وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)
=====
المائدة - تفسير ابن كثير
وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)
{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) }
يقول تعالى مخبرًا وحاكمًا بكفر النصارى في ادعائهم في المسيح ابن مريم -وهو عبدٌ من عباد الله، وخلق من خلقه-أنه هو الله، تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا.
ثم قال مخبرًا عن قدرته على الأشياء وكونها تحت قهره وسلطانه: { قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا } أي: لو أراد ذلك، فمن ذا الذي كان يمنعه (1) ؟ أو من (2) ذا الذي يقدر على صرفه عن ذلك؟
ثم قال: { وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ } أي: جميعُ الموجودات ملكهُ وخلقه، وهو القادر على ما يشاء، لا يُسأل عما يفعل، لقدرته وسلطانه، وعدله وعظمته، وهذا رد على النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة (3) إلى يوم القيامة.
ثم قال تعالى رادًا على اليهود والنصارى في كذبهم وافترائهم: { وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } أي: نحن منتسبون إلى أنبيائه وهم بنوه وله بهم عناية، وهو يحبنا. ونقلوا عن كتابهم أن
__________
(1) في أ: "يمنعه منه".
(2) في أ: "ومن".
(3) في ر، أ: "التابعة".
الله [تعالى] (1) قال لعبده إسرائيل: "أنت ابني بكري". فحملوا هذا على غير تأويله، وحَرّفوه. وقد رد عليهم غير واحد ممن أسلم من عقلائهم، وقالوا: هذا يطلق عندهم على التشريف والإكرام، كما نقل النصارى عن كتابهم أن عيسى قال لهم: إني ذاهب إلى أبي وأبيكم، يعني: ربي وربكم. ومعلوم أنهم لم يدعوا لأنفسهم من البنوة ما ادعوها في عيسى، عليه السلام، وإنما أرادوا بذلك (2) معزتهم لديه وحظْوتهم عنده، ولهذا قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه.
قال الله تعالى (3) رادا عليهم: { قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ } أي: لو كنتم كما تدعون أبناءه وأحباءه، فلم أعَد (4) لكم نار جهنم على كفركم وكذبكم وافترائكم؟. وقد قال بعض شيوخ الصوفية لبعض الفقهاء: أين تجد في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه؟ فلم يرد عليه، فتلا الصوفي هذه الآية: { قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ }
وهذا الذي قاله حسن، وله شاهد في المسند للإمام أحمد حيث قال: حدثنا ابن أبي عَدِيٍّ، عن حُمَيْد، عن أنس قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، وصبي في الطريق، فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يُوْطَأ، فأقبلت تسعى وتقول: ابني ابني! وسعت فأخذته، فقال القوم: يا رسول الله، ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار. قال: فَخفَّضَهُم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا والله ما يلقي حبيبه في النار". تفرد به. (5)
[وقوله] (6) { بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ } أي: لكم أسوة أمثالكم من بني آدم، وهو تعالى هو الحاكم في جميع عباده { يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ } أي: هو فعال لما يريد، لا مُعَقِّب لحكمه وهو سريع الحساب. { وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } أي: الجميع ملكه وتحت قهره وسلطانه، { وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } أي: المرجع والمآب إليه، فيحكم في عباده بما يشاء، وهو العادل الذي لا يجور.
[و] (7) قال محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عِكْرِمَة، أو سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس قال: وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضاء (8) وبحري بن عمرو، وشاس بن عدي، فكلموه وكلمهم (9) رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته، فقالوا: ما تخوفنا يا محمد! نحن والله أبناء الله وأحباؤه، كقول النصارى، فأنزل [الله] (10) فيهم: { وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } إلى آخر الآية. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير.
ورويا أيضا من طريق أسباط عن السدي في قول الله [تعالى] (11) { وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } أما قولهم: { نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } فإنهم قالوا: إن الله أوحى إلى إسرائيل أن
__________
(1) زيادة من أ.
(2) في ر، أ: "من ذلك".
(3) في أ: "عز وجل".
(4) في أ: أعددت".
(5) المسند (3/104).
(6) زيادة من أ.
(7) زيادة من أ.
(8) في أ: "عتمان بن صا".
(9) في أ: "فكلمهم."
(10) زيادة من أ.
(11) زيادة من أ.
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)
ولدك (1) -بكرك من الولد-فيدخلهم النار (2) فيكونون فيها أربعين ليلة حتى تطهرهم وتأكل خطاياهم، ثم يناد مناد (3) أن أخرجوا كل مختون من ولد إسرائيل. فأخرجوهم (4) فذلك قولهم: { لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ } [ آل عمران : 24 ]
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) }
يقول تعالى مخاطبا أهل الكتاب من اليهود والنصارى: إنه قد أرسل إليهم رسوله محمدا (5) خاتم النبيين، الذي لا نبي بعده ولا رسول بل هو المعقب لجميعهم؛ ولهذا قال: { عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ } أي: بعد مدة متطاولة ما بين إرساله وعيسى ابن مريم.
وقد اختلفوا في مقدار هذه الفترة، كم هي؟ فقال أبو عثمان النَّهْديّ وقتادة -في رواية عنه-: كانت ستمائة سنة. ورواه البخاري عن سلمان الفارسي. وعن قتادة: خمسمائة وستون سنة، وقال مَعْمَر، عن بعض أصحابه: خمسمائة وأربعون سنة. وقال: الضحاك: أربعمائة (6) وبضع وثلاثون سنة.
وذكر ابن عساكر في ترجمة عيسى، عليه السلام (7) عن الشعبي أنه قال: ومنْ رفع المسيح إلى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم تسعمائة وثلاث (8) وثلاثون سنة.
والمشهور هو الأول، وهو أنه ستمائة سنة. ومنهم من يقول: ستمائة وعشرون سنة. ولا منافاة بينهما، فإن القائل الأول أراد ستمائة سنة شمسية، والآخر أراد قمرية، وبين كل مائة سنة شمسية وبين القمرية نحو من ثلاث (9) سنين؛ ولهذا قال تعالى في قصة أصحاب الكهف: { وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا } [ الكهف : 25 ] أي: قمرية، لتكميل الثلاثمائة الشمسية التي كانت معلومة لأهل (10) الكتاب. وكانت الفترة بين عيسى ابن مريم، آخر أنبياء بني إسرائيل، وبين محمد [صلى الله عليه وسلم] (11) خاتم النبيين من بني آدم على الإطلاق، كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن (12) أولى الناس بابن مريم؛ لأنه لا نبي بيني وبينه (13) (14) هذا فيه رد على من زعم أنه بعث بعد عيسى [عليه السلام] (15) نبي، يقال له: خالد بن سنان، كما حكاه القضاعي وغيره.
والمقصود أن الله [تعالى] (16) بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل، وطُمُوس من السبل،
__________
(1) في أ: "ولدي".
(2) كذا في جميع النسخ، ونص الطبري: "أن ولدا من ولدك أدخلهم النار" (6/106).
(3) في أ: "منادي".
(4) في ر: "فأخرجهم".
(5) في ر: "محمد".
(6) في أ: "أربعمائة سنة".
(7) تاريخ دمشق لابن عساكر (14/30 القسم المخطوط) ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور (20/86).
(8) في أ: "ثلاثة".
(9) في أ: "ثلاثة".
(10) في ر، أ: "عند أهل".
(11) زيادة من أ.
(12) في ر، أ: "أنا".
(13) في ر: "لم يكن بيني وبينه نبي".
(14) صحيح البخاري برقم (3442).
(15) زيادة من أ.
(16) زيادة من أ.
وتَغَير الأديان، وكثرة عبادة الأوثان والنيران والصلبان، فكانت النعمة به أتم النعم، والحاجة إليه أمر عَمَم، فإن الفساد كان قد عم (1) جميع البلاد، والطغيان والجهل قد ظهر في سائر العباد، إلا قليلا من المتمسكين ببقايا من دين الأنبياء الأقدمين، من بعض أحبار اليهود وعباد النصارى والصابئين، كما قال الإمام أحمد:
حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا هشام حدثنا قتادة، عن مُطَّرَّف، عن عياض بن حِمَار المُجَاشِعِيِّ، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم فقال في خطبته: "وإن ربي أمرني أن أعلِّمكم ما جهلتم مما عَلَّمني في يومي هذا: كل مال نَحَلْته عبادي حلال، وإني خلقت عبادي حُنَفَاء كلَّهم، وإنهم أتتهم الشياطين فأضَلَّتْهُم (2) عن دينهم، وحَرَّمَتْ عليهم ما أحللت لهم، وأمرَتْهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، ثم إن الله، عز وجل، نظر إلى أهل الأرض فَمَقَتَهُمْ، عجَمَهم وعَرَبَهُم، إلا بقايا من أهل الكتاب (3) وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويَقْظان، ثم إن الله أمرني أن أُحَرِّقَ قريشا، فقلت: يا رب، إذن يَثْلَغُوا رأسي فيدعوه خُبْزة، فقال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نُغْزِك، وأنفق عليهم فَسَنُنفق عليك، وابعث جندا نبعث خمسة أمثاله (4) وقاتل بمن أطاعك من عصاك، وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مُقْسِطٌ مُتصدِّق موفق (5) ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم، ورجل عَفِيف فقير (6) متصدق، وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زَبْرَ (7) له، الذين هم فيكم تَبْعًا أو تُبعاء -شك يحيى-لا يبتغون أهلا ولا مالا والخائن الذي لا يَخْفَى له طَمَعٌ وإن دَقَّ إلا خانه، ورجل لا يُصْبِح ولا يُمْسِي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك"، وذكر البخيل (8) أو الكذب، "والشِّنْظير: الفاحش". (9)
ثم رواه الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي من غير وجه، عن قتادة، عن مطرف بن عبد الله بن الشّخير. وفي رواية سعيد (10) عن قتادة التصريح بسماع قتادة هذا الحديث من مطرف. وقد ذكر الإمام أحمد في مسنده: أن قتادة لم يسمعه من مطرف، وإنما سمعه من أربعة، عنه. ثم رواه هو، عن روح، عن عوف، عن حكيم الأثرم، عن الحسن قال: حدثني مطرف، عن عياض بن حمَار، فذكره. و [كذا] (11) رواه النسائي من حديث غُنْدَر، عن عوف الأعرابي به. (12)
والمقصود من إيراد هذا الحديث قوله: "وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم إلا بقايا من بني إسرائيل". وفي لفظ مسلم: "من أهل الكتاب". وكان (13) الدين قد التبس على أهل
__________
(1) في ر: "عمم".
(2) في أ: "فاحتالتهم".
(3) في ر، أ: "إلا بقايا من بني إسرائيل أهل الكتاب".
(4) في أ: "أمثالهم".
(5) في أ: "موقن".
(6) في أ: "فقير ذو عيال".
(7) في أ: "رض".
(8) في ر، أ: "البخل".
(9) المسند (4/162).
(10) في ر، أ: "شعبة".
(11) زيادة من ر، أ.
(12) المسند (4/162) وصحيح مسلم برقم (2865) وسنن النسائي الكبرى برقم (8071).
(13) في ر، أ: "فكان"
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)
الأرض كلهم، حتى بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم، فهدى الخلائق، وأخرجهم الله به من الظلمات إلى النور، وتركهم على المحَجَّة البيضاء، والشريعة الغرَّاء؛ ولهذا قال تعالى: { أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ } أي: لئلا تحتجوا وتقولوا (1) -: يا أيها الذين بدلوا دينهم وغيروه-ما جاءنا من رسول يبشر بالخير وينذر من الشر، فقد جاءكم بشير ونذير، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم { وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
قال ابن جرير: معناه: إني قادر على عقاب من عصاني، وثواب من أطاعني.
{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) }
__________
(1) في ر، أ: "يحتجوا ويقولوا".
( معلومات الكتاب - عودة إلى القرآن - فهرس القرآن )
===========
المائدة - تفسير القرطبي
18- {َقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ }
قوله تعالى: { وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } قال ابن عباس: خوف رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما من اليهود العقاب فقالوا: لا نخاف فإنا أبناء الله وأحباؤه؛ فنزلت الآية. قال ابن إسحاق: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضا وبحري بن عمرو وشأس بن عدي فكلموه وكلمهم، ودعاهم إلى الله عز وجل وحذرهم نقمته فقالوا: ما تخوفنا يا محمد؟؛ نحن أبناء الله وأحباؤه، كقول النصارى؛ فأنزل الله عز وجل فيهم { وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ } إلى آخر الآية. قال لهم معاذ بن جبل وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب: يا معشر يهود اتقوا الله، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله، ولقد كنتم تذكرونه لنا فبل مبعثه، وتصفونه لنا بصفته؛ فقال رافع بن حريمة ووهب بن يهوذا: ما قلنا هذا لكم، ولا أنزل الله من كتاب بعد موسى، ولا أرسل بشيرا ولا نذيرا من بعده؛ فأنزل الله عز وجل: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ } إلى قوله: { وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . السدي: زعمت اليهود أن الله عز وجل أوحى إلى إسرائيل عليه السلام أن ولدك بكري من الولد. قال غيره: والنصارى قالت نحن أبناء الله؛ لأن في الإنجيل حكاية عن عيسى "أذهب إلى أبي وأبيكم". وقيل: المعنى: نحن أبناء رسل الله، فهو على حذف مضاف. وبالجملة. فإنهم رأوا لأنفسهم فضلا؛ فرد عليهم قولهم فقال { فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ } فلم يكونوا يخلون من أحد وجهين؛ إما أن يقولوا هو يعذبنا. فيقال لهم: فلستم إذا أبناءه وأحباءه؛ فإن الحبيب لا يعذب حبيبه، وأنتم تقرون بعذابه؛ فذلك دليل على كذبكم - وهذا هو المسمى عند الجدليين ببرهان الخلف - أو يقولوا:
لا يعذبنا فيكذبوا ما في كتبهم، وما جاءت به رسلهم، ويبيحوا المعاصي وهم معترفون بعذاب العصاة منهم؛ ولهذا يلتزمون أحكام كتبهم. وقيل: معنى { يُعَذِّبُكُمْ } عذبكم؛ فهو بمعنى المضي؛ أي فلم مسخكم قردة وخنازير؟ ولم عذب من قبلكم من اليهود والنصارى بأنواع العذاب وهم أمثالكم؟ لأن الله سبحانه لا يحتج عليهم بشيء لم يكن بعد، لأنهم ربما يقولون لا نعذب غدا، بل يحتج عليهم بما عرفوه. ثم قال: { بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ } أي كسائر خلقه يحاسبكم على الطاعة والمعصية، ويجازي كلا بما عمل. { يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ } أي لمن تاب من اليهود. { وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ } من مات عليها. { وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } فلا شريك له يعارضه. { وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } أي يؤول أمر العباد إليه في الآخرة.
19- {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
قوله تعالى: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا } يعني محمدا صلى الله عليه وسلم. { يُبَيِّنُ لَكُمْ }
انقطاع حجتهم حتى لا يقولوا غدا ما جاءنا رسول. { عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ } أي سكون؛ يقال فتر الشيء سكن. وقيل: { عَلَى فَتْرَةٍ } على انقطاع ما بين النبيين؛ عن أبي علي وجماعة أهل العلم، حكاه الرماني؛ قال: والأصل فيها انقطاع العمل عما كان عليه من الجد فيه، من قولهم: فتر عن عمله وفترته عنه. ومنه فتر الماء إذا عما كان من السخونة إلى البرد. وامرأة فاترة الطرف أي منقطعة عن حدة النظر. وفتور البدن كفتور الماء. والفتر ما بين السبابة والإبهام إذا فتحتهما. والمعنى؛ أي مضت للرسل مدة قبله. واختلف في قدر مدة تلك الفترة؛ فذكر محمد بن سعد في كتاب "الطبقات" عن ابن عباس قال: كان بين موسى بن عمران وعيسى ابن مريم عليهما السلام ألف سنة وسبعمائة سنة، ولم يكن بينهما فترة، وأنه أرسل بينهما ألف نبي من بني إسرائيل
سوى من أرسل من غيرهم. وكان بين ميلاد عيسى والنبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة سنة وتسع وستون سنة، بعث في أولها ثلاثة أنبياء؛ وهو قوله تعالى: { إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } والذي عزز به "شمعون" وكان من الحواريين. وكانت الفترة التي لم يبعث الله فيها رسولا أربعمائة سنة وأربعا وثلاثين سنة. وذكر الكلبي أن بين عيسى ومحمد عليهما السلام خمسمائة سنة وتسعا وستين، وبينهما أربعة أنبياء؛ واحد من العرب من بني عبس وهو خالد بن سنان. قال القشيري: ومثل هذا مما لم إلا بخبر صدق. وقال قتادة: كان بين عيسى ومحمد عليهما السلام ستمائة سنة؛ وقاله مقاتل والضحاك ووهب بن منبه، إلا أن وهبا زاد عشرين سنة. وعن الضحاك أيضا أربعمائة وبضع وثلاثون سنة. وذكر ابن سعد عن عكرمة قال: بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على الإسلام. قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمرو بن واقد الأسلمي عن غير واحد قالوا: كان بين آدم ونوح عشرة قرون، والقرن مائة سنة، وبين نوح وإبراهيم عشرة قرون، والقرن مائة سنة، وبين إبراهيم وموسى بن عمران عشرة قرون، والقرن مائة سنة؛ فهذا ما بين آدم ومحمد عليهما السلام من القرون والسنين. والله أعلم. { أَنْ تَقُولُوا } أي لئلا أو كراهية أن تقولوا؛ فهو في موضع نصب. { مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ } أي مبشر. { وَلا نَذِيرٍ } أي منذر. ويجوز { مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ } على الموضع. قال ابن عباس: قال معاذ بن جبل وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب لليهود؛ يا معشر يهود اتقوا الله، فوالله إنكم لتعلمن أن محمدا رسول الله، ولقد منتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه بصفته؛ فقالوا: ما أنزل الله من كتاب بعد موسى ولا أرسل بعده من بشير ولا نذير؛ فنزلت الآية. { وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } على إرسال من شاء من خلقه. وقيل: قدير على إنجاز ما بشر به وأنذر منه.
20- { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ }
21- { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ }
22- { قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ }
23- { قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }
( معلومات الكتاب - عودة إلى القرآن - فهرس القرآن )
===========
المائدة - تفسير الدر المنثور
وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)
- قَوْله تَعَالَى: وَقَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه قل فَلم يعذبكم بذنوبكم بل أَنْتُم بشر مِمَّن خلق يغْفر لمن يَشَاء ويعذب من يَشَاء وَللَّه ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا وَإِلَيْهِ الْمصير
- أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن أبي وبحري بن عَمْرو وشاس بن عدي فَكَلَّمَهُمْ وكلموه ودعاهم إِلَى الله وحذرهم نقمته فَقَالُوا: ماتخوفنا يامحمد نَحن وَالله أَبنَاء الله وأحباؤه كَقَوْل النَّصَارَى فَأنْزل الله فيهم {وَقَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى} إِلَى آخر الْآيَة وَالله تَعَالَى أعلم
قَوْله تَعَالَى: {قل فَلم يعذبكم} الْآيَة
أخرج أَحْمد عَن أنس قَالَ مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نفر من أَصْحَابه وَصبي فِي الطَّرِيق فَلَمَّا رَأَتْ أمه الْقَوْم خشيت على وَلَدهَا أَن يُوطأ فَأَقْبَلت تسْعَى وَتقول: ابْني ابْني
فَأَخَذته فَقَالَ الْقَوْم: يارسول الله ماكانت هَذِه لتلقي ابْنهَا فِي النَّار فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لاوالله ولايلقى حَبِيبه فِي النَّار
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن الْحسن
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالله لايعذب الله حَبِيبه وَلَكِن يَبْتَلِيه فِي الدُّنْيَا
أخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {يغْفر لمن يَشَاء ويعذب من يَشَاء} يَقُول: يهدي مِنْكُم من يَشَاء فِي الدُّنْيَا فَيغْفر لَهُ وَيُمِيت من يَشَاء مِنْكُم على كفره فيعذبه
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)
- قَوْله يعالى: يَا أهل الْكتاب قد جَاءَكُم رَسُولنَا يبين لكم على فَتْرَة من الرُّسُل أَن تَقولُوا مَا جَاءَنَا من بشير وَلَا نَذِير فقد جَاءَكُم بشير ونذير وَالله على كل شَيْء قدير
- أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يهود إِلَى الْإِسْلَام فرغبهم فِيهِ وحذرهم فَأَبَوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُم معَاذ بن جبل وَسعد بن عبَادَة وَعقبَة بن وهب: يامعشر يهود اتَّقوا الله فوَاللَّه إِنَّكُم لتعلمون أَنه رَسُول الله لقد كُنْتُم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بِصفتِهِ فَقَالَ رَافع بن حُرَيْمِلَة ووهب بن يهودا: ماقلنا لكم هَذَا وَمَا أنزل الله من كتاب من بعد مُوسَى وَلَا أرسل بشيراً وَلَا نذيراً بعده فَأنْزل الله {يَا أهل الْكتاب قد جَاءَكُم رَسُولنَا يبين لكم على فَتْرَة} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قد جَاءَكُم رَسُولنَا يبين لكم على فَتْرَة من الرُّسُل} قَالَ: هُوَ مُحَمَّد جَاءَ بِالْحَقِّ الَّذِي فتر بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل فِيهِ بَيَان وموعظة وَنور وَهدى وعصمة لمن أَخذ بِهِ قَالَ: وَكَانَت الفترة بَين عِيسَى وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر لنا أَنه كَانَت سِتّمائَة سنة أَو ماشاء الله من ذَلِك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير من طَرِيق معمر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {على فَتْرَة من الرُّسُل} قَالَ: كَانَ بَين عِيسَى وَمُحَمّد خَمْسمِائَة سنة وَسِتُّونَ
قَالَ معمر: قَالَ الْكَلْبِيّ: خَمْسمِائَة سنة وَأَرْبَعُونَ سنة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: كَانَت الفترة خَمْسمِائَة سنة
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: كَانَت الفترة بَين عِيسَى وَمُحَمّد أَرْبَعمِائَة سنة وبضعاً وَثَلَاثِينَ سنة
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20)
- قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ جعل فِيكُم أَنْبيَاء وجعلكم ملوكا وآتاكم مالم يُؤْت أحدا من الْعَالمين
- أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ جعل فِيكُم أَنْبيَاء وجعلكم ملوكاً} قَالَ: وَاسم الله قد جعل نَبيا وجعلكم ملوكاً على رِقَاب النَّاس فاشكروا نعْمَة الله إِن الله يحب الشَّاكِرِينَ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ جعل فِيكُم أَنْبيَاء وجعلكم ملوكاً} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنهم أول من سخَّر لَهُم الخدم من بني آدم وملكوا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وجعلكم ملوكاً} قَالَ: ملَّكهم الخدم وَكَانُوا أول من ملك الخدم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وجعلكم ملوكاً} قَالَ: كَانَ الرجل من بني إِسْرَائِيل إِذا كَانَت لَهُ الزَّوْجَة وَالْخَادِم وَالدَّار يُسمى ملكا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وجعلكم ملوكاً} قَالَ: الزَّوْجَة وَالْخَادِم وَالْبَيْت
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِذْ جعل فِيكُم أَنْبيَاء وجعلكم ملوكاً} قَالَ: الْمَرْأَة الْخَادِم {وآتاكم مَا لم يُؤْت أحدا من الْعَالمين} قَالَ: الَّذين هم بَين ظهرانيهم يَوْمئِذٍ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَانَت بَنو إِسْرَائِيل إِذا كَانَ لأَحَدهم خَادِم ودابة وَامْرَأَة كتب ملكا
وَأخرج ابْن جرير وَالزُّبَيْر بن بكار فِي الموفقيات عَن زيد بن أسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ لَهُ بَيت وخادم فَهُوَ ملك
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي مراسليه عَن زيد بن أسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ لَهُ بَيت وخادم فَهُوَ ملك
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي مراسليه عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {وجعلكم ملوكاً} قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَوْجَة ومسكن وخادم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ
أَنه سَأَلَهُ رجل: أَلسنا من فُقَرَاء الْمُهَاجِرين قَالَ: أَلَك امْرَأَة تأوي إِلَيْهَا قَالَ: نعم
قَالَ: أَلَك مسكن تسكنه قَالَ: نعم
قَالَ: فَأَنت من الْأَغْنِيَاء
قَالَ: إِن لي خَادِمًا
قَالَ: فَأَنت كم الْمُلُوك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وجعلكم ملوكاً} قَالَ: جعل لَهُم أَزْوَاجًا وخدماً وبيوتاً {وآتاكم مَا لم يُؤْت أحدا من الْعَالمين} المنَّ والسلوى وَالْحجر والغمام
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن {وجعلكم ملوكاً} قَالَ: وَهل الْملك إِلَّا مركب وخادم وَدَار
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وآتاكم مَا لم يُؤْت أحدا من الْعَالمين} قَالَ: الْمَنّ والسلوى
يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21)
- قَوْله تَعَالَى: يَا قوم ادخُلُوا الأَرْض المقدسة الَّتِي كتب الله لكم وَلَا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين
- أخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {الأَرْض المقدسة} قَالَ: هِيَ الْمُبَارَكَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن معَاذ بن جبل قَالَ: الأَرْض مابين الْعَريش إِلَى الْفُرَات
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الأَرْض المقدسة} قَالَ: هِيَ الشَّام
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {الَّتِي كتب الله لكم} قَالَ: أَمركُم الله بهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: أَمر الْقَوْم كَمَا أمروا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالْحج وَالْعمْرَة
قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)
- قَوْله تَعَالَى: قَالُوا ياموسى إِن فِيهَا قوما جبارين وَإِنَّا لن ندْخلهَا حَتَّى يخرجُوا مِنْهَا فَإِن يخرجُوا مِنْهَا فَإنَّا داخلون قَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا ادخُلُوا عَلَيْهِم الْبَاب فَإِذا دخلتموه فَإِنَّكُم غالبون وعَلى الله فتوكلوا إِن كُنْتُم مُؤمنين
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن فِيهَا قوما جبارين} قَالَ: ذكر لنا أَنهم كَانَت لَهُم أجسام وَخلق لَيست لغَيرهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يَا مُوسَى إِن فِيهَا قوما جبارين} قَالَ: هم أطول منا أجساماً وَأَشد قوّة
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر عَن أبي ضَمرَة قَالَ: استظل سَبْعُونَ رجلا من قوم مُوسَى خلف رجل من العماليق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن زيد بن أسلم قَالَ: بَلغنِي أَنه رُئِيَتْ ضبع وَأَوْلَادهَا رابضة فِي فجاج عين رجل من العمالقة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس بن مَالك
أَنه أَخذ عَصا فذرع فِيهَا شَيْئا ثمَّ قَاس فِي الأَرْض خمسين أَو خمْسا وَخمسين ثمَّ قَالَ: هَكَذَا أطوال العماليق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَمر مُوسَى أَن يدْخل مَدِينَة الجبارين فَسَار بِمن مَعَه حَتَّى نزل قَرِيبا من الْمَدِينَة وَهِي أريحاء فَبعث إِلَيْهِم اثْنَي عشر نَقِيبًا من كل سبط مِنْهُم عين فيأتوه بِخَبَر الْقَوْم فَدَخَلُوا الْمَدِينَة فَرَأَوْا أمرا عَظِيما من هيبتهم وجسمهم وعظمهم فَدَخَلُوا حَائِطا لبَعْضهِم فجَاء صَاحب الْحَائِط ليجني من حَائِطه فَجعل يحش الثِّمَار فَنظر إِلَى آثَارهم فَتَبِعهُمْ فَكلما أصَاب وَاحِد مِنْهُم أَخذه فَجعله فِي كمه مَعَ الْفَاكِهَة وَذهب إِلَى ملكهم فنثرهم بَين يَدَيْهِ فَقَالَ الْملك: قد رَأَيْتُمْ شَأْننَا وأمرنا اذْهَبُوا فَأخْبرُوا صَاحبكُم
قَالَ: فَرَجَعُوا إِلَى مُوسَى فأخبروه بِمَا عاينوا من أَمرهم
فَقَالَ: اكتموا عَنَّا فَجعل الرجل يخبر أَبَاهُ
وَصديقه وَيَقُول: اكتم عني فأشيع ذَلِك فِي عَسْكَرهمْ وَلم يكتم مِنْهُم الارجلان يُوشَع بن نون وكالب بن يوحنا وهم اللَّذَان أنزل الله فيهمَا {قَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ادخُلُوا الأَرْض المقدسة} قَالَ: هِيَ مَدِينَة الجبارين لما نزل بهَا مُوسَى وَقَومه بعث مِنْهُم اثْنَي عشر رجلا وهم النُّقَبَاء الَّذين ذكرهم الله تَعَالَى ليأتوهم بخبرهم فَسَارُوا فَلَقِيَهُمْ رجل من الجبارين فجعلهم فِي كساءته فحملهم حَتَّى أَتَى بهم الْمَدِينَة ونادى فِي قومه: فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: من أَنْتُم قَالُوا: نَحن قوم مُوسَى بعثنَا لنأتيه بخبركم فأعطوهم حَبَّة من عِنَب تَكْفِي الرجل وَقَالُوا لَهُم: اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى وَقَومه فَقولُوا لَهُم: أقدروا قدر فاكهتهم فَلَمَّا أتوهم قَالُوا: ياموسى {فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ} الْمَائِدَة الْآيَة 24 {قَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا} وَكَانَا من أهل الْمَدِينَة أسلما واتبعا مُوسَى فَقَالَا لمُوسَى {ادخُلُوا عَلَيْهِم الْبَاب فَإِذا دخلتموه فَإِنَّكُم غالبون} وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قَالَ رجلَانِ} قَالَ: يُوشَع بن نون وكالب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ فِي قَوْله {قَالَ رجلَانِ} قَالَ: كالب ويوشع بن نون فَتى مُوسَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {من الَّذين يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا} قَالَ: فِي بعض الْقِرَاءَة (يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا)
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَا من الْعَدو فصارا مَعَ مُوسَى
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس {قَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ} بِرَفْع الْيَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {من الَّذين يخَافُونَ} بِنصب الْيَاء فِي يخَافُونَ
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك {قَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا} بِالْهدى فهداهما فَكَانَا على دين مُوسَى وَكَانَا فِي مَدِينَة الجبارين
وَأخرج ابْن جرير عَن سهل بن عَليّ {قَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا} بالخوف
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا} قَالَ: هم النُّقَبَاء
وَفِي قَوْله {ادخُلُوا عَلَيْهِم الْبَاب} قَالَ: هِيَ قَرْيَة الجبارين
=============
المائدة - تفسير أبي السعود
وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)
{وَقَالَتِ اليهود والنصارى نَحْنُ أَبْنَاء الله وَأَحِبَّاؤُهُ} حكايةٌ لِما صدر عن الفريقين من الدعوى الباطلة وبيانٌ لبطلانها بعد ذكر ما صدر عن أحدهما وبيانِ بطلانه أي قالت اليهود نحن أشياعُ ابنِه عُزَيْرٍ وقالت النصارى نحن أشياعُ ابه المسيحِ كما قيل لأشياع أبي خُبيب وهو عبدِ اللَّه بن الزبير الخُبيبيّون وكما يقول أقاربُ الملوك عند المفاخرة نحن الملوك وقال ابن
سورة المائدة اية 19 عباس رضي الله تعالى عنهما ان النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم دعا جماعة من اليهود إلى دين الإسلام وخوَّفهم بعقاب الله تعالى فقالوا كيف تخوِّفُنا به ونحن أبناء الله وأحباؤه وقيل ان النصارى يتلوون في الإنجيل أَنَّ المسيح قال لهم اني ذاهي إلى أبي وأبيكم وقيل أرادوا أن الله تعالى كالأب لنا في الحُنُوِّ والعطف ونحن كالأبناء له في القُرب والمنزلة وبالجملة أنهم كانوا يدّعون أن لهم فضلا ومزية عند الله تعالى على سائر الخلق فردّ عليهم ذلك وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم {قُلْ} إلزاماً لهم وتبكيتاً {فَلِمَ يُعَذّبُكُم بِذُنُوبِكُم} أي إن صح ما زعمتم فلأيِّ شيءٍ يعذبكم في الدنيا بالقتل والأسر والمسخ وقد عرفتم بأنه تعالى سيعذبكم في الآخرة بالنار أياماً بعدد أيامِ عبادتِكم العجلَ ولو كان الأمر كما زعمتم لما صدر عنكم ما صدر ولما وقع عليكم ما وقع وقولُه تعالى {بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ} عطفٌ على مقدَّرٍ ينسحبُ عليه الكلام أي لستم كذلك بل أنتم بشر {مّمَّنْ خَلَق} أي من جنس مَنْ خَلقه الله تعالى مِنْ غَيْرِ مزيةٍ لكُم عليهم {يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء} أنْ يغفر له من أولئك المخلوقين وهم الذين آمنوا به تعالى وبرسله {وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء} أنْ يعذبه منهم وهم الذين كفروا به وبرسله مثلَكم {ولله ملك السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} منْ الموجودات لا ينتمي إليه سبحانه شيء منها إلا بالملوكية والعبودية والمقهورية تحت ملكوته يتصرّف فيهم كيف يشاء إيجاداً وإعداماً وإحياءً وايماتة وايثابة وتعذيباً فأنى لهم ادعاءُ ما زعموا {وَإِلَيْهِ المصير} في الآخرة خاصَّة لا إلى غيرِه استقلال أو اشتراكاً فيجازِي كلاًّ من المحسن والمسيء بما يستدعيه عملُه من غير صارف يَثْنيه ولا عاطفٍ يَلْويه
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)
{يَا أَهْلِ الكتاب} تكريرٌ للخطاب بطريق الالتفات ولطفٌ في الدعوى {قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ} حال من رسولنا وإيثارُه على مبيِّناً لما مر فيما سبق أي يبين لكم الشرائعَ والأحكامَ الدينية المقرونة بالوعد والوعيد من جملتها ما بُيِّن في الآيات السابقة من بطلان أقاويلِكم الشنعاء وما سيأتي من أخبار الأمم السالفة وإنما حُذف تعويلاً على ظهور أن مجيءَ الرسول إنما هو لبيانها أو يفعلُ لكم البيانَ ويبذُله لكم في كل ما تحتاجون فيه إلى البيان من أمور الدين وأما تقديرُ مثل ما سبق في قوله تعالى كَثِيراً مّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكتاب كما قيل فمع كونه تكريراً من غير فائدة يرده قوله عز وجل {على فترة من الرسل} فان فتور الارسال ونقطاع الوحي انما يحودج إلى بيان الشرائع والأحكام لا إلى بيان ما كتموه وعلى فترة متعلق بجائكم على الظرفية كما في قوله تعالى واتبعوا مَا تَتْلُواْ الشياطين على مُلْكِ سليمان أي جاءكم على حين فتور الإرسال وانقطاع من الوحي ومزيدِ احتياج إلى بيان الشرائع والأحكام الدينية أو بمحذوف وقع حال من ضمير يبين أو من ضمير لكم أي يبين لكم ما ذُكر حال كونه على فترة من الرسل أو حال كونكم عليها أحوجَ ما كنتم الى البيان ومن الرسل متعلق بمحذوفٍ وقع صفة لفترة أي كائنةٍ من الرسل مبتدا من جهتهم وقوله تعالى {أَن تَقُولُواْ} تعليل لمجيء الرسول بالبيان على حذفِ المضافِ أي كراهةَ أن تقولوا معتذرين عن تفريطكم في مراعات أحكام الدين {مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ}
وقد انطمست آثارُ الشرائع السابقة وانقطعت أخبارُها وزيادة مِنْ في الفاعل للمبالغة فى نفى المجى وتنكير بشير ونذير للتقليل وهذا كما ترى يقتضي أن المقدر أو المنوي فيما سبق هو الشرائع والاحكام لاكيفما كانت بل مشفوعة بما ذكر من الوعد والوعيد وقوله تعالى {فَقَدْ جَاءكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} متعلق بمحذوف ينبى عنه الفاء الفصيحة وتُبيِّنُ أنه مُعلَّل به وتنوينُ بشيرٌ ونذيرٌ للتفخيم أي لاتعتذروا بذالك فقد جاءكم بشير أيُّ بشيرٍ ونذير أيُّ نذير {والله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ} فيقدِرُ على الإرسال تترى كما فعله بين مُوسى وعيسى عليهما السَّلامُ حيث كان بينهما ألفٌ وسبعُمائة سنة وألفُ نبيَ وعلى الإرسال بعد الفترة كما فعله بينَ عيسَى ومحمَّدٍ عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ حيثُ كان يبينهما ستُمائة سنةٍ أو خمسُمائةٍ وتسعة وستون سنةً أو خمسُمائةٍ وستة وأربعون سنةً وأربعةُ أنبياءَ على ما روى الكلي ثلاثةٌ من بني إسرائيلَ وواحدٌ من العرب خالد بن سنان العبسي وقيل لم يكن بعد عيسى عليه السلام إلا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهُو الأنسبُ بَما في تنوين فترةٍ من التفخيم اللائق بمقام الامتنان عليهم بأن الرسول قد بُعث إليهم عند كمالِ حاجتهم اليه بسبب مضي دهر طويل بعد انقطاعِ الوحي ليهشو إليه ويعُدّوه أعظمَ نعمةٍ من الله تعالَى وفتحَ بابٍ إلى الرحمة وتلزَمُهم الحجةُ فلا يَعتلُّوا غداً بأنه لم يُرسَلْ إليهم من بينهم من غفلتهم
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20)
{وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ} جملةٌ مستأنفةٌ مَسوقةٌ لبيان ما فعلت بنوا إسرائيلَ بعد أخذِ الميثاق منهم وتفصيلِ كيفيةِ نقضِهم له وتعلّقِه بما قبله من حيث إن ما ذُكر فيه من الأمور التي وصف النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم ببيانها ومن حيث اشتمالُه على انتفاء فترة الرسل فيما بينهم واذ نصب على أنه مفعولٌ لفعل مقدرٍ خوطب به النبيُّ صلَّى الله عليهِ وسلم بطريق تلوين الخطابِ وصرفِه عن أهل الكتاب ليعدِّدَ عليهم ما صدر عن بعضهم من الجنايات أي واذكرهم وقت قولِ موسى لقومه ناصحاً لهم ومستميلاً لهم باضافتهم اليه {يا قوم اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ} وتوجيه الأمر بالذكر إلى الوقت دون ما وقع فيه من الحوادث مع أنها المقصودةُ بالذات للمبالغة في إيجاب ذكرها لما أن إيجاب ذكر الوقت إيجابٌ لذكر ما وقع فيه بالطريق البرهانيِّ ولأن الوقتَ مشتملٌ على ما وقع فيه تفصيلاً فإذا استُحضِر كان ما وقع فيه حاضرا بتفاصيل كانه مشاهد عيانا وعليكم متعلق بنفس النعمة إذا جُعلت مصدراً وبمحذوف وقع حالاً منها إذا جُعلت اسماً أي اذكروا إنعامه عليكم أو اذكروا نعمة كائنة عليكم وكذا إذ في قوله تعالى {إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء} أي اذكروا إنعامه تعالى عليكم في وقت جَعْله أو اذكروا نعمته تعالى كائنة عليكم في وقت جهله فيما بينكم من أقربائكم أنبياءَ ذوِي عددٍ كثير وأُولي شأنٍ خطير حيث لم يَبْعثْ مِنْ أُمَّةٍ من الأممِ ما بَعَث من بني إسرائيلَ من الأنبياء {وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً} عطفٌ على جعل فيكم داخلٌ في حُكمهِ أيْ جعل فيكم أو منكم ملوكاً كثيرة فإنه قد تكاثر فيهم الملوكُ تكاثرَ الأنبياء وإنما حذف الظرف تعويلاً على ظهور الأمرِ أو جَعْل الكلِّ في مقام الامتنان عليهم ملوكاً لما أن أقاربَ الملوك يقولون
سورة المائدة اية 21 22 عند المفاخر نحن الملوك وإنما لم يسلُكْ ذلك المسلكَ فيما قبله لما أن منصِبَ النبوةِ مِنْ عِظَم الخطر وعِزَّة المطلب وصعوبة المنال ليس بحيث يليقُ أن يُنْسبَ إليه ولو مجازاً مَنْ ليس ممن اصطفاه الله تعالى له وقيل كانوا مملوكين في أيدي القِبْط فأنقذهم الله تعالى فسمَّى إنقاذهم مُلْكاً وقيل المَلِكُ مَنْ له مسكنٌ واسع فيه ماء جار وقيل من له بيت وخدم وقيل من له مال لا يَحتاج معه إلى تكلف الاعمال وتحمل المشاق {وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين} من فلْق البحر وإغراقِ العدو وتظليلِ الغمامِ وإنزالِ المنِّ والسلوى وغير ذلك مما آتاهُم الله تعالى من الأمور العِظام والمرادُ بالعالمين الأممُ الخالية إلى زمانهم وقيل مِنْ عالَمِي زمانهم
يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21)
{يا قوم ادْخُلُوا الاْرْضَ المُقَدَّسَةَ} كرر النداء بالاضافة التشريفية اهتمام بشأن الأمر ومبالغةً في حثهم على الامتثال به والأرضُ هي أرضُ بيت المقدس سُمِّيت بذلك لأنها كانت قرارَ الأنبياء ومسكنَ المؤمنين وقيل هي الطورُ وما حوله وقيل دمشقُ وفِلَسطينُ وبعضُ الأردن وقيل هي الشام {الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} أي كتَبَ في اللوح المحفوظ أنها تكونُ مسكناً لكم إن آمنتم وأطعتم لقوله تعالى له بعض ما عصَوْا فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ وقولِه تعالى {وَلاَ تَرْتَدُّوا على أدباركم فَتَنْقَلِبُوا خاسرين} فإن ترتيبَ الخَيبة والخُسران على الارتداد يدل على اشتراط الكَتْب بالمجاهدة المترتِّبة على الإيمان والطاعة قطعاً أي لا ترجِعوا مُدبرين خوفاً من الجبابرة فالجار والمجرور متعلقٌ بمحذوفٍ هو حال من فاعل ترتدوا ويجوز أن يتعلق بنفس الفعل قيل لما سمعوا أحوالهم من النقباء بكوا وقالوا يا ليتنا مِتْنا بمصر تعالَوْا نجعلُ لنا رأساً ينصرِفْ بنا الى مصر اولا ترتدوا عن دينكم بالعصيان وعدم الوثوق بالله تعالى وقوله فتنقلبوا إما مجزومٌ عطفا على ترتدوا أو منصوبٌ على جواب النهي والخُسران خُسرانُ الدين والدنيا لا سيما دخولُ ما كتب لهم
قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22)
{قالوا} استئناف مبنى نشىء من مَساق الكلام كأنه قيل فماذا قالوا بمقابلة أمرِه عليه السلام ونهيِه فقيل قالوا غيرَ ممتثِلين بذلك {يا موسى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ} متغلبين لا ياتي منازعتهم ولا يتسنى مناصبتهم والجبارُ العاتي الذي يُجبرُ الناس ويقصرهم كائناً مَن كانَ على ما يريده كائناً ما كان فعّال من جبرَه على الأمر أي أجْبَره عليه {وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حتى يَخْرُجُواْ مِنْهَا} من غير صُنْع مِنْ قِبَلِنا فان لا طاقة لنا بإخراجهم مِنْهَا {فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا} بسببٍ من الأسباب التي لا تعلق لنابها {فَإِنَّا داخلون} حينئذ أتَوْا بهذه الشرطية مع كون مضمونها مفهوماً مما سبق من توقيت عدمِ الدخول وخروجهم منها تصريحاً بالمقصود وتنصيصاً على أن امتناعهم من دخولها ليس إلا لمكانهم فيما وأتَوا في الجزاء بالجملة الاسمية المصدرة بحرف التحقيق دلالة على تقرر
سورة المائدة اية 23 24 الدخول وثباتِه عند تحقّق الشرط لا محالة وإظهاراً لكمال الرغبة فيه وفي الامتثال بالأمر
قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)
{قَالَ رَجُلاَنِ} استئنافٌ كما سبق كأنه قيل هل اتفقوا على ذلك أو خالفهم
البعض فقيل قال رجلان {مِنَ الذين يَخَافُونَ} أي يخافون الله تعالى دون العدوِّ
ويتّقونه في مخالفة أمرِه ونهيِه وبه قرأ ابنُ مسعود وفيه تعريضٌ بأن مَنْ عداهما
لا يخافونه تعالى بل يخافون العدو وقيل من الذين يخافون العدو أي منهم في النسَب
لا في الخوف وهما يوشَعُ بنُ نون وكالب بن يوقنا من النقباء وقيل هما رجلان من
الجبابرة اسلما وصارا مِن موسى عليه السَّلام فالو او حينئذ لبني إسرائيلَ
والموصول عبارة عن الجبابرة وإليهم يعود العائد المحذوف أي من الذين يخافهم بنو
اسرائيل ويعضه قرات من قراء يُخافون على صيغة المبني للمفعول أي المَخُوفين وعلى
الأول يكون هذا من الاخافة أي من الذين يخوِّفون من الله تعالى بالتذكير أو
يخوِّفهم الوعيدُ {أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمَا} أي بالتثبيت وربْطِ الجأش والوقوف
على شؤونه تعالى والثقة بوعده أو بالإيمان وهو صفة ثانيةٌ لرجلان أو اعتراض وقيلَ
حالٌ من الضميرِ في يخافون أو من رجلان لتخصّصه بالصفة أي قال مخاطِبين لهم
ومشجعين {ادخلوا عَلَيْهِمُ الباب} أي بابَ بلدهم وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ عليهِ
للاهتمام به لأن المقصودَ إنما هو دخولُ الباب وهم في بلدهم أي باغتوهم وضاغضوهم
في المضيق وامنعوهم في البُروز إلى الصحراء لئلا يجدوا للحرب مجالاً {فَإِذَا
دخلتموه} أي بلدهم وهم فيه {فَإِنَّكُمْ غالبون} منْ غيرِ حاجةٍ إلى القتال فان قد
رأيناهم وشاهدنا أن قلوبَهم ضعيفة وإن كانت أجسادُهم عظيمة فلا تخشَوْهم واهجُموا
عليهم في المضايق فإنهم لا يقدرون فيها على الكر والفر وقيل إنما حَكَما بالغَلَبة
لما عَلِماها من جهة موسى عليه السلام ومن قوله تعالى كَتَبَ الله لَكُمْ أو لِما
علِما من سنّته تعالى في نَصْره رسله وما عهِدا من صُنعه تعالى لموسى عليه السلام
من طهر أعدائه والأول أنسبُ بتعليق الغلَبةِ بالدخول {وَعَلَى الله} تعالى خاصةً {فَتَوَكَّلُواْ}
بعد ترتيب الأسباب ولا تعتمدوا عليها فإنها بمعزلٍ من التأثير وإنما التأثير من
عند الله العزيز القدير {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} أي مؤمنين به تعالى مصدِّقين
لوعده فإنَّ ذلكَ ممَّا يوجبُ التوكل عليه حتماً ==
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق