفِ العَطْفِ

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَحُرُوفُ العَطْفِ: الوَاوُ، وَالفَاءُ، وَ (ثُمَّ)، وَ (أَوْ)، وَ (لَا)، وَ (بَلْ)، وَ (لَكِنْ)، وَ (أَمْ)، وَ (إِمَّا)، وَ (حَتَّى).

تَعْطِفُ بِهَذِهِ الحُرُوفِ الثَّانِيَ عَلَى الأَوَّلِ، فَتُصَيِّرُهُ فِي مِثْلِ حَالِهِ مِنَ الإِعْرَابِ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالخَفْضِ وَالجَزْمِ.

تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: (جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو)؛ رفَعْتَ (زَيْدًا) لأَنَّهُ فَاعِلٌ، وَرَفَعْتَ (عَمْرًا) لأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَيْهِ بِالوَاوِ.

وَمِثْلُهُ: (رَأَيْتُ زَيْدًا فَعَمْرًا)، وَ (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ ثُمَّ عَمْرٍو)، وَ (جَاءَنِي القَوْمُ حَتَّى زَيْدٌ) و (ضَرَبْتُ القَوْمَ حَتَّى زَيْدًا)، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ».

(الشَّرْحُ): حُرُوفُ العَطْفِ: هِيَ حُرُوفٌ تُغْنِي عَنْ إِعَادَةِ الكَلَامِ الَّذِي يَكُونُ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ.

وَهِيَ: الوَاوُ، وَالفَاءُ، وَ (ثُمَّ)، وَ (أَوْ)، وَ (لَا)، وَ (بَلْ)، وَ (لَكِنْ)، وَ (أَمْ)، وَ (إِمَّا)، وَ (حَتَّى) - فِي بَعْضِ المَوَاضِعِ -.

فَإِذَا قُلْتَ: (جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو)، فَأَصْلُ الكَلَامِ: (جَاءَ زَيْدٌ وَجَاءَ عَمْرٌو)، لَكِنَّ حَرْفَ العَطْفِ أَغْنَى عَنْ إِعَادَةِ الكَلَامِ الَّذِي يَكُونُ عَلَى نَسَقٍ

(1/87)

وَاحِدٍ؛ فَجَاءَتِ العِبَارَةُ: (جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو) بِإِسْقَاطِ (جَاءَ) الثَّانِيَةِ، وَيَكُونُ (عَمْرٌو) عَطْفًا، وَيُسَمَّى مَعْطُوفًا أَيْضًا - وَهُوَ التَّابِعُ -.

فَالعَطْفُ: هُوَ التَّابِعُ الَّذِي يَاتِي هُوَ وَمَتْبُوعُهُ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ، فَيَتَوَسَّطُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَتْبُوعِ أَحَدُ حُرُوفِ العَطْفِ لِيُغْنِي عَنْ إِعَادَةِ الكَلَامِ.

وَالعَطْفُ يَتْبَعُ المَعْطُوفَ عَلَيْهِ الَّذِي قَبْلَهُ فِي الإِعْرَابِ؛ فَإِذَا كَانَ المَعْطُوفُ عَلَيْهِ مَرْفُوعًا لَزِمَ العَطْفُ الرَّفْعَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي النَّصْبِ أَوِ الجَرِّ أَوِ الجَزْمِ.

فَمِثَالُ المَرْفُوعِ: قَوْلُكَ: (قَامَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو)، وَأَصْلُ الكَلَامِ: (قَامَ زَيْدٌ وَقَامَ عَمْرٌو).

وَمِثَالُ المَنْصُوبِ: قَوْلُكَ: (رَأَيْتُ زَيْدًا وَعَمْرًا)، وَأَصْلُ الكَلَامِ: (رَأَيْتُ زَيْدًا وَرَأَيْتُ عَمْرًا).

وَمِثَالُ المَجْرُورِ: قَوْلُكَ: (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ وَعَمْرٍو)، وَأَصْلُ الكَلَامِ: (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ وَمَرَرْتُ بِعَمْرٍو).

وَمِثَالُ المَجْزُومِ: قَوْلُكَ: (لَْم يَاكُلْ أَوْ يَشْرَبْ)، وَأَصْلُ الكَلَامِ: (لَمْ يَاكُلْ أَوْ لَمْ يَشْرَبْ).

وَأُضِيفَ الجَزْمُ هُنَا - بِخِلَافِ بَابِ النَّعْتِ -؛ لأَنَّ العَطْفَ يَقَعُ فِي الأَسْمَاءِ وَالأَفْعَالِ - كَمَا فِي الأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ -؛ فَالاسْمُ يُعْطَفُ عَلَى الاسْمِ، وَالفِعْلُ

(1/88)

يُعْطَفُ عَلَى الفِعْلِ.

وَلِكُلِّ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ العَطْفِ مَعْنًى خَاصٌّ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ الجُمْلَةِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا العَطْفُ.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ حُرُوفِ العَطْفِ:

(جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو). (جَاءَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو). (جَاءَ زَيْدٌ ثُمَّ عَمْرٌو). (جَاءَ زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو). (أَجَاءَ زَيْدٌ أَمْ عَمْرٌو؟). (مَا جَاءَ زَيْدٌ؛ بَلْ عَمْرٌو). (جَاءَ زَيْدٌ، لَا عَمْرٌو). (اضْرِبْ إِمَّا زَيْدًا وَإِمَّا عَمْرًا). (لَا أُحِبُّ زَيْدًا لَكِنْ عَمْرًا). (جَاءَنِي القَوْمُ، حَتَّى زَيْدٌ).

(1/89)

19 - بَابُ التَّوْكِيدِ

قَالَ المُصَنِّفُ: «وَحُرُوفُ التَّوْكِيدِ سَبْعَةٌ: النَّفْسُ، وَالعَيْنُ، وَكُلُّ، وَجَمِيعُ، وَأَجْمَعُ، وَأَكْتَعُ، وأَبْصَعُ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهَا مِنْ تَثْنِيَةٍ وَجَمْعٍ وَتَذْكِيرٍ وَتَأَنِيثٍ.

تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: (جَاءَنِي زَيْدٌ نَفْسُهُ)؛ رَفَعْتَ (زَيْدًا) لأَنَّهُ فَاعِلٌ وَرَفَعْتَ (نَفْسَهُ) لأَنَّهُ تَوْكِيدٌ لِزيْدٍ.

وَمِثْلُهُ: (جَاءَنِي القَوْمُ أَجْمَعُونَ) وَ (لَقِيتُهُمْ أَجْمَعِينَ) وَ (مَرَرْتُ بِهِمْ أَجْمَعِينَ)، وَ (مَرَرْتُ بِهِم كُلِّهِمْ) وَ (بِهِمَا كِلَيْهِمَا)، وَفِي المُؤَنَّثِ - أَيْضًا -، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ.

وَتَقُولُ: (قَامَ القَوْمُ جَمِيعٌ وَجَمِيعًا)؛ الرَّفْعُ تَوْكِيدٌ لِلْقَوْمِ، وَالنَّصْبُ عَلَى الحَالِ، وَقِسْ عَليْهِ».

(الشَّرْحُ): التَّوْكِيدُ: هُوَ الاسْمُ التَّابِعُ الَّذِي يُذْكَرُ لِتَاكِيدِ اسْمٍ آخَرَ

قَبْلَهُ، وَيُرَادُ بِهِ: إِثْبَاتُ الحَقِيقَةِ أَوِ الإِحَاطَةُ وَالشُّمُولُ.

أَمَّا إِثْبَاتُ الحقِيقَةِ: فَتَكُونُ بِلَفْظَيْنِ، هُمَا: (النَّفْسُ، وَالعَيْنُ).

فَإِذَا قُلْتَ: (جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ) أَوْ (جَاءَ زَيْدٌ عَيْنُهُ)، تُرِيدُ أَنْ تُؤَكِّدَ أَنَّ زَيْدًا

(1/90)

بِذَاتِهِ هُوَ الَّذِي جَاءَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْكَ تَوَسُّعٌ فِي الكَلَامِ أَوْ سَهْوٌ أَوْ خَطَأٌ.

وَاللَّفْظَانِ (النَّفْسُ) وَ (العَيْنُ): يَتْبَعَانِ المُؤَكَّدَ فِي إِفْرَادِهِ وَتَثْنِيَتِهِ وَجَمْعِهِ

- تَذْكِيرًا أَوْ تَانِيثًا -، وَيَجُوزُ فِي المُثَنَّى الإِفْرَادُ وَالجَمْعُ - أَيْضًا -، وَالأَفْصَحُ أَنْ يُجْمَعَ فِي تَثْنِيَتِهِ.

فَتَقُولُ فِي الإِفْرَادِ: (جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ)، وَفِي التَّانِيثِ: (جَاءَتْ هِنْدٌ نَفْسُهَا).

وَتَقُولُ فِي الجَمْعِ: (جَاءَ الزَّيْدُونَ أَنْفُسُهُمْ)، وَفِي التَّانِيثِ: (جَاءَتِ الهِنْدَاتُ أَنْفُسُهُنَّ).

أَمَّا التَّثْنِيَةُ فَالأَفْصَحُ أَنْ تَقُولَ: (جَاءَ الزَّيْدَانِ أَنْفُسُهُمَا)، وَفِي التَّانِيثِ: (جَاءَتِ الهِنْدَانِ أَنْفُسُهُمَا).

فَـ (أَنْفُسُهُمَا) تَوْكِيدٌ جَاءَ بِصِيغَةِ الجَمْعِ لِلْفَاعِلِ (الزَّيْدَانِ) الَّذِي جَاءَ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَجْعَلَ التَّوْكِيدَ عَلَى التَّثْنِيَةِ تَبَعًا لِـ (الزَّيْدَانِ)، فَتَقُولُ: (جَاءَ الزَّيْدَانِ نَفْسَاهُمَا).

وَيَجُوزُ أَنْ تَجْعَلَ التَّوْكِيدَ عَلَى الإِفْرَادِ - أَيْضًا -، فَتَقُولُ: (جَاءَ الزَّيْدَانِ نَفْسُهُمَا).

(1/91)

أَمَّا الإِحَاطَةُ وَالشُّمُولُ: فَتَكُونُ بِالأَلْفَاظِ المُتَبَقِّيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا المُصَنِّفُ، وَهِيَ: (كُلُّ، وَجَمِيعُ، وَأَجْمَعُ، وَأَكْتَعُ، وأَبْصَعُ).

فَإِذَا قُلْتَ: (جَاءَ القَوْمُ كُلُّهُمْ) أَوْ (جَاءَ القَوْمُ جَمِيعُهُمْ)، تُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ تُؤَكِّدَ أَنَّ القَوْمَ جَاءُوا وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَأَرَدْتَ بِذَلِكَ الإَحَاطَةَ وَالشُّمُولَ.

وَاللَّفْظَانِ (كُلُّ) وَ (جَمِيعُ): يُؤَكَّدُ بِهِمَا المُفْرَدُ وَالجَمْعُ - تَذْكِيرًا أَوْ تَانِيثًا -.

أَمَّا المُثَنَّى فَيُؤَكَّدُ بِـ (كِلَا) لِلْمُذَكَّرِ وَ (كِلْتَا) لِلْمُؤَنَّثِ، وَتُعْرَبَانِ إِعْرَابَ المُثَنَّى عِنْدَ التَّوْكِيدِ، فَتُرْفَعَانِ بِالأَلِفِ وَتُنْصَبَانِ وَتُجَرَّانِ بِاليَاءِ.

فَتَقُولُ فِي المُفْرَدِ المُذَكَّرِ: (جَاءَ الجَيْشُ كُلُّهُ)، وَفِي المُؤَنَّثِ: (جَاءَتِ القَبِيلَةُ كُلُّهَا).

وَتَقُولُ فِي الجَمْعِ: (جَاءَ الرِّجَالُ كُلُّهُمْ)، وَفِي التَّانِيثِ: (جَاءَتِ النِّسَاءُ كُلُّهُنَّ).

وَتَقُولُ فِي المُثَنَّى: (جَاءَ الزَّيْدَانِ كِلَاهُمَا)، و (جَاءَتِ الهِنْدَانِ كِلْتَاهُمَا).

أَمَّا اللَّفْظُ (أَجْمَعُ) وَفُرُوعُهُ فَهُوَ لِلْمُفْرَدِ وَالجَمْعِ - تَذْكِيرًا أَوْ تَانِيثًا -، وَلَا صِيغَةَ لِهُ لِلْمُؤَكَّدِ المُثَنَّى - عَلَى الصَّحِيحِ -، فَلَا يُقَالُ: (جَاءَ الجَيْشَانِ أَجْمَعَانِ) أَوْ (جَاء الجَيْشانِ جَمْعَاوَانِ).

(1/92)

فَتَقُولُ فِي المُفْرَدِ المُذَكَّرِ: (جَاءَ الجَيْشُ أَجْمَعُ).

وَتَقُولُ فِي المُفْرَدَةِ المُؤَنَّثَةِ: (جَاءَتِ القَبِيلَةُ جَمْعَاءُ).

وَتَقُولُ فِي جَمَاعَةِ الإِنَاثِ: (جَاءَتِ النِّسَاءُ جُمَعُ).

وَتَقُولُ فِي جَمَاعَةِ الذُّكُورِ: (جَاءَ الرِّجَالُ أَجْمَعُونَ).

وَمِنْ أَلْفَاظِ التَّوْكِيدِ الَّتِي ذَكَرَهَا المُصَنِّفُ: (أَكْتَعُ وَأَبْصَعُ)، وَتُعَدُّ مِنْ تَوَابِعِ (أَجْمَعَ)، وَتَاتِي لِزِيَادَةِ التَّاكِيدِ، وَلَا تَسْتَقِلُّ بِهِ؛ إِنَّمَا تُذْكَرُ تَبَعًا لِـ (أَجْمَعَ)، فَتَقُولُ: (جَاءَ القَوْمُ أَجْمَعُونَ أَكْتَعُونَ أَبْصَعُونَ).

وَالتَّوْكِيدُ يَتْبَعُ المُؤَكَّدَ فِي الإِعْرَابِ، فَإِذَا كَانَ المُؤَكَّدُ مَرْفُوعًا لَزِمَ التَّوْكِيدُ الرَّفْعَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي النَّصْبِ أَوِ الجَرِّ.

فَمِثَالُ المَرْفُوعِ: (جَاءَنِي زَيْدٌ نَفْسُهُ)، (وَجَاءَنِي القَوْمُ أَجْمَعُونَ)، وَ (جَاءَنِي القَوْمُ كُلُّهُمْ)، وَ (جَاءَ الزَّيْدَانِ كِلَاهُمَا) وَ (جَاءَتِ الهِنْدَانِ كِلْتَاهُمَا).

وَمِثَالُ المَنْصُوبِ: (لَقِيتُ زَيْدًا نَفْسَهُ)، (وَلَقِيتُ القَوْمَ أَجْمَعِينَ)، وَ (لَقِيتُ القَوْمَ كُلَّهُمْ)، وَ (لَقِيتُ الزَّيْدَيْنِ كِلَيْهِمَا)، وَ (لَقِيتُ الهِنْدَيْنِ كِلْتَيْهِمَا).

وَمِثَالُ المَجْرُورِ: (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ نَفْسِهِ)، وَ (مَرَرْتُ بِالقَوْمِ أَجْمَعِينَ)، وَ (مَرَرْتُ بِالقَوْمِ كُلِّهِمْ)، وَ (مَرَرْتُ بِالزَّيْدَيْنِ كِلَيْهِمَا)، وَ (مَرَرْتُ بِالمَرْأَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا).

(1/93)

وَقَدِ اخْتَارَ المُصَنِّفُ جَوَازَ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فِي قَوْلِكَ: (جَاءَ القَوْمُ جَمِيعٌ) وَ (جَاءَ القَوْمُ جَمِيعًا)؛ فَالرَّفْعُ عَلَى التَّوْكِيدِ، وَالنَّصْبُ عَلَى الحَالِ.

(1/94)

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

إيناس الناس بتفاحة أبي جعفر النحاس

20 - بَابُ البَدَلِ

قَالَ المُصَنِّفُ: «اعْلَمْ أَنَّ البَدَلَ يَجْرِي عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الإِعْرَابِ كَمَا يَجْرِي النَّعْتُ.

وَيَجُوزُ بَدَلُ المَعْرِفَةِ مِنَ المَعْرِفَةِ، وَالنَّكِرَةِ مِنَ النَّكِرَةِ، وَالمَعْرفَةِ مِنَ النَّكِرَةِ، وَالنَّكِرَةِ مِنَ المَعْرِفَةِ، كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ.

تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: (جَاءَنِي أَخُوكَ زَيْدٌ)؛ رَفَعْتَ (الأَخَ) بِفِعْلِهِ، وَرَفَعْتَ (زَيْدًا) لأَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الأَخِ، وَهَذَا بَدَلُ المَعْرِفَةِ مِنَ المَعْرِفَةِ.

وَمِثْلُهُ: (مَرَرْتُ بِرَجُلٍ زَيْدٍ)، وَهَذَا بَدَلُ المَعْرِفَةِ مِنَ النَّكِرَةِ.

وَ (مَرَرْتُ بِأَخِيكِ رَجُلٍ صَالِحٍ)، وَهَذَا بَدَلُ النَّكِرَةِ مِنَ المَعْرِفَةِ.

وَ (رَأَيْتُ رَجُلَيْنِ رَجُلًا طَوِيلًا وَرَجُلًا قَصِيرًا)، وَهَذَا بَدَلُ النَّكِرَةِ مِنَ النَّكِرَةِ».

(الشَّرْحُ): البَدَلُ هُوَ: هُوَ الَّلفْظُ التَّابعُ المَقْصُودُ الَّذِي يَصْلُحُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ مَتْبُوعِهِ.

فَإِذَا قُلْتَ: (جَاءَنِي أَخُوكَ زَيْدٌ)؛ فَـ (زَيْدٌ) بَدَلٌ مِنْ (أَخُوكَ)؛ لأَنَّ (زَيْدًا) هُوَ المَقْصُودُ، وَيَصْلُحُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ المُبْدَلِ مِنْهُ وَهُوَ (أَخُوكَ)، فَلَوْ

(1/95)

قُلْتَ: (جَاءَنِي زَيْدٌ) بِحَذْفِ (أَخُوكَ) لَصَحَّ المَعْنَى وَالمَقصُودُ.

وَيَقَعُ البَدَلُ عَلَى الأَفْعَالِ - أَيْضًا -، فَتَقُولُ: (إِنْ تَاتِنِي تَمْشِ أَمْشِ

مَعَكَ)؛ فَـ (تَمْشِ) بَدَلٌ مِنْ (تَاتِنِي) فِي حَالَةِ كَوْنِ المُرَادِ مِنَ الجُمْلَةِ: (إِنْ تَمْشِ أَمْشِ مَعَكَ).

وَالبَدَلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ:

أَمَّا النَّوْعُ الأَوَّلُ فَهُوَ بَدَلُ الكُلِّ، فَتَقُولُ: (قَامَ أَخُوكَ عَمْرٌو)؛ فَـ (عَمرٌو) بَدَلٌ مِنْ (أَخُوكَ)؛ لأَنَّ (عَمْرًا) هُوَ المَقْصُودُ الَّذِي يَصْلُحُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ المُبْدَلِ مِنْهُ، فَتَقُولُ: (قَامَ عَمْرٌو).

أَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي فَهُوَ بَدَلُ البَعْضِ، فَتَقُولُ: (ضَرَبْتُ زَيْدًا رَاسَهُ)؛ فَـ (رَاسَهُ) بَدَلٌ مِنْ (زَيْدًا)؛ لأَنَّ (رَاسَهُ) هُوَ المَقْصُودُ الَّذِي يَصْلُحُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ المُبْدَلِ مِنْهُ، فَتَقُولُ: (ضَرَبْتُ رَاسَهُ)؛ تُرِيدُ: رَاسَ زَيْدٍ.

أَمَّا النَّوْعُ الثَّالِثُ فَهُوَ بَدَلُ الاشْتِمَالِ، فَتَقُولُ: (يُعْجِبُنِي زَيْدٌ عَقْلُهُ)؛ فَـ (عَقْلُهُ) بَدَلٌ مِنْ (زَيْدٌ)؛ لأَنَّ (عَقْلَهُ) هُوَ المَقْصُودُ الَّذِي يَصْلُحُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ المُبْدَلِ مِنْهُ، فَتَقُولُ: (يُعْجِبُنِي عَقْلُهُ) وَتُرِيدُ: عَقْلَ زَيْدٍ.

أَمَّا النَّوْعُ الرَّابعُ فَهُوَ بَدَلُ الغَلَطِ، فَتَقُولُ: (ذَهَبَ زَيْدٌ عَمْرٌو)؛ فَـ (عَمْرٌو) بَدَلٌ مِنْ (زَيْدٌ)؛ لأَنَّ (عَمْرًا) هُوَ المَقْصُودُ الَّذِي يَصْلُحُ أَنْ يَقُومَ

(1/96)

مَقَامَ المُبْدَلَ مِنْهُ، فَتَقُولُ: (ذَهَبَ عَمْرٌو).

وَيَتْبَعُ البَدَلُ مَتْبُوعَهُ فِي الإِعْرَابِ، فَتَقُولُ: (جَاءَنِي أَخُوكَ زَيْدٌ)، وَ (لَقِيتُ أَخَاكَ زَيْدًا)، وَ (مَرَرْتُ بِأَخِيكِ زَيْدٍ).

وَلَا يَتْبَعُ البَدَلُ مَتْبُوعَهُ فِي التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ، فَيَجُوزُ:

1 - بَدَلُ المَعْرِفَةِ مِنَ المَعْرِفَةِ، فَتَقُولُ: (جَاءَنِي أَخُوكَ زَيْدٌ)، فَـ (زَيْدٌ) بَدَلٌ مِنْ (أَخُوكَ)، وَ (زَيْدٌ) مَعْرِفَةٌ لأَنَّهُ اسْمُ عَلَمٍ، وَ (أَخُوكَ) مَعْرِفَةٌ لأَنَّهُ مُضَافٌ إِلَى ضَمِيرٍ.

2 - بَدَلُ المَعْرِفَةِ مِنَ النَّكِرَةِ، فَتَقُولُ: (مَرَرْتُ بِرَجُلٍ زَيْدٍ)، فَـ (زَيْدٍ) بَدَلٌ مِنْ (رَجُلٍ)، وَ (زَيْدٍ) مَعْرِفَةٌ لأَنَّهُ اسْمُ عَلَمٍ، وَ (رَجُلٍ) نَكِرَةٌ.

3 - بَدَلُ النَّكِرَةِ مِنَ المَعْرِفَةِ، فَتَقُولُ: (مَرَرْتُ بِأَخِيكِ رَجُلٍ صَالِحٍ)، فَـ (رَجُلٍ) بَدَلٌ مِنْ (أَخِيكَ)، وَ (رَجُلٍ) نَكِرَةٌ، وَ (أَخِيكَ) مَعْرِفَةٌ لأَنَّهُ مُضَافٌ إِلَى ضَمِيرٍ.

4 - بَدَلُ النَّكِرَةِ مِنَ النَّكِرَةِ، فَتَقُولُ: (رَأَيْتُ رَجُلَيْنِ رَجُلًا طَوِيلًا وَرَجُلًا قَصِيرًا)، فَـ (رَجُلًا) بَدَلٌ مِنْ (رَجُلَيْنِ)، وَ (رَجُلًا) نَكِرَةٌ، وَ (رَجُلَيْنِ) نَكِرَةٌ

- أَيْضًا -.

(1/97)

21 - بَابُ الحَالِ

قَالَ المُصَنِّفُ: «اعْلَمْ أَنَّ الحَالَ نَصْبٌ أَبَدًا، وَهُوَ كُلُّ اسْمٍ نَكِرَةٍ جَاءَ بَعْدَ اسْمٍ مَعْرِفَةٍ قَدْ تَمَّ الكَلَامُ دُونَهُ.

تَقُولُ مِنْ ذَلِكَ: (جاءَ زَيْدٌ رَاكِبًا)؛ نَصَبْتَ (رَاكِبًا) عَلَى الحَالِ؛ أَيْ جَاءَ فِي حَالِ رُكُوبِهِ.

وَمِثْلُهُ: (أَقْبَلَ زَيْدٌ ضَاحِكًا) وَ (هَذَا أَخُوكَ مُنْطَلِقًا) وَ (ذَاكَ عَبْدُ اللهِ هَارِبًا) (وَعِنْدَكَ عَمْرٌو جَالِسًا)، وَقِسْ عَلَيْهِ».

(الشَّرْحُ): هُوَ الاسْمُ الفَضْلَةُ الَّذِي يُذْكَرُ لِبَيَانِ حَالِ صَاحِبِهِ، وَيُرَادُ بِهِ: إِظْهَارُ الهَيْئَةِ وَكَيْفِيَّتُهَا.

وَلَا يَكُونُ الحالُ إِلَّا نَكِرَةً وَمَنْصُوبًا، أَمَّا صَاحِبُ الحَالِ وَالهَيْئَةِ فَلَا يَكُونُ إِلَّا مَعْرِفَةً، وَقَدْ يَكُونُ مَرْفُوعًا أَوْ مَنْصُوبًا أَوْ مَجْرُورًا.

وَيُرادُ بِالفَضْلَةِ: أَنَّ الحَالَ لَا يَكُونُ فِي الجُمْلَةِ مِنْ تَمَامِ تَرْكِيبِ الكَلَامِ؛ إِنَّمَا يَقَعُ مَوْقِعَ الفَضْلَةِ؛ أَيْ: يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ فِي الجُمْلَةِ مِنْ حَيْثُ التَّرْكِيبُ.

فَمِنْ أَمْثِلَةِ الحَالِ: (جَاءَ زَيْدٌ رَاكِبًا)؛ فَكَلِمَةُ (رَاكِبًا) عَلَى النَّصْبِ لأَنَّهَا

(1/98)

حَالٌ؛ أَيْ: هِيَ بَيَانٌ لِحَالِ زَيْدٍ عِنْدَ مَجِيئِهِ، فَصَاحِبُ الحَالِ هُوَ: (زَيْدٌ).

وَ (رَاكِبًا): نَكِرَةٌ، وَ (زَيْدٌ): مَعْرِفَةٌ لأَنَّهُ اسْمُ عَلَمٍ.

وَ (رَاكِبًا): فَضْلَةٌ فِي تَرْكِيبِ الكَلَامِ؛ لأَنَّكَ لَوْ حَذَفْتَ (رَاكِبًا) وَأَبْقَيْتَ العِبَارَةَ دُونَهَا لَكَانَ الكَلَامُ تَامًّا مِنْ غَيْرِهَا، فَتَقُولُ: (جَاءَ زَيْدٌ)، فَهَذِهِ العِبَارَةُ أَفَادَتْ مَجِيءَ زَيْدٍ.

وَلِهَذَا يُحْكَمُ عَلَى الحَالِ بِأَنَّهُ فَضْلَةٌ؛ بِخِلَافِ قَوْلِكَ: (زَيْدٌ ضَاحِكٌ)؛ فَـ (ضَاحِكٌ) خَبَرٌ - هُنَا -، وَلَا تُعْرَبُ بِأَنَّهَا حَالٌ؛ لأَنَّهَا فِي الجُمْلَةِ مِنْ تَمَامِ الكَلَامِ وَلَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا؛ بِدَلِيلِ أَنَّكَ لَوْ حَذَفْتَهَا مِنَ الجُمْلَةِ وَقُلْتَ: (زَيْدٌ)؛ لَمَا ظَهَرَتْ لَكَ فَائِدَةٌ مِنَ العِبَارَةِ؛ إِلَّا بِإِضَافَةِ كَلِمَةِ (ضَاحِكٌ) مَعَهَا؛ فَأَفَادَتِ الجُمْلَةُ مَعْنًى تَامًّا، وَهُوَ ضَحِكُ زَيْدٍ.

فَالكَلَامُ التَّامُ هُوَ: أَنْ يَكُونَ مَعَ الفِعْلِ فَاعِلُهُ، وَمَعَ المُبْتَدَإِ خَبَرُهُ.

وَقَدْ عَرَّفَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ الحَالَ بِأَنَّهُ جَوَابُ (كَيْفَ)؛ فَفِي قَوْلِكَ السَّابِقِ: (جَاءَ زَيْدٌ رَاكِبًا)؛ فَـ (رَاكِبًا) حَالٌ؛ لأَنَّهُ جَوَابُ (كَيْفَ)؛ بِمَعْنَى أَنَّكَ إِذَا جَعَلْتَ الجُمْلَةَ بِصِيغَةِ السُّؤَالِ فَقُلْتَ: (كَيْفَ جَاءَ زَيْدٌ؟) لَصَحَّ أَنْ تَقُولَ: (رَاكِبًا)، فَبِذَلِكَ يُحْكَمُ عَلَى كَلِمَةِ (رَاكِبًا) بِأَنَّهَا حَالٌ؛ لأَنَّهَا جَوَابُ (كَيْفَ).

(1/99)

وَمِنَ الأُمُورِ الَّتِي تُقَرِّبُ مَعْرِفَةَ الحَالِ وَتُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ: تَغْيِيرُ سِيَاقِ الجُمْلَةِ فِي مُخَيِّلَتِكَ بِإِضَافَةِ (وَهُوَ) قَبْلَ الكَلِمَةِ الَّتِي تَعْتَقِدُ أَنَّهَا حَالٌ وَتَنْظُرْ فِي المَعْنَى؛ فَإِنْ صَحَّ كَانَتِ الكَلِمَةُ حَالًا، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ المَعْنَى لَمْ تَكُنْ حَالًا.

فَقَوْلُكَ السَّابِقُ: (جَاءَ زَيْدٌ رَاكِبًا)؛ فَلَوْ جَعَلْتَهَا فِي مُخَيِّلَتِكَ عَلَى: (جَاءَ زَيْدٌ وَهُوَ يَرْكَبُ) لَصَحَّ المَعْنَى