Translate

الأحد، 11 يونيو 2023

هداية المتعبد السالك{شرح الشيخ صالح عبد السميع الآبي الأزهري-على متن الأخضري-في الااجتهاد الفقهي المالكي للشيخ عبدالرحمن الأخضري


هداية المتعبد السالك{شرح الشيخ صالح عبد السميع الآبي الأزهري-على متن الأخضري-في الااجتهاد الفقهي المالكي 

للشيخ عبدالرحمن الأخضري  

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين. أول ما يجب

_________________________

الحمد لله الذي وشح الدين بطلعة سيد الأنبياء والمرسلين، وجعل أمته خير أمة وملته خير ملة، فهو سيد الأبرار، وهم السادة الأخيار. (المؤلف)

(الحمد لله) وإنما بدأ بحمد لله أداء لما وجب ووفاء بما طلب وعملا بقوله صلى الله عليه وسلم: " كل أمر ذي بال لا يبدأ بالحمد فهو أجذم " أي كالرجل الأجذم، أي الأقطع كما في المصباح، وهو من قطعت أنامل يديه أو من قام به الجذام كما في القاموس. وكلها تدل على حصول العيب المنفر وعدم الكمال، على أن الحمد واجب ولو مرة في العمر كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكلمتي الشهادة.

(رب العالمين) أي مربيهم على موائد كرمه وبر إحسانه

(والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين ) وإنما أتى بالصلاة وفاء بما طلب لجانب من

(1/5)

على المكلف: تصحيح إيمانه ثم معرفة ما يصلح به فرض عينه كأحكام الصلاة والطهارة والصيام. ويجب عليه أن يحافظ على حدود الله ويقف عند أمره ونهيه ويتوب إلى الله سبحانه قبل أن يسخط عليه.

_________________________

لولاه لم توجد الدنيا من العدم ، فهو مصباح الفضل ونبراس الهدى المخصوص بعز الدنيا وترف الآخرة.

(أول ما يجب على المكلف تصحيح إيمانه ) فأول الواجبات النظر الموصل إلى معرفة الصانع، والعلم بوجوده، فهو أس الإيمان والأصل لكل ما يطلب من المكلف من معرفة ما يجب وما يجوز وما يستحيل، وبهذا تم إيمانه وانتظم في سلك عباده المشار إليهم بقوله تعالى: { يا عباد فاتقون } وإنما كان هذا تمام الإيمان لأن معرفة ما يجب لله عز وجل وما يجوز وما يستحيل تستلزم معرفة مثل ذلك في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام.

(ثم ما يصلح به فرض عينه كأحكام الصلاة والطهارة والصيام ) ثم بعد هذه النشأة: أي نشأة معرفة الصانع ومعرفة وجوب وجوده، يلزم ما فرض الله عليه مما لا تطهر نفسه ولا تكمل سريرته إلا به، قال تعالى: { وما جعل عليكم في الدين من حرج ولكن

(1/6)

وشروط التوبة الندم على ما فات، والنية أن لا يعود إلى ذنب فيما بقى عليه من عمره، وأن يترك المعصية في ساعتها إن كان متلبسا بها، ولا يحل له أن يؤخر التوبة، ولا يقول: حتى يهديني الله فإنه من

_________________________

يريد ليطهركم } فما فرض الله عليه: الصلاة، فهي واجبة على كل مكلف بعينه ولا يغنيه عن فعلها فعل غيره عنه، ولها أحكام تخصها لا تتحقق وجودا ولا كمالا إلا بها، فيجب عليه معرفة ذلك.

( ويجب عليه أن يحافظ على حدود الله ويقف عند أمره ونهيه ) وهي ما أقامه الله من شرائعه وطلب المحافظة على فعله من الواجبات والمندوبات، وحث على تركه من المحرمات والمكروهات، فمن امتثل الأوامر واجتنب المنهيات فقد حافظ على حدود الله وأقام شرعه القويم وهدي إلى الصراط المستقيم.

( ويتوب إلى الله تعالى قبل أن يسخط عليه ) ليست التوبة أمرا وراء امتثال المأمورات، وإنما عناها المؤلف بالذكر بما لها من مزيد العناية، فإن الإنسان قل إن يسلم من الهفوات ومن الوقوع في المحذورات مع وصفه بإقامة الشريعة المطهرة.

ومن ذا الذي ما ساء قط

(1/7)

علامات الشقاء والخذلان وطمس البصيرة. ويجبُ عليه حفظ لسانه من الفحشاء

_________________________

فينبغي للإنسان الكامل المبادرة عند طرو ما اقترف من الإساءة أن يخلع ثوب القذر، ويتمثل بين يدي ذي العزة ويتحلى بلباس الإجلال والمهابة والتذكر، فيبصر قبح الإساءة فيسرع بالإنابة والرجوع إلى الرقيب { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون }. ( وشروط التوبة: الندم على ما فات، والنية أن لا يعود إلى الذنب فيما بقي من عمره، وأن يترك المعصية في ساعتها إن كان متلبسا بها، ولا يجل له أن يؤخر التوبة ولا يقول حتى يهديني الله، فإنه من علامة الشقاء والخذلان وطمس البصيرة ) لما ذكر أن التوبة والإنابة والرجوع إلى الله مما اقترف من السيئات من الواجب على المكلف فعله، لا يتحقق ذلك ولا يحصل في خارج العيان إلا بمعدات تتقوم بها هوية المتوبة، يجعلها بعضهم أركانا ويجعلها بعضهم شرطا، كمصنفنا، أخذ يبين ذلك على جهة الشرطية فقال: ( وشروط.. ) الخ. فمن شروط التوبة أن تألم نفس الفاعل وتحزن من جرم وقبح ما فعل، ومنها نية عدم العود إلى الذنب مرة ثانية والندم على ما فات، ومنها أن ينخلع عن

(1/8)

والمنكر والكلام القبيح وإيمان الطلاق، وانتهار المسلم وإهانته، وسبه وتخويفه في غير حق شرعي.

_________________________

جريمته في الحال ولا يؤخر التوبة ويسوف بها إلى زمان آت، لأن ذلك من علامات الشقاء وطمس البصيرة ومقت الجبار، نعوذ بالله من غضبه ومقته وطرده وشر أنفسنا.

( ويجب عليه حفظ لسانه عن الفحشاء والمنكر والكلام القبيح وأيمان الطلاق وانتهار المسلم وإهانته وسبه وتخويفه في غير حق شرعي ) أي من الواجب على المكلف صون لسانه وحفظه عن الباطل، أي من الأقوال حيث إن مصدر ذلك اللسان. والباطل هو خلاف الحق، ويتعلق الباطل من الأقوال: بالسب والقذف بأن يشتم إنسانا أو يقع في عرضه كأن يقول له يا زاني أو إنه من الزناة، وفيه من الوعيد ما لا يخفى فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن أزنى الزنا استحلال عرض المسلم" أي اعتقاد حليته، هذا مدلول الحديث إلا أنه غير مراد، لأن المراد التكلم في عرضه، لكن لما تكلم في عرضه كان كأنه مستحل له فلذا أطلق الاستحلال عليه، هذا صريح القذف، وأما التعريض به كأن يقول له أنا لست بزان وغرضه أن المخاطب زان، أو أنا لست ابن زنا وغرضه أن المخاطب ابن زناه. ومنه، أي من الباطل:

(1/9)

ويجبُ عليه حفظ بصره عن ا لنظر إلى الحرام، ولا يحل له أن ينظر إلى مسلم بنظرة تؤذيه إلا أن يكون فاسقاً فيجب هجرانه.

ويجب عليه حفظ جميع جوارحه ما استطاع

_________________________

انتهار المسلم وإهانته، بأن يغلظ عليه في القول فالانتهار الأخذ بأطراف الكلام على جهة الشدة.

ومنه السباب وهو كثرة السب، بأن يسبه المرة بعد المرة، ففي الحديث: " سباب المؤمن فسوق " فيؤخذ منه اتصاف فاعله بالفسق، ولا خبر بعد خبر رسول الله.

ومنه أن لا يحلف بطلاق، إذ المشروع، أي الذي أذن فيه الشرع الحلف بالله والصمت عن الحلف بغيره، ومن أفراد ذلك الحلف بالطلاق والحلف بالنبي وبالكعبة، وغير ذلك مما عظم شرعا، فلا يجوز الحلف بشيء من ذلك، ومصداق ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " من كان حالفا فليحلف بالله أول ليصمت ".

( ويجب عليه حفظ بصره عن النظر إلى الحرام، ولا يحل له أن ينظر إلى مسلم بنظرة تؤذيه، إلا أن يكون فاسقا فيجب هجرانه ) أي من الواجب على المكلف غض البصر أي كسر

(1/10)

وأن يحب لله ويبغض له ويرضى له ويغضب له، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

ويحرم عليه الكذب والغيبة والنميمة والكبر والعجب والرياء والسمعة والحسد والبغض ورؤية الفضل على

_________________________

العين عن النظر إلى جميع المحرمات كالنظر للأجنبية والأمرد على جهة اللذة، وليس في النظرة الأولى بغير تعمد حرج، أي إثم.

قال ابن القطان: الإجماع على أن العين لا يتعلق بها كبيرة، ولكنها أعظم الجوارح آفة على القلب وأسرع الأمور في خراب الدنيا والدين. اهـ

واعلم أنه لا يختص وجوب غض البصر عن المحرمات بما ذكر، بل يجب غضه عن النظر للغير على وجه الاحتقار ما لم يكن فاسقا، وأما إن كان فاسقا فيجب عليه أن يهجره إن لم يقدر على موعظته لشدة تجبره، أو كان يقدر عليها لكنه لا يقبلها لعدم عقل ونحو، وأما لو كان يتمكن من زجره وإبعاده عن فعل الكبائر بعقوبته بيده إن كان حاكما أو برفعه للحاكم أو بمجرد وعظه له وجب عليه زجره وإبعاده عن فعل الكبائر، ولا يجوز له تركه وهجره .

( ويجب عليه حفظ جميع جوارحه ما استطاع ) فيحفظ

(1/11)

الغير، والهمز واللمز، والعبث والسخرية، والزنا والنظر إلى الأجنبية والتلذذ بكلامها وأكل أموال

_________________________

العينين عن النظر إلى المحرمات، كالنظر إلى الأجنبية أو الأمرد على وجه الالتذاذ، ويحفظ الفرج عن الزنا واللواط، ويحفظ اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة، ويحفظ الأذن عن سماع الغيبة والنميمة، فالغيبة والنميمة يتعلق بهما الأمر من جهتين، جهة السماع وجهة التكلم بها، ومثل ذلك الكذب والقذف، ويحفظ اليدين عن تناول الحرام، والرجلين عن المشي إلى أماكن الخنا والفساد. ( وأن يحب لله ويبغض له ) وعد الله سبحانه وتعالى المتحابين لله بما لا تقدر العقول عن الإحاطة بكنه، ففي الحديث "يقول الله تعالى يوم القيامة أين المتحابون لأجلي؟ أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظل" ولا يعلم كنه هذا المنصب الرفيع إلا من قذف الله في قلوبهم نور المعرفة، وهم ورثة الشارع صلوات اله عليه، وإليه الإشارة بقوله تعالى: { في مقعد صدق عند مليك مقتدر } وقوله في بيانه أنه ظل عرشه، أو إنه في كناية عن الكرامة أو غير ذلك، فهذه نتائج أفكار لا تفي بالمرام. قوله: ( ويرضى له ويغضب له ) أي يفعل ما رضيى به الله وإن أسخط الناس وأغضبهم، ويغضب مما يغضب منه الله وإن أحبه

(1/12)

الناس بغير طيب نفس والأكل الشفاعة أو الدين وتأخير الصلاة عن أوقاتها.

ولا يحل له صحبة فاسق

_________________________

الناس وأرضاهم، فهو دائر مع رضا الله دوران المعلول مع العلة، فحيث وجدت العلة وجد المعلول وحيث انتفت [انتفى]، فكذلك للذي يغضب لله ويرضى له، حيث وجد ما فيه رضا الله رضي وإن غضب الناس، وحيث وجد ما فيه غضب الله غضب وإن أرضى الناس، وهذا من علو الهمة التي هي كمال الإيمان وزمام المعرفة.

( ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ) المعروف كل ما عرف من الشرع، والمنكر كل ما أنكره الشرع، كالسوائب والبحائر والوصائل والأزلام، فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من نصب لإقامة حدود الله وخدمة الشريعة الغراء، وأين هو في هذا الزمان، لأن الغرض الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر على جهة الإلزام، وهو من نصبه باعة المسلمين لأمر دينهم ودنياهم.

( ويحرم عليه الكذب والغيبة والنميمة ) الكذب هو الإخبار عن الشيء بخلاف ها هو عليه وهو من كبائر الذنوب لقوله تعالى: { ألا لعنة الله على الكاذبين } ومن علامات النفاق

(1/13)

ولا مجالسته لغير ضرورة. ولا يطلب رضا المخلوقين بسخط الخالق ، قال الله سبحانه وتعالى : { وَاللَّهُ

_________________________

لقوله صلى الله عليه وسلم: " علامات المنافق ثلاث: إذا حدث كذب.. " الحديث، وهو من آفات اللسان الذي يورد صاحبه الموارد، ففي الأثر أن عمر بن الخطاب دخل على أبي بكر الصديق فرآه يجذب لسانه، فقال له: ما هذا ؟ فقال: إنه أوردني موارد- يعني موارد السوء- فإذا كان هذا خبر الصديق الذي فضله فوق الثريا، وقد حرسه الله من السوء وأخبر عنه الصادق بمزيد الكمال الذي لا يوجد في غيره ممن طلعت عليه الشمس بعد الأنبياء، فما بالك بغيره. وقوله (والغيبة) وهي أن يقول في غيره ما يكره، أي من شأنه ذلك، فخرج ما إذا كان الإنسان يكره أن يذكر بطاعة، لأن هذا مدح، والمدح ليس شأنه ذلك كما جزم به النووي في أذكاره، وعليه فإذا مدحه بما يكره وليس فيه، فحرم من جهة أنه كذب لا من جهة أنه غيبة، قاله الأجهوري. وفي السنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره ". والمستمع لها كقائلها، فيجب على كل من سمعها أن ينهى الفاعل إن لم يخف منه، وإلا وجبت عليه مفارقته مع الإنكار بقلبه. ثم إذ الغيبة

(1/14)

وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ }. وقال عليه والسلام: " لا طاعة لمخلوق في معصية

_________________________

لها جهتان: إحداها من حيث الإقدام عليها، والأخرى من حيث أذية المغتاب، فالأولى تنفع فيها التوبة بمجردها، والثانية لابد فيها مع التوبة من طلب عفو المغتاب عن صاحبها، ولو بالبراءة المجهول متعلقها عند المالكية.

وقوله (والنميمة ) وهي نقل الكلام عن المتكلم به إلى غيره على وجه الإفساد، كأن يقول فلان يقول فيك كذا وكذا، فحقيقتها إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه.

( والكبر والعجب ) اعلم أن بداية الهداية إلى الصراط المستقيم والنهج القويم التواضع إلى [خَلق القوي والقدير]، ونهايتها الإخلاص، فمن كان في عمله مثقال ذرة من كبر أو عجب فقد حبط عمله وعد من الأخسرين أعمالا، وفي الحديث: " أنا أغنى الشركاء عن الشرك " وقال الله تعالى: { ألا له الدين الخالص } ولا يخفاك ما في نظم الآية الكريمة من أداة التنبيه وتقديم الخبر الذي ليس له نكتة إلا الحصر، على أن مقام العبودية يأبى كل ذلك، وفي الحديث: " أنتم بنو آدم، وآدم من تراب " فإذا كان الأصل واحدا من التراب الذي يوطأ

(1/15)

الخالق ".

ولا يحل له أن يفعل فعلاً حتى يعلم حكم الله فيه ويسأل العلماء ويقتدي بالمتبعين لسنة محمد

_________________________

بالأقدام فكيف يتكبر ويفتخر.

( والرياء والسمعة ) ما قيل في الكبر والعجب يقال فيهما، فالمال واحد.

( والحسد ) وهو تمني زوال نعمة الغير، وهو من كبائر الذنوب لما اشتمل عليه من أذية الحسود، بل لو أمعنت النظر لرأيت أن فيه اعتراضا على الله في أفعاله، وكأنه يقول: لم أعطيت هذا وحرمت هذا، ولم يدر أن الله حكيم لا يفعل إلا بمقتضى الحكمة، ومتصرف فلا يقع في ملكه إلا ما أراده وسبق به علمه، ومن كان بهذه الأوصاف لا اعتراض عليه في أفعاله. ( والبغض ) هو أن يبغض الناس لما يرى لهم من الفضل وليس هو في درجتم، وهو داء بالقلب يعبر عنه بالغل، كلما أتقدت ناره ازداد.

?( ورؤية الفضل على الغير ) في علم أو عمل أو رفعة أو مكانة أو غير ذلك مما يورث النفس عتوا وهو الذي أوقع إبليس اللعين في الحسرة حيث قال حين أمره الله بالسجود لآدم:

(1/16)

صلى الله عليه وسلم الذين يدلون على طاعة الله،

_________________________

{ قال أنا خير منه } ويجب على كل عاقل أن يتباعد عن هذا الوصف الذميم الذي ضره أقرب من نفعه لبئس هو.

( والهمز واللمز ) الهمز تعييب الإنسان بحضوره، واللمز تعيبيه بغيابه. وفي الحديث: "الهمازون واللمازون والمشاءون بالنميمة الباغون للبرآء العنت، يحشرهم الله في وجوه الكلاب" أي في صورة الكلاب، قال بعض الأئمة: وقد بحث عن فاعلها فلم يوجد إلا ولد زنى.

( والعبث ) أي اللهو واللعب، كلعب الشطرنج ونحوه من كل باطل. قال عليه الصلاة والسلام: " كل لهو يلهي المؤمن باطل إلا ثلاثة: ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب فرسه - أي تدريبها على الكر والفر - ورميه بقوسه ".

( والسخرية ) هي أن يرى غيره حقيرا فيعبث به أي يهزأ به ويحتقره، ويقرب من هذا ما يعبر عنه بالمزاح بكسر الميم، علله الأقفهسي بقوله: لأنه يؤدي إلى رفع الهيبة ويؤدي إلى الشر. وقال بعض الحكماء: لا تمازح الشريف فيحتقرك، ولا الدنيء فيتجرأ عليك، ويستعان على ترك هذه الأشياء بالخلوة ومجانبة الناس. انتهى .

(1/17)

ويحذرون من اتباع الشيطان. ولا يرضى لنفسه ما

_________________________

( والزنا ) أي مما يحرم على المكلف الزنا، لقول الله تعالى: { فأولئك هم العادون } أي المتجاوزون ما لا يحل لهم، فكل من ارتكب الزنا فقد تعدى وتجاوز ما لا يحل له، ومثله اللواط والاستمناء باليد. ( والنظر إلى الأجنبية والتلذذ بكلامها ) كل ذلك مما يحرم على الشخص، فيحرم عليه النظر إلى الأجنبية لغير الوجه واليدين، وإلى الوجه واليدين إن صاحب هذا قصد الالتذاذ، ويحرم عليه أيضا التلذذ بكلام الأجنبية.

( وأكل أموال الناس بغير طيب نفس ) وهو المعني بقوله تعالى: { ولا تأكلوا أموالكم بالباطل } وهو ما لا يباح شرعا.

( والأكل بالشفاعة ) وهو ما يأخذه الرجل من غيره على وجه شفاعة، سواء اشترطه الشافع على المشفوع له أم لا، ومن ذلك ما يأخذه كبير المسلمين على أن يخرجهم من موضع الخوف إل موضع الأمن.

( أو الدين ) مثال ذلك من أظهر الصلاح فيواسونه بالأموال لأجل أن تحصل لهم بركة ذلك الشخص على زعم أن هذا وصف حقيقي به، فيحرم عليه أخذ

(1/18)

رضيه المفلسون الذين ضاعت أعمارهم في غير طاعة الله تعالى،

_________________________

ما يعطونه لأنه لم يصادف محله. ( وتأخير الصلاة عن أوقاتها ) أي يحرم عليه ذلك من غير منازع، بل هو مما اتفق عليه وليس هناك من يقول بجواز ذلك. ( ولا يحل له صحبة فاسق ولا مجالسته لغير ضرورة ) أي يحرم عليه ذلك، وإذا كان الأمر كذلك فيجب عليه أن يهجره، لأن صحبته تورث القلب قسوة لمسارقة الأخلاق. ( ولا يطلب رضا المخلوقين بسخط الخالق ) أي لا يتبع أغراضهم طمعا لما في أيديهم في أمر يوجب سخط الله وغضبه، فالله ورسوله أحق بالرضا، قال الله سبحانه وتعالى: { والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين }، وقال عليه الصلاة والسلام: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ".

( ولا يحل له أن يفعل فعلا حتى يعلم حكم الله فيه ) أي ينبغي للإنسان - خصوصا العالم - أن لا يقدم على فعل أمر ولا يخطو خطوة إلا إن علم حكم الله فيما يفعله أو يخطر إليه، أي لا يكون محرما ولا مكروها ولا مباحا، بل إما واجبا أو مندوبا، لأن الإثابة لا تكون إلا في مقابلتها، والمراد لا تكون خطواته لغير ذلك، أي مما يكون أدنى من ذلك، فلا ينافي مرتبة

(1/19)

فيا حسرتهم ويا يطول بكائهم يوم القيامة.

_________________________

الكمال الذين لا يقصدون بخطواتهم ثوابا لا دنيويا ولا أخرويا. ( ويسأل العلماء ) أي فيما لم يهتد إلى حكم الله فيه.

( ويقتدي المتبعين لسنة محمد صلى الله عليه وسلم ) وهم من تذرعوا باليقين وغاصت أقدامهم في بحار الشريعة، فاستخرجوا نفائس الأحكام ومكارم الأخلاق ووسعتهم السنة فلم يعدلوا عنها إلى البدعة خوف الملامة، وقليل ما هم ( الذين يدلون على الله ويحذرون من اتباع الشيطان ) ففي الحديث: " لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ".

( ولا يرضى لنفسه ما رضيه المفلسون الذين ضاعت أعمارهم في غير طاعة الله تعالى ) المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وعليه من التبعات والحقوق ما يستأصل ما عمل، أي تستأصل جميع أعماله الخيرية، بل يطرح عليه من سيئات غيره، وحسبك قوله عليه الصلاة والسلام: " إنما المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وقد شتم هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطي

(1/20)

نسأل الله أن يوفقنا لاتباع سنة نبينا وشفيعنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

_________________________

هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإذا نفدت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم وطرح عليه، ثم طرح في النار" فهذا هو المفلس.

( فيا حسرتهم ويا طول بكائهم يوم القيامة ) ولات حين مناص، ولا تخلص ولا كرة إلى الدنيا حتى يتداركوا ما أفسدت يد الغفلات.

( نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لاتباع سنة نبينا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وسلم ) لاشك أن الله جدير وحقيق بالسؤال، فلا يقصد إلا جنابه ولا يطرق إلا بابه، نسأله حسن العاقبة ونعوذ به من سوء المنقلب، [بجاه الأمين سيد الأنبياء والمرسلين].

(1/21)

فصل في أقسام الطهارة

الطهارة قسمان: 1- طهارة حدث. 2- وطهارة خبث. ولا يصح الجميع إلا بالماء الطاهر المطر، وهو الذي لم يتغير لونه أو طعمه أو رائحته بما يفارقه غالباً

_________________________

( فصل في الطهارة ) الطهارة: مصدر طهر، بضم الهاء أو فتحها، وهي لغة: النظافة والنزاهة من الأدناس، وشرعا صفة حكمية توجب لموصوفه - أي الموصوف بها - جواز استباحة الصلاة به أوله.

( الطهارة قسمان طهارة حدث وطهارة خبث ) الطهارة في اصطلاح أهل الشرع صفة حكمية توجب لمن قامت به استباحة الممنوع منه بدونها: فإن كان الممنوع منه صلاة ونحوها فهي طهارة حدث: أي الطهارة منه، والحدث هو المنع القائم بالأعضاء لموجب من بول ونحوه أو جنابة أو حيض أو نفاس. وإن كان الممنوع منه بالنسبة لمن يريد الدخول في الصلاة ثوبا أو مكانا فهي طهارة خبث أي الطهارة منه.

( ولا يصح الجميع إلا بالماء الطاهر المطهر وهو الذي لم يتغير لونه أو طعمه أو رائحته بما يفارقه غالبا كالزيت والسمن

(1/22)

كالزيت والسمن والدسم كله والوذح والصابون والوسخ ونحوه، ولا بأس التراب والحماة والسبخة... ونحوه.

والدسم كله والوذح والصابون والوسخ ونحوه، ولا بأس بالتراب والحمأة والسبخة والخز ونحوه ) يعنى أنه يشترط في الماء الذي يستعمل في كل من الطهارتين، أي طهارة الحدث وطهارة الخبث، أن يكون طاهرا مطهرا، وهو الماء المطلق، كماء البحر وماء الآبار وماء الثلج والبرد، فمسلوب الطهورية لا يرفع حكم الحدث ولا حكم الخبث.

والذي يسلب الطهورية أحد أشياء : إما تغير اللون أو الطعم أو الريح.

والمغير لواحد من هذه الأوصاف الثلاثة، أي الطعم... إلخ، إما أن يكون مما يفارق الماء غالبا كالسمن ونحوه، وحينئذ يكون له دخل في سلب الطهورية ويسمى الماء مضافا، وإما أن يكون مما لا يفارق الماء غالبا كالسبخة ونحوها وحينئذ لا يسلب الطهورية فيستعمل في الوضوء ونحوه .

فصل

إذا تعينت النجاسة غسل محلها، فإن التبست غسل الثوب كله. ومن شك في إصابة النجاسة نضح، وإن أصابه

 ( فصل إذا تعينت النجاسة غسل محلها، فإن التبست غسل الثوب كله ) يعني أنه إذا أصاب الثوب مثلا نجاسة غير معفو عنها فلا يخلو إما أن يكون متحققا موضع الإصابة أم لا:

فإن كان متحققا موضع الإصابة فالأمر سهل فيقتصر في الغسل على موضع الإصابة ولا يطالب بغسل كل الثوب، لأنه لا يحكم بالنجاسة إلا على موضع الإصابة، وإن لم يتحقق موضع الإصابة فإنه يؤمر بغسل الثوب كله حتى يكون على يقين من طهارته لأنه لو اقتصر على غسل بعض منه احتمل أن يكون ما أصابه النجس غير ذلك البعض ولا يزال في شك، فالاقتصار على البعض لا يرفع الشك وإنما يرفعه غسل كل الثوب .

( ومن شك في إصابة النجاسة نضح، وإن أصابه شيء شك في نجاسته فلا نضح عليه ) استعمل كلامه على صورتين:

إحداها: تحقق الإنسان نجاسة شيء وشك هل أصابه ذلك الشيء

شيء شك في نجاسته فلا نضح عليه. ومن تذكر النجاسة وهو في الصلاة قطع إلا أن يخاف خروج

أي هل أصاب شيئا من متعلقاته كالثوب مثلا، أو لم يصبه، والواجب عليه حينئذ - أي حين [إذا] تحقق النجاسة وشك في الإصابة - نضح ما شك في إصابة النجاسة له.

ثانيتها: تحقق الإصابة وشك في نجاسة المصيب، أي دار الشك بين نجاسته وعدم نجاسته، والفرض أنه تحقق الإصابة، وفي هذه الصورة لا يطلب بشيء.

( ومن تذكر النجاسة وهو في الصلاة قطع، إلا أن يخاف خروج الوقت، ومن صلى بها ناسيا وتذكر بعد السلام أعاد في الوقت ) إزالة النجاسة واجب مع الذكر والقدرة:

فلو دخل الصلاة ناسيا النجاسة ولم يتذكر إلا بعد السلام أعاد في الوقت. وأما لو دخل الصلاة عالما بنجاسة ولم يتذكر إلا بعد السلام أعاد في الوقت. وأما لو دخل الصلاة عالما بنجاسة ثوبه أو بدنه أو مكانه وكان قادرا على إزالتها فإنه يعيا أبدا.

بقي ما إذا دخل في الصلاة ناسيا لنجاسة ما ذُكر من الثوب ونحوه، وتذكر في أثناء الصلاة فالمشهور أنه يقطع الصلاة ويخرج لإزالتها مطلقا،

الوقت. ومن صلى بها ناسياً وتذكر بعد السلام أعاد في الوقت.

_________________________

أمكنه النزع أم لا، [إن] كان في سعة من الوقت. أما إذ ضاق الوقت بحيث لو خرج لإزالة النجاسة ثم رجع إلى صلاته لخرج الوقت وجب عليه التمادي وحرم عليه القطع، لأن المحافظة على الوقت أولى.

(1/26)

فصل

فرائض الوضوء سبع: النية، وغسل الوجه، وغسل

_________________________

( فصل: فرائض الوضوء سبعة ) قدم الوضوء على الغسل لتكرره وتأسيا بالقرآن في قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة } إلخ.

والوضوء مشتق من الوضاءة وهي النظافة والحسن، والفرائض جمع فريضة بمعنى مفروضة. والوضوء بفتح الواو اسم للماء المعد للطهر، وبالضم اسم للفعل.

( النية ) هي قصد الشيء مقترنا بفعله، فإن كان ذلك الشيء وضوءا فينوي عند غسل الوجه استباحة الصلاة أو رفع الحدث [أو] الفريضة، ومحلها القلب وتكون عند أول مفعول كالوجه في الوضوء وعند تكبيرة الإحرام في الصلاة.

( وغسل الوجه ) مشتق من الوجاهة وهي الحسن لأنه أحسن الأعضاء، ولذا قيل فلان وجيه القوم إذا كان حسنا، وإنما عده المصنف من الفرائض لأن الله تعالى أمر بغسله في قوله: { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } الآية، وأمر من الله إن لم يقترن بالمعارض للوجوب.

وحده طولا منابت

(1/27)

اليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين إلى الكعبين، والدلك، والفور.

_________________________

شعر الرأس المعتاد إلى منتهى الذقن، وأما حده عرضا فمن الأذن إلى الأذن، وحينئذ فالأصلع وهو الذي انحسر شعر رأسه، لا يجب عليه غسل موضع ما انحسر عليه الشعر لأنه ليس من الوجه، والأغم الذي نزل شعره عن منبت الشعر المعتاد يجب عليه غسل ما نزل عن محل الشعر المعتاد لأنه من الوجه. ( وغسل اليدين إلى المرفقين ) غسل اليدين إلى المرفقين ثالث الفرائض، و(إلى) في كلام المصنف كالآية الكريمة بمعنى مع، وحينئذ يجب غسل اليدين مع المرفقين، فلو ترك غسلهما لم يكن آتيا بجميع ما يجب عليه ويكون وضوءه باطلا عند من يقول بدخول الغاية، وأن (إلى) كما قلنا بمعنى مع .

( ومسح الرأس ) هذا رابع الفرائض فيجب مسح جميع الرأس، فلو اقتصر على مسح بعضه لم يجز، والمسح على الوجه الأكمل أن يبدأ بمقدم رأسه حتى ينتهي إلى الجمجمة: أي إلى آخرها، والجمجمة عظم الرأس المشتمل على الدماغ، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة .

( وغسل الرجلين إلى الكعبين ) هذا خامس الفرائض

(1/28)

وسننه: غسل اليدين إلى الكوعين عند الشروع، والمضمضة، والاستنشاق، والاستنثار، ورد مسح

_________________________

فيجب غسل الرجلين إلى الكعبين، وهما العظمان الناتئان، أي البارزان عند مفصل الساقين، ويجب على المتوضئ، أن يتبع عقبيه لئلا يترك لمعة فيبطل وضوؤه، وفي الحديث: "ويل للأعقاب من النار" .

( والدلك ) هذا سادس الفرائض وهو الغسل مع صب الماء، وفي كونه واجبا لذاته أو لإيصال الماء للبشرة خلاف، والمشهور أنه واجب لذاته. ( والفور ) هذا سابع الفرائض، ومعنى الفور أن لا يفرق بين أعضائه في الغسل بزمن طويل، بمعنى أنه يوال بعضها بعض بحيث لا يتراخى حتى تجف أعضاؤه، وحكى بعضهم أن المعتبر في الطول العرف فما يعده العرف طولا يعتبر طولا، وما لا يعده طولا فلا يعتبر طولا، قائلا: إن الجفاف يختلف باختلاف الأبدان والأزمان فلا يحدد الطول به، أي بجفاف الأعضاء.

( وسننه غسل اليدين إلى الكوعين عند الشروع ) أي من السنة غسل اليدين أولا، وإنما قدمت السنة على الفرض الذي هو غسل الوجه اتباعا له عليه الصلاة والسلام في فعله ذلك

(1/29)

الرأس، ومسح الأذنين، وتجديد الماء لهما، والترتيب بين الفرائض.

ومن نسي فرضاً من أعضائه: فإن تذكره

_________________________

وقيل إنما قدمت لأجل اختبار الماء، فاليدان يختبر بهما اللون، والمضمضة يختبر بها الطعم، والاستنشاق يختبر به الريح.

( والمضمضة والاستنشاق ) كون المضمضة والاستنشاق سنة: أي كل منهما سنة، هو المعروف من المذهب، وذهب بعض المتأخرين إلى أنها فضيلة كل منهما فضيلة، والأفضل أن يكون كل منهما بثلاث غرفات.

( والاستنثار ) وهو إخراج الماء بريح الأنف، وصفة ذلك أن يضع أصبعيه السبابة والإبهام من يده اليسرى على ما لان من أنفه ماسكا له، ويخرج الماء بريح أنفه، هذا هو السنة.

( ورد مسح الرأس ) أي أن الرد بعد المسح الذي هو فرض، سنة.

( ومسح الأذنين وتجديد الماء لهما ) أي كل منهما سنة مستقلة، فالمسح سنة على حدة، وتجديد الماء لهما سنة على حدة، وصفة المسح أن يمسح ما يلي الوجه بالسبابتين وما يلي الرأس بالإبهامين.

(1/30)

بالقرب فعله وما بعده، وإن طال فعله وحده وأعاد ما صلى قبله. وإن ترك سنة فعلها ولا يعيد الصلاة. ومن نسى لمعة غسلها وحدها بنية وإن صلى قبل ذلك

_________________________

( والترتيب بين الفرائض ) أي من السنة أن يرتب بين أعضاء وضوئه، فيغسل الوجه قبل اليدين، واليدين قبل مسح الرأس، ومسح الرأس قبل غسل الرجلين، فالتنكيس على هذا القول خلاف السنة، فلو غسل يديه قبل وجهه كان تاركا السنة، وروي عن مالك أنه واجب وعليه فلو نكس بأن غسل يديه قبل وجهه كان وضوؤه باطلا إن لم يأت بالمنكس ثانيا، والله أعلم.

( ومن نسى فرضا من أعضائه، فإن تذكره بالقرب فعله وما بعده، وإن طال فعله وحده وأعاد ما صلى قبله ) لا يخلو حال الشخص المتوضئ، من أمرين إذا تذكر أنه نسى شيئا من فرائض وضوئه: إما أن يكون التذكر عن قرب بأن تذكر قبل أن تجف أعضاء وضوئه، وإما أن يتذكر بعد أن يطول الزمن بين الوضوء والتذكر، وفي إطالة الأول يطالب بغسل ما تركه من الفرائض وما بعده إلى أن يتم أعضاء الوضوء، وفي الحالة الثانية يقتصر على غسل المتروك ليس إلا ويعيد صلاته التي قد صلاها قبل التذكر إن كان قد صلى قبل إتيانه بالمتروك.

(1/31)

أعاد.

ومن تذكر المضمضة والاستنشاق بعد أن شرع في الوجه فلا يرجع إليهما حتى يتم وضوءه.

_________________________

( وإن ترك سنة فعلها ولا يعيا الصلاة ) فتارك سنة من سنن الوضوء إنما يطالب بفعلها لما يستقبل من الصلاة إن أراد أن يصلي بذلك الوضوء الذي ترك شيئا من سننه، ولا يطالب بإعادة ما صلى حين الترك لخفة الأمر في ترك السنة لأنها من المكملات، بخلاف الفرض فإنه مما تتوقف عليه حقيقة الشيء لكونه جزءا منها.

( ومن نسي لمعة غسلها وحدها بنية، وإن صلى قبل ذلك أعاد ) حكم اللمعة حكم العضو بتمامه في وجوب الغسل وإعادة ما فعل من الصلاة قبل الغسل، ولابد مع الغسل من نية رفع الحدث عن ذلك المتروك.

( ومن تذكر المضمضة والاستنشاق بعد أن شرع في الوجه فلا يرجع إليهما حتى يتم وضوءه ) فإذا تمم وضوءه رجع إلى فعلهما، وإنما لم يرجع إليهما حين التلبس بالفرض لما يلزم على ذلك من الرجوع من الفرض إلى السنة ولا قائل بذلك.

(1/32)

وفضائله: التسمية، والسواك، والزائد على الضربة الأولى في الوجه واليدين، والبداية بمقدم الرأس،

_________________________

( وفضائله: التسمية ) بأن تذكر اسم الله قبل الشروع في الفعل. ( والسواك ) لما ورد في فضله من الأحاديث ويكون الاستياك بعيدان [الأشجار] غير المكروه منها، كعيدان الرمان والريحان. ( والزائد على الغسلة الأولى في الوجه واليدين ) المشهور أن الغسلة الثانية والثالثة في الوجه واليدين فضيلة، ولذا عد المصنف الزائد على الفرض في الفضائل وقيل الثانية سنة والثالثة فضيلة. وعن الإمام أشهب أن الغسلة الثانية فرض. وإنما خص الفضيلة بالزائد على الأولى بالوجه واليدين دون الرجلين لأن أكثر العلماء قائل بعدم التحديد في غسل الرجلين بعدد مخصوص بل المدار على الاتقاء لكونهما محل الأوساخ. ( والبداية بمقدم الرأس ) هذا هو المشهور، وحكى ابن رشد قولا بالسنية. ( وترتيب السنن ) المعدود من الفضائل ترتيب السنن بعضها مع بعض، وأما ترتيبها مع الفرائض فقد قيل بسنيته وهو منقول عن ابن حبيب، وذهب غيره إلى أن ذلك من الفضائل، وإليه يشير كلام المختصر حيث قال: وترتيب سننه أو مع فرائضه، فحكم على كل من الترتيبين بالفضيلة. ( وقلة الماء على العضو )

(1/33)

وترتيب السنن، وقلة الماء على العضو، وتقديم اليمنى على اليسرى. ويجب تخليل أصابع اليدين، ويستحب في أصابع الرجلين. ويجب تخليل اللحية الخفيفة في

_________________________

ولكن مع الإحكام، فحيث لا إحكام لا فضيلة، بل إن أسبغ الأعضاء فوضوؤه صحيح وفاتته الفضيلة، وإن لم يسبغ الأعضاء فقد فاته الواجب والمنوب وبطل وضوؤه

( وتقديم اليمنى على اليسرى ) لما ورد من الأحاديث التي منها قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا توضأ أحدكم فليبدأ بميامنه "

?( ويجب تخليل أصابع اليدين ويستحب في أصابع الرجلين ) لما كان التخليل مختلف الحكم باختلاف أعضاء المتوضئ، ولو أطلق الحكم وعده من الفضائل بأن قال وتخليل الأصابع لأوهم أنهم فضيلة في كل الأصابع لا فرق بين أصابع اليدين والرجلين، ولذا نص المصنف على محل الفضيلة ومحل الوجوب لأجل أن يرتفع ذلك الإيهام، فلله دره عالما.

( ويجب تخليل اللحية الخفيفة في الوضوء دون الكثيفة، ويجب تخليلها في الغسل ولو كانت كثيفة ) حكم اللحية يختلف بالنسبة للوضوء والغسل، فحكمها في الوضوء وجوب التخليل

(1/34)

الوضوء دون الكثيفة، ويجب تخليلها في الغسل ولو كانت كثيفة.

_________________________

إن كانت خفيفة، ونعني بالخفيفة ما تظهر البشرة تحتها بحيث ترى عند المواجهة، بخلاف الكثيفة، وهي ما لا تظهر البشرة تحتها فلا يجب [تخليلها] بل يكفي غسلها ومرور اليد عليها إلى منتهى الشعر، هذا التفصيل بالنسبة للوضوء، وأما بالنسبة للغسل فيجب تخليلها مطلقا لا فرق بين خفيفة وكثيفة.

(1/35)

فصل

نواقض الوضوء أحدث وأسباب: فالأحداث:

_________________________

( فصل: نواقض الوضوء: أحداث وأسباب )

الأحداث جمع حدث، وهو ما ينقض بنفسه، وهو ما يخرج من أحد المخرجين كالبول والمني في بعض صوره.

والأسباب جمع سبب، وهو ما لا ينقض الوضوء بنفسه ولكن بما يؤدي إلى الحدث من زوال العقل ولمس من تشتهى ومس الذكر... إلخ .

( فالأحداث: البول والغائط والريح والمذي والودي ) فالذي يخرج من القبل: البول والودي والمذي، فيجب الوضوء بسبب خروج واحد من هذه الأشياء إن كان خروجه على وفق العادة، فإن خرج على خلاف العادة كالسلس في بعض أحواله فلا يجب منه الوضوء. والذي يخرج من الدبر الغائط والريح، فيجب الوضوء بسبب خروج واحد منها بشرط أن يكون الريح من الدبر لا من القبل ولا من فرج المرأة، فلا نقض بالريح الخارج منهما، ويشترط في الغائط أن يكون من الدبر لا من ثقب، ولو تحت المقعدان لم تضر كالمخرج المعتاد، ويجب أيضا الوضوء من المني في بعض أحواله وهو ما إذا خرج للذة غير معتادة.

(1/36)

البول والغائط والريح والمذي والودي. والأسباب: النوم الثقيل، والإغماء، والسكر، والجنون،

_________________________

( والأسباب: النوم الثقيل والإغماء والسكر والجنون ) أي من الأسباب التي تؤدي إلى نقض الوضوء: النوم ويشترط فيه أن يكون ثقيلا وهو ما يزيل التمييز ويذهب الشعور ولا يدري صاحبه بما فَعَل. ومنها الإغماء وهو مرض في الرأس، قال الإمام مالك: ومن أغمي عليه فعليه الوضوء. ومنها السكر ولو سكر بحلال كمن شرب لبنا يعتقد أنه غير مسكر فسكر منه. ومنها الجنون ولا فرق بين كونه طبعا أو من الجن، ولا يخفى أن ذلك في جنون يتقطع لا إن كان مطبقا فلا يحكم عليه بشيء. وإنما وجب الوضوء من هذه الثلاثة؛ أعني الإغماء والسكر والجنون، لأنه لما وجب بالنوم مع كونه أخف حالا من هذه الثلاثة لأنه يزول بيسير الانتباه، كان وجوبه بهذه الثلاثة أولى لأنها أدخل في استتار العقل. ( والقبلة ولمس المرأة إن قصد اللذة أو وجدها ) أي من الأسباب التي تؤدي، إلى نقض الوضوء: القُبلة بضم القاف، بمعنى التقبيل، وظاهر المصنف حيث لم يقيدها بقصد اللذة، أنها تنقض مطلقا سواء مع قصد اللذة أو لا، وسواء قبلة الفم أو غيره،

(1/37)

والقبلة، ولمس المرأة إن قصد اللذة أو وجدها، ومس الذكر بباطن الكف أو بباطن الأصابع.

_________________________

والذي يجري على التحقيق: أن القبلة في الفم تنقض مطلقا، قصد الالتذاذ أم لا، لأنها مظنة الالتذاذ أي لا تنفك عنه غالبا، ما لم تكن قرينة صارفة اللذة كقبلة صغيرة [لا] يلتذ بها على قصد الرحمة أو ذات محرم على سيبل الوداع. وأما على غير الفم فتجري على حكم اللمس، ويأتي فيها ما يأتي فيه التفصيل الذي يذكره في قوله: (ولمس المرأة إن قصد اللذة أو وجدها) لا مفهوم للمرأة، بل مثلها الذكر الأمرد. والذي يقال في قبلة غير الفم وفي اللمس: أن اللامس أو المقبل في غير الفم إن قصد اللذة ووجدها كان ذلك موجبا للوضوء، وأولى إن قصد ووجد إن كان الملموس من يلتذ به عادة، هكذا حكم اللامس. وأما الملموس فإن كان بالغا والتذ انتقض وضوؤه وإلا فلا شيء عليه ما لم يقصد اللذة فيصير لامسا. ( ومس الذكر بباطن الكف أو باطن الأصابع ) أي ويجب الوضوء من مس الذكر لما في الموطإ وغيره: " إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ " وأما حديث: " هل هو إلا بضعة منك " متكلم فيه لأنه روي عن طلق وقد قالوا فيه إنه من المرجئة

(1/38)

ومن شك في حدث وجب عليه الوضوء، إلا أن يكون موسوساً فلا شيء عليه.

ويجب عليه غسل الذكر

_________________________

فيسقط حديثه.

وسواء كان المس بباطن الكف أو بباطن الأصابع أو بجنبيهما، ويدخل في ذلك رؤوس الأصابع فإنها من جملة الجنب، و(ال) في الذكر للعهد، والمعهود ذكر نفس، لا فرق بين كونه متعمد للمس أو ساهيا، والتذاذ لامسه من الكمرة أو من غيرها.

وأما مس ذكر غيره فلا ينقض به إن قصد اللذة أو وجدها.

( ومن شك في حدث وجب عليه الوضوء، إلا أن يكون موسوسا فلا شيء عليه ) أي من موجبات الوضوء الشك في الحدث لمن تيقن الطهارة وشك في الحدث، وأولى من شك فيهما معا أي الشك في الطهارة والحدث، أو تيقنهما معا أي الطهارة والحدث وشك في السابق منهما، ما لم يكن مستنكحا، أما إن كان مستنكحا أي داخله الشك وكثرت وساوسه فلا شيء عليه.

?( ويجب غسل الذكر كله من المذي، ولا يغسل الأنثيين، والمذي هو الماء الخارج عند الشهوة الصغرى بتفكير أو نظر

(1/39)

كله من المذي، ولا يغسل الأنثيين. والمذي هو الماء الخارج عند الشهوة الصغرى بتفكر أو نظر أو غيره.

_________________________

أو غيره ) يعني أن مما يوجب الوضوء، [وشيئا] آخر: المذي بسكون الذاي وهو ماء أبيض رقيق يخرج عند اللذة بالإنعاظ أي قيام الذكر بسبب الملاعبة أو التفكير، فموجبه شيئان: وجوب الوضوء، وغسل الذكر كله بنية، فغسل بعضه غير كاف وكذلك غسل الكل بلا نية.

(1/40)

فصل

لا يحل لغير المتوضئ: صلاة، ولا طواف، ولا مس نسخة القرآن العظيم ولا جلدها، لا بيده ولا بعود ونحوه، إلا الجزء منها المتعلم فيه، ولا مس لوح

_________________________

( فصل: لا يحل لغير المتوضئ صلاة ولا طواف ولا مس نسخة القرآن العظيم ولا جلدها، لا بيده ولا بعود ونحوه، إلا الجزء منها المتعلم فيه ) كل عبادة مشروطة بشرط يحرم التلبس بها بدون ما شرط فيها، لأنه يكون حينئذ متلبسا بعبادة فاسدة، وكل ما كان كذلك فهو حرام. إذا علمت ذلك علما، فاعلم أنه يحرم الدخول في الصلاة بدون طهارة، ومثلها كل ما كانت الطهارة شرطا، كالطواف ومس المصحف، إلا أنهم اغتفروا عدم حرمة المس لبعض المصحف لضرورة التعليم، فيجوز للمتعلم أن يمس جزءا من المصحف للعلة التي ذكرناها وهي ضرورة التعليم.

( ولامس لوح القرآن العظيم على غير وضوء إلا المتعلم فيه أو معلم يصححه ) أي لا يخرص في مس اللوح الذي فيه آيات من القرآن بدون وضوء إلا لمن كان متعلما لضرورة التعلم أو كان معلما ولكن كان الداعي لمسه تصحيح ما فيه من

(1/41)

القرآن العظيم على غير الوضوء إلا لمتعلم فيه أو معلم يصححه، والصبي في مس القرآن كالكبير والإثم على مناوله له.

ومن صلى بغير وضوء عامداً فهو كافر والعياذ بالله.

_________________________

آيات القرآن، هذا هو الذي عناه المصنف رحمه الله.

( والصبي في مس القرآن كالكبير، والإثم على مناوله له ) لما كان مس المصحف بدون وضوء حراما، ويستوي في ذلك الصبي والبالغ من حيث عدم جواز المس، وكان تعلق الإثم بالبالغ ظاهرا، لأنه مكلف، وكل مكلف لو خالف ما أمر به يكونون آثما، ولكنه مشكل بالنسبة للصبي لعدم تكليفه، نبه على ذلك المصنف بقوله: (والإثم على من ناوله ذلك).

( ومن صلى بغير وضوء عامدا فهو كافر والعياذ بالله ) قد أمر الله سبحانه وتعالى كل من أراد القيام إلى الصلاة بالوضوء بقوله: { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } الآية، والأمر من الله إيجاب وتكليف يجب تصديقه والإيمان به والعمل على مقتضاه، فمن تهاون في ذلك واستخف به فهو ممقوت من قبل الشارع، غير محترم، محكوم عليه بالكفر لتهاونه بأوامر الله وعدم الخضوع لها بالإذعان والقبول، وهو أيضا مطرود عن أهل القبلة والجماعة، نعوذ بالله من سوء العاقبة .

(1/42)

فصل

يجب الغسل من ثلاثة أشياء: الجنابة والحيض والنفاس.

_________________________

( فصل: يجب الغسل من ثلاثة أشياء: الجنابة والحيض والنفاس )

هذا الفصل معقود لبيان موجبات الغسل، أي الأشياء التي يكون حصولها موجبا للغسل ومقتضيا له، وهي ثلاثة أشياء: الجنابة، والحيض، والنفاس.

فالجنابة من التجنب، وهو البعد، ومنه الجار الجنب أي البعيد، ولما كان المتصف بمعنى الجنابة بعيدا عن العبادة سمي جنبا لهذا المعنى الملحوظ فيه.

( فالجنابة قسمان: أحدها خروج المني بلذة معتادة في نوم أو يقظة، بجماع أو غيره ) فالجنابة أي الوصف القائم بالشخص المانع له من استباحة ما شرطت فيه الطهارة، كالصلاة، له سببان: أحدها: خروج المني مطلقا في نوم أو يقظة، بجماع أو غيره، فخروج المني بلذة معتادة في نوم أو يقظة بجماع أو غيره موجب للغسل، والمني ماء أبيض خاثر يجمع مع اللذة الكبرى، رائحته كرائحة الطلع أو كرائحة العجين. ( الثاني مغيب

(1/43)

فالجنابة قسمان:

أحدهما خروج المني بلذة معتادة في نوم أو يقظة بجماع أو غيره.

والثاني: مغيب الحشفة في الفرج.

ومن رأى في منامه كأنه يجامع ولم

_________________________

الحشفة في الفرج ) يعنى أن الثاني من موجبات الغسل مغيب الحشفة أو قدرها من مقطوعها في الفرج، وإن لم ينزل، لما روي من قوله عليه الصلاة والسلام: " إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل "، وقوله : " إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل " أي ختان الرجل وخفاض المرأة، وإنما سميا ختانين من باب التغليب، وسواء في ذلك فرج الآدمية والبهيمة، وكذلك مغيبها في الدبر موجب الغسل بشرط الطاقة، ويجب على المفعول به حيث كان بالغا، لحمله على الفاعل في الحد والغسل .

( ومن رأى في منامه يجامع ولا يخرج منه شيء فلا شيء عليه ) لأن الغسل في غير الجماع منوط بخروج المني، وأما الجماع فليس الغسل فيه منوطا فيه بالإنزال بل المدار على مغيب الحشفة كما تقدم وإن لم ينزل.

(1/44)

يخرج منه مني فلا شيء عليه.

ومن وجد في ثوبه منياً يابساً لا يدري متى أصابه اغتسل وأعاد ما صلى من آخر نومه نامها فيه.

_________________________

( ومن وجد في ثوبه منيا يابسا لا يدري متى أصابه اغتسل وأعاد ما صلى من أخر نومة نامها فيه ) فواجب الذي تبرأ به الذمة أن يعيد جميع ما صلى من آخر نومة نامها بعد أن يغتسل .

(1/45)

فصل

فرائض الغسل: النية عند الشروع، والفور، والدلك، والعموم.

وسننه: غسل اليدين إلى الكوعين كالوضوء،

_________________________

( فصل : فرائض الغسل، النية عند الشروع والفور والدلك والعموم )

يعني أن الغسل الذي يستباح به كل ما يتوقف على الطهارة بجعل الشارع الطهارة له لا يتحقق ولا يعتد به شرعا إلا بأربعة أمور: أولها النية عند الشروع وهو أن ينوي فرائض الغسل أو استباحة الممنوع أو رفع الحدث الأكبر. وثانيها الفور وهو أن يأتي بالغسل في فور واحد - أي في وقت- فلا يترك غسل العضو حتى يجف العضو الآخر. وثالثها: الدلك وهو مس الأعضاء بعد صب الماء عليها حتى يتحقق وصول الماء للبشرة. ورابعها تعميم الجسد بالماء بحيث لا يترك شيئا منه، ويجب عليه أن يتعهد ما غار من جسده مما ينبو عنه الماء، فيتعهد أذنيه بأن يأخذ الماء في كفه ثم يميل أذنه على كفه ويغسلها ولا يصب الماء فيها لما في ذلك من ضرر، ويتعهد إبطيه ومرفقيه وسرته.

(1/46)

والمضمضة والاستنشاق والاستنثار، وغسل صماخ الأذن وهي الثقبة الداخلة في الرأس، وأما صفحة الأذن فيجب غسل ظاهرها وباطنها.

_________________________

( وسننه غسل اليدين إلى الكوعين كالوضوء، والمضمضة والاستنشاق والاستنثار وغسل صماخ الأذن، وهي الثقبة الداخلة في الرأس، وأما صحفة الأذن فيجب غسل ظاهرها وباطنها ) ليس كلام المصنف آتيا على الأقوال أنها ثلاثة كما نقل ذلك القرافي عن القاضي عياض، ومنهم من يعدها أربعة، ومنهم من يعدها خمسة كما ذهب إليه المصنف رحمه الله.

( وفضائله البداءة بغسل النجاسة، ثم الذكر فينوي عنده، ثم أعضاء الوضوء مرة، ثم أعضاء جسده، وتثليث غسل الرأس، وتقديم شق جسده الأيمن، وتقليل الماء على الأعضاء ) يعني أن مكملات الغسل أي التي يكون بها على أكمل الوجوه، وليست داخلة في حقيقته حتى لا يتحقق ولا يحصل إلا بها، بل هي محصلة صفة الكمال، ولذا عدت في الفضائل: أن يبدأ المغتسل بإزالة ما على بدنه من الأذى، ثم يسمي الله، وينوي عند التسمية رفع الحدث الأكبر، ثم يغسل فرجه بنية رفع الحدث حتى لا

(1/47)

وفضائله: البداية بغسل النجاسة، ثم الذكر فينوي عنده، ثم أعضاء الوضوء مرة مرة، ثم أعلى جسده، وتثليث غسل الرأس، وتقديم شق جسده الأيمن، وتقليل الماء على الأعضاء.

ومن نسي لمعة أو عضوا من

_________________________

يحتاج إلى غسله مرة ثانية إذا وصل إلى محله في أثناء غسله، ثم يتوضأ بأن يغسل أعضاء وضوئه مرة مرة، وفي كونه يتمم وضوءه ويغسل رجليه أو يؤخرها إلى آخر الغسل خلاف مشهور، قال بعضهم الأول، وقال بعضهم بالثاني، ثم يثلث غسل رأسه، ثم يقدم في الغسل الأعالي قبل الأسافل، والميامن قبل المياسر، ثم في حال الغسل يتناول القليل من الماء مع الإحكام.

( ومن نسي لمعة أو عضوا من غسله بادر إلى غسله حين تذكره ولو بعد شهر وأعاد ما صلى قبله، وإن أخره بعد ذكره بطل غسله، فإن كان في أعضاء الوضوء وصادفه غسل الوضوء أجزأه ) قد علمت أن الواجب على كل من وجب عليه الغسل لموجب من الموجبات من جنابة أو حيض إلى آخر الموجبات، أن يغسل جميع جسده، بحيث لو ترك عضوا أو لمعة عمدا يكون غسله باطلا.

بقي ما إذا كان الترك لشيء من ذلك نسيانا،

(1/48)

غسله، بادر إلى غسل حين تذكره ولو بعد شهر، وأعاد ما صلى قبله، وإن أخره بعد ذكره بطل غسله. فإن كان في أعضاء الوضوء وصادفه غسل الوضوء أجزأه.

_________________________

والواجب عليه حينئذ، أي حين ما يذكر المتروك من لمعة أو عضو، أن يبادر بغسل ذلك حتى يتم غسله، فوقت التذكر بالنسبة للناسي معتبر كوقت التلبس بالفعل، سيما وقد عدوا الفور من فرائض الغسل، فإذا ترك ما وجب عليه من المبادرة بغسل المتروك فقد بطل غسله، وعلى كل حال إن صحح غسله بأن فعل المتروك، أو أبطله بأن ترك غسل المتروك من لمعة أو عضو لابد من إعادة ما فعله من الصلوات بذلك الغسل بعد أن يأتي بغسل آخر ويأتي بما تركه من لمعة أو عضو فورا.

(1/49)

فصل

لا يحل للجنب دخول المسجد، ولا قراءة القرآن إلا الآية ونحوها للتعوذ ونحوه. ولا يجوز لمن لا يقدر

_________________________

( فصل لا يحل للجنب دخول المسجد، ولا قراءة القرآن العظيم إلا الآية ونحوها للتعوذ ونحوه )

يعني أن الجنب ممنوع من قبل الشرع من دخول المجسد، لأن المسجد بيت الله ليس لأحد فيه قدم إلا لأجل العبادة، [والخبث] حين تلبسه بالجنابة ليس من أهلها، للمانع الذي قام به، وأيضا داخلُ المسجد داخلٌ في حضرة الرب طالبٌ مناجاته، لما ورد " المصلي يناجي ربه" وأنى يكون الجنب بهذه الأوصاف الشريفة مع وجود منافيها.

وهو أيضا أي الجنب ممنوع من قراءة القرآن، لأن القارئ يخاطب الرب سبحانه وتعالى، والجنب ليس أهلا لذلك، ومصدر ذلك الأحاديث الصحيحة، فقد ورد أن القارئ يناجي ربه، وقد اغتفر له العلماء قراءة الشيء اليسير لأجل التعوذ أو لأجل الاستدلال كأن لو سئل عن حكم من الأحكام فاستدل عليه بآية من القرآن.

( ولا يجوز لمن لا يقدر على الماء البارد أن يأتي زوجته حتى يعد الآلة، إلا أن يحتلم فلا

(1/50)

على الماء البارد أن يأتي زوجته حتى يعد الآلة، إلا أن يحتلم، فلا شيء عليه.

_________________________

شيء عليه ) يعني أن من خاف من استعمال الماء البارد حدوث ضرر أو زيادته لا يجوز له الوطء لزوجته، بمعنى أنه ممنوع من وطء زوجته لما يلزم على ذلك من نقله من الغسل بالماء إلى التيمم، والتيمم رخصة شرعت للعذر، وليس الوطء عذرا، إلا أن يتضرر بذلك أي بترك الوطء وحينئذ يجوز له الإقدام على الوطء ويتيمم، ويجوز له الوطء أيضا إن وجد ما يزيل به ضرر الماء البارد أو وجد أجرة الحمام.

وأما إن حصلت له الجنابة باحتلام فلا شيء عليه، وينتقل للتيمم من غير منع.

(1/51)

فصل في التيمم

ويتيمم المسافر في غير معصية، والمريض لفريضة أو نافلة. ويتيمم الحاضر الصحيح للفرائض إذا خاف

_________________________

( فصل في التيمم: ويتيمم المسافر في غير معصية، والمريض لفريضة أو نافلة ) لاشك أن الشارع أمر بالمحافظة على الصلوات بقوله تعالى : { حافظوا على الصلوات } وجعل لها شروطا وآدابا، فمن شروطها الطهارة فلا تتأدى إلا بها، وفي الحديث: " مفتاحها الطهور "، والطهارة لا تحمل إلا باستعمال الماء المطلق الخالي عن الأوصاف التي تسلبه الطهورية، ولكنه سبحانه لم يضيق على المكلفين حتى إن الطهارة لا تحصل إلا بالماء سواء وقت الصحة ووقت المرض، ووقت السفر ووقت الحضر، ووقت وجود الماء ووقت عدمه، بل نفى عنهم الحرج والضيق فقال: {وما جعل عليكم في الدين من حرج } بل جعل لنا ملة حنيفة سمحاء وبينت لنا السنة المطهرة ما يجب علينا في أوقات الأعذار وما لا يجب علينا، وما رخص لنا فيه وما لم يرخص لنا فيه، واقتفت أثر ذلك الأئمة الأعلام ودونوا في ذلك

(1/52)

خروج وقتها. ولا يتيمم الحاضر الصحيح لنافلة ولا جمعة ولا جنازة إلا إذا تعينت عليه الجنازة.

وفرائض التيمم: النية، والصعيد الطاهر، ومسح

_________________________

الكتب الكافية.

إذا علمت ذلك فلنذكر لك أن من الرخص التيمم، وهو لغة القصد، ومنه قوله تعالى: { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } أي لا تقصدوه، وشرعا طهارة ترابية تستعمل في الوجه والكفين. ومندوحتها، أي الطهارة الترابية، أي الأمور المجوزة لها: السفر المباح أي الخالي عن المعاصي كسفر الحج والتجارة والسفر لطلب العلم، وليس السفر بمجرده كافيا في إباحة التيمم حتى إن كان مسافر يرخص له في التيمم، بل لابد معه من فقد الماء الكافي أو وجوده مع الحاجة إليه لإحياء محترم، وكذلك المرض، فالمريض الذي لا يقدر على استعمال الماء، أي فاقد القدرة على استعماله أو كان قادرا على الاستعمال ولكنه يخاف تأخر المرض أو زيادته فرضه التيمم، ويتيمم لجميع الصلوات سواء الفرض أو النفل، وليست الرخصة في حقه قاصرة على الفرض. وأما الحاضر الصحيح الذي يقدر على استعمال الماء وواجد له وخاف إذا استعمل الماء خروج

(1/53)

الوجه، ومسح اليدين إلى الكوعين، وضربة الأرض الأولى، والفور، ودخول الوقت، واتصاله بالصلاة.

والصعيد: هو التراب والطوب والحجر، والثلج

_________________________

الوقت، والشرع ندب إلى المحافظة على الصلاة في وقتها، فيسوغ له أن يأتي بطهارة ترابية، ولكن يقتصر على الصلاة المفروضة دون النافلة فلا يتيمم لها، ودون الجمعة فلا يتيمم لها أيضا لأن لها بدلا وهو الظهر، ودون الجنازة فلا يتيمم لها أيضا إلا إذا تعينت عليه بأن لا يوجد غيره وفقد الماء وإذا انتظرنا وجود الماء تغيرت فإنه يتيمم ويصلي عليها.

( وفوائض التيمم: النية، والصعيد الطاهر، ومسح الوجه، ومسح اليدين إلى الكوعين، وضربة الأرض الأولى، والفور، ودخول الوقت، واتصاله بالصلاة ) وقد علمت أن التيمم واجب في عدم الماء أو عدم القدرة على استعماله، وله واجبات وسنن ومندوبات.

فواجباته النية، وهو أن ينوي استباحة الصلاة، ولا ينوي رفع الحدث لأن الحدث لا يرتفع بالتيمم. والصعيد الطيب: أي قصده بأن يقصد الصعيد الطاهر، لقول الله تعالى : { فتيمموا صعيدا طيبا } أي طاهرا فيمسح

(1/54)

والخضخاض ونحو ذلك. ولا يجوز بالجص المطبوخ، والحصير والخشب والحشيش ونحوه، ورخص للمريض في حائط الحجر والطوب إن لم يجد

_________________________

به وجهه ويديه: أي يمسح بما التصق به وجهه ويديه، أي من واجبات التيمم الصعيد الطاهر وهو المعني بالطيب في الآية على ما فسر به مالك وجماعة من الصحابة. وهو على كل ما صعد على وجه الأرض، من تراب أو رمل أو حجارة أو ملح أو شب أو كبريت أو نحاس أو حديد وسائر المعادن، إلا معدن الذهب والفضة والجواهر ونحوها مما لا يقع به التواضع فلا يصح التيمم على كل شيء منها، إلا أن الملح ونحوه كالشب والكبريت والمعادن التي يجوز التيمم عليها لا يتيمم عليها إلا في مواضعها أو نقلت عن مواضعها ولم تصر في أيدي الناس كالعقاقير، وإلا فلا يجوز التيمم عليها.

وإذا كان الواجب عليه مسح الوجه واليدين إلى الكوعين، فيلزمه تعميم الوجه كله بالمسح كما يعممه في الوضوء بالماء، ويلزمه أيضا مسح يديه إلى الكوعين ظاهرهما وباطنهما ويخلل أصابعهما، وأما مسحهما إلى المرفقين فمن السنن. ومن واجباته الضربة الأولى، وليس المراد

(1/55)

مناولاً غيره.

وسننه: تجديد الصعيد ليديه، ومسح ما بين الكوعين والمرفقين، والترتيب.

_________________________

حقيقة الضرب، بل المراد أنه يضعهما على ما يتيمم عليه، ولا يشترط علوق شيء بكفه لما تقرر من جواز التيمم على الصخر والحجر الذي لا يعلق منه شيء. ومن واجباته الفور، بأن يكون في فور واحد، أي في وقت واحد. ومن واجباته دخول الوقت، فالتيمم قبل دخول الوقت لا يصح. ومن واجباته أن يكون متصلا بالصلاة، فلو فصل بينه وبين الفرض أعاد تيممه، ويسير الفصل مغتفر، ومنه مقدار قراءة آية الكرسي .

( والصعيد هو التراب والطوب والحجر والثلج والخضخاض ونحو ذلك ) قد علمت أن المراد بالصعيد كل ما صعد على وجه الأرض من تراب أو حجر إلى آخر ما تقدم من بيان ما يجوز التيمم عليه.

وما لا يجوز منه ما ذكره المصنف بقوله: ( ولا يجوز بالجص المطبوخ، والحصير، والخشب، والحشيش ونحوه ) فهذه المذكورات لا يصح التيمم عليها. ( ورخص للمريض في حال الحجر والطوب إن لم يجد مناولا غيره )

(1/56)

وفضائله: التسمية، وتقديم اليمنى على اليسرى، وتقديم ظاهر الذراع على باطنه ومقدمه على مؤخره.

_________________________

فقد نقل ابن يونس عن ابن الموازن: المريض إذا لم يجد من يناوله ترابا فإنه يتيمم على الحائط المبني بالطوب والحجارة إذا لم يكن مستورا بالجص والجير.

( وسننه: تجديد الصعيد ليد، ومسح ما بين الكوعين والمرفقين، والترتيب ) أي يسن للمتيمم أن يجدد ضربة ثانية لليدين وليست واجبة حتى يترتب على تركها بطلان التيمم. ويسن له أيضا مسح ما بين الكوعين إلى المرفقين، فالواجب المسح إلى الكوعين فلو اقتصر على المسح إلى الكوعين أجزاه وكان تاركا للسنة. ويسن له أيضا أن يرتب بين مسح الوجه واليدين.

( وفضائله: التسمية، وتقديم اليمنى على اليسرى وتقديم ظاهر الذراع على باطنه ومقدمه على مؤخره ) أي يندب للمتيمم أن يسمي الله عندما يريد التيمم، ويندب له أيضا أن يقدم اليد اليمنى على اليد اليسرى في المسح، وأن يكون مسح اليدين من ظاهرها مقدما على مسح باطنهما، وأن يكون أعلى العضو مقدما في المسح على أسفله وهو الذي عناه المصنف بقوله: (ومقدمه على مؤخره ) .

(1/57)

ونواقضه: كالوضوء.

ولا تصلى فريضتان بتيمم واحد، ومن تيمم لفريضة جاز له النوافل بعدها، ومس

_________________________

( ونواقضه كالوضوء ) يعني أن مبطلات الوضوء سواء كانت أحداثا أو أسبابا هي مبطلات التيمم، ويزاد على مبطلات الوضوء في التيمم وجود الماء الكافي، فلو تيمم ووجد الماء كافيا قبل الدخول في الصلاة بطل التيمم، بشرط أن يتسع الوقت بحيث يدرك الصلاة بعد تحصيل الطهارة المائية وإلا صلى بتيممه. ومن وجد الماء بقربه، أو رحله، أو نسيه فيه فإنه يعيد في الوقت. وصورة من وجد الماء بقربه أنه طلب الماء طلبا لا يشق عليه فلم يجده ثم تيمم وصلى ثم وجد الماء الذي طلبه فإنه يعيد في الوقت لأنه فرط في الطلب، فلو وجد غيره لم يعده، فإن لم يطلبه أعاد أبدا. وصورة ما إذا وجده برحله أنه طلبه برحله طلبا لا يشق عليه فلم يجده، فتيمم وصلى ثم وجده برحله فإنه يعيد في الوقت، فإن لم يطلبه أعاد أبدا. وصورة ما إذا نسي الماء برحله، كأن يعلم أن برحله الماء ثم نسيه وتيمم وصلى ثم تذكره بعد فراغه من الصلاة فإنه يعيد في الوقت، فلو علم به في الصلاة قطع. ( ولا تصلى فريضتان بتيمم واحد ) سواء كانتا حضريتين أو سفريتين أو منسيتين، اشتركتا في الوقت أم لا، فلو خالف

(1/58)

المصحف، والطواف، والتلاوة إن نوى ذلك واتصلت بالصلاة ولم يخرج الوقت. وجاز بتيمم النافلة كل ما

_________________________

وصلى صلاتين بتيمم واحد أعاد الثانية أبدا، استثنوا من ذلك المريض الذي لا يقدر على مس الماء لضرر بجسمه مقيم، أي ضرر لازم بقي إلى وقت الصلاة الثانية، وقد اتفق أنه لم يفعل الأولى في وقتها إما عمدا أو نسيانا أو جهلا به، أن يصليهما معا بتيمم واحد وإن كان آثما بالأخير .

( ومن تيمم لفريضة جاز له النوافل بعدها ومس المصحف والطواف والتلاوة إن نوى ذلك واتصلت بالصلاة ولم يخرج الوقت ) يعني أن من تيمم لفرضه جاز له أن يصلي به من النوافل ما شاء، ما لم تكثر جدا، والكثرة بالعرف، بشرط اتصاله بالفرض ويسير الفصل مغتفر ومنه مقدار قراءة آية الكرسي، وبشرط عدم خروج الوقت، فإن حصل طول كأن خرج من المسجد أو خرج الوقت فلا يجوز له أن يتنفل بهذا التيمم. ولا يشترط أن ينوى صلاة النفل بعد الفرض خلافا لظاهر المصنف، ويجوز له أيضا مس المصحف والتلاوة للقرآن والطواف وركعتاه.

( وجاز بتيمم النافلة كل ما ذكر، إلا الفريضة ) يعني أن من كان فرضه التيمم وتيمم للنافلة جاز له أن يفعل به ما

(1/59)

ذكر، إلا الفريضة.

ومن صلى العشاء بتيمم قام للشفع والوتر بعدها من غير تأخير.

ومن تيمم من جنابة فلابد من نيتها.

_________________________

شاء من مس المصحف والتلاوة والطواف، إلا الفرض أي الصلاة الفرض، فلا يجوز له أن يصليها بتيمم النفل لأن الفرض أعلى من النفل والأعلى لا يتبع ما هو دونه.

( ومن صلى العشاء بتيمم قام للشفع والوتر بعدها من غير تأخير ) لما علمت من تبيعة النوافل للفرائض، والتأخير صير الفريضة في حكم المعدوم، ولا يعقل وجود التابع بدون المتبوع، وإذا كان الأمر كذلك، فليحافظ على اتصال الشفع والوتر بالعشاء من كان فرضه التيمم، فإن أخرهما على العشاء فلا يصليهما إلا بتيمم آخر غير تيمم العشاء.

( ومن تيمم من جنابة فلابد من نيتها ) لأن الأعمال لا تدور إلا على النية، فلا يتقوم العمل إلا بنية، فمن كانت عليه جنابة وكان فرضه التيمم فلابد من نيتها عند الشروع في التيمم، بأن ينوي استباحة الصلاة أو فرض التيمم، لا ينوي رفع الحدث لأن التيمم لا رفع الحدث على المشهور.

(1/60)

فصل في الحيض

والنساء: مبتدأة ومعتادة وحامل. وأكثر الحيض للمبتدأة خمسة عشر يوماً. وللمعتادة عادتها، فإن

_________________________

( فصل في الحيض )

يعرف الحيض بأنه الدم الخارج بنفسه من قبل من تحمل عادة، وأكثره في حق المبتدأة خمسة عشر يوما ولا حد لأقله من حيث الزمن وله حد من حيث المقدار، فتعد الدفقة حيضا.

( والنساء مبتدأة ومعتادة وحامل، وأكثر الحيض للمبتدأة خمسة عشر يوما، وللمعتادة عادتها فإذ تمادى بها الدم زادت ثلاثة أيام ما لم تجاوز خمسة عشر يوما ) أخبر سبحانه وتعالى شرف النوع الإنساني وبرفعة قدره، فقال عز من قائل: { ولقد كرمنا بني آدم } وتشريفه وتكريمه يقتضيان ترفعه عن درجة البهيمية وطور السفاح، ووضع له حدودا وأحكاما بها يتقوى شرفه ويحفظ نسبه ويضع عن كاهله ثقل العار وثقل الصغار، ووضع لحفظ نسبه علامات بها يكون نسبه ثابتا، فقضى على بنات حواء بالحيض ليختبر به الرحم هل علق بالحمل أم لا، ليسد كل ذي نسب نسبه. والنساء فيه مختلفات الحكم فمنهن من لم يسبق لها

(1/61)

فإن تمادى بها الدم زادت ثلاثة أيام ما لم تجاوز خمسة عشر يوماً. وللحامل بعد ثلاثة أشهر خمسة عشر يوماً ونحوها،

_________________________

حيض ولم تقرر لها عادة، ومنهن من سبق لها حيض وتقررت لها عادة، ومنهن الحوامل، فأشار إلى كل ذلك المصنف بقوله: (والنساء..) إلخ.

فالمبتدأة التي لم يسبق لها حيض ولم تقر لها عادة، إن تمادى بها الدم زيادة على عادة النساء فلا يعتبر منه بالنسبة للحيض إلا خمسة عشر يوما، وبعد هذا يحكم لها بحكم النقاء من الحيض، فتصوم وتصلي وتوطأ إلى غير ذلك من الأحكام، فأكثره بالنسبة لها خمسة عشر يوما.

وأما من سبق لها الحيض وتقررت لها عادة، إن تمادى نزول الدم عليها وزاد على عادتها فإنها تستظهر بثلاثة أيام على عادتها، فإن عادتها كانت عشرة أيام مثلا استظهرت بثلاثة أيام، وإن كانت عادتها ثلاثة عشر استظهرت بيومين، وإن كانت أربعة عشر استظهرت بيوم، وإن كانت عادتها خمسة عشر يوما فلا استظهار، ثم هي بعد ذلك مستحاضة.

( وللحامل بعد ثلاثة أشهر خمسة عشر يوما ونحوها، وبعد ستة أشهر عشرون ونحوها، فإن تقطع الدم لفقت أياما

(1/62)

وبعد ستة أشهر عشرون ونحوها، فإن انقطع الدم لفقت أيامه حتى تكمل عادتها.

ولا يحل للحائض صلاة ولا صوم ولا طواف ولا مس مصحف ولا دخول مسجد.

_________________________

حتى تكمل عادتها ) يعني بأن الحامل إذا مضى عليها ثلاثة أشهر بعد أن علقت بالحمل ونزل بها الحيض وتمادى بها زيادة على عادتها، فإنها تمكث خمسة عشر يوما ونحوها كالعشرين، وبعد هذا يعتبر استحاضة، وإذا مضى لها ستة أشهر بعد أن علقت بالحمل ونزل بها الحيض واستمر زيادة على عادتها فإنها تمكث عشرين يوما ونحوها كالخمسة والعشرين، ثم هي بعد ذلك مستحاضة، هذا إذا اسمتمر عليها الدم ولم ينقطع فإنها تمكث ما سبق تقريره من الخمسة عشر ونحوها والعشرين ونحوها، فإذا تقطع الدم لفقت أيامه بعضها إلى بعض حتى تكمل عادتها المعلومة على ما تقدر من التفصيل، ثم تصير بعد ذلك مستحاضة .

( ولا يحل للحائض صلاة ولا صوم ولا طواف ولا مس مصحف ولا دخول مسجد وعليها قضاء الصوم دون الصلاة وقراءتها جائزة ) قد علمت مما يثبت لهذه المذكورات من الشرف ما ينقضي ببعد صاحبة هذا القدر عن التلبس بشيء

(1/63)

وعليها قضاء الصوم دون الصلاة. وقراءتها جائزة. ولا يحل لزوجها فرجها ولا ما بين سرتها وركبتيها حتى تغتسل.

_________________________

منها، ويستمر هذا المنع حتى ينقضي هذا القدر حسا ومعنى، وبعد هذا لا تطالب بشيء، ولا يتوجه عليها خطاب بقضاء شيء مما ذكر، وقضاء الصوم دون غيره إنما كان بأمر جديد غير الخطاب الذي كان حال التلبس بالحيض، فإنه لم يتوجه لها بطلب القضاء، ويجوز لها قراءة القرءان.

( ولا يحل لزوجها فرجها ولا ما بين سرتها وركبتيها حتى تغتسل ) وإنما منع زوج الحائض من وطئها حال الحيض لما في ذلك من الأذى، لقول الله تعالى: { ويسألونك عن المحيض، قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض } وأما التمتع بما بين السرة والركبة فلا أذى فيه من حيث ذاته وإنما يخشى منه الوقوع في المحذور الذي في اقترافه الأذى، فلأجل ذلك منع، ويستمر ذلك المنع حتى النقاء من الحيض والاغتسال، وبعد ذلك يباح ما كان محذورا.

(1/64)

فصل في النفاس

والنفاس كالحيض في منعه. وأكثره ستون يوماً، فإذا انقطع الدم قبلها ولو في يوم الولادة، اغتسلت وصلت،

_________________________

( فصل في النفاس )

والنفاس كالحيض في منعه، وأكثره ستون يوما، فإذا انقطع الدم قبلها ولو في يوم الولادة اغتسلت وصلت، فإذا عاودها الدم فإن كان بينهما خمسة عشر يوما فأكثر كان الثاني حيضا وإلا ضم إلى الأول، وكان من تمام النفاس ) النفاس هو ولادة المرأة لا نفس الدم، قاله الجوهري، ولذا يقال دم، والشيء لا يضاف إلى نفسه، وحكمه أنه يمنع ما يمنع منه الحيض، وأكثره ستون يوما، فإذا انقطع الدم قبل الستين يوما ولو في اليوم الذي حصل فيه النفاس فإنها تغتسل وتصلي ويأتيها زوجها.

ويعلم انقطاعه بالقصة أو الجفوف، فإن عاودها الدم يعني أن المرأة النفساء التي انقطع عنها دم النفاس وأمرناها بالغسل واغتسلت وأبيحت لها موانع النفاس من صلاة وغيرها ومن وطء زوجها لها، لو عاودها الدم ثانيا فلا يخلو إما أن يعاودها بعد خمسة عشر يوما فأكثر أو يعاودها في أقل من ذلك أي في أقل من خمسة

(1/65)

فإذا عاودها الدم فإن كان بينهما خمسة عشر يوماً فأكثر كان الثاني حيضا، وإلا ضم إلى الأول وكان من تمام النفاس.

_________________________

عشر يوما، فإن عاودها بعد خمسة عشر يوما فإنه يعتبر حيضا ويعطى أحكام الحيض التي بينت في باب الحيض، وإن عاودها في أقل من خمسة عشر يوما حكم بأنه نفاس ويعطى أحكام النفاس فتضمه للأول ويكون من تمام النفاس.

(1/66)

فصل في الأوقات

الوقت المختار للظهر: من زوال الشمس إلى آخر

_________________________

( فصل في بيان الأوقات )

أما معرفة الأوقات فواجبة على كل مكلف أمكنه ذلك، فهي فرض عين على كل مكلف، على معنى أنه لا يجوز للإنسان الدخول في الصلاة حتى يتحقق دخول وقتها.

والأوقات جمع وقت وهو الزمن المقدر للعبادة شرعا، وهو إما وقت أداء وإما وقت قضاء، ووقت الأداء إما وقت اختيار وإما وقت ضرورة، والاختيار إما وقت فضيلة وإما وقت توسع.

( الوقت المختار للظهر من زوال الشمس إلى آخر القامة ) أي أن أول وقت الظهر يبتدئ من زوال الشمس، أي ميلها عن كبد السماء وأخذ الظل في الزيادة إن كان هناك ظل للزوال، لأنه عند الزوال قد يبقى للعود ظل قليل وقد لا يبقى شيء من الظل وذلك بمكة وزيد مرتين في السنة، وبالمدينة المنورة مرة في السنة وهو أول يوم فيها، وينتهي آخر القامة وهو أن يصير ظل كل شيء مثله.

( والمختار للعصر من القامة إلى الاصفرار ) أي أن أول

(1/67)

القامة. والمختار للعصر: من القامة إلى الإصفرار. وضروريهما إلى الغروب. والمختار لمغرب: قدر ما

_________________________

الوقت المختار لصلاة العصر يبتدئ من آخر القامة الأولى وينتهي إلى الاصفرار، وذلك إذا صار ظل كل شيء مثله، وعلى هذا [وهو] أن أول الوقت المختار للعصر آخر القامة الأولى، فهما مشتركان، وهل الظهر تشارك العصر في أول وقتها بمقدار أربع ركعات أو العصر تشارك الظهر في آخر وقتها بمقدار أربع ركعات؟ فعلى الأول لو أخر الظهر حتى دخل وقت العصر وأوقع الظهر أول وقت العصر كان غير آثم، وعلى الثاني لو صلى العصر عندما بقي مقدار أربع ركعات من القامة الأولى كان مؤديا لها في وقتها محكوما عليها بالصحة .

( وضروريهما إلى الغروب ) أي ويمتد الوقت الضروري للعصر من الاصفرار إلى غروب الشمس.

( والمختار للمغرب قدر ما تصلى فيه بعد شروطها ) أي يدخل الوقت المختار بغروب الشمس ويمتد بقدر فعلها بعد تحصيل شروطها من طهارة وستر عورة واستقبال قبلة ونحو ذلك.

?( والمختار للعشاء من مغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول )

(1/68)

تصلى فيه بعد شروطها. والمختار للعشاء: من مغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول. وضروريهما إلى طلوع

_________________________

أي أن أول الوقت المختار للعشاء يبتدئ من مغيب الشفق الأحم ويمتد إلى ثلث الليل الأول، فثلث الليل الأول هو الوقت المختار للعشاء. ( وضروريهما إلى طلوع الفجر ) أي الوقت الضروري للمغرب والعشاء، وينتهي بطلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فقد فات وقتهما الضروري.

( والمختار للصبح من الفجر إلى الإسفار الأعلى ) يعني أن الوقت المختار لصلاة الصبح يبتدئ من طلوع الفجر أي انصداع الضوء المنتشر في أقصى المشرق وينتهي إلى الإسفار الأعلى، والغاية خارجة، أي الذي تتراءى فيه الوجوه ويراعى في ذلك البصر المتوسط

( وضروريها إلى طلوع الشمس ) قد علمت أن الغاية في قوله ( إلى الإسفار الأعلى ) خارجة وحينئذ يكون قوله ( إلى طلوع الشمس ) على معنى أن الوقت الضروري لصلاة الصبح يبتدئ من أول الإسفار الأعلى إلى طلوع الشمس، أي إلى الجزء الأول من الطلوع.

( والقضاء في الجميع ما وراء ذلك ) قد بين المصنف الأوقات الاختيارية والأوقات الضرورية لكل صلاة من

(1/69)

الفجر. والمختار للصبح: من الفجر إلى الإسفار الأعلى، وضروريه إلى طلوع الشمس.

والقضاء في الجميع ما وراء ذلك.

ومن أخر الصلاة حتى خرج وقتها فعليه ذنب عظيم، إلا أن يكون ناسياً أو نائماً. ولا تصلى نافلة

_________________________

الصلوات الخمس، فقوله ( والقضاء في الجميع ما وراء ذلك ) يشعر بأن إيقاع الصلاة في كل من الوقتين: أي الاختياري والضروري يسمى أداء، وهو كذلك، إلا أن الإثم على من أخر الصلاة إلى الوقت الضروري من حيث إن هذا الوقت لم يرخص الشارع في إيقاع الصلاة فيه إلا لأرباب الضرورات دون غيرهم ممن ليس لهم ضرورة تدعوهم إلى تأخير الصلاة إلى هذا الوقت.

( ومن أخر الصلاة حتى خرج وقتها فعليه ذنب عظيم إلا أن يكون ناسيا أو نائما ) قد حدد الله سبحانه وتعالى أوقاتا للصلاة، وأمر بالمحافظة على إيقاع الصلاة في تلك الأوقات لحِكم يعجز عن إدراكها أصحاب الفكر الثاقبة ولا يكاد يحول حول هذا المنصب الرفيع إلا من أوقد الله في قلبه مصباحا ملكوتيا يدرك به حقائق الأشياء كما هي، ولا يخفى عليك أن الله سبحانه

(1/70)

بعد صلاة الصبح إلى ارتفاع الشمس، وبعد صلاة العصر إلى صلاة المغرب، وبعد طلوع الفجر إلا الورد

_________________________

وتعالى خالق جميع الأشياء فضلا منه فهو المنعم، ولاشك في وجوب شكر المنعم، ألا ترى أن الله قد خاطب نبيه بقوله: { أقم الصلاة لدلوك الشمس } أي عند الدلوك فأوجب عليه الشكر في هذا الوقت أداء لواجب هذه النعمة العظيمة التي تفضل بها سبحانه، فنعمة إيجاد هذا النير من أعظم النعم الموجبة لشكر المنعم في هذه الأوقات بإقامة الصلاة فيها، فمن أخر الصلاة عن هذه الأوقات التي عينها الشارع فهو خارق للحكمة مضيع لأوامر الحكيم مستحق لانتقامه، حيث لا عذر في التأخير. وأما التأخير الذي منشؤه العذر، مثل من أخر الصلاة ناسيا أو نائما فبينه قوله صلى الله عليه وسلم: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان".

( ولا تصلى نافلة بعد صلاة الصبح إلى ارتفاع الشمس وبعد صلاة العصر إلى صلاة المغرب وبعد طلوع الفجر إلا الورد لنائم عنه، وعند جلوس إمام الجمعة على المنبر وبعد الجمعة حتى يخرج من المسجد ) ليس النهي عن صلاة النافلة في هذه الأوقات على جهة الحرمة على عمومه، بل تكره النافلة في بعضها

(1/71)

لنائم عنه، وعند جلوس إمام الجمعة على المنبر، وبعد والجمعة حتى يخرج من المسجد.

_________________________

وتحرم في البعض الآخر. فتكره النافلة بعد صلاة الصبح إلى وقت الطلوع، فإذا أخذت في الطلوع حرمت النافلة حتى يتكامل طلوعها فتعود الكراهة حتى ترتفع قيد رمح، ويجوز بعد صلاة الصبح إلى الإسفار الجنازة التي لم يخش تغيرها وسجود التلاوة، فيفعلان قبل الإسفار، ويكرهان وقت الإسفار، وأما الجنازة التي يخشى تغيرها فلا تحرم وقت المانع ولا تكره وقت الكراهة.

وتكره النافلة أيضا بعد صلاة العصر إلى الاصفرار، فإذا كان الاصفرار اشتدت الكراهة إلى أن تأخذ الشمس في الغروب، فإذا أخذت في الغروب حرمت النافلة إلى مغيب الشمس، فإذا غابت رجعت الكراهة إلى أن تصلى المغرب. وتكره أيضا بعد الفجر وقبل صلاة الصبح إلا ركعتي الفجر، والورد لمن نام عنه، والشفع والوتر مطلقا نام عنهما أم لا.

وكذلك لا تجوز النافلة إذا جلس الخطيب على المنبر، فإذا شرع في الخطبة حرم فعل كل شيء النفل وغيره سواء، ولا يجوز التنفل بعد صلاة الجمعة حتى ينصرف الناس من المسجد أو يمضي زمن انصرافهم.

(1/72)

فصل في شروط الصلاة

وشرط الصلاة: طهارة الحدث، وطهارة الخبث من البدن والثوب والمكان، وستر العورة، واستقبال القبلة،

_________________________

( فصل في شروط الصلاة ) الصلاة مما علم وجوبه من الدين بالضرورة، فجاحد وجوبها كافر يستناب، فإن تاب فالأمر ظاهر، وإلا قتل. ولها شروط وجوب وشروط صحة:

أما شروط وجوبها فخمسة: الإسلام، والبلوغ، والعقل، وارتفاع دم الحيض والنفاس، ودخول الوقت. زاد عياض: وبلوغ الدعوة.

وهي أعظم العبادات، لأنها فرضت في السماء ليلة الإسراء، وذلك بمكة قبل الهجرة بسنة، واختلف في كيفية فرضها، فعن عائشة رضي الله عنها أنها فرضت ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت في السفر وزيدت في الحضر. وقيل: فرضت أربع ركعات ثم قصر منها ركعتان في السفر إلا المغرب والصبح، فإن الأولى فرضت ثلاثا والثانية وركعتين، والدليل لهذا القول قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة " .

وأما شروط الصحة فأشار إليها المصنف بقوله : (وشروط

(1/73)

وترك الكلام، وترك الأفعال الكثيرة.وعورة الرجل ما بين السرة والركبة. والمرأة كلها

_________________________

الصلاة طهارة الحدث، وطهارة الخبث من البدن والثوب والمكان، وستر العورة، واستقبال القبلة، وترك الكلام وترك الأفعال الكثيرة ) أي من الشروط التي لا تؤدى الصلاة ولا تقوم إلا بها الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر، فالمحدث يحرم عليه التلبس بالصلاة، وإذا وقع ونزل وصلى محدثا كانت صلاته باطلة. ومن شروط صحتها أيضا: طهارة الثوب والبدن والمكان، ففاقد طهارة الثوب أو البدن أو المكان صلاته باطلة. ومن شروط صحتها أيضا: ستر العورة، فلو دخل في الصلاة غير مستور العورة فصلاته باطلة. ومنها: استقبال القبلة، فمن صلى مستدبر القبلة أو كانت القبلة جهة يمينه أو جهة شماله فصلاته باطلة، ولا يضر الانحراف اليسر جدا. ومنها: ترك الكلام، فالكلام مفسد للصلاة إلا إذا كان لإصلاحها، وفي عد هذا من شروط الصحة نظر، ووجه النظر أن هذا إنما يعد في الموانع لا في الشروط لأن الكلام مانع من صحة الصلاة لا أنه يشترط حصوله قبل الدخول في الصلاة مثل الطهارة والاستقبال إلى آخر الشروط المطلوبة من المكلف عند إرادة الدخول في الصلاة.

(1/74)

عورة ما عدا الوجه والكفين. وتكره الصلاة في السراويل، لا إذا كان فوقها شيء. ومن تنجس ثوبه ولم

_________________________

ومثل هذا يقال في الأفعال الكثيرة فإنها مانعة من صحة الصلاة إذا حصلت وكانت كثيرة وكانت من غير جنس الصلاة، وأما اليسير فمغتفر كان من جنس الصلاة كرفع يديه في السجود، أو كان من غير جنسها كما إذا ابتلع شيئا يسيرا كان بين أسنانه .

(وعورة الرجل ما بين السرة والركبة، والمرأة كلها عورة ما عدا الوجه والكفين) لما كان من شروط الصلاة ستر العورة كان هذا داعيا إلي بيان العورة، فبين المصنف رحمه الله أن عورة الرجل ما بين السرة والركبة، فيجب على الرجل ستر ما بين السرة والركبة، وليس هذا مطلوبا في الصلاة خاصة، بل قبل الصلاة وخارج الصلاة سواء في وجوب ستر ما بين السرة والركبة، وإن هذا واجب في جميع أحوال المكلف، فيحرم عليه كشف شيء من هذا سواء كان متلبسا بالصلاة أم لا. وجميع جسد المرأة عورة، فيحرم عليها كشف شيء ما عدا الوجه والكفين، وهما ليسا بعورة فلا يحرم عليها كشفهما ولا كشف شيء منهما.

(و وتكره الصلاة في السراويل إلا إذا كان فوقها شيء)

(1/75)

يجد ثوباً غيره ولم يجد ماء يغسله به أو لم يكن عنده ما يلبس حتى يغسله خروج الوقت صلى

_________________________

الحكم بالكراهة إذا لم يكن شفافا يبدو منه لون العورة، وإلا كان حراما ما لم يكن فوقه شيء كثيف يحجب لون العورة، وإلا انتفت الحرمة والكراهة .

(ومن تنجس ثوبه ولم يجد ثوبا غيره ولم يجد ماء يغسله به أو لم يكن عنده ما يلبس حتى يغسله وخاف خروج الوقت صلى بنجاسته ) قد علمت أن إزالة النجاسة شرط من شروط الصحة فيجب إزالتها على ثوب المصلي وبدنه ومكانه، ولكن هذا الشرط مشروط بشرط آخر وهو أن يكون قادرا على إزالتها، بأن وجد من الماء ما يطهر الثوب وكان الوقت متسعا بحيث يمكنه أن يزيل النجاسة ويدرك الصلاة وأن يوجد ثوبا آخر يستر به عورته عندما يباشر تطهير ثوبه المتنجس، لما علمت من وجوب ستر العورة، فإن وجدت هذه الشروط وجب عليه إزالة النجاسة، وإلا صلى بثوبه المتنجس وسقط عنه هذا الشرط وكانت صلاته صحيحة مع نجاسة ثوبه . (ولا يحل تأخير الصلاة لعدم الطهارة ومن فعل ذلك فقد عصى ربه ) فليس له أن يعلل تأخير الصلاة بنجاسة ثوبه لأن

(1/76)

بنجاسته. ولا يجوز تأخير الصلاة لعدم الطهارة. ومن فعل ذلك فقد عصى ربه.

ومن لم يجد ما يستر به عورته صلى عرياناً. ومن أخطأ القبلة أعاد في الوقت، وكل

_________________________

الشارع لم يضيق عليه بل جعل له سعة في الدين وبين له ما يلزمه عند عدم الخروج، وما يلزمه إذا تعذر عليه الأمر، فمن أخر الصلاة عن وقتها لأجل نجاسة ثوبه مثلا فقد ضيق على نفسه وعصى ربه لعدم امتثاله لما وجب عليه من إيقاع الصلاة في وقتها مع نجاسة ثوبه حيث لم يقدر على الإزالة .

(ومن لم يجد ما يستر به عورته صلى عريانا) يعنى أم المكلف إذا ضاق عليه الأمر ولم يوجد ما يستر به عورته، من ثوب نمس أو حرير، وتعذر عليه جميع ما يستر به عورته من حشيش أو حطب أو طين يتمعك فيه، فيجب عليه أن يصلي عريانا ولا يؤخر الصلاة حتى يجد ما يستر به عورته .

(ومن أخطأ القبلة أعاد في الوقت، وكل إعادة في الوقت فهي فضيلة، وكل ما تعاد منه الصلاة في الوقت فلا تعاد منه الفائتة والنافلة) اعلم أن الواجب على غير من بمكة والمدينة وكان عنده علم بالأدلة المنصوبة على جهة القبلة واجتهد في

(1/77)

إعادة في الوقت فهي فضيلة، وكل ما تعاد منه الصلاة في الوقت فلا تعاد منه الفائتة والنافلة.

_________________________

جهة غلبت على ظنه لأمارتها فملى إليها ثم تبين له بعد الفراغ منها أنه أخطأ القبلة باستدبارها أو الانحراف عنها انحرافا شديدا أعاد في الوقت الاختياري على سيبل الندب، وإنما لم يجب عليه الإعادة أبدا لأنه لم يترك أمرا وجب عليه حتى يعيد أبدا، فكل أمر يرتب على تركه إعادة الصلاة الوقتية في الوقت وتنتفي الإعادة بعد خروج الوقت كالصورة التي معنا وهي: ما لو صلى معتقدا أنه متوجه إلى القبلة، وبعد أن أتم صلاته تبين أنه أخطا القبلة، أو صلى بثوب نجس عند عدم القدرة على إزالة النجاسة، أو صلى في ثوب حرير لم يجد غيره. وقلنا إنه مطالب بإعادة الصلاة في الوقت على سبيل الندب غير مطالب بإعادتها بعد خروجه، لا تعاد من أجله النافلة ولا الفائتة فمن صلى النافلة أو الفائتة متلبسا بشيء مما ذكرنا من الثوب النجس أو الحرير لا إعادة عليه، لأن الإعادة منوطة بالوقت وبالفراغ من صلاة الفائتة خرج وقتها والنافلة وقتها ما تقع فيه وليس لها وقت ممتد يبقى بعد فعلها حتى يطالب بإعادتها فيه، والله أعلم .

(1/78)

فصل

فرائض الصلاة: نية الصلاة المعينة، وتكبيرة الإحرام، والقيام لها، والفاتحة، والقيام لها، والركوع، والرفع منه

_________________________

( فصل: فرائض الصلاة) أربعة عشر فريضة:

أولها ( نية الصلاة المعينة ) وهي أن ينوي الصلاة ويعينها بكونها ظهرا مثلا، ولا يضر مخالفة النطق للنية، فلو كانت الصلاة التي يريد أن يؤديها ظهرا مثلا وقصدها بالنية ونطق بغير اسمها غير متعمد لذلك فلا شيء عليه

( و) ثانيها ( تكبيرة الإحرام ) اعلم أن الإحرام إما النية أو التكبيرة أو هما مع الاستقبال قد رجح هذا الثالث الأجهوري، فالإضافة على الأول في قولهم تكبيرة الإحرام من إضافة المصاحب للصاحب، وعلى الثاني بيانه، وعلى الثالث من إضافة الجزء للكل. ولا يجزئ في تكبيرة الإحرام غير لفظ "الله أكبر" بالمد الطبيعي للفظ الجلالة، فلا يجزئ الله العظيم أو نحوه وتبطل به الصلاة. وهي فرض في حق الإمام والفذ اتفاقا، وفي حق المأموم على المشهور . ورُوي عن مالك أن الإمام يحمل تكبيرة الإحرام عن المأموم. ودليل وجوبها ما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم

(1/79)

والسجود على الجبهة، والرفع منه، والاعتدال، والطمأنينة، والترتيب بين فرائضها، والسلام، وجلوسه الذي يقارنه.

_________________________

" مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم " ( و ) ثالثها ( القيام لها ) أي ثالث الفرائض القيام لتكبير ة الإحرام، وشرطية القيام لها إذا كانت الصلاة فرضا وكان المصلي غير مسبوق، وأما المسبوق ففي المدونة: إذا كبر للركوع - أي عند الركوع - ونوى به انعقد، - أي الإحرام - أو نواه الركوع أو لم ينوهما لأنه ينصرف للإحرام أجزأه ذلك الركوع، بمعنى الركعة وصحت الصلاة. وفسرها الباجي بما ينفي شرطية القيام، أي بشيء ينفي كون القيام شرطا في التكبير من أوله إلى آخره، بل شرط في أول التكبير، وعليه فلو أوقعه من قيام وأتمه في حال الانحطاط أو بعده بلا فصل فتجزئ تلك الركعة، فإن فصل بطلت صلاته. ( و ) رابعها ( الفاتحة ) أي رابع الفرائض قراءة الفاتحة، إذ الواجب القراءة لأنه لا تكليف إلا بفعل، ولا يفصل بين تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة بشيء، فقد ذكره مالك في القول المشهور عند التسبيح والدعاء بين الإحرام والقراءة واستحب بعضهم الفصل بينهما بلفظ: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك" ( و ) خامسها

(1/80)

وشرط النية: مقارنتها لتكبيرة الإحرام.

وسننها: الإقامة، والسورة التي بعد الفاتحة، والقيام لها

_________________________

( القيام لها ) أي خامس الفرائض القيام لقراءة الفاتحة، فلا تصح من جلوس. ( و ) سادسها ( الركوع ) أي سادس الفرائض الركوع، وإذا ركعت فتمكن يديك من ركبتيك، وتسوي ظهرك ولا ترفع رأسك ولا تطأطئه، وتجافى أي تباعد عضديك على جنبيك، وتعتقد بقلبك الخضوع والتذلل لله سبحانه وتعالى. ( و ) سابعها ( الرفع منه ) أي من الركوع، فالرفع من الركوع حتى تعتدل قائما واجب، فلو تركت الاعتدال بأن لم تستو قائما بطلت الصلاة . ( و ) ثامنها ( السجود على الجبة ) أي ثامن الفرائض السجود على الجبة، وهي مستديرة ما بين الحاجبين إلى الناصية، فالواجب الذي يترتب على تركه الإعادة أبدًا السجود على الجبهة، وأما السجود على الأنف فليس فيه إلا الإعادة في الوقت الاختياري على ما اعتمد الأجهوري، وذكر الزرقاني أنه الضروري بناء على أنه واجب. ( و ) تاسعها ( الرفع منه ) أي تاسع الفرائض الرفع من السجود، وإذا رفعت رأسك من السجود فإنك ترفع يديك عن الأرض فتجعلهما على ركبتيك فإذا لم ترفعهما عن الأرض ففي بطلان صلاتك

(1/81)

والسر فيما يسر فيه، والجهر فيما يجهر فيه، وسمع الله لمن حمده، وكل تكبيرة سنة إلا الأولى

_________________________

قولان، أشهرهما على ما قال ابن عمر البطلان، والأصح على ما قال القرافي عدم البطلان. ( و ) عاشرها ( الاعتدال ) أي عاشر الفرائض الاعتدال، وهو أن تستوي قائما إذا رفعت من الركوع وأن تستوي جالسا إذا رفعت من السجود. ( و ) حادي عشرتها ( الطمأنينة ) الحادي عشر من الفرائض الطمأنينة، وهي أن تطمئن مفاصلك وتستقر بعد رفعك من الركوع وبعد رفعك من السجود، فالطمأنينة قدر زائد على ما يحصل به الواجب في كل من الر فعين : أي الرفع من الركوع والرفع من السجود. ( و ) ثاني عشرتها ( الترتيب بين فرائضها ) أي فرائض الصلاة فالواجب أن تؤدى الصلاة على وضع مخصوص بأن تكون النية بعد القيام غير مسبوقة بتكبيرة الإحرام بل مقارنة لها، وأن تكون قراءة الفاتحة قبل الركوع والركوع قبل السجود وهكذا إلى آخر هيئة الصلاة. ( و ) ثالث عشرتها ( السلام ) أي الثالث عشر من فرائض الصلاة: السلام، ولا خلاف في فرضيته على كل مصل، إمام وفذ ومأموم، فلا يخرج من الصلاة إلا به، ويتعين له لفظ "السلام عليكم" ولا يجزي غيره

(1/82)

والتشهدان، والجلوس لهما، وتقديم الفاتحة على السورة، والتسليمة الثانية والثالثة للمأموم، والجهر

_________________________

وهل يفتقر إلى نية الخروج من الصلاة أم لا؟ قولان مشهوران، فعلى الأول لو سلم من غير نية الخروج منها بطلت صلاته، والثاني وهو الراجح عدم الاشتراط كما يفيده كلام ابن عرفة وأقره الأجهوري. ( و ) رابع عشرتها ( جلوسه الذي يقارنه ) أي الجلوس الذي يقع فيه السلام بالجلوس بقدر ما يحمل به التحليل من الصلاة واجب، فلو أتى بالسلام في حال رفعه من السجود بطلت صلاته لما علمت أن الجلوس بقدر ما يوقع السلام الذي يحصل به التحليل من الصلاة واجب، وترك أي واجب من واجبات الصلاة مفسد لها . و (شروط النية مقارنتها لتكبيرة الإحرام ) فإن تأخرت عن تكبيرة الإحرام فلا تجزي اتفاقا، وإن تقدمت بكثير فكذلك، وإن تقدمت بيسير فقولان مشهوران، بالإجزاء وعدمه. ومفاد ميارة أن الراجح منهما الإجزاء حيث قال: ظاهر المذهب الإجزاء إذا لم يقل عنهم اشتراط المقارنة المؤدية إلى الوسوسة المذمومة شرعا وطبعا، فدل ذلك على أنهم تسامحوا في التقديم اليسير، ومعنى اشتراط المقارنة على القول الثاني أنه يجوز الفصل بين

(1/83)

بالتسليمة الواجبة، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسجود على الأنف والكفين والركبتين

النية والتكبير لا أنه يشترط أن تكون النية مصاحبة للتكبير أهـ .

_________________________

و ( سننها: الإقامة ) أي من سنن الصلاة الإقامة، وهي آكد من الآذان لاتصالها بالصلاة، ولقول ابن كنانة : إن من تركها عمدا بطلت صلاته. وهي سنة عين عن المنفرد وسنة كفاية في حق الإمام والمأمومين، وإنما تسن الإقامة إذا كان الوقت متسعا وإلا سقطت سنيتها. و (السورة ) أي من سنن الصلاة قراءة سورة أو آية أو بعض آية له، قال: فقراءة سورة كاملة بعد أم القرآن مستحب، والسنة مطلق الزيادة على أم القرآن، بدليل أن السجود إنما هو دائر مع ما زاد على الفاتحة إلا السورة. و ( القيام لها ) أي لقراءة السورة، فكون قراءة السورة [من] سنة أخرى غير سنة القراءة.

و ( السر فيما يسر فيه والجهر فيما يجهر فيه ) أي من سنن الصلاة الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية كالصبح، والسر بالقراءة في الصلاة السرية كالظهر والعصر .

( وسمع الله لمن حمده ) أي يسن أن يقول الإمام والفذ عند

(1/84)

وأطراف القدمين، والسترة لغير المأموم وأقلها غلظ رمح وطول ذراع طاهر ثابت غير مشوش.

_________________________

الرفع من الركوع "سمع الله لمن حمده" ولا يقول ذلك المأموم وإنما يقول: "اللهم ربنا لك الحمد" ومصدر هذا التفصيل ما في الموطأ وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الإمام غفر له ما تقدم من ذنبه " .

( وكل تكبيرة سنة إلا الأولى ) أي أن كل تكبيرة من تكبيرات الصلاة سنة إلا تكبيرة الإحرام، أي التكبيرة التي يدخل بها في حرمات الصلاة فإنها فرض كما تقدم.

( والتشهدان والجلوس لهما ) فلفظهما المختار عندنا معاشر المالكية وهو: التحيات لله الزاكيات لله... إلى آخر التشهد، سنة والإتيان بالتشهد من جلوس سنة، فكل من التشهد والجلوس له سنة مستقلة.

( وتقديم الفاتحة على السورة ) فلو قرأ السورة أولا ثم قرأ الفاتحة كان تاركا للسنة، فالسنة تأخير قراءة السورة عن الفاتحة.

( والتسليمة الثانية والثالثة للمأموم ) فيسن في حق المأموم

(1/85)

وفضائلها: رفع اليدين عند الإحرام حتى تقابلا الأذنين، وقول المأموم والفذ: ربنا ولك الحمد، والتأمين

_________________________

أن يأتي بتسليمة ثانية بعد تسليمة التحليل قبل وجهه يقصد بها التسلم على من على يمينه، وبتسليمة ثالثة يقصد بها الرد على من على يساره إن كان على يساره من أدرك دون ركعة بأن أدرك التشهد فقط أو سجدة أو سجدتين. ( والجهر بالتسليمة الواجبة ) وهي تسليمة التحليل من الصلاة، أي التي يخرج بها من حرمات الصلاة، فغيرها لا يسن الجهر فيه بل سنية الجهر قاصرة عليها . ( والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي يسن بعد أن يفرغ من التشهد أن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ( والسجود على الأنف ) أي السجود على الأنف سنة وقيل بوجوبه. ( والكفين ) أي من سنن الصلاة السجود على الكفين، ويستحب أن يباشر بكفه الأرض: أي لا يكون بينهما وبين الأرض حائل. كما يستحب ذلك في الوجه: أي أن يباشر به الأرض ولا يكون بينه وبين الأرض حائل لأن ذلك من التواضع، ولأجل ذلك كره السجود على ما فيه ترفه وتنعم من صوف وقطن، واغتفر الحصير لأنه كالأرض والأحسن تركه

(1/86)

بعد الفاتحة للفذ والمأموم ولا يقولها الإمام إلا في قراءة السر، والتسبيح في الركوع، والدعاء في السجود، وتطويل القراءة في الصبح والظهر تليها، وتقصيرها في

_________________________

فالسجود عليها خلاف [الأولى].

( والركبتين وأطراف القدمين ) فالسنة أن يكون في السجود واضعا ركبتيه على الأرض ناصبا قدميه وبطون أصابعهما إلى الأرض، ويزاد على هذا على جهة الاستحباب أن يفرق بين ركبتيه وأن يرفع بطنه عن فخذيه، ودليله من السنة ما رواه أبو داود: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه.

( والسترة لغير المأموم وأقلها غلظ رمح وطول ذراع ) فيسن للإمام إن خشي المرور بين يديه أن يضع شيئا يستر به لأجل أن يتقي المرور بين يديه، وكذلك يسن في حق الفذ، وأما المأموم فالإمام سترة له. وأقل ما يكفي في السترة المطلوبة على جهة السنة أن تكون غلظ رمح وطول ذراع، فلا يكفي أقل من ذلك. ( طاهر ) أي يشترط في المُتخَذ سترة أن يكون طاهرا، فالنجس لا يتخذ سترة، وإذا وقع ونزل واتخذ منه سترة لا يكفي

(1/87)

العصر والمغرب، وتوسطها في العشاء، وتكون السورة الأولى قبل الثانية وأطول منها. والهيئة المعلومة في الركوع والسجود والجلوس، والقنوت سراً قبل

_________________________

في حصول السنة. ( ثابت، فغير الثابت لا يتخذ سترة لأنه لا يحصل به الغرض من اتقاء المرور بين يديه غير مشوش ) فالمتشوش كالدابة التي يخشى ذهابها والمرأة التي يخشى منها الفتنة لا تتخذ سترة .

( وفضائلها رفع اليدين عند الإحرام حتى تقابلا الأذنين ) أي من فضائل الصلاة أن يرفع يديه حتى تحاذي أذنيه في تكبيرة الإحرام، ولا يطلب ذلك منه في باق انتقالات الصلاة كالركوع والرفع منه والقيام من اثنين، بل إنه يكره.

( وقول المأموم والفذ ربنا ولك الحمد ) أما المأموم فيقول ذلك بعد أن يقول إمامه : سمع الله لمن حمده، فلا يجمع بينهما بل يقتصر على ربنا ولك الحمد. وأما الفذ فيجمع بين قول سمع الله لمن حمده وقول ربنا ولك الحمد.

( والتأمين بعد الفاتحة للفذ والمأموم ولا يقولها الإمام إلا في السر ) يعني أنه يندب للفذ أن يؤمن بعد قراءة الفاتحة ولكن يسر فيه ولو كانت

(1/88)

الركوع وبعد السورة في ثانية الصبح ويجوز بعد الركوع، والدعاء بعد التشهد الثاني، ويكون التشهد

_________________________

الصلاة جهرية، وكذا يندب للمأموم إذا قال إمامه "ولا الضالين" أن يقول "آمين"، فإن كانت الصلاة سرية تحرى تأمين الإمام وأمن، ولا يندب للإمام التأمين إلا في الصلاة السرية، وروي عن مالك أنه يؤمن في الجهرية أيضا. ( والتسبيح في الركوع والدعاء في السجود ) وإنما خص التسبيح بالركوع والدعاء في السجود لما صح أنه صلى الله عليه وسلم قال: " أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء فقمين - أي حقيق- أن يستجاب لكم". ( وتطويل القراءة في الصبح والظهر تليها ) أي يندب أن تكون القراءة في صلاة الصبح من طوال المفصل وهو من الحجرات على [القول] المرتضى إلى عبس، وأما القراءة في صلاة الظهر فبنحو القراءة في الصبح فتكون من طوال المفصل وهو لأشهب وابن حبيب، أو دون ذلك وهو لمالك ويحي. ( وتقصيرها في العصر والمغرب ) أي يندب تقصير القراءة في العصر والمغرب بأن يقرأ فيها من قصار المفصل وهو من الضحى إلى الختم، أي إلى سورة الناس والغاية داخلة. ( وتوسطها في العشاء ) أي يندب أن يتوسط

(1/89)

الثاني أطول من الأول. والتيامن بالسلام، وتحريك السبابة في التشهد.

ويكره الالتفات في الصلاة، وتغميض

_________________________

في قراءة العشاء، فيقرأ فيها من متوسطات المفصل، وهو من عبس إلى الضحى. ( وتكون السورة الأولى قبل الثانية وأطول منها ) أي يندب أن تكون القراءة على نحو تريب المصحف، وأن تكون في الركعة الأولى أطول من السورة في الركعة الثانية. ( والهيئة المعلومة في الركوع والسجود والجلوس ) أي من فضائل الصلاة أن يكون ركوعه وسجوده وجلوسه على هيئة مخصوصة، فالهيئة الفاضلة في الركوع أن يسوي ظهره ولا يطأطئ رأسه ولا يرفعه، وأن يباعد عضديه عن جنبيه، وينصب ركبتيه، ويمكن راحتيه من ركبتيه. والهيئة الفاضلة في السجود أن يرفع بطنه عن فخذية، ويجنح بعضديه حتى يظهر بياض إبطه على تقدير أن ليس هناك ساتر على إبطه، وأن يضع يديه حذو منكبيه ضاما أصابعه ورؤوسها إلى القبلة، ولا يفترش ذراعيه افتراش السبع فقد ورد النهى عن ذلك، وأن يمكن جبهته من الأرض. والهيئة الفاضلة في الجلوس أن تثني رجلك اليسرى وتنصب رجلك اليمنى وتكون بطون أصابعها إلى الأرض، وفضيلة هذه الهيئة لا تخص جلوس

(1/90)

العينين، والبسملة والتعوذ في الفريضة ويجوزان في النقل، والوقوف على رجل واحدة إلا أن يطول قيامه، واقتران

دون جلوس، بل جلوس التشهد والجلوس بين السجدتين سواء في طلب هذه الهيئة على سيبل الفضيلة .

_________________________

( والقنوت سرا قبل الركوع وبعد السورة في ثانية الصبح ويجوز بعد الركوع ) أي يطلب القنوت على سبيل الفضيلة باللفظ المختار عند المالكية وهو: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك... إلخ في صلاة الصبح خاصة، ومحله أن يكون في الركعة الثانية بعد قراءة السورة وقبل الركوع، فإن سها عن الإتيان به قبل الركوع أتى به بعد الركوع، أي يجوز ذلك. ( والدعاء بعد التشهد الثاني ) أي يندب الدعاء بعد التشهد الثاني، كأن تقول: أشهد أن الذي جاء به محمد حق وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور. ( ويكون التشهد الثاني أطول من الأول ) أي يندب ذلك

( والتيامن بالسلام ) أي يندب التيامن بالسلام بقدر ما ترى صفحة الوجه، فلو سلم على يساره قاصدا التحليل لم تبطل صلاته على المشهور لأنه إنما ترك التيامن وهو فضيلة. ( وتحريك السبابة في التشهد ) أي يندب أن يحرك أصبعه

(1/91)

رجليه، وجعل درهم أو غيره في فمه، وكذلك كل ما يشوشه في جيبه أو كمه أو على ظهره، والتفكر في أمور

السبابة يمينا وشمالا في حال تشهده.

_________________________

( ويكره الالتفات في الصلاة، وتغميض العينين، والبسملة والتعوذ في الفريضة، ويجوزان في النفل، والوقوف على رجل واحدة إلا أن يطول قيامه، واقتران رجليه، وجعل درهم أو غيره في فمه ) قد ندب الله سبحانه وتعالى وطلب من المكلفين إقام الصلاة لأجل أن يذكروا عظمته سبحانه وتعالى فقال لنبيه: { أقم الصلاة لذكرى } وكل أمر توجه لنبيه فهو متوجه لأمته إلى أن يظهر دليل التخصيص. وذلك لا يكون ولا يحصل إلا عند ملاحظة الشخص أنه في موقف العظمة لله تعالى، فيكره كل ما يباعد عن هذا الغرض ويشغل القلب عن المراقبة، فمن ذلك الالتفات وهو متلبس بالصلاة لأن الالتفات يتبعه النظر، والنظر يصرف القلب عما هو مشتغل به، فعند ذلك يذهب الخشوع وتصير صلاته صورة بلا روح، وفي الحديث أن " من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون " إلا أن الكرهة في تغميض العين ليست لهذه العلة بل لما فيها من إظهار التواضع والخشوع وعسى أن لا يكون كذلك .

(1/92)

الدنيا، وكل ما يشغله عن الخشوع في الصلاة.

_________________________

( وكذلك كل ما يشوشه في جيبه أو كمه أو على ظهره ) أي مثل ذلك، أي مثل ما تقدم، والكراهة كراهة وضع شيء في جيبه أو كمه أو على ظهره مما يشوش عليه كأن يضع شيئا من الخبز أو غيره في جيبه أو كمه أو يحمل شيئا ثقيلا على ظهره والتفكر في أمور الدنيا وكل ما يشغله عن الخشوع في الصلاة .

?قد علمت أن الغرض من الصلاة الخضوع والتذلل، بل هي نفس الخضوع والتذلل، فيكره كل ما ينافي هذا الغرض ويبعد العبد عن سيده، وليس بين العبد وسيده مسافة قريبة بالخضوع لعظمته وبعده بعدم الحضور في حضرته.

(1/93)

فصل

للصلاة نور عظيم تشرق به قلوب المصلين ولا يناله إلا الخاشعون. فإذا أتيت إلى الصلاة ففرغ قلبك من

_________________________

( فصل: للصلاة نور عظيم تشرق به قلوب المصلين ولا يناله إلا الخاشعون ) اعلم أن الصلاة وصلة بين العبد والرب، ولهذا كانت أعظم أركان الدين بعد الشهادتين، وقد اشتملت على الثناء على الله بما لا يوجد في غيرها من العبادات.

ففي الحديث: " إذا قال العبد الحمد لله رب العالمين، قال الله مجدني عبدي.." إلى آخر الحديث، ولا يخفى عليك أن قوله تعالى: "مجدني عبدي" ثناء منه سبحانه وتعالى على عبده أي ثناء، ولا يصدر الثناء من الله إلا على عبد خاشع عالم بمقام الإلوهية، يرى الحق بالحق، فإذا تمت له هذه البداية ارتحل عن الأكوان واشتغل بالمكون، وخرج من سجان الطبيعة والتحق بالملأ الأعلى، واقتبس من نبراس من مدح بقوله تعالى : { وإنك لعلى خلق عظيم } وكان في عداد من مدحهم الله بقوله : { الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون . أولئك على هدى من ربهم وأولئك

(1/94)

الدنيا وما فيها، واشتعل بمراقبة موالاك الذي تصلي لوجهه واعتقد أن الصلاة خشوع وتواضع لله سبحانه بالقيام والركوع والسجود وإجلال وتعظيم له بالتكبير

_________________________

هم المفلحون } فعلى العاقل أن يرى الحق في كل أعماله، الصلاة وغيرها سواء حتى، تشرق عليه أنوار اليقين، وإنما خص المصنف الصلاة لما لها من مزيد المزية على غيرها من العبادات لما علمت بأنها وصلة بين العبد والرب .

( فإذا أتيت إلى الصلاة ففرغ قلبك من الدنيا وما فيها، واشتغل بمراقبة مولاك الذي تصلي لوجهه، واعتقد أن الصلاة خشوع وتواضع لله سبحانه بالقيام والركوع والسجود، وإجلال وتعظيم له بالتكبير والتسبيح والذكر ) يعني إذا تلبست بالأعمال التي تقوم بها حقيقة الصلاة من الركوع والسجود فأت بها على وجه يليق بالذي أنت واقف بين يديه، بأن لا يكون توجهك إلا إليه، وفكرك مقصور عليه، عالما بأنه رقيب عليك، معتقد التذلل والخضوع بهذا العمل اعتقادا مطابقا للواقع، بأن يكون خضوعك وتذللك وصفا لك في الواقع ونفس الأمر، وحينئذ تحقق بالإحسان المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم: " أن تعبد الله

(1/95)

والتسبيح والذكر. فحافظ على صلاتك فإنها أعظم العبادات، ولا تترك

كأنك تراه.. " الحديث.

 ( فحافظ على صلاتك فإنها أعظم العبادات ) لاشك أن المحافظ على الصلاة المأمور بها من قبل الشرع بقوله تعالى : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين } لا تحصل ولا تتحقق إلا إذا أتى بها على أكمل أحوالها وأحسن هيئاتها بأن يكون خاشعا متواضعا معظما لمولاه قاصرا هذا عليه، لا يشرك معه غيره ألا تراه يقول : { إياك نعبد } ولا تختص العبادة به سبحانه إلا إذا تمحضت لذاته، وتواطأ على ذلك القلب واللسان.

( ولا تترك الشيطان يلعب بقلبك ويشغلك عن صلاتك حتى يطمس قلبك ويحرمك من لذة أنوار الصلاة، فعليك بدوام الخشوع فيها، فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر بسبب الخشوع فيها، فاستعن بالله إنه خير مستعان ) اعلم أن القلب بين التنزلات الرحمانية والخطرات الشيطانية، فإذا ألمت به التنزلات الرحمانية ويكون ذلك بالذكرى والمراقبة، بأن يذكر أن الله رقيب عليه

(1/96)

الشيطان يلعب بقلبك ويشغلك عن صلاتك حتى يطمس قلبك ويحرمك من لذة أنوار الصلاة.

فعليك بدوام الخشوع فيها فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر بسبب الخشوع فيها. فاستعن بالله إنه خير مستعان.

طّلع على ما احتوى عليه قلبه وانطوت عليه سريرته، ذاكرا وقوفه بين يديه، فعند ذلك يخنس الشيطان، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: { الوسواس الخناس } أي الذي يخنس عند ذكر الله، فإذا فرغ القلب عن الذكر ومراقبة الرقيب تنزلت إلى القلب الخواطر الشيطانية، وأخذ الشيطان يلعب بالقلب ويحركه كيف شاء، فيذكره ما غاب عنه لصرفه عما هو فيه من عبادات، ثم يكر عليه كرة ثانية بالتخليط في أعمال العبادة، فإذا وصل إلى هذه الدرجة فسد عمله وضل سعيه وحرم لذة العبادة، فالحصن المنيع لهذا النازل الفظيع هو مراقبة الرقيب ومصابرة القلب بمداومة الذكر، قال الله تعالى لنبيه: { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها } فإذا اصطبر عليها بمداومة الذكر وحضور القلب وخشوع الجوارح تلاشت الخواطر الشيطانية ولا يكون إذا للشيطان عليه سلطان، وتتحقق بالعبودية وينتظم في سلك : { إن عبادي ليس عليك عليهم سلطان } وكانت صلاته مما تنهاه { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر }.

(1/97)

فصل

للصلاة المفروضة سبعة أحوال مرتبة تؤدى عليها، أربعة منها على الوجوب، وثلاثة على الاستحباب:

فالتي على الوجوب: أولها القيام بغير استناد، ثم القيام باستناد،

 ( فصل : للصلاة المفروضة سبعة أحوال مرتبة تؤدى عليها، أربعة منها على الوجوب وثلاثة على الاستحباب )

اعلم أن المكلف مخاطب بأداء الصلاة على أي حال كان ما دام بعقله، ولا تسقط عنه إذا عجز عن حالة من أحوالها، بل إذا عجز عن حالة نقله الشرع إلى حالة أخرى، ويطلب منه أن يؤدى الصلاة عن هذه الحالة، ولا يكون ذلك خللا في صلاته، إلا أن الترتيب بين هذه الأحوال تارة يكون واجبا وتارة يكون مندوبا. فالترتيب الواجب هو الذي يترتب على تركه خلل الصلاة، والمندوب ما ليس كذلك، وإلى الأول أشار المصنف بقوله: ( فالتي على الوجوب: أولها القيام بغير استناد، ثم القيام باستناد، ثم الجلوس بغير استناد، ثم الجلوس باستناد، فالترتيب بين هذه الأربعة على الوجوب، إذا قدر على حالة منها وصلى بحالة دونها بطلت صلاته ) قد ندب الشرع وطلب من المكلف القيام في الصلاة لما فيه من مزيد التواضع لأنه عنوان

(1/98)

ثم الجلوس بغير استناد، ثم الجلوس باستناد. فالترتيب بين هذه الأربعة على الوجوب إذا قدر على حالة منها وصلى بحالة دونها بطلب صلاته.

والثلاثة التي على الاستحباب هي: أن يصلي العاجز عن هذه الثلاثة

الخشوع والخضوع، وفي الآية : { وقوموا لله قانتين } أي خاضعين متواضعين، فإذا قام به أمر يمنعه من القيام مستقلا بنفسه اتخذ الواسطة، وحينئذ يكون الواجب في حقه القيام مستندا غير أنه لا يستند إلى حائط ولا إلى جنب، ولا يجوز له القيام مستندا إلا إذا عجز عن القيام مستقلا، فلو باشر هذا الأمر ابتداء بدون عجز بطلت صلاته ووجبت عليه الإعادة أبدا، وهكذا الحكم في باق الأحوال الأربعة، فلو صلى من جلوس مع قدرته على القيام مستندا بطلت صلاته ووجبت عليه الإعادة، هكذا ذكره المصنف، أن الترتيب بين القيام مستندا والجلوس مستقلا واجب، ولكن الذي نصوا عليه في كتب الفقه واطلعت عليه أن الترتيب بينهما مندوب، والترتيب الواجب إنما هو بين الجلوسين، كما أنه واجب بينهما وبين الاضطجاع بحالته على الجنب الأيمن والأيسر وعلى الظهر. اهـ. وكذا لو صلى من جلوس مستندا مع قدرته على الجلوس بغير استناد

المذكورة: على جنبه الأيمن، ثم على الأيسر ثم على ظهره، فإن خالف في الثلاثة لم يبطل صلاته. والاستناد الذي تبطل به صلاة القادر على تركه هو الذي يسقط

بطلت صلاته ووجبت عليه الإعادة . ( والثلاثة التي على الاستحباب هي أي يصلي العاجز على هذه الثلاثة المذكورة على جنبيه الأيمن ثم الأيسر ثم على ظهر، فإذا خالف في الثلاثة لم تبطل صلاته ) قد علمت أن الشرع نقل المكلف من حالة إلى حالة أخرى عند العجز عن الحالة المطلوبة ابتداء في الصلاة، فيتدرج معه إلى أن يبلغ أسفل الدرجات، وهي الجلوس مستندا، وإنما كانت هذه الحالة أسفل الدرجات لأن التواضع فيها ببعض الأركان دون بعض، وليس بعد هذه الحالة إلا الأحوال التي لا عنوان فيها على التواضع إلا بالإيماء بالأطراف، وكيفية ذلك أنه إن لم يقدر على الجلوس مستندا أنه يضطجع ويندب له أن يقدم جنبه الأيمن على جهة الندب ووجهه إلى القبلة، ويومئ برأسه، فإن عجز على الإيماء برأسه أومأ بعينه وحاجبه، فإن لم يستطع فبإصبعه، والظاهر كما قال الأجهوري أن تريب الإيماء بهذه المذكورات واجب، فإن عجز عن الاضطجاع على جنبه الأيمن فعلى جنبه الأيسر، فإن لم يقدر فعلى

(1/100)

بسقوطه، وإن كان لا يسقط بسقوطه فهو مكروه.

وأما النافلة فيجوز للقادر على القيام أن يصليها جالساً، وله نصف أجر القائم. ويجوز أن يدخلها جالساً ويقوم بعد

ظهره ورجلاه إلى القبلة، وحكم هذه التراتيب الاستحباب، فلا شيء في ترك شيء منها والانتقال إلى غيره ولو مع عدم العجز عنه، لما علمت أن المطلوب الإيماء بالأطراف لأعمال الصلاة، وهو يحصل على كل حالة من هذه الأحوال الثلاثة. ( والاستناد الذي تبطل صلاة القادر على تركه هو الذي تسقط بسقوطه، وإن كان لا تسقط بسقوطه فهو مكروه ) قد علمت أن الترتيب بين القيام مستقلا والقيام مستندا واجب فلا ينتقل إلى القيام مستندا إلا إذا عجز عن القيام مستقلا، فإذا استند القادر على القيام مستقلا إلى شيء كعمود مثلا، بحيث لو أزيل ما استند إليه لسقط، بطلت صلاته، فهذا الاستناد الذي يدور عليه البطلان، ولا يعتبر الانتقال إليه إلا عند العجز عن القيام استقلالا، وأما الاستناد بحيث لو أزيل ما أسند إليه لسقط المستند لشدة تمكن الاستناد. ومدار الكراهة على عدم تمكن الاستناد بحيث لو أزيل ما أسند إليه لم يسقط لعدم تمكن الاستناد.

( وأما النافلة فيجوز للقادر على القيام أن يصليها

(1/101)

ذلك، أو يدخلها قائماً ويجلس بعد ذلك إلا أن يدخلها بنية القيام فيها فيمتنع جلوسه بعد ذلك.

جالسا وله نصف أجر القائم، ويجوز أن يدخلها جالسا ويقوم بعد ذلك، أو يدخلها قائما ويجلس بعد ذلك، إلا أن يدخلها بنية القيام فيمتنع جلوسه بعد ذلك ) يعني أن القيام في الصلاة على جهة الوجوب والشرطية إنما هو في صلاة الفرض، وأما النفل فلا يشترط فيه القيام ولو للقادر عليه، فله أن يصليه من جلوس ابتداء بل يحرم به وهو جالس ويتمه كذلك، وله أن يحرم به من جلوس ثم يأتي به من قيام، وله أن يحرم به من قيام ثم يأتي به من جلوس، وله أن يأتي بركعة من قيام وبركعة من جلوس، كل ذلك جائز، إلا إذا نوى أن يأتي بالنافلة من قيام فلا يجوز له بعد ذلك أن يأتي بها من جلوس. فجميع الأحوال التي تقدمت من حيث الجواز والصحة، وأما من حيث الجزاء والثواب فليس له إلا النصف من الثواب لنقص بعض ما يحصل به التواضع، وهو القيام لأن الجزاء من جنس العمل.

فصل

يجب قضاء ما في الذمة من الصلوات ولا يحل التفريط فيها، ومن صلى كل يوم خمسة أيام فليس

 ( فصل: يجب قضاء ما في الذمة من الصلوات ولا يحل التفريط فيها، ومن صلى كل يوم خمسة أيام فليس بمفرط ) لاشك أن المكلف إن لم يفعل ما وجب عليه من الوقت الذي حدده له الشرع صارت ذمته مشغولة بما كلف به، وبراءة الذمة واجبة، وحينئذ فيجب على من رتب في ذمته شيء من الصلوات المفروضة أن يقضيه على الفور وإلا كان آثما بالتأخير، والذي يخرجه عن عهدة التأخير وينظمه في سلك الامتثال أن يفعل ما في قدرته، بأن يشغل الأوقات الخالية عن أشغاله الضرورية بقضاء ما في ذمته، أو يأتي في كل يوم بقضاء خمسة أيام، فأي الأمرين يخرجه عن التفريط وينفي عنه الإثم والتقصير. ( ويقضيها على نحو ما فاتته، إن كانت حضرية قضاها حضرية، وإن كان سفرية قضاها سفرية، سواء كان حين القضاء في حضر أو في سفر ) أي أن المعتبر في قضاء الصلاة وقت الفوات، فلو فاتته في الحضر قضاها حضرية ولو كان وقت القضاء متلبسا بالسفر بأن كان مسافرا، ولو فاتته في السفر قضاها

(1/103)

بمفرط. ويقضيها على نحو ما فاتته: إن كان حضرية قضاها حضرية، وإن كان سفرية قضاها سفرية، سواء كان حين القضاء في حضر أو سفر.

والترتيب يبن الحاضرتين وبين يسير الفوائت مع الحاضرة واجب مع

سفرية ولو كان وقت القضاء حاضرا .

( والترتيب بين الحاضرتين وبين يسير الفوائت مع الحاضرة واجب مع الذكر ) أجمل هنا المصنف و لم يبين صفة الوجوب بين الحاضرتين وصفته بين الحاضرة وبين يسير الفوائت، فيفيد بظاهره تساوي الوجوبين، وليس كذلك، إذ وجوب الترتيب بين الحاضرتين على سيبل الشرطية إذ هو شرط في صحة الثانية مع الذكر، وليس شرطا في صحة الحاضرة مع يسير الفوائت إذ تصح الحاضرة ولو لم يرتب بينها وبين يسير الفوائت، ومعنى كون الترتيب بينها وبين يسير الفوائت واجبا أنه يثاب على فعله ويأثم بتركه مع صحة الحاضرة، غاية الأمر أنه يعيد الحاضرة ما دام الوقت الضروري باقيا، إن كان حين دخوله الحاضرة ذاكرا يسير الفوائت. وبهذا نعلم الفرق بين الواجبين، ونعلم أن من وجب عليه ظهر يوم وعصره وقدم العصر على الظهر ذاكرا أنه إن لم يؤد الظهر بطلت العصر،

(1/104)

الذكر، واليسير أربع صلوات فأدنى. ومن كانت عليه أربع صلوات فأقل صلاها قبل الحاضرة ولو خرج وقتها. ويجوز القضاء في كل وقت. ولا يتنفل من عليه القضاء، ولا يصلي الضحى، ولا قيام رمضان، ولا يجوز له إلا

وجب عليه إعادتها أبدا، وأما لو قدم صلاة العصر ناسيا لصلاة الظهر فلا يلزمه إلا الإعادة في الوقت الضروري، فإذا خرج الوقت فلا إعادة عليه. ( واليسير أربع صلوات فأدنى، ومن كانت عليه أربع صلوات فأقل صلاها قبل الحاضرة ولو خرج وقتها ) في عده اليسير أربع صلوات جرى منه على أحد القولين، والآخر أنه خمس صلوات، وعلى ما مشى عليه فالخمس صلوات من حيز الكثير فلا يجب الترتيب بينها وبين الحاضرة. ثم فرع على قوله: واليسير أربع صلوات فأدنى، قوله: ومن كانت.. إلخ، وكان الأولى أن يأتي بالفاء بأن يقول: فمن كانت عليه أربع صلوات.. إلخ، والحاصل أن من كانت عليه أربع صلوات أنه يقدم في الفعل الصلاة الفائتة وجوبا على الحاضرة، وإن خاف خروج وقت الحاضرة، فإن خالف وقدم الحاضرة صحت مع الإثم في العمد دون النسيان. وما ذكرنا من تقدم اليسير على الحاضرة وإن ضاق وقت الحاضرة هو المشهور، وقال ابن وهب إنه يبدأ بالحاضرة.

الشفع والوتر والفجر والعيدان والخسوف والاستسقاء.

ويجوز لمن عليهم القضاء أن يصلوا جماعة إذا استوت

 ( ويجوز القضاء في كل وقت ) من ليل ونهار، وعند طلوع الشمس وعند غروبها، حيث تحقق تركها أو ظنه، وأما المشكوك في تركها وعدمه على السواء فيجب قضاؤها ولكن يتوقى أوقات النهي، وجوبا في نهي الحرمة وندبا في نهي الكراهة، وأما الوهم والتحويز العقلي فلا يجب بهما قضاء ولا يندب، كما قاله الحطاب. (ولا يتنفل من عليه القضاء، و ولا يصلي الضحى ولا قيام رمضان ولا يجوز له إلا الشفع والوتر والفجر والعيدان والخسوف والاستسقاء ) يعني أن من اشتغلت ذمته بالفرائض يجب عليه أن يبادر بفراغ ذمته ولا يدع ذمته مشغولة ويتشاغل بما ليس هو مقررا من النوافل، غير أنهم استثنوا السنن المؤكدة لاعتناء الشرع بها، وتأكد طلبها في الأوقات التي عيناها له. ( ويجوز لمن عليهم القضاء أن يصلوا جماعة إذا استوت صلاتهم ) بأن كانت الصلاة المقضية ظهرا مثلا، فإذا اشتركوا في قضاء صلاة من الصلوات الخمس جاز أن يصلوها جماعة بأن يؤمهم واحد منهم

( ومن نسي عدد ما عليه من القضاء

صلاتهم. ومن نسي عدد ما عليه من القضاء صلى عدداً لا يبقى معه شك.

صلى عددا لا يبقى معه شك ) بأن يأتي بعدد يحيط بجميع ما شك فيه يقينا، ولا يكفي الظن، إذ الذمة لا تبرأ إلا مع اليقين، فالظن لا يكفي في براءة الذمة.

مثال ذلك ما إذا نسى هل ما تركه من الصلاة، الصبح أو الظهر أو العصر أو الجميع، فإنه يأتي بجميع ما دار عليه الشك ولا تبرأ ذمته إلا بفضل الجميع.

(1/107)

باب في السهو

وسجود السهو في الصلاة سنة. فللنقصان: سجدتان قبل السلام بعد تمام التشهدين يزيد بعدهما، وللزيادة: سجدتان بعد السلام يتشهد بعدهما

 ( باب في سجود السهو) أي في بيان حكمه وصفته ومحله. وحكمه أنه سنة على ما في المختصر، وفي الطراز وجوب البعدي، قاله التتائي. وصفته أنه سجدتان ولو تكرر سهوه. ومحله: إن ترتب عن نقص كان قبل السلام، وإن ترتب عن زيادة كان بعد السلام، وإن ترتب عن زيادة ونقص كان قبل السلام. والسهو الذهول عن الشيء، تقدم له ذكر أم لا، لأنه أعم من النسيان.

( وسجود السهو سنة ) لا فرق بين القبلي والبعدي على ما في المختصر، ولا فرق أيضا بين الصلاة المفروضة والنافلة على ما في المدونة، وخالف ابن سرين فقال: لا سجود في النافلة. والدليل على المدونة قوله صلى الله عليه وسلم: " لكل سهو سجدتان "

( فللنقصان سجدتان قبل السلام بعد تمام التشهدين يزيد بعدهما تشهد آخر ) ليس كل نقص يجبر بالسجود إذ من النقص ما لا يجبر إلا بالإتيان

ويسلم تسليمة أخرى. ومن نقص وزاد سجد قبل السلام.

ومن نسي السجود القبلي حتى سلم سجد إن كان قريباً، وإن طال أو خرج من المسجد بطل السجود وتبطل الصلاة معه إن كان على ثلاث سنن

به مثل ما لو ترك ركنا من الصلاة، كالركوع مثلا، ومنه ما لا يطلب له سجود مثل ما لو ترك فضيلة أو سنة خفيفة، بل السجود للفضيلة مبطل للصلاة.

وإنما الذي ينجبر بالسجود السنن المؤكدة وهي ثمانية: قراءة ما زاد على أم القرآن، والسر والجهر في الفريضة، كل في محله، والتكبير سوى تكبيرة الإحرام، وقول سمع الله لمن حمده، والتشهد الأول، والجلوس له، والتشهد الأخير، ولا يسجد لغير هذه الثمانية، فمن ترك شيئا من هذه الثمانية سجد سجدتين قبل السلام وبعد أن يتمم تشهده الأول والثاني ثم يتشهد ويسلم، إذ من سنة السلام أن يعقب تشهدا وهو اختيار ابن القاسم، وقيل لا يعيد التشهد وهو مروي عن مالك أيضا واختاره عبد الملك لأن سنة الجلوس الواحد لا يكرر فيه التشهد مرتين.

( وللزيادة سجدتان بعد السلام، يتشهد بعدهما ويسلم

أو أكثر من ذلك، وإلا فلا تبطل. ومن نسي السجود البعدي سجده ولو بعد عام.

ومن نقص فريضة فلا يجزيه السجود عنها. ومن نقص الفضائل فلا سجود عليه.

ولا يكون السجود القبلي إلا لترك سنتين فأكثر،

تسليمة أخرى ) يعني أن من زاد شيئا في صلاته، بشرط كون الزيادة من [جنس] اليسير، إذ الزيادة الكثيرة مبطلة للصلاة، سواء كانت من غير أقوال الصلاة كالكلام نسيانا وبطول، أو كانت من غير جنس أفعال الصلاة مثل أن ينسى أنه في صلاة فيأكل ويشرب، أو كانت من جنس أفعال الصلاة الكثير منه في الرباعية مثلها أربع ركعات على ما شهره ابن الحاجب وفي بطلانها بنصها قولان، فقيل تبطل. ولا فرق في الزيادة اليسيرة التي تجبر بالسجود بين كونها من غير أقوال الصلاة كالتكلم ساهيا، أو كانت من جنس أفعال الصلاة كالركوع والسجود، فمن سها بزيادة شيء في صلاته فإنه يسن له أن يسجد سجدتين بعد السلام ثم يتشهد على جهة السنية كتشهد الجلوس الأول ثم يسلم جهرا، وجهره سنة كالفريضة، والحاصل أن هذا البعدي مُحتوٍ على تكبير وسجود وتشهد وسلام، أما التشهد فهو سنة

(1/110)

وأما السنة الواحدة فلا سجود لها إلا السر والجهر، فمن أسر في الجهر سجد قبل السلام، ومن جهر في السر سجد بعد السلام.

ومن تكلم ساهياً سجد بعد السلام، ومن سلم

الإمام، والسلام واجب غير شرط فلا يبطل السجود بتركه، والتكبير يجري فيه ما جرى في تكبير الصلاة، فلو ترك الثلاثة وهي: التكبير، والسلام، والتشهد، وأتى بنيتهن أي السجود فالظاهر الصحة كما لبعض، بل قال ابن أبي زيد: لو ترك البعدي بالمرة لم تبطل صلاته.

( ومن نقص وزاد سجد قبل السلام ) يعني أن من سها في صلاته فنقص شيئا من سننها ومع ذلك زاد فيها شيئا يسيرا مما تقدم بيانه، مثل أن يترك التشهد ويزيد سجدة فإنه يغلب النقص على الزيادة ويسجد قبل السلام ثم يتشهد ثانيا ويسلم، [ووجه] إعادة التشهد ثانيا أن من سنة السلام أن يعقب تشهدا.

( ومن نسي السجود القبلي حتى سلم سجد إن كان قريبا، وإن طال أو خرج من المسجد بطل السجود وتبطل الصلاة معه إن كان عن ثلاث سنن أو أكثر من ذلك، وإلا فلا تبطل )

(1/111)

من ركعتين ساهياً سجد بعد السلام. ومن زاد في الصلاة ركعة أو ركعتين سجد بعد السلام. ومن زاد في الصلاة مثلها بطلت. ومن شك في كمال صلاته أتى بما شك فيه. والشك في النقصان لتحققه. فمن شك في ركعة أو سجدة أتى بها وسجد بعد السلام،

يعني أن من نسي السجود القبلي، أي الذي يفعل قبل السلام حتى سلم من صلاته، فلا يخلو إما أن يكون تذكره له عن قرب من انصرافه من الصلاة وحينئذ يأتي به ولا شيء عليه وناب السجود البعدي عن السجود القبلي لعذره بالنسيان، أو إن طال تذكره بأن بعد ما بين تذكره وانصرافه من الصلاة وخرج من المسجد بطل السجود وتبعه بطلان الصلاة، حيث كان مترتبا عن نقص ثلاث سنن، قال التتائي: [كالتحقيق]، كنسيان الجلوس الوسط أو ثلاث تكبيرات أو تحميدات، وأما إن كان مترتبا عن سنتين خفيفتين كالسورة التي تقرأ بعد أم القرآن وكالتحميدتين وطال الأمر فلا سجود عليه ولا بطلان.

( ومن نسي السجود البعدي سجده ولو بعد عام ) لا مفهوم للنسيان ومثله الترك عمدا، فمن ترك السجود البعدي أي الذي يفعل بعد السلام عمدا أو نسيانا فليسجده وإن طال

وإن شك في السلام سلم إن كان قريباً ولا سجود عليه، وإن طال بطلت صلاته.

والموسوس يترك الوسوسة من قلبه، ولا يأتي بما شك فيه ولكن يسجد بعد السلام سواء شك في زيادة أو نقصان.

ومن جهر في القنوت فلا سجود عليه ولكنه يكره عمده.

ومن زاد السورة في الركعتين الأخيرتين فلا سجود عليه.

ومن سمع ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فصلى عليه فلا شيء عليه،

الزمن، لأنه ترغيم للشيطان، فناسب أن يسجده وإن بعد الزمن، وظاهر كلام [ابن أبي زيد] في المدونة أن يأتي به ولو كان في وقت نهي، وظاهره أيضا أنه إن ترتب من صلاة الجمعة لا يرجع إلى الجامع، والمذهب على ما قال التادلي: يرجع، وظاهر المختصر: اختصاصه الرجوع بالقبلي دون البعدي، وهو المعتمد، وعلى كلام المختصر فمن ترتب عليه سجود قبلي في صلاة الجمعة كما لو فاتته الركعة الأولى من الجمعة وقام لقضائها فنسي السورة وخرج من المسجد ولم يطل الأمر فإنه رجع للمسجد الذي صلى فيه، إذ لابد من فعله في الجامع الذي أذنت فيه الجمعة.

سواء كان ساهياً أو عامداً أو قائماً أو جالساً.

ومن قرأ سورتين فأكثر في ركعة واحدة أو خرج من سورة إلى سورة، أو ركع قبل تمام السورة فلا شيء عليه في جميع ذلك.

ومن أشار في صلاته بيده أو رأسه فلا

 ( ومن نقص فريضة فلا يجزيه السجود عنها ) لأن جبر الخلل الواقع في الصلاة بالسجود مخصوص بغير الفرائض، وأما الفرائض فلا جبر بالسجود اتفاقا، بل إن أمكنه تدارك المتروك فأتى به، وإلا بطلت الصلاة، فمن تيقن أنه ترك ركعة كاملة أو شك في الترك حال تشهده وقبل سلامه فلابد من الإتيان بتلك الركعة. وكيفية الإتيان بها أنه يأتي بها بانيا على ما سبق من الركعات، فلو كانت تلك الركعة إحدى الأوليين فإنه يسجد بعد ذلك قبل السلام لانقلاب الركعات فتحقق له الزيادة والنقص، فإن لم تكن من إحدى الأوليين فإنه يسجد بعد الإتيان بتلك الركعة بعد السلام لتمحض الزيادة. واختلف في السهو عن القراءة في ركعة من غير الصبح، كالرباعية أو الثلاثية على ثلاثة أقوال كلها في المدونة، قيل يجزئ عن القراءة في ركعة من غير الصبح سجود السهو قبل السلام، واختار هذا القول عبد الملك

شيء عليه.

ومن كرر الفاتحة ساهياً سجد بعد السلام، وإن كان عامداً فالظاهر البطلان.

ومن تذكر السورة بعد انحنائه إلى الركوع فلا يرجع إليها.

ومن تذكر السر أو الجهر قبل الركوع أعاد القراءة، فإن كان ذلك في

بناء على أنها فرض في [الكل]، وقيل يلغيها أي الركعة التي ترك منها قراءة الفاتحة ويأتي بركعة بدلها لفوات تداركها ويسجد بعد السلام حيث جلس بعد ركعتين صحيحتين، بحيث قرأ فيهما الفاتحة والسورة، وإلا سجد قبل السلام لزيادة الركعة الملغاة ونقص الجلوس والسورة من الثانية التي ظنها ثالثة، واختار هذا القول ابن القاسم، وهذا يقتضي وجوبها في كل ركعة، وصحح ابن الحاجب القول بوجوبها في كل ركعة، وقال ابن شاش هي الرواية المشهورة، وقيل يسجد قبل السلام ولا يأتي بركعة بدلها ويعيد الصلاة احتياطا، قال الأجهوري: وإنما أمر بالاحتياط لبراءة ذمته مراعاة لمن يقول بوجوبها في كل ركعة، وبالإعادة افترقت الرواية الثالثة من الأولى.

( ومن نقص الفضائل فلا سجود عليه ) بل نصوا على أن من سجد قبل السلام لنقص فضيلة أعاد أبدا، مثل ذلك من

السورة وحدها أعادها ولا سجود عليه، وإن كان في الفاتحة أعادها وسجد بعد السلام. وإن فات بالركوع سجد لترك الجهر قبل السلام ولترك السر بعد السلام سواء كان من الفاتحة أو السورة وحدها.

ومن ضحك

ترك القنوت في الصبح فظن أنه يجبر بالسجود جهلا منه فجسد قبل السلام، فالصلاة باطلة والإعادة أبدية.

( ولا يكون السجود القبلي إلا لترك سنتين فأكثر، وأما السنة الواحدة فلا سجود لها، إلا السر والجهر، فمن أسر في الجهر سجد قبل السلام ومن جهر في السر سجد بعد السلام ) وأما ترك السجود عن التكبيرة الواحدة فهو المشهور، وعليه فإن سجد قبل السلام بطلت صلاته لأن السجود لا يترتب إلا عن سنتين أو سنة مؤكدة كالسر والجهر، فمن أسر في الصلاة الجهرية بأن أتى بالسر مكان الجهر فإنه يسن له السجود قبل السلام لأن السر بالنسبة للجهر نقص، ولذا ترتب عليه السجود قبل السلام، ومن جهر في الصلاة السرية فإنه يسن له السجود بعد السلام لأن الجهر بالنسبة للسر زيادة، ولذا ترتب عليه السجود بعد السلام.

في الصلاة بطلت سواء كان ساهياً أو عامداً، ولا يضحك في صلاته إلا غافل متلاعب.

والمؤمن إذا قام لصلاة أعرض بقلبه عن كل ما سوى الله سبحانه

 ( ومن تكلم ساهيا سجد بعد السلام ) أي ساهيا عن كونه في الصلاة أو عن كونه متكلما به، أو احترز بالسهو عن العمد فتبطل به الصلاة، إلا ما كان لإصلاحها فلا تبطل به إلا أن يكثر في نفسه، والكثرة بالعرف.

وإنما طلب منه السجود بعد السلام كما قاله المصنف لأنه زيادة، ولا تبطل الصلاة به لأنه هو معذور بالسهو فيجبر بالسجود، وهذا الحكم خاص بالإمام والفذ، وأما المأموم فإن الإمام يحمل سهوه ما لم يكن فريضة.

( ومن سلم من ركعتين ساهيا سجد بعد السلام ) أي بعد أن يأتي بما بقي عليه إن تذكر ذلك بالقرب، فمن سلم بعد ركعتين ساهيا وتذكر ذلك بالقرب فإنه رجع لإصلاح صلاته بإحرام، ويأتي بما بقي عليه ثم يسجد بعد السلام، لتمحض الزيادة، إذ السلام الذي مدر منه زيادة محضة.

( ومن زاد في الصلاة ركعة أو ركعتين سجد بعد السلام،

وترك الدنيا وما فيها، حتى يحضر بقلبه جلال الله سبحانه وعظمته، ويرتعد قلبه وترهب نفسه من هيبة الله جل جلاله، فهذه صلاة المتقين. ولا شيء عليه في التبسم، وبكاء الخاشع في الصلاة مغتفر. ومن أنصت لمتحدث قليلاً فلا شيء عليه.

ومن قام من ركعتين قبل الجلوس،

ومن زاد في الصلاة مثلها بطلت ) الفعل الذي من جنس الصلاة: إما كثير أو يسير.

فالكثير منه الرباعية مثلها، فمن سها بزيادة أربع ركعات في الصلاة الرباعية بطلت صلاته، وفي بطلانها بنصفها قولان، فقيل تبطل، وقيل لا تبطل ويسجد للسهو بعد السلام وهو المعتمد، ولذا جرى عليه المصنف. والكثير في الثنائية مثلها ركعتان، ولا تبطل بزيادة ركعة على المشهور وإليه الإشارة بقول المصنف: (ومن زاد ركعة..) إلخ، مثال الثنائية الصبح والجمعة بناء على أنها فرض يومها، وأما الثنائية السفرية فلا تبطل إلا بزيادة أربع ركعات. والكثير في المغرب ركعتان تبطل بزيادتهما، ولا تبطل بزيادة ركعة، والمعتمد أن الثلاثية كالرباعية لا تبطل إلا بزيادة أربع ركعات محققات.

وتتحقق الركعة برفع الرأس من الركوع، فإذا رفع رأسه من ثامنة في رباعية أو من سابعة في ثلاثية أو من رابعة في ثنائية فقد بطلت الصلاة .

(1/118)

فإن تذكر قبل أن يفارق الأرض بيديه وركبتيه رجع إلى الجلوس ولا سجود عليه، وإن فارقها تمادى ولم يرجع وسجد قبل السلام، وإن رجع بعد المفارقة وبعد القيام ساهياً أو عامداً صحت صلاته وسجد بعد_________________________( ومن شك في كمال صلاته أتى بما شك فيه ) فإذا دار الشك بين كونه صلى أربعا أو ثلاثا فإنه يبني على المحقق، والمحقق في هذه الصور الثلاث، فيبني على الثلاث ويأتي بركعة رابعة ثم يسجد بعد السلام.( والشك في النقصان كتحققه، فمن شك في ركعة أو سجدة أتى بها وسجد بعد السلام ) أي أن المشكوك في تركه كالمحقق الترك، وحينئذ فيجب على من شك في ركعة أو سجدة أن يأتي بها، ولأجل احتمال الزيادة طلب منه السجود بعد السلام.( وإن شك في السلام سلم إن كان قريبا ولا سجود عليه ) كلام المصنف هذا غير كافل بفقه المسألة، فإن ظاهره أنه متى كان قريبا سلم ولا سجود عليه، سواء قام من مقامه الذي صلى فيه أم لا، سواء انحرف عن القبلة أو لم ينحرف، وكان عليه أن

السلام. ومن نفخ في صلاته ساهياً سجد بعد السلام، وإن كان عامداً بطلت صلاته. ومن عطس في صلاته فلا يشتغل بالحمد ولا يرد على من شمته ولا يشمت عاطساً، فإن حمد الله فلا شيء عليه. ومن تثاءب في_________________________يقيد كلامه بقيود حتى يأتي على صور المسألة منطوقا ومفهوما، بأن يقول: وإن شك في السلام سلم ولا شيء عليه إن كان قرييا و لم يقم من مقامه ولا انحرف عن القبلة، فيؤخذ منه ثلاث صور: صورة بطريق المنطوق وهى التي ذكرها، وصورتان بطريق المفهوم، الأولى أنه إذا قام من مقامه والفرض عدم الطول فإنه يرجع بتكبيرة ويتشهد ويسلم ويسجد بعد السلام، والثانية أنه إذا انحرف عن القبلة فإنه يستقبل ويسلم ولا يتشهد ولا إحرام عليه ولكنه يسجد بعد السلام. ( وإن طال بطلت صلاته ) مفهوم من قوله إن كان قريبا، فهو تصريح بما علم مفهوما.( والموسوس يترك الوسوسة من قلبه ولا يأتي بما شك فيه، ولكن يسجد بعد السلام سواء شك في زيادة أو نقصان ) أي ليس للوسوسة دواء إلا الإعراض عن وحي الشيطان، وإذا كان الأمر كذلك فلا يسترسل الموسوس مع الشكوك بل يلهى عن

(1/120)

الصلاة سد فاه، ولا ينفث إلا في ثوبه من غير إخراج حروف.ومن شك في حدث أو نجاسة فتفكر في صلاته قليلاً، ثم تيقن الطهارة فلا شيء عليه.ومن التفت في الصلاة ساهياً فلا شيء عليه، وإن تعمد فهو مكروه،_________________________كل ما يقذفه الشيطان في قلبه من زيادة في صلاته أو نقص فيها، ولا إصلاح عليه إنما عليه أن يسجد بعد السلام.( ومن جهر في القنوت فلا سجود عليه ولكنه يكره عمده ) يعنى أنه يكره تعمد الجهر في القنوت، ولو ارتكب هذا المكروه وجهر به فلا سجود عليه، بل لو سجد بطلت الصلاة إن وقع السجود قبل السلام.( ومن زاد السورة في الركعتين الأخيرتين فلا سجود عليه ) بل زيادة السورة فيها مكروهة والسجود لتلك الزيادة مبطل إن وقع قبل السلام.( ومن سمع ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فصلى عليه فلا شيء عليه، سواء كان ساهيا أو عامدا أو قائما أو جالسا ) أي لا يترتب على من سمع ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فصلى عليه سجود، لا قبلي ولا بعدي، ولا يكره له ذلك ولا

وإن استدبر القبلة قطع الصلاة.ومن صلى بحرير أو ذهب أو سرق في الصلاة أو نظر محرما في عاص وصلاته صحيحة.ومن غلط في القراءة بكلمة من غير القرآن سجد بعد السلام، وإن كانت من القرآن فلا_________________________يحرم عليه ولا تبطل به الصلاة، بل يجوز له أن يصلي عليه وينفى عنه كل شيء يلزم المصلي إذا تكلم وهو في الصلاة.( ومن قرأ سورتين فأكثر في ركعة واحدة، أو خرج من سورة إلى سورة، أو ركع قبل تمام السورة فلا شيء عليه في جميع ذلك ) أي لا يترتب عليه سجود، فالمنفي هو السجود، فلا يترتب عليه سجود لا قبلي ولا بعدي، وأما من حيث الكراهة فإنه يكره له أن يقتصر على بعض السورة بل تتميمها مندوب.وكره له أيضا أن يزيد على السورة الواحدة لكن في الفرض خاصة وأما في النفل فلا يكره.( ومن أشار في صلاته بيده أو رأسه فلا شيء عليه ) أي من حيث السجود والبطلان، وأما من حيث الكراهة فإنه من العبث المنهي عنه على جهة الكراهة.( ومن كرر الفاتحة ساهيا سجد بعد السلام ) ليس هذا

سجود عليه إلا يتغير اللفظ أو يفسد المعنى فيسجد بعد السلام. ومن نعس في الصلاة فلا سجود عليه، وإن ثقل نومه أعاد الصلاة والوضوء. وأنين المريض مغتفر، والتنحنح للضرورة مغتفر وللإفهام منكر ولا تبطل_________________________الحكم خاصا بالفاتحة، بل من كرر الركوع أو السجود ساهيا فإنه يسجد بعد السلام. ( وإذ كان عامدا فالظاهر البطلان ) ظاهره غير ظاهر، [إذ المعتمد تكرار] الفاتحة.( ومن تذكر السورة بعد انحنائه إلى الركوع فلا يرجع إليها ) بل يتمادى على صلاته، لأن الركوع ركن من أركان الصلاة والسورة سنة ولا يرجع من الفرض إلى السنة، وإنما اللازم عليه السجود قبل السلام.( ومن تذكر السر أو الجهر قبل الركوع أعاد القراءة، فإن كان ذلك في السورة وحدها أعادها ولا سجود عليه، وإن كان الفاتحة أعادها وسجد بعد السلام ) مفاد كلامه أن من جهر في محل السر أو أسر في محل الجهر ثم تذكر قبل أن يركع فإنه يعيد القراءة على حسب المطلوب منه إن سرا فسر وإن جهرا فجهر، فإن كان جهر بالقراءة في محل السر وقلنا إنه يعيد القراءة سرا، فإن كان في الفاتحة فقط أو الفاتحة والسورة طلب منه

الصلاة به. ومن ناداه أحد فقال له: سبحانه الله، كره وصحت صلاته. ومن وقف في القراءة ولم يفتح عليه_________________________السجود بعد السلام، وإن كان ذلك في السورة فقط أعادها على حسب المطلوب منه ولا سجود عليه، ومثل ذلك يقال إذا أسر في محل الجهر.( وإن فات بالركوع، سجد لترك الجهر قبل السلام، ولترك السر بعد السلام ) أي أن محل طلب إعادة القراءة إذا خالف سنته بأن جهر في محل السر أو العكس إن تذكر قبل الركوع، وأما إن فات تدارك القراءة بأن ركع، فإن كان ترك الجهر بالقراءة [لتكون] الصلاة جهرية يطلب فيها الجهر بالقراءة كالصبح فإنه يسجد قبل السلام، وإن كان ما فات تداركه بالركوع هو السر بأن كانت الصلاة سرية تطلب فيها القراءة سرا كالظهر فإنه يسجد بعد السلام.ولكن لا يخفى عليه أن السجود الذي ترتب عن ترك السر في الصلاة السرية أو الذي ترتب عن ترك الجهر في الصلاة الجهرية إذا كان ذلك في خصوص الفاتحة أو هي مع السورة، وأما لو ترك ذلك في السورة وحدها لا سجود عليه، بل لو سجد القبلي أي الذي قبل السلام لترك الجهر في السورة فسدت الصلاة ووجب عليه

(1/124)

أحد ترك تلك الآية وقرأ ما بعدها، فإن تعذرت عليه ركع. ولا ينظر مصحفاً بين يديه إلا أن يكون في_________________________إعادتها أبدا.( ومن ضحك في الصلاة بطلت صلاته سواء كان ساهيا أو عامدا ) أي قهقه فيها، وهو الضحك بصوت، بطلت اتفاقا إن كان عمدا سواء كان فذا أو إماما أو مأموما، وما على المشهور إن كان سهوا أو غلبة، قال ابن ناجي: وإن ضحك سرورا بما أعده الله للمؤمنين كما لو قرأ آية فيها صفة أهل الجنة فضحك سرورا فالظاهر البطلان، وبه أفتى غير واحد ممن لقيته. وعلى المشهور في السهو والغلبة يستخلف الإمام فيها ويرجع مأموما، أي على صلاة باطلة، فيجب عليه إعادتها أبدا ولا يعيد الوضوء، ولعل وجه رجوعه مأموما مع الإعادة أبدا مراعاة من يقول بالصحة مع الغلبة والنسيان قياسا على الكلام، وإن كان الذي ضحك مأموما تمادى مع إمامه استحبابا مراعاة لحقه وإعادة صلاته وجوبا، وتمادي المأموم مع الإمام مقيد بقيود: أن لا يقدر على الترك في أثاء الضحك فإن قدر على الترك لم يتماد، وأن لا يخاف بتماديه خروج الوقت وإلا قطع، وأن لا يلزم على بقائه ضحك المأمومين أو بعضهم وإلا قطع، وأن لا تكون الصلاة

(1/125)

الفاتحة فلابد من كمالها بمصحف أو غيره، فإن ترك منها آية سجد قبل السلام، وإن كان أكثر بطلت صلاته._________________________جمعة، وإلا قطع ولو اتسع الوقت. ( ولا في يضحك في صلاته إلا غافل متلاعب، والمؤمن إذا قام للصلاة أعرض بقلبه عن كل ما سوى الله سبحانه وترك الدنيا وما فيها، حتى يحضر بقلبه جلال الله سبحانه وعظمته ويرتعد قلبه وترهب نفسه من هيبة الله جل جلاله، فهذه صلاة المتقين ) قد أصاب المصنف في جعله من يضحك في صلاته متلاعبا غافلا، ولكن وصفه بأنه مصل وأن هذه صلاة ليس إلا على طريق المشابهة الصورية، وأما وصفه بأنه مصل وأن هذه صلاة حقيقية فلا، إذ الأسماء الشرعية التي منها هذا الاسم لا تطلق إلا بإزاء مسمياتها الحقيقية، ألا ترى أن قوله صلى الله عليه وسلم: "يناجي ربه" إخبار عنه بأنه متصف بالمناجات، ولا يخبر عنه صلى الله عليه وسلم بأنه يناجي ربه إلا إذا كان يطلق عليه أنه مصل إطلاقا حقيقيا، وأن صلاته صلاة حقيقية بأن كان متلبسا بأعمال الصلاة لا يصرفه عنها صارف ولا يقع في خياله إلا معبوده، والذي يضحك في الصلاة لم يدخل في حرماتها من أول الأمر، ولم يتلبس بها إلا صورة، وحينئذ يفتح له كل باب من أنواع اللعب فيضحك ويتخيل

(1/126)

ومن فتح على غير إمامه بطلت صلاته، ولا يفتح على إمامه إلا أن ينتظر الفتح أو يفسد المعنى. ومن جال_________________________ما هو أقبح من الضحك، ويقع في أنواع المحذورات، إذ هو رهين الشيطان أسير هواه، إذ لو دخل في الصلاة مستحضرا لعظمة الله لانتفضت جوارحه، أي [حكنت] وخضعت، وارتعدت فرائصه ووجل قلبه ورهبت نفسه، فمن كان وصفه هكذا كيف يضحك وأنى يستحضر ما ينشأ عنه الضحك، بل تفنى نفسه في معبوده، ولا يكون عنده إلا تذكر شهوده واستحضار عظمته وسلطانه، فيغيب عن كل ما سواه ويقبل عليه بكل جوارحه، فيصدق في القول والعمل ولا يعي إلا الأعمال التي يؤديها ويكون في عداد { إنما يتقبل الله من المتقين } . ( ولا شيء عليه في التبسم ) أي لا من حيث بطلان الصلاة، ولا يترتب على من حصل منه وهو في الصلاة سجود، ولا يعد من اتصف به متلاعبا إذ لا يعد من العبث حتى يذهب الخشوع الذي يدور عليه قبول العبادة. ( وبكاء الخاشع في الصلاة مغتفر ) أي بشرط أن يكون غلبه، وحاصل ما يتعلق بالبكاء أنه إذا كان بغير صوت لا يبطل، اختيارا أو غلبه، تخشعا أو لا، إلا أن يكثر الاختياري فيما يظهر

(1/127)

فكره قليلاً في أمور الدنيا نقص ثوابه ولم تبطل صلاته. ومن دفع الماشي بين يديه أو سجد على شق جبهته أو سجد_________________________وما لصوت يبطل، كان لتخشع أو مصيبة إن كان اختيارا، فإن كان غلبة لا يبطل إن كان لتخشع وإن كان لغيره أبطل ( ومن أنصت لمتحدث قليلا فلا شيء عليه ) أي لا سجود عليه ما لم يطل جدا، وإلا عد من الفعل المبطل كثيره ( ومن قام من ركعتين قبل الجلوس، فإن تذكر قبل أن يفارق الأرض بيديه وركبتيه، رجع إلى الجلوس ولا سجود عليه ) أي أن حكم من قام من اثنتين من صلاة الفريضة قبل أن يجلس، أي تزحزح للقيام ثم تذكر قبل أن يفارق الأرض بيديه وبركبتيه، فإنه يرجع ثم يتشهد ويتم صلاته ولا سجود عليه على المشهور لخفة الأمر في ذلك. فإن تمادى على القيام عامدا بطلت صلاته على المشهور، لأنه ترك ثلاث سنن عامدا، وقيل لا تبطل على الخلاف في ترك السنة عمدا، فحكم الرجوع: الوجوب على الأول، والسنة على الثاني. وإن تمادى ناسيا سجد قبل السلام. ( وإن فارقها تمادى ولم يرجع وسجد قبل السلام، وإن رجع بعد المفارقة وبعد القيام ساهيا أو عامدا صحت صلاته وسجد بعد السلام ) هذا صادق بصورتين: الأولى أن يفارق الأرض بيديه وركبتيه ولم يعتدل قائما ثم تذكر بعدما فارق الأرض بيديه وركبتيه،

(1/128)

على طية أو طيتين من عمامته فلا شيء عليه. ولا شيء في غلبة القيء والقلس في الصلاة. وسهو_________________________والثانية أن يفارق الأرض ويعتدل قائما، والحكم فيهما واحد، وهو ما ذكره المصنف أنه يتمادى على صلاته ولا يرجع، ويسجد قبل السلام، لكن عدم الرجوع في الأولى على المشهور وعليه لا تبطل صلاته إن رجع إلى الجلوس عمدا أو سهوا أو جهلا، ويسجد بعد السلام لتحقق الزيادة، وفي الثانية متفق عليه، فإن رجع إلى الجلوس عامدا ففي التوضيح المشهور الصحة وعليه يسجد بعد السلام لتحقق الزيادة، وإن رجع جاهلا ففي النوادر عن سحنون تفسد صلاته، وإن رجع ناسيا فلا تبطل صلاته اتفاقا.( ومن نفخ في صلاته ساهيا سجد بعد السلام، وإن كان عامدا بطلت صلاته ) حكم النفخ بالفم في الصلاة حكم الكلام، فتبطل بعمده وجهله، ولا تبطل بسهوه وإنما يجبر بالسجود بعد السلام، وأما بالأنف فلا يبطل عمده ولا سجود في سهوه، وقيده الأجهوري بأن لا يكون عبثا، والأحرى على الأفعال الكثيرة. ( ومن عطس في صلاته ) عطَس بفتحة في الماضي، وبفتح أو ضم [الطاء] في المضارع، ( فلا يشتغل بالحمد ) لأن ما هو

(1/129)

المأموم يحمله الإمام، إلا أن يكون من نقص الفريضة. وإذا سها المأموم أو نعس أو زوحم عن الركوع وهو_________________________فيه أهم. ( ولا يرد على من شمته ) أي لا يطلب منه الرد بالإشارة، بل منهي عنه. ( ولا يشمت عاطسا ) بأن يقول له "يرحمك الله" فإن فعل ذلك عمدا أو جهلا بطلت صلاته، فإن حمد الله فلا شيء عليه، أي في نفسه، وعن سحنون: ولا في نفسه، كذا ذكر هذا القول في التحقيق وهو الراجح. ( ومن تثاءب في الصلاة ) تثاءب بالمد: أي فتح فاه لدفع البخارات المحتقنة في عضلات الفك اللحمي ( سد فاه ولا ينفث إلا في ثوبه من غير إخراج حروف ) أي فليضع يده اليمنى ظاهرها أو باطنها، [أو] ظاهر اليسرى استحبابا، فإذا زال عنه التثاؤب هرع في القراءة من غير نفث، ولا ينفث وهو في الصلاة، خلافا لظاهر المصنف.( ومن شك في حدث أو نجاسة فتفكر في صلاته قليلا ثم تيقن الطهارة فلا شيء عليه ) يعني أن من شك في الطهارة أو في نجاسة ثوبه وهو في أثناء الصلاة تمادى على صلاته، ثم إن تبين له الطهر وهو في الصلاة أو بعد أن تممها فالأمر ظاهر، أي الصلاة صحيحة ولا إعادة عليه ولا يترتب عليه سجود،

(1/130)

في غير الأولى، فإن طمع في إدراك الإمام قبل رفعه من السجدة الثانية ركع ولحقه، وإن لم يطمع ترك_________________________وإن استمر على شكه إن تبين له الحدث أو نجاسة الثوب، فالصلاة والإعادة واجبة. ( ومن التفت في الصلاة ساهيا فلا شيء عليه، وإن تعمد فهو مكروه ) أي أن حكم الالتفات في الصلاة الكراهة إذا تعمده، ولا شيء فيه إذا كان من قبيل السهو، ولا شيء في عمده وسهوه من حيث بطلان الصلاة. ( وإن استدبر القبلة قطع الصلاة ) يعني أن الحكم بكراهة الالتفات إذا كان عن عمد، وعدم الكراهة إذا كان سهوا، إذا لم يلزم عليه استدبار القبلة، فإذا وصل إلى هذه الدرجة بأن التفت بجميع جسمه حتى كانت القبلة وراءه في دبره، فالواجب عليه حينئذ قطع الصلاة لبطلانها، ويستأنفها ثانيا، لأن استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة ابتداء ودواما إلى أن تؤدى الصلاة، فاستدبارها في أي آن من آنات الصلاة مفسد لها. ( ومن صلى بحرير أو ذهب أو سرق في الصلاة أو نظر محرما فهو عاص، وصلاته صحيحة ) حكم هذه الأشياء الأربعة التحريم على المكلف داخل الصلاة وخارجها، فيحرم عليه التختم بالذهب ولبس ما نسج من الحرير والنظر إلى ما حرم الله عليه

(1/131)

الركوع وتبع إمامه وقضى ركعة في موضعها بعد سلام إمامه.وإن سها عن السجود أو زوحم أو نعس_________________________النظر إليه، وتناول ما ليس بمملوك له على جهة أنه يتملكه ويستهلكه بالانقطاع به، ولكن لما كانت الصلاة محلا للتواضع والانكسار والتذلل والخضوع، لأنها وإن كانت واجبة على المكلف وملزوما بأدائها إلا أنه يتقرب بها إلى الله لطلب رضاه وبعده عن سخطه وعدم معاقبته بما جناه واقترفه من السيئات، وفي الحديث: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" فينبغي لمن هو في أقرب أكوانه من ربه أن لا يبارزه بالمعاصي وأن يترك ما يوجب سخطه، فلربما وقع في الوهم أن ملابسته هذه الأشياء المحرمة في الصلاة مؤثر فيها بالفساد فيقضى بطلانها وإعادتها على حرمان الثواب الذي منشؤه غضب الله بسبب انتهاك محارمه، دفع ذلك المصنف بقوله: (ومن صلى... ) إلخ، فمن صلى في ثوب [فيه] حرير أو متختما بذهب أو سرق في الصلاة أو نظر محرما فهو عاص لله وصلاته صحيحة، بمعنى أنه سقط عنه الواجب فهو غير مطالب بالإتيان به مرة أخرى، وإن كان فاسدا من حيث الثواب بمعنى لا يثاب عليه. ( ومن غلط في القراءة بكلمة من غير القرآن سجد بعد

(1/132)

حتى قام الإمام إلى ركعة أخرى سجد إن طمع في إدراك الإمام قبل الركوع وإلا تركه وتبع الإمام_________________________السلام، وإذ كانت من القرآن فلا سجود عليه، إلا أن يتغير اللفظ أو يفسد المعنى فيسجد بعد السلام ) الكلام الذي يقطع غلطا من المصلي: إما أن يكون من القرآن أو من غر القرآن، فإن كان من غير القرآن سجد بعد السلام لأن حكمه حكم الكلام الذي يقع سهوا، وإن كان من القرآن فإما أن يغير اللفظ أو يفسد المعنى، أو لا، فإن غير اللفظ وأفسد المعنى سجد بعد السلام وإلا فلا سجود عليه.( ومن نعس في الصلاة فلا سجود عليه ) حيث كان يحكم عليه بانتقاض وضوئه، بأن كان نعاسه خفيفا جدا لا يصل إلى درجة انتقاض الوضوء ولا إلى طلبه إلى جهة [الاستحباب]، فإن وصل إلى درجة بحيث يحكم بانتقاض وضوئه فهو ما أشار له المصنف بقوله: ( وإن ثقل نومه أعاد الصلاة والوضوء ) وإنما وجب عليه الوضوء لانتقاضه بسبب النوم الثقيل لأنه من الأسباب المؤدية إلى الحدث، ووجب عليه إعادة الصلاة بفقد شرط صحتها وهو الطهارة، لأنه حكم بانتقاضه بسبب النوم الثقيل.( وأنين المريض مغتفر ) ظاهره وإن كان من الأصوات

(1/133)

وقضى ركعة أخرى أيضاً، وحيث قضى الركعة فلا سجود عليه إلا أن يكون شاكاً في الركوع أو السجود.ومن جاءته حية أو عقرب فقتلها فلا شيء عليه إلا أن يطول فعله أو يستدبر القبلة فإنه يقطع. ومن شك هل_________________________الملحقة بالكلام لأنه محل ضرورة.( والتنحنح للضرورة مغتفر وللإفهام منكر، ولا تبطل الصلاة به ) حاصل الكلام في التنحنح أنه إن كان لضرورة لا تبطل به الصلاة ولا سجود فيه اتفاقا، ولغير ضرورة قولان لمالك: أحدهما يفرق بين العمد والسهو، والآخر لا يبطل مطلقا وبه أخذ ابن القاسم واختاره الأبهري واللخمي لخفة الأمر.( ومن ناداه أحد فقال له: سبحان الله، كره وصحت صلاته ) وقيل ببطلان صلاته لأن ذلك في معنى المحادثة.( ومن وقف في القراءة ولم يفتح عليه أحد ترك الآية وقرأ ما بعدها، فإن تعذر عليه ركع، ولا ينظر مصحفا بين يديه إلا أن يكون في الفاتحة فلابد من كمالها بمصحف أو غيره، فإن ترك منها آية سجد قبل السلام وإن كان أكثر بطلت صلاته ).حكم ما زاد على أم القرآن السنية، فإن قرأ آية وتعذر عليه

(1/134)

هو في الوتر أو في ثانية الشفع جعلها ثانية الشفع وسجد بعد السلام ثم أوتر. ومن تكلم بين الشفع والوتر ساهياً فلا شيء عليه، وإن كان عامداً كره ولا شيء عليه. والمسبوق إن أدرك مع الإمام أقل من_________________________ما بعدها ولم يفتح عليه أحد فإنه يترك ما تعذر عليه ويأتي بما بعده من الآيات، فإن تعذر عليه ذلك ركع ولا سجود عليه لأن السنة حصلت بما قرأ من السور، وغاية الأمر أن ختم السورة فضيلة، ولا يجوز له أن ينظر في مصحف بين يديه ليتمم السورة لخفة الأمر في ترك الفضيلة، وأما من وقف في الفاتحة فاللازم عليه كمالها، إما في مصحف بين يديه أو بتلقين أحد، فإن لم يكمل الفاتحة فلا يخلو إما أن يكوون ما ترك منها آية فقط وحينئذ فاللازم عليه السجود قبل السلام والصلاة صحيحة، وإن كان المتروك منها أكثر من آية بطلت الصلاة.( ومن فتح على غير إمامه بطلت صلاته ) فمن كان في صلاة وفتح على مصل آخر غير إمامه فصلاته فاسدة، لعدم الرابطة بينهما. ( ولا يفتح على إمامه إلا أن ينتظر الفتح أو يفسد المعنى ) أي لا يجوز للمأموم أن يلقن إمامه القراءة إذا تعذر عليه ولم يفقه ما بعد الآية التي

(1/135)

ركعة فلا يسجد معه لا قبلياً ولا بعدياً، فإن سجد معه بطلت صلاته، وإن أدرك ركعة كاملة أو أكثر سجد معه القبلي وأخر البعدي حتى يتم صلاته فيسجد بعد سلامه، فإن سجد مع الإمام عامداً بطلت صلاته وإن كان_________________________قرأها إلا بأحد أمرين: أحدهما أن ينتظر الإمام أن أحدا من المأمومين يفتح عليه، أي يلقنه القراءة، وثانيهما أن يأتي الإمام بكلام يغير المعنى وحينئذ يجوز له أن يفتح عليه ويلقنه ما تعذر عليه.( ومن جال فكره قليلا في أمور الدنيا نقص ثوابه ولم تبطل صلاته ) التفكر في الصلاة في غير الأمور المتعلقة بها مكروه، فإن جال فكره وهو في الصلاة في الأمور الدنيوية فالصلاة صحيحة، بمعنى أنه يسقط عنه الفرض ولكنها خالية عن الثواب، إذ الثواب يدور على الخشوع والتواضع، لا يجتمع لشخص واحد في آن واحد أنه خاشع ومشتغل بالأمور الدنيوية، بمعنى أن فكره مشغول بها، إذ حصول أحدها ينفي حصول الأخر.( ومن دفع الماشي بين يديه، أو سجد على شق جهبته، أو سجد على طيتين من عمامته، فلا شيء عليه ) يعني أن المصلي إذا مر بين يديه

(1/136)

ساهياً سجد بعد السلام. وإن سها المسبوق بعد سلام الإمام فهو كالمصلي وحده، وإذا ترتب على المسبوق بعدي من جهة إمامه وقبلي من جهة نفسه أجزأه القبلي.ومن نسي الركوع وتذكره في السجود رجع قائماً،_________________________مار من بهيمة أو إنسان فهو مأمور من قبل الشرع أن يدفعه ويمنعه عن المرور بين يديه، فإذا فعل ذلك بأن دفع من مر بين يديه فلا شيء عليه، لأن فعله موافق لما أمر به، وكذا لا شيء على من سجد على شق جبهته لأنه يكفي السجود على أيسر ما يمكن من الجبهة، إذ هو الواجب عليه، وكذا لا شيء عليه أيضا إذا سجد على طية أو طيتين من عمامته من حيث بطلان الصلاة، إلا أنه يكره له ذلك، ففي المدونة: ويكره السجود على كور عمامته، بفتح الكاف، أي إذا كان قدر الطاقة والطاقتين اللطيفتين، ومثلوا الطاقة اللطيفة بلغة المغاربة بالشاش الرفيع.( ولا شيء في غلبة القيء والقلس في الصلاة ) كلام المصنف هذا بسبب إطلاقه لم يوافق عليه، فعد ابن القاسم وهو المشهور أن من غلبه قيء أو قلس وكان يسيرا طاهرا ولم يزدرد منه شيء، أي لم يرجع منه شيء بعد انفصاله إلى محل يمكن طرحه

(1/137)

ويستحب له أن يعيد شيئاً من القراءة ثم يركع ويسجد بعد السلام.ومن نسي سجدة واحدة وتذكرها بعد قيامه رجع جالساً وسجدها إلا أن يكون قد جلس قبل القيام فلا يعيد الجلوس. ومن نسي سجدتين خر ساجداً ولم_________________________لم تبطل صلاته، فتقييد الحكم بهذه القيود ينافي إطلاقه، ومقابل المشهور ما في المدونة ففيها: ومن تقيأ في الصلاة عامدا أو غير عامد ابتدأ الصلاة، فإذا نزلنا كلام المصنف على واحد من هذين النصين نراه مفارقا.( وسهو المأموم يحمله الإمام، إلا أن يكون من نقص الفريضة ) أي أن السهو من المأموم تعلق بشيء من الصلاة، كالسنن أو الفضائل، فإن الإمام يتحمله عنه ولا شيء على المأموم من سجود وإتيان ببدل المتروك، ما لم يكن المتروك ركنا من أركان الصلاة، فإن الإمام لا يحمله عنه إذا كان الركن غير الفاتحة كالركوع والسجود، وأما الر كن الذي هو الفاتحة فإن الإمام يحمله عنه بل إنه يكره للمأموم قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية.( وإذا سها المأموم أو نعس أو زوحم عن الركوع وهو في غير الأولى، فإن طمع في إدراك الإمام قبل رفعه

(1/138)

يجلس ويسجد في جميع ذلك بعد السلام.وإن تذكر السجود بعد رفع رأسه من الركعة التي تليها تمادى على صلاته ولم يرجع وألغى ركعة السهو وزاد ركعة في موضعها بانياً، وسجد قبل السلام إن كانت من_________________________من السجدة الثانية ركع ولحقه، وإن لم يطمع ترك الركوع وتبع إمامه وقضى ركعة في موضعها بعد سلام إمامه ) أي من كان في سجن الإمام وحصل له مانع من متابعة الإمام بأن نعس أو زوحم أو سها عن متابعته في الركوع، فلا يخو إما أن يكون ذلك في الركعة الأولى أو في غيرها، فإن كان في غير الأولى كالثانية أو الثالثة فأمره دائر بين أمرين: إما أن يطمع في إدراكه قبل أن يرفع رأسه من السجدة الثانية أو لا، فإن طمع بأن غلب على ظنه أنه إن ركع أدركه قبل أن يرفع رأسه من السجدة الثانية فإنه يركع ويتبع الإمام، وإن لم يطمع بأن غلب على ظنه أنه إن ركع لا يدركه قبل أن يفرغ من السجدة الثانية ترك الركوع وتبعه فيما هو فيه أعمال الصلاة وقضى ركعة أخرى مكانها بعد سلام الإمام، ولا سجود إن كان متحققا ترك الركوع، وإلا سجد بعد السلام.

(1/139)

الأوليين وتذكر بعد عقد الثالثة، وبعد السلام إن لم تكن من الأوليين أو كانت منهما وتذكر قبل عقد الثالثة لأن السورة والجلوس لم يفوتا.ومن سلم شاكاً في كمال صلاته بطلت صلاته.والسهو في صلاة_________________________( وإن سها عن السجود أو زوحم أو نعس، حتى قام الإمام إلى ركعة أخرى سجد إن طمع في إدراك الإمام قبل عقد الركوع، وإلا تركه وتبع الإمام وقضى ركعة أخرى أيضا ) أي من حصل له مانع من إدراك السجود مع الإمام حتى قام الإمام إلى الركعة التي تليها بأن سها عن السجود أو زوحم عنه أو نعس، فلا يخلو من أمرين: إما أن يطمع في إدراك الإمام قبل أن يعقد ركوع التي قام إليها أو لا، فإن طمع في إدراكه بأن غلب على ظنه بأنه لو سجد للحق الإمام قبل أن يعقد ركوع التي قام إليها فإنه يسجد ويتابع الإمام، وإن لم يطمع في إدراكه بأن غلب على ظنه أنه لو سجد لفاته إدراك الإمام في الركوع من التي قام إليها فإنه يترك السجود ويتابع الإمام فيما هو متلبس به، ويقضي ركعة أخرى مكانها بعد مفارقة الإمام، ولا سجود عليه حيث كان على يقين من ترك السجود، وإلا سجد بعد السلام .

(1/140)

القضاء كالسهو في صلاة الأداء.والسهو في النافلة كالسهو في الفريضة إلا في ست مسائل: الفاتحة، والسورة، والسر، والجهر، وزيادة ركعة ونسيان بعض الأركان إن طال.فمن نسي الفاتحة في النافلة وتذكر_________________________( ومن جاءته عقرب أو حية فقتلها فلا شيء عليه، إلا أن يطول أو يستدبر القبلة فإنه يقطع ) أي أن من أتى عليه شيء من هوام الأرض كعقرب أو حية فانشغل بقتله فلا شيء عليه ما لم يكثر منه الاشتغال بذلك بأن يعده العرف كثيرا، أو يلزم على فعله استدبار القبلة، فإن حصل واحد منها قطع الصلاة واستأنفها .( ومن شك هل هو في الوتر أو في ثانية الشفع جعلها ثانية الشفع وسجد بعد السلام ثم أوتر ) أي من دار شكه فيما هو متلبس به من الصلاة ما هو فيه: ثانية الركعة تقدمت قبلها أو هو الوتر؟ وحينئذ فاللازم عليه أن يحمل ما هو فيه الشفع ويسجد بعد السلام، لاحتمال أن يكون ما ضمه هو الوتر، فيكون قد أوتر بثلاث ركعات لم يفصل بينها بسلام، وكان القياس أن يسجد قبل السلام لنقص السلام [من] اثنين على هذا الاحتمال، ثم يوتر بركعة.

(1/141)

بعد الركوع تمادى وسجد قبل السلام، بخلاف الفريضة فإنه يلغي تلك الركعة ويزيد أخرى ويتمادى، ويكون سجوده كما ذكرنا في تارك السجود.ومن نسي السورة أو الجهر أو السر في النافلة وتذكر بعد_________________________( ومن تكلم بين الشفع والوتر ساهيا فلا شيء عليه وإن كان عامدا، وكره ولا شيء عليه ) أي أن الفصل بين الشفع والوتر بالكلام مكروه إذ كان عمدا، ولا كراهة في غير العمد، وعلى كلا الأمرين لا شيء على من تكلم غير الكراهة حيث تعمد الكلام.( والمسبوق إن أدرك مع الإمام أقل من ركعة فلا يسجد معه قبليا ولا بعديا، فإن سجد معه بطلت صلاته ) أي أن من لم ينسحب عليه حكم الجماعة بأن أدرك ما دون ركعة لا يدخل مع الجماعة فيما ترتب عليها من سجود قبلي أو بعدي، لأنه لم يدرك مقتضاه من نقص أو زيادة، فإذا سجد الإمام سجودا قبليا لمقتض اقتضاه أو سجودا بعديا لمقتض آخر، فلا يدخل معه لا في السجود القبلي ولا في البعدي لأنه لم يدرك موجبا، فإن دخل معه في سجود قبلي أو بعدي بطلت صلاته. ( وان أدرك ركعة كاملة وأكثر سجد معه القبلي، وأخر البعدي

(1/142)

الركوع تمادى ولا سجود عليه، بخلاف الفريضة.ومن قام إلى ثالثة في النافلة، فإن تذكر قبل عقد الركوع رجع وسجد بعد السلام، وإن عقد الثالثة تمادى وزاد الرابعة وسجد قبل السلام، بخلاف الفريضة فإنه يرجع متى_________________________حتى يتم صلاته فيسجد بعد صلاته، فإن سجد مع الإمام عامدا بطلت صلاته، وإن كان ساهيا سجد بعد السلام ) أي أن من أدرك الجماعة بأن أدرك مع الإمام ركعة فأكثر يكون حكمه حكم الإمام في السهو الحاصل من الإمام، فإن ترتب على الإمام سجود قبلي لمقتض اقضاه فإنه يتابع الإمام، فإذا سجدَ سجد معه، لقوله عليه الصلاة والسلام: " وليس على من خلف الإمام سهو، وإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه ) وإذا ترتب على الإمام سجود بعدي فلا يسجد معه المأموم بل يؤخر البعدي حتى يتم صلاته ثم يسجد نظير ما فعل الإمام، فإذا خالف وسجد معه البعدي بطلت صلاته لأنه أدخل فيها ما ليس منها ولا يعذر بالجهل، فحكم الجهل حكم العمد: بطلان الصلاة ووجوب الإعادة أبدا، وعذره ابن القاسم في الجهل فحكم له بحكم النسيان مراعاة لمن يقول عليه السجود مع الإمام.

(1/143)

ما ذكر ويسجد بعد السلام. ومن نسي ركناً من النافلة كالركوع أو السجود ولم يتذكر حتى سلم وطال فلا_________________________( وإذا سها المسبوق بعد سلام الإمام فهو كالمصلي وحده ) أي أن سهو المأموم في حال القدوة يكمله عنه الإمام، وأما سهوه في حال قضاء ما فاته فلا يحمله عنه، لأن القدوة قد انقطعت، وحكمه إذا حكم المنفرد.( وإذا ترتب على المسبوق بعدي من جهة إمامه وقبلي من جهة نفسه أجزأه القبلي ) يعني أنه لو ترتب على الإمام سجود بعدي وقلنا إن الحكم في ذلك بالنسبة للمأموم أنه يؤخر البعدي حتى يقضي ما فاته مع الإمام ويسلم ثم يأتي به، فاتفق أنه بعد أن قام لقضاء ما فاته مع الإمام ترتب عليه سجود قبلي، فما يكون أولى بالتقديم ويكفي في أداء السنة المشهور، أنه يسجد القبلي، ويكون هو الذي تنادي به سنة المسجود وناب عن البعدي .( ومن نسي الركوع وتذكره في السجود رجع قائما، ويستحب له أن يعيد شيئا من القراءة ثم يركع ويسجد بعد السلام ) أي حكم من نسي الركوع ولم يتذكره إلا في حال سجوده أنه يرجع قائما ليكون ركوعه من قيام، لأن الحركة

(1/144)

إعادة عليه، بخلاف الفريضة فإنه يعيدها أبداً. ومن قطع النافلة عامداً أو ترك منها ركعة أو سجدة عامداً أعادها_________________________إلى الركن مقصودة، ويستحب له بعد أن يرجع قائما أن يقرأ شيئا من القرآن قبل أن يركع، لأن من سنة الركوع أن يكون عقب القراءة، ثم يسن له أن يسجد بعد السلام للزيادة التي وقت منه.( ومن نسي سجدة واحدة وتذكرها بعد قيامه رجع جالسا وسجدها، إلا أن يكون قد جلس قبل القيام فلا يعيد الجلوس ) أي حكم من نسي سجدة ولم يتذكر إلا بعد القيام، أنه يرجع جالسا ليكون سجوده من جلوس، ولو كان جلس أولا، فإن لم يجلس فالظاهر كما قال بعض الأفاضل: البطلان، إذ الجلوس بين السجدتين واجب، ولأن قصد السجدة الثانية من حيث كونها ثانية إنما يتحقق بقصد الإتيان بها من جلوس. ( ومن نسي سجدتين خر ساجدا ولم يجلس ويسجد في جميع ذلك بعد السلام ) أي حكم من ترك السجدتين معا ولم يفقه إلا بعد القيام، أنه يخر للسجود من قيام كما هي سنة السجود بعد الركوع ولا يجلس، ثم يأتي بالسجود من جلوس، لأن هذا ليس من سنته، وحيث أتى بما طلب منه فيما إذا ترك سجدة

(1/145)

أبدا. ومن تنهد في صلاته فلا شيء عليه إلا أن ينطق بحروف.وإذا سها الإمام بنقص أو زيادة سبح به المأموم._________________________أو سجدتين فيسن له السجود بعد السلام.( وإن تذكر السجود بعد رفع رأسه من الركعة التي تليه تمادى على صلاته ولم يرجع، وألغى ركعة السهو وزاد ركعة في موضعها بانيا، وسجد قبل السلام إن كانت من الأوليين وتذكر بعد عقد الثالثة، وبعد السلام إن لم تكن من الأوليين أو كانت منهما وتذكر قبل عقد الثالثة لأن السورة والجلوس لم يفوتا، أي أن محل التدارك إذا لم يعقد الركوع من الركعة التي تلي ركعة النقص، وإلا فات التدارك، فمن ترك السجود ولم يتذكر إلا بعد أن عقد الركوع من الركعة التي تلي الركعة التي نسي منها السجود فإنه يتمادى على صلاته ويلغي ركعة النقص ويبني على ما لم يتطرق إليه الخلل. فإن كان ما تطرق إليه الخلل إحدى الأوليين، فإنه بعد أن يأتي بركعة مكان الركعة الملغاة، يسجد قبل السلام لنقص السورة من الركعة الثالثة التي أقامها مقام إحدى الأوليين، ويسجد بعد السلام إن لم تكن إحدى الأوليين بأن كانت الثالثة أو الرابعة أو كانت إحدى الأوليين وتذكر قبل عقد ركوع الركعة الثالثة وصورة ذلك 

وإذا قام إمامك من ركعتين فسبح به، فإن فارق الأرض فاتبعه، وإن جلس في الأولى أو في الثالثة فقم ولا تجلس_رجل نوى الصلاة فقرأ وركع، ثم نسي السجود، ثم أتى بركعة ثانية تامة بركوعها وسجودها، ثم قام إلى ثالثة وقبل أن يعقد ركوعها تذكر الخلل في الركعة الأولى وقد فات التدارك بعقد التي تليها، وحينئذ يلغي الركعة التي وقع فيها الخلل وتقلب الركعات، فتصير الثانية أولى فيبني عليها ويتمم الركعة الثالثة ويجعلها الثانية فيقرأ فيها السورة ويجلس فيها بعد السجود، فلم تفته قراءة السورة ولا الجلوس بعد السجود، فلم يتطرف إلى صلاته إلا الركعة الملغاة وهي زيادة محضة يسن لها السجود بعد السلام.( ومن سلم شاكا في كمال صلاته بطلت صلاته ) لأن الذمة لا تبرأ إلا بيقين، ولا يقين مع الشك، وطرق الشك في كمال الصلاة وعدم زواله قبل السلام منها مفسد لها، فبمجرد السلام مع الشك في الكمال ترتب في ذمته وصارت ذمته مشغولة بها حتى يؤديها.( والسهو في صلاة القضاء كالسهو في صلاة الأداء ) أي أن صلاة القضاء وصلاة الأداء لم يفترقا في شيء من الأحكام 

معه، وإن سجد واحدة وترك الثانية فسبح به ولا تقم معه إلا أن تخاف عقد ركوعه فاتبعه ولا تجلس بعد__اللازمة [فمن] يؤدي الصلاة في وقتها لازمة [كمن] قام بقضائها إذا ترتب في ذمته. ( والسهو في النافلة كالسهو في الفريضة إلا في ست مسائل ) أي أن حكم السهو في النافلة حكم السهو في الفريضة، فمن سها في النافلة بزيادة يسيرة، سواء كانت من غير أقوال الصلاة كالتكلم ساهيا، أو كانت من جنس أفعال الصلاة كالركوع والسجود، فليسجد للسهو سجدتين بعد السلام، وخالف ابن سيرين وغيره فقال إنه لا سجود في النافلة، والدليل على طلبه في النافلة قوله صلى الله عليه وسلم: " لكل سهو سجدتان " . والحاصل أن النافلة كالفريضة إلا في خمس مسائل، فليس حكم النافلة فيها كالفريضة، وزاد المصنف مسألة سادسة وهو قوله: ( الفاتحة ) ولم أر هذه الزيادة لغيره بعد البحث عنها. وحاصلة المسائل التي تفارق فيها النافلة الفريضة بانضمام زيادة المصنف إليها ( الفاتحة، والسورة، والسر، والجهر، وزيادة ركعة، ونسيان بعض الأركان إن طال، فمن نسي الفاتحة في النافلة وتذكر بعد الركوع تمادى وسجد قبل السلام، بخلاف الفريضة فإنه يلغي الركعة ذلك معه لا في ثانية ولا في رابعة، فإذا سلم فزد ركعة أخرى بدلاً من الركعة التي ألغيتها بانياً وتسجد قبل__ويزيد أخرى ويتمادى ويكون سجوده كما ذكرنا في تارك السجود ) هذه إحدى المسائل التي تفارق فيها النافلة الفريضة، وصورتها: رجل أحرم بركعتين ثم سها عن قراءة الفاتحة ولم يتذكر إلا بعد الركوع، فإنه يتمادى على صلاته ويجبر هذا النقص بسبب ترك قراءة الفاتحة بالسجود قبل السلام، ولو حصل منه ذلك السهو بعينه في الفريضة لم يكن الحكم كذلك، بل إذا سها عن قراءة الفاتحة في الفريضة ولم يتذكر إلا بعد أن عقد الركوع فإنه يتمادى على صلاته ويأتي بركعة أخرى مكان الركعة التي تطرق إليها الخلل بسبب ترك قراءة الفاتحة منها، ويكون سجوده بعد السلام إن كانت الركعة الملغاة غير الأوليين. ( ومن نسي السورة أو جهر أو أسر في النافلة وتذكر بعد الركوع تمادى ولا سجود عليه، بخلاف الفريضة ) يعني لا يعد ترك شيء من هذه الأشياء نقصا في النافلة حتى يجبر بالسجود، بل إذا سها عن قراءة السورة أو السر أو الجهر في النافلة ولم يتذكر إلا بعد أن عقد الركوع فإنه يتمادى على صلاته ويتممها ولا شيء عليه، بخلاف ما إذا ترك واحدا من السلام. فإن كنتم جماعة الأفضل لكم أن تقدموا واحداً يتم بكم. وإذا زاد الإمام سجدة ثالثة فسبح به_هذه الأشياء الثلاثة في الفريضة سهوا ولم يتذكر إلا بعد عقد الركوع، فإنه يتمادى على صلاته ويتممها، ولكن يسن له السجود مع مراعاة مكانه من كونه قبليا أو بعديا على حسب ما يقتضيه المتروك من التفصيل الذي تقدم في السنن، فإن كان المتروك يقتضي السجود قبل السلام سجد قبل، وان كان يقتضي السجود بعد سجد بعد. ( ومن قام إلى ثالثة في النافلة، فإن تذكر قبل عقد الركوع رجع وسجد بعد السلام، وإن عقد الثالثة تمادى وزاد الرابعة وسجد بعد السلام، بخلاف الفريضة فإنه رجع متى ذكر ويسجد بعد السلام ) أي حكم من كان في صلاة النافلة إذا قام إلى ثالثة دائر بين أمرين: إما أن يتذكر قبل عقد ركوع الثالثة أو بعد أن عقد ركوعها، فإن تذكر قبل الركوع فإنه رجع إلى الجلوس ويسلم ويسجد بعد السلام لهذه الزيادة، وإن تذكر بعد أن عقد ركوع الركعة الثالثة فلا يرجع بل يتمادى على صلاته ويضم لها ركعة رابعة ويسجد قبل السلام لنقض السلام من اثنتين، ولا كذلك في الفريضة، بل متى قام إلى ركعة زائدة فإنه يرجع إلى صلاته مطلقا سواء تذكر بعد 

ولا تسجد معه. وإذا قام الإمام إلى خامسة تبعَه من تيقن عقد ركوع الركعة التي زادها أو قبل عقد ركوعها، فلو تمادى وتم الركعة الزائدة بطلت صلاته، وإذا فعل ما أمر به من الرجوع إلى صلاته مطلقا ولو بعد انعقاد الركعة الزائدة فإنه يسجد بعد السلام. ( ومن نسي ركنا من النافلة كالركوع أو السجود ولم يتذكر حتى سلم وطال، فلا إعادة عليه، بخلاف الفريضة فإنه يعيدها أبدا ) أي أن حكم النافلة إذا سها عن ركن منها كالركوع والسجود ولم يتذكر حتى سلم وطال فلا إعادة عليه، بخلاف ما إذا سها عن ركن من الفريضة ولم يتذكر حتى سلم وطال فإنه ملزوم بإعادتها أبدا ولا تسقط عنه بحال من الأحوال. ( ومن قطع النافلة عامدا أو ترك منها ركعة أو سجدة عامدا أعادها أبدا ) بناء على أن النوافل تلزم بالشروع، فمن شرع فيها لزمته، فإذا أفسدها بإخلال ركن منها عمدا أو تعمد قطعها لزمه أن يأتي ببدلها لوجوبها عليه وجوب الفرائض بمجرد الشروع فيها، لأنه ألزم نفسه بها ولا تبرأ ذمته إلا بفعلها صحيحة ( ومن تنهد في صلاته فلا شيء عليه إلا أن ينطق بحروف ) فإذا ظهر منه حروف صار حكمه حكم الكلام يبطل عمده ويغتفر سهوه إلا أنه يسجد بعد السلام. ( وإذا سها الإمام 

موجبها أو شك فيه، وجلس من تيقن زيادتها. فإن جلس___بنقص أو زيادة سبح له المأموم ) قال مالك: ولا بأس بالتسبيح في الصلاة للرجال والنساء، دليله من السنة قوله صلى الله عليه وسلم: " من نابه شيء في صلاته فليسبح " وهو مذهب المدونة، أن النساء يسبحن ولا يصفقن.( وإذا قام إمامك من ركعتين فسبح به، فإن فارق الأرض فاتبعه ) يعني أن الإمام إذا قام من ركعتين، أي تزحزح للقيام قبل أن يجلس فإنه يسبح به من خلفه، فإن تذكر ورجع قبل أن يفارق الأرض بيديه وركبتيه فالأمر ظاهر، وإن لم يتذكر حتى استقل قائما لم يرجع ويتبعه من خلفه، ويسجد قبل السلام. ( وإن جلس ) في غير محل الجلوس كما إذا جلس ( في الأولى أو الثالثة ) فإن المأموم لا يوافقه على هذا الجلوس، إذ هو لم يشرع في هذا المحل، ويؤمر بالقيام ويسبح للإمام لعله يتذكر. ( وإن سجد واحدة وترك الثانية فسبح به ولا تقم معه، إلا أن تخاف عقد ركوعه فاتبعه ولا تجلس بعد ذلك معه، لا في الثالثة ولا في الرابعة، فإذا سلم فزد ركعة أخرى بدلا من الركعة التي ألغيتها بانيا، وتسجد قبل السلام، فإن كنتم جماعة فالأفضل لكم أن تقدموا واحدا يتم بكم ) أي من خلف الإمام إذا سجد

(1/152)

الأول وقام الثاني بطلت صلاته. وإذا سلم الإمام قبل____الإمام إحدى السجدتين وترك الأخرى أنه يسبح به، فإذا تذكر ورجع إلى السجدة الثانية فالأمر ظاهر، وإن لم رجع واستمر على صلاته فلا يتبعه المأموم ولا يقم معه في كل حال، إلا إذا خاف عقد ركوعه فإنه يتبعه، ولكن لا يجلس معه لا في ثانية على حسب اعتقاده بل يستمر على قيامه، ولا في رابعة على حسب اعتقاده أيضا، فإذا فرغ الإمام من صلاته بأن سلم منها كنت مطالبا بزيادة ركعة بدل الركعة التي ألغيتها لنقصها بترك إحدى السجدتين منها، ويكون في ركعة البدل بانيا في الأقوال والأفعال، وتسجد قبل السلام، والأفضل لمن نابهم هذا الأمر إذا كانوا جماعة أن يقدموا واحدا منهم بعد سلام الإمام ليتمم بهم الصلاة.( وإذا زاد الإمام سجدة ثالثة فسبح به ولا تسجد معه ) لا يقال: يلزم على ترك السجود معه مخالفة ونحن مأمورون باتباعه، لأنا نقول إن الأمر باتباعه في غير ما أخطأ فيه، وهذا بين الخطإ، فالواجب إذا مخالفته، غاية الأمر أنا نسبح به، فإن رجع فالأمر ظاهر وإلا فلا تتبعه( وإذا قام الإمام إلى خامسة: تبعه من تيقن موجبها أو شك فيه، وجلس من تيقن زيادتها، فإن كمال الصلاة سبح به من خلفه، فإن صدقه كمل صلاته _جلس الأول وقام الثاني بطلت صلاته ) يعني أن الإمام إذا قام لزائدة كخامسة في رباعية أو رابعة في ثلاثية، أو ثالثة في ثنائية فمأمومه على خمسة أقسام: متيقن انتفاء تلك الركعة، ومتيقن موجبها لعلمه ببطلان إحدى الأربع بوجه من وجوه البطلان، وظان الموجب، وظان عدمه، وشاك في الموجب. فمتيقن انتفاء الموجب بالاعتقاد الجازم لكمال صلاته وصلاة إمامه يجلس وجوبا ويسبح، فإن لم يفقه كلمه بعضهم. وأما من تيقن ثبوت الموجب أو ظنه أو توهمه أو شك فيه: فإنه يجب عليه في هذه الأحوال الأربعة أن يتبعه في قيامه وجوبا. فإن خالف من أمر بالجلوس أو تبعه عمدا، أو جلس من أمر بالقيام عمدا، بطلت صلاة كل من لم يتبين أن ما فعلوه من المخالفة موافق لما في نفس الأمر، أما إن تبين لمن حكمه القيام فجلس موافقة فعله لما في نفس الأمر بأن تبين له وللإمام عدم موجب زيادة تلك الركعة، فقال الحطاب: الظاهر صحة صلاته، ولا تضره المخالفة، ولم ينص على هذا الحطاب. وأما من حكمه الجلوس فقام عمدا ثم تبين أن الإمام قام لموجب، فإن صلاته تصح عند ابن الموّاز واختار اللخمي البطلان. وأما من حكمه الجلوس لتيقنه انتفاء الموجب 

وسجد بعد السلام، وإن شك في خبره سأل عدلين وجاز لهما الكلام في ذلك، وإن تيقن الكمال عمل فقام سهوا لا تبطل صلاته، ولكنه بعد الركعة إذا تبين له خطأ يقينه، ولا تجزئه ركعة السهو على أصل المشهور، وكذا لا تبطل صلاة من حكمه القيام فجلس سهوا لكن يأتي الجالس سهوا عما أمر به من اتباع الإمام بركعة إذا استمر على اعتقاده ذلك.( وإذا سلم الإمام قبل كمال الصلاة سبح به من خلفه، فإن صدقه كمل صلاته وسجد بعد السلام، وإن شك في خبره سأل عدلين وجاز لهما الكلام في ذلك، وإن تيقن الكمال عمل على يقينه وترك العدلين، إلا أن يكثر الناس خلفه فيترك يقينه ويرجع إليهم ) حكم من سلم من صلاته قبل الكمال معتقدا الكمال، إذ لو سلم وهو على غير يقين من كمالها ليطلب بمجرد السلام أنه يسبح له من خلفه، فإن صدقه كمل صلاته وسجد بعد السلام، وأما إن شك في خبر من أخبره فإنه يسأل عدلين فإن أخبراه بأنه نقص من صلاته ركعة مثلا رجع إلى قولهما إن تيقن صدقهما أو شك في ذلك، فإن لم يتيقن صدقهما أو يشك 

على يقينه وترك العدلين إلا أن يكثر الناس خلفه فيترك يقينه ويرجع إليهم._ فيه، بل يتيقن خلاله ما أخبراه به فلا يرجع إليهما بل يبني على ما تيقنه من الإتمام، ويكون الواجب عليهما إتمام ما بقي عليهما أفذاذا أو بإمام، هذا إذا أخبره عدلان، وأما إذا كثر المخبرون له جدا بحيث يفيد خبرهم العلم الضروري فإنه يرجع إليهم ولو تيقن خلاف ما أخبروه.والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج8.كتاب جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم

ج8.كتاب جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين البغدادي الشهير بابن رجبِ   ...