ج2.شرح ابن ناجي التنوخي على متن الرسالة
باب في الفطرة وختان وحلق الشعر واللباس
وستر العورة وما يتصل بذلك
(هنا أفرد الختان بالذكر دلالة على تأكده فإنه أكد خصال الفطرة وإلا فهو منها. ومن الفطرة خمس قص الشارب وهو الإطار وهو طرف الشعر المستدير على الشفه
لا إخفاؤه والله أعلم وقص الشارب ونتف الجناحين وحلق العانة): الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الفطرة خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الآباط" واختلفت الروايات في هذا الحديث فجاء: الفطرة خمس كما تقدم، وجاء خمس من الفطرة فعلى الأول يكون على الحصر بخلاف الثاني لوجود من التبعيضية فيها وعليها جاء كلام الشيخ في قوله: ومن الفطرة خمس.
قال عياض: ومعناه أن هذه الخصال من سنن الأنبياء عليهم السلام وقيل معناه من الإسلام خمس فإن الفطرة الإسلام قال غير واحد ولم ير مالك باستئصال شعر الشارب وأمر بأدب فاعله لأنه حلقه مثله وهو فعل النصارى وإنما يأخذ منه مقدار ما يبدو من طرف الشارب يبدأ إن قص له غيره بيمين القاص وبيمينه إن قص لنفسه وللقص فوائد: تحسين البشرة وإذهاب الشين وتمكينه من الاستمتاع بالقبلة وعدم إيذائه زوجته بذلك، وقص الأظفار لا حد في البداءة يه ولذلك أنكر المازري فيه على الغزالي قوله يبدأ بسبابته اليمنى لأنها هي المسبحة ثم ما يليها لأنها من ناحية اليمنى وهي في الشرع أفضل ثم يبتدئ باليسرى ومن خنصرها على صفة دائرة فإذا أتمها ختم بإبهام اليمنى الذي تركه أولا قائلا: لأنه سر الهندسة والدوائر.
وكذلك يقص أظفاره في أي زمان أحب وما يعتقده العوام من التحرج يوم الأربعاء فلا يعول عليه، قال التادلي: ويكره قصها بالأسنان وهو مما يورث الفقر وكذلك طرح القمل وترك العنكبوت في البيت واستخدام الأجرار قال ابن العربي في سراجه: إنما شرع في شعر الجناحين النتف لأنه أشد ذهابا لإنبات الشعر وأما الحلق فيقويه وإنما لم يشرع في العانة للمشقة اللاحقة في ذلك قال الباجي: ولا تحلق المرأة عانتها لأنه يضر بالزوج لاسترخاء المحل بذلك اتفاقا من الأطباء.
(ولا بأس بحلاق غيرها من شعرالجسد):
ظاهر كلامه جواز حلق شعر اليدين ولا أعرف في ذلك نصا في المذهب وعن غير واحد كالفاكهاني الخلاف فيه للعلماء وإنما قال من شعر الجسد احتراز من شعر اللحية والرأس لأن حلقهما بدعة.
(والختان في الرجال سنة والخفاض للنساء مكرمة وأمر النبي أن تعفى اللحية وتوفر ولا تقص): ما ذكر من أن الختان سنة ويريد بتأكيد مثله لابن يونس وروى ابن حبيب هو من الفطرة لا تجوز إمامة تاركه اختيار ولا شهادته قال الباجي: لأنها تبطل بترك المروءة ولو أسلم وقد قدمنا الخلاف فيما إذا أسلم شيخ كبير يخاف على نفسه إن هو اختتن هل يتركه أم لا؟ على قولين لابن عبد الحكم وسحنون وذكرنا أن قوله والخفاض للنساء مكرمة هو خلاف رواية الباجي وغيره والخفاض كالختان.
(قال مالك ولا بأس بالأخذ من طولها إذا طالت كثيرا إلى آخره):
يريد أن ذلك خير من غيره وكذلك يستحب الأخذ من عرضها قال عياض:
واختلف السلف هل لذلك حد أم لا؟ فالمعروف أنه لا حد له إلا أنه لا يتركها نحو الشهر، ومنهم من قال في حدها بما زاد على القبضة فيزال ومنهم من كره الأخذ منها جملة إلا في الحج والعمرة، قال مالك: وبلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهى أن يحلق ما تحت اللحية إلى الغلصمة وقيل أنه من فعل المجوس وأنا أكره حلق الرقبة إلا لمن أراد أن يحتجم وأكره تحديد اللحية والشارب بالموس من جهاتها تحسينا وتزينا وإنما ذلك من زي النساء.
(ويكره صباغ الشعر بالسواد من غير تحريم ولا بأس بالحناء والكتم):
قال الفاكهاني: أما السواد ففي المذهب قولان بالكراهة والجواز ووجه الكراهة قوله صلى الله عليه وسلم: "غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود" خرجه النسائي وأطلقه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقيد سواد من غيره وفي غيره قولان بالندب والإباحة، قلت: وكلام الشيخ يحتملهما والأقرب له الإباحة والحناء ممدود قاله عياض والكتم بفتح الكاف والتاء نبت بخلط بالوسمة فيختصب به قاله الجوهري.
(ونهى الرسول عليه السلام الذكور عن لباس الحرير وتختم الذهب عن التختم بالحديد):
لا خلاف في المذهب أن لبسه حرام على الذكور وجائز للنساء في حال الحياة وفي المذهب قولان متقابلان بالجواز مطلقا ذكرهما المازري وأما التكفين فيه فقد قدمنا أن في المذهب ثلاث أقوال ثالثها: يجوز للنساء وأجاز ابن حبيب للرجل أن يلبس الحرير لحكة وأجازه ابن الماجشون في الجهاد ورواه عن مالك والمشهور المنع.
واختلف هل يجوز افتراشه والاتكاء عليه أم لا؟ فقيل إنه جائز قاله ابن الماجشون قال أبو محمد وهو خلاف قول مالك، وطاهر المذهب أنه لا يجوز لزوج المرأة الجلوس عليه تبعا لها قال ابن العربي: ذلك جائز قال بعض شيوخنا ولا أعرفه لغيره والتختم بالذهب جائز للنساء ممنوع للرجال واختلف فيمن صلى به فقيل يعيد في الوقت وقيل لا وكذلك القولان فيمن صلى بخاتم فيه تماثيل نقله ابن هارون ولا أعرفهما إلا في خاتم الذهب واختلف المذهب إذا صلى بثوب حرير على ثلاثة أقوال حكاها ابن الحاجب قال: ولو صلى بالحرير مختارا عصى وثالثها: تصح إن كان ساترا غيره، ولا توجد الأقوال هكذا لغيره، وما ذكر الشيخ من النهي عن تختم الحديد قال المغربي: هو خلاف ظاهر المدونة لقولها في باب الاحداد لا تلبس حليا ولا قرطا ولا خاتم حديد فمفهوم كلامه أنه لغير الحاد من النساء جائز وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم "التمس ولو خاتما من حديد".
(ولا بأس بالفضة في الحلية الخاتم والسيف والمصحف):
ظاهر كلام الشيخ أن تحلية ما ذكر بالذهب منهي عنه وهو كذلك بالنسبة إلى الخاتم باتفاق وإلى السيف في قول وقيل إنه جائز وأما بالنسبة إلى المصحف فقيل مكروه رواه ابن عبد الحكم وقاله به وقيل أنه جائز ورواه ابن المواز وهو في الموطأ والقولان حكاهما ابن رشد.
(ولا يجعل ذلك في لجام ولا سرج ولا سكين ولا في غير ذلك ويتختم النساء بالذهب ونهي عن التختم بالحديد):
اختلف المذهب هل يجوز تحلية باقي آلة الحرب على ثلاثة أقوال: فقيل: جائز وقيل: لا يجوز وهو ظاهر كلام الشيخ، وقيل: يجوز فيما يطاعن به ويضارب لا فيما يتقي به ويتحزم، واختلف هل يجوز للمرأة أن تعمل فبقايا من فضة أم لا؟ فقال أبو بكر بن عبدالرحمن: لا يجوز ولم يرتضه أبو حفص العطار واختار الجواز ذكر ذلك في تعليقه في كتاب الصرف، قال شيخنا أبو مهدي: وتصوره المسألة في قبقاب لا مفهوم له وكذلك يختلف في قبقاب الذهب لأن مستند من أجاز كون قبقابها من حليها كخلهالها قلت: ولذلك أطلقت فرض المسألة في قولي في الزكاة من هذا التعليق والقبقاب للمرأة فيه قولان حكاهما أبو حفص العطار وما عدا ما ذكر فإنه محرم باتفاق.
(والاختيار مما روي في التختم التختم في اليسار لأن تناول الشيء باليمين فهو يأخذه بيمنيه ويجعله في يساره):
ما ذكر الشيخ هو مذهب جمهور العلماء لأنه يتناوله بيمينه ويجعله في شماله، قال ابن رشد: من السلف من يختار التختم في اليمين وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم والوجه في ذلك أنه من اللباس والزينة فيؤثر به اليمنى على اليسرى كما تؤثر الرجل اليمنى على اليسرى بما جاء به من السنة في الانتعال بأن ينتعل اليمنى أولا ويخلع اليسرى قبلها لتكون اليمنى أكثر استعمالا للباس منها وقد يكون فيه اسم الله تعالى فلا يحتاج إذا تختم في يمينه أن يخلعه عند الاستنجاء لأن ذلك يستحب فيمن تختم في شماله.
(واختلف في لباس الخز فأجيز وكره وكذلك العلم في الثوب من الحرير وإلا الخط الرقيق):
لا خصوصية لقول الشيخ الخز بل الخلاف فيه وفي غيره ويتحصل في ذلك أربعة أقوال: فقيل إن ذلك مكروه وقيل إنه جائز وكلاهما ذكره الشيخ وقيل يمنع لباس الخز وغيره وظاهر قائله التحريم وقيل يجوز الخز ولا يجوز غيره اتباعا للعمل، قال ابن رشد وهو أضعف الأقوال إذ لا فرق في القياس بين الخز وغيره من المحررات التي قيامها حرير ولحمتها قطن أو كتان لأن الذي من أجله استجاز لبس الخز من السلف وذلك أنه ليس بمحرم محض في موجود المحررات وشبهها فلذلك استجازوا لباسها لا من أجل أنه خز إذ لم يأت أثر بالترخيص لهم في ثياب الخز فيختلف في قياس غيره عليه قال: والقول بالكراهة هو أولى الأقوال بالصواب لأن ما اختلف العلماء فيه لتكافؤ تحريمه وتحليله فهو من الشبهات التي قام فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتقاها فقد استبرأ لدينه وعرضه فعلى هذا القول يأتي ما يحكى عن مطرف أنه رأى على مالك ساج أبريسم كساه إياه هارون الرشيد إذ لم يكن يلبس ما يعتقد أنه يأثم بلبسه.
واعلم أن الخز ما سداه حرير ولحمته وبر الإبل قاله ابن رشد، وأما العلم فاختلف فيه على ثلاثة أقوال: فقيل إنه جائز وإن عظم قاله ابن جبير وقيل إنه يجوز قدر الإصبع فقط رواه أبو مصعب وقيل إنه منهي عنه إذا كان قدر الإصبع رواه ابن القاسم ومراده به الكراهة والتحريم فيما زاد.
(ولا يلبس النساء من الرقيق ما يصفهن إذا خرجن):
قال عبدالوهاب هذا لقوله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) [النور: 31]
وإذا لبسن ما لا يستر أبدانهن فقد أبدينها ولقوله تعالى (غير متبرجات بزينة) [النور: 60]
وهذا في التبرج فوجب منعه وفي ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ورب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة ورب كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن
الجنة ولا يجدن ريحها".
(ولا يجر الرجل إزاره بطرا ولا ثوبه من الخيلاء وليكن إلى الكعبين فهو أنظف لثوبه وأتقى لربه).
هذا لما في البخاري عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" وفي مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بينما رجل يتبختر في برديه وأعجبته نفسه فخسف الله به فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة" وفي النسائي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه لا جناح عليه فيها بينه وبين الكعبين وما أسفل من ذلك ففي النار لا ينظر الله عز وجل إلى من يجر ثوبه بطرا".
وقول الشيخ فهو أنظف لثوبه وأتقى لربه معلوم بالمشاهدة وذلك حد ما قيل في قوله تعالى (وثيابك فطهر)[المدثر: 4]
أي فقصر.
(وينهى عن اشتمال الصماء وهي على غير ثوب يرفع ذلك من جهة واحدة ويسدل الأخرى وذلك إذا لم يكن تحت اشتمالك ثوب واختلف فيه على ثوب):
ما ذكره الشيخ من الاختلاف إذا كان الاشتمال على ثوب هو لمالك قال ابن رشد: فوجه المنع من ذلك اتباع ظاهر الحديث فحمله على عمومه ولئلا يكون ذريعة للجاهل الذي لا يعلم العلة في ذلك فيفعله ولا إزار عليه إذا رأى العالم يفعله وعليه إزار.
(ويؤمر بستر العورة وإزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه والفخذ عورة وليس كالعورة نفسها):
قد قدمنا أن ستر العورة عن أعين الناس لا خلاف في وجوبه وفي الخلوة قولان المشهور أنه مستحب وقيل إنه واجب حكاه ابن رشد وعلى الأول فقيل إنه واجب في الصلاة شرط وقيل ليس بشرط وقيل سنة وأن في عورة الرجل ستة أقوال: فقيل سوأتاه خاصة قاله أصبغ وقيل سوأتاه وفخذاه قاله ابن الجلاب وقيل من السرة حتى الركبة وقيل السوأتان مثقلة وإلى ستره وركبته مخففة قاله الباجي وظاهره خروج السرة والركبة وقيل الفخذ عورة وليس كالعورة نفسها كما قال الشيخ على أنه يمكن أن يرجع إلى ما قال ابن الحلاب: وقول الشيخ وإزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه يريد في حق الرجال وأما النساء فقد جاء في الترمذي أنهن يرخين ذراعا لا يزدن على ذلك شيء قال حديث حسن صحيح لو ذكر الشيخ قوله هذا عقب المسألة السابقة لكان أنسب.
(ولا يدخل الرجل الحمام إلا بمئزر):
قال في المدونة: في كتاب الدور والأرضين لا بأس بكراء الحمام قال المغربي: فيؤخذ منه جواز دخول الحمام وهو على ثلاثة أوجه الأول: دخوله مع زوجته أو جاريته أو وحده فيباح الثاني: دخوله مع قوم لا يستترون فممنوع، الثالث: مع قوم مستورين فمكروه إذ لا يأمن أن ينكشف بعضهم فيقع بصره على ما لا يحل وقيل في هذا الوجه هو جائز فعلى القول بالجواز يصح بعشرة شروط ذكرها ابن شاس.
قلت: قال رحمه الله تعالى قال القاضي أبو بكر: فإن استتر الداخلون فيصح دخوله بعشرة شروط: الأول: أن لا يدخلن إلا بنية التداوي أو بنية الطهر، الثاني: أن يقصد أوقات الخلوة أو قلة الناس، الثالث: أن يستر عورته بإزار صفيق، الرابع: أن يطرح بصره إلى الأرض أو يستقبل الحائط لئلا يقع بصره على محظور، الخامس: أن يغير ما يرى من منكر برفق بقول استر سترك الله، السادس: أن لا يدلكه أحد ولا يمكن من عورته من سرته إلى ركبته إلا امرأته أو جاريته. وقد اختلف في الفخذين هل هما عورة أم لا؟ السابع: أن يدخل بأجرة معلومة بشرط أو عادة، الثامن: أن يصب من الماء قدر الحاجة، التاسع: إن لم يقدر على دخوله وحده اتفق مع قوم يحفظون أديانهم في كرائه، العاشر: أن يتذكر به عذاب جهنم فإن لم يمكنه ذلك فليدخل وليجتهد في غض البصر، وإن غض وقت الصلاة فيه استتر وصلى على موضع متطهر.
(ولا تدخله المرأة إلا من علة):
قال عبد الوهاب: دخول النساء في هذا الوقت يمنعن منه إلا لعلة أو حاجة إلى لغسل من حيض أو نفاس أو شدة برد لأن جميع بدنها عورة لا يجوز لها أن تظهره لرجل ولا لامرأة.
وقيل إنما منع ذلك لما لم تكن لهن حمامات دون التحريم منفردة فأما اليوم مع انفرادهم لا يمنعن ثم إذا دخلن فليسترن جميع الجسد، قال ابن رشد: حدهن في الدخول الكراهة دون التحريم قال: ولا يلزمها من الستر مع النساء إلا ما يلزم الرجل ستره ورأى أن النساء مع النساء كالرجال مع الرجال واشتهر ذلك بما أجمع عليه العلماء من أن النساء يغسلن النساء كما يغسل الرجال الرجال قال: وما ذكره عبد الوهاب من أن الحمام محرم عليهن لا أعلمه نصا على النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر عنه عليه السلام في كتاب الجامع من المعونة: الحمام بيت لا ستر فيه لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يدخله إلا بمئزر ولا امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تدخله إلا من علة فإن صح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم فمعناه على ما جرى عليه عادتهن من دخولهن أياه غير مستترات قال: وأما ما قاله من أن بدن المرأة عورة لا يحل أن يراه رجل ولا امرأة فليس بصحيح إنما هي عور على الرجل فقط، وذكر في الرد عليه ما تقدم من الإجماع وغيره.
وسلك أبو بكر طريق عبد الوهاب فقال: لا سبيل إلى دخولهن لأن جميع المرأة عورة للرجال والنساء ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم "وأفضل صلاة المرأة في بيتها لما فيه من الستر" ولم يؤذن لها في الحج أن تكشف إلا وجهها ويديها فتدخله مع زوجها إذا احتاجت إليه.
قلت: ولا شك أن دخوله اليوم حرام عندنا للنساء لأنهن لا يستترن وكذلك الرجال في الأعم الأغلب إلا المشهور في الدين والفضل وأما غيره فوجود المئزر إنما هو كالعدم قال بعض شيوخنا وذكر شيخنا ابن عبدالسلام في درسه أن من له النظر الشرعي كان أمر الحمامين باتخاذ أزرا للنساء كما هو اليوم، للرجال فصار النساء يتضاربن بالأزر على وجه اللعب فصارت المصلحة زيادة في المفسدة.
وفي أحكام السوق ليحيى بن عمر كتب بعض قضاة عبدالله بن طالب: أن أهل المرسى قد شكوا من حمام عندهم للمنكر الذي فيه فكتب إليه أن يحضر المتقبل للحمام فأمر أن لا يدخلنه إلا بمئزر فإن تعدى النهي فأغلق الحمام وصير المتقبل للسجن قيل ليحيى أيعجبك قال نعم وما ذهب إليه يجري على الأدب بالمال وقد ذكرنا أن ابن سهل حكى في ذلك أربعة أقوال فانظرها فيما سبق عند قول الشيخ ومن مثل بعبده مثلة بينة.
(ولا يتلاصق رجلان ولا امرأتان في لحاف واحد):
يعني سواء كانا قريبين أو أجنبيين وكذلك يفرق بين الصبيان في المضاجع عند بلوغ سنهم سبع سنين عند ابن القاسم وعشرا عند ابن وهب والأصل فيما ذكر الشيخ ما رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية أبي سعيد الخدري أنه قال "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد" وظاهر الحديث جواز اضطجاع الرجلين أو المرأتين في الكساء الواحد إذا تعاكساه بحيث يكون وسط الكساء حائلا بينهما وبه أفتى بعض من لقيناه من القرويين رحمه الله تعالى، وغفر لنا وله.
(ولا تخرج امرأة إلا مستترة فيما لابد لها منه من شهود موت أبويها أو قرابتها أو ذي نحو ذلك مما يباح لها ولا تحضر من ذلك ما فيه نوح نائحة أو لهو من مزمار أو عود وشبهة من الملاهي الملهية إلا الدف في النكاح):
ما ذكر الشيخ هو المشهور وذكر ابن حبيب خروجهن في جنازة قريب قال وينبغي للإمام أن يمنعهن من الخروج وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطرد امرأة وقال للنساء في جنازة "أتحملنه" قلن لا فقال "أفتدخلنه في قبره" قلن لا فقال "افتحثين عليه التراب" قلن لا قال "فارجعن مأزورات غير مأجورات" وكان مسروق يحثو في وجهوههن التراب ويطردهن فإن رجعن وإلا رجع وكان يفعل الحسن كذلك ويقول لا ندع حقا لباطل.
وقال النخعي: كانوا إذا خرجوا بالجنازة أغلقوا الأبواب على النساء وقال ابن عمر: ليس للنساء في الجنازة نصيب وحيث تخرج فإنها لا تخرج إلا بشروط خمسة الأول: أن يكون خروجها طرفي النهار وما لم تضطر الى الخروج في غيرهما اضطرارا فادحا. الثاني: أن تلبس أدنى ثيابها، الثالث: أن تمشي في حافتي الطريق دون وسطه حتى تبعد عن الرجال، الرابع: أن لا يكون عليها ريح طيبة، الخامس: أن لا يظهر عليها ما يحرم على الرجال النظر إليه غير الوجه والكفين ما لم يكن النظر إلى وجهها يؤدي إلى الفتنة فيجب عليها ستره.
(وقد اختلف في الكبر):
قال ابن رشد: اتفق أهل العلم على إجازة الدف وهو الغربال في العرس وفي الكبر والمزهر ثلاثة أقوال: الجواز قاله ابن حبيب والمنع قاله أصبغ في سماعه وهو الآتي عمى ما في سماع سحنون ابن القاسم أن بيع الكبر فسخ بيعه وأدب فاعله والمزهر أحرى بذلك، وجواز الكبر دون المزهر وهو قول ابن القاسم هنا في سماع عيسى من كتاب الوصايا وعليه سماع عيسى القطع بقيمته في الكبر الصحيح ولابن كنانة في المدونة إجازة البوق في العرس فقيل معناه في البوقات والمزامر التي لا تلهي كل اللهو.
واختلف فيما أجيز من ذلك فالمشهور ما يستوي فعله وتركه في نفي الحرج في الفعل ونفى الثواب في الترك وقيل من الجائز الذي تركه خير من فعله لما في تركه من الثواب لأن فعله حرج وعقاب وهو قول مالك في المدونة أنه كره الدفوف والمعازف وغيرهما. قلت: وما نسبه للمدونة صحيح هو نص في الجعل والإجازة منها، قال الفاكهاني: ولا أدري ما المراد بالكبر والذي يغلب على ظني أنه الطبل والله أعلم. فأما المزهر فهو المغشي من الجهتين قلت: الكبر في عرفنا هو الذي يقال له الشقف وهو في الحقيقة الطبل فهو كمال قال الشيخ.
(ولا يخلو رجل بامرأة ليست منه بمحرم ولا بأس أن يراها لعذر من شهادة عليه أو نحو ذلك وإذا خطبه وأما المتجالة فله أن يرى وجهها على كل حال):
لا خلاف أنه لا يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة الأجنبية من حيث الجملة ولذلك اختصر البرادعي من مسألة صبيان الأعراب تصيبهم السنة سؤالا وجوابا لما فيه من الخلوة بالأجنبية لكثرة ملازمته لكونه مربيها فغالب الأمر أنه لا بد أن يخلو بها وفي إجارة المدونة أكره للعازب مؤاجرة غير ذي محرم منه حرة كانت أو أمة وللخمي فيها تفصيل: إن كان عازبا لم يجز وإن كان مأمونا وكان له أهل وهو مأمون جاز وإلا لم يجز وإن كانت متجالة لا إرب فيها للرجال جاز، وكذلك الشابة مع الشيخ.
وقال شيخنا أبو مهدي أيده الله تعالى لا نص في خلوة الرجل مع خادم زوجه والظاهر أنه بحسب الأشخاص فإذا وثق بنفسه جاز ولا ينتقض بالحرة لأن النفس مجبولة على الميل إليها وإن كانت كبيرة وتقدم الخلاف في النكاح في عبد المرأة الوغد هل ينظر إلى شعرها أم لا؟ على قولين والمشهور لابن عبد الحكم قائلا: ولا يخلو معها في بيت، وكذلك تقدم عن قرب هل يستغفل الخاطب من يخطبها أم لا؟ على قولين بالكراهة والجواز لمالك وابن وهب.
(وينهي النساء عن وصل الشعر وعن الوشم):
إنما خص الشيخ النساء بالذكر لأنهن يرغبن في ذلك أكثر من الرجال وإلا فالحكم سواء وظاهر كلام الفاكهاني أنه لم يقف على نص في الرجال لقوله الظاهر أن النساء والرجال في النهي سواء ونص البلنسي على أنه لا يجوز للرجال أن يفروا رءوسهم، وقبله الادلي ولم يذكر غيره وذكر المغربي في كتاب الطهارة الضفر في حق الرجال مباح ولم يحك غيره والأصل فيما ذكر الشيخ قوله صلى الله عليه وسلم "لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة".
قال عبدالوهاب: ومعنى ذلك أن فيه ضربا من الغرور وتغيير الخلق وذلك غيرجائز، وقا غيره من المتأخرين من أصحابنا: أن الوشم في جميع الجسد مكروه، قال الفاكهاني: فإن أراد به كراهة التحريم فهو المنطبق على معنى الحديث إذ من فعل المكروه كراهة التنزيه لا يستحق اللعنة بإجماع وإن أراد الكراهة على بابها أشكل كلامه لما قدمناه، وقال ابن رشد: لا يجوز للمرأة أن توصل شعرها ولا توشم وجهها ولا يديها ولا تحدد أسنانها، قلت: وأما ربط خيوط الحرير الملونة ونحوها مما لا يشبه الشعرفليس منهيا عنه لأنه ليس بوصل ولا مقصود للوصل إنما المراد به التجمل التحسن. قال عياض: في الإكمال.
قال المغربي: وأما ثقب الأذن للأخراص فقد نص بعض الشيوخ على جوازه ومنعه الغزالي وانظر هل يقوم الأول من قول المدونة ولا تلبس الحاد حليا ولا قرطا ولا خاتما أم لا؟ قال ابن رشد: ويجوز لها أن تخصب يديها ورجليها بالحناء واختلف في تطريف اصابع يديها بالحناء فأجيز ومنع.
(ومن لبس خفا أو نعلا بدأ بيمينه وإذا نزع بدأ بشماله):
قال الشيخ محي الدين النواوي في شرح مسلم في قول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله هذه قاعدة مستمرة في الشرع وهي أن ما كان من باب التكريم والتشريف كلبس الخف والسراويل ودخول المسجد والسواك وغسل أعضاء الوضوء، وتقبيل الحجر الأسود وغير ذلك مما يستجب التيامن فيه فأما ما كان مثل دخول الخلاء والخروج من المسجد والاستجمار والاستنجاء وخلع الثوب والسراويل وما أشبه ذلك فيستحب التياسر فيه وذلك لكرامة اليمنى وشرفها.
(ولا بأس بالانتعال قائما):
قال عبد الوهاب: ذلك كالانتعال جالسا لا فرق وقد روي من حديث إبراهيم بن طاهر عن ابن الزبير عن جابر ابن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن ينتعل الرجل قائما ويشبه ذلك في مثل النعل العربي لقلة تمكنه من لبسها مع القيام فإن تمكن فلا بأس، قال الفاكهاني: وروي عن علي رضي الله عنه، ولم أره أنا بل سمعته من غير رواية أنه نهى عن التعمم قاعدا وعن التسرول قائما والله أعلم بصحة ذلك.
(ويكره المشي في نعل واحدة):
لأن الشيطان يمشي في نعل واحدة كما جاء في الحديث قال عبد الوهاب وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمشي أحدكم في نعل واحدة ولينعلهما جميعا أو ليضعهما جميعا لأن ذلك ضرب من الهمزة والخروج عن العادة" ولهذا قلنا نحن أن من أتلف إحدى نعلين أو خفين أو ما لا يستغني أحدهما عن الآخر أنه كالتالف للجميع، وكذلك إذا وجد بأحدهما عيبا.
وقد اختلف المذهب فيمن انقطع أقفال نعليه وهو يمشي هل يقف حتى يصلح الاخرى أم لا؟ فأجاز ذلك ابن القاسم ومنعه أصبغ والظاهر، قول ابن القاسم لأن الوقف ليس بمشي ولا يجوز على قوليهما جميعا أن يمشي في نعل واحدة وهو يصلح الأخرى، قلت ولا بأس بالمشي في النعل الواحدة للمقطوع الرجل الأخرى قاله كبار الشيوخ وهو واضح لعذره ولا يختلف فيه.
(وتكره التماثيل في الأسرة والقباب والجدران وفي الخاتم وليس الرقم في الثوب من ذلك غيره أحسن):
ما ذكر الشيخ نحوه قول صلاة المدونة تكره التماثيل التي في الأسرة والقباب والمنابر وليس كالثياب والبسط التي تمتهن، واعلم أن التماثيل المصورة على صورة الإنسان أو صفة شيء من الحيوان مما له ظل قائم على صفة ما يحيا يوم القيامة يحرم لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أصحاب هذه الصورة يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم".
الثاني: مباح عند الأكثر مطلقا وهو كل تمثال لم يكن على صورة حيوان كصورة النخل والسفن والفواكه وما أشبه ذلك، وكره مجاهد تصوير الشجرة المثمرة قال عياض: ولم يقله غيره.
والثالث: مختلف فيه وذلك كالرسوم في الحيطان والرقم في الستور التي تنتشر والحصر التي تفرش والوسائد التي يرتفق بها ويتكأ عليها، وقد اختلف أهل العلم في ذلك على أربعة أقوال: التحريم مطلقا والإباحة مطلقا والإباحة فيما عدا المرسوم منها في الحيطان والجدران.
والرابع: إباحة ما عدا المرسوم منها في الستور التي تعلق ولا تمتهن بالبسط لها والجلوس عليها.
والرابع: إباحة ما عدا المرسوم منها في الستور التي تعلق ولا تمتهن بالبسط لها والجلوس عليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق